وهذا القول وإن كان مستبعدا بحسب الظاهر إلآ أن إبطاله لا يخلو من
إشكال ، كما أن إثباته كذلك .
وقد استدلوا عليه : بأنه متحرك منتقل ، فإنه ينحدر من الشمس إلى
الأرض ، وينتقل من مكان إلى اخر ، والأعراض ليست كذلك .
وأجاب القائلون بعرضيته : بأنه ليس ثمة حركة وانتقال ، وإنما هو
حدوث ؛ فإن مقابلة الجسم الكثيف للمضيء معد لحدوث الضوء فيه ، والحركة
والانتقال محض توهم .
وسببه : أن حدوث الضوء في الجسم السافل لما كان بسبب مقابلته للجسم
العالي تخيل أنه انحدر من العالي إلى السافل.
وحدوثه في القابل لما كان تابعا لوضعه ومحاذاته للمضيء - بحيث إذا زالت
تلك المحاذاة إلى قابل آخر زال الضوء عن الأول وحدث في ذلك الآخر- ظن أنه
انتقل من الأول إلى الثاني .
واستدلوا على بطلان القول بجسميته : بأنه محسوس بحس البصر ،
فلو كان جسما [161 | ب] لكان ساتراً لما يحيط به ، وكان الأشد ضوءاً أشد
استتاراً .
واعترض عليه : بأن الحائل بين الرائي والمرئي إنما يستر المرئي إذا كان
كثيفا لعدم نفوذ شعاع البصر فيه أما إذا كان شفافا فلا ؛ فإن صفحة البلور تزيد
ما خلفها ظهورا وانكشافا ، ولذلك يستعين بها الطاعنون في السن على قراءة
الخطوط الدقيقة .
وأجيب عنه : بانه لو كان جسما لم تكن كثرته موجبة لشدة الإحساس بما
تحته ، لأن الحس يشتغل به ، فكلما كان أكثركان الاشتغال به أكثرفيقل
الاحساس بما وراءه ، ألا ترى أن تلك الصفحة إذا غلظت جدا أوجبت لما تحتها
سترا ، وأن الاستعانة بالرقيقة منها إنما هي للعيون الضعيفة لاحتياجها إلى جمع
____________
=
الفنون 1 : 870 وغيرها.
( 102 )
الروح الباصرة - على ما بُينّ في موضعه - دون القوية ، بل هي حجاب لها عن
رؤية ما وراءها . هكذا أورده شارح المواقف
(1) ، والشارح الجديد للتجريد
(2) .
**
وأقول : في هذا الجواب نظر ، فإن لهم أن يقولوا أن الملازمة ممنوعة ، فإن
بعض الأجسام الشفافة يوجب كثرتها وغلظها زيادة ظهور ما خلفها لحس البصر ،
ولهذا ترى الشمس والقمر وسائر الكواكب حال كونها قريبة من الأفق ، أعظم
منها حال كونها على سمت الرأس ، مع أنها وهي على الأفق ، أبعد عنا منها وهي
على سمت الراس بأزيد من نصف قطر الأرض ، كما لا يخفى على من له أدنى
تخيل ؛ وما ذلك إلا لأن سمك البخار وغلظه بين البصر والكوكب حال قربه من
الأفق أكثر مما بينهما حال كونه على سمت الرأس كما بين باستبانة الثاني من
ثالثة [171 | أ] كتاب الأصول .
وكذلك حال الصفحة من البلور ، فإنها إذا رقت جدا لم تؤثر في الإعانة
على قراءة الخطوط الرقيقة ، بل لا بد لها من غلظ يعتدّ به ، ومن ثم نرى
الطاعنين في السن ربما يستعينون بمضاعفتها على قراءة تلك الخطوط ، على أنه لا
يلزم من كون ازدياد ثخن البلور مؤديا إلى ستر ما وراءه أن يكون ازدياد ثخن كل
شفاف مؤديا إلى ذلك .
ألا ترى أن ثخن مجموع كرتي الهواء والنار والأفلاك التي تحت فلك الثوابت
تزيد على خمسة وعشرين ألف ألف فرسخ كما بينوه ، ومع ذلك لا تحجب أبصارنا
عن رؤية ما وراءها ، ولم لا يجوز أن لا تصل مراتب ثخن الضوء -على تقدير
جسميته - إلى حد يصير به عائقا عن الاحساس بما خلفه ؛ وأن يكون الضوء
بالنسبة إلى كل العيون بمنزلة الصفحة الغير الغليظة جدا من البلور بالنسبة إلى
عيون الطاعنين في السن .
____________
(1) شرح المواقف 2 : 149 ، وما بعدها، القسم الثاني من المبصرات .
(2) شرح التجريد: 241 ، عند قول الخواجه نصير: « ولو كان الثاني جسما لحصل ضد المحسوس ».
وأنظر كشف المراد : 232.
( 103 )
فكما أن هذه لا تبصر الأشياء الصغيرة والخطوط الدقيقة إلا بتوسط تلك
الصفحة ، فكذلك تلك لا تبصر شيئا من الأشياء إلا بتوسط الضوء ، وكما أن
هذه لا تشغل البصر عن الإحساس بما وراءها فكذلك تلك . والله أعلم بحقائق
الاُمور .
تبصرة :
لعله عليه السلام أراد بالظلم في قوله : «نور بك الظلم » الأهوية المظلمة ،
لا الظلمات أنفسها ، فإنها لا تتصف بالنور .
وتجويز كونه عليه السلام أراد ذلك مبني على أن الهواء يتكيف بالضوء ،
وهو مختلف فيه ، فالذين جعلوا اللون شرطا في التكيف بالضوء منعوا منه .
**
وأورد عليهم : أنا نرى عند الصبح ما يقارب الأفق مضيئا ، وما هو إلا
الهواء المتكيف بالضوء .
**
وأجابوا : بأن ذلك للأجزاء البخارية المختلطة به ، والكلام في الهواء
الصرف الخالي من الشوائب البخارية والدخانية القابلة للضوء بسبب كونها متلونة
في الجملة .
**
ورده الفخر الرازي : بأنه يلزم من ذلك أن الهواء كلما كان أصفى كان
الضوء الحاصل فيه قبل الطلوع وبعد الغروب أضعف ، وكلما كان البخار والغبار
فيه أكثر كان الضوء أقوى ؛ لكن الأمر بالعكس [171 | ب أ]
(1) ، هذا كلامه ،
وللتأمل فيه مجال واسع .
واستدل في الملخص على استضاءة الهواء بأنه لو لم يتكيف بالضوء لوجب أن
نرى بالنهار الكواكب التي في خلاف جهة الشمس ؛ لأن الكواكب باقية على
ضوئها ، والحس لم ينفعل على ذلك التقدير من ضوء أقوى من ضوئها يمنع
____________
(1) حكاه عنه شارح المواقف 2 : 154.
( 104 )
الإحساس بها
(1).
والحق أن تكيف الهواء بالضوء في الجملة مما لا ينبغي أن يرتاب فيه فارادته
عليه السلام بالظلم الأهوية المظلمة لا مانع منه .
ويجوز أن يريد عليه السلام بالظلم الأجسام المظلمة سوى الهواء ، وهذا
أحسن ؛ لاستغنائه عن تجشم الاستدلال على قبول الهواء للضوء ، وسلامته عن
ثبوت الخلاف ، والله أعلم .
إكمال :
يمكن أن يكون مراده عليه السلام بتنوير الظلم إعدامها ، بإحداث الضوء
في محالها ، وهذا يبتني على القول بأن الظلمه كيفية وجودية ، كما ذهب إليه
جماعة ، وهذا الرأي وان كان الأكثر على بطلانه إلا أن دلائلهم على بطلانه ليست
بتلك القوة ، فهو باق على أصل الإمكان إلى أن يذود عنه قاطع البرهان ، فلو
جوز مجوز احتمال كونه أحد محامل كلامه عليه السلام لم يكن في ذلك حرج .
**
وأجود تلك الدلائل ما ذكروا من : أن الظلمة لو كانت كيفية وجودية
لكانت مانعة للجالس في الغار المظلم من رؤية من هو في هواء مضيء خارج
الغار ، كما هي مانعة له من إبصار من هو في الغار ، وذلك للقطع بعدم الفرق في
الحائل المانع من الإبصار بين أن يكون محيطا بالرائي أو بالمرئي أو متوسطا بينهما .
**
وربما منع ذلك بأنها ليست بمانعة ، بل إحاطة الضوء بالمرئي شرط للرؤية ،
وهو منتف في الغار ر [18 | أ] ، أو يقال : العائق عن الرؤية هو الظلمة
(2) المحيطة
بالمرئي لا الظلمة المحيطة بالرائي ، أو الظلمة مطلقا .
وليس ذلك بأبعد مما يقال : شرط الرؤية هو الضوء المحيط بالمرئي ، لا
____________
(1) الملخص :مخطوط .
(2) في المصدر الآتي : «. . . هو الضوء المحيط » . ولعل الصحيح المثبت بمقارنة ما بعده . وانظر شرح
المراقف 2 : 149 .
( 105 )
الضوء المحيط بالرائي ، ولا الضوء مطلقا .
وقولهم : لا فرق في الحائل بين أن يكون محيطا بالرائي أو المرئي مسلم فيما
إذا كانت ذات الشيء مانعة من الإبصار ، لا فيما تكون مانعة بشرطه ، هكذا
أورده الشارح الجديد للتجريد
(1) ، وهو كلام جيد لا غبار عليه .
**
وقال الفخر الرازي في المباحث المشرقية : الظلمة أمر عدمي ، لأنا إذا
غمضنا العين كان حالنا كما إذا فتحناها في الظلمة ، فكما أنا عند التغميض لا
ندرك شيئا ، فكذلك إذا فتحناها في الظلمة وجب أن لا ندرك كيفية في الجسم
المظلم ، ولأنا لو قدرنا خلو الجسم عن النور من غير انضياف صفة اخرى إليه
لم يكن حاله إلا هذه الظلمة ، ومتى كان كذلك لم تكن الظلمة أمرا وجوديا
(2) .
إنتهى كلامه .
وأورد عليه : أنه كلام ظاهري إقناعي ، يتطرق إليه الخدش والمنع من
جوانبه ، ومثله في المقام البرهاني مما لا يصغى إليه .
توضيح حال :
أراد عليه السلام «بالزيادة والنقصان » زيادة نور القمر ونقصانه بحسب ما
يظهر للحس ، لأن الزيادة والنقصان حاصلان له في الواقع وبحسب نفس
الأمر ، لأن الأزيد من نصفه منير دائما ، كما بين في محله ، وأما زيادته في
الاجتماع ونقصانه في الاستقبال كما هو شأن الكرة الصغيرة المتنيرة من الكبيرة
حالتي القرب والبعد فليس الكلام فيهما ، إنما الكلام في الزيادة والنقصان المسببين
عن البعد والقرب ، المدركين بالحس .
**
وربما يتراءى لبعض الأفهام من ظاهر قوله عليه السلام : «وامتهنك
بالزيادة والنقصان »أن زيادة نور القمر ونقصانه المحسوسين واقعان بحسب الحقيقة ،
وحاصلان في نفس الأمر ، كما هو معتقد كثير من الناس ، وهذا وإن كان ممكنا
____________
(1) شرح التجريد لعلاء الدين القوشجي : 242 ، عند شرح قول المحقق الطوسي : والظلمة عدم
ملكة.
(2) المباحث المشرقية 1 : 304 ، ألفصل الثامن من الباب الثالث في الكيفيات المبصرة .
( 106 )
**
نظرا إلى قدرة الله تعالى - على أن يحدث في جرمه أول الشهر شيئا يسيرا من
النور ، ويزيده على التدريج إلى أن يصير بدرا ، ثم يسلبه عنه شيئا فشيئا إلى
المحاق - إلا أن حمل كلامه عليه السلام على ما هومتفق عليه بين أساطين علماء
الهيئة حتى عد من الحدسيات أليق وأولى ، وهم مع قطع النظر عما أوجب
تحدسهم بذلك إنما اقتبسوا هذا العلم من أصحاب الوحي سلام الله عليهم ،
كشيث [18 | ب ] على نبينا وعليه السلام ، المشتهر في زمانهم بفيثاغورس ،
وقيل : إنه أغاتا ريمون
(1) ؛ وكإدريس على نبينا وعليه السلام ، المدعو على
لسانهم بهرمس .
**
وقد نقل جماعة من المفسرين منهم الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي طاب
مثواه - عند تفسير قوله تعالى : (
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا
نبيا)
(2)-أن علم الهيئة كان معجزة له عليه السلام
(3) .
ونقل السيد الطاهر ذو المناقب والمفاخر رضي الدين علي بن طاوس - قدس
الله روحه - في كتاب فرج المهموم في معرفة الحلال والحرام من علم النجوم قولا
بأن أبرخس وبطليموس كانا من الأنبياء ، وأن أكثر الحكماء كانوا كذلك ، وإنما
التبس على الناس أمرهم لأجل أسمائهم اليونانية
(4) (5) . هذا ما نقله طاب
ثراه ، ولا استبعاد فيه
(6) .
____________
(1) اختلف في ضبطه ، فورد تارة « اغاثاريمون » وأخرى « اغاثاذيمون » وغيرها .
(2) مريم : مكية ، 19 : 56.
(3) مجمع البيان 3 : 519 ، وأنظر أيضا التفسير الكبير 21 : 233 | الجامع لأحكام القرآن 11 : 117 |
عرائس المجالس : 49 | فرج المهموم : 21 ، 50 ، 78 ومواضع اخر .
(4) فرج المهموم : 151 حكاه عن كتاب ريحان المجالس وتحفة الموانس تاليف احمد بن الحسين بن علي
الرحمي .
(5) أي لما كانت اسماؤهم موافقة لأسماء بعض حكماء اليونان ، ألذين ينسب إليهم فساد الإعتقاد ،
أشتبه على الناس حالهم ، وظنوا أن أصحاب تلك الأسامي باجمعهم على نهج واحد من الاعتقاد ،
منه - قدس سره ، هامش الأصل .
(6) والذي يؤيد ما ذهبا إليه قدس الله ارواحهم رأي جمع من ألمؤرخين منهم المقدسي حيث يقول في
كتابه : « . . . ونبأه الله بعد وفاة آدم وأنزل عليه النجوم والطب واسمه عند اليونانيين هرمس »
=
( 107 )
وكل من له أدن خوض في هذا العلم الشريف لا يرتاب في أن اصول
مطالبه متلقاة من الأنبياء صلوات الله عليهم ، ويحكم حكما قطعيا لا يشوبه شوب
شبهة بأن القوة البشرية لم تستقل بادراك خبايا حقائقه ولم تستبد باستنباط خفايا
دقائقه ، وأن ما وصل إليه أصحاب هذا الفن بأرصادهم الجسمانية مقتبس من
مشكاة أصحاب الأرصاد الروحانية سلام الله عليهم أجمعين .
إشارة فيها إنارة :
لما كان نور القمر مستفادا من الشمس ، وكانت أعظم منه كما بين في
محله
(1) ، كان الأكثرمن نصفه متسنيرا بضوئها دائما والأقل من نصفه مظلما
دائما ؛ لما ثبت في الشكل الثاني من مقالة أرسطرخس
(2) فى جرمي النيرين ، من
____________
=
وكذلك في مورد آخر : «وأما الحرانية فانهم يقولون : لن تحصى اسماء الرسل الذين دعوا إلى ألله ،
وان مشهورهم أراني ، أغتاذيمون ، - أو أغاثاذيمون - وهرمس ، وسولن جد أفلاطون لأمه ، . . .
ومن القدماء من يقول، بنبوة أفلاطون ، وسقراط وأرسطاطاليس . . . ». وحكى ابن أبي أصيبعة في
عيون أنبائه عن ، كتاب مختار الحكم ما لفظه «. . . وأما هرمس هذا فهو الأول ولفظه أرمس وهو
أسم عطارد ، ويسمى عند أليونانيين أطرسمين ، وعند ألعرب إدريس ، وعند العبرانيين
أخنوخ . . . مولده بمصر» ونسب إلى أبي معشر البلخي في كتابه الالوف قوله : «وتسميه الفرس
اللهجد ، وتفسيره ذو ألعدل ، وهو الذي تذكر الحرانية نبوته . . . وهو أول من تكلم في ألأشياء
العلوية من الحركات النجومية ، وأن جده كيومرت - وهو آدم - علمه ساعات الليل والنهار . . . »
ولم يقتصر ذلك على المؤرخين بل ذكره المفسرون أيضا .
انظرللجميع : مروج الذهب 1 : 50 و 2 : 152| طبقات الحكماء : 5 - 10 | عيون الأنباء في
طبقات الأطباء : 1 3 - 32/ البدء والتاريخ 3 : 12 و 3 : 8 | تاريخ الحكماء : 1 و 346 | تاريخ
مختصر الدول 70 ، 8 | تاريخ علم الفلك : متفرقة | مجمع ألبيان 3 : 519 | التفسير الكبير
21 : 233 تفسير القرطبي 11 / 117 | العراثس : 49 | الملل وألنحل 2 : 47 | فرج ألهموم :
22 | مفاتيح العلوم : 113 | البداية والنهاية 1 : 99 | الكامل في التاريخ 1 : 34 - 35 | شرح
حكمة الاشراق : 21.
(1) قد ثبت في الأجرام : أن ألشمس ستة آلاف وستمائة وأحد وأربعون مثلا للقمر ، منه . قدّس
سره ، هامش المخطوط .
(2) ارسطرخس ، أو ارسطوخس ، يوناني اسكندراني ، خبير بعلم النجوم - الفلك - قيّم به ، من
أوحدي الناس في زمانه ، له : حد الشمس والقمر . تلمذ عليه الملك بطليموس ، عاش في
=
( 108 )
**
أنه إذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة أعظم منها كان المضيء من الصغرى
(1)
أعظم من نصفها
(2) ، والفصل المشترك بين المنير والمظلم منه دائرة قريبة من
____________
=
القرن الثالث قبل الميلاد ، وجاء في آخر كتابه : أن ارسطرخس أصله أرشطو ، ومعناه الصالح ،
وارخش ومعناه الرأس ، فركبوا واسقطوا الواو والألف تخفيفا .
له ترجمة في تاريخ الحكماء : 70 | الفهرست للنديم : 330 | لغة نامه دهخدا «حرف الألف » :
1823 .
(1) وعلى هذا المطلب دليل لطيف سوى هذا أوردته في حواشي تشريح الأفلاك «منه » قدس ، هامش
المخطوط .
(2) لصعوبة الحصول على المصدر إليك نص الشكل الثاني : (ب ) اذا قبل الضوء كرة صغرى من كرة
عظمى منها ، كان الجزء المضيء منها أعظم من نصفها ، فيقبل الضوء كرة مركزها (أ) عن كرة
أعظم مركزها (ب). ، وليحط بهما مخروط رأسه -ح - و محوره (ح ب ) ، وليمر به سطح كيف
أتفق ، ولتحدث عنه في الكرتين عظيمتا (ج د) و(هـ ز) وفي المخروط خط (ح ج ، ح د) ونصل
(ج د ، هـ ز) فالقطعة من الكرة ألتي عليها (هـ ط ز) وقاعدتها الدائرة التي قطرها (هـ ز) هي التي
تقبل الضوء لكونها محاذية لكرة (د جـ ) لأن خير (ج هـ ، د ز) من خطوط الشعاعات الواصلة
بينها ومركز الدائرة في قطعة (هـ ط ز) فهي أعظم من نصف الكرة وذلك ما أردناه .
إليك المخطط .
( 109 )
العظيمة تسمى دائرة النور ، وتفصل أيضا بين المرئي وغير المرئي منه دائرة أخرى
تسمى دائرة الرؤية ، وهي أيضا قريبة من العظيمة وليست عظيمة
(1) ؛ لما ثبت
في الشكل الرابع والعشرين من مناظر إقليدس
(2) أن ما يرى من الكرة يكون
أصغر من نصفها
(3) ، ويحيط به دائرة وهاتان الدائرتان يمكن أن تتطابقا
____________
=
انظر : كتاب جرمي انيرين وبعديها : 4 ، ضمن رسائل الخواجة نصير الدين الطوسي .
(1) إعلم أن المحقق النيشابوري أستدل في شرح التذكرة على أن دائرة الرؤية غير عظيمة بأن اقليدس
بين في الثامن والعشرين من كتاتبه في المناظر[11] : أنّ ما بين العينين إذا كان اصغر من قطر
الكرة رؤي أصغر من نصف . ونحن انما عدلنا عن هذا الاستلال لأن المحقق الطوسي قدس سره
بين في تحرير مناظر اقليدس خلاف هذا الشكل ، وفي أخويه ، وهما إذا كان ما بين العين أعظم
من قطر الكرة ، رؤي منها أعظم من نصفها ، وإلآ فإن المراد بالعين في هذا ألشكل واخويه هما
عينا شخصين لا شخص واحد ، لا عينيه بمنزلة عين واحدة عند أصحاب المناظر ، كما صرح به
المحقق البيرجندي في شرح التذكرة ، ويظهر من كلام القوم ، منه قدس سره ، هامش
ألمخطوط .
(2) اقليدس الأول - ومعناه المفتاح - أو اوقليدس بن نوقراطس الدمشقي بن برنيقس ، حكيم فيلسوف
رياضي ، يوناني الجنس ، شامي الديار ، نجار الصنعة ، ولد في صور أو الاسكندرية ، أب
الرياضيات الفعلية ، له مؤلفات في الهندسة والرياضيات غاية في النفع ، لا زالت هي الأساس في
هذا العلم حتى بعد مرور 23 قرنا عليها ، نقلت مؤلفاته إلى العربية بواسطة ألعالم العربي حنين بن
إسحاق ، ونقحها ثابت بن قره حدود سنة 211هـ .
له حكم جليلة منها : قال له رجل : أني لا آلو جهداً في أن أفقدك حياتك ، فقال له : إني لا آلو
جهداً في أن أفقدك غضبك .
قال له الملك بطليموس - وكان يحضر درسه في الرياضيات - يوما ، بعد أن أعياه فهم الدرس : أما
هناك طريقة أسهل لفهم الرياضيات ؟ فقال له : ليس في ألرياضيات طريق ملكية ! ! .
وقال : العمل على الإنصاف ترك ألإقامة على المكروه . له مؤلفات منها : اصول اقليدس أو
اقليدس تسمية للكتاب باسم المؤلف ، المناظر ، التحرير ، ألمرايا . وخير شروحها شرح الفيلسوف
الأعظم الخواجة نصير الدين الطوسي.
له ترجمة في تاريخ اليعقوبي 1 : 120 | دائرة معارف القرن العشرين 1 : 433 | دائرة معارف
البستاني 4 : 91 | تاريخ الحكماء : 62 | فهرست النديم : 325 | مختصر الدول : 38 | طبقات
الحكماء : 39 رقم 14 | لغة نامة دهخدا : 3169 من حرف الألف .
(3) لما تقدم في الهامش الأسبق اليك نص المصدر :
ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها ، وتحيط بها دائرة ، فلتكن الكرة مركزها «أ» ، والبصر
«ب» ، ونصل «ب أ» ، ونخرج سطحا طر- به ، ونقطع ألدائرة العظمى في الكرة التي عليها
=
( 110 )
[19 | ] ، وقد تتفارقان إما متوازيتين أو متقاطعتين ، أو لا ذا ولا ذاك . كما
أوضحناه في تعليقاتنا على فارسية الهيئة
(1)ولنأخذهما هنا عظيمتين كما فعل بعض
____________
=
«ج ح ط د» ، و نرسم على قطر «ب أ» دائرة «أ ب ج » ، ونصل «ب ج » ، «ب د» ، «أج » ،
«أ د» . فلأن «أج ب » نصف دائرة تكون زاوية «أج ب » قائمة ، وكذلك زاوية «أ د ب » ،
«د ب ج ب د» تماسان دأئرة «ج ح ط » ونصل «ج د » ونخرج من «أ»، خط «ح أ ط » موازيا له ،
فزاوية «ك» قائمة .
واذا أدرنا مثلث «ب ك ج » على محور «ب ك » ألثابت إلى أن يعود إلى موضعه رسمت نقطة «ج »
دائرة على ألكرة ، وبكون «ب ج » في جميع المواضع مماسا للكرة ، فترى الكرة بمنزلة تلك الدائرة ،
ويكون المرئي منها أقل من نصفها لأن نصف الكرة ما يحويه «ح ج » ، «د ط» و «ج د» المرئي من
شعاعي «ب ج» ، «ك د» أقل منه وذلك ما أردناه . وإليك التخطيط :
أنظر كتاب المناظر : 10 ، منظر (كد) ضمن رسائل الخواجه نصير الدين الطوسي .
(1) إن التطابق قد يحصل في ألإجتماع المرئي ، ويقع في كسوف تام . والتواري يكون في الاستقبال إن
اتصل سمتهما ، والمخروطي على الاستقامة . والتقاطع كما في التربيع . والتقارن بلا توار ولا
تقاطع قد يتحقق في المحاق ، وفي الاستقبال أيضا ، إذا لم يحصل الشرط المذكور ، منه . قدس
سره، هامش المخطوط .
( 111 )
الأعلام ، اذ لا تفاوت في الحس بين كل منهما وبين العظيمة ، ونجعل ما يقارب
التطابق تطابقا ، ونقول :
**
اذا اجتمع الشمس والقمر
(1) صار وجهه المضيء إليها ، والمظلم إلينا ،
وتتطابق الدائرتان وهو المحاق ، فإذا بعد عنها يسيرا تقاطعت الدائرتان على حواد
ومنفرجات ، ويرى من وجهه المضيء ما وقع منه بين الدائرتين في جهة الحادتين
اللتين إلى صوب الشمس وهو الهلال .
ولا تزإل هذه القطعة تتزايد بتزايد البعد عن الشمس والحواد تتعاظم ،
وإلمنفرجات تتصاغر حتى يصير التقاطع بين الدائرتين على قوائم ، ويحصل
التربيع ، فيرى من الوجه المضيء نصفه ، ولا يزال يتزايد المرئي من المضيء
ويتعاظم انفراج الزاويتين الأوليين إلى وقت الاستقبال ، فتطابق الدائرتان مرة ثانية
ويصير الوجه المضيء إلينا وإلى الشمس معا ، وهو البدر .
ثم يقع التقارب فيعود تقاطع الدائرتين على المختلفات أولا ، ثم على قوائم
ثانيا ، وحصل التربيع الثاني
(2) ، ثم يؤول الحال إلى التطابق فيعود المحاق ،
وهكذا إلى ما يشاء الله سبحانه .
____________
(1) المراد باجتماعهما كون موضعهما نقطة من مركز التربيع والاجتماع ، إما مستتر إن مر بهما خط
خارج من مركز العالم . أو مرئي إن مر بهما خط خارج من موضع الناظر ، ويقال له الإجتماع
الكسوفي ، منه قدس سره . هامش المخطوط .
(2) إنما قلنا في التربيع الأول «يحصل » بصيغة المضارع وفي التربيع الثاني «حصل » بصيغة الماضي
لملاحظة نكتة وهي : أن تقاطع تينك الدائرتين على قوائم إنّما يكون قبل ألتربيع الأول ، وبعد
التربيع ألثاني بزمان قليل ، لا في آن التربيع ، والأ لزم وقوع قائمتين في المثلث الحاصل من
الخطوط ، الواصل أحدها من مركزي الشمس ودائرة النور ، وألاخرى بين المركزين والبصر الذي
هو بمنزلة مركز الأرض ، إحدى القائمتين عند مركز الأرض لأن وترها ربع الدور ، والاخرى عند
مركز الشمس ومركزها عمودا على سطحها ، وكون ألواصل بين البصر ومركز هذه الدائرة في
سطحها ،فيحيط هذان الخطان لا محالة بزاوية قائمة ، ولا يجوز أن يكون تقاطع تينك الدائرتين
على زوايا قوائم بعد التربيع الأول ، وقبل الثاني ، وإلا لزم في المثلث . . . عند البصر لكون وترها
أكثر عند مركز الدائرة ، منه . قدس سره ، هامش المخطوط .
( 112 )
**
تبيان :
لا يخفي أن حكمهم بأن نور القمر مستفادا من الشمس ليس مستندا إلى
مجرد ما يشاهد من اختلاف المتشكلات النورية بقربه وبعده عن الشمس ، فإن
هذا وحده لا يوجب ذلك الحكم قطعا ، بل لا بد مع ذلك من ضم أمور
اخر ، كحصول الخسوف عند توسط الأرض بينه وبين الشمس ، إلى غيرذلك
من الأمارات التي يوجب اجتماعها ذلك الحكم ، لجواز أن يكون نصفه مضيئاً
من ذاته ونصفه مظلما ، ويدور على نفسه بحركة مساوية لحركة فلكه .
فإذا تحرك بعد المحاق يسيرا رأيناه هلالا ، ويزداد فنراه بدرا ، ثم يميل
نصفه المظلم شيئا فشيئا إلى أن يؤول إلى المحاق .
**
أقول : وهذا هو مقصود ابن الهيثم
(1) بلا شك ومرية ، لا ما ظنه صاحب
حكمة العين
(2) حيث قال : زعم ابن الهيثم : أن القمر كرة يصفها مضيء
____________
(1) أبو علي ، الحسن بن ألحسن بن الهيثم ، وقيل : محمد بن الحسين ، علم من أعلام الرياضيات ،
والطبيعيات ، وألطب ، والفلسفة ، فاضل النفس ، قوي ألذكاء ، لم يماثله أحد من أهل زمانه في
الرياضيات ، لخص كثيراً من كتب ارسطو طاليس ، وشرحها ، وهكذا جالينوس ، كان حسن
الخط جيده ،أصله من البصرة ،أقام في مصر اخريات عمره ، له المناظر الجامع في أصول الحساب ،
الطب ، تحليل المسائل ألهندسية ، مقالة في الضوء ، اختلاف منظر القمر ، وغيرها كثير مات سنة
430 هـ 1038 م.
له ترجمة في : طبقات ألأطباء : 550 | دائرة المعارف الاسلامية 1 : 298 | تاريخ ألحكماء : 165 |
تاريخ مختصر ألدول : 182 | كشف الظنون 1 : 138 | الأعلام 6 : 84 ، 2 : 187 | معجم
المؤلفين 3 :215 .
(2) هو : علي بن عمر بن علي ، المعروف بدبيران المنطقي ، أو الكاتبي القزويني ، الشافعي ، من
أساتذة فنون الحكمة وألكلام ، والطب والنجوم ، و . و . و . ، دعاه الخواجه نصير الدين
الطوسي للمشاركة في رصد مراغة سنة 650 فأجاب ، وبدأ أعماله وتحقيقاته هناك مع زملائه
ألأفاضل . تتلمذ على جمع منهم النصير الطوسي ، ومحمد بن أشرف الحكيم الحسيني ، والأثير
ألاساغوجي ، وكان له تلامذة يشار إليهم بالبنان ، منهم : العماد القزويني ، والكازروني ،
وألعلامة الحلي . له مؤلفات منها : رسالة إثبات الواجب ، الشمسية في المنطق ، عين القواعد ،
=
( 113 )
**
ونصفها مظلم ، وتتحرك على نفسها ، فاذا مال النصف المضيء إلينا نراه هلالا ،
وتتحرك بحيث يصيرنصفها المضيء كله إلينا عند المقابلة وعلى هذا دائما .
ثم قال : وهوضعيف ، وإلالما انخسف [20 |] في شيء من
الاستقبالات أصلا
(1) ، انتهى كلامه .
وقد وافقه صاحب المواقف في هذا الظن قائلا : إن الخسوف يبطل كلام
ابن الهيثم
(2) .
وهذا منهما عجيب ، وابن الهيثم أرفع شانا في هذا العلم من أن يظن
صدور مثل هذا عنه ، وكلامه ينادي بان قصده ما ذكرناه ، حيث قال : إن
التشكلات النورية للقمر لا يوجب الجزم بأن نوره مستفاد من الشمس ، لاحتمال
أن يكون القمركرة نصفها مضيء ونصفها مظلم ، ويتحرك على نفسه ، فيرى
هلالا ، ثم بدرا ، ثم ينمحق ، وهكذا دائما
(3) انتهى كلامه ، وهو كلام لا
غبار عليه أصلا .
والعجب أن هذا الكلام نقله شارح حكمة العين
(4) عنه ، ولم يتفطن لما
هو مقصوده منه ، فإياك وقلة التأمل .
____________
=
بحر الفوائد ، جامع الدقائق ، المفصل في شرح المحصل ، وحكمة العين أو عين القواعد وغيرها
كثير.
مات سنة 678 وقيل 675 هـ = 1279 - 1276 م .
له ترجمة في فوات الوفيات 3 : 56 رقم 346 | الاعلام 4 :315 | تاريخ مختصر الدول : 287 |
تاريخ الفلك : 36 | معجم المؤلفين 7 : 159 | مقدمة حكمة العين فارسية | كشف
الظنون 1 : 685 | هدية العارفين 1 : 713 ناسبا له إلى التشيع | هدية الأحباب : 242 .
(1) حكمة العين ، ذيل المبحث الخامس من المقالة الثالثة من القسم الثاني في العلم الطبيعي . وانظر
شرح حكمة العين للبخاري : 526 -527.
(2) المواقف : 214، وانظر شرح الشريف الجرجاني 2 | 437 ، المقصد الثالث في كسوف الشمس ،
من القسم الثاني في الكواكب ، من الموقف الرابع في الجواهر .
(3) أنظر الهامش رقم (1) .
(4) انظر الهامش رقم (2) .
( 114 )
إرشاد :
لعلك تقول - عند ملاحظة قوله عليه السلام : «وامتهنك بالزيادة
والنقصان » -: أن حصول الإمتهان للقمر بنقصان نوره ظاهر ، فما معنى حصول
الامتهان له بزيادة النور ؟ فاقول فيه وجهان :
الأول : أنه لما كان أحد وجهيه مستنيرا بالشمس دائما ، وكانت زيادة نوره
إنما هي بحسب إحساسنا فقط ، وقد سخره الأمر الالهي لأن يتحرك في النصف
الأول من الشهر على نهج لا يزيد به المنير منه في كل ليلة إلا شيئا يسيرا ، لا
يستطيع أن يتخطاه ، ولا يقدر على أن يتعداه ، أثبت عليه السلام له الامتهان ،
بسبب إذلاله وتسخيره للزيادة على هذا الوجه المقرر ، والنهج الخاص . وقد شبه
بعضهم حال القمر ، في ظهور القدر المرئي منه شيئا فشيئا في النصف الأول من
الشهر إلى أن يصير بدرا ، ثم استتاره شيئا فشيئا في النصف الثاني إلى أن يختفي ؛
بما إذا أمر السيد عبده بان لا يكشف النقاب عن وجهه للناظرين إلا على التدريج
شيئا فشيئا في مدة معينة ، وأنه متى انكشف وجهه بأجمعه فليبادر في الحال إلى
ستره ، وارخاء النقاب عليه شيئا فشيئا إلى أن يختفي بأجمعه عن الأبصار .
الوجه الثاني : أن يكون مراده عليه السلام الامتهان [21 |] بمجموع
الزيادة والنقصان ، أعني التغير من حال إلى حال ، وعدم البقاء على شكل
واحد ، ولعل هذا الوجه أقرب ، وهو جار فيما نسبه عليه السلام إليه من
الامتهان بالطلوع والافول ، والإنارة والكسوف .
**
ويمكن أن يوجه امتهانه بالإنارة بوجه آخر ، وهو : أن يراد بها إعطاؤه النور
للغير - كوجه الأرض مثلا - لا اتصافه هو بالنور ، فان الإنارة والإضاءة كما جاءا
في اللغة لازمين فقد جاءا متعديين أيضا
(1) ، وحينئذ ينبغي أن يراد بالكسوف
____________
(1) انظر لسان العرب 1 : 112 | الصحاح 1 : 60 ، مادة «ضوء» فيهما .
ولسان العرب 5 : 240 | الصحاح 2 | 839 ، مادة «نور» فيهما .
( 115 )
كسفه للشمس ، ليتم المقابلة ، ويصير المعنى امتهنك بأن تفيض النور على الغير
تارة وتسلبه عنه أخرى ، ولو أريد المعنى الشامل للخسوف أو نفس الخسوف أيضا
لم يكن فيه بعد ، والله أعلم .
تمهيد:
لما كانت الشمس ملازمة لمنطقة البروج ، وكانت أعظم من الأرض
(1) كان
المستنير باشعتها أعظم من نصفها ، والمظلم أقل كما عرفت سابقا ،
**
وحصل
مخروط مؤلف من قطعتين ، ترتسم احداهما من الخطوط الشعاعية الواصلة بين
الشمس وسطح الأرض ، ويسمى مخروط النور والمخروط العظيم ،
**
والاخرى من
ظل الأرض وتسمى مخروط الظل ، والمخروط الصغير ، ويحيط به طبقة يشوبها
ضوء مع بياض يسير، ثم طبقة اخرى يشوبها مع ضوء يسيرصفرة ، ثم طبقة
أخرى يشوبها يسير حمرة ، وهذه الطبقات الثلاث تظهر للبصر في المشرق من
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بهذا الترتيب ، وبعكسه بعد غروبها في المغرب ،
وقاعدة المخروط العظيم [22 |] على كرة الشمس منصفة بمنطقة البروج ، وسهمه
في سطحها ، وينتهي رأسه في أفلاك الزهرة عند كون الشمس في الأوج ، وفيما
دونه فيما دونها ، وقاعدة المخروط الصغير صغيرة على وجه الأرض ، وهي الفصل
المشترك بين المنير منها والمظلم ، وهذان المخروطان يتحركان
(2) على سطح الأرض
كأنهما جبلان شامخان ، يدوران حولها على التبادل ، أحدهما أبيض ساطع ،
والاخر أسود حالك ، عليه ملابس متلونة ، ويتحرك الأبيض من المشرق إلى
المغرب ، وهو النهار لمن هو تحته ، والأسود بالعكس وهو الليل لمن هو تحته ،
فتبارك الله أحسن الخالقين .
____________
(1) لما ثبت في الأجرام : أن الشمس مائة وستة وستون مثلا وربع وثلثي مثل الأرض . منه ، قدس
سره ، هامش الأصل .
(2) وحركتها بقدرالفاضل بين حركة الفلك الأعلى - أعني الحركة اليومية - والحركة الحاصلة للشمس .
وفي التحفة : إن هذه الحركة بحسب الحركة الأولى ، وفيه ما فيه ، ولعل مراده ما ذكرناه ، وإن
كانت عبارته قاصرة عن مراده منه ، قدس سره . هامش المخطوط .
( 116 )
وإذا توهمنا سطحا كريا مركزه مركز العالم ، يمر بمركز القمر وبالمخروط
الصغير فالدائرة الحادثة منه على جرم القمر تسمى صفحة القمر ، والحادثة على
سطح المخروط دائرة الظل ، ومركزها على منطقة البروج .
تلويح فيه توضيح :
إذا لاقى القمر مخروط الظل في الاستقبال ، ووقعت صفحته كلها أو
بعضها في دائرة الظل ، انقطعت الأشعة الشمسية عنه كلا أو بعضا ، وهو
الخسوف الكلي أو الجزئي ، ولكون غاية عرض القمر - وهي خمسة أجزاء - أعظم
من مجموع نصفي قطري صفحته ودائرة الظل ، لم ينخسف في كل استقبال
(1)
[23 | 11] ، بل إذا كان عديم العرض ، أو كان عرضه - وهو بعد مركزه عن مركز
دائرة الظل - أقل من نصفها
(2)إذ لو كان مساويا لها ماس القمر محيط دائرة الظل
من خارج على نقطة في جهة عرضه ، ولم ينخسف ، وان كان أكثر فبطريق أولى ،
أما إن كان العرض أقل من النصفين انخسف أقل من نصف قطره إن كان
العرض الأقل أكبر من نصف قطر دائرة الظل ، ونصف قطره إن كان مساويا
له ، لمرور دائرة الظل بمركز الصفحة حينئذ ، وأكثر منه
(3) إن كان أقل منه ،
وأكثرمن فضل نصف قطر دائرة الظل على نصف قطر القمر ، وكله
(4) غير
(5)
ماكث إن كان مساويا لفضل نصف قطر دائرة الظل على نصف قطر القمر ،
لمماسة القمر محيط الظل من داخل على نقطة في جهة عرضه ، وماكثا بحسب ما
____________
(1) لو كان مدار القمر في سطح منطقة البروج ، لا نخسف في كل استقبال ، لكون مركز دائرة الظل
أبدا منها ، لكنه لما كان القمر في منطقة الحامل لم يدخل شيء منه في دائرة الظل إلآ إذا قارب . . .
وهذا ظاهرجلي . منه . قدس سره ، هامش المخطوط .
(2) أي : من مجموع نصفي الشطرين . منه . قدس سره ، هامش المخطوط .
(3) أي : وانخسف أكثر من نصفي قطره لا كلّه إن كان العرض أقل من نصف قطر دائرة الظل وأكثر
من . . . عليه . منه . قدس سره ، هامش المخطوط .
(4) أي : والخسف كله حال كون الخسوف غيرماكث . منه . قدس سره ، هامش المخطوط .
(5) بالنصب حال من «كلّه» منه . قدس سره ، هامش المخطوط .
( 117 )
يقع في دائرة الظل إن كان أقل من هذا الفصل ، وغاية المكث إذا كان عديم
العرض ، وأول الخسوف يشبه أثرا دخانيا ، ثم يزداد تراكما بازدياد توغل القمر في
الظل ، بان كان عرضه أقل من عشر دقائق كان لونه أسود حالكا ، وإلى عشرين
فأسود ضاربا إلى خضرة ، وإلى ثلاثين فإلى حمرة ، وإلى أربعين فإلى صفرة ، وإلى
خمسين فأغبر ، وإلى ستين فأشهب .
**
وابتداء الانجلاء من شرقي القمر [23 |] ، كما أن ابتداء الخسوف
كذلك .
تنبيه وتبيين :
الأحوال المشهورة الحاصلة للقمر كثيرة ، فبعضها يشاركه فيها سائر
الكواكب ، كالإنارة والطلوع والأفول ونحوها ، وهي كثيرة ولا حاجة داعية إلى
ضبطها ، وبعضها امور تختص به لا توجد في غيره من الكواكب ، وقد اعتنى
أهل الهيئة بالبحث عنها ، وأشهرها ستة :
سرعة الحركة ، واختلاف تشكلاته النورية ، واكتسابه النور من الشمس ،
وخسوفه لحيلولة الأرض بينهما ، وحجبه لنورها بالكسف لها ، وتفاوت أجزاء
صفحته في النور وهو المسمى بالمحو .
وهذه الأحوال الستة يمكن فهمها من كلامه عليه السلام بعضها بالتصريح
وبعضها بالتلويح .
أما سرعة حركته واختلاف تشكلاته فظاهر ؛ وأما كسفه للشمس وخسوفه
فلما مر من حمل الكسوف في كلامه عليه السلام على ما يشمل الأمرين معا ؛ وأما
اكتسابه النور من الشمس فلدلالة اختلاف التشكلات مع الخسوف عليه .
فهذه الأمور الخمسة تفهم من كلامه عليه السلام على هذا النهج ، وبقي
الأمر السادس - أعني تفاوت أجزائه في النور- فإن في إشعار كلامه عليه السلام به
نوع خفاء ؛ ويمكن أن يومىء إليه قوله عليه السلام : «وامتهنك بالزيادة
( 118 )
والنقصان » . فإن المراد زيادة النور ونقصانه ، ولا معنى لتفاوت أجزائه في النور
إلا زيادته في بعض ونقصانه في بعض آخركما لا يخفى [24 | أ] .
**
فقد تضمن كلامه عليه السلام مجموع تلك الأحوال الستة المختصة
بالقمر ، وقد مر الكلام في الأربعة الاُول منها ، وبقي الكلام في الأخيرين
فنقول :
**
أما الكسوف :فهو ذهاب الضوء عن جرم الشمس في الحس كلا أو بعضا ،
لستر القمر وجهها المواجه لنا كلا أو بعضا ، وذلك عند كونهما بحيث يمرخط
خارج من البصر بهما ، إما مع اتحاد موضعيهما المرئيين ، أو كون البعد بينهما أقل
من مجموع نصفي قطريهما ، فلو تساويا ماسها ولا كسف ، وإن زاد الأول
فبالأولى ، فإن وقع مركزاهما على الخط المذكور كسفها كلها بلا مكث ، إن كان
قطراهما متساويين حسا ، ومع مكثه إن كان قطراها أصغر ، وبقي منها حلقة
نورانية إن كان قطرها أعظم ، وإن لم يقعا على ذلك الخط كسف منها بعضا أبدا
إلا إذا كان قطره أعظم حسا فقد يكسفها حينئذ كلا ، وربما يبقي منها حلقة
نورانية مختلفة الثخن أو قطعة نعلية إن كان قطره أصغر .
**
ولما كان الكسوف غير عارض للشمس لذاتها ، بل بالقياس إلى رؤيتها
بحسب كيفية توسط القمر بينها وبين الأبصار ، أمكن وقوعه في بقعة دون
أخرى ، مع كون الشمس فوق أفقيهما ، وكونه في احداهما كليا أو أكثر ، وفي
اخرى جزئيا أو أقل ، وابتداء الكسوف من غربي الشمس ، كما أن ابتداء
الانجلاء كذلك .
تتمة:
وأما محو القمر : - وهي الظلمة المحسوسة في صفحته - فأمره ملتبس ،
والآراء فيه متشعبة والأقوال متخالفة ، وابن سينا في الشفاء
(1) أطنب في بيان
____________
(1) الشفاء ، الطبيعيات 2 : 37 ، الفصل الخامس أحوال الكواكب ومحو القمر .
( 119 )
**
الاحتمالات التي يمكن القول بها ، ولم يجزم بشيء منها ، وقد وصل إلينا من
الأقوال إثنى عشر قولا ، أوردتها مع ما يرد عليها في المجلد الثاني من كتابي
الموسوم بالكشكول
(1)وأذكر هنا [24 | ب] منها خمسة .
الأول : في وجهه المظلم ، تأدت إلى وجهه المضيء .
وأورد عليه : أنه لو كان كذلك لكانت أطرافه أشد ظلمة ، وأوساطه أشد
ضوءاً .
الثاني : أنها أجرام مختلفة مركوزة مع القمر في تدويره ، غير قابلة للإنارة
بالتساوي ، وهو مختار سلطان المحققين - قدس سره - في التذكرة
(2) .
وأورد عليه : أن ما يتوسط بينه وبين الشمس من تلك الأجرام وكذا بيننا
وبينه في كل زمان ، ووضع شيء اخر لتحرك التدوير على نفسه ، فكيف يرى دائما
على نهج واحد غيرمختلف .
وقد يعتذر له : بأن التفاوت المذكور لا يحس به في صفحة القمر ، لصغرها
وبعد المسافة .
الثالث : أن الأشعة تنعكس إليه من البحار ،وكرة البخار- لصقالتها-
انعكاسا بينا ، ولا تنعكس كذلك من سطح الربع المكشوف لخشونته ، فيكون
المستنير من وجهه - بالأشعة النافذة إليه على الاستقامة ، والأشعة المنعكسة معا -
أضوء من المستنير بالأشعة المستقيمة والمنعكسة من الربع المكشوف ، وهذا مختار
صاحب التحفة
(3) .
وأورد عليه : أن ثبات الانعكاس دائما على نهج واحد - مع اختلاف أوضاع
الأشياء المنعكس عنها من البحار والجبال في جانبي المشرق والمغرب - مستحيل .
____________
(1)الكشكول : مع دقة البحث وتكراره لم أجده .
(2)التذكرة : أواخر الفصل السابع من الباب الأول .
(3)التحفة:مخطوط .
( 120 )
واعتذر له بما اعتذر لأستاذه .
الرابع : إن سطح القمر لما كان صقيلا كالمرآة فالناظر يرى فيه صور
البحار ، والقدر المكشوف من الأرض ، وفيه عمارات وغياض وجبال ، وفي
البحار مراكب وجزائر مختلفة الأشكال ، وكلها يظهر للناظر أشباحها في صفحة
القمر ، ولا يميز بينها لبعدها ، ولا يحس منها إلآ بخيال ، وكما لا ترى مواضع
الأشباح في المرايا مضيئة ، فكذلك لا يرى تلك المواضع فيه براقة ، أو أنه يرى
صورة العمارات والغياض والجبال مظلمة كما هي عليه في الليل ، وصورة
البحار مضيئة، أو بالعكس فإن صورتي الأرض والماء منطبعان فيه ، كما أن الأرض
لكثافتها تقبل ضوء الشمس أكثر مما يقبله الماء للطافته ، فكذا صورتاهما ، وهذا
الوجه مختار الفاضل النيسابوري
(1) في شرح التذكرة
(2) [25 | أ] ومال إليه أستاذ
أستاذنا المحقق البرجندي
(3) ، في شرح التذكرة أيضا (4) ، والإيراد والاعتذار كما
____________
(1) الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري ، نظام الدين أو النظام الاعرج ، عالم فاضل ،
محقق مشارك في علوم عدة ، له : شرح النظام في فن التصريف ، وشرح التذكرة النصيرية ،
واسمه توضيح التذكرة ، وتفسير غرائب القرآن ، شرح الشافية قسم التصريف لابن الحاجب ،
الشمسية في الحساب .
لم أعثرعلى من صرح بتاريخ وفاته على نحو القطع ، نعم فرغ من تاليف توضيح التذكرة في أول
ربيع الأول سنة 711 هـ ، وقيل انه توفي بعد سنة 850 وقيل 828 وقيل أنه من أعلام القرن
التاسع = 1424 ، 1446 م .
روضات الجات 3 : 102 ت 260 | الكنى والالقاب 3 : 256 | أعيان الشيعة5 : 248 | بغية
الوعاة 1 :25 ت 1088 | معجم المؤلفين 3: 281 ، 291 . معجم المفسرين 1 : 145 كشف
الظنون : 392، 1021، 1062 | الذريعة 4 : 492 ت 2206 ، و 13 : 144 ت 478 ، وغيرها .
(2)مخطوط .
(3) المحقق البيرجندي ، عبد العلي بن محمد حسين ، فقيه أصولي مشارك ، له في الفلك والرياضيات
مؤلفات ، منها : شرح التذكرة فرغ منه سنة 984 ، وشرح زبدة الأصول ، شرح المجسطي ،
شرح المنار للنسفي في علم الأصول ، شرح الرسالة العضدية ، وغيرها توفي سنة 932 هـ =
1525 م .
هدية الاحباب : 126 | هدية العارفين 1 : 586 | معجم المؤلفين 5 : 266 | الذريعة 13 : 144 ت
478 | الأعلام 4 : 30 | كشف الظنون 1 : 41 ، 392 ، و 2 : 1296 ، 1826 ، 1971 .
(4) في شرحه على أواخر الفصل السابع من الباب الأول من التذكرة .