كاملُ الزيارات
تأليف
أبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي
المتوفى 368 هـ . ق
صححه وعلق عليه : بهراد الجعفري
بإشراف
الأستاذ : علي أكبر الغفاري
نشر ـ صدوق
ع ـ غفاري
كلمتنا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم ، والصلاة على رسوله الأمين وآله الهداة ، النجباء الأكرمين.
أما بعد ؛ فقد التمس منّي تلويحا تلميذي الأعز بهراد الجعفري ـ كثر الله أمثاله ـ أن أختار له أثرا من الآثار الدينية ، ومتنا من المتون الأولية التي عليها المدار عند العلماء الأخيار في كل الأعصار ، ليتصدى هو بنفسه تخريجه وتعليقه ومقابلته وتصحيحه وبيان غريبه ومعضله وتعيين رواته ، وإني بعد ما رأيته رجلا ذكيا فطنا ، حديد الذهن ، عفيف النفس ، صحيح الإدراك ، ثاقب الرأي ، عارفا بالكتب الدينية لاسيما الأخبار المذهبية ، عاريا من التعصب والرياء ، سالكا طريق الحق والهدى ، استجبت مسؤوله ، وانتخبت له مأموله ، واخترت له هذا الأثر لئلا يصير بعد مما دثر ، وإنه كتاب عزيز نفسيس ، ولا يكون لطالب الحق عنه محيص ، وعد عند الأكابر من الأصول المعتبرة التي عليها المدار في زيارة الأئمة الأطهار سلام الله عليهم مهما غربت الشمس وطلع النهار ، ومحتواه التحريص والتحضيض بزيارة قبور المعصومين لاسيما السبط الشهيد المفدى الحسين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
ويجب أن يُعلم أن صدور روايات هذا الكتاب كان في أزمنة وأيام انجذم فيها حبل الدين وتزعزعت سواري اليقين ، واحتجبت شمس الهدى في السحاب ، وصارت أعلام الحق والهدى في النقاب وجل الناس انحرفوا عن
الصراط ، ووقع الأمر على يد اللئام والطعاة ، وبَعُد عن الحق الطريق الذي سلكوه والمهيع الباطل الذي اخترعوه ، وخمل الهدى ، وشمل الكفر والعمى ، وعصي الرحمن ونصر الشيطان ، ووقع كل ذلك باسم الدين وتحت لواء الإسلام وشريعة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام ، والناس جلهم في النيام ، وكانت زيارة قبورهم والبكاء عليهم عليهم السلام علة مبقية للدين ، وبكليهما صار جند ـ الباطل منهزما ، وجبل الكفر والعناد خاشعا متصدعا ، وأصحب في القياد من كان متمنّعا ، لأن في الحقيقة مزاراتهم كالشموس الطالعة والأنوار الساطعة ، أو العيون الغزيرة ، أو الرياض الباسمة ، ومع أن يحسب جلها من المقابر وبعضها من المآتم ، لكن كلها معطر الروائح والنسمات بما كانت فيها من الأدعية والآداب .
فزائرهم بلغت نفسه المطمئنة من السعادة ما طلبت ، وإن كانت مريضة تداوت وانقلبت ، وإلى مرضاة الله تقرّبت.
فبتحضيض النفوس على زيارتهم والبكاء عليهم ورغبة الناس إليهما انهدمت أركان الكفر ، وأسرت جنوده ، وخمدت نيرانه وأواره ، وزلزلت بنيانه ، لأن الزائر عند الزيارة يقول : « أشهد أنك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأشهد أن قاتليك في النار ، أدين الله بالبراءة ممن قاتلك وممن قتلك ـ إلى قوله ـ يا ليتني كنت معكم فأفوز فوزاً عظيما »
ويخاطبهم ويقول : « أنتم السبيل الأعظم ، والصراط الأقوم ، والدعاة إلى الله ، والأدلاء على مرضاته ، والمستقرين في أمره ، والتأمين في محبته ، والمخلصين في طاعته ، والمظهرين لأمره ، ونهيه ، أشهدكم أني مؤمن بكم وبما آمنتم به ، كافر بعدوكم وبما كفرتم به ، مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم ، وووو.
وفي الإشارة ما يغني عن الكلم
فتلك الحقائق الراهنة تسوق الزائر إلى مهيع الحق الصميم ، وترشده إلى ـ
الصراط المستقيم ، وبذلك أبقى الله تعالى الدين ، وعرّف به الأئمة الراشدين ، المهديين صلوات الله عليهم أجمعين ، وهزم جنود الكفر والمشركين .
ثم لاشك لأحد من ذوي البصائر أن زيارة قبور الأولياء من الأئمة عليهم السلام أو الربانيين من العلماء والأتقياء وإن لم يكونوا من الشهداء ترغّب الزائر إلى سلوك منهجهم ، وترك ما يبعّده عن صراطهم وطريقتهم ، وذلك هو الحق المبين ولاينكره أحد من ذوي اللب من الصالحين ، والحمد لله رب العالمين.
فكما قلنا محتوى الكتاب في غاية الإتقان ، وألفاظه كشقائق النعمان ، لو تجسمت معارفه لكانت بدرا زاهراً ، ولو تنسمت مطالبه لكانت مسكا ذافراً ، ولو قبست كلماته لكانت شهابا ثاقبا ، لأنه يهدي إلى عرفان الأئمة الأعلام عليهم السلام وإلى دينهم الحق في كل عصر وزمان ، وكل صقع ومكان.
فبإحياء هذا الأثر القيم ونشره بصورة عالية بهية منقّحة قد تشرق شموس مطالبه الآفاق ، وتبصر شمائل أوراده وأسراره جميع الأطباق بلا شك فيه ولا ارتياب . فرحم الله عز وجل مؤلفه الفذ العبقري في كل العشية والإشراق.
غرة ج1 1417 ـ ق
|
على أكبر الغفاري
|
تطابق 25|6|1375 ـ ش
|
ايران ـ طهران
|
____________
* ـ قال الحسن البصري : « تجب طاعة ملوك بني أمية وإن جاروا وإن ظلموا والله لما يصلح بهم أكثر مما يفسدون ».
وفي شرح الموطأ : « إذا ظلم الإمام فالطاعة أولى من الخروج » ، وهذا قول مالك وجمهور علماء أهل السنة . ولكن الله تعالى يقول : « فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد * يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ـ الآية ».
المؤلف والثناء عليه :
هو أبوالقاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه (1) القمي ، شيخنا الفقيه الأقدم المتفق على جلالته ووثاقته وتبحره في الفقه والحديث.
قال النجاشي في رجاله ـ بعد ما عنونه ـ : « كان أبوه يلقّب « مسلمة » ، من خيار أصحاب سعد (2) ، وكان أبوالقاسم من ثقات أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه ، روى عن أبيه وأخيه ، عن سعد ، وقال : ما سمعت من سعد إلا أربعة أحاديث . وعليه قرء شيخنا أبو عبدالله (3) الفقه ومنه حمل ، وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه ». وتبعه العلامة الحلي في الخلاصة بما تقدم ذكره ، ووثّقه شيخ الطائفة في الفهرست.
قال ابن حجر في لسان الميزان (4) : « جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن ـ قولويه أبوالقاسم القمي الشيعي ، من كبار الشيعة وعلمائهم المشهورين متهم ، وذكره الطوسي وابن النجاشي وعليّ بن الحكم في شيوخ الشيعة . وتلمّذ له المفيد وبالغ في إطرائه وحدث عنه أيضا الحسين بن عبيدالله الغضائري ومحمد ابن سليم الصابوني ، سمع منه بمصر ».
وقال عمر رضا كحالة : « عالم ، مشارك في أنواع من العلوم » (5).
مشايخه الذين روى عنهم ـ رحمهم الله في هذا الكتاب :
يروي في هذا الكتاب عن جماعة من المشايخ الذين نص في المقدمة على وثاقتهم وكونهم مشهورين بالحيث والعلم ، منهم :
1 ـ أبوه محمد بن قولويه الذي مر ذكره من النجاشي والعلامة : أنه من
____________
1 ـ في فهرس الشيخ ونضد الإيضاح للعلم الهدى ـ رحمهما الله ـ : « جعفر القمي ، قولويه : بضم القاف وإسكان الواو الأولى وضم اللام والواو بعدها ، وكان أبوه يلقّب بـ « مسلمة » بفتح الميم وإسكان السين ».
2 ـ يعني ابن عبدالله بن أبي خلف الأشعري القمي .
3 ـ يعني المفيد.
4 ـ راجع ج3 ص125 .
5 ـ معجم المؤلفين ج3 ص146.
خيار أصحاب سعد.
2 ـ أخوه أبو الحسين المترجم في فهرست النجاشي (1) بقوله : علي بن محمد ابن جعفر مسرور أبو الحسين يلقب أبو « ممله » . روى الحديث ومات حديث السن ، لم يسمع منه ، له كتاب فضل العلم وآدابه ـ اهـ.
3 ـ أحمد بن إدريس (*).
4 ـ أبو علي أحمد بن علي بن مهدي.
5 ـ أبو الحسين أحمد بن عبدالله بن علي الناقد (2).
6 ـ أحمد بن محمد بن الحسن بن سهل.
7 ـ جعفر بن محمد بن إبراهيم بن عبيدالله بن موسى بن جعفر.
8 ـ الحسن بن زبرقان الطبري.
9 ـ الحسن بن عبدالله بن محمد بن عيسى.
10 ـ الحسين بن علي الزعفراني ، حدثه بالريّ (3).
11 ـ الحسين بن محمد بن عامر.
12 ـ حكيم بن داود بن حكيم.
13 ـ أبو عيسى عبيدالله بن الفضل بن محمد بن هلال الطائي البصري.
14 ـ علي بن حاتم القزويني.
15 ـ علي بن الحسين السعد آباديّ (4).
16 ـ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه.
17 ـ علي بن محمد بن يعقوب الكسائي.
18 ـ القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني.
19 ـ محمد بن أحمد بن إبراهيم.
20 ـ أبو عبدالرحمن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري.
21 ـ أبوالفضل محمد بن أحمد بن سليمان (5).
____________
1 ـ ص262 تحت رقم 685.
* ـ على ما في الكتاب ص 264 ، مع أنه مات سنة 306.
2 ـ في بعض نسخ الكتاب : « محمد بن عبدالله بن علي الناقد » وهو إما أن يكون هو رجل آخر أو اتحادهما ، وهو تصحيف « أحمد » بـ « محمد » أو بالعكس.
3 ـ روى المؤلف أيضا عنه بواسطة أبيه . ( ص58 تحت رقم 7 )
4 ـ روى عنه أيضا بواسطة علي بن الحسين بن بابويه . ( ص117 تحت رقم 7 )
5 ـ هو محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان [ سليم ـ خ ] أبو الفضل الجعفي الكوفي المعروف
22 ـ أبو عبدالله محمد بن أحمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمار.
23 ـ أبو العباس محمد بن جعفر الرزاز القرشي الكوفي ابن أخت محمد بن الحسين بن أبي الخطاب.
24 ـ محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد.
25 ـ محمد بن الحسن بن علي بن مهزيار.
26 ـ محمد بن الحسين بن مت الجوهري.
27 ـ محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري.
28 ـ محمد بن عبدالمؤمن (6).
29 ـ أبو علي محمد بن همام بن سهيل.
30 ـ محمد بن يعقوب الكليني.
31 ـ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري.
تلامذته والراوون عنه ـ رحمهم الله ـ :
يروي عنه جماعة من الفطاحل ، منهم :
1 ـ أحمد بن عبدون.
2 ـ أحمد بن محمد بن عياش.
3 ـ الحسين بن أحمد بن المغيرة.
4 ـ الحسين بن عبيدالله.
5 ـ حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي.
6 ـ أبو الحسن علي بن بلال المهلبي.
7 ـ محمد بن محمد بن نعمان المفيد.
8 ـ هارون بن موسى التلعكبريّ.
9 ـ ابن غرور (7).
10 ـ محمد بن سليم (8) الصابوني ، سمع منه بمصر
____________
=
بـ « الصابوني » ، سكن مصر ، كان زيديا ثم عاد إلينا ، وكان له منزلة بمصر . ( جش ، صه ) أقول : الظاهر اشتراكه مع ما مر تحت رقم 19.
6 ـ هو المؤدب القمي ، ثقة ، له كتاب ، عنه جعفر بن محمد. ( جش )
7 ـ في رجال الشيخ ( ره ) : « ابن عزور ».
8 ـ مر ترجمته في الصفحة الماضية . وفي بعض نسخ النجاشي : « سليمان ».
تآليفه القيّمة :
قال النجاشي : « له كتب حسان : كتاب مداواة الجسد ، كتاب الصلاة ، كتاب الجمعة والجماعة ، كتاب قيام الليل ، كتا الرضا (ع) ، كتاب الصداق ، كتاب الأضاحي ، كتاب الصرف ، كتاب الوطي بملك اليمين ، كتاب بيان حل الحيوان من محرمه ، كتاب قسمة الزكاة ، كتاب العدد ، كتاب العدد في شهر رمضان ، كتاب الرد على ابن داود في عدد شهر رمضان ، كتاب الزيارات ، كتاب الحج ، كتاب يوم وليلة ، كتاب القضاء وأدب الحكام ، كتاب الشهادات ، كتاب العقيقة ، كتاب تاريخ الشهور والحوادث فيها ، كتاب النوادر ، كتاب النساء ـ ولم يتمه ـ . قرأت أكثر هذه الكتب على شيخنا أبي عبدالله ـ رحمه الله ـ ، وعلى الحسين بن عبيد الله (1) ».
وقال الشيخ في الفهرست : « له تصانيف على عدد أبواب الفقه ».
ميلاده ووفاته ومدفنه :
لم نعثر على سنة ولادته ، لأنه لم يثبت في كتب التراجم ، وتوفي سنة 368 ، كما قال الشيخ في رجاله وابن حجر في لسان الميزان ، و369 على ما قاله العلامة في الخلاصة.
دفن في الحضرة الكاظمية في طرف الرجل ، وبجنبه قبر الشيخ المفيد ـ رحمهما الله ـ ، وأما ابن قولويه الذي دفن بقم وله مقبرة معروفة قرب الشيخان الكبير ، فهو والد هذا الشيخ الجليل محمد بن جعفر الذي كان من خيار أصحاب سعد بن عبدالله الأشعري القمي.
*****
____________
1 ـ يعني ابن الغضائري ـ رحمه الله ـ .
النسخ المخطوطة التي عندنا من الكتاب :
1 ـ نسخة بقلم بعض الكتاب لم يذكر اسمه ، تاريخ إتمامها ربيع الثاني من شهور سنة ثمان وستين بعد الألف من الهجرة النبوية ـ صلوات الله عليه ـ ، قابلها مع عدة نسخ ، وصححها العلامة المجلسي ـ رحمة الله عليه ـ.
2 ـ نسخة مخطوطة كتبها محمد شفيع كرماني ، تاريخها محرم الحرام 1093.
3 ـ نسخة مطبوعة بالطبع الحجري ، صححها وقابلها مع نسخة عتيقة مصححة العلامة الأميني ـ رحمه الله ـ ، طبعت سنة 1356 هـ ق.