الباب الثّامن والعشرون
(بُكاء السَّماء والأرض على قتل الحسين ويحيى بن زكريّا عليهم السلام)
1 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي : عليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن ، عن سعد بن عبدالله ، عن يَعقوبَ بن يزيدَ ، عن أحمدَ بن الحسن الميثميِّ ، عن عليِّ الأزرق ، عن الحسن بن الحكم النَّخَعيِّ(1) ـ عن رَجل ـ «قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام في الرُّحْبة وهو يتلو هذه الآية(2) « فَما بَكَت عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرينَ(3)»
، وخرج عليه الحسين مِن بعض أبواب المسجد ، فقال : أما إنَّ هذا سيُقتل وتبكي عليه السَّماء والأرض» .
2 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن داود بن عيسى الأنصاريّ(4) ، عن محمّد بن عبدالرَّحمن بن أبي ليلى ، عن إبراهيم النَّخعيِّ «قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام فجلس في المسجد واجتمع أصحابه حوله وجاءَ الحسين
عليه السلام حتّى قام بين يديه فوضع يده على رأسه فقال : يا بني إنَّ الله عَيَّرَ(5) أقواماً بالقُرآن ، فقال : « فما بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّماءُ وَالأرضُ وَما كانُوا مُنظَرينَ» ، وأيْمُ اللهِ ليَقتلنّك بَعدي ، ثمّ تبكيك السَّماءُ والأرض» .
وحدَّثني أبي ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، بإسناده مثله .
3 ـ وحدَّثني محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن وُهَيب بن
____________
1 ـ هو أبو الحسن الكوفيّ ، روى عن إبراهيم النّخعيّ وغيره ، من رجال العامّة ، مات سنة بضع وأربعين ومائة .
2 ـ في البحار : «سمعت أمير المؤمنين عليه السلام وهو يقول في الرّحبة وهو يتلو هذه الآية ـ إلخ».
3 ـ الدّخان : 29.
4 ـ في بعض النّسخ: «يزداد بن عيسى الأنصاري».
5 ـ عيّر فلاناً : نسبه إلى العار ، وقبّح عليه فعله .
( 94 )
حفص النَّحّاس ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : إنّ الحسين عليه السلام بكى لقتله السَّماء والأرض واحمرّتا ، ولم تبكيا على أحدٍ قطّ إلاّ على يحيى بن زكريّا ،
[والحسين بن عليٍّ عليهم السلام] » .
وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين ، بإسناده مثله .
4 ـ وحدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى بن بابويه؛ وغيره ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن عبدالجبّار ، عن الحسن بن عليّ بن فَضّال ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبدالله بن هِلال «قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنَّ السَّماء بكتْ على الحسين بن عليِّ ويحيى بن زَكريّا ، ولم تبك على أحدٍ غيرهما ، قلت: وما بكاؤها؟ قال : مكثتْ أربعين يوماً تطلع كالشَّمس بحُمْرَة وتغرب بحُمْرة ، قلت : فذاك بكاؤها؟ قال: نعم» .
5 ـ وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن عبدالله بن أحمد ، عن عُمرَ بن سَهل ، عن عليِّ بن مُسْهِر القُرَشيِّ «قال : حدَّثتني جدَّتي أنّها أدركتِ الحسين بن عليٍّ عليهما السلام حين قُتل فمكثنا سنة وتسعة أشهر ، والسّماء مثلُ العَلّقةِ مثلُ الدَّم ، ما ترى الشَّمس»(1) .
6 ـ حدَّثني علي بن الحسين بن موسى ، عن عليِّ بن إبراهيمَ بنِ هاشم ، عن أبيه ، عن ابن فَضّال ، عن أبي جَميلَة ، عن محمّد بن عليِّ الحلبيِّ ، عن أبي عبدالله عليه السلام «في قوله تعالى : « فما بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّماءُ وَالأرضُ وَما كانَوا مُنْظَرينَ» ، قال: لم تَبكِ السَّماء على أحدٍ منذ قتل يحيى بن زكريّا حتّى قُتل الحسين عليه السلام فبَكَت عليه» .
7 ـ وحدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز القرشيُّ قال: حدَّثني محمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب ، عن صَفوانَ بن يحيى ، عن داودَ بنِ فَرْقَد ، عن أبي عبدالله عليه السلام
____________
1 ـ تقدّم الكلام فيه ، راجع ص77 و 78 .
( 95 )
«قال : احمرَّتِ السَّماء حين قُتل الحسين عليه السلام سَنَةً ، ويحيى بن زَكريّا ، وحُمرتُها بُكاؤها» .
8 ـ وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليِّ بن فَضّال ، عن ابن بُكير ، عن زُرارةَ ، عن عبدالخالق ابن عبدِرَبّه «قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : «لم نَجعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَميّاً(1)» ، الحسين بن عليٍّ عليهما السلام لم يكن له مِن قبلُ سَميّاً ، ويحيى بن زَكريّا عليهما السلام لم يكن له من قَبلُ سَميّاً ، ولم تبك السَّماء إلاّ عليهما أربعين صباحاً ، قال: قلت : ما بُكاؤها؟ قال: كانت تطلع حَمراء وتغرب حَمراء» .
9 ـ وحدَّثني عليُّ بن الحسين بن موسى ، عن عليِّ بن إبراهيم ؛ وسعد بن عبدالله جميعاً ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن أبي جميلَة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام «قال : مابكتِ السَّماء على أحدٍ بعد يحيى بن زَكريّا إلاّ على الحسين بن عليِّ عليهم السلام ، فإنّها بَكتْ عليه أربعين يوماً» .
10 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز الكوفيّ ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن جعفر بن بَشير ، عن كُلَيْب بن مُعاويةَ الأسديّ ، عن أبي عبدالله عليه السلام » قال : لم تبكِ السَّماء إلاّ على الحسين بن عليٍّ ويحيى بن زَكريّا عليهم السلام» .
11 ـ وعنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن نَصر بن مُزاحم ، عن عُمَرَ بن سعد ، عن محمّد بن سَلَمة ـ عمّن حدَّثه ـ «قال : لمّا قتل الحسين بن عليٍّ عليهما السلام أمطرتِ السَّماء تراباً أحمر» .
12 ـ حدًّثني حكيم بن داودَ بن حكيم ، عن سَلَمة بن الخطّاب ، عن محمّد بن أبي عُمَير ، عن الحسين بن عيسى(2) ، عن أسلم بن القاسم قال: أخبرنا عُمَرُ بنُ وَهْب(*) ، عن أبيه ، عن عليِّ بن الحسين عليهما السلام «قال : إنَّ السّماء لم تبكِ منذ
____________
1 ـ أي لم يسمّ أحدٌ قبله باسمه ، وهو قوله تعالى : « يا زَكَريّا إنّا نُبشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يحيى لم نجعَلْ لَهُ مِنْ قَبلُ سَميّاً» [مريم : 7] .
* ـ في بعض النّسخ : «عمرو بن ثبيت».
2 ـ الظّاهر هو الحسين بن عثمان وصحّف ، وله كتاب يرويه ابن أبي عمير .
( 96 )
وضعتْ إلاّ على يحيى بن زَكريّا والحسين بن عليِّ عليهم السلام ، قلت : أيّ شيء كان بكاؤها؟ قال : كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثَّوب شبه أثر البراغيث من الدَّم» .
13 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وعليُّ بن الحسين ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن موسى بن الفضل(*) ، عن حنان «قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ما تقول في زيارة قبر أبي عبدالله الحسين عليه السلام ؛ فإنّه بلغنا عن بعضهم أنّها تَعدِلُ حَجّة وعُمرة؟ قال : لا تعجب بالقول هذا كلّه(1) ، ولكن زُرْه ولا تجفه فإنَّه سيِّد الشُّهداء؛ وسيِّد شَباب أهل الجنّة ، وشبيهه يحيى بن زَكريّا وعليهما بكتِ السّماء والأرض» .
حدَّثني أبي ؛ ومحمّد بن الحسن بن الوليد ، عن محمّد بن الحسن الصَفّار ، عن عبدالصَّمد بن محمّد ، عن حَنان بن سَدير ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله سواء .
حدَّثني أبي ـ رحمه الله تعالى ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حَنان بن سَدير ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله .
14 ـ وبهذا الإسناد عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ـ عن غير واحدٍ ـ عن جعفر بن بَشير ، عن حمّاد ، عن عامِر بن مِعقَل ، عن الحسن بن زياد ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : كان قاتل يحيى بن زكريّا ولد زنا ، وقاتل الحسين عليه السلام ولد زنا ،
ولم تبكِ السّماء عَلى أحدٍ إلاّ عليهما ، قال : قلت : وكيف تبكي؟ قال: تطلع الشَّمس في حمرة ، وتغيب في حمرة» .
حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيّ ، عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير بإسناده مثله .
15 ـ وحدَّثني أبي ؛ وعليُّ بن الحسين ـ رحمهما الله ـ جميعاً ، عن سعد بن
____________
1 ـ في بعض النّسخ ، وفي البحار: «لا تعجب ، ما أصاب مَن يقول هذا كلّه» . وقال المجلسي (ره) ـ : قوله : «ما أصاب» محمولٌ على التّقيّة .
* ـ فيه كلام ، راجع ص305 .
( 97 )
عبدالله ، عن أحمدَ بنِ محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليٍّ الوَشّاء ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبدالله بن هِلال ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : سمعته يقول : إنّ السَّماء بَكَتْ على الحسين بن عليٍّ ويحيى بن زَكريّا ، ولم تبكِ على أحدٍ غيرهما ، قلت : وما بُكاؤها ؟ قال : مَكثوا أربعين يوماً تطلع الشّمس بحُمْرَة وتَغرُب بحُمرة ، قلت: فذاك بُكاؤها؟ قال : نَعَم» .
16 ـ وعنهما ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن البرقيِّ محمّد بن خالد ، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ ، عن الحسن بن الحكم النَّخَعيِّ ، عن كثير بن شِهاب الحارثيّ «قال : بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السلام في الرُّحْبَة إذ طلع الحسين عليه فضَحِك عليُّ عليه السلام ضَحْكاً حتى بَدَتْ نَواجِذُه ، ثمَّ قال: إنّ الله ذكر قوماً
وقال: « فَما بَكَتْ عَلَيْهمُ السَّماءُ وَالأرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرينَ» ، والّذي فَلَق الحبَّةَ وبرَأ النَّسَمَةَ ليُقتلنَّ هذا ولتبكينّ عليه السَّماء والأرض» .
17 ـ وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن البرقيِّ ، عن عبدالعظيم الحسنيِّ ، عن الحسن(1) ، عن أبي سَلَمَة «قال : قال جعفر بن محمّد عليهما السلام : ما بكتِ السَّماء والأرض إلاّ على يحيى بن زَكريّا والحسين عليهم السلام» .
18 ـ حدَّثني أبي ؛ وأخي ـ رحمهما الله ـ عن أحمدَ بن إدريس ؛ ومحمّد بن يحيى جميعاً ، عن العَمْرَكي بن عليٍّ البوفكيِّ قال: حدَّثنا يحيى ـ وكان في خدمة أبي جعفر الثّاني عليه السلام ـ عن عليِّ(2) ، عن صَفوانَ الجمّال ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : سألته في طريق المدينة ـ ونحن نُريد المكّة ـ فقلت : يا ابن رسول الله ما لي أراك كئيباً حَزيناً مُنْكسراً؟! فقال : لو تسمع ما أسمع لشَغَلَك عن مسألتي ، قلت : فما الَّذي تَسمَعُ ؟! قال: ابتهال الملائِكة إلى اللهِ(3) عزَّوجلَّ على قَتَلةِ أمير المؤمنين وقتلة الحسين عليهما السلام ، ونوح الجنّ وبُكاء الملائكة الَّذين حوله وشدَّة
____________
1 ـ الظّاهر هو ابن الوشّاء ، أو المراد ما تقدّم «ابن الحكم النّخعيّ» ، والأوّل أظهر ، وأبو سلمة هو سالم بن مُكرم.
2 ـ كأنّه ابن الحكم الكوفيّ الثّقة.
3 ـ ابتهل إلى الله : تضرّع ودعا .
( 98 )
جَزعِهم ، فمن يتهنّأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم؟!! ـ وذكر الحديث ـ » .
19 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ؛ وعبدالله بن جعفر الحِميريّ ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد البرقيِّ ، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسنيِّ العَلويّ ، عن الحسن بن الحكم النّخعيِّ ، عن كثير ابن شِهاب الحارثيِّ «قال : بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السلام بالرُّحْبة إذ طلع الحسين عليه السلام قال : فضحك عليٌّ عليه السلام حتّى بَدَتْ نَواجذه ، ثمَّ قال: إنّ الله ذكر قوماً فقال : « فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ والأرضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ» ،
والَّذي فَلَق الحَبّة وبَرَأ النَّسَمَة لَيقتلنَّ هذا ولتبكينَّ عليه السّماء والأرض»(1) .
20 ـ وعنه ، عن نَصر بن مُزاحم ، عن عُمَرَ بن سعد(2) قال : حدَّثني أبو مُعْشر ، عن الزُّهْريّ «قال : لمّا قتل الحسين عليه السلام أمطرتِ السّماء دماً» . وقال عمر بن سعد : وحدَّثني أبو مَعْشَر ، عن الزَّهريّ «قال : لمّا قتل الحسين عليه السلام لم يبق في بيت المَقْدِس حَصاةٌ إلاّ وجد تحتها دمٌ عَبيط» .
21 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن(3) محمّد بن الحسن بن مَهزيار(4) ، عن أبيه ، عن عليِّ بن مَهزيار ، عن الحسن بن سعيد ، عن فَضالَة بن أيّوبَ ، عن داودَ ابن فَرْقَد «قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : كان الَّذي قَتَلَ الحسينَ بنَ عليٍّ عليهما السلام ولد زنا ، والَّذي قَتل يحيى بن زَكريّا ولد زنا ، وقال : احمرَّتِ السَّماء حين قُتل الحسين بن عليٍّ سنة ، ثمّ قال : بَكتِ السَّماء والأرض على الحسين بن عليٍّ وعلى يحيى بن زَكريّا ، وحُمرتها بُكاؤها» .
*****
____________
1 ـ تقدّم الخبر آنفاً بتفاوت يسير تحت رقم 16.
2 ـ تقدّم ذكره في ص71 ، وأبو مَعشَر هو يوسف بن يزيد البرّاء العطّار ، المعنون في تهذيب التّهذيب.
3 ـ كذا في النّسخ والبحار ، والظّاهر تصحيف الواو بـ «عن».
4 ـ هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن مهزيار.
( 99 )
الباب التّاسع والعشرون
(نوح الجنِّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام)
1 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن نصر بن مُزاحِم ، عن عُمَرَ بن سعد ، عن عَمرو بن ثابت ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن اُمّ سلمة زوجة النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قالتْ : ما سمعت نوح الجنّ منذ قبض الله نبيَّه إلاّ اللَّيلة ، ولا أراني إلاّ وقد
أصبت بابني الحسين ، قالتْ : وجاءت الجنّيَّة منهم وهي تقول :
أيا عَينــايّ فَانْهَمِلا بِجهْـدٍ * فَمنْ يَبْكي عَلى الشُّهداء بَعْدي
عَلى رَهْطٍ تُقُودُهُـمُ المنايـا * إلـى مُتَجبِّرٍ مِنْ نَسْلِ عَبْد(1)
2 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن إبراهيم بن عُقْبَة ، عن أحمدَ بن عَمرو بن مسلم ، عن المَيثميّ(2) «قال : خمسة
من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن عليٍّ عليهما السلام فمرُّوا(3) بقرية يقال لها : شاهيّ(4) إذ أقبل عليهم رَجلان: شيخٌ
وشابٌّ فسلّما عليهم ، قال : فقال الشّيخ : أنا رَجلٌ من الجنّ وهذا ابن أخي أردنا نَصرَ هذا الرَّجل المظلوم ، قال : فقال لهم الشّيخ الجنّي : قد رَأيت رأياً ، فقال الفتية الإنسيّون : وما هذا الرَّأي الَّذي رأيت؟ قال : رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة ، فقالوا له: نِعْمَ ما
____________
1 ـ في أمالي الصّدوق: «في ملك عبد» . وقوله : «فانهملا» فيه : «فانهملي».
2 ـ كان من أولاد ميثم التّمّار ، وهو أحمد بن الحسن بن إسماعيل ، مِن أصحاب الكاظم عليه السلام ، وهو ثقة .
3 ـ في البحار : «فعرّسوا».
4 ـ قال العلاّمة الأميني ـ رحمه الله ـ : «شاهي » موضع بقرب القادسيّة ، وأظنّها تنسب إلى شاه بن شاه بن لان بن نريمان الّذي هبط إلى تلك الدّيار بأمر كسرى بن هرمز لمحاربة الأتراك النّازلة بها.
( 100 )
رأيتَ ، قال: فغابَ يومه وليلته ، فلمّا كان من الغد إذا هم بصَوتٍ يسمعونه ولا يَرَونَ الشّخص وهو يقول :
وَاللهِ مـــا جِئتُكُمْ حَتّى بَصُرْتُ بِهِ *
بِالطَّفِّ مُنْعَفـــَر الخَدَّينِ مَنحُورا
وَحَـــــولَهُ فِتْيَةٌ تَدْمي نُحورُهُم *
مِثْلَ المصابيح يَملُونَ(1) الدُّجى نُورا
وَقَدْ حَثَثْتُ قَـلوصي(2) كَيْ اُصادِفَهم *
مِن قَبْلِ ما أنْ يُلاقُوا الخُرُدُ الحُورا(3)
كــان الحُسَينُ سِراجاً يُسْتَضاءُ بِهِ *
اللهُ يَعْلــــــم أنّي لم أقُلِ زُورا
مـــجاوِراً لِرَسُولِ اللهِ في غُرَفٍ *
وَلِلْبَتول(4) وَلِلــطَّـــيّارِ مَسْرُورا
فأجابه بعض الفِتْية من الإنسِيّين يقول :
اذْهَبْ فــلا زالَ قَبرٌ أنْتَ ساكِنُهُ *
إلى الــقِيامَةِ يَسْقَى الْغَيث ممطُورا
وَقَدْ سَلَكْتُ سَبـــيلاً أنْتَ سالِكُهُ *
وَقَدْ شَرِبْتُ بكَأسٍ كـانَ مَغْزورا(5)
وفِتْيَةٌ فَرَّغُوا لله أنْفُسَهُــــــم *
وفارَقُوا الـمـالَ والأحْبابَ والدُّورا
3 ـ حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم ، عن سَلَمة بن الخطّاب قال : حدّثني عُمَرُ بن سعد؛ وعَمروُ بنُ ثابت ، عن أبي زياد القَندي(6) «قال : كان
____________
1 ـ في مجالس المفيد : «يعلون».
2 ـ القلوص : بالفتح ـ : النّاقة الطّويلة القوائم ، خاصّ بالإناث.
3 ـ قال الفيروزآبادي : «الخَرِيدُ ، وبِهَاءٍ ، والخَرودُ : البِكْر لم تُمْسَس ، أو الخَفِرَةُ الطَّويلةُ السُّكوتِ ، الخافِضَةُ الصَّوتِ المُتَسَتَّرَةُ ، والجمع : خَرائِد وخُرُد و [خُرَّد]» وقال الشّارح في التّاج : الأخيرة (يعني خُرَّد) نادرة ، لاُنّ فعيلة لا تجمع على فُعَّل . وفي البحار ـ نقلاً عن أمالي الشّيخ ومجالس المفيد «الحرد» ـ بالحاء المهملة ـ ، وله بيان راجع ج45 ص240 .
4 ـ في مجالس المفيد : «وللوصيّ».
5 ـ في القاموس: «الغَزير: الكثير من كلّ شي ء ، ومن الآبار والينابيع : الكثيرة الماء» . وفي بعض النّسخ : «مغروراً» بالرّاء المهملة . وما في المتن مثل ما في البحار .
6 ـ كذا في النّسخ ، وفي مجمع الزّوائد الهيثمي : «عن أبي جناب الكلبيّ» مكان «عن أبي زياد القنديّ» ، وفيه : «قال : حدّثني الجصّاصون قالوا : كنّا إذا خرجنا إلى الجبّان باللَّيل عند مقتل الحسين سمعنا الجنّ ينوحون عليه ويقولون : مسح الرّسول ـ إلخ» .
( 101 )
الجَصّاصون(1) يسمعون نَوحَ الجنِّ حين قُتل الحسين عليه السلام في السَّحر بالجَبّانَة(2) وهم يقولون :
مَـــسَحَ الرَّسُولُ جَبينَهُ * فَلَهُ بَريقٌ فـــي الخدُود
أبَواهُ مِـــنْ عُلْيا قُرَيْشٍ * جَدُّهُ خَيرُ الـــــجدُودِ
4 ـ حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم ، عن سَلَمة بن الخطّاب قال : قال عُمَرُ بن سعد : حدَّثني الوليد بن غَسّان ـ عمّن حدَّثه ـ «قال : كانت الجنّ تنوح على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام تقول :
لـمنِ الاُبْيـــــــاتُ بِالطَّفِّ عَلى كُرْه بَنينه
تلك أبياتُ الحـــــــسين يَتَجاوَبْنَ الرَّنيِنَه(3)
5 ـ حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم ، عن سَلَمة قال : حدَّثني أيّوب بن سليمانَ بن أيّوب الفَزاري (4) ، عن عليِّ بن الحَزَوَّر(5) «قال : سمعت ليلى وهي تقول : سمعت نوح الجنّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام وهي تقول :
يـــــا عينُ جُودي بالدُّمُوعِ فإنَّما *
يَبْكـــــي الحَزِينُ بِحُرْقَةٍ وتَفَجَّع
يـــــا عَينُ ألْهاكَ الرِّقابُ بِطيبةٍ *
مِنْ ذِكْرِ آل مُحَمَّدٍ وَتَوجّــــــع
باتَتْ ثَــــلاثاً بالصَّعيدِ جُسُومُهُمْ *
بَين الوُحوشِ وكُلُّهـــم في مَصْرَع
6 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين ، عن نَصر بن مُزاحم ، عن عبدالرَّحمن بن أبي حمّاد ، عن أبي ليلى الواسِطيّ ، عن
____________
1 ـ الجصّ ـ بفتح الموحّدة وكسرها ـ : ما تُطلى به البيوت ، والجصّاص: عامله.
2 ـ الجبّانة ـ بالفتح ثمّ التّشديد ـ ؛ والجبّان في الأصل الصّحراء ، وأهل الكوفة يسمّون المقابر جبّانة كما يسمّيها أهل البصرة المقبرة ، وبالكوفة محالّ تسمّى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل . (المعجم) .
3 ـ الرَّنين: الصّوت مطلقاً وقيل : الصّوت مع بكاء ، وفي أساس البلاغة : سمعت له رنّة ورَنيناً ، أي صيحة حزينة.
4 ـ نسبة إلى حيٍّ من غَطَفان أبوها فَزارة بن ذُبيان.
5 ـ الحَزَوَّر ـ بالحاء المهملة والزّاي المفتوحتين ، والواو المشدّدة بعدها راء ـ .
( 102 )
عبدالله بن حَسّان الكِنانيّ قال : بَكتِ الجنُّ على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام فقالت :
ماذا تَقُولونَ إذْ قالَ النَّبــي لَكـم * مـاذا فَعلْتــم وَأنْتم آخِـرُ الاُمم؟
بأهْلِ بَيْتي وإخْواني ومَكْرُمَتــي * مِنْ بَين أسْرى وَقَتْلى ضُرِّجُوا بِدَم؟
7 ـ حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم قال: حدَّثني سَلَمةُ قال : حدَّثني عليُّ بن الحسن(1) ، عن مُعَمّر بن خَلاّد ، عن أبي الحسن الرّضا عليه السلام «قال : بينما الحسين عليه السلام يسير في جوف اللّيل وهو متوجّه إلى العِراق وإذا برجل يَرتجز ويقول : ؛
وحدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن مُعمّر بن خلاّد ، عن الرّضا عليه السلام ، مثل ألفاظ سَلَمَةَ ، قال: وهو يقول :
يـا ناقَتي لا تَذْعَري مِنْ زَجْـري * وشَمِّري قَبْل طُلُـوعِ الْفَجــــر
بِــخَيرِ رُكْبانٍ وخَيْــر سَفْــرِ * حتّـــى تَـحلّى بِكَريــمِ النّجْر
بـــماجِد الجدِّ رَحـيبِ الصَّدْرِ * أتــى بِـهِ اللهُ(2) لِخيـر أمــر
ثَمَّتَ أبــقاهُ بــقاءَ الدَّهْر
سَأمْضي وما بِالمَوتِ عارٌ عَلى الْفَتى *
إذا ما نَــوى حَقّـاً وجَـاهَد مُسْلِماً
وآسَى الـــرِّجالَ الصّالِحينَ بنَفسِه * وفارَقَ مَــــبْثوراً وخالَفَ مُجْرماً
فَإنْ عِشْتُ لَمْ أنْدَم وَإنْ مِتُّ لَمْ اُلَــم * كَفـى بِكَ ذُلا أنْ تَعيـشَ وَترْغَمــاً(3)
8 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله بن أبي خَلَف ، عن محمّد بن يحيى المُعاذيِّ قال : حدَّثني الحسين(4) بن موسى الأصمّ ، عن عَمرو ، عن جابر(5) ،
عن محمّد بن عليّ عليهما السلام «قال : لمّا همَّ الحسين عليه السلام «قال: لمّا همَّ الحسين عليه السلام بالشُّخوص من المدينة أقْبَلَتْ نساءُ بني عبدالمطّلب فاجتمعن للنِّياحة مشى فيهنِّ
____________
1 ـ الظّاهر هو ابن فضّال.
2 ـ كذا في النّسخ ، ولعلّ الصّواب : «أثابه الله».
3 ـ في بعض النّسخ : «كفى بك موتاً أن تذلّ وتغرماً».
4 ـ في بعض النّسخ ، «الحسن».
5 ـ هو جابر بن يزيد الجعفيّ الكوفيّ ، وراويه هو عمرو بن شمر الجعفيّ الكوفيّ .
( 103 )
الحسين عليه السلام فقال : أنشدكنّ الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله ، فقالت له نِساء بني عبدالمطّلب : فلمن نستبقي النِّياحة والبُكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعليٌّ ، وفاطمةُ ورقيّةُ وزينبُ واُمُّ كلثوم(1)؟!! فننشدك الله جعلنا الله فِداك من الموت ، يا حبيب الأبرار من أهل القبور ، وأقبلتْ بعض عَمَاته تبكي وتقول : اشهد يا حسين لقد سمعتُ الجنَّ ناحَتْ بنَوحِك وهم يقولون :
فإنَّ قَــتيلَ الطَّفِّ مِن آلِ هاشِم *
أذلَّ رِقاباً مِــــنْ قُرَيْش فَذَلت
حَبيبُ رَسولِ اللهِ لـم يَكُ فاحِشاً *
أبانَتْ مُــصيبَتُكَ الاُنوفَ وَجَلَّت
وقلن أيضاً :
بَكُّوا(2) حُــسَيناً سَيِّداً *
وَلِقَتْلِهِ شــــابَ الشَّعَر
وَلِقَتْلِهِ زَلْـــزَلــْتم * وَلِقَتْلِهِ انْــخَسَفَ القَمَر(3)
وَاحْـمَرَّت آفاقُ السَّماءِ * مِنَ الْــعَــشيَّةِ وَالسَّحَر
وَتَغَـبّرَتْ شَمْسُ الْبِلاد * بهم واظلَـــمَتِ الْكُوَر(4)
ذاكَ ابنُ فاطمةَ المُصابُ * بِــــهِ الخَلائقُ والبَشَر
أورَثْتنا ذُلا بِـــــهِ * جَــدّعَ الاُنوفُ مَعَ الغَرَر
9 ـ حدَّثني أبي ـ رَحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن يحيى المُعاذيّ ، عن عبّاد بن يعقوبَ ، عن عَمرو بن ثابت ، عن عمرِ[و] بن عِكرِمَة قال : أصبحنا صَبيحة(5) قتل الحسين عليه السلام بالمدينة فإذا مولى لنا يقول : سمعنا البارِحَةَ مُنادياً ينادي ويقول :
أيُّها القاتِلونَ ظلماً(6) حُسَيناً *
أبْشِرُوا بالْعَذابِ والتَّنْكيل
____________
1 ـ كلّهنّ بنات رسول الله صلوات الله عليه وعليهنّ.
2 ـ في بعض النّسخ : «أبكي».
3 ـ في جلّ النّسخ : «انكسف القمر».
4 ـ المراد بالشّمس ضياؤها لا اصلها ، والكور جمع كورة ، وهي البقعة الّتي جمع فيها المساكن والقرى.
5 ـ في جلّ النّسخ: «ليلة».
6 ـ في جلّ النّسخ : «جهلاً» .
( 104 )
كلُّ أهلِ السَّماءِ يَدعُو عَلَيكم * مِن نَـــــبيٍّ ومَلأَكٍ وَقَبيل
قد لُعِنْتم عَلى لِسانِ ابن داوُ * دَ وذي الرُّوح(1) حامِل الإنجيل
10 ـ حدّثني حكيم بن داودَ بن حكيم ، عن سَلَمةَ بنِ الخطّاب قال : حدَّثني عبدالله بن محمّد بن سِنان ، عن عبدالله بن القاسم بن الحارث ، عن داودَ الرَّقيّ قال : حدَّثتْني جدَّتي أنَّ الجنّ لمّا قتل الحسين عليه السلام بَكَتْ عليه بهذه الأبيات :
يا عَينُ جُودي بالعِبَر وابكي فقد حَقّ الخبر
|
أبكي ابنَ فاطمةَ الَّذي وَرَد الفُراتَ فما صَدَر(2)
|
الجِنُّ تَــبْكي شَجْوَها(3) لمّا اُتي مِنْهُ الخَبَر
|
قُتِلَ الحــسينُ وَرَهْطُهُ تَعْساً لِذلِكَ(4) مِنْ خَبر
|
فلأبْــــكينَّكَ حُرقَةً عِنْدَ العِشاء وبالسَّحر
|
ولأبــــينَّك ما جَرى عِرقٌ وما حمل الشَّجر
|
الباب الثّلاثون
(دعاء الحمام ولعْنها على قاتل الحسين عليه السلام)
1 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وعليُّ بن الحسين ، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن الحسين بن يَزيدَ النَّوفَليِّ ، عن إسماعيلَ بن أبي زياد السَّكونيِّ ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : اتّخذوا الحمام الرَّاعبيّة في بيوتكم(5) ، فإنّها تلعن قَتلةَ الحسين عليه السلام» .
2 ـ حدَّثني أبي ؛ وأخي ؛ وعليُّ بن الحسين ؛ ومحمّد بن الحسن جميعاً ، عن أحمدَ بن إدريس بن أحمد ، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي
____________
1 ـ كذا ، وفي التّواريخ و «مثير الأحزان» لابن نما : «ابن داو * وموسى وحامل الإنجيل».
2 ـ أي لم يرجع.
3 ـ الشّجو: الهمّ والحزن .
4 ـ التَّعْس : الهلاك.
5 ـ المراد بالرّاعبيّة الحمامة ، وهي ترعب في صوتها ترعيباً .
( 105 )
حمزةَ ، عن صَندل(1) ، عن داودَ بن فَرْقَد «قال : كنت جالساً في بيت أبي عبدالله عليه السلام فنظرت
إلى الحمام الرَّاعي يُقَرقِر(2)
طَويلاً ، فنظر إليَّ أبو عبدالله عليه السلام فقال : يا داودُ أتدري
ما يقول هذا الطّير؟ قلت : لا جُعلتُ فِداك ، قال: تدعو على
على قَتَلة الحسين بن عليٍّ عليهما السلام ، فاتّخذوه في منازلكم».
وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أبي
عبدالله الجامورانيِّ بإسناده مثله.
الباب الحادي والثّلاثون
(نَوح البوم(3) ومصيبتها على الحسين عليه السلام)
1 ـ حدَّثني محمّد بن الحسن بن أحمدَ بنِ الوليد ؛ وجماعةُ مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد ، عن صفوانَ بن يحيى ، عن الحسين بن أبي غُنْدَر ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: سمعتُه يقول في البومة ، قال: هل أحدٌ منكم رآها بالنّهار ، قيل له : لا ، تَكاد تظهر بالنّهار ولا تظهر إلاّ ليلاً ، قال: أما إنّها لم تزل تأوي العمران أبداً ، فلمّا أن قتل الحسين عليه السلام آلت على نفسها أن لا تأوي العُمْران ابداً
ولا تأوي إلاّ الخراب ، فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها اللّيل فإذا جنّها اللّيل(كذا) فلا تزال ترنّم على الحسين عليه السلام حتّى تصبح» .
2 ـ حدَّثني حكيم بن داودَ بنِ حكيم ، عن سَلَمة بن أبي الخطّاب ، عن الحسين بن عليِّ بن صاعد البَربَريِّ قيّماً لقبر الرّضا عليه السلام قال : حدَّثني أبي «قال : دخلتُ على الرّضا عليه السّلام فقال لي : تَرى هذه البوم ما يقول النّاس؟ قال: قلت : جُعِلتُ فِداك جِئنا نَسألك ، فقال : هذه البومة كانت(4) على عهد جدِّي
____________
1 ـ في بعض النّسخ: «صفوان».
2 ـ قرقرت الحمامة والدّجاجة : ردّدت صوتها.
3 ـ البوم طائر الظّلام ، وهي بالفارسية : «جغد».
4 ـ في البحار: «دخلت على الرّضا عليه السلام فقال لي : ما يقول النّاس؟ قال : قلت : جعلت فداك جئنا نسألك ، قال: فقال لي : ترى هذه البومة كانت ـ إلخ» .
( 106 )
رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تأوي المنازل والقصور والدُّور ، وكانت إذا أكل النّاس الطّعام تطير وتقع أمامهم ، فيرمى إليها بالطّعام وتسقي وترجع إلى مكانها ، فلمّا قتل الحسين عليه السلام خرجت من العُمران إلى الخراب والجبال والبراري ، وقالت : بئس الاُمّة أنتم ! قتلتم ابن بنت نبيّكم ، ولا آمنكم على نفسي» .
3 ـ حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال ـ عن رجل ـ عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : إنّ البوم لتصوم النّهار فإذا أفطرت تدلّهت(1) على الحسين بن عليٍّ عليهما السلام حتّى تصبح» .
4 ـ حدّثني عليُّ بن الحسين بن موسى ، عن سعد بن عبدالله ، عن موسى بن عُمَرَ ، عن الحسن بن عليِّ ، الميثميِّ(2) «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يا يعقوب(3) رأيت بومةً بالنّهار تنفّس قطّ ، فقال : لا ، قال : وتدري لم ذلك؟ قال: لا ، قال: لأنّها تظلُّ يومها صائمة على ما رزقها الله ، فإذا جَنّها اللّيل أفطرت على ما رُزقت ، ثمَّ لم تزل ترنّم على الحسين بن عليّ عليهما السلام حتى تصبح» .
الباب الثّاني والثّلاثون
(ثواب مَن بكى على الحسين بن علي عليهما السلام)
1 ـ حدِّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السّلام «قال : كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول : أيّما مؤمنٍ دمعتْ عَيناه لقتل الحسين
____________
1 ـ قال في القاموس : «الدَّلْه ، ويحرّك ، والدلُوه : ذَهاب الفُؤاد من هَمٍّ ونحوه . ودَلَّهه العِشْقُ تَدْليهاً فتَدَلَّه» وفي جلّ النّسخ : «اندبت» ، وما في المتن مثل ما في البحار .
2 ـ في جلّ نسخ الكتاب : «عن الحسن بن علي الميثمي» ، والصّواب ما في المتن.
3 ـ كأنّه ابن شعيب بن ميثم الأسديّ الثّقة .
( 107 )
ابن عليٍّ عليهما السلام دمعةً حتّى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها
في الجنّة غُرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيّما مؤمن دَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه فينا لاُذى مسّنا مِن عَدوِّنا في الدُّنيا بوَّأه الله بها في الجنّة مبوَّأ صِدقٍ ، وأيّما مؤمن مَسَّه أذىً فينا فَدَمَعَتْ عيناه حتّى تسيل على خَدِّه مِن مَضَاضةِ(1) ما اُوذي فينا صرَّف اللهُ عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة مِن سَخطه والنّار» .
2 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن أبي عبدالله الجامورانيِّ ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : سمعته يقول : إنَّ البكاء والجزع مكروهٌ للعبد في كلِّ ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن عليّ عليهما السلام ، فإنّه فيه مأجورٌ» .
3 ـ وحدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن خاله محمّد بن الحسين الزَّيّات ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عُقْبة ، عن أبي هارون المكفوف «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام ـ في حديث طويل له ـ : ومَن ذُكر الحسينُ عليه السلام عنده فخرج مِن عينه مِن الدُّموع مقدار جناح ذُباب كان ثوابه على الله عزَّوجلَّ ولم يرض له بدون الجنّة» .
4 ـ حكيم بن داود بن حكيم ، عن سلمة بن الخطاب قال : حدثنا بكار بن أحمد القسام ؛ والحسن بن عبدالواحد ، عن مخول بن إبراهيم ، عن الربيع ابن منذر ، عن أبيه « قال : سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول : من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا و أحقابا ».
4 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد ، عن حمزة بن عليَّ الأشعريّ ، عن الحسن بن معاوية بن وَهب ـ عمّن حدّثه ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان عليُّ بن الحسين عليه السلام يقول : ـ وذكر مثل حديث محمّد بن جعفر الرَّزَّاز سواء(2) .
____________
1 ـ المَضاضَة ـ بالفتح ـ : وجع المصيبة . (البحار) .
2 ـ أي ما تقدّم تحت رقم 1 .
( 108 )
5 ـ حدّثني محمّد بن جعفر القُرشيِّ ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن عليٍّ ، عن ابن أبي عُمَير ، عن عليِّ بن المغيرة ، عن أبي عُمارة المنشِد «قال : ما ذكر الحسين بن عليٍّ عليهما السلام عند أبي عبدالله جعفر بن محمّد عليهما السلام في يومٍ قطّ فرُئي أبو عبدالله عليه السلام في ذلك اليوم متبسِّماً قطّ إلى اللَّيل» .
6 ـ حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريّ ، عن أبيه ، عن عليِّ بن محمّد بن سالم ، عن محمّد بن خالد ، عن عبدالله بن حماد البصريّ ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن مِسْمَع بن عبدالملك كِرْدين البصريّ «قال : قال لي أبو عبدالله
عليه السلام : يا مِسْمع أنت مِن أهل العِراق ؛ أما تأتي قبر الحسين عليه السلام؟ قلت : لا؛ أنا رَجلٌ مشهورٌ عند أهل البصرة ، وعندنا مَن يتّبع هوى هذا الخليفة ، وعدوّنا كثير مِن أهل القبائل مِن النُّصّاب وغيرهم ، ولستُ آمنهم أنْ يرفعوا حالي عند ولد سليمان(1) فيُمثِّلون بي(2) ، قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : نعم ، قال : فتجزع؟ قلت : إي والله واستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ فأمتنع مِن الطّعام حتّى يستبين ذلك في وَجهي ، قال : رحِمَ الله دَمعتَك ، أما إنّك مِن الَّذين يُعدُّون مِن أهل الجزع لنا ، والّذين يفرحون لِفَرحِنا ويحزنون لِحُزننا ويخافون لَخوْفنا ويأمنون إذا أمنّا ، أما إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك ووصيّتهم ملكَ الموت بك ، وما يلقّونك به مِن البشارة أفضل ، ولملك الموت أرقّ عليك وأشدُّ رَحمةً لك من الاُمّ الشّفيقة على ولدها ، قال : ثمَّ استعبر واستعبرتُ معه ، فقال : الحمد للهِ
الّذي فضّلنا على خلقه بالرَّحمة وخصَّنا أهل البيت بالرَّحمة ، يا مِسّمَع إنَّ الأرض والسَّماء لتبكي مُنذُ قُتل أمير المؤمنين عليه السلام رَحمةً لنا ، وما بكى لنا مِن الملائكة أكثر وما رَقأتْ دُموع الملائكة منذ قُتلنا ، وما بكى أحدٌ رَحمةً لنا ولما لقينا إلاّ رحمه الله قبل أن تخرج الدَّمعة من عينه ، فإذا سالَتْ دُموعه على خَدِّه ، فلو أن قطرةً مِن دُموعه سَقَطتْ في جهنَّم لأطْفَئتْ حَرَّها
حتى لا
____________
1 ـ يعني سليمان بن عبدالملك ، والمراد ولده حاكم الكوفة .
2 ـ مثّل بفلان أي نكّله ، وصنع به صنيعاً يحذّر غيره .
( 109 )
يوجد لها حَرٌّ ، وإنّ الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند مَوته فرحَةً لا تزال تلك الفرْحَة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض ، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه مِن ضروب الطَّعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه ، يا مِسْمع مَن شرب منه شَربةً لم يظمأ بعدها أبداً ، ولم يستق بعدها أبداً ، وهو في بَرْدِ الكافور وريح المِسْك وطعم الزَّنجبيل ، أحلى مِن العَسل ، وألين مِن الزَّبد ، وأصْفى مِن الدَّمع ، وأذكى مِن
العَنبر يخرج من تَسْنيم(1) ، ويمرُّ بأنهار الجِنان يجري على رَضْراض(2)
الدُّرِّ والياقوت ، فيه من القِدْحان أكثرُ من عدد نجوم السَّماء ، يوجد ريحه مِن مَسيرةِ ألف عام ، قِدْحانه مِن الذَّهب والفِضّة وألوان الجوهر ، يفوح في وجه الشّارب منه كلُّ فائحة حتّى يقول الشّارب منه : يا ليتني تركت ههنا لا أبغي بهذا بَدلاً ، ولا عنه تَحويلاً ، أما إنّك يا [ابن] كِرْدين ممّن تروي منه ، وما مِن عَين بَكتْ لنا إلاّ نَعِمتْ بالنّظر إلى الكوثر وسُقِيتْ منه(3) ، وأنَّ الشَّارب منه ممّن أحبَّنا ليعطى مِن اللذّة والطَّعم والشَّهوة له أكثر ممّا يعطاه مَن هو دونه في حُبِّنا .
وإنْ على الكوثر أمير المؤمنين عليه السلام وفي يده عصاً مِن
عَوسَج يحطم بها أعداءَنا ، فيقول الرَّجل منهم : إنّي أشهد الشَّهادتين ، فيقول : أنطلقْ إلى إمامك فلانٍ فاسأله أنْ يشفع لك ، فيقول : تبرَّأ منّي إمامي الَّذي تذكره ، فيقول : ارجع إلى ورائِك فقلْ للَّذي كنتَ تتولاّه وتقدِّمه على الخلق فاسأله إذ كان خير الخلق عِندك أن يشفع لك ، فإنَّ خيرَ الخلق مَن يَشفَع(4) ، فيقول : إنّي اُهلك عَطَشاً ، فيقول له : زادكَ اللهُ ظَمأُ وزادكَ الله عَطَشاً .
قلت : جُعِلتُ فداك وكيف يقدر على الدُّنوّ مِن الحوض ولم يقدر
عليه
____________
1 ـ هو عين في الجنّه وهو أشرف شراب في الجنّة . (مجمع البيان) .
2 ـ الرّضراض : الحصاء ، أو الصِّغار منها .
3 ـ إسناد السَّقْي إلى العين مجازيٌّ لسببيّتها لذلك . (البحار).
4 ـ في بعض النّسخ : «حقيقٌ أن لا يردّ إذا شفع» .
( 110 )
غيره؟ فقال: ورع عن أشياء قبيحةٍ ، وكفّ عن شتمنا [أهل البيت]
إذا ذكرنا ، وترك أشياء اجترء عليها غيره ، وليس ذلك لِحبّنا ولا لهوى منه لنا ، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتَدَيُّنه ولما قد شغل نفسه به عن ذكر النّاس ، فأمّا قلبه فمنافق ودينه النَّصب واتّباع أهل النَّصب وولاية الماضين وتقدُّمه لهما على كلِّ أحدٍ» .
7 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبدالله بن المغيرة ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن عبدالله بن بُكَير الاُرجانيِّ(1) . وحدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عبدالله بن زُرارة ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ ، عن عبدالله بن بُكَير «قال : حَجَجْتُ مع أبي عبدالله عليه السلام ـ في حديث طويل(2) ـ فقلت: ياابن رسول الله لو نُبِش قبرُ الحسين بن عليّ عليهما السلام هل كان يُصابُ في قبره شيءٌ؟ فقال : ياابن بُكَير ما أعظم مسائِلُك ، إنَّ الحسين عليه السلام مع أبيه واُمّه وأخيه في منزل رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه يُرزقون ويحبون(3) وأنّه لعَلى يمين العَرش متعلّق(كذا) يقول : يارَبِّ أنْجزْ لي ما وَعَدتَني ، وإنّه لينظر إلى زُوَّاره ، وأنّه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماءِ آبائهم وما في رِحالهم من أحدِهم بولده ، وأنّه لينظر إلى مَن يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول : أيّها الباكي
____________
1 ـ قال العلاّمة الأمينّي ـ رحمه الله ـ : أرّجان بفتح أوّله وتشديد ثانيه تارة ، وبالتّخفيف اُخرى ـ : مدينة مِن بلاد فارِس ، وفي بعض النّسخ : «ارحمانيّ» ، وأظنّه تصحيف أرْخُمانيّ ـ بالفتح ثم السكون وضم الخاء المعجمة ـ : بلدة من مدن فارس . و « عبدالله بن بكير » أو « عبدالله بن بكر » ـ كما في بعض النسخ ـ ليس هو من ولد أعين ، وله ابن اسمه الحسين ابن عبدالله الأرجانيّ.
2 ـ سيأتي الخبر بتمامه في باب نوادر الزّيارات تحت رقم 2 .
3 ـ فيه سقط ، والسّاقط قوله : «كما يرزقون ، فلو نُبِشَ في أيّامه لوُجِدَ ، وأمّا اليوم فهو حيُّ عند ربّه يرزق وينظر إلى مُعَسكَره ، وينظر إلى العرش متى يؤمر أن يحمله ـ إلخ» . كما يأتي في النّوادر .
( 111 )
لَو عَلِمتَ ما أعدّ اللهُ لك لَفَرِحْتَ أكثر ممّا حَزِنْتَ ، وإنّه ليستغفر له مِن كلِّ ذنبٍ وخطيئةٍ» .
8 ـ حدَّثني حكيم بن داود ، عن سَلَمةَ ، عن يعقوبَ بن يزيدَ ، عن ابن أبي عُمير ، عن بكر بن محمّد ، عن فُضيل بن يَسار ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مَن ذُكِرنا عندَه ففاضَتْ عَيناه ولو مثل جَناح بَعُوضةٍ(1) غُفِرَ له ذنوبُه ولو كانت مِثلَ زَبَد البَحر» .
حدَّثني محمّد بن عبدالله ، عن أبيه ، عن أحمدَ بنِ أبي عبدالله البَرقيِّ ، عن أبيه ، عن بَكرِ بنِ محمّد ، عن أبي عبدالله عليه السلام مثله .
9 ـ حدَّثني حكيم بن داود ، عن سَلَمة بن الخطّاب ، عن الحسن بن عليِّ ، عن العَلاء بن رَزين القَلاّء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام «قال : أيّما مؤمنٍ دَمَعَتْ عيناه لِقَتلِ الحسين عليه السلام دَمْعَةً حتّى تَسيل على خَدِّه بَوَّأه الله بها
غُرفاً في الجنّة يَسكنها أحقاباً» .
10 ـ وعنه ، عن سَلَمَةَ ، عن عليِّ بن سَيف ، عن بَكر بن محمّد ، عن فَضَيل بن فَضالة(2) ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مَن ذُكِرْنا عِنده ففاضَتْ عَيناه حرَّم اللهُ وَجْهَه على النّار» .
الباب الثّالث والثّلاثون
(مَن قال في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبْكى)
1 ـ حدَّثنا أبو العبّاس القُرشيُّ ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عُقْبَة ، عن أبي هارونَ المكفوف «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام؟ قال : فأنشدته فبكى،
____________
1 ـ في بعض النّسخ : «مثل جناح ذُباب» .
2 ـ عدَّه الشّيخ في رجاله من أصحاب الصّادق عليه السلام ، وقال : «الفضيل بن فضالة التّغلبيّ ، كوفيّ» . وفي بعض النّسخ: «عن فضيل؛ وفضالة ، عن أبي عبدالله عليه السلام» .
( 112 )
فقال : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرّقّة ـ قال : فأنشدته :
امْرُرْ عَلى جَدَثِ(1) الحسيــــن * فَــقُــلْ لأعْظُمِهِ الزَّكيَّـــــة
قال: فبكى ، ثمَّ قال : زِدْني ، قال : فأنشدته القصيدة الاُخْرى ، قال : فبكى ، وسمعتُ البكاء مِن خلفِ السَّتر ، قال : فلمّا فرغتُ قال لي : يا أبا هارون مَن أنشد في الحسين شِعراً فبكى وأبكى عَشْراً كُتبتْ لهم الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين شِعراً فبكى وأبكى خمسةً كُتبت لهم الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كُتبتْ لهما الجنّة ، ومَن ذكر الحسين عليه السلام عنده فخَرج مِن عينه مِن الدُّموع مِقدار جَناح ذُباب كان ثوابه على الله ، ولم يَرضَ له بدون الجنّة» .
2 ـ حدَّثني أبو العبّاس(2) ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي عثمان ، عن الحسن بن عليِّ بن أبي المغيرة ، عن أبي عُمارة المُنْشِد ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : قال لي : يا أبا عُمارة أنْشِدْني في الحسين عليه السلام ، قال: فأنشدته فبكى ، ثمَّ أنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، قال : فوالله ما زلتُ أُنشِدُه ويبكي حتّى سَمعتُ البكاء مِن الدَّار ، فقال لي : يا أبا عُمارة مَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فأبكى خمسينَ فله الجنَّة ، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فأبكى أربعين فلَه الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين شِعراً فأبكى ثلاثين فلَهُ الجنة ، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فأبكى عشرين فلَه الجنّة ، ومن أنشدَ في الحسين شِعراً فأبكى عشرة فله الجنّة ، ومَن أنشَدَ في الحسين عليه السلام شِعراً فأبكى واحِداً فله الجنّة ، ومن أنشد
في الحسين شِعراً فبكى فلَه الجنّة ، ومَن أنشَدَ في الحسين شِعراً فتباكى فلَه الجنّة» .
3 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عُمَير ، عن عبدالله بن حسّان ، عن ابن أبي شعبة(3) ، عن عبدالله بن غالب «قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فأنشدته مرْثيةَ الحسين عليه السلام ، فلمّا انتهيتُ إلى هذا الموضع :
لَــــــبلِيَّة تَسقو حُسَيناً * بمَسقاةِ الثَّرى غَير التُّرابِ
فصاحت باكية من وراء السّتر : واأبتاه!!!» .
____________
1 ـ الجدث : القبر .
2 ـ يعني الرّزّاز .
3 ـ هو عبيدالله بن علي بن أبي شعبة الحلبيّ .
( 113 )
4 ـ وعنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عُقْبَة ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مَن أنشَدَ في الحسين عليه السلام بيت شعرٍ فبكى وأبكى عشرةً فله ولهم الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنّة ، فلم يزل حتّى قال : مَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنّه قال : أو تباكى ـ فله الجنّة» .
5 ـ حدَّثني محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ،
عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيلَ ، عن صالح بن عُقْبَة ، عن أبي هارونَ المكفوف «قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقال لي : أنشِدْني ، فأنشدتُه ، فقال : لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره ، قال: فأنشدته :
أُمْرُرُ عَلى جَدَثِ الحُسَينِ * فَــــقُل لأعْظُمِهِ الـزَّكيَّةِ
قال : فلمّا بكى أمسكت أنا ، فقال : مُرَّ ، فمررت ، قال : ثمَّ قال : زِدني زِدني ، قال : فأنشدته :
يا مَريمُ قُومي فانْدُبي مَولاكِ * وَعَلى الحُسَين فأسْعِدي بِبُكاكِ
قال : فبكى وتهايج النّساء !! قال : فلمّا أن سَكتن قال لي : يا أبا هارون مَن أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى عشرة فله الجنّة ، ثمَّ جعل ينقّص واحِداً واحِداً حتّى بلغ الواحد ، فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحِداً فله الجنّة ، ثمّ قال : مَن ذَكرَه فبكى فله الجنّة» .
6 ـ وروي عن أبي عبدالله عليه السّلام «قال : لكلِّ شيءٍ ثواب إلاّ الدَّمعة فينا»(1) .
7 ـ حدّثني محمّد بن أحمد بن الحسين العسكريّ ، عن الحسن بن عليِّ بن مهزيار ، عن أبيه ، عن محمّد بن سِنان ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عُقْبة ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مَن أنشد في الحسين بيتَ شعرٍ فبكى وأبكى
____________
1 ـ أي ثواب معيّن إلاّ الدّمعة فينا ، فلها ثواب لا يعلم حدّه ، وذلك كناية عن كثرة الثَواب . وفي البحار: «لكلّ سرّ ـ إلخ» وله بيان راجع ج44 ص287 .
( 114 )
عشرةً فله ولهم الجنّة ، ومَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنّة ، فلم يزل حتّى قال : مَن أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنّه قال : أو تباكى ـ فله الجنّة» .
الباب الرّابع والثّلاثون
(ثواب مَن شَرِب الماءَ وذَكر الحسين عليه السلام ولعنَ قاتلَه)
1 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز الكوفيُّ ، عن محمّد بن الحسين ، عن الخشّاب ، عن عليِّ بن حَسّان ، عن عبدالرَّحمن بن كثير ، عن داودَ الرَّقّيّ «قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام إذ استسقى الماءَ ، فلمّا شربه رأيته قد استعبر واغْرَورَقتْ عَيناه بدُمُوعِه ، ثمّ قال لي : يا داودُ لعن الله قاتل الحسين ، فما مِن عبدٍ شرب الماءَ فذكر الحسين عليه السلام ولعنَ قاتله إلاّ كتب الله له مائة ألف حَسَنةٍ ، وحطّ عنه مائة ألف سيّئةٍ ، ورفع له مائة ألف درجةٍ ، وكأنّما أعتق مائة ألف نَسَمةٍ ، وحَشَره الله تعالى يوم القيامة ثلج الفُؤاد(1)» .
حدّثني محمّد بن يعقوبَ ، عن عليِّ بن محمّد ، عن سَهل بن زياد ، عن جعفر بن إبراهيم الحضرميّ ، عن سعد بن سعد مثله(2) .
الباب الخامس والثّلاثون
(بكاء «عليّ بن الحسين» على «الحسين بن علي» عليهم السلام)
1 ـ حدّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن جماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أبي داود المُسترق ـ عن بعض أصحابنا ـ عن
____________
1 ـ أي مطمئنّة .
2 ـ فيه كلام ، راجع البحار ج44 ص303 و304 . والخبر مذكور في الكافي ج6 ص391 وسنده غير ما ذكر في الكتاب ، وكذا في البحار .
( 115 )
أبي عبدالله عليه السلام «قال : بكى عليُّ بن الحسين على أبيه حسين بن عليِّ صلوات الله عليهما عشرين سَنَة ـ أو أربعين سَنَة(1) ـ ، وما وضع بين يديه طعاماً إلاّ بكى على الحسين حتّى قال له مولى له : جُعلتُ فِداك يا ابن رَسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون مِن الهالِكين ، قال: «إنَّما أشْكُو بَثِّي وَحُزْني إلى اللهِ وأعْلمُ مِنَ اللهِ ما لا يَعْلَمُون(2)» ، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خَنَقَتني العَبرة(3) لذلك» .
2 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن خاله محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزَّيّات ، عن عليِّ بن أسباط ، عن إسماعيلَ بن منصور ـ عن بعض أصحابنا ـ «قال : أشرف مولى لعليِّ بن الحسين عليهما السلام وهو في سقيفة له ساجدٌ يبكي ، فقال له : يا مولاي يا عليَّ بن الحسين أما آن لِحُزنك أن ينقضي ؟ فرفع رأسَه إليه وقال : ويلك ـ أو ثَكَلَتك اُمُّك ـ [والله] لقد شكى يعقوبُ إلى رَبّه في أقلّ ممّا رأيت حتى قال : «يا أسَفى عَلى يُوسُف(4)» ، إنّه فَقَدَ ابْناً واحِداً ، وأنا رَأيت أبي وجماعة أهل بيتي يُذبَّحون حَولي ، قال: وكان عليُّ بن الحسين عليهما السلام يميل إلى ولد عقيل ، فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عَمّك هؤلاء دون آل جعفر ؟ فقال : إنّي أذكر يومهم مع أبي عبدالله الحسين بن عليٍّ عليهما السلام فأرقَ لهم»(5) .
____________
1 ـ الشّكّ من الرّاوي . وعاش السّجّاد بعد أبيه عليهما السلام 34 سنة.
2 ـ يوسف : 86 . وهو قول يعقوب عليه السلام حين قال ولده : «تَالله تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أوْ تَكُونَ مِنَ الهلكينَ * قال إنّما أشكو ـ الآية» . وقال في المجمع : قيل: البث ما أبداه والحزن ما أخفاه .
3 ـ خنقه خنقاً عصر حلقه حتى يموت.
4 ـ يوسف : 84.
5 ـ الّذين قتلوا مع الحسين عليه السلام مِن أولاد عقيل ستّة بل سبعة ، وهم : 1 ـ عبدالرّحمن بن عقيل واُمّه اُمّ ولد ، 2 ـ جعفر بن عقيل ، واُمّه اُمّ الثّغر بنت عامر ، 3 ـ عبدالله بن عقيل ، واُمّه اُمّ ولد . 4 ـ محمّد بن مسلم بن عقيل ، واُمّه اُمّ ولد ، 5 ـ عبدالله بن مسلم ، واُمّه رقية بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، 6 ـ محمّد بن أبي سعيد الأحول ابن عقيل ، اُمّه اُمّ ولد ، وهؤلاء مع مسلم بن عقيل صاروا سبعة ، وأمّا من أولاد جعفر بن أبي طالب المقتول بكربلاء ثلاثة ، وهم : عون بن عبدالله بن جعفر ، واُمّه زينب عليها السّلام ، محمّد وعبيدالله ابنا عبدالله بن جعفر ، واُمّهما خوصاء . ثمّ إنّ عقيل عاش معدماً ، وعبدالله بن جعفر بخلافه ، كما في الإصابة لابن حجر وغيرها .