المَوَدَّةُ والرَّحمَةُ.. جَوهَرُ الحَيَاةِ الإنسانِيَّة
السّكون، والمودّة، والرحمة أساس الحياة الزوجيّة كما ورد في القرآن الكريم قال الله في كتابه المجيد: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، فهناك درجات من الكمال لا يصل إليها إلا المتزوّج؛ فالزواج في حدّ ذاته من موجبات الإغناء والرفعة (...وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ
المزيد
المَوَدَّةُ والرَّحمَةُ.. جَوهَرُ الحَيَاةِ الإنسانِيَّة
السّكون، والمودّة، والرحمة أساس الحياة الزوجيّة كما ورد في القرآن الكريم قال الله في كتابه المجيد: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، فهناك درجات من الكمال لا يصل إليها إلا المتزوّج؛ فالزواج في حدّ ذاته من موجبات الإغناء والرفعة (...وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، إلا إذا كان هناك مانع مثل ارتكاب المعاصي والذنوب.
فالمؤمن الذي يرزق امرأة مؤمنة يكون قد أحرز مَن تربّي له الأجيال الصالحة، وهذا خير مكسب، وإنّ ذات الدين هي خير مَن يعين الإنسان في دينه ودنياه، ولا يُخاف منها ما دام الوازع الدينيّ محروزاً لديها، وقد حثّت الشريعة المقدسة على الزواج ونهت عن الترهبن عن رسول(صلى الله عليه وآله): "ليس في اُمّتي رَهْبَانِيَّة ولا سياحة" لأن ذلك يؤدي إلى هرم المجتمع وانقراضه.
من روعة الدين الإسلامي أن وضع معالجات لكلّ ظروف الحياة، ومن معالجاته الحاسمة في قضايا الإنسان الاجتماعيّة جعل هناك نماذج إنسانية مؤمنة عصمهم من الذنوب والأخطاء، وجعل سيرة حياتهم منهجاً حيّاً تقتدي به الأمّة على مدى العصور والدهور.
البيت الوحيد في الإسلام الذي كان يضمّ بين جدرانه معصومين مطهّرين منزّهين عن ارتكاب الذنوب واكتساب المآثم، فضلاً عن اتصافه بالفضائل الأخلاقيّة والكمال الإنسانيّ، هو بيت الإمام عليّ والسّيّدة الزهراء(عليهم السلام)، فهو(عليه السلام) أنموذج الرجل الكامل في الإسلام، وهي(عليها السلام) أنموذج المرأة الكاملة والقدوة الحيّة للنساء، ترعرعا في ظلّ تربية النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وغذّاهما بالعلم وسائر الفضائل، واستأنست آذانهما الواعية مُنذ الصغر بالقرآن الكريم، وهما يسمعان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يرتّله ليلَ نهارَ وفي كلّ آن، وارتشفا العلوم والمعارف الإسلامية من معينها الأصيل ومنبعها العذب، ورأيا الإسلام يتحرّك في شخص الرسول(صلى الله عليه وآله)، فكيف إذن لا تكون أسرتهما الأنموذج الأمثل للأسرة المسلمة؟
كان بيت عليّ وفاطمة(عليهم السلام) أروع أنموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، تعاونا بوئام وحنان على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله، وقضى الرسول(صلى الله عليه وآله) بخدمة فاطمة(عليها السلام) دون الباب، وقضى على عليّ(عليه السلام) بما خلفه.
الزهراء(عليها السلام) خرّيجة مدرسة الوحي، وهي تعلم أنّ معقل المرأة من المواقع المهمّة في الإسلام، وإذا ما تخلّت عنه وسرحت في الميادين الأخرى عجزت عن القيام بوظائف تربية الأبناء كما ينبغي؛ لذا فإنّ من أوليّات مَهام المرأة العناية بالبيت والزوج والأبناء.
لقد كانت بنت الرسول(صلى الله عليه وآله) تبذل قُصارى جهدها لإسعاد أسرتها، ولم تستثقل من أداء مَهام البيت رغم الصعوبات والمشاق.
عاشت فاطمة(عليها السلام) في كنف زوجها قريرة العين سعيدة النفس لا تفارقها البساطة، ولا تبرح بيتها خشونة الحياة، فهي الزوجة المثاليّة، زوجة بطل المسلمين ووزير الرسول الأمين(صلى الله عليه وآله) ومشاوره الأول، وعليها أن تعي دورها وتكون بمستوى المسؤولية الخطيرة، وأنْ تكون لعليّ(عليه السلام) كما كانت أمّها(عليها السلام) للنبيّ(صلى الله عليه وآله)، تشاركه جهاده، وتصبر على قساوة الحياة، وصعوبات تبليغ الرسالة السماوية.
لقد كانت بمستوى مَهمّتها التي اختارها الله(عزّ وجل) لها، فكانت القدوة الصالحة للمسلم الرساليّ وللمرأة المسلمة.
دار الزهراء(عليها السلام) دار مباركة دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وأصبحت مناراً للعلم، وفاضت بألوان المعاني السامية، تشعّ عطاءً وهدىً إلى آخر لحظة من عمر الدنيا، فمن خلال هذا الدار ارتسمت الكثير من معالم الإسلام، وظهرت ميزاته الأساسيّة، وتآلفت جوانبه الفذَة، فقد كانت جامعة للعلوم الإسلاميّة، حيث كانت الزهراء(عليها السلام) تلقي الدروس وتجيب عن مختلف الأسئلة، وتنقل الكثير من أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله)، تجود بسخاء لمَن يريد أن يفهم ويتعلّم.
رئيس التحرير