القبب الشريفة
وقد شارك في هذه المراسيم عددٌ كبير من الشخصيات الدينية والثقافية والسياسية بالإضافة إلى جموعٍ كبيرة من أتباع أهل البيت(عليهم السلام) والذين امتلأت بهم العتبتان المقدستان وما بينها.
كانت بداية المراسيم في الصحن الحسيني المطهر بتلاوةٍ لآياتٍ من الذكر الحكيم للقارئ الحاج مصطفى الصراف، وعلى لحنٍ جنائزيٍّ حزين أُنزلت الراية الحمراء لترتفع بدلاً عنها الراية السوداء، وصوتُ الموالين يهتف (لبيك يا حسين) لترتفع على المآذن الشامخة القصيدةُ التاريخية للمرحوم الشيخ هادي الكربلائي في استقبال هذا الشهر (يا شهر عاشور) للرادود الكبير المرحوم حمزة الزغير.
بعدها توجّه الكردوس إلى حرم أبي الفضل العباس(عليه السلام) لتجري مراسيم تبديل الراية، على غرار ما جرى في العتبة الحسينية المقدسة، وقد جرى تقليدٌ منذ خمس سنين وهو بأن تُسلّم رايةٌ من إحدى محافظات العراق لتُرفع على ضريح أبي الفضل العباس(عليه السلام)، فكانت الراية هذه السنة من محافظة ديالى، وقد سُلّمت إلى الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي لتُختتم هذه المراسيم بمجلس عزاء للرادود الحاج باسم الكربلائي.
ألقى السيد صالح الحيدري رئيس ديوان الوقف الشيعي كلمة أشاد فيها بالدور الإصلاحي الذي لعبه الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه(عليهم السلام) في نصرة الحق وإعلاء كلمته، مؤكّداً على ضرورة الاستلهام من الدروس والعبر التي رسمها الإمام الحسين(عليه السلام) عن طريق نهضته التضحوية والإصلاحية المباركة، كما بيّن المنزلة العظيمة لأبي الفضل العباس(عليه السلام) وكيف اختاره الإمام الحسين(عليه السلام) لقيادة جيشه وحمل رايته، لذلك لُقّب بصاحب الراية، واختاره كذلك لجلب الماء لعياله وأهل بيته عندما قُطِعَ الماء وكيف قام بهذا الواجب الإنساني واستحقّ لقب الساقي.
نائب الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة السيد أفضل الشامي كانت له كلمةٌ أيضاً في هذه المراسيم، جاء فيها مخاطباً الإمام الحسين(عليه السلام): "يا سيدي هؤلاء محبّوك يقفون اليوم وكان يقف معهم في الأعوام الماضية من يقفون الآن في جبهات القتال، ليردّوا الأعداء عنك وعن أجدادك وعن زوّارك فلا تنسَهم سيدي بالنصر والظفر، وتقبّل شهداءهم عندك واجعلهم مع أنصارك، وتقبّلهم شهداءً فقد ارتفعت دماؤهم إلى علّيّين، وقد أحبّوا أن يوصلوا إليك هذه الرسالة، يقولون: (نحن الآن في جبهات القتال إدعُ لنا يا سيدنا، ونهديك نصرنا الذي تحقّق في جرف النصر (جرف الصخر)) وهذا الاسم أطلقوه بعد أن حقّقوا النصر على الأعداء.
وكانت كذلك كلمة للأمين العام للعتبة العباسية المقدسة سماحة السيد أحمد الصافي والتي ابتدأها بتوجيه السلام للمُرابطين والمدافعين في سبيل الله عن حياض الوطن، وهم يواجهون أعداء الإمام الحسين(عليه السلام) فدخل فيهم حبّه وتشرّب بهم، وأن يتقبّل منهم صالح الأعمال، فإنّ واقعة الطف لازالت قائمة وتُعاد في كلّ يوم وفيها ينمو منهج الإمام الحسين(عليه السلام) ويخبو منهج أعدائه، ولئن كان شمرٌ في الطف فاليوم عاد ألف شمر، ولئن كان في الطف حرملة فاليوم عاد ألف حرملة، ولئن كان في الطفّ حبيب فاليوم عشرة آلاف حبيب، ولئن كان في الطف زهير واحد فاليوم عشرة آلاف زهير.
وأضاف: "مدرسة الإمام الحسين(عليه السلام) مدرسة منتجة ومن نتاجاتها أصحابه(رضوان الله عليهم) وهو القائل بحقّهم: (فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي)، وامتداداً لهذه المدرسة العظيمة والخالدة نجد اليوم على ساحات القتال شخصاً في التسعين من عمره، جعل من حبيب بن مظاهر وزهير بن القين أنموذجاً ومثلاً أعلى، ونجد كذلك طفلاً صغيراً لا يقول كم عمره خوفاً من إرجاعه، ممّن تعلّم هذا الفتى؟ تأسّى بذلك الطفل الذي وقف بين يدي الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء وأرجعه، ثم رجع الى أمّه منكسراً لتأتي أمّه وتلبسه ثوب الحرب وترجعه اليه(سلام الله عليه) فمنهج الإمام الحسين(عليه السلام) هو منهج مرتبط بالسماء، وسلوكه سلوك الأنبياء، فقبّح الله أعداءه وقتلته الذين تلبّسوا بلباس الدين وتجلببوا بجلبابه وأقدموا على قتله، واليوم قد عادوا هؤلاء وتلبّسوا بلباس الدين والخلافة والنفاق وأظهروا عداوتهم للحسين(عليه السلام) ومحبيه".
وبيّن السيد الصافي: "شموخ الإمام الحسين(عليه السلام) باقٍ، وشعلته متّقدة فهو أعطى كلّ شيء لله فأعطاه الله كلّ شيء فهو معلّم الأجيال ومربّيها".
واختتم السيد الصافي كلمته: "على كلّ من فقد شهيداً عليه الاقتداء بزينب(سلام الله عليها) واستلهام القوة والعزيمة منها، فهنيئاً لهؤلاء الشهداء الذين ضحّوا بدمائهم من أجل هذا الوطن، فالبركة بكم يا من لبيتم نداء المرجعية وتحمّلتم الصعاب، فأنتم عشاق الحسين(عليه السلام)، ولقد كنتم محطةً مهمةً في دعاء كلّ من حضر وساهم في خدمة زائري الإمام الحسين(عليه السلام)، فهم لن ينسوكم بالدعاء، وأنتم حاضرون في وجدانهم وعقولهم، وسيكون النصر حليفكم وبكم يندحرُ أعداء الإمام الحسين(عليه السلام)".
هذا وقد نقلت هذه الفعاليات العديدُ من القنوات الفضائية والمحلّية بصورة مباشرة بالإضافة إلى البثّ المباشر لمواقع العتبتين المقدستين إلى حضور وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة.