سماحة السيد أحمد الصافي
جاء هذا في كلمة العتبتين المقدّستين الحسينيّة والعبّاسية التي ألقاها المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي(دام عزّه) خلال حفل افتتاح فعاليّات مهرجان ربيع الشهادة الثقافيّ العالميّ الثالث عشر الذي يُعقد تحت شعار: (الإمام الحسين-عليه السلام- غيثٌ منهمر وفيضٌ مستمرّ)، والذي انطلقت فعاليّاته عصر هذا اليوم الأحد (3شعبان 1438هـ) الموافق لـ(30نيسان 2017م(، وفيما يلي نصّ الكلمة:
السادة الأفاضل، المفكّرون الأكارم، الأساتذة الأعزّاء، الوفود الأجلّاء، الحضور الكريم، إخوتي أخواتي جميعاً السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أيّام مباركة ومكان مبارك وحضور كريم في رحاب سيّد الشهداء وأبيهم الإمام الحسين(عليه السلام)، في لقاء حبٍّ ومودّة وفكر وأصالة تتعانق الأرواح قبل الأجساد، في ربيع دائم وبهجة دافئة ارتوت من دماء فوّارة وامتزجت من أديم أرض مهّدت لآدم(عليه السلام) رؤية من رآهم يحلّقون حول عرش الله ثمّ سكنوا صلبه وانتقلوا من طاهرٍ الى طاهر، حتّى رجع الطين المقدّس ممزوجاً بدماء قدسيّة في أرض كربلاء معلناً البراءة من العدوّ اللّدود، لذلك النور الذي استقرّ في ذلك الطين وكأنّ الأنبياء هتفوا بصوتٍ واحد في هذه الأرض (هيهات منّا الذلّة)، فالطين المقدّس عصيٌّ أن تناله النار الحاقدة والمتكبّرة (خلقته من طين وخلقتني من نار).
فطوبى لكلّ العقول المنشيّة بهذا الوجود المبارك والمحلّقة في زمرة الملائكة الصاعدة والنازلة التي تبارك هذا المكان المرمّل بنحور الأنبياء، هنا بارك الله قلباً ملئ شوقاً ولساناً يترنّم (ماذا وجد من فقدك وماذا فقد من وجدك).
الحفل الكريم: ونحن على أبواب الولوج الى حضرة القدس الحسينيّ، والوقوف على الأعتاب العاليات والمقامات الراسيات، ولا يسعنا إلّا أن نرحّب بكم ونؤطّر ذلك بآيات العرفان والشكر للاستجابة الكريمة من حضراتكم لهذا التجمّع المنوّع، سائلين الله تعالى أن يسدّد ويوفّق ويُلهم ويجنح بنا جميعاً الى شاطئ الأمن والأمان، وأودّ هنا أن أذكر أمرين:
الأوّل: إنّ قضيّة سيّد الشهداء(عليه السلام) كانت سبّاقةً في فرز الحقّ من الباطل والأصيل من الدخيل، فهي ملحمةٌ أوسع من مكانها وزمانها وأطول من حدّتها، وتاريخها أقدم من بدايتها، ورجالها أكبر من رجال الأرض، ونساؤها عفاف النساء وطهرها وحياؤها، ورضيعها أطول عمراً من أعمر سكّان الأرض، لذا لابدّ أن يتّسع كلّ بحثٍ بالبحث عن مفردةٍ عاشورائيّة، كانت من ورائها ألف قضيّة وقضيّة، فثوب البحث طويل ومطالبه واسعة، ولقد أجادت أقلام الإخوة في سالف السنوات وعساها أن تجود أكثر في هذا الربيع.
الثاني: إنّ بلدنا يخوض في هذه الأيّام حرباً ضروساً شرسةً ضدّ فئةٍ ضالّةٍ مضلّة، عاثت في الأرض فساداً مُهلِكَةً الحرث والنسل مُحاوِلَةً تمزيق الأمّة وتفتيت الكلمة وقلع جذور الحبّ والسلام، لكنّها باءت -بحمد الله تعالى- بالفشل الذريع بفضل الوعي واليقظة والحميّة والشجاعة، وبفضل شيبةٍ اختزلت تاريخ أمّةٍ وقرأت مستقبلها فنطقت بكلمة الحقّ، وزلزلت أركان بيتٍ أوهن من بيت العنكبوت، (لمن ألقى السمع وهو شهيد) حتى تهاوت أمام ناظريها، وبفضل سواعد عانقت سمر الحديد كان في كلّ أنملةٍ منها قوّة من داوود أو تزيد، حتّى تدافعت الى سوح الوغى وملاحم البطولة، أرخصت أرواحها وأذلّت أعداءها وخطّت تاريخها بذلك الدم القدسيّ وامتدّ منها، ولا زال يصل الى أسماع الدنيا (هيهات منّا الذلّة).
ختاماً أيّها الأحبّة أكرّر الترحاب والتحيّة وأسأله تعالى أن يجمع الكلمة ويؤلّف القلوب، وينتهي بنيّاتنا الى أحسن النيّات وبأعمالنا الى أفضل الأعمال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..