فسار بجيشه لتنفيذ هذا المهمة ، فالتقى بركب الإمام الحسين (عليه السلام) في منطقة ذي حسم ، ولازم ركب الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وأخذ يسايره حتى أنزله كربلاء ، ولكن ما إن حلَّ اليوم العاشر من المحرم ، ورأى إصرار القوم على قتال الإمام الحسين ( عليه السلام ) حتى بدأ يفكِّر في أمره ، وأقبل يدنو نحو الحسين (عليه السلام) قليلاً قليلاً ، وقد أخذته رعدة ، فسأله بعض أصحابه عن حاله .
فقال : "إني والله أخيِّر نفسي بين الجنة والنار ، ولا أختار على الجنة شيئاً، ولو قُطِّعتُ وحُرقت" ، ثُمَّ ضرب فرسه ، والتحق بالإمام الحسين (عليه السلام).
وقف بين يديه معلِناً توبته ، فقال له الإمام (عليه السلام): "نَعَمْ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك".
فتقدَّم الحر أمام أصحاب الحسين (عليه السلام) ، و خاطب عسكر الأعداء قائلاً : "أيها القوم ، ألا تقبلون من الحسين خصلة من هذه الخصال التي عرضها عليكم ، فيعافيكم الله من حربه و قتاله ؟
أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم أسلمتموه ، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ، ثم عدوتم عليه لتقتلوه .
أمسكتم بنفسه ، وأخذتم بكظمه ، وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله ، فصار كالأسير في أيديكم ، و حلأتموه ونساءه ، وصبيته وأصحابه ، عن ماء الفرات ، لا سقاكُم الله يوم الظمأ إن لم تتوبوا عمَّا أنتم عليه .
شهادته :
استأذن الحرُّ الحسينَ ( عليه السلام ) للقتال ، فأذن له ، فحمل على أصحاب عمر بن سعد ، وجعل يرتجز ويقول :
إنِّي أنَا الحر ومأوى الضيف ** أضرِبُ في أعراضِكُم بالسيفِ
عن خَيرِ مَن حَلَّ بِلاد الخيف ** أضرِبُكُم ولا أرَى مِن حَيفِ
وجعل يضربهم بسيفه حتى قتل أربعين رجلاً ونيفاً ، ثمَّ حملت الرجالة على الحر، وتكاثروا عليه ، فاشترك في قتله أيوب بن مسرح ، ورجل آخر من فرسان الكوفة .
فاحتمله أصحاب الحسين ( عليه السلام ) حتى وضعوه بين يديه ، وبه رمق ، فجعل الإمام يمسح التراب عن وجهه ويقول : ( أنتَ الحُرُّ كمَا سَمَّتكَ أُمُّك ، حُرٌّ في الدنيا ، وسعيد في الآخرة ) .فكانت شهادته سنة 61هـ في واقعة كربلاء .
يقع قبر الحُر على بعد فرسخ من مدينة كربلاء المقدسة ، وشُيِّدت عليه قُبَّة لا تزال محطَّ أنظار المؤمنين ، ولا نعلم سبب دفنه في هذا المكان ، ويدور على الألسن أن قومه أو غيرهم نقلوه من موضع المعركة ودفنوه هناك .