الى

بمولد الإمام الصادق(عليه السلام) تفجّرت ينابيعُ العلم والحكمة في الأرض..

سادس أئمّة أهل البيت الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين(عليهم السلام)، معجزة الدنيا الخالدة ومفخرة الإنسانية الباقية على مرّ العصور وعبر الأجيال والدهور، لم يشهد العالم له نظيراً ولم تسمع الدنيا بمثله، جمع الفضائل كلّها وحاز المكارم جميعها وسبق الدنيا بعلومه ومعارفه.

وكيف يكون الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام) عـَنْ علمه؟ فهو الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه -كما يقول الجاحظ-، أم عن مدرسته التي لم يشهد التاريخ في عصوره وأجياله لها مثيلاً؟ وناهيك بمدرسة يربو طلّابها على أربعة آلاف طالب يُدرَّس فيها الفقه، والحديث، والتفسير، والأخلاق، والفلسفة، والفلك، والطبّ، والكيمياء، إلى غيرها من العلوم والفنون.

وليست جوانب حياته الأخرى (عليه السلام) بأقلّ منها في حقل العلم، فمن خصائص أهل البيت(عليهم الصلاة والسلام) اتّساع أفقهم، وبُعْد شأوهم في جميع مجالات الحياة، بينما نجد غيرهم إذا اختصّ في شيء فشل في غيره، فالعالم -من غيرهم- بعيدٌ عن الشجاعة، والشجاع -من غيرهم- بعيدٌ عن الزهادة، أمّا هم (عليهم السلام) فقد جمعوا الفضائل والمكارم، وسبقوا الناس إلى كلّ منقبةٍ حسنة، وخصلةٍ خيّرة، فهم (عليهم الصلاة والسلام) أحسن الناس سيرةً، وأوسعهم أخلاقاً، وأكثرهم عبادةً، وأعظمهم زهادةً، وأفضلهم حلماً وأزكاهم عملاً، وأبذلهم مالاً. فهم أكثر أهل الدنيا مناقب، وأجمعهم سوابق.

ولد الإمام الصادق(عليه السلام) يوم الجمعة عند طلوع الشمس وقيل يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر ربيعٍ الأوّل سنة ثلاث وثمانين وقالوا سنة ستّ وثمانين، وقد أخبر النبيّ(صلى الله عليه وآله) عنه: (إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام) فسمّوه الصادق، فإنّ الخامس من ولده اسمُهُ جعفر يدّعي الإمامة افتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب)... والمشهور بين فقهائنا أنّ مولده كان في اليوم السابع عشر من ربيع الأوّل.

قد فجّر هذا الإمام العظيم ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وساهم مساهمةً إيجابيةً في تطوير العقل البشريّ، وذلك بما نشره من مختلف العلوم. لقد أزهرت الدنيا بهذا المولود العظيم الذي تفرّع من شجرة النبوّة ودوحة الإمامة ومعدن الحكمة والعلم، ومن أهل بيتٍ أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وردت عن الإمام الصادق(عليه السلام) روايات كثيرة جدّاً، وفي مختلف العلوم والمعارف، فقد روي أنّ الناس نقلوا عنه(عليه السلام) من العلوم ما لم ينقل عن أحدٍ من أهل بيته(عليهم السلام)، فقد عدّ علماء علم الرجال أسماء الراوين عنه(عليه السلام) من الثقات، فكانوا أربعة آلاف راوٍ.

فقد روى عنه راوٍ واحد -وهو أبّان بن تغلب- ثلاثين ألف حديث.

قال الحسن بن علي الوشّاء من أصحاب الإمام الرضا(عليه السلام): أدركت في هذا المسجد -يعني مسجد الكوفة- تسعمائة شيخ، كلٌّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد(عليه السلام).

والسبب في أخذ حديث الإمام الصادق(عليه السلام) هو لأنّ حديثه حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله) كما قال: (حديثي حديثُ أبي، وحديثُ أبي حديثُ جدّي، وحديثُ جدّي حديثُ الحسين، وحديثُ الحسين حديثُ الحسن، وحديثُ الحسن حديثُ أمير المؤمنين(عليه السلام)، وحديثُ أمير المؤمنين حديثُ رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وحديثُ رسول الله قولُ الله عزّ وجلّ).
تعليقات القراء
لايوجد تعليقات لعرضها
إضافة تعليق
الإسم:
الدولة:
البريد الإلكتروني:
إضافة تعليق ..: