الى

الصيامُ والتقوى والكونُ مع الإمام المعصوم..

قال اللهُ تعالى في محكم كتابه العزيز: ((يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصادِقِينَ)) التوبة:119.

إنَّ من المعلوم تشريعيّاً أنّ الصيام قد كُتِبَ وأُوجِبَ على الذين آمنوا بحسب اصطلاح القرآن الكريم، بمن فيهم الذين أسلموا من أوّل الأمرِ؛ ليكون طريقاً مُوصِلاً إلى التقوى وصفاً وامتثالاً ومنهجاً، بحيث تكون التقوى نفسها طريقاً آخر إلى الكون مع الإمام المعصوم كوناً صالحاً خاصةً في البعدين العقدي والتشريعيّ معاً.

ذلك ما أرشدتْ إليه الآيةُ الشريفة التي أكّدتْ في نصّها على عنصرين محوريّين في كيانيّة الإنسان وهما: الإيمان والتقوى، فصدّرتْ منطوقها بـ(يا أيّها الذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ) واللذَين يتَمكّن معهما (الإيمان - التقوى) الإنسانُ من الكون والملازمة مع المعصوم(عليه السلام).

إنَّ معنى الكون مع الصادقين هو الاقتداء بهم منهجاً وفكراً وسلوكاً، وفي كلّ شيءٍ، وإرشاد الله تعالى إلى الكون مع الصادقين هو نفسه دليلٌ على عصمة الصادق المطلوب الكون معه؛ لامتناع الإرشاد عقلاً إلى الكون مع مَن يجوز عليهم الخطأ أو ارتكاب القبيح.

ولأنَّ اللهَ تعالى قد وصف المأمور بإتّباعهم بالصادقين صدقاً عنده سبحانه، فهذه شهادة إلهيّة بعصمة الصادقين. والروايات هي الأخرى قد بيّنتْ مصاديق الصادقين من الأئمّة المعصومين(عليهم السلام):

فعن بريد العجلي قال: سألتُ أبا جعفر الإمام الباقر(عليه السلام) عن قول الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين)) قال(عليه السلام): إيِّانا عَنى. (بصائر الدرجات - محمد بن الحسن الصفار: ص51).

ولمّا قال الإمام علي(عليه السلام): أنشدكم الله أتعلمون أنَّ الله عزّ وجلّ لمَ أنزل في كتابه ((يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصادقين))؟

فقال سلمان: يا رسول الله عامّةٌ هذه أم خاصّة؟ فقال(صلى الله عليه وآله): أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أمروا بذلك، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي عليّ وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة. (كمال الدين وتمام النعمة - الصدوق: ص278).

إذنْ، يظهرُ أنَّ التقوى هي سبيلٌ مُمَهّد لابدّ من الوصول إليه والكون فيه وبمعيّة المعصوم، وما الصيام إلّا مَنشَطٌ من مناشط التقوى التي بتحقيقها تنتج إنساناً صالحاً ومُمَهّداً حتى في فردانيّته, والتقوى كثيراً ما كانتْ سبباً للانتصار على النفس الأمّارة بالسوء وعلى الأعداء.

قال تعالى: ((إِنَّ الذِينَ اتّقَوا إذَا مَسّهم طَائِفٌ منَ الشيطَانِ تَذَكّرُوا فَإِذَا هُم مبصِرُونَ)) الأعراف: 201.

وإنّنا إذا تمكّنّا من العمل على إشاعة ثقافة التقوى على مستوى الذات والمجتمع، فلا شكّ أنّنا سنُسهم في تعجيل فرج إمامنا المهديّ(عليه السلام)؛ ذلك لكون أنّ التقوى واقعاً هي سبيل الفرج والمَخرَج من كلّ مأزق يقعُ فيه الإنسان.

قال الله تعالى: ((وَمَن يَتّقِ اللَّهَ يَجعَل لهُ مَخرَجاً {2} وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُ وَمَن يَتَوَكل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمرِهِ قَد جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدراً {3})) سورة الطلاق.

وإنّ التقوى قد أرادها اللهُ تعالى وطلبها من الإنسان في هذه الحياة الدنيا حتى يمكّنه من الفوز الأبديّ، والوصول إلى العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة. أمّا في الدنيا فيُمكن أنْ يرثَ اللهُ تعالى الأرضَ لعباده المتّقين والصالحين وعلى رأسهم الإمام المهدي(عليه السلام) كما قال تعالى: ((قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ استَعِينُوا بِاللّهِ وَاصبِرُوا إِنَّ الأَرضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتّقِينَ)) الأعراف: 128.

وأمّا في الآخرة فقال الله تعالى: ((تِلكَ الدارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرضِ وَلَا فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلمُتّقِينَ)) القصص:83.