الى

رمضان في ذاكرة كربلاء: التكافل الاجتماعي أحد أهمّ سمات أهالي كربلاء في الشهر الفضيل..

تستطيع من خلال شهر رمضان أن تدرك الحالة الاجتماعيّة وتلمس مبدأ التكافل الاجتماعيّ من خلال التآلف الموجود بين البيوت، فتلاحظ وقت الإفطار كلّ بيت يهيّئ وجبة ويذهب بها الى بيت آخرٍ من جيرانه.

فالتكافل الاجتماعي كان كشجرة السدر أو كتلك النخلة التي نادراً ما تجدها في حديقة كلّ منزل إن لم تكن على أعتاب كلّ بيت، وقد يعزى ذلك للارتباط الوثيق بين أهالي كربلاء ومرجعيّتهم في النجف الأشرف، إلّا أنّ مدينة كربلاء في السابق كانت تختلف عن المدن الأخرى في مساعدتها للفقراء وإكسائهم، فكان الأهالي يجمعون الأموال للمريض إضافةً الى مسألة أبناء الفقراء في شهر رمضان، إذ كانت تصلهم الكسوة بسريّة عالية جدّاً لدرجة مذهلة.

يقول الأستاذ علي الخباز مسؤول شعبة الإعلام في العتبة العبّاسية المقدّسة: "كان كلّ بيتٍ تجد فيه على السفرة عشرة أنواع من الطعام بسبب تداول ظاهرة تبادل الطعام، ولا يوجد أحد يتعذّر أن يستقبل طعاماً لأنّ الهدف أسمى، وقد لاحظت أنّ بعض الأحياء توجد فيها هذه الظواهر ولا زالت محتفظة بأجواء رمضان، فكان الجميع يتقبّل من الجميع لكي يُشعره بالمشاركة في رسم هذه الطقوس الرائعة، ويبدأ بعد ذلك الإطراء وإبداء الإعجاب والثناء على مذاق الطبيخ وبالذات طبيخ العوائل الفقيرة".

رجعنا بذاكرة المدينة لخمسين سنة وتجوّلنا في ذكرياتها التي كان قد احتفظ الخبّاز بما استطاع حفظه فأضاف: "حالة مساعدة الفقراء والأيتام كانت تختلف عن المتداول الآن، إذ كانت المدارس الدينيّة وحتّى بعض الأغنياء يتعاملون مع الأسواق، من أجل أن ترفع الحاجة وتحفظ الكرامة فهي تسبق المحتاج في سدّ حاجته قبل أن يطلب ذلك، وتديم له الحاجة طوال شهر رمضان، فعلى سبيل المثال هناك عشرون عائلة من منطقة المخيّم، عشر عوائل من العبّاسية وخمس أو ستّ عوائل من حيّ الحر، يتمّ التنسيق مع الخبّاز الموجود داخل الحيّ من خلال الاتّفاق وإعطائه أجرة شهريّة لتغطية الاحتياج بالكامل طوال الشهر، بحيث حتّى إذا أغلق الخبّاز المخبز في أحد الأيّام لظرف معيّن يكون قد أخذ بالحسبان ما هو مطلوب منه قبل أن يغلق المحل. فتُصرف بطاقات للفقير يتمّ التعامل والتبضّع من خلالها فتكون هناك بطاقات للقصّاب وبطاقات للعطّار وللبقّال ولبائعي الموادّ الغذائية وهكذا فيعنونون له ذلك، على سبيل المثال تتسوّق من البقّال الفلاني والقصّاب الفلاني وهكذا بعمليّة منظّمة وانسيابيّة من خلالها تصل حقوق الفقير بصورة كاملة له، (حيث يقف الفقير أو اليتيم بعزّة نفس على باب البقّال أو الخبّاز إذ أنّ البطاقة هذه بمثابة نقود) وإنّ الحوزات والمدارس الدينيّة دفعت مسبقاً أجور هذه البطاقات، فكانت هذه الصيغة متعارفاً عليها في كربلاء، وأعتقد أنّ هذه الطريقة كانت أكثر تنسيقاً حتى من سلّة الفقير الآن، لأنّ سلّة الفقير هي لمؤونة يومين أو ثلاثة بينما نظام البطاقات هي لشهرٍ كامل، هذا الشيء موجود في كربلاء ومتعارف عليه، وأنا شخصيّاً ربيت في مخبزٍ كان له اتّفاق مع عدّة جهات دينيّة، في وقتها كنت صغيراً ولا أعرف كيف تتمّ العمليّة ولكن ما كنت أعرفه أنّ المال تمّ دفعه سابقاً عن تلك البطاقات، هذا من ضمن حالة التكافل الاجتماعيّ في كربلاء. طبعاً هذا ليس كلّ شيء فكانت توجد هناك الدواوين المفتوحة أثناء فترة الإفطار كديوان الشيخ آل كمّونة مثلاً الذي كان يطبخ طيلة شهر رمضان وكذلك المواكب التي تعدّ الطعام للزائرين والفقراء".