راهب حسيني
6صفر 1440هـ
المشاهدات: 47
راهب حسيني
في يوم التاسع عشر من محرم الحرام من سنة 61 للهجرة، وبعد فاجعة الطف الأليمة، سيّر الظالمون قافلة سبايا آل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ومعهم رأس سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)ورؤوس أصحابه من الكوفة إلى الشام.. وقد ظهرت من الرأس الشريف -خلال هذا المسير- كرامات باهرة وبراهين ساطعة تدل على مظلوميته وأحقيته.. فلنقرأ هذه الكرامة العجيبة:
رُوي عن سليمان بن مهران الأعمش أنه قال: بينما أنا في الطواف بالموسم إذ رأيت رجلاً يدعو وهو يقول: (اللهم اغفر لي، وأنا أعلم أنك لا تفعل).
قال: فارتعت لذلك، فدنوت منه، وقلت: يا هذا، أنت في حرم الله وحرم رسوله، وهذه أيام حرم في شهر عظيم، فلِمَ تيأس من المغفرة؟!
قال: يا هذا، ذنبي عظيم.
قلت: أعظم من جبل تهامة؟!
قال: نعم.
قلت: يوازن الجبال الرواسي؟!
قال: نعم، فإن شئت أخبرتك.
قلت: أخبرني.
قال: اخرج بنا عن الحرم. فخرجنا منه، فقال لي: أنا أحد مَن كان في العسكر المشؤوم؛ عسكر عمر بن سعد عليه اللعنة، حين قُتل الحسين بن علي(عهما)، وكنت أحد الأربعين الذين حملوا الرأس إلى يزيد من الكوفة، فلما حملناه على طريق الشام نزلنا على دير للنصارى، وكان الرأس معنا مركوزاً على رمح، ومعه الحراس، فوضعنا الطعام وجلسنا لنأكل، فإذا بكفّ في حائط الدير تكتب:
أترجو أمةٌ قتلت حسيناً *** شفاعةَ جدّه يومَ الحسابِ
قال: فجزعنا من ذلك جزعاً شديداً، وأهوى بعضُنا إلى الكفّ ليأخذها فغابت، ثم عاد أصحابي إلى الطعام، فإذا الكف قد عادت تكتب مثل الأول:
فلا والله ليس لهم شفيعٌ *** وهم يومَ القيامة في العذابِ
فقام أصحابنا إليها فغابت، ثم عادوا إلى الطعام، فعادت تكتب:
وقد قتلوا الحسينَ بحكم جورٍ *** وخالف حكمُهم حكمَ الكتابِ
فامتنعت عن الطعام، وما هنأني أكله، ثم أشرف علينا راهبٌ من الدير، فرأى نوراً ساطعاً من فوق الرأس، فأشرف فرأى عسكراً، فقال الراهب للحراس: من أين جئتم؟
قالوا: من العراق، حاربنا الحسين.
فقال الراهب: ابن فاطمة، وابن بنت نبيكم، وابن ابن عم نبيكم؟!
قالوا: نعم.
قال: تـبّـاً لكم، والله لو كان لعيسى بن مريم ابنٌ لَـحملناه على أحداقنا، ولكن لي إليكم حاجة.
قالوا: وما هي؟
قال: قولوا لرئيسكم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من آبائي، ليأخذها مني ويعطيني الرأس، يكون عندي إلى وقت الرحيل، فإذا رحل رددته إليه.
فأخبروا عمر بن سعد بذلك، فقال: خذوا منه الدنانير وأعطوه إلى وقت الرحيل فجاؤوا إلى الراهب، فقالوا: هاتِ المالَ حتى نعطيك الرأس. فأدلى إليهم جرابين في كل جراب خمسة آلاف دينار، فدعا عمر بالناقد والوزّان، فانتقدها ووزنها ودفعها إلى جارية له، وأمر أن يُعطى الرأس، فأخذ الراهب الرأس الشريف فغسّله ونظّفه وعطره بمسك وكافور كان عنده، ثم جعله في حريرة ووضعه في حجره، ولم يزل ينوح ويبكي حتى نادوه وطلبوا منه الرأس، فقال:
يا رأس، والله ما أملك إلّا نفسي، فإذا كان غداً فاشهد لي عند جدّك محمد أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أسلمتُ على يديك وأنا مولاك.
ثم قال لهم: إني أحتاج أن أكلم رئيسكم بكلمة، وأعطيه الرأس.
فدنا عمر بن سعد منه فقال له: سألتك بالله، وبحق محمد(صلى الله عليه واله وسلم)ألّا تعود إلى ما كنت تفعله بهذا الرأس، ولا تخرج هذا الرأس من هذا الصندوق. فقال له: أفعل. فأعطاهم الرأس ونزل من الدير فلحق ببعض الجبال يعبد الله.
ومضى عمر بن سعد، ففعل بالرأس مثل ما كان يفعل في الأول، فلما دنا من دمشق قال لأصحابه: انزلوا. وطلب من الجارية الجرابين، فاحضرا بين يديه ثم أمر أن يفتحا فإذا الدنانير قد تحولت خزفية، فنظروا في سكتها فإذا على جانب مكتوب: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} (إبراهيم: 42). وعلى الوجه الآخر: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} (الشعراء: 227).
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، خسرتُ الدنيا والآخرة.