كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: 381 ـ 390
(381)
إلا معنى الأولى المرادف للإمامة والولاية المطلقة التي استحفى عليه السلام خبرها منهم فأجابوه باستنادهم في ذلك إلى حديث الغدير.
    17 ـ قد سلفت في ص 191 ، إصابة دعوة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أناسا كتموا شهادتهم بحديث الغدير في يومي مناشدة الرحبة والركبان ، فأصابهم العمى والبرص ، والتعرب بعد الهجرة ، أو آفة أخرى ، وكانوا من الملأ الحضور في مشهد يوم الغدير.
    فهل يجد الباحث مساغا لاحتمال وقوع هاتيك النقم على القوم ، وتشديد الإمام عليه السلام بالدعاء عليهم لمحض كتمانهم معنى النصرة والحب العامين بين أفراد المجتمع الديني ، فكان من الواجب إذن أن تصيب كثيرا من المسلمين الذين تشاحنوا ، وتلاكموا ، وقاتلوا ، فقموا جذوم تينك الصفتين ، وقلعوا جذورهما ، فضلا عن كتمان ثبوتهما بينهم ، لكن المنقب لا يرى إلا أنهم وسموا بشية العار ، وأصابتهم الدعوة بكتمانهم نبئا عظيما يختص به هذا المولى العظيم صلوات الله عليه ، وما هو إلا ما أصفقت عليه النصوص ، وتراكمت القراين من إمامته وأولويته على الناس منهم بأنفسهم.
    ثم إن نفس كتمانهم للشهادة لا تكون لأمر عادي هو شرع سواء بينه وبين غيره ، وإنما الواجب أن تكون فيه فضيلة يختص بها ، فكأنهم لم يرقهم أن يتبجح الإمام بها فكتموها لكن الدعوة الصالحة فضحتهم بإظهار الحق ، وأبقت عليهم مثلبة لايحة على جبهاتهم وجنوبهم وعيونهم ما داموا أحياءا ، ثم تضمنتها طيات الكتب فعادت تلوكها الأشداق ، وتتناقلها الألسن حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
    18 ـ مر بإسناد صحيح ص 174 و 175 في حديث مناشدة الرحبة من طريق أحمد والنسائي والهيثمي ومحب الدين الطبري : إن أمير المؤمنين عليه السلام لما ناشد القوم بحديث الغدير في الرحبة شهد نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم سمعوه منه قال أبو الطفيل : فخرجت وكأن في نفسي شيئاً (1) فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إني سمعت عليا رضي الله عنه يقول : كذا وكذا ، قال : فما تنكر ؟ قد سمعت رسول
1 ـ كذا في لفظ أحمد ، وفي لفظ النسائي : وفي نفسي منه شيء. وفي لفظ محب الدين : وفي نفسي من ريبة شيء.

(382)
الله صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك.
    فما الذي تراه يستكبره أو يستنكره أبو الطفيل من ذلك ؟ أهو صدور الحديث ؟ ولا يكون ذلك لأن الرجل شيعي متفان في حب أمير المؤمنين عليه السلام ومن ثقاته ، فلا يشك في حديث رواه مولاه ، لا ، بل هو معناه الطافح بالعظمة فكان عجبه من نكوس القوم عنه وهم عرب أقحاح يعرفون اللفظ وحقيقته ، وهم أتباع الرسول صلى الله عليه وآله وأصحابه فاحتمل أنه لم يسمعه جلهم ، أو حجزت العراقيل بينهم وبين ذلك ، فطمنه زيد بن أرقم بالسماع ، فعلم أن الشهوات حالت بينهم وبين البخوع له ، وما ذلك المعنى المستعظم إلا الخلافة المساوقة للأولوية دون غيرها من الحب والنصرة ، وكل منهما منبسط على أي فرد من أفراد الجامعة الإسلامية.
    19 ـ سبق أيضا ص 239 ـ 246 حديث إنكار الحارث الفهري معنى قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث الغدير ، وشرحنا ص 343 تأكد عدم التئامه مع غير الأولى من معاني المولى.
    20 ـ أخرج الحافظ ابن السمان كما في الرياض النضرة 2 ص 170 ، وذخاير العقبى للمحب الطبري ص 68 ، ووسيلة المآل للشيخ أحمد بن باكثير المكي ، ومناقب الخوارزمي ص 97 ، والصواعق ص 107 عن الحافظ الدارقطني عن عمر وقد جاءه أعرابيان يختصمان فقال لعلي : إقض بينهما ، فقال أحدهما : هذا يقضي بيننا ؟ فوثب إليه عمر وأخذ بتلبيبه وقال : ويحك ما تدري من هذا ؟ هذا مولاي ومولى كل مؤمن ، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن.
    وعنه وقد نازعه رجل في مسألة فقال : بيني وبينك هذا الجالس ، وأشار إلى علي بن أبي طالب فقال الرجل : هذا الأبطن ؟ فنهض عمر عن مجلسه وأخذ بتلبيبه حتى شاله من الأرض ثم قال : أتدري من صغرت ؟ هذا مولاي ومولى كل مسلم.
    وفي الفتوحات الإسلامية 2 ص 307 حكم علي مرة على أعرابي بحكم فلم يرض بحكمه فتلببه عمر بن الخطاب وقال : له ويلك إنه مولاك ومولى كل مؤمن و مؤمنة. وأخرج الطبراني إنه قيل لعمر : إنك تصنع بعلي ـ أي من التعظيم ـ شيئاً


(383)
لا تصنع مع أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنه مولاي. وذكره الزرقاني المالكي في شرح المواهب ص 13 عن الدارقطني.
    فإن المولوية الثابتة لأمير المؤمنين التي اعترف بها عمر على نفسه وعلى كل مؤمن زنة ما اعترف به يوم غدير خم ، وشفع ذلك بنفي الإيمان عمن لا يكون الوصي مولاه ، أي لم يعترف له بالمولوية ، أو لم يكن هو مولى له أي محبا أو ناصرا ، ولكن على حد ينفي عنه الإيمان إن انتفى عنه ذلك الحب والنصرة ، لا ترتبط إلا مع ثبوت الخلافة له ، فإن الحب والنصرة العاديين المندوب إليهما بين عامة المسلمين لا ينفي بانتفائه الإيمان ، ولا يمكن القول بذلك نظرا إلى ما شجر من الخلاف والتباغض بين الصحابة والتابعين حتى آل في بعض الموارد إلى التشاتم ، والتلاكم ، وإلى المقاتلة ، والمناضلة ، وكان بعضها بمشهد من النبي صلى الله عليه وآله فلم ينف عنهم الإيمان ، ولا غمز القائلون بعدالة الصحابة أجمع في أحد منهم بذلك ، فلم يبق إلا أن تكون الولاية التي هذه صفتها معناها الإمامة الملازمة للأولوية المقصودة سواء أوعز عمر بكلمته هذه إلى حديث الغدير كما تومي إليه رواية الحافظ محب الدين الطبري لها في ذيل أحاديث الغدير ، أو أنه أرسلها حقيقة راهنة ثابتة عنده من شتى النواحي.
    ( تذييل ) عزى ابن الأثير في النهاية 4 ص 246 ، والحلبي في السيرة 3 ص 304 وبعض آخر إلى القيل وذكروا أن السبب في قوله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه : إن أسامة بن زيد قال لعلي : لست مولاي إنما مولاي رسول الله. فقال صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه.
    إن من روى هذه الرواية المجهولة أراد حطا من عظمة الحديث ، وتحطيما لمنعته فصوره بصورة مصغرة لا تعدو عن أن تكون قضية شخصية ، وحوارا بين اثنين من أفرد الأمة ، أصلحه رسول الله بكلمته هذه ، وهو يجهل أو يتجاهل عن أنه تخصمه على تلك المزعمة الأحاديث المتضافرة في سبب الإشادة بذلك الذكر الحكيم من نزول آية التبليغ إلى مقدمات ومقارنات أخرى لا يلتأم شيء منها مع هذه الأكذوبة ، ومثلها الآية الكريمة الناصة بكمال الدين ، وتمام النعمة ، ورضى الرب بذلك الهتاف المبين ،


(384)
وليست هذه لعظمة من قيمة الاصلاح بين رجلين تلاحيا ، لكن ذهب على الرجل أنه لم يزد إلا تأكيدا في المعنى وحجة على الخصم على تقدير الصحة.
    فهب أن السبب لذلك البيان الواضح هو ما ذكر لكنا نقول : إن ما أنكره أسامة على أمير المؤمنين عليه السلام من معنى المولى وأثبته لرسول الله خاصه دون أي أحد لا بد أن يكون شيئاً فيه تفضيل لا معنى ينوء به كل أحد حتى أسامة نفسه ولا تفاضل بين المسلمين من ناحيته في الجملة ، وذلك المعنى المستنكر المثبت لا يكون إلا الأولوية أو ما يجري مجراها من معاني المولى.
    ونقول : إن النبي صلى الله عليه وآله لما علم أن في أمته من لا يلاحي ابن عمه ويناوئه بالقول ويخشى أن يكون له مغبة وخيمة تأول إلى مضادته ، ونصب العراقيل أمام سيره الإصلاحي من بعده ، عقد ذلك المحتشد العظيم فنوه بموقف وصيه من الدين ، وزلفته منه ، ومكانته من الجلالة ، وإنه ليس لأحد من أفراد الأمة أن يقابله بشيء من القول أو العمل وإنما عليهم الطاعة له ، والخضوع لأمره ، والرضوخ لمقامه ، وأنه يجري فيهم مجراه من بعده ، فاكتسح بذلك المعاثر عن خطته ، وألحب السنن إلى طاعته ، وقطع المعاذير عن محادته بخطبته التي ألقاها ، ونحن لم نأل جهدا في إفاضة القول في مفاده.
    ويشبه هذا ما أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده 5 ص 347 وآخرون عن بريدة قال : غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير فقال : يا بريدة ؟ ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت : بلى يا رسول الله ؟ قال : من كنت مولاه فعلي مولاه.
    فكأن راوي هذه القصة كراوي سابقتها أراد تصغيرا من صورة الأمر فصبها في قالب قضية شخصية ، ونحن لا يهمنا ثبوت ذلك بعد ما أثبتنا حديث الغدير بطرقه المربية على التواتر ، فإن غاية ما هنالك تكريره صلى الله عليه وآله اللفظ بصورة نوعية تارة وفي صورة شخصية أخرى ، لتفهيم بريدة أن ما حسبه جفوة من أمير المؤمنين لا يسوغ له الوقيعة فيه على ما هو شأن الحكام المفوض إليهم أمر الرعية ، فإذا جاء الحاكم


(385)
بحكم فيه الصالح العام ولم يرق ذلك لفرد من السوقة ليس له أن يتنقصه ، فإن الصالح العام لا يدحضه النظر الفردي ، ومرتبة الولاية حاكمة على المبتغيات الشخصية فأراد صلى الله عليه وآله أن يلزم بريدة حده فلا يتعدى طوره بما أثبته لأمير المؤمنين من الولاية العامة نظير ما ثبت له صلى الله عليه وآله بقوله صلى الله عليه وسلم : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟.
هذا بيان للناس وهدى وموعظة
للمتقين

( آل عمران 138 )


(386)
الأحاديث المفسرة
لمعنى المولى والولاية
    وقبل هذه القرائن كلها تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه معنى لفظه وبعده مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حذو القذة بالقذة.
    أخرج القرشي علي بن حميد في ـ شمس الأخبار ـ ص 38 نقلا عن ( سلوة العارفين ) للموفق بالله الحسين بن إسماعيل الجرجاني والد المرشد بالله بإسناده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما سئل عن معنى قوله : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال : الله مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه ، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه.
    ومر في صفحة 200 في حديث احتجاج عبد الله بن جعفر على معاوية قوله : يا معاوية ؟ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر وأنا بين يديه ، وعمر بن أبي سلمة ، وأسامة بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص ، وسلمان الفارسي ، و أبو ذر ، والمقداد ، والزبير بن العوام ، وهو يقول : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ؟ قال : أليس أزواجي أمهاتكم ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ؟ قال : من كنت مولاه فعلي مولاه أولى به من نفسه ، وضرب بيده على منكب علي فقال : أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ؟ أيها الناس أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معي أمر ، وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ليس لهم معه أمر ( إلى أن قال عبد الله ) : ونبينا صلى الله عليه وآله قد نصب لأمته أفضل الناس وأولاهم وخيرهم بغدير خم ، وفي غير موطن ، واحتج عليهم به ، وأمرهم بطاعته ، وأخبرهم أنه منه بمنزلة هارون من موسى ، وأنه ولي كل مؤمن من بعده ، وأنه كل من كان هو وليه فعلي وليه ، و من كان أولى به من نفسه فعلي أولى به ، وأنه خليفته فيهم ووصيه. الحديث.


(387)
    ومر ص 165 فيما أخرجه شيخ الاسلام الحمويني في حديث احتجاج أمير ـ المؤمنين عليه السلام أيام عثمان قوله : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس أتعلمون أن الله عز وجل مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم ؟ قالوا بلى يا رسول الله ؟ قال : قم يا علي ؟ فقمت فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. فقام سلمان فقال : يا رسول الله ؟ ولاء كماذا ؟ قال : ولاء كولاي ، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه.
    وسبق ص 196 في حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام يوم صفين قوله : ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أيها الناس ؟ إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين و أولى بهم من أنفسهم ، من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله. فقام إليه سلمان الفارسي فقال : يا رسول الله ؟ ولاء كماذا ؟ فقال : ولاء كولاي ، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه.
    وروى الحافظ العاصمي في زين الفتى قال : سئل علي بن أبي طالب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال : نصبني علما إذ أنا قمت فمن خالفني فهو ضال.
    يريد عليه السلام بالقيام قيامه في ذلك المشهد ( يوم الغدير ) لما أمره به رسول الله صلى الله عليه وآله ليرفعه فيعرفه وينصبه علما للأمة وقد مر ذلك ص 15 و 23 و 165 و 217 وأشار إليه حسان في ذلك اليوم بقوله :
فقال له : قم يا علي ؟ فإنني رضيتك من بعدي إماما وهاديا
    وفي حديث رواه السيد الهمداني في مودة القربى : فقال ( رسول الله ) : معاشر الناس ؟ أليس الله أولى بي من نفسي يأمرني وينهاني مالي على الله أمر ولا نهي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ؟ قال : من كان الله وأنا مولاه فهذا علي مولاه يأمركم وينهاكم مالكم عليه من أمر ولا نهي ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، و أخذل من خذله ، أللهم ؟ أنت شهيد عليهم إني قد بلغت ونصحت.
    وقال الإمام الحافظ الواحدي بعد ذكر حديث الغدير : هذه الولاية التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم


(388)
لعلي مسؤول عنها يوم القيامة ، روى في قوله تعالى : وقفوهم إنهم مسؤولون. أي عن ولاية علي رضي الله عنه والمعنى : إنهم يسألون هل والوه حق الموالاة كما أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أم أضاعوها وأهملوها ؟ فتكون عليهم المطالبة والتبعة.
    وذكره وأخرج حديثه شيخ الاسلام الحمويني في فراد السمطين في الباب الرابع عشر ، وجمال الدين الزرندي في ـ نظم درر السمطين ـ ، وابن حجر في الصواعق ص 89 ، والحضرمي في الرشفة ص 24.
    وأخرج الحمويني من طريق الحاكم أبي عبد الله ابن البيع عن محمد بن المظفر قال : ثنا عبد الله بن محمد بن غزوان : ثنا علي بن جابر : ثنا محمد بن خالد الحافظ ابن عبد الله : ثنا محمد بن فضيل : ثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أتاني ملك فقال : يا محمد سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا ؟ فقالوا : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.
    وقال : وروي عن علي عليه السلام أنه قال : جعلت الموالاة أصلا من أصول الدين. وأخرج من طريق الحاكم ابن البيع : ثنا محمد بن علي : ثنا أحمد بن حازم : ثنا عاصم بن يوسف اليربوعي عن سفيان بن إبراهيم الحرنوي عن أبيه عن أبي صادق قال : قال علي : أصول الاسلام ثلاثة لا ينفع واحد منها دون صاحبه : الصلاة. والزكاة. والموالاة. ومر ( ص 382 ) عن عمر بن الخطاب نفي الإيمان عمن لا يكون أمير المؤمنين مولاه.
    وقال الآلوسي في تفسيره 23 ص 74 في قوله تعالى : وقفوهم إنهم مسئولون. بعد عد الأقوال فيها : وأولى هذه الأقوال أن السؤال عن العقايد والأعمال ورأس ذلك لا إله إلا الله ومن أجله ولاية علي كرم الله تعالى وجهه.
    ومن طريق البيهقي عن الحافظ الحاكم النيسابوري بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة ونصب الصراط على جسر جهنم لم يجزها أحد إلا من كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب. وأخرجه محب الدين الطبري في الرياض 2 ص 172.
    ولا يسعنا المجال لذكر ما وقفنا عليه من المصادر الكثيرة المذكور فيها ما ورد في قوله تعالى : وقفوهم إنهم مسئولون. وقوله : سل من أرسلنا قبلك من رسلنا


(389)
وما أخرجه الحفاظ عن النبي صلى الله عليه وآله من حديث البراءة والجواز. فلا أحسب أن ضميرك الحر يحكم بملائمة هذه كلها مع معنى أجنبي عن الخلافة و والأولوية على الناس من أنفسهم ، ويراه مع ذلك أصلا من أصول الدين. وينفي الإيمان بانتفائه ، ولا يرى صحة عمل عامل إلا به.
    وهذه الأولوية المعدودة من أصول الدين والمولوية التي ينفي الإيمان بانتفائها كما مر في كلام عمر ص 382 صرح بها عمر لابن عباس في كلامه الآخر ذكره الراغب في محاضراته 7 ص 213 عن ابن عباس قال : كنت أسير مع عمر بن الخطاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب فقال : أما والله يا بني عبد المطلب ؟ لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر. فقلت في نفسي لا أقالني الله إن أقلته ، فقلت : أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين ؟ وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما الأمر منا دون الناس ، فقال : إليكم يا بني عبد المطلب ؟ أما إنكم أصحاب عمر بن الخطاب ، فتأخرت وتقدم هنيهة ، فقال : سر ، لا سرت ، وقال : أعد علي كلامك. فقلت : إنما ذكرت شيئاً فرددت عليه جوابه ولو سكت سكتنا. فقال : إنا والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة ولكن استصغرناه ، وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب و قريش لما قد وترها ، قال : فأردت أن أقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ، أفتستصغره أنت وصاحبك ؟ فقال : لا جرم ، فكيف ترى ؟ والله ما نقطع أمرا دونه ، ولا نعمل شيئاً حتى نستأذنه.
    وفي شرح نهج البلاغة 2 ص 20 قال عمر : يا بن عباس أما والله إن صاحبك هذا لأولى الناس بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا خفناه على اثنين ـ إلى أن قال ابن عباس ـ : فقلت : وما هما يا أمير المؤمنين ؟ قال : خفناه على حداثة سنه ، وحبه بني عبد المطلب ، وفي ج 2 ص 115 : كرهناه على حداثة السن وحبه بني عبد المطلب.
    والشهادة بولاية أمير المؤمنين بالمعنى المقصود هي نور وحكمة مودوعة في قلوب مواليه عليه السلام ، ودونها كانت تشد الرحال ، ولتعيين حامل عبأها كانت تبعث الرسل ، كما ورد فيما أخرجه البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 30 في حديث طويل جرى بين ابن عباس ورجل من أهل الشام من حمص ففيه : قال الشامي : يا بن عباس ؟


(390)
إن قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردني بغير حاجتي فإن القوم هالكون في أمر علي ففرج عنهم فراج الله عنك. فقال ابن عباس : يا أخا أهل الشام ؟ إن مثل علي في هذه الأمة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى عليه السلام ـ ثم ذكر حديث أم سلمة وفيه لعلي فضايل جمة ـ فقال الشامي يا بن عباس ملأت صدري نورا وحكمة ، وفرجت عني فرج الله عنك ، أشهد أن عليا رضي الله عنه مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
هذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات
لقوم يذكرون

الأنعام 136
كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: فهرس