كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 211 ـ 220
(211)
بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع ، ولا يلزم من تعذر الجمع في مثل هذا أن يحكم على الحديث بالبطلان ، بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له ، وهذا الحديث من هذا الباب هو حديث مشهور له طرق متعددة كل طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن ، ومجموعها مما يقطع بصحته على طريقة كثير من أهل الحديث ، وأما كونه معارضا لما في الصحيحين فغير مسلم ليس بينهما معارضة.
    وقال في ص 19 : هذه الطرق المتظافرة بروايات الثقات تدل على أن الحديث صحيح دلالة قوية وهذه غاية نظر المحدث.
    وقال في ص 19 بعد الجمع بين القضيتين : وظهر بهذا الجمع أن لا تعارض فكيف يدعى الوضع على الأحاديث الصحيحة بمجرد هذا التوهم ، ولو فتح الباب لرد الأحاديث لادعي في كثير من الأحاديث الصحيحة البطلان لكن يأبى الله ذلك والمؤمنون. ا ه‍.
    وأما ما استصحه من حديث الخلة والخوخة فهو موضوع. تجاه هذا الحديث كما قال ابن أبي الحديد في شرحه 3 ص 17 :
    إن سد الأبواب كان لعلي عليه السلام فقلبته البكرية إلى أبي بكر. وآثار الوضع فيه لائحة لا تخفى على المنقب.
    ( منها ) : أن الأخذ بمجامع هذه الأحاديث يعطي خبرا بأن سد الأبواب الشارعة في المسجد كان لتطهيره عن الأدناس الظاهرية والمعنوية فلا يمر به أحد جنبا ولا يجنب فيه أحد.
    وأما ترك بابه صلى الله عليه وآله وباب أمير المؤمنين عليه السلام فلطهارتهما عن كل رجس ودنس بنص آية التطهير ، حتى أن الجنابة لا تحدث فيهما من الخبث المعنوي ما تحدث في غيرهما كما يعطي ذلك التنظير بمسجد موسى الذي سأل ربه أن يطهره لهارون وذريته ، أو أن ربه أمره أن يبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا هو وهارون ، وليس المراد تطهيره من الأخباث فحسب فإنه حكم كل مسجد.
    ويعطيك خبرا بما ذكرناه ما مر في الأحاديث من : أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يدخل المسجد وهو جنب (1) وربما مر وهو جنب (2) وكان يدخل ويخرج منه وهو
1 ـ راجع حديث ابن عباس ص 205.
2 ـ راجع لفظ جابر بن سمرة ص 206.


(212)
جنب (1) وما ورد عن أبي سعيد الخدري من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك (2).
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا إن مسجدي حرام على كل حائض من النساء وكل جنب من الرجال إلا على محمد وأهل بيته : علي وفاطمة والحسن والحسين (3).
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا لا يحل هذا المسجد بجنب ولا لحائض إلا لرسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، ألا قد بينت لكم الأسماء أن لا تضلوا. سنن البيهقي 7 :
    65 ] وقوله صلى الله عليه وآله لعلي : ما أنت فإنه يحل لك في مسجدي ما يحل لي ويحرم عليك ما يحرم علي.
    قال له حمزة بن عبد المطلب : يا رسول الله ؟ أنا عمك وأنا أقرب إليك من علي. قال : صدقت يا عم ؟ إنه والله ما هو عني ، إنما هو عن الله تعالى (4).
    وقول المطلب بن عبد الله بن حنطب ، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يمر في المسجد ولا يجلس فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب لأن بيته كان في المسجد (5).
    م ـ أخرجه الجصاص بالإسناد فقال :
    فأخبر في هذا الحديث بحظر النبي صلى الله عليه وسلم الاجتياز كما حظر عليهم القعود ، وما ذكر من خصوصية علي رضي الله عنه فهو صحيح ، و قول الراوي : لأنه كان بيته في المسجد ظن منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر في الحديث الأول بتوجيه البيوت الشارعة إلى غيره ولم يبح لهم المرور لأجل كون بيوتهم في
1 ـ راجع ما مر عن بريدة الأسلمي ص 208.
2 ـ أخرجه الترمذي في جامعه 2 ص 214 ، البيهقي في سننه 7 ص 66 ، البزار ، ابن مردويه ، ابن منيع في مسنده ، البغوي في المصابيح 2 ص 267 ، ابن عساكر في تاريخه ، محب الدين في الرياض 2 ص 193 ، ابن كثير في تاريخه 7 ص 342 ، سبط ابن الجوزي في التذكرة 25 ، ابن حجر في الصواعق ، ابن حجر في فتح الباري 7 ص 12 ، السيوطي في تاريخ الخلفا 115 ، البدخشي في نزل الأبرار 37. الحلبي في السيرة 3 ص 374.
3 ـ البيهقي في سننه 7 ص 65 ، الحلبي في السيرة 3 ص 375.
4 ـ أخرجه أبو نعيم في فضايل الصحابة ، ومن طريقه الحموي في الفرايد في ب 41.
5 ـ أخرجه الجصاص في أحكام القرآن 2 ص 248 ، والقاضي إسماعيل المالكي في أحكام القرآن كما في القول المسدد لابن حجر 19 وقال : مرسل قوي ، ويوجد في تفسير الزمخشري 1 : 366 ، وفتح الباري 7 ص 12 ، ونزل الأبرار 37.


(213)
المسجد وإنما كانت الخصوصية فيه لعلي رضي الله عنه دون غيره ، كما خص جعفر بأن له جناحين في الجنة دون سائر الشهداء ، وكما خص حنظلة بغسل الملائكة ؟ حين قتل جنبا ، وخص دحية الكلبي بأن جبريل كان ينزل على صورته ، وخص الزبير بإباحة ملبس الحرير لما شكا من أذى القمل ، فثبت بذلك أن سائر الناس ممنوعون من دخول المسجد مجتازين وغير مجتازين. ا ه‍ ].
    فزبدة المخض من هذه كلها : إن إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله مما خص به مبتن على نزول آية التطهير النافية عنهم كل نوع من الرجاسة ، ويشهد لذلك حديث مناشدة يوم الشورى وفيه قال أمير المؤمنين عليه السلام : أفيكم أحد يطهره كتاب الله غيري حتى سد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي إليه حتى قام إليه عماه حمزة والعباس وقالا : يا رسول الله ؟ سددت أبوابنا. وفتحت باب علي. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابكم ، بل الله فتح بابه وسد أبوابكم ؟ فقالوا : لا.
    ولم يكن أبو بكر من أهل هذه الآية حتى أن يفتح له باب أو خوخة ، فالفضل مخصوص بمن طهره الكتاب الكريم.
    ( ومنها ) : أن مقتضى هذه الأحاديث أنه لم يبق بعد قصة سد الأبواب باب يفتح إلى المسجد سوى باب الرسول العظيم وابن عمه ، وحديث خوخة أبي بكر يصرح بأنه كانت هناك أبواب شارعة وسيوافيك البعد الشاسع (1) بين القصتين ، وما ذكروه من الجمع بحمل الباب في قصة أمير المؤمنين عليه السلام على الحقيقة ، وفي قصة أبي بكر بالتجوز بإطلاقه على الخوخة ، وقولهم : كأنهم (2) لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها.
    تبرعي لا شاهد له ، بل يكذبه أن ذلك ما كان يتسنى لهم نصب عين النبي وقد أمرهم بسد الأبواب لأن لا يدخلوا المسجد منها ، ولا يكون لهم ممر به ، فكيف يمكنهم إحداث ما هو بمنزلة الباب في الغاية المبغوضة للشارع ، ولذلك لم يترك لعميه : حمزة والعباس
1 ـ يأتي أن الأول في أول الأمر والآخر في مرضه حين بقي من عمره ثلثة أيام أو أقل.
2 ـ تجد هذه العبارة في فتح الباري 7 ص 12. عمدة القاري 7 ص 592. نزل الأبرار 37.


(214)
ممرا يدخلان منه وحدهما ويخرجان منه ، ولم يترك لمن أراد كوة يشرف بها على المسجد ، فالحكم الواحد لا يختلف باختلاف أسماء الموضوع مع وحدة الغاية ، وإرادة الخوخة من الباب لا تبيح المحظور ولا تغير الموضوع.
    ( ومنها ) : ما مر ص 204 من قول عمر بن الخطاب في أيام خلافته :
    لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لإن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم. الحديث.
    ومثله قول عبد الله بن عمر في صحيحته التي أسلفناها بلفظه ص 203 فتراهما يعدان هذه الفضايل الثلاث خاصة لأمير المؤمنين لم يحظ بهن غيره ، لا سيما أن ابن عمر يرى في أول حديثه إن خير الناس بعد رسول الله أبو بكر ثم أبوه لكنه مع ذلك لا يشرك أبا بكر مع أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الباب ولا الخوخة.
    فلو كان لحديث أبي بكر مقيل من الصحة في عصر الصحابة المشافهين لصاحب الرسالة صلى الله عليه وآله والسامعين حديثه لما تأتى منهما هذا السياق.
    على أن هذه الكلمة على فرض صدورها منه صلى الله عليه وآله وسلم صدرت أيام مرضه فما الفرق بينها وبين حديث الكتف والدواة المروي في الصحاح والمسانيد ، فلماذا يؤمن ابن تيمية ببعض ويكفر ببعض ؟ وشتان بين حديث الكتف والدواة وبين فتح الخوخة لأبي بكر فإن الأول كما هو المتسالم عليه وقع يوم الخميس ، وحديث ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس. لا يخفى على أي أحد. فأجازوا حوله ما قيل فيه ( والنبي يخاطبهم ويقول : لا ينبغي عندي تنازع ، دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه.
    وأوصى في يومه ذاك بإخراج المشركين من جزيرة العرب ، وإجازة الوفد بنحو ما كان يجيزهم (1) فلم يقولوا في ذلك كله ما قيل في حديث الكتف والدواة ) وأما حديث سد الخوخات ففي اللمعات : لا معارضة بينه وبين حديث أبي بكر لأن الأمر بسد الأبواب وفتح باب علي كان في أول الأمر عند بناء المسجد ، والأمر بسد الخوخات إلا خوخة أبي بكر كان في آخر الأمر في مرضه حين بقي من عمره ثلثة
1 ـ طبقات ابن سعد 763.

(215)
أو أقل (2). وقال العيني في عمدة القاري 7 ص 59 : إن حديث سد الأبواب كان آخر حياة النبي في الوقت الذي أمرهم أن لا يؤمهم إلا أبو بكر. والمتفق عليه من يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الاثنين فعلى هذا يقع حديث الخوخة يوم الجمعة أو السبت وبطبع الحال إن مرضه صلى الله عليه وآله كان يشتد كلما توغل فيه ، فما بال حديث الخوخة لم يحظ بقسط مما حظي به حديث الكتف والدواة عند المقدسين لمن قال قوله فيه ؟ أنا أدري لم ذلك ، والمنجم يدري ، والمغفل أيضا يدري ، وابن عباس أدرى به حيث يقول : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
    ( ومما كذبه ابن تيمية من الحديث ) قوله صلى الله عليه وآله وسلم : أنت ولي كل مؤمن بعدي. قال : فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث.
    ج ـ كان حق المقام أن يقول الرجل : إن هذا صحيح باتفاق أهل المعرفة ، غير أنه راقه أن يموه على صحته ، ويشوههه ببهرجته كما هو دأبه ، أفهل يحسب الرجل إن من أخرج هذا الحديث من أئمة فنه ليسوا من أهل المعرفة بالحديث ؟ وفيهم إمام مذهبه أحمد بن حنبل أخرجه بإسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات قال :
    حدثنا عبد الرزاق ثنا جعفر بن سليمان حدثني يزيد الرشك عن مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله سرية وأمر عليها علي بن أبي طالب فأحدث شيئا في سفره فتعاقد أربعة من أصحاب محمد أن يذكروا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمران :
    وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله فسلمنا عليه قال : فدخلوا عليه فقام رجل منهم فقال : يا رسول الله ؟ إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الثاني فقال : يا رسول الله ؟ إن عليا فعل كذا وكذا. فأعرض عنه. ثم قام الثالث فقال : يا رسول الله ؟ إن عليا فعل كذا وكذا. ثم قام الرابع فقال : يا رسول الله ؟ إن عليا فعل كذا وكذا. قال : فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغير وجهه وقال : دعوا عليا. دعوا عليا. دعوا عليا : إن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي.
    وأخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن عبد الله بن عمر القواريري والحسن بن
1 ـ راجع هامش جامع الترمذي 2 ص 214.

(216)
عمر الحمري والمعلى بن مهدي كلهم عن جعفر بن سليمان. وأخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير الطبري وصححه. وأبو نعيم الاصبهاني في حلية الأولياء ج 6 ص 294. ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 171 والبغوي في المصابيح 2 ص 275 ولم يذكر صدره. وابن كثير في تاريخه 7 ص 344 والسيوطي والمتقي في الكنز 6 ص 154 ، 300 وصححه. والبدخشي في نزل الأبرار 22.
    صورة أخرى
    ما تريدون من علي ؟! ما تريدون من علي ؟! ما تريدون من علي ؟! ن عليا مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي.
    أخرجه بهذا اللفظ الترمذي في جامعه 2 ص 222 بإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وكذلك النسائي في الخصايص 23.
    الحاكم النيسابوري في المستدرك 3 ص ص 111 (1) وصححه وأقره الذهبي. أبو حاتم السجستاني. محب الدين في الرياض 2 ص 71. ابن حجر في الإصابة 2 ص 509 وقال : إسناد قوي. السيوطي في الجمع كما في ترتيبه 6 ص 152. البدخشي في نزل الأبرار 22.
    إسناد آخر
    أخرج أبو داود الطيالسي عن شعبة عن أبي بلج عن عمر وبن ميمون عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : أنت ولي كل مؤمن بعدي. تاريخ ابن كثير 7 ص 345 ، والإسناد كما مر غير مرة صحيح رجاله كلهم ثقات.
    فإن كان هؤلاء الحفاظ والأعلام خارجين عن أهل المعرفة بالحديث ؟ فعلى إسلام ابن تيمية السلام.
    وإن كانوا غير داخلين في الاتفاق ؟ فعلى معرفته العفاء وإن كان لم يحط خبرا بإخراجهم الحديث حين قال ما قال ؟ فزه بطول باعه في الحديث.
    وإن لم يكن لا ذاك ولا هذا ؟ فمرحبا بصدقه وأمانته على ودايع النبوة.
    هذه نبذة يسيرة من مخاريق ابن تيمية ، ولو ذهبنا إلى استيفاء ما في منهاج بدعته من الضلالات والأكاذيب والتحكمات والتقولات فعلينا أن نعيد استنساخ
1 ـ لفظه ( ما تريدون من علي ) في لفظ الحاكم غير مكررة.

(217)
مجلداته الأربع ونردفها بمجلدات في ردها ، ولم أجد بيانا يعرف عن حقيقة الرجل ويمثلها للملأ العلمي ، غير أني أقتصر على كلمة الحافظ ابن حجر في كتابه ( الفتاوى الحديثية ) ص 86 قال :
    ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله ، وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله ، وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ، ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
    والحاصل : أن لا يقام لكلامه وزن بل يرمى في كل وعر وحزن ، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال مضل غال عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته و فعله. آمين. ( إلى أن قال ) : إنه قائل بالجهة وله في إثباتها جزء ، ويلزم أهل هذا المذهب الجسمية والمحاذاة والاستقرار. أي. فلعله في بعض الأحيان كان يصرح بتلك اللوازم فنسبت إليه ، سيما وممن نسب إليه ذلك من أئمة الاسلام المتفق على جلالته وإمامته وديانته ، وإنه الثقة العدل المرتضى المحقق المدقق ، فلا يقول شيئا إلا عن ثبت وتحقق ومزيد احتياط وتحر ، سيما إن نسب إلى مسلم ما يقتضي كفره وردته وضلاله وإهدار دمه ( الكلام ).
ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم
الجاثية 7 ، 8


(218)
7
البداية والنهاية *
    لا تنس ما لهذا الكتاب من التولع في الفرية والتهالك دون القذائف والشتائم والطعن من غير مبرر ، وإن رمية كل هاتيك الطامات الشيعة لا غيرهم ، وبذلك أخرج كتابه من بساطة التاريخ إلى هملجة التحامل ، والنعرات القومية والنزول على حكم العاطفة إلى غيرها مما يوجب تعكير الصفو ، وإقلاق السلام ، وتفريق الكلمة.
    زد على ذلك محادته لأهل البيت عليهم السلام ونصبه العداء لهم حتى إذا وقف على فضيلة صحيحة لأحدهم ، أو جرى ذكر أو حدى منهم. قذف الأولى بالطعن والتكذيب وعدم الصحة ، وشن على الثاني غارة شأواء. كل ذلك بعد نزعته الأموية الممقوتة. وإليك نماذج مما ذكر.
    1 ـ قال : ذكر ابن إسحق وغيره من أهل السير والمغازي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينه يعني عليا ) وبين نفسه وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة لا يصح شيئ منها لضعف أسانيدها وركة بعض متونها قاله في ( ج 7 ص 223 ) وقال في ص 335 بعد روايته من طريق الحاكم : قلت : وفي صحة هذا الحديث نظر.
    ج ـ إن القارئ إذ ما راجع ما مر في ص 112 ـ 125 و 174 ووقف هناك على طرق الحديث الكثيرة الصحيحة وثقة رجالها وإطباق الأئمة والحفاظ وأرباب السير على إخراجه وتصحيحه يعرف قيمة كلمة الرجل ومحله من الصدق ، ويعلم أن لا وجه للنظر فيه إلا بواعث ابن كثير واندفاعه إلى مناوئة أهل البيت الناشيء عن نزعته الأموية ، والمتربي في عاصمة الأمويين المتأثر بنزعاتهم الأهوائية ، لا ينقطع عن الوقيعة في مناقب سيد هذه الأمة بعد نبيها المتسالم عليها ، فدعه وتركاضه مع الهوى
تأليف الحافظ عماد الدين أبي الفداء ابن كثير الدمشقي 774.

(219)
    2 ـ ذكر حديث الطير المتواتر الصحيح الذي خضع لتواتره وصحته أئمة الحديث ثم تخلص منه بقوله ص 353 :
    وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه والله أعلم.
    جهذا قلب طبع الله عليه وإلا فما وجه ذلك النظر بعد تمام شرايط الصحة فيه ؟! وليس من البدع أن يكون أي أحد من الناس أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وليس لأحد حق النقد ولا الاعتراض عليه فكيف بمثل أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا تنكر سابقته وفضائله ، وهو نفسه وابن عمه وأخوه من دون الناس ، وزلفته إليه وقربه منه ومكانته واختصاصه به وتهالكه دون دينه الحنيف كلها من الواضح الذي لا يجلله أي ستار ، وسنوقفك على الحديث وطرقه المتكثرة الصحيحة ، ونعرفك هناك أن النظر في صحته شارة الأموية ، وسمة رين القلب ، واتباع الهوى.
    3 ـ قال : وما يتوهمه بعض العوام بل هو مشهور بين كثير منهم : أن عليا هو الساقي على الحوض : فليس له أصل ولم يجئ من طريق مرضي يعتمد عليه ، والذي ثبت : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يسقي الناس. 7 ص 355.
    ج لا يحسب القارئ أن هذا وهم من رأي العوام فحسب ، وقد أفك الرجل في حكمه البات ، وقد جاء الحديث بطريق مرضي يعتمد عليه ، وأخرجه الحفاظ الاثبات مخبتين إليه ، راجع الجزء الثاني من كتابنا ص 321.
    4 ـ ذكر في ج 7 ص 334 حديثا صحيحا بإسناد الإمام أحمد الترمذي في إسلام أمير المؤمنين وإنه أول من أسلم وصلى ثم أردفه بقوله : وهذا لا يصح من أي وجه كان روي عنه. وقد ورد في أنه أول من أسلم من هذه الأمة أحاديث كثيرة لا يصح منها شيء .. إلخ.
    ج ـ ألا مسائل هذا الرجل لم لا يصح شيء منها من أي وجه كان ؟! والطرق صحيحة ، والرجال ثقات ، والحفاظ حكموا بصحته ، وأرباب السير أطبقوا عليه ، وكان من المتسالم عليه بين الصحابة الأولين والتابعين لهم : بإحسان.
    ونحن لو نقتصر على كلمتنا هذه يحسبها القارئ دعوى مجردة لدة دعوى ابن كثير ( أعاذنا الله عن مثلها ) وتخفى عليه جلية الحال فيهمنا ذكر نزر مما يدل على


(220)
المدعى وإن لم يسعنا إيراد كثير منه روما للاختصار.
    النصوص النبوية
    1 ـ قال صلى الله عليه وآله وسلم : أولكم واردا ـ ورودا ـ على الحوض أولكم إسلاما علي بن أبي طالب.
    أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 136 وصححه م والخطيب البغدادي في تاريخه ج 2 ص 81 ويوجد في ]. الاستيعاب 2 ص 457. شرح ابن أبي الحديد 3 ص 258. وفي لفظ : أول هذه الأمة ورودا على الحوض أولها إسلاما علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه السيرة الحلبية 1 ص 285. سيرة زيني دحلان 1 ص 188 هامش الحلبية.
    وفي لفظ : أول الناس ورودا على الحوض أولهم إسلاما علي بن أبي طالب مناقب الفقيه ابن المغازلي.
    مناقب الخوارزمي.
    2 ـ قال صلى الله عليه وآله لفاطمة : زوجتك خير أمتي أعلمهم علما. وأفضلهم حلما. و أولهم سلما. راجع ما مر ص 95.
    3 ـ قال صلى الله عليه وآله لفاطمة : إنه لأول أصحابي إسلاما. أو : أقدم أمتي سلما. حديث صحيح راجع ص 95.
    4 ـ أخذ صلى الله عليه وآله بيد علي فقال : إن هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر. راجع الجزء الثاني ص 313 ، 314.
    5 ـ عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لقد صلت الملائكة علي وعلى علي سبع سنين لأنا كنا نصلي وليس معنا أحد يصلي غيرنا. مناقب الفقيه ابن المغازلي بإسنادين م ـ أسد الغابة 4 : 18 ] مناقب الخوارزمي وفيه : ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال : لم يكن معي من الرجال غيره. كتاب الفردوس للديلمي. شرح ابن أبي الحديد عن رسالة الاسكافي 3 ص 258. فرايد السمطين ب 47.
    6 ـ ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وآله إن أول من صلى معي علي [ فرايد السمطين الباب ال‍ 47 بأربع طرق ].
    7 ـ معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ؟ أخصمك بالنبوة ولا نبوة
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس