الغدير ـ الجزء السادس ::: 261 ـ 270
(261)
قالوا : ادنان مقيرة. قال : مزفته ؟ قالوا : نعم. قال : أيسكر ؟ قالوا : إذا اكثر منه أسكر قال : فكل مسكر حرام.
    وقبل هذه كلها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتنب كل مسكر ينش (3) قليله وكثيره.
    أخرجه النسائي في سننه 8 ص 324 ، وحكاه عنه ابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 172.
    هذه آراء من شتى النواحي في باب الأشربة تخص بالخليفة لا تساعده فيها البرهنة الشرعية من الكتاب والسنة بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون.
79
جهل الخليفة بالغسل من الجنابة
    عن رفاعة بن رافع قال : بينا أنا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ دخل عليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ! هذا زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد برأيه في الغسل من الجنابة ـ في الذي يجامع ولا ينزل ـ فقال عمر : على به.
    فجاء زيد فلما رآه عمر قال : أي عدو نفسه قد بلغت إنك تفتي الناس برأيك فقال : يا أمير المؤمنين ! بالله ما فعلت لكني سمعت من أعمامي حديثا فحدثت به من أبي أيوب ومن أبي بن كعب ومن رفاعة بن رافع فأقبل عمر على رفاعة بن رافع فقال : وقد كنتم تفعلون ذلك إذا أصاب أحدكم من المرأة فأكسل لم يغتسل ؟ فقال : قد كنا نفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأتنا فيه تحريم ولم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نهي.
    قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك ؟ قال : لا أدري.
    فأمر عمر بجمع المهاجرين والأنصار فجمعوا له فشاورهم فأشار الناس أن لا غسل في ذلك إلا ما كان من معاذ وعلي رضي الله عنهما فإنهما قالا : إذا جاوز الختان فقد وجب الغسل.
    فقال عمر رضي الله عنه : هذا وأنتم أصحاب بد وقد اختلفتم فمن بعدكم أشد اختلافا.
    قال فقال علي رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ! إنه ليس أحد أعلم بهذا ممن سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه فأرسل إلى حفصة فقالت : لا علم لي بهذا فأرسل إلى عائشة فقالت : إذا جاوز الختان فقد وجب الغسل ، فقال عمر رضي الله عنه : لا أسمع برجل فعل ذلك إلا أوجعته ضربا.
    وفي لفظ : لا يبلغني إن أحدا فعله ولا يغتسل إلا أنهكته عقوبة.
3 ـ ينش : أي يغلي.

(262)
    أخرجه أحمد إمام الحنابلة في مسنده 5 ص 15 ، وابن أبي شيبة في مصنفه وأبو جعفر الطحاوي في معاني الآثار ، وحكاه عن الأخير العيني في عمدة القاري 2 ص 72 ، وذكره القاضي أبو المجالس في ـ المعتصر من المختصر من مشكل الآثار ـ 1 ص 51 ، و أخرجه الهيثمي من طريق أحمد والطبراني في الكبير وقال : رجال أحمد كلهم ثقات.
    راجع مجمع الزوائد 1 ص 266 ، والاجابة للزركشي ص 84.
    هذه الرواية تنم عن عدم معرفة أولئك الصحابة الذين شاورهم الخليفة بالحكم ـ وفي مقدمهم هو نفسه ـ ما خلا أمير المؤمنين ومعاذ وعائشة ، وشتان بين عدم معرفة الخليفة بمثل هذا الحكم الذي يلزم المكلف عرفانه قبل كثير من الواجبات ، وبين عدم معرفة غيره لأن به القدرة والأسرة في الأحكام دون غيره.
80
الخليفة وتوسيعه المسجدين
    أخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال. كان العباس بن عبد المطلب دار إلى جنب مسجد المدينة فقال عمر : بعنيها وأراد أن يدخلها في المسجد فأبى العباس أن يبيعها إياه فقال عمر : فهبها لي فأبى فقال عمر : فوسعها أنت في المسجد. فقال عمر.
    لا بد لك من إهداهن فأبى قال : فخذ بيني وبينك رجلا فأخذ أبي بن كعب فاختصما إليه فقال أبي لعمر : ما أرى أن تخرجه من داره حتى ترضيه فقال له : أرأيت قضائك هذا في كتاب الله و حديثه ، أم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال أبي : بل سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال عمر : وما ذاك ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس جعل كلما بنى حائطا أصبح منهدما فأوصى ابنه إليه أن لا تبني في حق رجل حتى ترضيه.
    فتركه عمر رضي الله عنه فوسعها العباس بعد ذلك في المسجد.
    صورة أخرى :
    أخرج ابن سعد عن سالم أبي النضر رضي الله عنه قال : لما كثر المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه ضاق بهم المسجد فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور إلا دور العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين فقال عمر رضي الله عنه للعباس : يا أبا الفضل. إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم وقد ابتعت ما حوله من المنازل فوسع به على المسلمين


(263)
في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين ، فأما حجرات أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها.
    وإما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم.
    فقال العباس رضي الله عنه : ما كنت لأفعل.
    فقال عمر رضي الله عنه : إختر مني إحدى ثلاث : إما أن تبيعنيها بما شئت من مال المسلمين.
    وإما أن أحطك حيث من المدينة و ابنيها لك من بيت مال المسلمين.
    وإما أن تصدق بها على المسلمين فيوسع بها في مسجدهم فقال : لا ، ولا واحدة منها.
    فقال عمر رضي الله عنه : اجعل بيني وبينك من شئت فقال أبي بن كعب رضي الله عنه فانطلقا إلى أبي فقصا عليه القصة فقال أبي رضي الله عنه : إن شئتما حدثتكما بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالا : حدثنا فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله أوحى إلى داود : ابن لي بيتا أذكر فيه فخط له هذه الخطة خطة بيت المقدس فإذا بربعها زاوية بيت رجل من بني إسرائيل فسأل داود أن يبيعه إياه فأبى فحدث داود نفسه أن يأخذه منه فأوحى الله إليه : أن يا داود أمرتك أن تبني لي بيتا أذكر فيه فأردت أن تدخل في بيتي الغصب وليس من شأني الغصب وإن عقوبتك أن لا تبنيه.
    قال : يا رب فمن ولدي ؟ قال : من ولدك.
    قال : فأخذ عمر رضي الله عنه بمجامع ثياب أبي بن كعب وقال : جئتك بشئ فجئت بما هو أشد منه لتخرجن مما قلت فجاء يقوده حتى أدخله المسجد فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول الله فيهم أبو ذر رضي الله عنه فقال أبي رضي الله عنه : إني نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر حديث بيت المقدس حيث أمر الله تعالى داود أن يبنيه إلا ذكره فقال أبو ذر : أنا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخر : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل أبيا فأقبل أبي على عمر رضي الله عنه فقال : يا عمر ! أتتهمني على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : يا أبا المنذر ! لا والله ما اتهمتك عليه ولكني كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا. الحديث.
    صورة ثالثة :
    أخرج الحاكم بإسناده عن عمر بن الخطاب إنه قال للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : نزد في المسجد ، ودارك قريبة من المسجد فاعطناها نزدها في المسجد وأقطع لك أوسع منها. قال : لا أفعل. قال : إذا أغلبك عليها


(264)
قال ليس ذاك لك فاجعل بيني وبينك من يقضي بالحق.
    قال : ومن هو ؟ قال : حذيفة بن اليمان.
    قال : فجاءوا إلى حذيفة فقصوا عليه فقال حذيفة : عندي في هذا خبر.
    قال : وما ذاك ؟ قال : إن داود النبي صلوات الله عليه أراد أن يزيد في بيت المقدس وقد كان بيت قريب من المسجد ليتيم فطلب إليه فأبى فأراد داود أن يأخذها منه فأوحى الله عز وجل إليه أن نزه البيوت عن الظلم لبيتي.
    قال : فتركه فقال له العباس : فبقي شئ ؟ قال : لا.
    قال : فدخل المسجد فإذا ميزاب للعباس شارع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليسيل ماء المطر منه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عمر بيده فقلع الميزاب فقال : هذا الميزاب لا يسيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    فقال له العباس : والذي بعث محمدا بالحق إنه هو الذي وضع الميزاب في هذا المكان ونزعته أنت يا عمر ! فقال عمر : ضع رجليك على عنقي لترده إلى ما كان هذا. ففعل ذلك العباس.
    ثم قال العباس : قد أعطيتك الدار.
    تزيدها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فزادها عمر في المسجد ثم قطع للعباس دارا أوسع منها بالزوراء. فقال الحاكم : وقد وجدت له شاهدا من حديث أهل الشام ...
    عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما أراد أن يزيد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقعت منازعة على دار العباس بن عبد المطلب. الحديث.
    صورة رابعة :
    عن عبد الله بن أبي بكر قال : كان للعباس بيت في قبلة المسجد وكثر الناس وضاق المسجد ، فقال عمر للعباس : إنك في سعة فاعطني بيتك هذا أوسع به في المسجد فأبى العباس ذلك عليه فقال عمر : إني أثمنك وأرضيك.
    قال : لا أفعل لقد ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاتقي وأصلح ميزابه بيده فلا أفعل قال عمر : لآخذنه منك.
    فقال أحدهما لصاحبه : فاجعل بيني وبينك حكما فجعلا بينهما أبي بن كعب فأتياه فاستأذنا على الباب فحبسهما ساعة ثم أذن لهما وقال : إنما حبستكما إني كنت كما كانت الجارية تغسل رأسي فقص عليه عمر قصته ثم قص العباس قصته فقال : إن عندي علما مما اختلفتما فيه ولأقضين بينكما بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول : إن داود لما أراد أن يبني بيت المقدس وكان بيت ليتيمين من بني إسرائيل في قبلة المسجد فأراد منهما البيع


(265)
فأبيا عليه فقال : لآخذنه فأوحى الله عز وجل إلى داود : إن أغنى البيوت عن المظلمة بيتي وقد حرمت عليك بنيان بيت المقدس.
    قال : فسليمان ؟ فأعطاه سليمان فقال عمر لأبي : ومن لي بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا ؟ فقال أبي لعمر : أتظن إني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن من بيتي.
    فخرج إلى الأنصار فقال : أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كذا وكذا فقال هذا : أنا.
    وقال هذا : أنا.
    حتى قال ذلك رجال فلما علم ذلك عمر قال : أما والله لو لم يكن غيرك لأجزت قولك ولكني أردت أن أستثبت.
    صورة خامسة :
    أخرج البيهقي بإسناده عن أبي هريرة قال : لما أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يزيد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقعت زيادته على دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه فأراد عمر رضي الله عنه أن يدخلها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعوضه منها فأبى وقال : قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلفا فجعلا بينهما أبي بن كعب رضي الله عنهم فأتياه في منزله وكان يسمى سيد المسلمين فأمر لهما بوسادة فألقيت لهما فجلسا عليها بين يديه فذكر عمر ما أراد وذكر العباس قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبي : إن الله عز وجل أمر عبده ونبيه داود عليه السلام أن يبني له بيتا قال : أي رب وأين هذا البيت ؟ قال : حيث ترى الملك شاهرا سيفه فرآه على صخرة وإذا ما هناك يومئذ إلا دار الغلام من بني إسرائيل فأتاه داود فقال : إني قد أمرت أن أبني هذا المكان بيتا لله عز وجل فقال له الفتى : الله أمرك أن تأخذها مني بغير رضاي ؟ قال : لا.
    فأوحى الله إلى داود عليه السلام إني قد جعلت في يدك خزائن الأرض فأرضه فأتاه داود فقال : إني قد أمرت برضاك فلك بها قنطار من ذهب.
    قال : قد قبلت يا داود وهي خير أم القنطار ؟ قال : بل هي خير.
    قال : فارضني ، قال : فلك بها ثلاث قناطير.
    قال : فلم يزل يشدد على داود حتى رضي منه بتسع قناطير.
    قال العباس : أللهم لا آخذ لها ثوابا ويقد تصدقت بها على جماعة المسلمين.
    فقبلها عمر رضي الله عنه منه فأدخلها في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    صورة سادسة :
    عن ابن عباس قال : كانت للعباس دار إلى جنب المسجد في المدينة فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : بعنيها أو هبها لي حتى أدخلها في المسجد فأبى فقال : إجعل بيني


(266)
وبينك رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعلا بينهما أبي بن كعب فقضى للعباس على عمر فقال عمر : ما أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أجرأ علي منك.
    فقال أبي بن كعب أو أنصح لك مني ثم قال : يا أمير المؤمنين أما بلغك حديث داود أن الله عز وجل أمره ببناء بيت المقدس فأدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها فلما بلغ حجز الرجال منعه الله بناءه قال داود : أي رب إن منعتني بناءه فاجعله في خلفي ؟ فقال العباس : أليس قد قضيت لي بها وصارت لي ؟ قال : بلى.
    قال : فإني أشهدك إني قد جعلتها لله.
    وقال البلاذري : لما استخلف عثمان بن عفان ابتاع منازل وسع المسجد بها ، وأخذ منازل أقوام ووضع لهم الأثمان فضجوا به عند البيت فقال : إنما جرأكم علي حلمي عنكم وليني لكم لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأقررتم ورضيتم ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد فخلى سبيلهم.
    وقال الطبري وغيره : في سنة 17 من الهجرة اعتمر عمر بن الخطاب وبنى المسجد الحرام ووسع فيه وأقام بمكة عشرين ليلة وهدم على أقوام من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع أثمان دورهم في بيت المال حتى أخذوها بعد.
    تاريخ الطبري 4 ص 206 ، فتوح البلدان للبلاذري ص 53 ، سنن البيهقي 6 ص 168 ، مستدرك الحاكم ، الكامل لابن الأثير 2 ص 227 ، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 ص 7 ، تاريخ ابن شحنة الحنفي هامش الكامل 7 ص 176 ، الدر المنثور 4 ص 159 ، وفاء الوفاء للسمهودي 1 ص 341 ـ 349.
    قال الأميني : الأخذ بمجاميع هذه الروايات يعطينا درسا بأن الخليفة لم يكن عالما بالحكم عند توسيعه المسجدين حتى أنبأه به أبي بن كعب ووافق أبيا في روايته أبو ذر والرجل الآخر ، لكنه عمل عند توسيعه المسجد الحرام بخلاف المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حيث لا يعلم ، وأعجب من هذا صنيعة عثمان وهي بعد ظهور تلك السنة النبوية والعلم بها.
81
سكوت الخليفة عن حكم الطلاق
    عن قتادة قال : سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلق امرأته في الجاهلية تطليقتين


(267)
وفي الاسلام تطليقة ؟ فقال : لا آمرك ولا أنهاك.
    فقال عبد الرحمن : لكني آمرك ليس طلاقك في الشرك بشئ (1) لم يكن تحاشي الخليفة عن الأمر والنهي عند حاجة السائل إلى عرفان الحكم إلا لعدم معرفته به ، وليس جهله به بأقل من جهل ابنه عبد الله بحكم الطلاق في حال الحيض ، وقد نقم منه ذلك أبوه ونفى عنه صلاحيته للخلافة بذلك في محاورة جرت بينه وبين ابن عباس وقد أسلفناها في الجزء الخامس ص 360.
82
رأي الخليفة في أكل اللحم
    1 ـ عن عبد الله بن عمر قال : كان عمر يأتي مجزرة الزبير بن العوام رحمه الله بالبقيع ولم يكن بالمدينة مجزرة غيرها فيأتي معه بالدرة فإذا رأى رجلا اشترى لحما يومين متتابعين ضربه بالدرة وقال : ألا طويت بطنك يومين ؟ 2 ـ عن ميمون بن مهران : إن رجلا من الأنصار مر بعمر بن الخطاب وقد تعلق لحما فقال له عمر : ما هذا ؟ قال : لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ! قال حسن.
    ثم مر به من الغد ومعه لحم فقال : ما هذا ؟ قال : لحمة أهلي.
    قال : حسن.
    ثم مر به اليوم الثالث ومعه لحم فقال : ما هذا ؟ قال : لحمة أهلي يا أمير المؤمنين ! فعلا رأسه بالدرة ثم صعد المنبر فقال : إياكم والأحمرين : اللحم والنبيذ فإنهما مفسدة للدين متلفة للمال (2).
    قال الأميني : هذا فقه عجيب لا نعرف مغزاه ، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ، ولا يجتمع مع ما جاء عن النبي الأعظم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم ، وسيد الشراب في الدنيا والآخرة الماء (3).
    وما جاء في صحيحة عن ابن عباس من أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إني إذا أصبت اللحم انتشرت للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت علي اللحم فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.
1 ـ كنز العمال 5 ص 161 ، منتخب الكنز بهامش مسند أحمد 3 ص 482.
2 ـ سيرة عمر لابن الجوزي ص 68 ، كنز العمال 3 ص 111 نقلا عن أبي نعيم ، الفتوحات الإسلامية 2 ص 424.
3 ـ مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 5 ص 35.


(268)
وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا (1).
    وعلى تقدير الكراهة في إدمان أكل اللحم فهل أكله يومين متواليين أو ثلاثة متوالية من الادمان ؟ وهل يستتبع ذلك التعزير بالدرة ؟ وهل يبلغ مفسدته مفسدة النبيذ المحرم فكان لذته مفسدة للدين ومتلفة للمال ؟ ولو أخذ بهذا الرأي في أجيال المسلمين لوجب أن لا تهدء الدرة في حال من الأحوال.
83
الخليفة ويهودي مدني
    عن أبي الطفيل قال شهدت الصلاة على أبي بكر الصديق ثم اجتمعنا إلى عمر بن الخطاب فبايعناه وأقمنا أياما نختلف إلى المسجد إليه حتى أسموه أمير المؤمنين فبينما نحن عنده جلوس إذا أتاه يهودي من يهود المدينة وهم يزعمون إنه من ولد هارون أخي موسى بن عمران عليهما السلام حتى وقف على عمر فقال له : يا أمير المؤمنين ! أيكم أعلم بنبيكم وبكتاب نبيكم حتى أسأله عما أريد فأشار له عمر إلى علي بن أبي طالب فقال : هذا أعلم بنبينا وبكتاب نبينا قال اليهودي : أكذاك أنت يا علي ؟ قال : سل عما تريد.
    قال : إني سائلك عن ثلاث وثلاث وواحدة.
    قال له علي : ولم لا تقول إني سايلك عن سبع ؟ قال له اليهودي : أسألك عن ثلاث فإن أصبت فيهن أسألك عن الواحدة ، وإن أخطأت في الثلث الأول لم أسألك عن شئ.
    وقال له علي : وما يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت ؟ قال : فضرب بيده على كمه فاستخرج كتابا عتيقا فقال : هذا كتاب ورثته عن آبائي وأجدادي بإملاء موسى وخط هارون وفيه هذه الخصال الذي أريد أن أسألك عنها فقال علي : والله عليك إن أجبتك فيهن بالصواب أن تسلم.
    قال له : والله لئن أجبتني فيهن بالصواب لأسلمن الساعة علي يديك.
    قال له علي : سل.
    قال : أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض ، وأخبرني عن أول شجرة نبتت على وجه الأرض ، وأخبرني عن أول عين نبعت على وجه الأرض ، قال له علي : يا يهودي إن أول حجر وضع على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنه صخرة بيت المقدس وكذبوا لكنه الحجر الأسود نزل به آدم معه من الجنة فوضعه في ركن البيت فالناس يمسحون به
1 ـ صحيح الترمذي 2 ص 176 ، تفسير ابن كثير 2 ص 87 ، الدر المنثور 2 ص 307.

(269)
ويقبلونه ويجددون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله قال اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت.
    قال له علي : وأما أول شجرة نبتت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنها الزيتونة وكذبوا ولكنها نخلة العجوة نزل بها معه آدم من الجنة فأصل التمر كله من العجوة.
    قال له اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت.
    قال : وأما أول عين نبعت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنها العين التي تحت صخرة بيت المقدس وكذبوا ولكنها عين الحياة التي نسي عندها صاحب موسى السمكة المالحة فلما أصابها ماء العين عاشت وسمرت فاتبعها موسى وصاحبه فأتيا الخضر.
    فقال اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت.
    قال له علي : سل.
    قال : أخبرني عن منزل محمد أين هو في الجنة ؟ قال علي : ومنزل محمد من الجنة جنة عدن في وسط الجنة أقربه من عرش الرحمن عز وجل.
    قال له اليهودي : أشهد بالله لقد صدقت.
    قال له علي : سل.
    قال : أخبرني عن وصي محمد في أهله كم يعيش بعده وهل يموت أو يقتل ؟ قال علي : يا يهودي يعيش بعده ثلثين سنة ويخضب هذه من هذه وأشار إلى رأسه.
    قال : فوثب اليهودي وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
    أخرجه الحافظ العاصمي في زين الفتى في شرح سورة هل أتى.
    وفي الحديث سقط كما ترى ، وفيه نص عمر على إن عليا أعلم الأمة بنبيها وبكتابه ، وموسى الوشيعة يقول : عمر أعلم الأمة على الإطلاق بعد أبي بكر ، والانسان على نفسه بصيرة.
84
الخليفة أول من أعال الفرائض
    عن ابن عباس قال : أول من أعال الفرائض عمر بن الخطاب لما التوت عليه الفرائض.
    ودافع بعضها بعضا قال : والله ما أدري أيكم قدم لله ولا أيكم أخر وكان امرءا ورعا فقال : ما أجد شيئا هو أوسع لي من أن أقسم المال عليكم بالحصص وادخل على كل ذي حق ما أدخل عليه من عول الفريضة.
    وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : دخلت أنا وزفر بن أوس بن الحدثان على ابن عباس بعد ما ذهب بصره فتذاكرنا فرائض الميراث فقال : ترون الذي أحصى رمل


(270)
عالج عددا لم يحص في مال نصفا ونصفا وثلثا إذا ذهب نصف ونصف فأين موضع الثلث ؟ فقال له زفر : يا ابن عباس ! من أول من أعال الفرائض ؟ قال : عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    قال : ولم ؟ قال : لما تدافعت عليه وركب بعضها بعضا قال : والله ما أدري كيف أصنع بكم ؟ والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر.
    قال : وما أجد في هذا المال شيئا أحسن من أن اقسمه عليكم بالحصص.
    ثم قال ابن عباس : وأيم الله لو قدم من قدم الله ، وأخر من أخر الله ما عالت فريضة.
    فقال له زفر : وأيهم قدم وأيهم أخر ؟ فقال : كل فريضة لا تزول إلا إلى فريضة فتلك التي قدم الله وتلك فريضة الزوج له النصف فإن زال فإلى الربع لا ينقص منه ، والمرأة لها الربع فإن زالت عنه صارت إلى الثمن لا تنقص منه ، والأخوات لهن الثلثان والواحدة لها النصف ، فإن دخل عليهن البنات كان لهن ما بقي فهؤلاء الذين أخر الله ، فلو أعطى من قدم الله فريضته كاملة ثم قسم ما يبقى بين من أخر الله بالحصص ما عالت فريضة.
    فقال له زفر : فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر ؟ فقال هبته والله (1).
    وفي أوائل السيوطي وتاريخه ص 93 ، ومحاضرة السكتواري ص 152 : إن عمر أول من قال بالعول في الفرائض.
    قال الأميني : ما عساني أن أقول بعد قول الخليفة : والله ما أدري كيف أصنع بكم ، والله ما أدري أيكم قدم الله ولا أيكم أخر ؟ أو بعد قول ابن عباس : وأيم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة ؟ كيف لك يتزحزح الرجل عن القضاء في الفرائض والحال هذه ويحكم بالرأي ؟ وهو القائل في خطبة له : ألا إن أصحاب الرأي أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فأفتوا برأيهم فضلوا وأضلوا ، ألا وإنا نقتدي ولا نبتدي ، ونتبع ولا نبتدع ، ما نضل ما تمسكنا بالأثر. (2) أهكذا الاقتداء والاتباع ، أم هذه هي الابتداء والابتداع ؟ وكيف يسوغ لمثل الخليفة أن يجهل الفرائض وهو القائل : ليس جهل أبغض إلى
1 ـ أحكام القرآن للجصاص 2 ص 109 ، مستدرك الحاكم 4 ص 340 وصححه ، السنن الكبرى 6 ص 253 ، كنز العمال 6 ص 7.
2 ـ سيرة عمر لابن الجوزي ص 107.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس