وثانياً : إنّها زواج شرعيّ يشترط فيه جميع الشرائط في النكاح ، وإنّما يختلف عن النكاح المتعارف عليه أنّ فيه تحديد مقدار المهر ومقدار المدّة ، ولهذا يسمى بالنكاح المنقطع في مقابل النكاح الدائم ولا يفترق النكاح المنقطع عن الدائم الا في هذين الأمرين ، والا فما عداهما ممّا يشترط في النكاح الدائم هو مشترط في النكاح المنقطع .
وثالثاً : أنّ الشيعة لم تقل بحلّيّة المتعة الاّ بعد قيام الدليل من الكتاب والسنة ، واستدلوا من الكتاب بآية قرآنيّة هي نصّ في دلالتها على حلّية المتعة ، وهي قوله تعالى : (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهن أجورهن فريضة من الله) 1 .
راجع تفسير أبي حيّان 2 ، وتفسير الطبري 3 ، وتفسير البغوي 4 ، وتفسير الزمخشري 5 ، وتفسير القرطبي 6 ، وتفسير
____________
1) سورة النساء ، الآية 24 .
2) تفسير أبي حيان : ج 3 ص 218 .
3) تفسير الطبري : ج 5 ص 9 ط / 2 بولاق مصر 1972 .
4) تفسير البغوي : ج 1 ص 414 ط / 2 دار المعرفة ـ بيروت .
5) الكشاف للزمخشري : ج 1 ص 519 ، دار المعرفة ـ بيروت .
6) جامع احكام القرآن للقرطبي : ج 5 ص 131 و 131 و 132 ، دار الكتب العربية ، القاهرة ـ مصر .

( 52 )

البيضاوي 1 ، وتفسير السيوطي 2 حول تفسير هذه الآية .
واستدلّوا من السنّة بروايات كثيرة رواها علماء السنة في كتبهم وإليك بعض هذه الروايات : روى مسلم في صحيحه 3 وابن الأثير في جامع الاصول 4 عن قيس ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : كنا نغزوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليس لنا نساء فقلنا الاّ نستخصي فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا ان نستمتع فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب الى أجل ثم قرأ عبد الله : (يا أيّها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا أنّ الله لا يحب المعتدين) .
وروى البخاري 5 ومسلم في صحيحيهما 6 وابن الأثير في جامع الاصول 7 عن سلمة بن الاكوع وعن جابر قالا : خرج علينا
____________
1) تفسير البيضاوي لناصر الدين الشيرازي البيضاوي : ج 1 ص 336 ط / 1 مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ لبنان .
2) الدر المنثور لجلال الدين السيوطي : ج 8 ص 140 .
3) صحيح مسلم : ج 4 ص 45 و 46 .
4) جامع الاصول : ج 2 ص 334 و 335 دار إحياء الكتب العربية .
5) صحيح البخاري : ج 5 ص 158 .
6) صحيح مسلم : ج 4 ص 131 .
7) جامع الاصول : ج 11 ص 444 و 446 و 447 ، دار الفكر ، بيروت ـ لبنان .

( 53 )

منادي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا يعني متعة النساء 1 .
وروى مسلم في صحيحه 2 عن عطاء قال : قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر وروى مسلم 3 ايضاً وذكره في جامع الاصول عن أبي الزبير قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدّقيق ، الأيّام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وابي بكر وعمر حتّى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث .
وعن أبي نضرة ، قال : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ان ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ نهانا عمر عنهما فلم نعد لهما .
وهناك الكثير من الروايات في هذا المعنى راجع صحيح
____________
1) صحيح مسلم : ج 2 ص 1022 ح 1405 ، باب نكاح المتعة ، دار احياء التراث العربي .
2) صحيح مسلم : ج 4 ص 131 .
3) صحيح مسلم : ج 2 ص 1023 باب نكاح المتعة ، دار إحياء التراث .

( 54 )

مسلم 1 وصحيح الترمذي 2 وسنن البيهقي 3 وموطا 4 مالك وأحكام 5 القرآن وغيرها من كتب السنة . وحكى الفخر الرازي في تفسير آية المتعة عن محمّد بن جرير الطبري قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى الاّ شقيّ 6 .
ورابعاً : يظهر بعد ذلك أنّ المتعة حلال وجائزة بنصّ القرآن والروايات عن النبي صلى الله عليه وآله ، وقد فعلها كبار الصحابة ، وإنّما كان النهي صدر من عمر في زمان خلافته ولا يرتاب المسلم أنّ قول القرآن والنبي مقدّم على قول عمر .
فكيف لهذا الكاتب يدعي ويفتري أن الشيعة تبيح الزنا ؟ الم يعلم أن الزنا شيء وان المتعة شيء آخر ؟
قال الكاتب : بل هناك اختلافات جوهريّة كثيرة جداً بين
____________
1) صحيح البخاري : ج 3 ص 246 ، دار المعرفة ، بيروت ـ لبنان .
2) صحيح الترمذي : ج 2 ص 185 ، الحديث 824 ، باب ما جاء في التمتع .
3) سنن البيهقي : ج 5 ص 21 وج 7 ص 206 .
4) موطأ ابن مالك : ج 2 ص 30 .
5) احكام القرآن للجصّاص : ج 1 ص 342 و 343 و 344 و 345 : ج 2 ص 178 و 179 .
6) التفسير الكبير للفخر الرازي : ج 10 ص 51 ط / 1 المطبعة البهية المصرية 1938 م .

( 55 )

السنة والشيعة في الإيمان تؤدي الى الكفر الصريح .
ونقول : انّ الذي يؤدّي الى الكفر الصريح قد بيّن في محلّه من كتب الفقه والإعتقاد ، ومنها انكار وجود الله تعالى أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله او الاستهانة بالمقّدسات الدينيّة أو إنكار ما ثبت أنّه من الدين كانكار الصلاة مثلاً ونحو ذلك من الأمور مع ضرورة الالتفات الى عدم وجود الشبهة في ذهن المنكر ، والشيعة مؤمنة بوجود الله معتقدة بوحدانيّته تعالى مصدقة بالأنبياء وبما جاؤا به من عند الله محترمة لجميع المقدسات ، تؤدي الصلاة المفروضة في أوقاتها محافظة على جميع الواجبات الشرعية مستندة في ما تعتقد وتعمل إلى الأدلة والبراهين ، محتجّة على خصومها ، فأين الكفر من ذلك ؟ وقد قلنا إذا كان هناك اختلاف أساسي فهو يرجع الى مسألة الإمامة والخلافة وما يترتّب عليها من آثار . ثمّ إنّ رمي أحد من الناس بالكفر والخروج عن الدين ليس بالأمر اليسير ، فكيف ساغ لهذا الكاتب أن يتّهم غيره ممّن يخالفه في النظرة والفكرة بأنّه كافر الاّ يتّقي هذا الكاتب ربّه في ما يقول ؟
قال الكاتب : الاختلافات بوسعها وعريضها موجودة بين كافّة أهل الحق ..
ونقول : انّ اختلاف الرأي والنظر بين بني البشر من الأمور الطبيعية والسنن الكونيّة فإنّ لكلّ شخص ذوقاً ونظراً قد يتّفق مع


( 56 )

الآخرين وقد يخالفهم ، وهذا لا إشكال فيه فإذن لماذا لا يحترم هذا الكاتب غيره ويقدر لهم آراءهم ، ولماذا لا يحتمل في نفسه الخطأ وهل هو معصوم ليكون هو المقياس في الحكم على الناس بالكفر والخروج عن الدين ؟
وأمّا ما ذكر بعد ذلك من أنّ الاختلافات بين أهل المذاهب الأربعة اختلافات هامشيّة ، فنقول في جوابه : إنّ هذا الكاتب قليل الاطّلاع على مدى التباين والاختلاف بين هذه المذاهب بحيث أنّ أهل كلّ مذهب يكفّرون المذهب الآخر ، ونحيل الكاتب على قراءة كتاب الامام الصادق والمذاهب الأربعة ويقرأه ويرجع الى المصادر السنّية التي اعتمد عليها المؤلّف ليتأكد من صدق المؤلّف بأنّ الاختلاف بين المذاهب وصل الى حدّ من البشاعة والاشمئزاز ممّا تنفر منه الطباع السليمة ، إرجع الى هذا الكاتب واقرأه وأبد بعد ذلك رأيك .
الشيعة والتقيّة
قال الكاتب : ولكن ليس كذلك عند الشيعة ، بل الشيعة فرقة كاذبة ودينها يعتمد علىالعداوة والبغض على رسول الله صلى الله عليه وآله وهذه العداوة والبغض يصطلح عندهم بالتقيّة في اعتقادهم .. الخ .


( 57 )

ونقول : لقد أوضحنا في بداية هذا الكتاب بعض عقائد الشيعة بصورة اجماليّة ، ونلفت النظر الى أنّ الكاتب لا يعرف عن عقائد الشيعة شيئاً الاّ ما يسمعه من خصومها او يقرأ في كتب أعدائها، ولو كان منصفاً لما بادر الى التهجّم بلا مبرر وبدون برهان ليست الشيعة ـ ونقصد الشيعة الامامية الاثني عشرية ـ فرقة كاذبة ودينها يعتمد على العداوة والبغض لرسول الله ، بل الشيعة هي الفرقة التي آمنت بالله وبالرسول وصدقت بما جاء به وطبقت التعاليم الاسلامية وسارت على هدي القرآن والعترة امتثالاً لأوامر الله تعالى واستجابة لنداء الرسول صلى الله عليه وآله حيث قال : إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وليس في مذهب الشيعة تجويز الكذب فهم يعدّون الكذب من أكبر الكبائر وقد نص القرآن على ذمّ الكذب والكاذبين ، ورووا عن الرسول صلى الله عليه وآله وعن أئمتهم عليهم السلام روايات كثيرة في هذا المعنى مما لا يدع مجالاً لافتراء هذا الكاتب على الشيعة بأنها فرقة كاذبة ، ولو أنّه تناول ايّ كتاب من كتب الشيعة في هذا المجال لعلم ذلك ، ونحن نعتقد أنّه يعلم بذلك ولكن العصبية قد سيطرت عليه ودفعته الى التجني وعدم الانصاف وأما ما ذكره من أمر التقيّة ، فنقول في جوابه : ليست التقيّة من بدع الشيعة كما يحلو لهذا الكاتب أن يصفها بذلك ، وليست التقيّة فكرة مذهبيّة كما يرغب


( 58 )

أن ينعتها بذلك بل التقية مبدأ قرآني نصّ عليها في العديد من الآيات . وإذا كان الشيعة يطبقون التقيّة فلأنهم يلتزمون بتطبيق آيات القرآن وهل في هذا انحراف أو خروج عن جادّة الحقّ .
لقد أشار القرآن الكريم إلى التقيّة ومدح العاملين بها ، قال الله تعالى : ( الاّ من أكره وقلبه مطمئنّ بالايمان) 1 (الاّ أن تتّقوا منهم تقاة) 2 (وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه) 3 فهذه الآيات المباركة وغيرها تدل صراحة على جواز التقية .
ثمّ إنّ التقية يلجأ اليها في حالة دفع الضرر والخوف على الدين أو النفس أو العرض أو المال ، وهذا أمر فطري طبيعي عند كلّ انسان ، ولو أنّ هذا الكاتب واجهته بعض الظروف القاسية التي تهدد حياته أو ماله أو عرضه لما كان له مناص عن التقية فيما ألّفوه من الكتب الفقهيّة ، ولكن هذا الكاتب لا يكلف نفسه حتى بقراءة كتب مذهبه فضلاً عن كتب غيرهم . والمهم انّ التقيّة امر طبيعي لا يخالف الدين والعقل ، وليست هي نفاقاً ، كما
____________
1) سورة النحل ، الآية 106 .
2) سورة آل عمران ، الآية 28 .
3) سورة غافر ، الآية 28 .

( 59 )

يحاول خصوم الشيعة أن يثبتوا ذلك بل هي حالة علاجيّة والغرض منها دفع الضرر والخوف عن الدين والنفس والعرض والمال ، ولها شرائط ومقررات ذكرها علماء الشيعة في كتبهم الفقهية ، فليست التقية عندهم جائزة في كلّ وقت وزمان ومكان وحال ، بل إنّ من الحالات ما لا يجوز فيها التقيّة اصلاً ، وقد ذكر ذلك مفصلاً في كتب الفقه الشيعية ، وأما اقتران التقيّة بالشيعة فلأنّ الشيعة في تاريخهم الطويل كانوا يعانون من الويلات والأذى من خصومهم في محاولات لمحوهم من الوجود ، ولا أقل من اسكات أصواتهم عن قول الحق وقد قدّم الشيعة من الضحايا في سبيل مبدئهم ما سطره التاريخ واقرأ ما فعله معاوية بن أبي سفيان ومن جاء من بعده من الامويين والعبّاسيّين في الشيعة من القتل والسجن والتشريد لا لشيء الاّ لأنّهم شيعة أهل البيت عليهم السلام الأمر الذي دفع بالشيعة أن يعملوا بالتقيّة حفاظاً على دينهم وأنفسهم وأعراضهم .
وليس المقام مقام تفصيل والا لأسمعناك من ذلك عجباً 1
____________
1) راجع كتاب النصب والنواصب فقد استوعب في دراسته لهذا الموضوع ما عاناه الشيعة ـ من خصومهم ـ عبر تاريخهم المظلوم .
( 60 )

وقد كتب علماء الشيعة حول التقيّة بحوثاً موسعة ومختصرة فقهية وغير فقهية ، فارجع إليها إن شئت المزيد ونكتفي بهذا القدر من الكلام حول التقيّة مشيرين الى أن التقية ليست نبزاً ونقصاً بقدر ما هي مدحاً وفضيلة ، وإذا كان من طعن أو نقاش حول التقية فليوجّه نحو الاسباب التي دفعت بالشيعة الى الالتزام بالتقيّة . وسيأتي أيضاً بعض ما يرتبط بالتقيّة عند تعرض الكاتب لذلك .
الشيعة والصحابة
قال الكاتب : توجد في الفرق الشيعيّة اعتقادات متنوّعة باختلاف فرقها .
ونقول : قد أشرنا أكثر من مرّة الى أننا لا يعنينا أمر سائر الفرق ، وينبغي أن يكون حديث الكاتب محدّداً ولا يخلّط في اقواله ، فإنّ فرق الشيعة وإن كانت كثيرة ومتعددة وهي كالفرق السنية فهي أيضاً كثيرة ومتعدّدة ، والاختلاف فيما بينها كبير جداً الاّ أنّ كلامنا في الشيعة الامامية الاثني عشرية ولعل الكاتب متنبّه الى ذلك ، وإنما ذكر هذا تمهيداً لقوله الآتي حيث قال :
ولكنها مع ذلك تلتقي وتتفق على نقطة واحدة اساسية مشتركة لا تخرج عن صميمها جمعاء وهي السبّ والشتم والحملة


( 61 )

الشرسة بتوجيه أصابع الاتهام إلى كلّ من ابي بكر وعمر وعثمان ومعاوية والزبير وطلحة وأبي هريرة ، فضلاً عن السيّدة عائشة .
ونقول : انّ عقيدة الشيعة صريحة وواضحة وقد تكلّفت ببيانها كتبهم الكلاميّة ويستندون في ما يعتقدون إلى القرآن والروايات والعقل ولا يحيدون عن ذلك ، ومن أبرز معالم البحث عندهم استعراض الاحداث والوقائع ومحاكمتها على ضوء القرآن والروايات والعقل وتزن الامور والاشخاص بموازين دقيقة وتقيمها بحسب مالها وما عليها وليس من مبادئ الشيعة الاتّهام والافتراء كما يحبّ هذا الكاتب أن ينسب اليهم إن نظرة الشيعة الى الصحابة تنطلق من هذا الاساس فالصحابة بشر كسائر الناس منهم المؤمن قوي الايمان ، كسلمان وأبي ذر والمقداد وعمار ، ومنهم ضعيف الايمان ، ومنهم المنافق وقد تحدّث القرآن الكريم عن ذلك وأشار الى وجود المنافقين (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم) 1 بل نزلت في حقّهم سورة كاملة وقد نهى الله تعالى نبيّه عن الصلاة عليهم والاستغفار لهم وهذا أمر بين في آيات القرآن الكريم ، وبناء على هذه النظرة الصريحة فالشيعة لا تفترض في الصحابة العصمة من كلّ سهو وخطأ ، بل
____________
1) سورة براءة ، الآية 101 .
( 62 )

هم يخطّؤن كما يخطّئ الناس ويقع منهم الاشتباه كما يقع من غيرهم الاّ ما ثبت بالدليل انّه معصوم ، وذلك مختصّ بعترة النبي صلى الله عليه وآله الذين قرنهم بالقرآن في حديث الثقلين وأمر الامّة باتّباعهم وشبّههم النبي صلى الله عليه وآله بسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى 1 ، وينبغي لهذا الكاتب وامثاله ممن هو على شاكلته أن يتحلّى بالشجاعة والفطنة ليتقبل هذه الحقيقة ونؤكّد هذه الحقيقة بالاحالة على الوقوف على تاريخ الصحابة ليتبيّن انّ الاختلاف قد يقع بين الصحابة وقد يصل الى حدّ القتل والقتال وقد أشرنا فيما تقدم الى بعض ذلك ، وبناء على هذا يتّضح موقفنا ممّن ذكر من أسماء الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية والزبير وطلحة وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ، فإن التاريخ قد حفظ الينا كثيراً من قضاياهم واحوالهم ، وعلى ضوئها وتقييمها بالموازين العقلية والشرعيّة يكون الحكم.
ثم ليعلم هذا الكاتب انّه ليس بين الشيعة وبين الصحابة عداوة شخصية ، أو ثارات تدفع بالشيعة إلى توجيه أصابع الاتّهام اليهم كما يقول الكاتب إنّ ما تتميّز به الشيعة هو الشجاعة والصراحة في تقييم الامور والاشخاص ، وليس كما هو الحال
____________
1) مستدرك الحاكم : ج 3 ص 151 ، كتاب معرفة الصحابة.
( 63 )

عند غيرهم حيث افترضوا في الصحابة العصمة والاستقامة في كل الامور فبرّروا كلّ فعل صدر عنهم ونزهوهم عن كلّ خطأ والحال أن الواقع التاريخي يكذب هذا الافتراض .
واما ما ذكره الكاتب من السبّ والشتم والحملة الشرسة فهذا مما ينطبق عليه المثل المشهور « رمتني بدائها وانسلّت » 1 فلا ندري هل يعلم الكاتب أنّ اوّل من وضع السبّ والشتم هو معاوية بن أبي سفيان الذي جعل من سبّ امير المؤمنين علي عليه السلام سنّة يربو عليها الصغير ويهرم عليها الكبير واستمرّ شتم امير المؤمنين مدة طويلة على منابر المسلمين في مختلف بقاع الاسلام حتى أصبح حقيقة ثابتة وسنّة متّبعة ؟ لا ندري هل يعلم الكاتب ما قام به معاوية في اعقاب معركة صفين من الحملات الشرسة على الشيعة في مختلف المناطق قتلاً وتشريداً وهدماً للبيوت ؟ لا ندري هل يعلم الكاتب ما فعله معاوية بحجر بن 2 عدي
____________
1) مجمع الامثال ، لابي الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم الميداني: ج 2 ص 23 المثل 1521 ، دار الجيل ، بيروت ـ لبنان .
2) حجر بن عدي الكندي وهو الملقب بحجر الخير وكان من فضلاء الصحابة وكان على كندة بصفين سنة 51 وكان الحسن البصري يعظم قتل حجر واصحابه ـ راجع اسد الغابة : ج 1 ص 462 .

( 64 )

وأصحابه 1 عندما رفضوا ان يعلنوا السبّ والبراءة من الامام علي عليه السلام ؟ لا ندري هل يعلم هذا الكاتب من الذي دسّ السمّ الى الامام الحسن عليه السلام ومن الذي بعث الى مالك الاشتر من يقتله بالسمّ 2 ومن الذي أوعز بقتل محمّد 3 بن أبي بكر غير معاوية بن أبي سفيان ؟ لا ندري هل يعلم هذا الكاتب من الذي قتل الحسين بن علي عليه السلام وارسل جيشاً لاباحة المدينة وهدم الكعبة غير ولد معاوية يزيد ؟
لا ندري هل يعلم الكاتب بذلك أم لا ؟ فإن كان لا يعلم فليقرأ التاريخ ليقف على ما هو أشد وأدهى من الاحداث الدامية المتوالية التي قام بها معاوية وبنو امية.
____________
1) واصحابه وهم شريك بن شداد الحضرمي ، وصيفي بن فسيل الشيباني ، وقبيصة بن ضبيعة العبسي ، ومحرز بن شهاب المنقري وكدام بن حيان العنزي ، وعبد الرحمن بن حيان العنزي .
راجع الكامل لابن الاثير : ج 3 ص 478 قول الحسن البصري في معاوية وراجع تاريخ الطبري حوادث سنة 51 ج 4 س 270 .
2) راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي : ج 192 .
3) هو محمد بن ابي بكر بن أبي قحافة التيمي وكان امير المؤمنين عليه السلام يقول في حقه محمد ابني من صلب ابي بكر وقد عرف بولائه لامير المؤمنين وانقطاعه اليه .

( 65 )

وإن كان يعلم فكيف يريدنا أن نعتقد باستقامة معاوية وامثاله.
هذه هي المشكلة التي ينبغي ان يفكر فيها الكاتب ويوجد لها حلاً والا فسيبقى متخبّطاً لا يهتدي الى الحق والحقيقة وامّا الشيعة فلا مشكلة عندهم لانّهم قيّموا الاشخاص بموازين العقل والشرع بعد استعراض أعمالهم وأقوالهم وعرضها على المقاييس الصحيحة والحكم عليهم أو لهم بما يمليه الحق من دون لف أو دوران .
قال الكاتب : هذا ولا ينبغي ان يغيب عنك أن هؤلاء الصحابة العظام قد ورد ذكرهم في القرآن ... الخ .
ونقول : نحن الشيعة لا ننكر ان صحبة النبي صلى الله عليه وآله والتشرف بالحياة معه في زمان واحد وفي بلد واحد من اعظم الكرامات ولكن نسال هل هذا وحده يكفي ؟ أم أنه لابدّ من ضمّ شيء آخر وهو الايمان والاستقامة ، والاّ فليس هناك شيء أقرب الى الانسان من زوجته. وقد ضرب لنا القرآن مثلاً بامرأة نوح وامرأة لوط قال الله تعالى : (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من


( 66 )

الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الدّاخلين) 1 لا ننكر ان الصحبة مع النبي شرف عظيم ولكن ذلك بشروط لابدّ من توفّرها ، والاّ فقد كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله وفي بلد النبي صلى الله عليه وآله منافقون مردوا على النفاق. إذن لابدّ من الالتفات والتوجه الى هذا المعنى فإنّ الصحبة وحدها ليست كافية وما اشار اليه الكاتب من أنّ القرآن أثنى على الصحابة ومدحهم ، فهذا صحيح ولكن ليس على اطلاقه بمعنى أن كلّ صحابي كذلك بل ان ذلك خاص بمن سار على سيرة النبي صلى الله عليه وآله ولم يصدر منه ما خالف به الشرع أو انحرف به عن طريق النبي .
وقد أشار النبي صلى الله عليه وآله الى هذه الحقيقة بقوله صلى الله عليه وآله : « لقد كثرت عليّ الكذابة فمن كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار » 2 .
فالذي يكذّب على النبي صلى الله عليه وآله في زمانه هل يعدّ صحابياً ويؤخذ قوله وفعله حجّة ؟ وهل يعتبر اسلام هذا الشخص هو اسلام القرآن وهو اسلام الرسول صلى الله عليه وآله على حد تعبير الكاتب
____________
1) سورة التحريم ، الآية 10 .
2) اصول الكافي : ج 1 باب اختلاف الحديث ص 62 ، الحديث 1 .

( 67 )

والذي نزل القرآن شاهداً بفسقه 1 هل يعد من الصحابة الذين يجب احترامهم ومن يكون عدواً له فهو عدو للرسول نفسه كما يقول الكاتب .!! ؟
إن هذا الكاتب يخلط بين الغثّ والسمين ، ولا يفرق بين الحقّ والباطل ، وليس له مقياس واضح ويكتفي بالقشور دون اللباب.
قال الكاتب : إن الشيعة قد ضلّوا عن الصراط المستقيم ...
ونقول : هذه عودة الى النغمة التي اسمعنا ايّاها كثيراً حيث يختم كل جملة من كلامه بالتفنن في السباب والشتائم يوجهها الى الشيعة وليس هذا من أدب الحديث والمناظرة وإنما يلجأ إلى هذا الاسلوب لاهتزاز شخصيته واضطرابها وفشل ادعائه.
قال الكاتب : إن الركن الرصين والحجر الاساسي للنجاة ونيل المغفرة يوم القيامة هو اتباع الاسلام كما علمه الصحابة وهو
____________
1) إشارة الى قول تعالى : (يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) .
ونزولها في الوليد بن عقبة بن أبي معيط في قصة ذكرها المفسّرون والمؤرخون وقد استعرض ابن أبي الحديد جملة من أخبار الوليد بن عقبة وذكر سبب نزول الآية فراجع شرح نهج البلاغة : ج 17 ص 227 ـ 245 .

( 68 )

ما عليه الامة .
ونقول : إن الحجر الاساس للنجاة ونيل المغفرة يوم القيامة هو امتثال أوامر الله ونواهيه التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله تطبيقاً للآية الكريمة وهو قوله تعالى : (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) 1 من دون ان يكون لعلم الصحابة مدخلية فإن الصحابة قد اختلفوا بعد النبي صلى الله عليه وآله اختلافاً كثيراً في ما رووا وما نقلوا وقد صدرت من بعضهم مناقضات ، فكيف نتّبعهم جميعهم وفي ذلك الجمع بين النقيضين وهو محال ، والصحيح هو أن النبي صلى الله عليه وآله رسم لنا طريقاً وأمرنا باتّباعه ، وذلك الطريق هو السير على منهاج القرآن والعترة النبوية بمقتضى حديث الثقلين وغيره من الروايات وقد ذكرنا فيما تقدّم انّ النبي صلى الله عليه وآله قد جعل الامام علياً عليه السلام خليفة على المسلمين وامر المسلمين باتباعه والاهتداء بسيرته لانّه نفس النبي صلى الله عليه وآله بنصّ القرآن ، وهو باب مدينة علم النبي بنصّ الرسول ، وهو المرجع للمسلمين في قضاياهم واحكامهم بنص التاريخ وبعد الامام علي تأتي سلسلة الأئمّة عليهم السلام الذين نصبهم الرسول صلى الله عليه وآله ليكونوا خلفاء على الامّة ، وسيأتي ما يزيد هذا الأمر وضوحاً.
____________
1) سورة الحشر ، الآية 8 .
( 69 )

قال الكاتب : وتعتبر فرقة الشيعة أنّها هي التي دبّرت خطة قتل عثمان (رض) فعلى هذا الأساس للارهاب والفوضى احد الافاعيل والاعمال الرئيسية لهذه الفرقة.
ونقول : قد ذكرنا فيما تقدّم انّ الذي قتل الخليفة بعض الصحابة والتاريخ يشهد على ذلك ، ولو رجع هذا الكاتب الى الكتب التاريخية لوقف على هذه الحقيقة ولكان خيراً له من هذا التخبّط والخلط والاضطراب.
قال الكاتب : في حين أسّست وأنشئت على قاعدة الطعن في نزاهة الصحابة وهذا نجده كثيراً في كتبهم وينقل عن تعاليمهم التي تتركّز على الدسّ والتعرّض لشخصيّتهم.
ونقول : إن الذي طعن في الصحابة هم الصحابة أنفسهم لاختلافهم الكبير ، والا فبماذا يفسر حادثة السقيفة ؟ وبماذا يفسّر مقتل عثمان حيث صدر من بعض الصحابة والتابعين كما بينا ذلك فيما تقدم ؟ وبماذا يفسّر واقعة الجمل وواقعة صفين وواقعة النهروان وقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي وميثم التمار ؟ أليس كل هذا الاحداث وقعت بين الصحابة أنفسهم ؟ أليس طلحة والزبير وعائشة من الصحابة ؟ فكيف حاربوا امير المؤمنين عليه السلام فمن المحق منهم ؟ هل يمكن القول ان الجميع على


( 70 )

الحق ؟ إذاً كيف تقاتلوا وسفكت الدماء ، وقس على هذا سائر القضايا والأحداث ، ومن هنا قلنا إن الذي طعن في نزاهة الصحابة هم الصحابة أنفهسم وأما الشيعة فقد وجدوا هذه القضايا مبثوثة في كتب التاريخ السنّية كالطبري 1 وابن الأثير 2 وغيرها، وحينما رأوا في كتب التاريخ استنتجوا منها نتائج مهمة ، وخلاصتها أنّ الصحابة كسائر البشر منهم المصيب ومنهم المخطئ ، وليس الامر كما يقوله هذا الكاتب من أنّهم كلّهم على الحق لأن الواقع التاريخي يكذّب هذه المقولة.
قال الكاتب : كان يتجلّى عندهم بوضوح انه لا يمكنهم الظهور على مسرح الحياة مع وجود تلك القيادة الصحابية العظيمة في تلك الفترة لذا أخذوا في ابتداء تنشأة تعاليم وبيانات مضادة ومناقضة لهم عن طريق القوة والخداع ... الخ .
ونقول : قد ذكرنا أنّ التشيّع كان قد نشأ في زمان النبي صلى الله عليه وآله وأنّه صلى الله عليه وآله أوّل غارس لبذرته وكان عدة من اصحابه معروفين بالتشيّع 3 كسلمان وابي ذر والمقداد وعمار وغيرهم كثير ؛ لأن
____________
1) راجع تاريخ الطبري : ج 4 ص 207 .
2) الكامل في التاريخ لابن الاثير : ج 3 ص 487 .
3) الشيعة بين الحقائق والأوهام للسيد محسن الأمين : ص 41 .

( 71 )

التشيع كما ذكرنا هو الإتّباع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهذا أمر متّفق عليه بين المسلمين ، وقد نقله الرواة وأودعوه في كتبهم وذكرنا فيما تقدم بعض النصوص والشواهد على ذلك فما ذكره الكاتب من تنشأة تعاليم وبيانات مضاده ما هو الاّ نوع من الدجل والافتراء ولا أساس له من الصحّة على الاطلاق.
قال الكاتب : فأسسّوا (يعني الشيعة) قواعد دينهم على أساس من افضاح صحابة الرسول الكرام الذين اكثر حبّهم الرسول ولم تكن خلافتهم وقيادتهم من عند انفسهم ، أو لأجل اكتساب محبّة الناس ، وانما هذه الخلافة والقيادة من الله تعالى ، فلولا وجود الصحابة ما كان للاسلام ثبوت على الاطلاق وما بقى القرآن حاكماً وقائماً.
ونقول : إن هذا الكاتب يخالف مبادئه والاسس التي بنى عليها مذهبه ولا يدري ماذا يقول ، وذلك لأن المذاهب السنّية اتّفقت كلمتها على ان النبي لم يعين خليفة من بعده ، وإنّما الامر شورى بين المسلمين ، وقد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة واختاروا أبابكر خليفة على المسلمين هكذا تقول كتب السنة .
واما الشيعة فقد ذهبوا الى انّ النبي نصب خليفة من بعده وعيّنه من بينهم ، وهو علي بن ابي طالب ، واثبتوا ذلك بالادلة


( 72 )

العقليّة والنقليّة ، فكيف لهذا الكاتب ان يقول ولم تكن خلافتهم وقيادتهم من عند انفسهم. هذا مضافاً الى ان علماء السنة ذهبوا إلى أنّ الخلافة والامامة ليست واجبة عقلاً بينما الشيعة يقولون بوجوبها عقلاً وانّ الامامة لا يمكن ان تكون من جعل البشر وإنما هي تعيين من الله على يد النبي صلى الله عليه وآله وإذا كان الامر كذلك فكيف لهذا الكاتب ان يقول وإنما هذه الخلافة والقيادة من الله تعالى فهو يقول بمذهب الشيعة من حيث لا يشعر ويتناقض في اقواله.
واما ما ذكره بالنسبة الى الصحابة وانّه لولا وجودهم ما كان للاسلام ثبوت على الاطلاق ، فهذا ايضاً تخليط من هذا الكاتب وقد أجبنا عن ذلك فيما تقدّم ، فإن المقياس ليس هو الصحبة بل المقياس الصحيح هو الالتزام بتعاليم القرآن الكريم وامتثال اوامر النبي صلى الله عليه وآله ونواهيه (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) 1 .
قال الكاتب : ليس هناك فرقة من فرق الاسلام على الاطلاق تعرف الافتراء على النبي صلى الله عليه وآله ونسبة ما ليس منه اليه كهذه ... الخ .
ونقول : لا زال هذا الكاتب بين حين وآخر يظهر لنا تناقضاته
____________
1) سورة الحشر ، الآية 7 .
( 73 )

ففي هذه الفقرة يعترف انّ الشيعة من الفرق الاسلامية ، وقد تقدّم انّها ليست اسلامية كما جاء في كلامه وان الشيعة كفار ، فهذا الكاتب لا يعي ما يقول ولا يلتفت الى معاني كلامه ، ثمّ إنّ ما ذكر من انّ الشيعة تدخل في الاحاديث وتفتري ، فهذا كذب صريح على الشيعة ، وليس هناك احد من المسلمين من اعتنى بصيانة الحديث والدفاع عنه كما فعل الشيعة في تاريخهم حيث الّفوا الكتب الرجالية التي تتناول حياة الرواة والبحث عن احوالهم ومدى ما يمكن الاعتماد على أقوالهم في نقل الاحاديث ولم يقبلوا الحديث المروي الاّ بعد عرضه على القرآن الكريم ، وكون راوية ثقة معروفاً بالامانة في النقل على تفاصيل مذكورة في محلها ، فليس الامر كما ادّعاه هذا الكاتب.
قال الكاتب : إنّ الاسلام المتّبع عند الامة الاسلامية على مدار 1400 سنة الماضية نزل بواسطة الوحي ولم يأت هذا الاسلام كفكرة بشرية خالصة حسب رغبتهم ، ولكن ليس عند الشيعة ركن وأساس في القرآن أو السنة ، بل الركن قائم عندهم ومبني على الفكر البشري البحت لنيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وقتلهم ...
ونقول : انّ الشيعة تعتمد على القرآن وما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله


( 74 )

واهل بيته ويستندون في عقائدهم وأحكامهم على هذه المصادر وليس الامر كما ذكر هذا الكاتب افتراء عليهم وزوراً وبهتاناً . إن الشيعة يتعبّدون في جميع امورهم بما جاء عن الشرع ولا يجوزون العمل بالرأي والقياس والاستحسانات التي يعتمد عليها غيرهم من بعض المذاهب السنية ولهم في ذلك ادلّتهم العقليّة والنقليّة المبثوثة في كتبهم ، ولكن هذا الكاتب لا يتقي الله في اتّهام غيره بما هو متلبّس به وبما يعتقده من حيث يشعر ، او لا يشعر وليته طالع كتب الشيعة العقائديّة والفقهيّة لوجد هذه الحقيقة ثابتة ، ولكنه لا يفعل ذلك وإن فعل فإنّما هو بلا رويّة وتدبّر ومن غير انصاف ، بل من اجل التحوير والتزوير والاتهام.
قال الكاتب : انّ ما عليه الشيعة هو تحريف القرآن والسنة من خلال التفاسير الكاذبة التي توافق مبانيهم تمام الانسجام .
ونقول : هل وجد هذا الكاتب قرآناً عند الشيعة يخالف نسخ القرآن الموجودة عند السنّة ، ليتوجّه هذا الكاتب الى اقرب مسجد للشيعة وليرى نسخ القرآن فيه ويتصفحها ليجد هل فيها اختلاف بينها وبين نسخ القرآن الموجودة عند السنة .
ووالله لو فعل ذلك لما وجد الاّ نفس النسخ بل ونفس الطبعات ، وانّ القرآن عند الشيعة هو نفس القرآن عند السنّة ،


( 75 )

فلماذا هذا الكذب والافتراء ؟ ولماذا هذا التجني على الشيعة بلا سبب ؟ هل كان ذلك لاختلافهم في الرأي في بعض النظريات مع السنة ؟ فليس هذا الاختلاف دافعاً لهذا الافتراء وقول الباطل كما يفعله هذا الكاتب التي ينفث حقده وعداوته بلا سبب ، ونحن نتحدّى هذا الكاتب ان يأتي بنسخة من القرآن محرّفة عند الشيعة وهو لن يجد من ذلك شيئاً ؛ لان القرآن المتداول عند الشيعة ونقرأه صباحاً ومساء هو نفس القرآن الموجود عند السنّة ولا اختلاف بين نسخ القرآن الموجودة بين كافّة المسلمين.
وسيأتي الكلام عن هذا الموضوع بالذات في الصفحات والبحوث القادمة .
الشيعة وعصمة الائمة ومقاماتهم عليهم السلام
قال الكاتب : على سبيل المثال يدعون انّ الامام علياً ومن يتّخذونهم ائمّة دينهم لا ذنب لهم وما كانوا مخطئين كالانبياء.
ونقول : ان هذا الكاتب لا يملك أسباب البحث ومناهجه فهو يخلّط في كلامه بين ما يتناسب مع موضوع البحث وما لا يتناسب معه ، فهذا المثال الذي يأتي به لا يتناسب مع كلامه حول