وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم 1 .
ونقل السيوطي القضية بتفاصيلها ومما جاء فيها : فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبيّ ، فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه على اهل بيتي ، فوالله ما علمت على اهلي الاّ خيراً ، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه الاّ خيراً ، وما كان يعرض على اهلي الاّ معي ، فقام سعد بن معاذ الانصاري فقال : يا رسول الله انا اعذرك منه ، ان كان من الاوس ضربت عنقه ، وان كان من اخواننا من الخزرج امرتنا ففعلنا امرك ، فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ، ولكن احتملته الحميّة فقال لسعد : كذبت لعمر الله ، ما تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام اسيد بن حضير وهو ابن عم سعد ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيّان الاوس والخزرج حتى همّوا ان يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يخفضهم حتى سكتوا وسكت 2 .
____________
1) تفسير البحر المحيط : ج 6 ص 436 وذكرهم في تفسير زاد المسير ـ عدا زيد بن رفاعة ـ عن مقاتل ، راجع ج 6 ص 18.
2) الدر المنثور : ج 6 ص 142 ، الطبعة الاولى 1403 هـ ـ 1983 م ، دار الفكر.

( 152 )

وغرضنا من ايراد هذه القضيّة هو بيان حال الصحابة في حضور النبي صلى الله عليه وآله ، وما كان يجري بينهم على مسمع ومرأى منه كما رواها اعلام السنة في كتبهم ، وليس الغرض تصحيح القضية فإنّ فيها بحثاً سيأتي .
3 ـ ومن الوقائع في زمان النبي صلى الله عليه وآله القضية المشهورة والمعروفة برزيّة يوم الخميس او حديث الدواة والكتف. وقد رواها المحدّثون واودعوها صحاحهم بطرقهم المتعددة كصحيح البخاري 1 وصحيح مسلم 2 ومسند احمد 3 وذكرها المؤرخون كالطبري 4 وابن ابي الحديد 5 والشهرستاني 6 وغيرهم 7 .
روي البخاري بسنده الى عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس
____________
1) صحيح البخار : ج 7 ص 156 ـ كتاب المرضى ـ دار إحياء التراث العربي.
2) صحيح مسلم : ج 3 ص 1257 الحديث 1637 الطبعة الثانية 1398 هـ ـ 1978 دار الفكر.
3) مسند الإمام احمد : ج 1 ص 332 ، دار الفكر.
4) تاريخ الامم والملوك ( تاريخ الطبري ) ج 3 احداث سنة 11 ص 193 ، دار سويدان بيروت.
5) شرح نهج البلاغة : ج 6 ص 51 ، دار احياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.
6) الملل والنحل : ج 1 ص 29 ، الطبعة الثانية.
7) طبقات ابن سعد : ج 2 ص 242 ، دار صادر ـ بيروت ـ لبنان.

( 153 )

قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلى الله عليه وآله : هلمّ اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده.
فقال عمر : انّ النبي قد تغلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف اهل البيت ، فاختصموا منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا اكثروا اللّغوا والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قوموا ، قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : انّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم 1 .
وهناك حوادث جمة وفي ما ذكرنا كفاية.
في زمان ابي بكر
واوّل حوادث الخلاف والاختلاف في زمانه حادثة اجتماع السّقيفة ، وما جرى فيه من الشقاق والنّزاع بين الصحابة على الخلافة ( والجرح لمّا يندمل والرسول لما يقبر ) وكانت هذه الحادثة قاصمة الظهر التي تمخّض عنها الجرح الذي لا يندمل والكسر الذي لا ينجبر.
____________
1) صحيح البخاري : ج 7 ص 156 ـ كتاب المرضى ـ دار احياء التراث العربي.
( 154 )

ولو قلدوا الموصى اليه زمامها * لزمّت بمأمون عـن العثـرات
وكلّما تقادم العهد ازدادت رقعة الخلاف بين المسلمين واتسعت ، واصبحوا شيعاً واحزاباً كلّ حزب بما لديهم فرحون.
وخلاصة هذه الحادثة انّ الانصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وخطب فيهم سعد بن عبادة واتفقوا على توليته ، فبلغ الخبر الى ابي بكر ففزع اشدّ الفزع وقام معه عمر ، ولقيهما ابو عبيدة بن الجرّاح ، فانطلقوا حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة وفيها رجال من الاشراف ، وخطب فيهم ابو بكر ، وحمل الحسد بعض الخزرجيّين لمّا رأى ما اتفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة ، فسعى في نقض الامر على سعد ، واوشك القتال ان يقع بينهم حتى بادر بعضهم الى السيف ، وكادوا يطأون سعداً ، فقال سعد : قتلتموني ، فقيل : اقتلوه ، قتله الله ، وانفضّ الاجتماع بمبايعة ابي بكر ، واعتزل سعد القوم ، فكان لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يحضر جماعتهم ، ولا يفيض بإفاضتهم ، ولو كان يجد عليهم اعوانا لصال بهم ، ولم يزل كذلك حتى قتل بالشام.
وقد رواها الطبري في تاريخه 1 وذكر ابن قتيبة تفاصيلها في
____________
1) تاريخ الامم والملوك ( تاريخ الطبري ) ج 3 ص 203 ـ 211 دار سويدان ـ بيروت لبنان.
( 155 )

كتابه الامامة والسياسة 1 .
هذا وقد تخلّف بنو هاشم وآخرون عن البيعة ، منهم سلمان الفارسي ، وابو ذر ، والمقداد ، وعمار ، والزبير ، وخزيمة بن ثابت ، وابي بن كعب ، وخالد بن سعد بن العاص ، وغيرهم من المهاجرين والانصار.
يقول الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود : لو انصف الناس حق الإنصاف لأرجأوا البيعة حتى يتم لهم مواراة جثمان الرسول كان هذا ادنى الى الصواب ، ان لم يكن هو الصواب ان يتريّث القوم من المهاجرين والانصار لا يتنازعون سلطان محمد بينهم ، ومحمد ما زال مسجّى على فراشه لم يغيّبه عن عيونهم مثواه 2 .
ويقول الاستاذ عبد الكريم الخطيب : ومع هذا فقد كان يوم السّقيفة فلتة من فلتات الايام ، كما قال بذلك كثير ممن شهده ، او علم بما جرى فيه من كبار الصحابة والتابعين ، امّا بعد ابي بكر وقد بعد العهد شيئاً بزمن النبوّة وتدافعت في صدور الناس
____________
1) الإمامة والسياسة : ج 1 ص 4 ـ 13 الطبعة الاخيرة 1388 هـ ـ 1969 م مطبعة البابي الحلبي ـ مصر.
2) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد الرحمن البكري : ص 78 عن كتاب الامام علي بن ابي طالب لعبد الفتاح عبد المقصود : ج 1 ص 207.

( 156 )

نزعات من العصبيات الجاهلية.
فإنّ الخلاف في شأن الخلافة لن يأخذ صورة يوم السّقيفة ، ولن يقف عند حدود هذا اليوم ، بل سيكون خلافاً عاصفاً متسع الجوانب ، مختلف الوجوه ، ان سلّم بها الانصار للمهاجرين فبحسب الخلاف شناعة وسوء عاقبة ان يقع بين المهاجرين انفسهم ، وان يتنازعوا « الخلافة » فيما بينهم ، بيتاً بيتاً ، وبطناً بطناً ، وقبيلة قبيلة ، إنّهم لن يلتقوا ابداً الاّ في ساحة الحرب وميدان القتال 1 .
واعقب ذلك حدث آخر ـ يضاف الى حوادث الاختلاف ـ وهو ما جرى بين القوم وبين بني هاشم ، وخصوصاً الصدّيقة الزهراء عليها السلام.
يقول ابن قتيبة في كتابه الامامة والسياسة : فجاء (عمر) فناداهم وهم في دار عليّ ، فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطب ، وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ او لأحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا ابا حفص انّ فيها فاطمة ؟! فقال : وإن 2 .
____________
1) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد الرحمن البكري : ص 84 عن كتاب عمر بن الخطاب لعبد الكريم الخطيب : ص 72.
2) الامامة والسياسة : ج 1 ص 12 الطعبة الاخيرة 1388 هـ ـ 1969 م مطبعة البابي الحلبي بمصر.

( 157 )

وتلا ذلك حوادث اخرى كقضية فدك والميراث وغيرهما ممّا دفع سيّدة النساء الزهراء عليها السلام الى الوقوف في مسجد ابيها ـ بعد ان ضرب بينها وبين القوم ملاءة ـ لتعلن ضلامتها امام المسلمين. وكان ما كان مما حفظه التاريخ الى ان ماتت بضعة النبي صلى الله عليه وآله وهي ساخطة 1 .
ومن الحوادث التي رصدها التاريخ في زمان ابي بكر حادثة يوم البطاح وكان بطله خالد بن الوليد ، إذ قتل مالك بن نويرة التميمي ، ونكح زوجته ـ وكانت من اجمل النساء ـ ورجع الى المدينة رجوع الفاتحين ، وقد غرز في عمامته اسهماً ، فقام اليه عمر فنزعها وحطّمها ، وقال له : قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته ، والله لأرجمنّك بأحجارك ، ثم قال لأبي بكر : إنّ خالداً قد زنى فارجمه ، قال : ما كنت لأرجمه فإنّه تأوّل فأخطأ.
قال : إنّه قتل مسلماً فاقتله به ، قال : ما كنت لأقتله به إنّه تاوّل فأخطأ ، فلما اكثر عليه قال : ما كنت لأشيم سيفاً سلّه الله تعالى ، وودى مالكاً من بيت المال وفكّ الاسرى والسبايا.
وهذا الحدث مما اطبق على روايته المؤرخون ، فقد ذكره
____________
1) نفس المصدر : ص 14.
( 158 )

الطبري 1 في تاريخه ، وابن الاثير 2 في كامله ، والاندلسي 3 في عقده الفريد وغيرهم.
في زمان عمر
وحوادث الاختلاف بين الصّحابة في زمان عمر كثيرة ونكتفي بذكر حادثتين.
الاولى : ذكر المؤرخون في حوادث سنة احدى وعشرين : انّ عمر بعث ابا هريرة والياً على البحرين ، وبقى فيها سنتين ثم عزله ، وولّى عثمان بن العاص الثقفي ، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال الله . قال ابن عبد البر في العقد الفريد : ثم دعا ابا هريرة فقال له علمت انّي استعملتك على البحرين وانت بلا نعلين ، ثم بلغني انّك ابتعت افراساً بألف دينار وستمائة دينار ؟ قال : كانت لنا افراس
____________
1) تاريخ الامم والملوك ( تاريخ الطبري ) ج 3 ص 276 ـ 280 دار سويدان ـ بيروت لبنان .
2) الكامل في التاريخ : ج 2 ص 357 ـ 360 دار صادر ـ دار بيروت .
3) العقد الفريد : ج 4 ص 258 ـ 263 الطبعة الثانية ، دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان .

( 159 )

تناتجت وعطايا تلاحقت ، قال : حسبت لك رزقك ومؤنتك ، وهذا فضل فأدّه قال : ليس لك ذلك ، قال : بلى والله ، واوجع ظهرك ، ثم قام اليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثم قال ائت بها ، قال : احتسبها عند الله ، قال : ذلك لو اخذتها من حلال وادّيتها طائعاً ، اجئت من اقصى حجر البحرين يجبي الناس لك ، لا لله ولا للمسلمين ما رجّعت بك اميمة الاّ لرعية الحمر واميمة امّ ابي هريرة 1 .
الثانية : اخرج الحاكم في مستدركه : انّ رجلاً من المهاجرين الاوّلين جيء به وقد شرب الخمر ، فأمر به عمر ان يجلد ، فقال : لم تجلدني ؟ بيني وبينك كتاب الله عزّوجلّ ، فقال عمر : في ايّ كتاب الله انّي لا اجلدك ؟ فقال : إنّ الله تعالى يقول في كتابه : (ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية ، فأنا من الذين آمنوا وعلموا الصالحات ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا واحسنوا ، شهدت مع رسول الله بدراً ، والحديبية ، والخندق ، والمشاهد ، فقال عمر : الا تردّون عليه ما يقول ؟ فقال ابن عباس : إنّ هذه الآيات نزلت عذراً للماضين وحجة على الباقين ، لأنّ الله عزّوجلّ يقول : (يا ايها الذين آمنوا إنّما الخمر
____________
1) نفس المصدر : ج 1 ص 45 ـ و 46.
( 160 )

والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان ...) ثم قرأ حتى انفذ الآية الاخرى ومن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا واحسنوا فإنّ الله عزّوجلّ قد نهى عن ان يشرب الخمر ، فقال عمر : صدقت ، فماذا ترون ؟ فقال علي : نرى انّه إذا شرب سكر ، واذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون جلدة ، فأمر عمر (رض) فجلد ثمانين.
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه 1.
في زمان عثمان
وامّا اختلاف الصحابة في زمان عثمان فبلغ الى حدّ ادّى الى قتله بينهم ، واشترك بعضهم في التأليب عليه ـ كما مر ـ وتحريك الناس ضدّه ، قال ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة : إنّ عائشة كانت من اشدّ الناس على عثمان ، حتى انّها اخرجت ثوباً من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للدّاخلين اليها : هذا ثوب رسول الله لم يبل ، وعثمان قد ابلى سنته.
____________
1) مستدرك الحاكم على الصحيحين : ج 4 كتاب الحدود : ص 376 ، دار الفكر بيروت.
( 161 )

قالوا : إنّ اوّل من سمّى عثمان نعثلاً عائشة ، والنّعثل : الكثير شعر اللحية والجسد ، وكانت تقول : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً ورووا ان الزبير كان يقول : اقتلوه فقد بدّل دينكم ، وكان طلحة والزبير من اشدّ المحرّضين عليه ، واشدّهما كان طلحة.
وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من اثبات السير قالوا : لما قتل عثمان كانت عائشة بمكّة ، وحين بلغها قتله لم تكن تشكّ في انّ طلحة هو صاحب الامر.
فقالت : بعداً لنعثل وسحقاً ، ايه ذا الاصبع! ايه ابا شبل! ايه يا ابن عم! لكأنّي انظر الى اصبعه وهو يبايع ، قال : وكان طلحة حين قتل عثمان اخذ مفاتيح بيت المال ، واخذ نجائب كانت لعثمان في داره ، ثم فسد امره فدفعها الى علي بن ابي طالب 1 .
ولسنا بحاجة بعد هذا الى ذكر حوادث اخرى وحسبنا ان نشير الى انّ في عهده نفي ابوذر الى الربذة 2 وضرب عمار 3 وكسرت اضلاع ابن مسعود 4 وحوادث اخرى غيرها.
____________
1) شرح نهج البلاغة : ج 6 ص 215 و ج 9 ص 35 و 36 ، دار احياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.
2) نفس المصدر : ج 3 ص 52.
3) نفس المصدر : ج 3 ص 47 .
4) نفس المصدر : ج 3 ص 40.

( 162 )

في زمان الامام علي عليه السلام
وقد اتّسع الخرق على الراقع فأدّى الخلاف والاختلاف الى المواجهة والقتال ، وشهروا السيوف في وجوه بعضهم بعضاً ، وسفكت فيها الدماء . فكانت الحروب الثلاث الضارية ، وهي النتيجة الطبيعية للإختلاف فيما بينهم وكان ذلك من اعلام النبوة فقد امر رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن ابي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين 1 .
فكان كما اخبر صلى الله عليه وآله ، فقد قادت عائشة جيشاً جرّاراً لحرب علي ، وكان معها طلحة والزبير ، فكانت حرب الجمل ، وإنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّ عائشة كانت تركب جملاً وهي تقود أبناءها
وقاد معاوية جيشاً آخر ، فكانت حرب صّفين .
وخدع بعض من كان مع علي (عليه السلام) ، فكانت حرب النّهروان.
ولا تسأل عمّا حدث بعد ذلك وإلى ماذا آلت اليه الامور فكم حرمة هتكت وكم دماء سفكت.
ونكتفي بعرض هذه الصّور والنّماذج القليلة من تاريخ الصّحابة في النّصف الاوّل من القرن الاوّل ، وإنّما عرضناها
____________
1) المستدرك على الصحيحين : ج 3 ـ كتاب معرفة الصحابة ـ ص 139 ، دار الفكر ـ بيروت.
( 163 )

للدلالة على انّ الصحابة إن هم الاّ بشر كسائر الناس قد يصدر عنهم الخطأ والذنب والإختلاف.
ونقول : إذا كان هذا حال الصحابة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وما بعده فياترى ما هو الموقف الصحيح حيال ذلك ؟ هل نغالط انفسنا ونلغي افهامنا ونصحّح كلّ فعل صدر عن بعض الصحابة ، وإن كان خلاف الشّرع والعقل ؟ او نتغافل عمّا جرى في التاريخ ونوصد الباب لئلا تخدش كرامة بعض من كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله ؟
او ان الاستفادة من التاريخ تقتضي النّظر الى الاحداث وصانعيها بعين البصيرة والانصاف وتقييمها على ضوء المعايير الشرعيّة والعقليّة وإن استلزم ذلك اسقاط البعض عن الاعتبار ؟
امّا نحن الشّيعة الإماميّة ـ بحمد الله ـ حيث اعتصمنا بحبل الله ، وركبنا سفينة النجاة ، ودخلنا باب حطة ، فالأمر جليّ عندنا لا ريب فيه ولا ارتياب.
روى المتقي الهندي في كنز العمال انّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : سيكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن ابي طالب ، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل 1 .
على انّ القرآن الكريم صرّح بما سيقع بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله
____________
1) كنز العمال : ج 11 ص 612 ، الحديث 32964 الطبعة الخامسة 1403 هـ ـ 1983 م مؤسسة الرسالة.
( 164 )

من الانقلاب على الاعقاب (أفائن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) 1 والآية الكريمة تضمّنت خطاباً للصحابة لا لغيرهم ، فهل يمكن الاعراض عن القرآن وآياته الصريحة ونقول إنّهم جميعاً كانوا فوق مستوى الشبهة ان العقل والعدل والانصاف والنظر الصحيح كلها تدعوا الى القول بأنّ الصحابة مثلهم مثل سائر الناس في ايّ عصر او ايّ زمان نعم هم قد نالوا شرف لقاء النبي صلى الله عليه وآله وحظوا برؤيته وخدمته ، ولكن هذا لا يعني تعديلهم وتنزيههم عن الاخطاء والوقوع في الشبهات.
واما ما ذكره هذا الكاتب عن حجّة الوداع فالشيعة تعتقد ـ كما هو الواقع التاريخي ـ انّ النبي صلى الله عليه وآله بعد منصرف من حجة الوداع نزل عليه الوحي في مكان بين مكّة والمدينة يقال له غدير خم وأمره عن الله تعالى ان يجعل علياً خليفة على المسلمين من بعده ، وامتثل النبي صلى الله عليه وآله امر ربّه وقد بويع امير المؤمنين علي عليه السلام بذلك وفي مقدمة من سلّم على علي عليه السلام بالإمرة عمر بن الخطّاب والرواية في ذلك بلغت حد التواتر ورواتها السنّة اكثر من الشيعة 2 وقد ذكرت في كتبهم مفصّلة ولو ان هذا الكاتب قرأ
____________
1) سورة آل عمران ، الآية 144.
2) راجع كتاب الغدير في الكتاب والسنة للشيخ عبد الحسين الاميني : ج 1 ص 272 تحت عنوان حديث تهنئة عمر بن الخطاب لأمير المؤمنين.

( 165 )

بعض الكتب التاريخية او الروايات التي تناولت هذه القضية لا نكشف له الواقع وقد بحث احد علماء الشيعة هذه المسألة وألّف كتاباً ضخماً طبع منه احد عشر مجلداً تناول فيه واقعة الغدير ـ سمّاه الغدير في الكتاب والسنة والادب ـ واعتمد في اثباتها واثبات خلافة امير المؤمنين عليه السلام بعد النبي مباشرة على كتب السنّة ، فليطالع هذا الكاتب ذلك الكتاب ويرى الحقائق جلّية واضحة ليعلم ان الشيعة تملك اقوى الحجج والبراهين في كلّ ما تدّعيه وتستطيع اثباته من كتب السنّة انفسهم.
واما ما ذكره الكاتب عن ارتداد جل الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله الاّ اربعة نفر منهم فقط ، فجوابه ظهر ممّا ذكرنا ونريد ان نسأل هذا الكاتب وامثاله ان يفسّر لنا قوله تعالى : (افائن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم) 1 فما معنى الانقلاب على الاعقاب ؟ ولمن كان هذا الخطاب ؟ ثم ما معنى عدم امتثال امر النبي صلى الله عليه وآله في خلافة علي عليه السلام ؟ وما معنى الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله وتهديد من كان فيه بإضرام النار عليهم وقد كان في البيت آنذاك علي والزهراء والحسنان ، وهذا بعض ما كان من الصحابة الذين جعلهم هذا الكاتب فوق العدالة والاستقامة .
____________
1) سورة آل عمران ، الآية 114.
( 166 )

تكرار واعادة
قال الكاتب : انّهم يعتقدون كما ذكرنا سابقاً بتحريف القرآن بينما لديهم نفاق متعمّد يصطلحون عليه بالتّقيّة وعلى انها ايّ التقية احد الاركان المهمّة والطريق الاساسي للتقرّب الى الله تعالى .
ونقول : هكذا يفعل الافلاس العلمي والاخلاقي بالحاقدين ، فهذا الكاتب يجترّ ويعيد ويكرر ما قاله مراراً ليدلّل على ضحالة فكره وسوء نواياه وما انطوت عليه نفسه العدائيّة لتضليل الناس وتشويه الحقائق ، ونحن نعتقد انّ هذا الكاتب يرمي عن غير قوسه ويتحدّث بغير لسانه ، وإنّما يملى عليه إملاء وقد اجبنا عن دعوى تحريف القرآن وانّ السنّة هم القائلون بذلك واجبنا عن مسألة التقيّة وهو بقوله إنّها نفاق متعمّد يرد على القرآن صراحة لثبوت التقيّة في القرآن في قضيّة عمار بن ياسر وغيرها.
وامّا قوله إنّ التقية احد الاركان المهمّة والطريق الاساسي للتقرب الى الله تعالى فهو محض افتراء وزور وبهتان ، وإنّما التقيّة هي حالة علاجية مؤقتة يدفع بها الخطر عن النفس والعرض والمال مع اطمئنان القلب بالايمان ، وليست هي ركناً من اركان الدين كما


( 167 )

ذكر هذا الكاتب وقد قلنا ان هذا الكاتب لا يعي ما يقول.
قال الكاتب : إنّهم يعتقدون بأنّ سيدنا علي رضي الله عنه واولاده اختيروا وعيّنوا من قبل الله تعالى بينما كانوا كثيري العبادة حتى من الانبياء ومن المؤسف حقّاً ان الشيعة ذووا الافكار الدنيئة يخدعون انفسهم بكونهم من احبّاء اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
ونقول : انّ الشيعة تعتقد ـ وبشهادة علماء السنة ـ انّ النبي صلى الله عليه وآله جعل علياً واولاده ـ وهم الائمة الاثنا عشر ـ ائمّة على الامة من بعده ، وان النبي صلى الله عليه وآله انما فعل ذلك بأمر الله (إن هو الاّ وحي يوحى) 1 وإن شئت ايّها الكاتب ان تقف على اقوال علماء السنة ورواياتهم في ذلك فارجع الى كتاب ينابيع المودّة وهو من علماء السنة فقد ذكر في كتابه الروايات الدالة على ان الائمة اثنا عشر كلّهم من قريش 2 ، بل ليرجع الى ايّ كتاب من الكتب المعتمدة عند السنّة التي تتناول مسألة الولاية والامامة بعد النبي ، فإذا قام الدليل على ذلك فأيّ ضرر فيه على الشيعة ، وهل على المسلمين الاّ الإتباع وان يسلموا الامر لله وللرسول . هذا كلّه بغضّ النظر عن الادلة الخاصة التي اقامها الشيعة من العقل والنقل
____________
1) سورة النجم ، الآية 4.
2) ينابيع المودة : ج 3 ص 160 ، ط / بيروت.

( 168 )

على إمامة الائمة الاثني عشر عليهم السلام وقد ذكرنا في مطلع الحديث شيئاً ممّا يتعلق بهذا الموضوع .
وامّا قوله انّهم اكثر عبادة من الانبياء فما هو الاشكال في ذلك اليس علماء السنة يروون عن النبي انه قال : علماء امّتي افضل من انبياء بني اسرائيل , فإذا كان العالم العادي هو أفضل من أنبياء بني إسرائيل فكيف بآل بيت النبوة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وكانوا ملاذاً للناس في العلم والعمل . وقد تقدّم الكلام منّا مفصلاً حول هذا الموضوع .
وامّا قوله إنّ الشيعة ذووا الافكار الدنيئة يخدعون انفسهم ...
فجوابه انه قد تبين من هو دنيء الفكر والنفس ومن هو الذي يخدع نفسه ويغالط نفسه عن اتّباع الحق والحقيقة ، إنّ الشيعة هم الذين اقتدوا بأئمة اهل البيت عليهم السلام في افعالهم واقوالهم ومعتقداتهم ، وهم الذين امتثلوا امر الله تعالى الوارد على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وهو قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربى) 1 والشيعة هم الذين حفظوا تراث اهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ ، والشيعة إنّما سمّوا بالشيعة لمشايعتهم
____________
1) سورة الشورى ، الآية 22.
( 169 )

واتباعهم علياً واولاده امتثالاً لأمر الله ورسوله هؤلاء هم الشيعة وهم الامامية الاثنا عشرية الذين يملكون اقوى الحجج والبراهين واوضح الادلة على اثبات ان طريقتهم ومسلكهم في العقيدة والفقه والاخلاق هي طريقة الائمة عليهم السلام .
إنّ الشيعة الامامية لا تحتاج الى الدعاية ، فمذهبهم قائم بذاته وبأدلّته في كلّ ما يعتقدون او يعملون الا انّهم ابتلوا بمثل هذا الكاتب ممّن امتلأت قلوبهم بالحقد وعقولهم بالجهل لاحداث الفتنة بين المسلمين الامر الذي اضطرّ الشيعة الى الدفاع عن انفسهم بالحجّة والدليل والبرهان .
ثمّ إنّ هذا الكاتب يذكر تحت عنوان فتاوى العلماء واتّفاقهم على ارتداد الشيعة وكفرهم .
ويقول : اتّفق الفقهاء على كفر الشيعة وارتدادهم عن الدين .
ونقول : إنّا قد اجبنا عن ذلك وقلنا اذا كان المناط والمقياس في الحكم على اي انسان بانه مسلم هو النطق بالشهادتين فإنّ الشيعة تاتي بجميع الفروض الدينية والمستحبّات الشرعيّة ، وذكرنا ان مساجدهم عامرة بالصلاة في اوقاتها ، فالحكم عليهم بالكفر والارتداد حكم جائر وهو على خلاف مبادئ الاسلام التي


( 170 )

اعترف بها هذا الكاتب واضرابه ممّن افتى بكفر الشيعة وارتدادهم . وسيأتي الحديث عن ذلك ايضاً .
الشيعة وتحريف القرآن مرّة اخرى
ثمّ ذكر هذا الكاتب سؤالاً حول التعامل مع الشيعة والزواج منهم وتناول ذبائحهم والصلاة على امواتهم ، او قبول صدقاتهم ، ويجيب عن ذلك بجواب سخيف هو اعادة لما ذكره مراراً من امر التقيّة ، والقول بتحريف القرآن ، وإنّ حقيقة الشيعة لم تكون معروفة اذ لا وجود لكتبهم ، ولذلك لم يكفّرهم العلماء والمحقّقون السابقون ، وفي زماننا انتشرت كتب الشيعة ، واتفق المحقّقون في الاديان على كفرهم ؛ لانّ جميع اعتقاداتهم تستبطن الكفر ؛ لانّهم يقولون بتحريف القرآن ، وفي كتب الشيعة ما لا يقل عن الفين مورد تدل على القول بتحريف القرآن ويذكر موارد خمسة عن التحريف ذكرت في كتب الشيعة وهي تحريف المعنى وتغيير الالفاظ وتغيير الحروف عن مواقعها والتغيير في الترتيب وعدم استقامة ترتيب السور والآيات والحروف ، ثم يقول : إنّ هذا هو ما ذكره علماء الشيعة والمعتمد عليه عندهم ويؤمنون به بكلّ قوّة.
ونقول : إنما ذكرنا ذلك ليرى القارئ كيف يفتري هذا


( 171 )

الكاتب ولا يستحيي من نسبة الزور والبهتان الى الأبرياء وليته ذكر مصدراً من مصادر الشيعة ذكر ذلك ، ونحن قد اجبنا عن هذه الاتهامات وقلنا في مواضع متعدّدة انّ الشيعة نشأت في زمان النبي صلى الله عليه وآله وهو واضع بذرة التشيع ، وإنّ بلادهم وتاريخهم وكتبهم موجودة ، ولم تكن خفية او مخفية على احد 1 ثمّ من هم هؤلاء المحقّقون في الاديان الذين اتّفقوا على كفر الشيعة ؟ وما هي العقائد التي تستبطن الكفر كما يدّعي هذا الكاتب ؟ وليته ذكر مورداً واحداً من الموارد التي قال الشيعة فيها بتحريف القرآن ، ولا نريد منه مئة او الفاً فضلاً عن الفين وقد مرّ الجواب عن هذه الفرية وليرجع الى اقوال علماء السنة ليعلم من هو القائل بالتحريف.
إن هذا الكاتب يحكم على نفسه وعلى اتباعه وعلى مذهبه وعلى علمائه بالكفر والخروج عن الاسلام من حيث لا يشعر.
قال الكاتب : إنّ مؤسسي مذهب الشيعة قد مرّوا بثلاث مراحل منذ ان بدأوا بتأسيسه.
ونقول : إنّ مؤسّس مذهب الشيعة وغارس بذرته هو
____________
1) راجع كتاب الامامية واسلافهم من الشيعة تأليف الدكتور عبد الله فيّاض : ص 19 منشورات مؤسسة الاعلمي ، بيروت ـ لبنان.
( 172 )

الرسول صلى الله عليه وآله كما ذكرنا ذلك ، وانتشر المذهب في زمان الامام جعفر الصادق عليه السلام استاذ ائمة المذاهب الاربعة ، كما هو محقق في التاريخ وارجع الى كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة لتقف على حقيقة الحال .
قال الكاتب : المرحلة الاولى : لا احد من الشيعة يؤمن بتماميّة القرآن وكماله ، ولا احد منهم لا يعتقد بعدم تحريفه .
ونقول : متى كان هذا ؟ ومن هم هؤلاء الذين لا يعتقدون بتمامية القرآن ؟ وفي اي زمان كانوا ؟ (ان هذا الاّ اختلاق) .
قال الكاتب : المرحلة الثانية : يؤمن الشيعة بوثاقة اربعة اشخاص فقط معتمدين عندهم وهؤلاء الاربعة رووا في احاديثهم بعدم وجود التحريف في القرآن تقيّة.
ونقول : اولاً : انّ هذا الكاتب يخلّط ويغالط في ما يقول هل الشيعة لا تؤمن الاّ بوثاقة اربعة اشخاص فقط ، وهذه المعاجم الرجالية واسماء الرواة عندهم تعد بآلاف ، ثمّ كيف يروي هؤلاء الاربعة في احاديثهم عدم وجود التحريف في القرآن ثم عمّن روى هؤلاء الاربعة عدم التحريف في القرآن ؟
وثانياً : يدّعي هذا الكاتب انّ هؤلاء رووا عدم التحريف تقية فمن من كانوا يتّقون ؟ هل يتّقي هؤلاء الاربعة من الشيعة ام


( 173 )

من السنّة ؟ فإن كانوا يتقون من الشيعة فهم علماء الشيعة وان كانوا يتقون من السنة فهذا خلاف غرض الكاتب . وعلى كلّ فهذا الكاتب لا يدري ماذا يقول.
قال الكاتب : الاول ابو جعفر محمد بن حسين بن موسى الصدوق توفي سنة 381 هـ 1003 م.
الثاني الشريف المرتضى ابو القاسم علي بن حسين بن موسى البغدادي صاحب الكتاب المسمى ( علم الهدى ) توفي 426 هـ ـ 1085 م.
ونقول : اولاً : ان ابا جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن موسى وليس محمد بن حسين كما ذكره الكاتب.
وثانياً : ان لفظ علم الهدى لقب للشريف المرتضى لا انه اسم لكتابه وهو صاحب الكتب والمؤلّفات الكثيرة ، ومنها كتاب الشافي في الامامة ، وكتاب الانتصار ، وكتاب الامالي ، وكتاب تنزيه الانبياء ، وكتاب الذريعة ، وغيرها من الكتب.
قال : الثالث : شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (المفسر) توفي سنة 460 هـ.
الرابع ابو علي الطبرسي امين الدين الفضل بن حسين بن شهر آشوب صاحب كتاب مجمع البيان المتوفى سنة 548.


( 174 )

ونقول : ان صاحب تفسير مجمع البيان هو ابو علي الفضل ابن الحسن الطبرسي وابن شهر آشوب هو اسم لعالم آخر من علماء الشيعة وهو ابو جعفر رشيد الدين محمد بن علي بن شهر آشوب صاحب كتاب المناقب الى آل ابي طالب.
قال الكاتب : ونظراً الى ما ذهب اليه هؤلاء الاربعة من الشجب والانكار كان يناقض ويعارض المبدأ المسلّم عليه عند جميع الطائفة الشيعية ، فقد تعرضوا في المقابل للنقد ووضعت آراؤهم على بساط البحث والمناقشة .
ونقول : قد ينخدع البعض بانّ هذا الكاتب على اطّلاع ومعرفة بكتب الشيعة وآراء علمائهم ، ولكن ذلك خلاف الحقيقة ، فهو لا يعلم شيء من ذلك اصلاً ، وشاهده انه يخطئ في نقل الاسماء ويخلّط بين اللقب واسم الكتاب ، ويجعل اللقب اسماً لكتاب ، ويمزج بين اسمين لمسمّى واحد ، وإذا كان هذا حاله فكيف يكون على اطّلاع ومعرفة بآراء الشيعة واقوال علمائها ، وليته ذكر لنا مصدراً واحداً تعرّض فيه واحد من هؤلاء العلماء للمناقشة في هذه المسألة المزعومة الأمر الذي يؤكّد ان هذا الكاتب يرمي القول على عواهنه من دون معرفة ودراية.
قال الكاتب : ان العلامة ... كان قد اصدر فتوى صرّح فيها ان الفرقة الشيعية منتسبة الى كيان الاسلام حقيقة ولكنّه


( 175 )

اسعده الحظّ لمطالعة كتاب تفسير مجمع البيان الذي وجد فيه انّهم يؤمنون بالتحريف في اعتقادهم تراجع عن موقفه السابق ، فأصدر فتوى ثانية لابطال الاولى جاء فيها : إن كان من يستبطن اعتقاده وفكره بتحريف القرآن فهو كافر بلا اشكال .
ونقول : ان هذا المفتي لو تمعن في ما جاء في تفسير مجمع البيان من الدفاع عن القرآن والردّ على القائل بنقصان القرآن وتغييره وما اورده من كلام السيّد المرتضى في ذلك لما تغيّر موقفه من الشيعة.
قال الطبرسي في مقدمة الكتاب تحت عنوان الفن الخامس ... :
ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه ، وامّا النقصان منه فقد روى جماعة من اصحابنا وقوم من حشويّة العامّة انّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ، والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه ، ثم ذكر كلام السيد المرتضى وجاء فيه : ( ان القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ) وذكر الدليل على ذلك الى ان قال : ( وذكر ان من خالف في ذلك من الامامية والحشوية 1 لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف الى
____________
1) الحشوية وهم العامة المنتسبون الى اهل الحديث ويلقبون بالحشوية لقبولهم الاحاديث المحشوة بالاباطيل وقيل هم الذين يحشون الاحاديث التي لا اصل لهما في الاحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، او يدخلون فيها ما ليس منها.