بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 641 ـ 650
(641)
الفصل الرابع عشر
مصادر الاُصول والفروع عند الإماميّة


(642)

(643)
    إنّ بعض المتعصّبين يحاولون التشكيك في انتهاء الشيعة الامامية في مذهبهم إلى أئمّة أهل البيت وقد نقل هذه المحاولة السيد عبدالحسين شرف الدين في مراجعاته (1).
    ولا شك أنّ هذه المحاولة فاشلة ، ولا نحتاج إلى بسط في الجواب وربّما يتّضح استناد مذهبهم إلى أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ممّا مضى في الفصل الحادي والثاني عشر.
    يقول السيد شرف الدين : إنّ الشيعة الامامية في الفروع والاُصول وسائر ما يؤخذ من الكتاب والسنّة أو يتعلّق بهما من جميع العلوم ، لا يعولون في شيء من ذلك إلاّ عليهم ولا يرجعون فيه إلاّ إليهم ، فهم يدينون اللّه تعالى ويتقرّبون إليه بمذهب أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) لا يجدون عنه حولاً ولا يرتضون به بدلاً. على ذلك مضى سلفهم الصالح في عهد أميرالمؤمنين والحسن والحسين. والأئمّة التسعة من ذريّة الحسين ( عليهم السلام ) إلى زماننا هذا وقد أخذ الفروع والاُصول عن كل واحد منهم جمّ من ثقات الشيعة وحفّاظهم (2).
1 ـ راجع المراجعات 109.
2 ـ المراجعات 303 المراجعة 110.


(644)
    إنّ الشيعة يتّخذون الكتاب مصدراً رئيسياً في العقيدة والتشريع كما يتّخذون سنّة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مصدراً رئيسياً ثانياً ويعملون بحكم العقل في المجال الذي له صلاحية القضاء ، ويتّخذون من الاجماع دليلاً فيما لو كشف عن الدليل الشرعي وهذا ممّا لا شك فيه.
    ولكن انّ في الكتاب عمومات ومطلقات وقد خصّصت في السنّة كما أنّ فيه مجملات تطلب لنفسها بياناً من السنّة ، والشيعة ترجع إلى أئمّة أهل البيت في هاتيك الموارد لأجل أنّ كلامهم وقولهم هو كلام وقول النبي الأكرم وهناك مسائل مستحدثة واُمور طارئة لا يجد لها الفقيه حلولا في السنّة النبوية. لأنّها طرأت بعد رحلة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فقام أئمة أهل البيت بالاجابة عنها من غير فرق بين مجالي الالتزام والعمل.
    هذا هو مذهب الامامية وعلى ذلك جرى سلفهم وخلفهم من عصر أميرالمؤمنين إلى يومنا هذا.
    إنّ انتماء الشيعة الامامية إلى أئمّة أهل البيت أظهر من الشمس ، وقد تعرّفت على الرواة الثقات الذين أخذوا الاُصول والفروع عن الباقر والصادق والكاظم والرضا ( عليهم السلام ) ، كما تعرّفت على الجوامع التي دوّنها أصحابهم في تلك العصور وكانت الجوامع مفزعاً للشيعة في عصر الأئمة ، حتّى عصر الغيبة لأنّها تحتوي علوم أهل البيت ( عليهم السلام ).
    ولمّا كانت هذه الجوامع غير خالية عن النقص الفنّي في التبويب وغير جامعة لما تركه أئمة أهل البيت من العلوم والمعارف قام المحمدون الثلاثة بتأليف جوامع ثانوية أحسن ترتيباً وتبويباً وأكثر شمولا.
    1 ـ محمّد بن يعقوب الكليني ولد في عهد امامة العسكري ( 254 ـ 260 ) وتوفّي عام 329 فهو أوثق الناس في الحديث وأعرفهم به ، صنّف كتاب الكافي


(645)
وهذبه في عشرين سنة (1) ولقد حصروا أحاديثه في ستة عشر الف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا ( 16199 ) والصحيح منها باصطلاح المتأخرين خمسة الآف واثنان وسبعون حديثاً ، والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً ، والموثّق مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثاً ، والقويّ منها اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثا (2).
    وقال الشهيد في الذكرى : « إنّ ما في الكافي يزيد على ما في مجموع الصحاح الستّة للجمهور وعدّة كتب الكافي اثنان وثلاثون كتاباً » (3).
    وقال في كشف الظنون نقلاً عن الحافظ « ابن حجر » : إنّ جميع أحاديث صحيح البخاري بالمكرّر سوى المعلّقات والمتابعات على ما حرّرته وحقّقته سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً ، والخالص من ذلك بلا تكرير الفا حديث وستمائة وحديثان ، وإذا انضمّ إليه المتون المعلّقة المرفوعة وهي مائة وخمسون حديثاً ، صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة وواحد وستون حديثا.
    وروى ايضاً عن مسلم أنّ كتابه أربعة آلاف حديث دون المكررات وبالمكررات سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا.
    وقال أبو داود في أوّل سننه : « وجمعت في كتابي هذا أربعة آلاف حديث وثمانية أحاديث في الصحيح وما يشبهه وما يقاربه » (4).
    2 ـ محمّد بن علي بن الحسين الصدوق ( 306 ـ 381 ) مؤلّف « من
1 ـ النجاشي : الرجال برقم 1027.
2 ـ لؤلوة البحرين للمحدث البحراني وما ذكره عند الجمع ينقص 78 حديثاً فلا حظ.
3 ـ الذكرى 6.
4 ـ كشف الظنون كما في مستدرك الوسائل 3 / 541 ، لاحظ فتح الباري في شرح أحاديث البخاري 1 / 465.


(646)
لا يحضره الفقيه » وهو الجامع الثاني للشيعة.
    إنّ أحاديث كتاب الفقيه لا تتجاوز عن 5963 حديثاً منها ألفان وخمسون حديثاً مرسلاً.
    3 ـ محمّد بن الحسن الطوسي ( 385 ـ 460 ) مؤلّف تهذيب الأحكام والاستبصار وعدد أحاديث الأوّل 13590 (1) وعدد أحاديث الثاني 5511 حديثاً كما ذكره المؤلّف في آخر الكتاب.
    هذه هي الكتب الأربعة ، المصادر المهمة عند الشيعة.

    الجوامع الحديثية الأخيرة :
    إنّ هناك لفيفاً من العلماء قاموا بجمع روايات الكتب الأربعة وإليك ايعاز إلى أسماء مؤلّفيها.
    1 ـ محمّد بن الحسن الحر العاملي توفّي 1104 مؤلّف كتاب تفصيل وسائل الشيعة طبع في عشرين جزءاً في الفروع والأحكام فقط ، ولم يجمع ما يرجع إلى الاُصول والعقائد.
    2 ـ محمّد بن المرتضى المعروف بالفيض 1091 مؤلّف الوافي في 14 جزء في الفروع والاُصول والسنن والأحكام ولو طبع الكتاب طبعة حديثة لبلغ 30 جزءاً.
    3 ـ المجلسي محمّد باقر 1027 ـ 1110 مؤلّف بحارالأنوار في 110 أجزاء وهو من أبسط الجوامع وأكثرها شمولاً.
    وهناك جوامع اُخرى طوينا الكلام عنها فمن أراد فليرجع إلى مظانّها.
1 ـ المستدرك 3 / 756.

(647)
    هذه هي المصادر التي تفزع إليها الشيعة في اُصولها وفروعها أتينا على ذكرها على وجه الاجمال ليكون القارئ على بصيرة.
    هذا هو مذهب الشيعة وهؤلاء هم خلفهم وسلفهم ، ومبدأ نشوئهم ، وهذه آراؤهم وعقائدهم ، وهؤلاء أئمتهم ، وهذه بلدانهم ودولهم ، وعدد نفوسهم ، وهذه جامعاتهم وحوزاتهم ، فهم اُمّة منتشرة في العالم وبلادهم مفتوحة لكل قاصد ، وهذه كتبهم المعبّرة عن تاريخهم وعقائدهم وكيانهم وشرفهم وهذا تاريخهم المأساوي جزاءً للخدمات الجليلة التي قدموها للحضارة الإسلامية بأفكارهم وآرائهم وأقلامهم وكتبهم.


(648)

(649)
خاتمة المطاف :
    بيان لكتّاب المقالات ومؤرخي العقائد
    لقد حصحص الحق وبانت الحقيقة لذوي النصفة ونختم الكتاب بذكر اُمور مهمة ربّما مضى البحث عن بعضها في الفصول السابقة وإليك البيان.
    الأوّل : إنّ التشيّع لم يكن فكرة سياسية ابتدعتها الأهواء ، وطبعته بطابع الدين ، ولا عقيدة دينية لاتمتُّ إلى الإسلام بصلة ، بل هو نفس الإسلام في مجالي العقيدة والتشريع ، جاء به النبي الأكرم في كتابه وسنّته ، وليس التشيّع إلاّ تعبيراً آخر عن الإسلام ، في إطار ولاء أهل بيته الطاهرين وتتبّع آثارهم وأقوالهم وآرائهم.
    الثاني : إنّ كلّما تدين به الشيعة التزاماً وعملاً ، له مصدر متسالم على صحّته عند أهل السنّة ، وأنّهم لو نظروا إليه بعين الانصاف وطلب الحقيقة ، وابتعدوا عن كل رأي مسبق ، لوجدوا الفوارق الموجودة بين الطائفتين اُموراً واقعية لها دليل في الكتاب والسنّة ، حتّى في الاُمور التي يستنكرونها في بدء الأمر ، كالقول بالبداء ،


(650)
وعصمة الامام وميلاد المهدي المنتظر ، وحياته فعلاً وكون الأئمة محصورين في اثني عشر.
    الثالث : إنّ الشيعة ليست من الفرق البائدة التي خيّم الظلام عليها ، وعلى آثارهم وصارت مستورة تحت أطباق الثرى ، حتّى لا يعاب فيه التقوّل والحدس والتخمين ، وانّما هي فرقة حيّة منتشرة في العالم ولهم بلاد واسعة ، وحكومات قائمة ، وجامعات وكليات ، ومعاهد وحلقات ، ومكتبات غاصة بالكتب ، فعلى طالب الحقيقة ومؤرّخ العقائد أن يتّصل بعلمائهم عن كتب أو أن يرجع إلى الكتب المؤلّفة بايدي علمائهم الذين اجتمعت كلمتهم على وثاقته وعلمه ومعرفته ويجتنب عن الرجوع إلى كتب المتطفّلين على موائد العربية من مستشرق حاقد ، أو كاتب متحامل ، بل يجتنب عن الرجوع إلى كتاب عالم من الشيعة إذا لم تجتمع كلمتهم على وثاقته وعلمه أو صحة نظريته ، إذ في كل طائفة غال متنكّب عن الصراط ، خابط خبطة عشواء ، رفض العلماء كتابه وكلامه.
    إنّ بين كل طائفة ومنهم الشيعة كاتب غال خلط الغث بالسمين ، والصحيح بالزائف ، وربّما تكون له مكانة علمية و ـ مع ذلك ـ لا يصحّ الاستناد إلى مثل ذلك الكاتب ولا إلى كتابه ، بل يطرح الشاذ ، ويؤخذ بالمجمع عليه أو المشهور بينهم.
    إنّ المستند لرمي التشيّع بالاعتقاد بالتحريف في هذه الأيام هو كتاب « فصل الخطاب » الذي ألّفه الشيخ المحدّث النوري ، وجمع مواده من هنا وهناك من غير تحقيق في السند ولا تحليل في الدلالة ، ولكن الاستناد إلى هذا الكتاب ورمي طائفة كبيرة بهذه التهمة الشائنة تقوّل بالباطل ، لأنّ علماء الشيعة أنكروا هذا الكتاب
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس