المحسن السبط ::: 41 ـ 50
(41)
الفصل الثالث
     البحث عن متن الحديث
     والبحث في هذا المجال يكون من خلال ست نقاط على النحو التالي :
     النقطة الأولى : وفيها تحقيق المراد من اسم حرب ، فهل هو اسم المعنى الوصفي؟ أم اسم العلم الشخصي؟ وما المراد منهما في الحديث.
     النقطة الثانية : هل كان اسم حرب من الأسماء المبغوضة أم المحبوبة؟
     النقطة الثالثة : ماذا كان يعني إصرار الإمام ـ إن صدقت الأحلام ـ في تسمية أبنائه بحرب اسم المعنى الوصفي ، أم اسم العلم الشخصي؟
     النقطة الرابعة : ما هي الدوافع المغرية في شخصية حرب اسم العلم الشخصي؟ بدءاً من آبائه ، ومروراً به ، وانتهاءاً بأبنائه؟
     النقطة الخامسة : في كنى الإمام وما هي أحبّ كناه إليه؟
     النقطة السادسة : وأخيراً ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة؟


(42)

(43)
النقطة الأولى
في تحقيق المراد من اسم حرب
     النقطة الأولى : في تحقيق المراد من اسم حرب وهل هو اسم المعنى؟ أم اسم العلم؟ ومن المراد منهما في الحديث؟
     إذا رجعنا إلى المصدر الأول والحديث الثالث من المصدر الخامس ، وجدنا قول الإمام ـ فيما نسب إليه ـ : ( وقد كنت أحبّ أن أكتني بأبي حرب ) وفي مرسل أبي إسحاق كما في المصدر الثاني نقرأ قول أبي إسحاق : وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب ، أما في مرسل سالم بن أبي جعد نقرأ قول الإمام : كنت رجلاً أحبّ الحرب.
     ومهما أغضينا النظر عن الاختلاف في معاني الكلمات الثلاث ، فإنّ هذا إن دل على شيء فيدلّ على أنّ المراد بحرب هو اسم المعنى الوصفي ، ولعله إستناداً إلى ذلك ذهب العقّاد ـ وربما غيره أيضاً _ إلى أنّ المراد من حب الإمام أن يكتني بأبي حرب؛ لأنّه رجل شجاع يحب الحرب ، فلنقرأ ما يقوله العقّاد ، وهو يتحدث عن سيرة الإمام مع بنيه ، بعد أن حكى قول الإمام في حق الوالد على الولد ، وحق الولد على الوالد وهو : ( أن يحسّن اسمه ، ويحسّن أدبه ، ويعلّمه القرآن ).
     قال العقّاد : ومن إحسان التسمية أنّه همّ بتسمية ابنه حرباً ، لأنّه يرشحه للجهاد وهو أشرف صناعاته ، لولا أنّ رسول الله سمّاه الحسن وهو أحسن ، فجرى على


(44)
هذا الاختيار في تسمية أخويه الحسين والمحسن ، وأتم حق أبنائه في إحسان أسمائهم ، فاختار لهم أسماء النبي ، وأسلافه من الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان (1).
     ولا نريد مناقشة العقّاد في تعليله العليل؛ بأنّ علياً لشجاعته المنقطعة النظير ، كان يحبّ أن يعدّ ابنه فيرشحه لتلك الشجاعة عن طريق تسميته بحرب؟!
     وكأنّ مجرّد التسمية باسم صفة ، سوف يؤثّر خصائص تلك الصفة في المسمّى!؟ وما أدري بماذا يجيب ـ لو كان حياً _ عن تخلّف الصفة فعلاً عن الموصوف بها اسماً ، فكم من اسمه اسد وهو في الحروب نعامة ، وكم من اسمه حاتم وهو في بخله زاد على ما در ، وكم وكم ... ، ولنا في أسماء الأضداد ما يغني عن إكثار الشواهد ، إذن ليس الأمر كما ذهب إليه العقّاد وغيره.
     ثم هل لنا أن نسأل عن شجاعة أبناء عليّ التي ورثوها ، وكانت ظاهرة للعيان خصوصاً في حرب الجمل ، وصفين ، والنهروان ، هل كانت نتيجة تسميتهم بحرب؟! وهذا ما لم يكن ولم يقع ، أم هي صناعة على نحو صناعات أبيهم كما قاله العقّاد فيه! ثمّ ما بالنا نجد التفاوت في تلك الصناعة ، فيمتاز بعضهم على بعض في الحروب ، أوليسوا هم جميعاً خرّيجوا مدرسة واحدة ، والمربّي لهم واحد.
     وما دام الإمام ـ إن صدقت الأحلام التي راودت مخيّلة الوضّاعين ـ كان يحب أن يكتنى بأبي حرب لأنّه يحبّ الحرب ، وقد حاول ثلاث مرّات أن يسمّي أحد أبنائه من ولد فاطمة ( عليها السلام ) فلم يقرّه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلماذا لم يسمّ أحد الباقين من أبنائه الّذين هم من غير فاطمة ( عليها السلام ) بهذا الاسم المحبّب إليه!! ولم يكن ثمة النبي ( صلى الله عليه وآله ) موجوداً حتى يغيّره مثلاً.
1 ـ موسوعة العقّاد ( العبقريات الإسلامية ) : 821.
    أما عن تسمية أبناء الإمام بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان, فقد روى البلاذري في أنساب الأشراف 2 : 192 ، قال : وكان عمر ابن الخطاب سمّى عمر بن عليّ باسمه ووهب له غلاماً. أقول : وما يدرينا لعلّ في مخبآت الآثار ما يكشف أنّ عمر تبع مَنْ قبله في ذلك, ومن أتى بعده كان على وتيرته, على أنّه ورد في تسمية ابنه عثمان : سماه باسم عثمان بن مظعون السلف الصالح, كما ورد في وصفه.


(45)
وأيضاً ما دام الإمام كان مغرماً باسم حرب لأنّه شجاع ، ويحب أن يكتني بأبي حرب وقد غيّره النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لماذا لم يعدل إلى ما يرادف ذلك في المعنى كالهيجاء والوغى والقتال والن ـ زال والطعان ، فينال بذلك مبتغاه حين يلقّب بأبي الهيجاء مثلاً ، أو أبي الوغى ، وأبي مقاتل ، وأبي منازل ، وأبي مطاعن ، كما كان العرب يفعلون ذلك ، وحتى كانوا يكتنون بأسماء آلات الحرب كالصارم والهندي والخطي ، فهذا أبو الصوارم ، وذاك أبو الخطي ، وثالث أبو الهندي ، وهكذا دواليك ، فخذ ما شئت من أمثلة لديك.
     فقد جاء في حديث رواه الصدوق في معاني الأخبار (1) بسنده عن أحمد بن أشيم ، قال للرضا ( عليه السلام ) : جعلت فداك لم سمّوا العرب أولادهم بكلب ونمر وفهد وأشباه ذلك؟ قال : كانت العرب أصحاب حرب ، فكانت تهوّل على العدو بأسماء أولادهم ، ويسمون عبيدهم فرج ومبارك وميمون وأشباه ذلك يتيمّنون بها.
     ثم لو كانت ارادته اسم المعنى الوصفي من حرب ، لتحول بعد التغيير الأول إلى بعض مشتقاته اللفظية ، مثل ( محارب ) فيسمى ولده الثاني أو الثالث ، ولينظر هل كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقرّه على ذلك أم يغيّره؟
     ثم أنّ سيرة الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) في حروبه كلّها كانت سيرة مثلى ، تأبى على مناوئيه وأعدائه فضلاً عن أوليائه أن يقولوا بأنّه كان يحب الحرب ، لأنّه شجاع متعطش لإراقة الدماء وإزهاق الأرواح.
     فإنّا نقرأ حياته في الحروب التي خاض غمارها أيّام الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) بدءاً من بدر ثم اُحد وحنين والأحزاب وخيبر وإلى آخرها ، فلم يكن يعدو أوامر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يرهق الناس بطشاً حتى يؤذن له.
     وما حديث مبارزته لعمرو بن عبدود إلا دليل على تلك السيرة المثلى ، فهو حيث يقرّره بأنّه يجيب إلى إحدى خصال ثلاث ، فيبدأ بدعوته إلى الاسلام ،
1 ـ معاني الأخبار للصدوق : 391؛ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 315.

(46)
وحين يأبى عليه ذلك ، يطلب منه أن يرجع بالجيش عن محاربة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثانياً ، وحين يأبى ذلك يطلب إليه الن ـ زول إلى الحرب.
     وأما الحروب التي بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقد فرضت عليه ، ولم يكن راغباً في إثارتها ، لولا بغي البغاة عليه ، من ناكثين وقاسطين ومارقين ، ومع ذلك كله كان لا يبدؤهم بقتال حتى يعذر إليهم ، يتريّث طويلاً ، ويبعث الرسل تلو الرسل إلى أعدائه ، بالأعذار تلو الأعذار ، ثم الإنذار تلو الإنذار ، يخوفهم عواقب البغي والعدوان ، ويحذّرهم مغبّة إغواء الشيطان لهم ، حذار عواقب الحرب الوخيمة ، حتى إذا تمادوا في طغيانهم ، وأصرّوا على منابذته ومناجزته ، ثم هُم بدؤوه بالقتال ، شمّر للحرب عن ساعده ، فخاض الغمرة وأصلاهم نارها ، وألزم عقباهم عارها.
     هذا عليّ ( عليه السلام ) الذي كان يحب الحرب!؟ نعم يخوض الحرب حين لا مناص من خوضها وقد شبّت وقدتها ، أما أنه يحبها ويدعو إليها فلا ، بل هو رجل السلم والسلام ، وما علم المسلمون الحكم في قتال أهل القبلة إلاّ من سيرته في الحروب الثلاثة : الجمل وصفين والنهروان.
     فهل مثل هذا الإنسان يمكن أن يقال فيه كان يحب أن يكتني بأبي حرب ، لأنه يحب الحرب ، ويجعل العقّاد من ذلك دليلاً على حسن اختيار الإمام لأحسن الأسماء لأبنائه ، على أنّ في باقي قوله بعد ذلك : وأتمّ حق أبنائه في إحسان أسمائهم فاختار لهم أسماء النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسلافه ، ما يستبعد اسم المعنى الوصفي ( لحرب ) فلاحظ.
     والآن وبعد هذه التساؤلات التي استبعدت أن يكون المراد بحرب في زعم الزاعمين أن علياً أحب أن يكتنى بأبي حرب ، يعني الحرب ضد السلم ، إذن هل المراد بحرب اسم علم شخصي شغف الإمام به حباً ، فأحبّ أن يسمّي أحد أبنائه باسمه تيمناً به ، وإذا كان ذلك فمن هو ذلك صاحب الاسم المزعوم؟


(47)
وإذا رجعنا إلى تاريخ تلك الحقبة التي ذكروا أن علياً سمّى أوهمّ أو أحبّ أن يكتني بتسمية ابنه الأول ( حرب ) لانجد إلاّ حرب بن أمية بن عبد شمس ، وهذا هو والد أبي سفيان صخر بن حرب ، وهو جدّ معاوية بن أبي سفيان.
     ولعل القارئ داعبت مخيلته ظنون توحي إليه بأنّ الحديث من نسيج أحفاد حرب ، ليجعلوا من أبيهم انساناً محبباً ومرموقاً حتى همّ عليّ ، أو سمّى ، أو أحبّ أن يسمّي أحد أبنائه باسمه ، وكرر ذلك ثلاث مرّات إلاّ أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) غيّر ، إذن كان لحرب ذكر ونباهة ومقام معلوم مزعوم ، ولنترك التعقيب فعلاً على ذلك حتى نقرأ ما يلي من النقطة الثانية ، ولكن أود تنبيه القارئ إلى أنّ الذي يشير إلى المراد بحرب هو اسم العلم الشخصي ، هو قوله ( عليه السلام ) : ( ما شأن حرب ) ؟ كما مرّ في الحديث الثاني في المصدر الثاني.


(48)

(49)
النقطة الثانية
هل كان اسم حرب من الأسماء المحبوبة أم المبغوضة؟
     هذا سؤال يصح أن يقال إذا كان القارئ على علم بأنّ هناك أسماء محبوبة وأخرى مبغوضة ، ورد التنبيه عليها من الشرع ، وليس المقصود هنا بالمحبوبية والمبغوضية ما يراه الإنسان في نفسه.
     وإذا رجعنا إلى الأحاديث التي وردت عن صاحب الشرع في تلك المسألة ، نجد أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يغيّر الاسم القبيح ـ كما في حديث عائشة ( في الفتح الكبير للنبهاني ) نقلاً عن الترمذي وهو في جامعه (1).
     وقد روى الحميري في قرب الإسناد (2) بسنده عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) ، أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يغيّر الأسماء القبيحة في الرجال والبلدان.
     وقد غيّر بعض الأسماء ، كما في حديث سعيد بن المسيب بن حزن أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لجده حزن : ما اسمك؟ قال : حزن ، قال : أنت سهل ، قال له : السهل يوطأ أو يمتهن ، قال سعيد : فما زالت الحزونة فينا بعد. والحديث أخرجه أبو داود في السنن (3) كما أخرجه غيره.
1 ـ الفتح الكبير للنبهاني 2 : 385 ، عن سنن الترمذي 2 : 107.
2 ـ قرب الإسناد للحميري : 45.
3 ـ سنن أبي داود 4 : 289.


(50)
وإلى القارئ نموذجاً من الأسماء التي غيّرها النبي ( صلى الله عليه وآله ).
     قال أبو داود : وغيّر النبي ( صلى الله عليه وآله ) اسم العاص ، وعزيز ، وعقلة ، وشيطان ، والحكم ، وغراب ، وحباب ، وشهاب فسماه هشاماً ، وسمى حرباً سلماً ، وسمى المضطجع المنبعث ، وأرضاً تسمى عَفِرَة سماها خَضِرة ـ بمعجمة ـ وشعب الضلالة سماه شعب الهدى ، وبنو الزنية سمّاهم بني الرشدة ، وسمى بني مغوية بني رشدة.
     قال أبو داود : وتركت أسانيدها للاختصار (1).
     وأخرج الترمذي في صحيحه (2) والبغوي في مصابيح السنّة (3) أنه غيّر اسم عاصية بنت عمر فسماها جميلة.
     وقد ذكر البخاري في صحيحه في كتاب الأدب بعض تلك الأسماء ، وزاد في كتاب الأدب المفرد كثيراً من الأحاديث في ذلك فلتراجع.
     وإذا علمنا أنّ هناك أسماء مبغوضة غيّرها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان منها اسم حرب فغيّره وسمّاه سلماً _ كما مرّ عن أبي داود ـ فما بال الإمام عليّ ( عليه السلام ) يحبّ أن يكتني بحرب؟ أو لم يكن يعلم بما رواه أبو وهب الجشمي في خصوص حرب؟ وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد (4) وغيره بأسانيدهم عن أبي وهب ـ وكانت له صحبة ـ عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال : ( تسمّوا بأسماء الأنبياء ، وأحبّ الأسماء إلى الله ( عزّ وجلّ ) عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبح الأسماء حرب ومرّة ) (5).
1 ـ سنن أبي داود 4 : 289.
2 ـ صحيح الترمذي 2 : 137.
3 ـ مصابيح السنّة للبغوي 2 : 148.
4 ـ الأدب المفرد للبخاري : 211 ، وأبو داود في السنن 2 : 307؛ والبيهقي في السنن الكبرى 9 : 306؛ وأحمد في المسند 4 : 345 ، وابن القيم في زاد المعاد : 258 ـ 260؛ والنبهاني في الفتح الكبير 2 : 385؛ وابن عبد البر في الاستيعاب 2 : 78.
5 ـ لقد ورد الحديث عن طريق أهل البيت ( عليهم السلام ) كما في الجعفريات ملحقاً بكتاب قرب الإسناد؛ بلفظ ( نعم الأسماء عبد الله وعبد الرحمن والأسماء المعبّدة ، وشرها همام والحارث ... ) وأخرجه السيد الراوندي في نوادره : 9 ، وفيه : ( نعم الأسماء عبد الله وعبد الرحمن والأسماء المعبدة ، وشرها همام والحارث ... ) ونقله عن النوادر في البحار 104 : 130 ، ومستدرك الوسائل3 : 618 ، ولقد ورد في حديث جابر مرفوعاً أنّه ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( وشر الأسماء ضرار ومرّة وحرب وظالم ) راجع الخصال للصدوق : 228.
المحسن السبط ::: فهرس