المحسن السبط ::: 161 ـ 170
(161)
وببالي أنّي رأيت في بعض الكتب أنّه كان حنفياً ، ومهما كان مذهبه الفقهي ، فهو معتزلي الأصول ، وصرح بذلك في قوله :
ورأيت دين الاعتزال وإنني أهوى لأجلك كل من يتشيّع
     نعم ، كان معتزلياً ولم يكن من معتدلي المعتزلة كشيوخه البغداديين ، وإن كانت بغداد سكناه ومدفنه ، فهو في شرحه نهج البلاغة كان سنياً صلباً ، ومتعصباً جداً ، ومجنّداً كل طاقاته في الدفاع عن شيوخ السلف ، وخاصة عن الشيخين بما لا يُحسنا هما الدفاع بمثله عن أنفسهما لو كانا حيين ، وسيأتي بعض ما يدلّ على ذلك في مواقف علماء التبرير ، وتعجبني كلمة صاحب ( نسمة السحر في من تشيع وشعر ) (1) حين ذكر ترجمته فقال : ( وكانت حالة عز الدين المذكور عجباً بيّناً ، هو شيعي متعصب كما في القصائد المشار إليها _ السبع العلويات _ إذ صار معتزلياً جاحظياً (2) أو أصمعياً (3) كما في أكثر شرحه ).
1 ـ نسمة السحر 1 : 340 _ 345.
2 ـ هو أبو عثمان الجاحظ من معتزلة البصرة ، وهم أشد تعصباً للسلف من معتزلة بغداد ، حتى كان بينهما نقد ورد خصوصاً مع الجاحظ في عثمانيته ، فرد عليه الاسكافي في نقض رسالته ، وكلاهما مطبوعان بمصر.
    وقد تعرض ابن أبي الحديد في شرح النهج لنقد الجاحظ ، راجع 13 : 219 ـ 220 و 235 و243 و253 و278 و285 وغيرها.
3 ـ نسبة إلى الأصمعي وهو عبد الملك بن قريب الأصمعي ، كان من المنحرفين عن الأمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، روى الخطيب في تاريخ بغداد 10 : 419 عن أبي العيناء ، قال : كنّا في جنازة الأصمعي سنة ( 215 هـ ) ، فحدثني أبو قلابة الجرمي الشاعر وأنشدني لنفسه :
لعن الله أعظماً حملوه أعظماً تبغض النبي وأهل الـ نحو دار البلى على خشبات ـبيت والطيبين والطيبات
     وفي معجم الأدباء 12 : 153 : عن أبي العيناء ، قال لي المتوكل : بلغني أنك رافضي؟ فقلت : ياأمير المؤمنين وكيف أكون رافضياً وبلدي البصرة ، ومنشأي مسجد جامعها ، واستاذي الأصمعي.


(162)
أقول : فمن يقرأ قوله في عينيته من السبع العلويات يجده جاز حد التعصب ، بل وحتى حد الغلو والارتفاع ، وإليك قوله :
يا برق إن جئت الغريّ فقل له فيك ابن عمران الكليم وبعده بل فيك جبريل وميكال وإسـ بل فيك نور الله جل جلاله فيك الإمام المرتضى فيك الو أتراك تعلم مَن بأرضك مودع عيسى يقفيه وأحمد يتبع ـرافيل والملأ المقدس أجمع لذوي البصائر يستشفّ ويلمع صي المجتبى فيك البطين الأنزع
     إلى أن يقول :
لو لا حدوثك قلت انّك جاعل الأ لو لا مماتك قلت إنّك باسط الأ رواح في الأشباح والمستنزع رزاق تقدر في العطاء وتوسع
     24 ـ المحب الطبري ( ت 694 هـ ) أبو العباس أحمد بن عبد الله شيخ الحرم المكي ، قال الذهبي : الفقيه الزاهد المحدّث كان شيخ الشافعية ومحدّث الحجاز. وقال غيره : له تصانيف كثيرة في غاية الحسن منها : الرياض النضرة في فضائل العشرة ، وذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى ، والسمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين ، وغير ذلك.
     25 ـ أبو الفدا صاحب حَماه ( ت 732 هـ ) ، هو الملك إسماعيل بن عليّ المعروف بأبي الفدا ، أثنى عليه ابن شاكر في فوات الوفيات (1) فقال : ( الملك المؤيد صاحب حَماه ، إسماعيل بن عليّ ، الإمام العالم الفاضل السلطان ... فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك ... ) أما ابن الوردي الذي
1 ـ فوات الوفيات 1 : 183.

(163)
ذيل على تاريخه فقال في تتمة المختصر : ( ... وكان سخياً محباً للعلم والعلماء ، ومتفنناً يعرف علوماً ، وقد رأيت جماعة من ذوي الفضل يزعمون أنّه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل منه ).
     26 ـ النويري ( ت 733 هـ ) ، هو أبو العباس أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة البكري النويري الشافعي ، شهاب الدين ، مؤرخ أديب مشارك في علوم كثيرة ، من تصانيفه ( نهاية الأرب في فنون الأدب ) في ثلاثين مجلداً ، ترجمه ابن حجر في الدرر الكامنة (1) ، وابن كثير في البداية والنهاية (2) والسيوطي في حسن المحاضرة (3) وآخرون.
     27 ـ الذهبي ( ت 748 هـ ) ، هو شمس الدين أبو عبد الله ، ترجمه ابن شاكر في فوات الوفيات (4) ، فقال : ( الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي ، حافظ لا يجارى ، ولافظ لا يبارى ، أتقن الحديث ورجاله ، ونظر علله وأحواله ، وعرف تراجم الناس ، وأزال الابهام في تواريخهم والإلباس ، جمع الكثير ، ونفع الجم الغفير ، وأكثر من التصنيف ... ).
     وقال السيوطي في طبقات الحفاظ (5) : ( الذهبي الإمام الحافظ ، محدّث العصر ، وخاتمة الحفاظ ، ومؤرخ الإسلام ، وفرد العصر ... ).
     أقول : ومع ما قيل فيه من جمل الإطراء والثناء ، فهو شديد في تسننه ونصبه كشيخه ابن تيمية ، إن لم يزد عليه فهو مثله في تكذيب أحداث
1 ـ الدرر الكامنة 1 : 197.
2 ـ البداية والنهاية 14 : 164.
3 ـ حسن المحاضرة 1 : 320.
4 ـ فوات الوفيات 2 : 183.
5 ـ طبقات الحفاظ : 521.


(164)
الهجوم والإسقاط ، كما سيأتي ذلك عنه في الفصل الثالث في ( نصوص ثابتة يجب أن تقرأ بامعان ) كما يأتي عنه ما ينسف تكذيبه من روايته قول محمّد بن أحمد بن حماد الكوفي ، في ابن أبي دارم الكوفي وقد حضره ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن ، ولم يعقب عليه بشيء.
     28 ـ الصفدي ( ت 764 هـ ) ، هو الصلاح خليل بن أيبك الصفدي ، ترجمه ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة (1) ترجمة وافية ، فذكر فيها شيوخه ومنهم الذهبي وابن كثير والحسيني ، ونقل عن الذهبي أنّه قال في حقه : ( الأديب البارع الكاتب ، شارك في الفنون ، وتقدم في الإنشاء ، وجمع وصنف ) ، وقال أيضاً : ( سمع منّي وسمعت منه ، وله تواليف وكتب وبلاغة ) إلى غير ذلك مما حكاه ابن حجر في ترجمته.
     والصفدي ذكر باختصار ما كان يجري في مجلس الحافظ البلخي في كتابه الوافي بالوفيات (2) ، وسيأتي ذلك في الفصل الثالث إن شاء الله تعالى.
     29 ـ ابن كثير ( ت 774 هـ ) ، هو أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير البصري الدمشقي الشافعي ، محدث ، مؤرّخ ، مفسر ، فقيه ، تأثر بشيخه ابن تيمية كثيراً ، فكان معه حياً ودفن معه ميتاً.
     له عدة تصانيف منها : تفسير القرآن العظيم وهو مطبوع ، وله البداية والنهاية في التاريخ مطبوع في 14 مجلداً ، وله نهاية النهاية في جزئين ، وله جامع المسانيد وهو كتاب كبير جمع فيه أحاديث الكتب الستة والمسانيد الأربعة ، وله السيرة
1 ـ الدرر الكامنة 2 : 87.
2 ـ الوافي بالوفيات 3 : 344.


(165)
النبوية في أربعة أجزاء مطبوعة إلى غير ذلك ، وقد ترجمه ابن حجر في الدرر الكامنة (1) ، وابن العماد الحنفي في شذرات الذهب (2) وغير ذلك.
     وهذا له مواقف ناصبية معلنة في أحداث السقيفة وما بعدها ، ستأتي بعض النصوص نقلاً عن كتابه البداية والنهاية في الفصل الثالث ، وكذا عن كتابه السيرة النبوية.
     30 _ نور الدين الهيثمي ( ت 807 هـ ) ، هو أبو الحسن عليّ بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي الشافعي ، محدث حافظ ، رافق الحافظ العراقي في السماع ولازمه ، له عدة تصانيف منها : ( موارد الظمآن في رواية صحيح ابن حبان ) وهو مطبوع ، و ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ) أيضاً مطبوع ، و ( البغية في ترتيب أحاديث الحلية ) مطبوع.
     31 ـ ابن الشحنة ( ت 815 هـ ) ، هو أبو الوليد محمّد بن محمّد بن محمّد بن محمود الحلبي الحنفي المعروف بابن الشحنة ، فقيه ، أصولي ، مفسر ، فرضي ، أديب ، ناظم ، نحوي ، مؤرّخ ، أفتى ودرس وتولّى قضاء الحنفية بحلب ثم بدمشق ، له عدة مؤلّفات منها : ( روض المناظر في علم الأوائل والأواخر ) مطبوع على هامش تاريخ الكامل لابن الاثير (3) ط بولاق بمصر. ترجمه السخاوي في الضوء اللامع (4) ، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب (5) ، والشوكاني في البدر الطالع (6) وغيرهم.
     32 ـ ابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ ) ، قال الشوكاني في البدر الطالع (7) : ( الحافظ الكبير الشهير ، الإمام المتفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة
1 ـ الدرر الكامنة 1 : 373 ـ 374.
2 ـ شذرات الذهب 6 : 231 ـ 232.
3 ـ الكامل لابن الأثير : 11 ـ 12.
4 ـ الضوء اللامع 10 : 3 ـ 6.
5 ـ شذرات الذهب 7 : 113 ـ 114.
6 ـ البدر الطالع 2 : 264 ـ 265.
7 ـ المصدر نفسه 1 : 87.


(166)
المتأخرة ... وشهد له بالحفظ والاتقان القريب والبعيد ، والعدو والصديق ، حتى صار اطلاق لفظ ( الحافظ ) عليه كلمة اجماع ... ).
     وقد كتب تلميذه السخاوي كتاباً في ترجمته سمّاه ( الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر ). وقال السيوطي في طبقات الحفاظ (1) : ( ابن حجر شيخ الإسلام ، وإمام الحفاظ في زمانه ، حافظ الديار المصرية بل حافظ الدنيا مطلقاً ... وقد غلق بعده الباب ).
     هذا شيء عن ترجمته ، وقد زاد على الذهبي فيما ذكره في ترجمة ابن أبي دارم بما ذكره في ترجمة محمّد بن عبد الله الواعظ البلخي ، وسيأتي ذلك في الفصل الثالث في نصوص يجب أن تقرأ بإمعان.
     33 ـ جلال الدين السيوطي ( ت 911 هـ ) ، هو أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد بن أبي بكر ، الخضيري الأصل الطولوني المصري الشافعي ، عالم مشارك في أنواع من العلوم.
     له مؤلفات كثيرة ، استقصى الداودي مؤلفاته فنافت عدتها على خمسمائة مؤلّف ، فمنها ما بلغ عدة أجزاء كالجامع الكبير ، والدر المنثور في التفسير بالمأثور ، ومنها ما لم يتجاوز عدة أوراق ، راجع مصادر ترجمته في معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة (2).
     34 ـ المتقي الهندي ( ت 975 هـ ) ، وهو عليّ بن حسام الدين بن عبد الملك الجونيوري الهندي ، فقيه ، محدث ، واعظ ، مشارك في بعض العلوم ، أقام بمكة ومات بها ، له تصانيف منها كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، طبع في الهند وغيرها مكرراً ، وله المنتخب منه طبع بهامش مسند أحمد بن حنبل ( الطبعة الأولى بمصر ) وله غير ذلك.
1 ـ طبقات الحفاظ : 552.
2 ـ معجم المؤلفين 5 : 129 ـ 121.


(167)
    3 ـ نظرة في المصادر :
     إنّما يكون اعتماد الباحث على المصدر الذي يرجع إليه في التصديق لما فيه ، إما من توثيق خارجي كأن يوثقه أهل الخبرة من الاعلام ، أو من اتساق بين مرويّاته مع مرويات الآخرين ممّن يوثق بهم ، فتحصل القناعة الكافية بصحة المروي في المصدر.
     ونحن الآن إذا رجعنا إلى المصادر التي ذكرت الأحداث التي صاحبت سقوط المحسن السبط السقط ، نجد الإتساق بين مروياتها جميعاً إجمالاً ، وإن تفاوتت في التفصيل ، كما سيأتي عرض النصوص المنقولة عنها في الفصل الثالث ، والإتساق والاتفاق عنصر مهم في توثيق الحَدَث ، وربما كان أقوى من توثيق عالم واحد لكتاب واحد ، فالاتساق مضموناً يعني الاتفاق رواية ، وتصديق بعضٍ بعضاً.
     بقي علينا التحقق من صحة نسخة المصدر ونسبتها إلى صاحبه ، ليتم التوثيق والاتساق ، وحينئذٍ تحصل الثقة فيتم الاستدلال.
     والآن إلى مرور عابر على بعض المصادر التي سنقتطف منها نصوصاً نستدل بها على فظاعة الأحداث يوم سقوط ( المحسن السبط السقط ) أول ضحايا العنف في أحداث السقيفة ، أو اختلفت روايتها عن مؤلفيها ، لوقوع ذلك في ضمن جملة من المصادر ، وعلى سبيل المثال كصحيح البخاري ، وحسبنا "دليلاً ظاهراً" ، الاطلاع على طبعة بولاق التي سودت هوامشها باختلاف النسخ حسب رموز رواتها ، وهذا ما يسبب عناء للباحث ، ويثير الشكوك ، ويرفع أصابع الإتهام مشيرة إلى أكثر من واحد ، إلى الراوي؟ إلى الناسخ؟ إلى المحقق؟ إلى الناشر؟ وكل


(168)
هؤلاء أطراف تحوم حولهم الشبهة ، ولذلك كان علينا أن نلقي نظرة عابرة على بعض المصادر التي سننقل عنها بعض النصوص في رسالتنا هذه عن السيد ( المحسن السبط ).
     1 ـ كتاب سيرة ابن هشام ، فقد اختان صاحبها ضميره حين أخفى ـ رهبة أو رغبة ـ بعض الحقائق ، وقد مرّت الإشارة إلى حذفه اسم العباس من قائمة أسرى بدر ، وما صنعه ابن هشام في سيرة ابن إسحاق.
     2 ـ كتاب طبقات ابن سعد ، وهذا الكتاب لم يصل إلينا كاملاً في طبعاته الأولى ، ومع ذلك فثمّة فيه نصوص نافعة ستأتي في الفصل الثالث.
     3 ـ كتاب ( المصنف ) لابن أبي شيبة ، وهذا الكتاب تلاعبت الأهواء في المنقول عنه في جملة من المصادر التي روت الحدث بسنده ، كما ستأتي الإشارة إليه.
     4 ـ كتاب ( المعارف ) لابن قتيبة ، تلاعبت رواته عن مؤلفه ، فاختلفت رواية تلاميذ ابن قتيبة لكتابه ( المعارف ) فضاعت منه نصوص منقولة عنه ، ولم نقف عليها فيما وصلت إلينا من نسخه ، إلاّ أنّ مصادر ثانوية نقلت ذلك أو أشارت إليه.
     وسيأتي مزيد بيان عن ذلك في آخر الرسالة في الملحق الثاني ، وفيما يتعلّق بموضوع رسالتنا ( المحسن السبط مولود أم سقط ) وجدنا ابن قتيبة معدوداً في كل فصل من الفصول الثلاثة من الباب الثاني كما مر.
     ففي الفصل الأول : كان معدوداً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) ولم يذكروا عن موته شيئاً ، فقد ورد في كتاب المعارف (1) ذكره معدوداً مولوداً.
     وفي الفصل الثاني صار ابن قتيبة مذكوراً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) مولوداً ومات صغيراً ، كما مرّ لما ورد في كتاب المعارف أيضاً (2).
1 ـ كتاب المعارف : 210.
2 ـ المصدر نفسه : 211.


(169)
وفي الفصل الثالث كان ابن قتيبة معدوداً مع الّذين ذكروا ( المحسن ) وأنه مات سقطاً ، كما مر ، وهذا ما لم نجده في المطبوع من كتاب المعارف سواء المحقق منه أو غير المحقق ، فمن الذي غص بذكر النص فابتلعه على مضض؟!
     ولدى التحقيق وجدنا الرواة لكتاب المعارف عن مؤلفه ابن قتيبة ، هم الّذين يتحملون قسطاً من الوزر في موضوع ( المحسن ) ، كما ستأتي الاشارة إليه في الملحق الخاص بكتاب ( المعارف ) أما من الذي يتحمل الوزر في حذف النص الآتي في اسقاط ( المحسن ) فذلك ما لم أقف عليه فعلاً.
     والذي يجب التنبيه عليه في المقام هو توثيق ما نقل من نص في اسقاط ( المحسن ) ، لقد روى لنا الحافظ ابن شهرآشوب السروي ( ت 588 هـ ) ، عن كتاب المعارف النص التالي : ( وفي معارف القتبي : أن محسناً فسد من زحم قنفذ العدوي ).
     وهذا ما خلت عنه نسخ ( المعارف ) المطبوعة ، فبين يدي طبعتان من الكتاب ، الأولى مطبوعة سنة 1253 هبدون تحقيق ، والثانية مطبوعة سنة 1960 م بتحقيق الدكتور ثروت عكاشة ، وليس فيها النص المحكي عن المعارف ، ولمّا كان النص ذا دلالة واضحة وصريحة في الإدانة ، فليس متوقعاً أن يسلم من أيدي الخيانة.
     وقد ينطق سائل : كيف نثق بصحة رواية الحافظ ابن شهرآشوب السروي وهو من شيوخ الشيعة؟ والجواب ببساطة هو أن نقرأ توثيق الرجل على لسان غير الشيعة : كالصفدي ، وابن حجر ، والسيوطي ، والداودي وغيرهم ، فكلّهم أثنوا عليه بما هو أهله ، ولنقرأ ما قاله الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات (1) :
     ( أحد شيوخ الشيعة ، حفظ أكثر القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدم في علم القرآن والغريب
1 ـ الوافي بالوفيات 4 : 146.

(170)
والنحو ، وعظ على المنبر أيام المقتفي ببغداد ، فأعجبه وخلع عليه ، وكان بهيّ المنظر ، حسن الوجه والشيبة ، صدوق اللهجة ، مليح العبارة ، واسع العلم ، كثير الخشوع والعبادة والتهجد ، لا يكون إلاّ على وضوء ، أثنى عليه ابن أبي طي في تاريخه ثناء كثيراً ... ).
     ولم نذكر باقي الترجمة لطولها ، كما لا نذكر ما قاله عنه ابن حجر في لسان الميزان (1) ، والسيوطي في بغية الوعاة (2) ، والداودي في طبقات المفسرين (3) ، فكلّهم أثنوا عليه ثناءاً عاطراً حسناً فراجع.
     إذن فمن كان بهذه المثابة من الدين والعلم ، لا يتطرق إليه الريب في حكايته ما وجده في كتاب معارف القتبي ـ كما سماه ـ من زحم قنفذ وسقوط المحسن.
     ويزيدنا إيماناً بصحة ما حكاه ذلك الشيخ الجليل ، أنّ الحافظ الكنجي الشافعي (4) صاحب كتاب ( كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ) قد أكّد خبر الإسقاط نقلاً عن ابن قتيبة فقال : ( وهذا _ الإسقاط ـ شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلاّ عند ابن قتيبة ).
     ولمّا لم يذكر الحافظ الكنجي اسم الكتاب الذي ذكر فيه ابن قتيبة ذلك ، كان من المرجح عندي هو كتاب ( المعارف ) الذي سبق للحافظ ابن شهرآشوب النقل عنه.
1 ـ لسان الميزان 5 : 310.
2 ـ بغية الوعاة : 77.
3 ـ طبقات المفسرين 2 : 210.
4 ـ لمزيد من المعرفة بالحافظ الكنجي الشافعي تحسن مراجعة مقدمة كتابه ( البيان في أخبار صاحب الزمان ) لمحمد مهدي الخرسان, فهي مقدمة ضافية, كما في طبعة النجف بمطبعة النعمان ، وأوفى منها في طبعة بيروت منشورات دار الهادي.
المحسن السبط ::: فهرس