رواية إسحاق ثبت من روايته في موضع آخر من الحديث ، لكن جعل القصة فيه لعمر ... واقتصر بعض الرواة على ما لم يذكره الآ خر ، ولم يتعرض أحد من الشرّاح لبيان ذلك ).
6 ـ قال : ( وفي ذلك إشكال شديد ، وهو أن أصل القصة صريح في أنّ العباس وعلياً قد علما بأنّه ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورّث ، فإن كان سمعاه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) فكيف يطلبانه من أبي بكر؟ وإن كانا إنّما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك ، فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر؟ والذي يظهر والله أعلم حمل الأمر في ذلك على ما تقدم في الحديث الذي قبله في حق فاطمة ، وأنّ كلاً من علي وفاطمة والعباس اعتقد أنّ عموم قوله ( لا نورّث ) مخصوص ببعض ما يخلّفه دون بعض ، ولذلك نسب عمر إلى علي وعباس أنّهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك ).
إلى غير ذلك مما دلّ على مدى تلاعب الرواة بهذا الحديث فيزيد هذا وينقص ذاك ، وكأنّ الأمر الأهم هو تزكية الشيخين فيما فعلا ، وإن جرحهما علي وعباس على ما قاله عمر عنهما بمحضر من وجوه الصحابة كعثمان ، والزبير ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، فلم ينكر علي وعباس ما نسبه اليهما عمر من رأيهما في أبي بكر : ( فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ).
كما لم ينكرا ذلك من رأيهما فيه على نحو رأيهما في أبي بكر ( فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ) ، كما لم يستنكر ذلك وجوه الصحابة الحضور ، وهذا يعني موافقتهم لعمر في صحة ما نسبه إلى علي وعباس ، إن لم تكن موافقة منهم لرأي علي وعباس في الشيخين.
وفي صحيح مسلم وشروحه ما يؤيّد ما قلناه ، فقد رواه بإسناده إلى مالك بن أوس وساق الحديث ، وفيه فقال عباس : يا أمير المؤمنين إقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن ( ؟ ).
(272)
وفيه : فرأيتماه ـ يعني أبا بكر _ كاذباً آثماً غادراً خائناً.
وفيه : فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً.
وعقب القاضي عياض في شرحه على قول العباس في علي بقوله : هذا الكلام لا يليق أن يقع من مثل العباس ، وعلي من ـ زه عن بعضه فضلاً عن كله ، والعصمة وإن كانت لا تثبت إلا لنبي ولمن شهد له بها نبي ، لكنّا مأمورون بتحسين الظن بالصحابة ، ونفي كل رذيلة عنهم ، وقد أسقط بعضهم هذه الألفاظ من نسخته تورّعاً ، ولعله وهم الراوي ، وإن صحت هذه الألفاظ فأوجه ما فيها أن يقال : إنّها صدرت من العباس على وجه الدالة على ابن أخيه ، لأنّه في الشرع بمنزلة أبيه ... ) (1).
أقول : وعلى هذا كان قول المازري بالنسبة للموردين الآخرين المتعلقين بالشيخين ( فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ) فقال : ويجب عندي تأويل قول عمر هذا في أبي بكر ، وقوله على نفسه مثل ذلك ، ثم تكلف في التوجيه ما زاد الحال في الغموض والتمويه (2). ما ذكره مسلم بن الحجاج :
تاسعاًً : ماذا عند مسلم بن الحجاج النيسابوري ( ت 261 هـ ) ؟
النص الأول : أخرج في كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه (3) ، قال : حدّثنا يحيى بن يحيى التميمي ، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف قال : سألت عبد الله بن أبي
1 ـ راجع إكمال إكمال المعلم للوشتاني الآبي 5 : 74.
2 ـ المصدر نفسه 5 : 75.
3 ـ صحيح مسلم 5 : 74.
(273)
أوفى : هل أوصى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال : لا ، قلت : فلم كتب على المسلمين الوصية؟ أو فلم أُمِروا بالوصية؟ قال : أوصى بكتاب الله ( عزّ وجلّ ) ، ثم ذكر له أسانيد غير ما سبق.
وهذا الخبر سبق أن ذكرناه فيما رواه ابن هشام في سيرته ، وعقبنا عليه بما وسع له المقام فراجع.
ولشرّاح صحيح مسلم فيه تطبيل وتضليل من غير تحصيل ، فراجع النووي ، والوشتاني الآبي ، والسنوسي الحسيني في شروحهم في المقام.
النص الثاني : وأخرج في كتاب الوصية أيضاً وفي الباب الآنف الذكر (1) ، بسنده عن الأسود بن يزيد قال : ذكروا عند عائشة أنّ علياً كان وصياً ، فقالت : متى أوصى إليه ، فقد كنت مسندته إلى صدري ( أو قالت حجري ) فدعا بالطست ، فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنّه مات ، فمتى أوصى إليه؟!
وهذا الخبر أيضاً تقدم مثله عن أحمد في مسنده ، في النص السابع وذكرنا ما يتعلق به ، ونضيف هنا قول الوشتاني الآبي في شرحه المسمى إكمال اكمال المعلم بشرح صحيح مسلم (2) ، فقد قال : ( قوله : فلم يوص بشيء ، فيه : انّ الشهادة على النفي من العلم مقبولة ، وبهذا المعنى صار قولها حديثاً ، كأنّه بمنزلة قوله : لا أوصي بشيء ، ثم سبب الوصية إنّما هو حدوث المرض لا الانتهاء إلى هذه الحالة ، وحينئذٍ لا يتقرر ما ذكرت دليلاً على أنه لم يوص ، لاحتمال أن يكون أوصى قبل ذلك ).
والشيعة إنّما كانت تقول أنّه ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إلى علي بولاية الأمر والخلافة في امته من بعده ، وهذا ما أنكرته عائشة وزعمت موته ( صلى الله عليه وآله ) بين حاقنتها وذاقنتها أو بين سحرها نحرها ... كما مرّ ذلك عنها ، ومرّ تكذيب زعمها عن ابن عباس وعن أم سلمة وعن عمر ، فراجع ذلك في النص السابع عند أحمد.
1 ـ المصدر نفسه 5 : 75.
2 ـ إكمال إكمال المعلم 4 : 352.
(274)
النص الثالث : أخرج أيضاً تلو ما سبق بسنده ، قال : حدّثنا سعيد بن منصور ، وقتيبة بن سعيد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد ( واللفظ لسعيد ) قالوا : حدّثنا سفيان ، عن سليمان الأحول ، عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى ، فقلت : يابن عباس وما يوم الخميس؟ قال : اشتد برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعه فقال : إئتوني أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي ، فتنازعوا ، وما ينبغي عند نبي تنازع ، وقالوا : ما شأنه أهجر استفهموه ، قال : دعوني فالذي أنا فيه خير ، أوصيكم بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم. قال : وسكت عن الثالثة ، أو قالها فأنسيتها. انتهى.
وأردف في هذا الحديث بثان في معناه ولفظه : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا وكيع ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنّه قال : يوم الخميس وما يوم الخميس ، ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيت على خديه كأنّها نظام اللؤلؤ ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إئتوني بالكتف والدواة ( أو اللوح والدواة ) أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ، فقالوا : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يهجر.
وساق الحديث ثالثاً بسند آخر عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : لما حُضِر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : هلمّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده ، فقال عمر : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قوموا.
(275)
قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية ما حال بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم.
أقول : إنّ هذا الحديث رواه ابن سعد في الطبقات ، وعبد الرزاق في المصنف ، والبخاري في صحيحه مكرراً وفي عدة أبواب ، وغيرهم كثير وهو ( حديث الرزية ) وقد استوفينا طرقه ومتونه باختلاف رواته في موسوعة ( عبدالله بن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ) ، وذكرنا مختلف آراء العلماء فيه.
والتحقيق أنّ القائل للكلمة الجافية النابية ( إنّه ليهجر ) هو عمر بن الخطاب ، وإنّ الغرض من الكتاب هو النص ( تحريرياً ) على خلافة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، حسماً للنزاع ، لكن عمر منع من ذلك واعترف بعد حين حيث قال لابن عباس : واراده رسول الله للأمر فمنعت من ذلك راجع الموسوعة تجد فيها ما يزيل البهمة ويكشف الغمة ، وقد مرّ في ذيل حديث البخاري في تخاصم علي والعباس عند عمر ما يتعلّق برواية مسلم للحديث ، وفيه ما لم يوجد عند البخاري في روايته فراجع. ما ذكره ابن شبّة :
عاشراًً : ماذا عند عمر بن شبّة البصري النحوي الأخباري ( ت 262 هـ ) ؟
ذكر في كتابه تاريخ المدينة المنورة ( أخبار المدينة المنورة ) (1) ( ذكر فاطمة والعباس وعلي ( رضي الله عنهم ) وطلب ميراثهم من تركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ) ثم ساق خمسة عشر حديثاً ننتخب منها ما يلي :
النص الأوّل : قال : حدّثنا سويد بن سعيد ، والحسن بن عثمان قالا : حدّثنا الوليد بن محمد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنّ فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
1 ـ أخبار المدينة المنورة 1 : 122.
(276)
أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذٍ تطلب صدقة النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة ( رضي الله عنها ) منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها [زوجها] علي ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلى عليها علي ( رضي الله عنه ).
النص الثاني : وأيضاً روى تلو ذلك فقال : حدّثنا إسحاق بن إدريس ، قال : حدّثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : انّ فاطمة والعباس أتيا ابا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك [وسهمه] من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : انّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ، وإنّي والله لا أغير أمراً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنعه إلا صنعته ، قال : فهجرته فاطمة ( رضي الله عنها ) ، فلم تكلمه في ذلك المال حتى ماتت.
ثالثاً : ، قال (1) : حدّثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدّثنا فضيل بن مرزوق ، قال : حدّثني النميري بن حسان ، قال : قلت لزيد بن علي ( رحمة الله عليه ) وأنا أريد أن أهجّن أمر أبي بكر : أنّ أبا بكر انتزع من فاطمة ( رضي الله عنها ) فدك ، فقال : انّ أبا بكر كان رجلاً رحيماً ، وكان يكره أن يغيّر شيئاً تركه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأتته فاطمة فقالت : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطاني فدك ، فقال لها : هل لك على هذا
1 ـ المصدر نفسه 1 : 124.
(277)
بيّنة؟ فجاءت بعلي ( رضي الله عنه ) فشهد لها ، ثم جاءت بأم أيمن فقالت : أليس تشهد أنّي من أهل الجنة؟ قال : بلى ـ قال أبو أحمد : يعني أنّها قالت ذاك لأبي بكر وعمر _ قالت : فأشهد أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعطاها فدك ، فقال أبو بكر : فبرجل وامرأة تستحقينها أو تستحقين بها القضية؟ قال زيد بن علي : وأيم الله لو رجع الأمر إليّ لقضيت فيها بقضاء أبي بكر.
أقول : وهذا الخبر لا يصح سنداً لجهالة النميري بن حسان الذي خلت معاجم الرجال والتراجم عن ذكره ، مضافاً إلى جرح فضيل بن مرزوق الذي قال فيه ابن حبّان : منكر الحديث جداً ، وقال فيه الحاكم : عيب على مسلم إخراجه في الصحيح ، وسئل ابن أبي حاتم عن حديثه يحتج به؟ فقال : لا. راجع بشأنه ميزان الاعتدال ، وسير أعلام النبلاء ، والمغني ، والكاشف كلها للذهبي ، وتهذيب التهذيب لابن حجر.
أما نكارة متنه فهو مستبطن لكذبه ، إذ كيف يعقل أن يقول زيد ذلك ، وهو الفقيه في دينه العالم بالأحكام ، وهو يعلم أنّ جده علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : علي مع الحق والحق مع علي ، مضافاً إلى عصمته بنص آية التطهير ، وكذلك جدته فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) المعصومة بآية التطهير ، وهي بضعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي صاحبة اليد ، كل ذلك يمنع من التجاوز على ما تحت يدها ويغني عن طلب البينة ، ودع أم أيمن المشهود لها بالجنة ، واستشهادها لأبي بكر على ذلك فصدقها ، أكل ذلك لا يعرفه زيد؟
ولو أغمضنا النظر عن جميع ذلك ، ألم يعلم أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر؛ وأبو بكر هو المدّعي فكان عليه هو أن يقيم البيّنة ، لا السيدة الزهراء صاحبة اليد؛ لانتزاعه منها فدكاً بنص الخبر ، فكل هذا لا يعرفه زيد؟ معاذ الله ، ثم خلوّ المصادر الزيدية عن ذكر هذا عن زيد ( رحمه الله ) يوهن الرواية.
(278)
رابعاً : ذكر خبر مالك بن أوس بن الحدثان في ( خصومة علي والعباس ( رضي الله عنهما ) إلى عمر ( رضي الله عنه ) ) (1) وفيه شهادة عمر على علي والعباس أمامهما وأمام الحضور من وجوه الصحابة : ( تزعمان أنّ أبا بكر فيها ظالم فاجر ... ) ، وأيضاً : ( فتزعمان أنّي فيها ظالم فاجر ... ).
وهذا الخبر مرّ بطوله فيما ذكرناه في النص الثامن عن عبد الرزاق من كتابه ( المصنف ) وذكرناه أيضاً عن البخاري فيما أخرجه في صحيحه بدون كلمة الشتيمة ، وعقبنا عليه بما اقتضاه المقام فراجع النص الثالث ماذا عند البخاري ، وقد علّق المحققان على كتاب عمر بن شبه في هامش الخبر بذكر المصادر (2).
ونحن سوف لا نذكر الخبر بعد هذا مرّة ثالثة ورابعة عن أصحاب تلك المصادر ، كما لا يفوتنا التنبيه على أنّ عمر بن شبة قد ذكر الخبر بعد هذا ست مرّات بتفاوت في الألفاظ مطولاً ومختصراً.
كما روى مكرراً خبر مطالبة الزهراء ( عليها السلام ) أبا بكر في فدك والصوافي ، وهو يأبى أن يدفع إليها ذلك ، حتى روى في خبر عنها أنّها طالبته واحتجت عليه بآيات الخمس والفيء فلم يستجب لها ، وفي آخر الخبر قال لها : وهذا عمر بن الخطاب ، وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما فاسأليهم عن ذلك ، فانظري هل يوافق
1 ـ المصدر نفسه 1 : 126.
2 ـ أخرجه البخاري : 2904 و3094 و4033 و4885 و5357 و5358 و2728 و7305. ومسلم : 757 ح48 ، 49 و50 , وأبو داود : 2965, والترمذي : 1610, والنسائي 7 : 136 ـ 137, وأحمد 1 : 25 و48 و162 و164 و179 و191, والبيهقي في السنن 6 : 297, والبغوي في مصابيح السنة : 2738, وفي التفسير 4 : 416, وأبو يعلى 2 : 3 و4, والطبري في التفسير : 38 ـ 39, والمروزي : 1 و3, والحميدي : 22, وعبد الرزاق : 9772, وابن حبّان : 6608, وابن سعد 2 : 314, كلهم بنحو هذا الإسناد مختصراً ومطولاً.
(279)
على ذلك أحد منهم؟ فانصرفت إلى عمر فذكرت له مثل الذي ذكرت لأبي بكر بقصته وحدوده ، فقال لها مثل الذي كان راجعها به أبو بكر ، فعجبت فاطمة وظنت أنهما قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.
فهذا الخبر _ وإسناده حسن كما ذكر المحققان في هامشه ـ جاء في آخره ما أوحى إلى أنّ فاطمة ( عليها السلام ) عجبت من موافقة عمر لصاحبه حتى ( ظنت قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه ) وهذا يشعر بسوء ظنها فيهما لتأمرهما على غصب النحلة منها ، أليس كذلك!؟ ما ذكره ابن قتيبة :
الحادي عشر : ماذا عند ابن قتيبة ( ت 270 هـ ) ؟
النص الأوّل : ذكر في كتابه المعارف ( المحسن ) وقد مرّ بنا في ( نظرة في المصادر ) ما يتعلق به فلا حاجة إلى الإعادة.
النص الثاني : ذكر في كتابه تاريخ الخلفاء الراشدين ( الإمامة والسياسة ) (1) ، بيعة السقيفة وما جرى بين أبي بكر والأنصار ، وامتناع سعد بن عبادة عن مبايعة أبي بكر حتى مات ، وإنّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام ، وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب ، وإنّما كان يعدّ نفسه من بني هاشم ، وكان علي ـ كرّم الله وجهه ـ يقول : ما زال الزبير منّا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنّا ....
واجتمعت بنو أمية إلى عثمان ، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبدالرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين ، فلما أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة ـ وقد بايع الناس أبا بكر _ قال لهم عمر : ما لي أراكم مجتمعين حلقاً شتّى ، قوموا
1 ـ الإمامة والسياسة 1 : 11.
(280)
فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار ، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوه ، وقام سعد وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا.
وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم ، فانصرفوا إلى رحالهم ومعهم الزبير بن العوام ، فذهب اليهم عمر في عصابة فيهم أسيد بن حضير وسلمة بن اشيم ، فقالوا : انطلقوا فبايعوا أبا بكر ، فأبوا ، فخرج الزبير بن العوام بالسيف ، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار ، وانطلقوا به فبايع ، وذهب بنو هاشم أيضاً فبايعوا.
وفي هذا الخبر تطالعنا ثلاثة أمور لم نقف عليها من قبل فيما عرضناه من المصادر :
الأول : وهو تكتلات سياسية قبلية ، تجمّعت في المسجد الشريف ، وما اجتمعت ، مما يدل على تباين في وجهات النظر.
الثاني : هيمنة عمر بن الخطاب على الموقف المتأزم ، وبمجرد دعوة أولئك النفر المتحلقين المتخلفين إلى بيعة أبي بكر قاموا فبايعوا.
الثالث : بيعة بني هاشم.
وليس في الأمر الأول والثاني ما يستدعي النظر فيهما ، لكن الأمر الثالث وهو بيعة بني هاشم يومئذٍ لافت للنظر ، وهو مما انفرد ابن قتيبة بروايته ، إذ أنّ بني هاشم ما بايعوا حتى بايع الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وهو لم يبايع إلاّ بعد ستة أشهر حيث انصرفت وجوه الناس عنه بعد موت الزهراء ( عليها السلام ) ، فضرع لفك الحصار الإجتماعي خشية تطوّره إلى المقاطعة ، فيحل به ومعه بنو هاشم مثل ما حلّ بهم من قبل في مكة المكرمة إبان الدعوة الإسلامية ، حين حوصروا في شعب أبي طالب ( عليه السلام ).
النص الثالث : قال (1) ( إباية علي ـ كرّم الله وجهه ـ بيعة أبي بكر ).
1 ـ المصدر نفسه 1 : 12.