والزبير بن العوام ، والدليل على ذلك ما رواه البيهقي حيث قال : أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد بن علي الحافظ الاسفراييني ، ثنا أبوعلي الحسين بن علي الحافظ ، ثنا أبو بكر بن خزيمة (1) وإبراهيم بن أبي طالب قالا : ثنا بندار بن بشار (2) ، ثنا أبو هشام المخزومي ، ثنا وهيب ، ثنا داود بن أبي هند ، ثنا أبو نضرة (3) ، عن أبي سعيد الخدري قال :
قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة ، وفيهم أبو بكر وعمر ، قال : فقام خطيب الأنصار فقال : أتعلمون أنّا أنصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنحن أنصار خليفته كما كنّا أنصاره ، قال : فقام عمر بن الخطاب فقال : صدق قائلكم ولو قلتم غير هذا لم نبايعكم ، فأخذ بيد أبي بكر وقال : هذا صاحبكم فبايعوه ، فبايعه عمر ، وبايعه المهاجرون والأنصار ، وقال : فصعد أبو بكر المنبر فنظر في وجوه القوم فلم ير الزبير ، قال : فدعا الزبير فجاء ، قال : قلتَ : ابن عمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أردتَ أن تشقّ عصا المسلمين ، قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله ، فقام فبايعه.
ثم نظر في وجوه القوم فلم ير علياً ، فدعا بعلي بن أبي طالب قال : قلت ابن عم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وختنه على ابنته ، أردت أن تشق عصا المسلمين ، قال : لا تثريب يا خليفة رسول الله فبايعه ، هذا أو معناه.
1 ـ هو أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ( ت 311 هـ ) من كبار حفّاظ الحديث, وقد أثنى عليه الذهبي في تذكرة الحفاظ كثيراً ، وساق في ترجمته بعض معتقده في مسائل, منها قوله : ... وانّه تعالى ينزل إلى سماء الدنيا ، ومن زعم أنّ علمه ينزل أو أمره ضلّ ، ويكلّم عباده بلا كيف ، الرحمن على العرش استوى بلا كيف ، لا كما قالت الجهمية أنه استولى ....
2 ـ في المصادر : يسار ، والصحيح بشار ، وهو محمد بن بشار العبدي البصري النساج ، كان عالماً بحديث البصرة ... قال العجلي : ثقة كثير الحديث حائك, توفي سنة 252 هـ , قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 1 : 511 : ولا عبرة بقول من ضعفه.
3 ـ في المصدر : أبو نصرة, والصحيح هو أبو نضرة ، وهو المنذر بن مالك بن قطعة العوفي البصري.
(452)
قال الحافظ أبو علي النيسابوري : سمعت أبي خزيمة يقول : جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث ، فكتبته له في رقعة وقرأت عليه ، فقال : هذا حديث يساوي بدنة ، فقلت : يسوى بدنة؟ بل هذا يسوي بدرة.
ثم قال ابن كثير : وقد رواه الإمام أحمد عن الثقة عن وهيب مختصراً ، وأخرجه الحاكم في مستدركه من طريق عفان بن مسلم عن وهيب مطولاً كنحو ما تقدم ، وروينا من طريق المحاملي عن القاسم بن سعيد بن المسيب ، عن علي بن عاصم ، عن الجريري (1) ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، فذكره مثله في مبايعة علي والزبيريومئذٍ. انتهى.
إلقاء نظرة على حديث البُدرة :
إنّ النص المتقدم الذي اهتم به ابن كثير كثيراً ، وساقه بإسناد الحافظ ابن خزيمة ، وابن خزيمة كما في ترجمته كان من أسلاف السلفية القائلين بالتجسيم ، ونقل عنه أنه قرأ الحديث على مسلم ، فرأى مسلم في سوقه انّه يسوى بدنة ـ وهي الناقة ، وزاد الأزهري أو بعير ذكر ، كما في المصباح المنير _ ولم يقنع ابن خزيمة بذلك التقويم حتى قال : بل يسوى بدرة ـ والبدرة كيس ألف أو عشرة آلاف درهم ، أو سبعة آلاف دينار كما في القاموس ـ.
وقد ساق ابن كثير عدة أسماء من أئمة الحديث كأحمد بن حنبل ، والحاكم ، والمحاملي ممن رووا ذلك النص متهالكاً في إثباته ، مع أنّ القارئ الفطن يدرك
1 ـ في المصدر : الحريري ، والصحيح الجريري وهو سعيد بن أياس البصري ، قال أحمد : هو محدث أهل البصرة ، وقال أبو حاتم : تغيّر حفظه قبل موته ، قال أحمد بن حنبل : سألت ابن علية : أكان الجريري اختلط؟ فقال : لا ، كبر الشيخ فرقّ ، وأما ابن عدي فقال : لا نكذب الله ، سمعنا من الجريري وهو مختلط ( ت 144 هـ ).
(453)
أنّ النص مكذوب على أبي سعيد ، وإن كثرت أسانيد الرواية عنه ، مع وجود الآفة في بعض رجال الرواة ، كالجريري الذي اختلط وتغيّر حفظه ، ومع ذلك لم يترك ابن علية وابن عدي السماع منه ، بل أقسم ابن عدي فقال : لا نُكذِب الله ، سمعنا من الجريري وهو مختلط. هذا من جهة السند ، ولنلق نظرة عابرة على متنه لنرى مدى صحته ، وهل يسوى سماعه وتحصيله بدرة أو لا يسوى حتى بعرة؟
فنقول : إنّ صحيح البخاري له مقام عند العامة ، لا يوازيه أيّ كتاب من صحاحهم وغيرها ، حتى قالوا فيه : إنّه أصح كتاب بعد كتاب الله ، وهذا وإن لم نقبله نحن ، ولكن لإلزام ابن كثير وقومه نقول لهم : إنّ بخاريّكم روى بسنده عن الزهري عن عروة عن عائشة خبر مطالبة الزهراء ( عليها السلام ) في باب غزوة خيبر (1) ـ وقد مرّ ذكره في النص الثاني فماذا عند البخاري فراجع ـ وقد جاء فيه : ( فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ... ).
وقد بيّنا هناك اقتضاب البخاري ـ ومثله أحمد بن حنبل في مسنده ـ لهذا الخبر ، مع أنّ عبد الرزاق وهو قبلهما ، قد روى الخبر بنفس السند وبصورة أتم ، ومما جاء فيه : قال معمّر : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر؟ قال : لا ، ولا واحد من بني هاشم حتى بايعه علي. ( راجع النص التاسع فيماذا عند عبد الرزاق ).
1 ـ صحيح البخاري 5 : 139.
(454)
ومن المضحك ـ وشر البلية ما يضحك ـ أنّ ابن كثير لم يغب عنه ما رواه عبد الرزاق وأحمد والبخاري ، فراوغ في الجمع بين ما ذكره أولاً من خبره الذي رواه ابن خزيمة ، وقوّم تحصيل سماعه ببُدرة ، وبين ما رواه الثلاثة ، فساق خبراً كذباً عقب ما مرّ وهو النص الآتي.
النص الثاني : وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن سعد بن إبراهيم : حدّثني أبي أنّ أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر ، وأنّ محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس وقال : والله ما كنت حريصاً على الإمارة يوماً ولا ليلة ، ولا سألتها الله في سر ولا علانية ، فقبل المهاجرون مقالته ، وقال علي والزبير : ما أغضبنا إلاّ لأنّنا أُخّرنا عن المشورة ، وإنّا نرى أبا بكر أحق الناس بها ، إنّه لصاحب الغار ، وإنّا لنعرف شرفه وخيره ، ولقد أمره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالصلاة بالناس وهو حي.
ثم قال ابن كثير : وهذا اللائق بعلي ( رضي الله عنه ) ، والذي يدلّ عليه الآثار من شهوده معه الصلوات ، وخروجه معه إلى ذي القصة بعد موت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما سنورده ، وبذله له النصيحة والمشورة بين يديه ، وأما ما يأتي من مبايعته إياه بعد موت فاطمة ، وقد ماتت بعد أبيها ( عليه السلام ) بستة أشهر ، فذلك محمول على أنّها بيعة ثانية أزالت ما كان قد وقع من وحشة بسبب الكلام في الميراث ، ومنعه إياهم ذلك بالنص عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في قوله : لا نورث ما تركنا فهو صدقة.
أقول : هذا هو الجمع بين الخبرين فيما يراه ابن كثير ، فكل من بايع أبا بكر من المسلمين بايعه مرّة واحدة ، إلاّ علي المظلوم فقد بايعه مرّتين ، لك الله يا علي؟! إنّها لفرية جازت الحد ، ولا تسوى النقد والرد ، وإنّما أشرت إليها لأثبت للقارئ أنّ الخبر الذي رواه ابن خزيمة لا يسوى سماعه بعرة فضلاً عن بدرة ، وما تمسك ابن كثير به إلا لنصبه ، وقد ذكره في كتابه ( السيرة النبوية ) (1) مع غيره من الطامات ما لا سبيل إلى قبولها بأيّ وجه.
1 ـ السيرة النبوية 4 : 494.
(455)
ولدلالة القارئ على جانب مما يكشف عن نَصبه ما ذكره تعقيباً عليه فقال : وفيه أنّ زيد بن ثابت أخذ بيد أبي بكر فقال : هذا صاحبكم فبايعوه ، ثم انطلقوا ، فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير علياً ، فسأل عنه ، فقام ناس من الأنصار فأتوا به.
ثم ذكر بقية الخبر وقصة بيعة الزبير بعد علي ، ثم قال : وقد رواه الإمام أحمد ... وهذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة ... وفيه فائدة جليلة وهي مبايعة علي بن أبي طالب ، أما في أول يوم أو في اليوم الثاني من الوفاة وهذا حق ( ؟! ) فإنّ علي بن أبي طالب لم يفارق الصديق في وقت من الأوقات ، ولم ينقطع في صلاة من الصلوات خلفه كما سنذكره ، وخرج معه إلى ذي القصة لما خرج الصديق شاهراً سيفه يريد قتال أهل الردة ( ؟! )
ولكن لما حصل من فاطمة ( رضي الله عنها ) عتب على الصديق ، بسبب ما كانت متوهمة من أنّها تستحق ميراث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم تعلم بما أخبرها به أبو بكر الصديق انّه قال : ( لا نورث ما تركنا فهو صدقة ) فحجبها وغيرها من أزواجه وعمه عن الميراث بهذا النص الصريح ، كما سنبيّنه في موضعه ، فسألته أن ينظر علي في صدقة الأرض التي بخيبر وفَدَك ، فلم يجبها إلى ذلك ، وهو الصادق البار الراشد التابع للحق ، فحصل لها _ وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة ( ؟! ) _ عتب وتغضّب ولم تكلّم الصدّيق حتى ماتت ، واحتاج علي أن يراعي خاطرها بعض الشيء ، فلما ماتت بعد ستة أشهر من وفاة أبيها ( صلى الله عليه وآله ) رأى علي أن يجدّد البيعة مع أبي بكر مع ما تقدم له من البيعة قبل دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ( ؟ ) ويزيد ذلك صحة قول موسى بن عقبة في مغازيه : أقول ... ثم ذكر ما مرّ عنه آنفاً في أول النص الثاني.
هذا بعض ما عند ابن كثير من زخرف القول بالباطل في بيعة أبي بكر ، ولم يستطع إخفاء نصبه مضافاً إلى كذبه إنه لم يترض عن علي ولا مرّة واحدة ، مع
(456)
تكرر ذكره في الخبر خمس مرّات ، بينما ترضّى عن صاحبه أبي بكر ثلاث مرّات ، وليس هذا بشيء إزاء شنعته الصلعاء حين نفى عصمة الصديقة الزهراء ( عليها السلام ) ، مع سوء أدب وقلة حياء ....
ولو كان ممن آتاه الله فهماً في كتابه ، لما عمي عن مدلول آية التطهير وشأن نزولها ، وتأكيد النبي ( صلى الله عليه وآله ) على تعيين أصحابها وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها (1) ، ولا عن مدلول آية المباهلة ، ولا عن آية المودة.
ولو كان لديه قلة حياء لما تعامى عن أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) نحو قوله : فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني (2).
وقوله الآخر : فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها (3).
وقوله الثالث : إنّ الله يغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ (4).
وقوله الرابع : فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها (5).
وقوله الخامس : قال لعلي ( عليه السلام ) : أوتيتَ ثلاثاً لم يؤتهنّ أحد ولا أنا ، أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثله ، وأوتيتَ زوجة صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها
1 ـ راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 371 ـ 408.
2 ـ صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق ، باب مناقب قرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومنقبة فاطمة ، وله عدّة مصادر اُخرى : منها خصائص النسائي : 35 ، وذكره المناوي في فيض القدير 4 : 421 ، وقال : استدل به السهيلي على أنّ من سبّها كفر ، لأنّه يغضبه ، وأنها أفضل من الشيخين.
3 ـ صحيح البخاري في كتاب النكاح ورواه غيره ، راجع كتاب علي إمام البررة 2 : 168 ـ230 و280.
4 ـ أخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 53 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ورواه ابن الأثير في اُسد الغابة 5 : 522 ، وابن حجر في الإصابة 8 : 159 ، وفي تهذيب التهذيب 12 : 441 ، وابن عدي في الكامل 2 : 351 في ترجمة الحسين بن زيد العلوي ، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 1 : 221, ورواه ابن عساكر في تاريخه 1 : 299, والمتقي الهندي في كنز العمّال.
5 ـ مسند أحمد 4 : 323 ، ومستدرك الحاكم 3 : 158.
(457)
زوجة ، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما ، ولكنكم منّي وأنا منكم أخرجه أبو سعيد في شرف النبوة ، وعنه المحب الطبري في الرياض النضرة (1).
وقوله السادس : رأيت على باب الجنة مكتوباً : لا إله إلاّ الله ، محمد رسول الله ، علي حبّ الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة خيرة الله ، على باغضهم لعنة الله أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (2).
وقوله السابع : إنما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها أخرجه مسلم في الصحيح في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل فاطمة ، وذكره الفخر الرازي في تفسير آية المودّة في سورة الشورى بلفظ يؤذيني ما يؤذيها وأخرجه الترمذي بتفاوت يسير.
وقوله الثامن : إنّما فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها أخرجه الترمذي في صحيحه (3) ، والحاكم في مستدركه ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (4) ، وأخرجه أحمد في مسنده (5).
وقوله التاسع : إن الله ( عزّ وجلّ ) فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار ، فلذلك سمّيت ابنتي فاطمة أخرجه الديلمي عن أبي هريرة مرفوعاً ، ورواه المتقي في كنز العمّال ، ونحوه في ذخائر العقبى (6).
1 ـ الرياض النضرة 2 : 202.
2 ـ تاريخ بغداد 1 : 259.
3 ـ صحيح الترمذي 2 : 319 ، ومستدرك الحاكم 3 : 159 ، مسند أحمد 4 : 5.
4 ـ المستدرك 3 : 159.
5 ـ مسند أحمد 4 : 5.
6 ـ ذخائر العقبى : 26.
(458)
وقوله العاشر : يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت : يا أبت فأين مريم ابنة عمران؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها وأنتِ سيدة نساء عالمكِ ، أما والله زوجتك سيداً في الدنيا والآخرة ولا يبغضه إلا منافق أخرجه أبو نعيم في الحلية ، والطحاوي في مشكل الآثار ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى (1) ، وغيرهم.
وقوله الحادي عشر : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : يا معشر الخلائق طأطئوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، أخرجه الخطيب في تاريخه ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى وقال : خرّجه ابن بشران عن عائشة (2).
هذه إحدى عشرة رواية كاملة صريحة العبارة واضحة الدلالة على فضل فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وانّها صديقة معصومة ، وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، ومع هذا كلّه فيأبى ابن كثير الشامي أن يقرّ لها بالعصمة ، بل وتجاوز الحد في نصبه فقال : وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة.
وما أدري كيف يثبتون العصمة لغيرها مع سوء التصرف مع إمام الحق في زمانها ، ولا أقل من قبول شهادة عائشة وهي أم المؤمنين بأنّ فاطمة ( عليها السلام ) أصدق الناس حديثاً ما عدا والدها ، فقد أخرج الحاكم في المستدرك (3) ، بسنده عن عائشة أنّها كانت إذا ذكرت فاطمة ( سلام الله عليها ) بنت النبي ( صلى الله عليه وآله ) قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها إلا أن يكون الذي ولدها. وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
1 ـ حلية الأولياء 2 : 42 ، مشكل الآثار 1 : 50 ، ذخائر العقبى : 43.
2 ـ الخطيب في تاريخه 8 : 141 ، ذخائر العقبى : 48.
3 ـ المستدرك 3 : 160.
(459)
وقد روى الخبر أيضاً أبو عمر في الاستيعاب (1) ، وفي لفظ أبي نعيم في الحلية (2) قالت عائشة : ما رأيت أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها.
فهي في دعواها صادقة ، ولم يكن أبو بكر أصدق منها في زعمه سماعه الحديث ( إنا لا نورث ) شهادة ابنته عائشة كما مرّ ، ومع هذا يقول ابن كثير أنّها متوهمة ، وهي امرأة من البشر ليست بواجبة العصمة!!
ولنا أن نسأل منه ما رأيه في روايات البخاري في صحيحه التي تثبت غضبها على أبي بكر ، وليس كما يقول هو فحصل لها ... عتب وتغضب ، بل حصل غضب وشديد أيضاً فلنقرأ :
ففي صحيح البخاري (3) أنّ فاطمة ( عليها السلام ) ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سألت أبا بكر ... أن يقسم لها ميراثها ... فغضبت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، والحديث عن عائشة.
وفيه أيضاً (4) ... فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ... والحديث عن عائشة ، وفيه أيضاً (5) ... فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت ... والحديث عن عائشة.
وهذا ما رواه مسلم (6) ، ورواه أحمد في مسنده (7) ، ورواه البيهقي في سننه (8).
وروى الترمذي في صحيحه في باب ما جاء في تركة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أنّ فاطمة قالت لأبي بكر وعمر : والله لا اُكلمكما أبداً ، فماتت ولا تكلّمهما.
1 ـ الاستيعاب 2 : 751.
2 ـ حلية الأولياء 2 : 41.
3 ـ صحيح البخاري 4 : 79, كتاب الخمس.
4 ـ المصدر نفسه 5 : 139 ، باب غزوة خيبر.
5 ـ المصدر نفسه 8 : 149 ، كتاب الفرائض.
6 ـ صحيح مسلم 5 : 153 ، كتاب الجهاد.
7 ـ مسند أحمد 1 : 9.
8 ـ سنن البيهقي 6 : 300.
(460)
وروى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (1) : فقالت _ فاطمة ( عليها السلام ) _ لأبي بكر وعمر : أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تعرفانه وتفعلان به؟ قالا : نعم ، فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : رضى فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟
قالا : نعم ، سمعناها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قالت : فإنّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأشكونكما إليه ، فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها ، ثم خرج فاجتمع الناس فقال لهم : يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي.
هذا ما رواه شيوخ الحديث من أصحاب ابن كثير ، وهو مع ذلك يقول بكل صلف عن فاطمة ( عليها السلام ) ما قال ، ونحن لا نزيد على قول الله تعالى في محكم كتابه : « إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ » (2).
ولم يخف ابن كثير نُصبه وايذاءه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته بكل سبيل ، حتى حاول صرف بيعة الغدير عن مغزاها وتفريغها عن محتواها ، فقال :
( فصل في إيراد الحديث الدال على أنه ( عليه السلام ) خطب بمكان بين مكة والمدينة ، مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ فبيّن فيها فضل علي بن أبي طالب ، وبراءة عِرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن ، بسبب ما كان صدر منه اليهم من العدالة التي ظنّها بعضهم جوراً
1 ـ الإمامة والسياسة : 14 ، في بيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
2 ـ الأحزاب : 57.