الفطرة بمعنى الولادة في الاِسلام

ـ الكافي ج 8 ص 340
قال علي بن الحسين : ولم يولد لرسول الله صلى الله عليه وآله من خديجة على فطرة الاِسلام إلا فاطمة عليها السلام وقد كانت خديجة عليها السلام ماتت قبل الهجرة بسنة ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة ، فلما فقدهما رسول الله صلى الله عليه وآله سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد وأشفق على نفسه من كفار قريش ، فشكا إلى جبرئيل عليه السلام ذلك ، فأوحى الله عز وجل إليه : أخرج من القرية الظالم أهلها وهاجر إلى المدينة فليس لك اليوم بمكة ناصر ، وانصب للمشركين حرباً . فعند ذلك توجه رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة . انتهى . ورواه في بحار الاَنوار ج 19 ص 117

ـ مستدرك الوسائل ج 11 ص 58
وعن إسماعيل بن موسى ، بإسناده عن أبي البختري قال : لما انتهى علي عليه السلام إلى البصرة خرج أهلها . . . . إلى أن قال : فقاتلوهم وظهروا عليهم وولوا منهزمين ، فأمر علي منادياً ينادي : لا تطعنوا في غير مقبل ، ولا تطلبوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جريح ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، وما كان بالعسكر فهو لكم مغنم ، وما كان في الدور فهو ميراث يقسم بينهم على فرائض الله عز وجل ، فقام إليه قوم من أصحابه فقالوا : يا أمير المؤمنين من أين أحللت لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علينا نساءهم ؟ فقال : لاَن القوم على الفطرة ، وكان لهم ولاء قبل الفرقة ، وكان نكاحهم لرشدة . فلم يرضهم ذلك من كلامه . فقال لهم : هذه السيرة في أهل القبلة فأنكرتموها ، فانظروا أيكم يأخذ عائشة في سهمه ؟ ! فرضوا بما قال ، فاعترفوا صوابه وسلموا لاَمره . انتهى . ورواه المغربي في شرح الاَخبار ج 1 ص 395 ، وروته أيضاً مصادر التاريخ .

( 94 )

القول بأن من ولد في الاِسلام فهو من أهل الجنة

ـ الدر المنثور ج 2 ص 115
وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب : لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس قال : هل رآه أحد منكم على الاِسلام ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثى عليه التراب وقال : أصحابك يظنون أنك من أهل النار ، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة . وقال : يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة .

ـ صحيح مسلم ج 2 ص 4
. . . . فسمع رجلاً يقول الله اكبر ، الله اكبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على الفطرة ثم قال : أشهد أن لا إلَه إلا الله أشهد أن لا إلَه إلا الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خرجت من النار ، فنظروا فإذا هو راعي معزى .

ـ كنز العمال ج 8 ص 366
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فسمعنا منادياً ينادي : الله اكبر ، الله اكبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على الفطرة فقال : أشهد أن لا إلَه إلا الله ، قال : خرج من النار ، فابتدرناه فإذا هو شاب حبشي يرعى غنماً له في واد ، فأدرك صلاة المغرب فأذن لنفسه ــ أبو الشيخ .

ـ سنن الترمذى ج 3 ص 87
. . . . واستمع ذات يوم فسمع رجلاً يقول : الله اكبر ، الله اكبر ، فقال : على الفطرة ، فقال : أشهد أن لا إلَه إلا الله ، قال خرجت من النار .

( 95 )
ـ مسند أحمد ج 3 ص 241
. . . نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ سمع رجلاً يقول الله اكبر ، الله اكبر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على الفطرة ، قال أشهد ان لا إلَه إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خرج هذا من النار . انتهى .
وقد صحت الروايات عند اخواننا أن الخليفة عمر قد وسع دائرة شفاعة النبي صلى الله عليه وآله حتى تشمل المنافقين بل والكفار ، بل صحت رواياتهم بأن مذهب الخليفة عمر أن جهنم تنتهي بعد مدة وينقل أهلها إلى الجنة .. إلخ . وسيأتي ذلك في بحث الشفاعة إن شاء الله تعالى .

الفطرة والنبوة والشرائع الاِلَهية

ـ الكافي ج 8 ص 424
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كانت شريعة نوح عليه السلام أن يعبد الله بالتوحيد والاِخلاص وخلع الاَنداد ، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها ، وأخذ الله ميثاقه على نوح وعلى النبيين أن يعبدوا الله تبارك وتعالى ولا يشركوا به شيئاً ، وأمر بالصلاة والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام ، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرض مواريث فهذه شريعته ، فلبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم سراً وعلانية ، فلما أبوا وعتوا قال : رب إني مغلوب فانتصر . فأوحى الله عز وجل إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يعملون . فلذلك قال نوح عليه السلام : ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً . فأوحى الله عز وجل إليه : أن اصنع الفلك . انتهى . ورواه العياشي في تفسيره ج 2 ص 144 ، ورواه في بحار الاَنوار ج 11 ص 331

( 96 )
ـ الكافي ج 2 ص 17
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، وعدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن محمد بن مروان ، جميعاً عن أبان بن عثمان ، عمن ذكره عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أعطى محمداً صلى الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام : التوحيد والاِخلاص وخلع الاَنداد والفطرة الحنفية السمحة لا رهبانية ولا سياحة ، أحل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث ، ووضع عنهم إصرهم والاَغلال التي كانت عليهم ، ثم افترض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل الله ، وزاده الوضوء ، وفضله بفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة والمفصل ، وأحل له المغنم والفيء ، ونصره بالرعب ، وجعل له الاَرض مسجداً وطهوراً ، وأرسله كافة إلى الاَبيض والاَسود والجن والاِنس ، وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم ، ثم كلفه ما لم يكلف أحداً من الاَنبياء ، أنزل عليه سيف من السماء في غير غمد وقيل له : قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك .

ـ ورواه في بحار الاَنوار ج 72 ص 317 وقال :
تبيين : قوله عليه السلام ( شرايع نوح ) يحتمل أن يكون المراد بالشرايع أصول الدين ويكون التوحيد والاِخلاص وخلع الاَنداد بياناً لها ، والفطرة الحنيفية معطوفة على الشرايع ، وإنما خص عليه السلام ما به الاِشتراك بهذه الثلاثة ، مع اشتراكه عليه السلام معهم في كثير من العبادات لاختلاف الكيفيات فيها دون هذه الثلاثة ، ولعله عليه السلام لم يرد حصر المشتركات فيما ذكر لعدم ذكر السائل أصول الدين كالعدل والمعاد ، مع أنه يمكن إدخالها بعض ما ذكر ، لا سيما الاِخلاص بتكلف .
ويمكن أن يكون المراد منها الاَصول وأصول الفروع المشتركة وإن اختلفت في
( 97 )
الخصوصيات والكيفيات ، وحينئذ يكون جميع تلك الفقرات إلى قوله عليه السلام ( وزاده ) بياناً للشرايع ، ويشكل حينئذ ذكر الرهبانية والسياحة ، إذ المشهور أن عدمهما من خصائص نبينا صلى الله عليه وآله ، إلا أن يقال المراد عدم الوجوب وهو مشترك ، أو يقال إنهما لم يكونا في شريعة عيسى عليه السلام أيضاً .
وإن استشكل بالجهاد وأنه لم يجاهد عيسى عليه السلام فالجواب أنه يمكن أن يكون واجباً عليه لكن لم يتحقق شرائطه ، ولذا لم يجاهد .
ولعل قوله عليه السلام ( زاده وفضله ) بهذا الوجه أوفق .
وكأن المراد بالتوحيد نفي الشريك في الخلق ، وبالاِخلاص نفي الشريك في العبادة ، و خلع الاَنداد تأكيد لهما ، أو المراد به ترك أتباع خلفاء الجور وأئمة الضلالة أو نفي الشرك الخفي ، أو المراد بالاِخلاص نفي الشرك الخفي ، وبخلع الاَنداد نفي الشريك في استحقاق العبادة .
والاَنداد : جمع ند ، وهو مثل الشيء الذي يضاده في أموره ، ويناده أي يخالفه .
والفطرة : ملة الاِسلام التي فطر الله الناس عليها ، كما مر .
والحنيفية : المائلة من الباطل إلى الحق ، أو الموافقة لملة إبراهيم عليه السلام قال في النهاية : الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم ، وأصل الحنف الميل ، ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ، وفي القاموس : السمحة الملة التي ما فيها ضيق .

ـ بحار الاَنوار ج 76 ص 68
مكا : عن الصادق عليه السلام قال : كان بين نوح وإبراهيم عليهما السلام ألف سنة ، وكانت شريعة إبراهيم بالتوحيد والاِخلاص وخلع الاَنداد ، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها وهي الحنيفية . وأخذ عليه ميثاقه وأن لا يعبد إلا الله ، ولا يشرك به شيئاً ، قال : وأمره بالصلاة والاَمر والنهي ولم يحكم له أحكام فرض المواريث ، وزاده في الحنيفية :
( 98 )
الختان وقص الشارب ونتف الاِبط وتقليم الاَظفار وحلق العانة ، وأمره ببناء البيت والحج والمناسك ، فهذه كلها شريعته عليه السلام .

معنى الفطرة والصبغة

ـ تفسير التبيان ج 1 ص 485
قوله تعالى : صبغة الله ، معناه فطرة الله في قول الحسن وقتادة وأبي العالية ومجاهد وعطية وابن زيد والسدي .
وقال الفراء والبلخي : إنه شريعة الله في الختان الذي هو التطهير .
وقوله صبغة الله ، مأخوذ من الصبغ ، لاَن بعض النصارى كانوا إذا ولد لهم مولود جعلوه في ماء طهور يجعلون ذلك تطهيراً له ويسمونه العمودية ، فقيل صبغة الله أي تطهير الله ، تطهيركم بتلك الصبغة وهو قول الفراء .
وقال قتادة : اليهود تصبغ أبناءها يهوداً والنصارى تصبغ أبناءها نصارى ، فهذا غير المعنى الاَول ، وإنما معناه أنهم يلقنون أولادهم اليهودية والنصرانية ، فيصبغونهم بذلك لما يشربون قلوبهم منه ، فقيل صبغة الله التي أمر بها ورضيها يعني الشريعة ، لا صبغتكم .
وقال الجبائي : سمي الدين صبغة لاَنه هيئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة وغير ذلك من الآثار الجميلة التي هي كالصبغة ، وقال أمية :

في صبغة الله كان إذ نسي الــ * ـعهد وخلى الصواب إذ عزما

ـ تفسير التبيان ج 3 ص 334
وقوله : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله : اختلفوا في معناه فقال ابن عباس ، والربيع بن أنس ، عن أنس : إنه الاِخصاء ، وكرهوا الاِخصاء في البهائم ، وبه قال سفيان ، وشهر بن حوشب ، وعكرمة ، وأبوصالح . وفي رواية أخرى عن ابن عباس : فليغيرن دين الله ، وبه قال إبراهيم ومجاهد ، وروى ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام . قال
( 99 )
مجاهد : كذب العبد يعني عكرمة في قوله إنه الاِخصاء ، وإنما هو تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه في قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم . وهو قول قتادة والحسن والسدي والضحاك وابن زيد .
ـ وقال الكفعمي في المصباح ص 340
الفاطر أي المبتدع لاَنه فطر الخلق أي ابتدعهم ، وخلقهم من الفطر وهو الشق ، ومنه : إذا السماء انفطرت ، أي انشقت ، وقوله : تكاد السموات يتفطرن ، أي يتشققن كأنه سبحانه شق العدم بإخراجنا منه ، وقوله تعالى : فاطر السموات أي مبديء خلقها.

ـ بحار الاَنوار ج 3 ص 276 ـ 281
سن : المحسن بن أحمد ، عن أبان الاَحمر ، عن أبي جعفر الاَحول ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : عروة الله الوثقى التوحيد ، والصبغة الاِسلام .
بيان : قال البيضاوي في قوله تعالى : صبغة الله : أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فإنها حلية الاِنسان ، كما أن الصبغة حلية المصبوغ ، أو هدانا هدايته وأرشدنا حجته ، أو طهر قلوبنا بالاِيمان تطهيره . وسماه صبغة لاَنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ على المصبوغ ، وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب ، أو للمشاكلة فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه العمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق نصرانيتهم .
ـ مع : أبي ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن أبان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، قال : هي الاِسلام .
ـ شف : من كتاب القاضي القزويني ، عن هارون بن موسى التلعكبري ، عن محمد بن سهل ، عن الحميري ، عن ابن يزيد ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قال
( 100 )
: هي التوحيد ، وأن محمداً رسول الله ، وأن علياً أمير المؤمنين .
ـ شي : عن زرارة ، عن أبي جعفر وحمران ، عن أبي عبدالله عليهما السلام قال : الصبغة الاِسلام .
شي : عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، قال : الصبغة معرفة أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية في الميثاق .

ـ بحار الاَنوار ج 1 ص 209
ل : ماجيلويه ، عن محمد العطار ، عن الاَشعري ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن معروف ، عن ابن مهزيار ، عن حكم بن بهلول ، عن ابن همام ، عن ابن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت علياً عليه السلام يقول لاَبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني : يا أبا الطفيل العلم علمان : علم لا يسع الناس إلا النظر فيه وهو صبغة الاِسلام ، وعلم يسع الناس ترك النظر فيه وهو قدرة الله عز وجل .
بيان : قال الفيروزآبادي : الصبغة بالكسر : الدين والملة ، وصبغة الله : فطرة الله ، أو التي أمر الله بها محمداً صلى الله عليه وآله وهي الختانة . انتهى .
أقول : المراد بالصبغة هنا الملة أوكل ما يصبغ الاِنسان بلون الاِسلام من العقائد الحقة ، والاَعمال الحسنة ، والاَحكام الشرعية .
وقدرة الله تعالى لعل المراد بها هنا تقدير الاَعمال ، وتعلق قدرة الله بخلقها ، أي علم القضاء والقدر والجبر والاِختيار ، فإنه قد نهي عن التفكر فيها .
وفي نهج البلاغة : أنه قال أمير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عن القدر فقال : طريق مظلم فلا تسلكوه . انتهى .

ـ بحار الاَنوار ج 67 ص 130
البقرة ــ 138 : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون .
الروم ــ 30 : فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

( 101 )
ـ كا : عن علي ، عن أبيه ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، قال : الاِسلام .
بيان : قيل على هذه الاَخبار يحتمل أن تكون ( صبغة ) منصوبة على المصدر من مسلمون في قوله تعالى قبل ذلك : لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصاً بالخواص والخلص المخاطبين بـ ( قولوا ) في صدر الآيات حيث قال : قولا آمنا بالله وما أنزل إلينا ، دون سائر أفراد بني آدم ، بل يتعين هذا المعنى إن فسر الاِسلام بالخضوع والاِنقياد للاَوامر والنواهي كما فعلوه ، وإن فسر بالمعنى العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله . . . .
وقيل : صبغة الله إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلى الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما . . . .
وقيل : معناه كل مولود يولد على معرفة الله والاِقرار به ، فلا تجد أحداً إلا وهو يقر بأن الله صانعه ، وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره ، ومنه حديث حذيفة ( على غير فطرة محمد ) أراد دين الاِسلام الذي هو منسوب إليه . انتهى .
وقال بعضهم : المراد بالفطرة كونه خلقاً قابلاً للهداية ومتهيئاً لها ، لما أوجد فيه من القوة القابلة لها ، لاَن فطرة الاِسلام وصوابها موضوع في العقول ، وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الاَبوين ، أو غيرهما .
وأجيب عنه بأن حمل الفطرة على الاِسلام لا يأباه العقل ، وظاهر الروايات يدل عليه . وحملها على خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند .
. . . . لا تبديل لخلق الله : أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين ، بل كان كلهم مسلمين مقرين به أو قابلين للمعرفة ، وأراهم نفسه : أي بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته ، ويعرفوه في دار التكليف ، ولولا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابلية ، وفسر عليه السلام الفطرة في
( 102 )
الحديث بالمجبولية على معرفة الصانع والاِذغان به . كذلك قوله في هذه الآية أيضاً محمولة على هذا المعنى : ولئن سألتهم ، أي كفار مكة كما ذكره المفسرون ، أو الاَعم كما هو الاَظهر من الخبر ، ليقولن الله ، لفطرتهم على المعرفة . وقال البيضاوي : لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره ، بحيث اضطروا إلى إذعانه .
والمشهور أنه مبنى على أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله ، بل كانوا يعبدون الاَصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله ، وظاهر الخبر أن كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الاَهواء وتقليد الاَسلاف والآباء ، لاَقر بذلك ، كما ورد ذلك الاَخبار الكثيرة .
قال بعض المحققين : الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله ويتوجهون توجهاً غريزياً إلى مسبب الاَسباب ومسهل الاَمور الصعاب ، وإن لم يتفطنوا لذلك ، ويشهد لهذا قول الله عز وجل قال : أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين . بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون .
وفي تفسير مولانا العسكري عليه السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل : يا عبدالله هل ركبت سفينة قط ؟ قال : بلى ، قال : فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟ قال بلى ، قال : فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الاَشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك ؟ قال : بلى ، قال الصادق : فذلك الشيء هو الله القادر على الاِنجاء حين لا منجي ، وعلى الاِغاثة حين لا مغيث .
ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عز وجل متروكين على ما فطروا عليه ، مرضياً عنهم بمجرد الاِقرار بالقول ، ولم يكلفوا الاِستدلالات العلمية في ذلك ، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة . وأما الاِستدلال فللرد على أهل الضلال .
ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان ، وتحصيل
( 103 )
الاِطمينان كماً وكيفاً شدةً وضعفاً سرعةً وبطئاً حالاً وعلماً وكشفاً وعياناً ، وإن كان أصل المعرفة فطرياً ، إما ضروري أو يهتدي إليه بأدنى تنبيه ، فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليها إن كان من أهل الهداية ، والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، وهم درجات عند الله ، يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات .
قال بعض المنسوبين إلى العلم : إعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل ، فكأن هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف ، وأسبقها إلى الاَفهام وأسهلها على العقول ، ونرى الاَمر بالضد من ذلك ، فلا بد من بيان السبب فيه .
وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله فمعنى لا تفهمه إلا بمثال ، هو : أنا إذا رأينا إنساناً يكتب أو يخيط مثلاً ، فإن كونه حياً من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلى عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة ، إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه ، وكل ذلك لا نعرفه ، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها ، وبعضها نشك فيه ، كمقدار طوله ، واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته . أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيواناً فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته ، فإن هذه الصفات لا تحس بشيَ من الحواس الخمس ، ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته ، فلو نظرنا إلى كل ما في العالم سواء لم نعرف به صفاته ، فما عليه إلا دليل واحد ، وهو مع ذلك جلي واضح .
ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر ، ونبات وشجر ، وحيوان وسماء ، وأرض وكوكب ، وبر وبحر ، ونار وهواء ، وجوهر وعرض ، بل أول شاهد عليه أنفسنا ، وأجسامنا وأصنافنا ، وتقلب أحوالنا ، وتغير قلوبنا ، وجميع أطوارنا ، في حركاتنا وسكناتنا .
وأظهر الاَشياء في علمنا أنفسنا ، ثم محسوساتنا بالحواس الخمس ، ثم مدركاتنا
( 104 )
بالبصيرة والعقل ، وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد ، وشاهد ودليل واحد ، وجميع ما في العالم شواهد ناطقة ، وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها ، ودالة على علمه وقدرته ولطفه وحكمته . والموجودات المدركة لا حصر لها .
فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس يشهد له إلا شاهد واحد ، وهو ما أحسسنا من حركة يده ، فكيف لا يتصور في الوجود داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلى عظمته وجلاله ، إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها ، ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلى موجد ومحرك لها ، يشهد بذلك أولاً تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا ، ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا ، وتشكل أطرافنا ، وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة ، فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها ، كما نعلم أن يد الكاتب لم تتحرك بنفسها . ولكن لما لم يبق في الوجود مدرك ، ومحسوس ومعقول ، وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره ، فانبهرت العقول ، ودهشت عن إدراكه .
فإذن ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان : أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه ، وذلك لا يخفى مثاله ، والآخر ما يتناهى وضوحه . وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار ، لا لخفاء النهار واستتاره ، ولكن لشدة ظهوره ، فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق ، فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سبباً لامتناع أبصاره فلا يرى شيئاً إلا إذا امتزج الظلام بالضوء ، وضعف ظهوره . فكذلك عقولنا ضعيفة ، وجمال الحضرة الاِلَهية في نهاية الاِشراق والاِستنارة وفي غاية الاِستغراق والشمول ، حتى لا يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السماوات والاَرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره ، واختفى عن البصائر والاَبصار بظهوره . ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور ، فإن الاَشياء تستبان بأضدادها وما عم وجوده حتى لا ضد له عسر إدراكه ، فلو اختلفت الاَشياء فدل
( 105 )
بعضها دون البعض أدركت التفرقة على قرب ، ولما اشتركت في الدلالة على نسق واحد أشكل الاَمر . ومثاله نور الشمس المشرق على الاَرض ، فإنا نعلم أنه عرض من الاَعراض يحدث في الاَرض ، ويزول عند غيبة الشمس . . . .

ـ الدر المنثور ج 5 ص 155
فأقم وجهك . . . . الآية . أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قال : الدين الاِسلام ، لا تبديل لخلق الله ، قال لدين الله .
ــ وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : لاتبديل لخلق الله ، قال : دين الله . ذلك الدين القيم ، قال : القضاء القيم .

دور الفطرة في المعرفة والثقافة والحضارة

ـ تفسير نور الثقلين ج 4 ص 175
ـ في توحيد المفضل بن عمر المنقول عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام في الرد على الدهرية :
تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الاِنسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه ونتيجة فكره ، به يفهم غيره ما في نفسه ، ولولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشيء ، ولا تفهم عن مخبر شيئاً ، وكذلك الكتابة التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين وبها تجلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها ، وبها يحفظ الاِنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب ، ولولاها لا نقطع أخبار بعض الاَزمنة عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم ، ودرست العلوم وضاعت الآداب ، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم ، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم وما روي لهم مما لايسعهم جهله .

( 106 )
ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة ، وليست مما أعطيه الاِنسان من خلقه وطباعه . وكذلك الكلام إنما هو شيء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم ، ولهذا صار يختلف في الاَمم المختلفة بألسن مختلفة ، وكذلك الكتابة ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من ساير الكتابة التي هي متفرقة في الاَمم ، إنما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام .
فيقال لمن ادعى ذلك إن الاِنسان وإن كان له في الاَمرين جميعاً فعل أو حيلة ، فإن الشيء الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عز وجل في خلقه ، فإنه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدي به للاَمور ، لم يكن ليتكلم أبداً ، ولو لم يكن له كف مهيأة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبداً ، واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة . فأصل ذلك فطرة الباري عز وجل ، وما تفضل به على خلقه ، فمن شكر أثيب ، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين .

بحث في دور الفطرة والنبوة في الحياة الاِنسانية

ـ تفسير الميزان ج 10 ص 128
قوله تعالى : وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه بغياً بينهم .
قد مر أن المراد به الاِختلاف الواقع في نفس الدين من حملته ، وحيث كان الدين من الفطرة كما يدل عليه قوله تعالى : فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها . الروم ــ 30 . . . .
على أن الفطرة لا تنافي الغفلة والشبهة ولكن تنافي التعمد والبغي ، ولذلك خص البغي بالعلماء ومن استبانت له الآيات الاِلَهية ، قال تعالى : والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقره ــ 39 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وقد قيد الكفر في جميعها بتكذيب آيات الله ثم أوقع عليه الوعيد . وبالجملة فالمراد بالآية أن هذا الاِختلاف ينتهي إلى بغي حملة الكتاب من بعد علم . . . .

( 107 )
وقد تبين من الآية : أولاً ، حد الدين ومعرفته وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا يتضمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الاَخروي والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه ، فلابد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش على قدر الاِحتياج .
وثانياً ، أن الدين أول ما ظهر ظهر رافعاً للاِختلاف الناشيء عن الفطرة ، ثم استكمل رافعاً للاِختلاف الفطري وغير الفطري معاً .
وثالثاً ، أن الدين لا يزال يستكمل حتى تستوعب قوانينه جهات الاِحتياج في الحياة فإذا استوعبها ختم ختماً فلا دين بعده ، وبالعكس إذا كان دين من الاَديان خاتماً كان مستوعباً لرفع جميع جهات الاِحتياج ، قال تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين . الاَحزاب ــ 40 وقال تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء . النحل ــ 89 وقال تعالى : وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
حم السجده ــ 42 .
ورابعاً ، أن كل شريعة لاحقة أكمل من سابقتها .
وخامساً ، السبب في بعث الاَنبياء وإنزال الكتب ، وبعبارة أخرى العلة في الدعوة الدينية هو أن الاِنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الاِختلاف ، كما أنه سالك نحو الاِجتماع المدني ، وإذا كانت الفطرة هي الهادية إلى الاِختلاف لم تتمكن من رفع الاِختلاف ، وكيف يدفع شيء ما يجذبه إليه نفسه ، فرفع الله سبحانه هذا الاِختلاف بالنبوة والتشريع بهداية النوع إلى كماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم .
وهذا الكمال كمال حقيقي داخل في الصنع والاِيجاد ، فما هو مقدمته كذلك ، وقد قال تعالى : الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . طه ــ 50 ، فبين أن من شأنه وأمره تعالى أن يهدي كل شيء إلى ما يتم به خلقه ، ومن تمام خلقة الاِنسان أن يهتدي إلى كمال وجوده في الدنيا والآخرة ، وقد قال تعالى أيضاً : كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا . الاِسراء ــ 20 وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالى
( 108 )
هو الاِمداد بالعطاء يمد كل من يحتاج إلى إمداده في طريق حياته ووجوده ويعطيه ما يستحقه ، وأن عطاءه غير محظور ولا ممنوع من قبله تعالى إلا أن يمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه من قبل نفسه لا من قبله تعالى .
ومن المعلوم أن الاِنسان غير متمكن من تتميم هذه النقيصة من قبل نفسه ، فإن فطرته هي المؤدية إلى هذه النقيصة ، فكيف يقدر على تتميمها وتسوية طريق السعادة والكمال في حياته الاِجتماعية .
وإذا كانت الطبيعة الاِنسانية هي المؤدية إلى هذا الاِختلاف العائق للاِنسان عن الوصول إلى كماله الحري به ، وهي قاصرة عن تدارك ما أدت إليه وإصلاح ما أفسدته فالاِصلاح لو كان يجب أن يكون من جهة غير جهة الطبيعة وهي الجهة الاِلَهية التي هي النبوة بالوحي ، ولذا عبر تعالى عن قيام الاَنبياء بهذا الاِصلاح ورفع الاِختلاف بالبعث ، ولم ينسبه في القرآن كله إلا إلى نفسه ، مع أن قيام الاَنبياء كسائر الاَمور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانية والمكانية .
فالنبوة حالة إلَهية ، وإن شئت قل غيبية ، نسبتها إلى هذه الحالة العمومية من الاِدراك والفعل نسبة اليقظة إلى النوم بها يدرك الاِنسان المعارف التي بها يرتفع الاِختلاف والتناقض في حياة الاِنسان ، وهذا الاِدراك والتلقي من الغيب هو المسمى في لسان القرآن بالوحي ، والحالة التي يتخذها الاِنسان منه لنفسه بالنبوة .
ومن هنا يظهر أن هذا أعني تأدية الفطرة إلى الاِجتماع المدني من جهة وإلى الاِختلاف من جهة أخرى وعنايته تعالى بالهداية إلى تمام الخلقة ، مبدأ حجة على وجود النبوة ، وبعبارة أخرى دليل النبوة العامة .
تقريره : أن نوع الاِنسان مستخدم بالطبع وهذا الاِستخدام الفطري يؤديه إلى الاِجتماع المدني وإلى الاِختلاف والفساد في جميع شئون حياته الذي يقضي التكوين والاِيجاد برفعه ، ولا يرتفع إلا بقوانين تصلح الحياة الاِجتماعية برفع الاِختلاف عنها . وهداية الاِنسان إلى كماله وسعادته بأحد أمرين ، إما بفطرته وإما
( 109 )
بأمر وراءه ، لكن الفطرة غير كافية فإنها هي المؤدية إلى الاِختلاف فكيف ترفعه ، فوجب أن يكون بهداية من غير طريق الفطرة والطبيعة وهو التفهيم الاِلَهي غير الطبيعي المسمى بالنبوة والوحي ، وهذه الحجة مؤلفة من مقدمات مصرح بها في كتاب الله تعالى كما عرفت فيما تقدم ، وكل واحدة من هذه المقدمات تجربية بينتها التجربة للاِنسان تاريخ حياته واجتماعاته المتنوعة التي ظهرت وانقرضت في طي القرون المتراكمة الماضية إلى أقدم أعصار الحياة الاِنسانية التي يذكرها التاريخ . فلا الاِنسان انصرف في حين من أحيان حياته عن حكم الاِستخدام ولا استخدامه لم يؤد إلى الاِجتماع وقضى بحياة فردية ، ولا اجتماعه المكون خلا عن الاِختلاف ، ولا الاِختلاف ارتفع بغير قوانين اجتماعية ، ولا أن فطرته وعقله الذي يعده عقلاً سليماً قدرت على وضع قوانين تقطع منابت الاِختلاف وتقلع مادة الفساد .
وناهيك في ذلك ما تشاهده من جريان الحوادث الاِجتماعية وما هو نصب عينيك من انحطاط الاَخلاق وفساد عالم الاِنسانية والحروب المهلكة للحرث والنسل والمقاتل المبيدة للملايين بعد الملايين من الناس ، وسلطان التحكم ونفوذ الاِستعباد في نفوس البشر وأعراضهم وأموالهم في هذا القرن الذي يسمى عصر المدنية والرقي والثقافة والعلم ، فما ظنك بالقرون الخالية أعصار الجهل والظلمة .
وأما أن الصنع والاِيجاد يسوق كل موجود إلى كماله اللائق به فأمر جار في كل موجود بحسب التجربة والبحث ، وكذا كون الخلقة والتكوين إذا اقتضى أثراً لم يقتض خلافه بعينه أمر مسلم تثبته التجربة والبحث ، وأما أن التعليم والتربية الدينيين الصادرين من مصدر النبوة والوحي يقدران على دفع هذا الاِختلاف والفساد ، فأمر يصدقه البحث والتجربة معاً ، أما البحث فلاَن الدين يدعو إلى حقائق المعارف وفواضل الاَخلاق ومحاسن الاَفعال ، فصلاح العالم الاِنساني مفروض فيه ، وأما التجربة فالاِسلام أثبت ذلك في اليسير من الزمان الذي كان الحاكم فيه على الاِجتماع بين المسلمين هو الدين ، وأثبت ذلك بتربية أفراد من الاِنسان صلحت نفوسهم
( 110 )
وأصلحوا نفوس غيرهم من الناس على أن جهات الكمال والعروق النابضة في هيكل الاِجتماع المدني اليوم التي تضمن حياة الحضارة والرقي مرهونة للتقدم الاِسلامي وسريانه في العالم الدنيوي على ما تعطيه التجزية والتحليل من غير شك . انتهى .
وأنت تلاحظ أن صاحب الميزان رحمه الله فسر الفطرة بالغرائز الخيرة والشريرة معاً ، ولكن والذي يظهر من الاَحاديث الشريفة اختصاصها ببعض الغرائز الخيرة .

ـ تفسير الميزان ج 11 ص 151
فلو كان في الدنيا خير مرجو وسعادة لوجب أن ينسب إلى الدين وتربيته . ويشهد بذلك ما نشاهده من أمر الاَمم التي بنت اجتماعها على كمال الطبيعة وأهملت أمر الدين والاَخلاق فإنهم لم يلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح والرحمة والمحبة وصفاء القلب وسائر الفضائل الخلقية والفطرية ، مع وجود أصل الفطرة فيهم ، ولو كانت أصل الفطرة كافية ولم تكن هذه الصفات بين البشر من البقايا الموروثة من الدين ، لما افتقدوا شيئاً من ذلك .
على أن التاريخ أصدق شاهد على الاِقتباسات التي عملتها الاَمم المسيحية بعد الحروب الصليبية فاقتبسوا مهمات النكات من القوانين العامة الاِسلامية فتقلدوها وتقدموا بها ، والحال أن المسلمين اتخذوها وراءهم ظهرياً فتأخر هؤلاء وتقدم أولئك .. والكلام طويل الذيل .
وبالجملة الاَصلان المذكوران أعني السراية والوراثة وهما التقليد الغريزي في الاِنسان والتحفظ على السيرة المألوفة ، يوجبان نفوذ الروح الديني في الاِجتماعات كما يوجبان في غيره ذلك وهو تأثير فعلي .
فإن قلت : فعلى هذه فما فائدة الفطرة فإنها لا تغني طائلاً ، وإنما أمر السعادة بيد النبوة ، وما فائدة بناء التشريع على أساس الفطرة على ما تدعيه النبوة .
قلت : ما قدمناه في بيان ما للفطرة من الاِرتباط بسعادة الاِنسان وكماله يكفي في حل هذه الشبهة ، فإن السعادة والكمال الذي تجلبه النبوة إلى الاِنسان ليس أمراً
( 111 )
خارجاً عن هذا النوع ولا غريباً عن الفطرة ، فإن الفطرة هي التي تهتدي إليه لكن هذا الاِهتداء لا يتم لها بالفعل وحدها من غير معين يعينها على ذلك ، وهذا المعين الذي يعينها على ذلك وهو حقيقة النبوة ليس أيضاً أمراً خارجاً عن الاِنسانية وكمالها منضماً إلى الاِنسان كالحجر الموضوع في جنب الاِنسان مثلاً ، وإلا كان ما يعود منه إلى الاِنسان أمراً غير كماله وسعادته كالثقل الذي يضيفه الحجر إلى ثقل الاِنسان في وزنه ، بل هو أيضاً كمال فطري للاِنسان مذخور في هذا النوع وهو شعور خاص وإدراك مخصوص مكمون في حقيقته لا يهتدي إليه بالفعل إلا آحاد من النوع أخذتهم العناية الاِلَهية ، كما أن للبالغ من الاِنسان شعوراً خاصاً بلذة النكاح لا تهتدي إليه بالفعل بقية الاَفراد غير البالغين بالفعل ، وإن كان الجميع من البالغ وغير البالغ مشتركين في الفطرة الاِنسانية والشعور شعور مرتبط بالفطرة . وبالجملة لا حقيقة النبوة أمر زائد على إنسانية الاِنسان الذي يسمى نبياً وخارج عن فطرته ، ولا السعادة التي تهتدي سائر الاَمة إليها أمر خارج عن إنسانيتهم وفطرتهم غريب عما يستأنسه وجودهم الاِنساني ، وإلا لم تكن كمالاً وسعادة بالنسبة إليهم .
فإن قلت : فيعود الاِشكال على هذا التقرير إلى النبوة فإن الفطرة على هذا كافية وحدها والنبوة غير خارجة عن الفطرة . فإن المتحصل من هذا الكلام هو أن النوع الاِنساني المتمدن بفطرته والمختلف في اجتماعه يتميز من بين أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقيمة وعقولهم سليمة عن الاَوهام والتهوسات ورذائل الصفات، فيهتدون باستقامة فطرتهم وسلامة عقولهم إلى ما فيه صلاح الاِجتماع وسعادة الاِنسان فيضعون قوانين فيها مصلحة الناس وعمران الدنيا والآخرة ، فإن النبي هو الاِنسان الصالح الذي له نبوغ اجتماعي .
قلت : كلا وإنما هو تفسير لا ينطبق على حقيقة النبوة ولا ما تستتبعه .
أما أولاً ، فلان ذلك فرض افترضه بعض علماء الاِجتماع ممن لا قدم له في البحث الديني والفحص عن حقائق المبدأ والمعاد . فذكر أن النبوة نبوغ خاص
( 112 )
اجتماعي استتبعته استقامة الفطرة وسلامة العقل ، وهذا النبوغ يدعو إلى الفكر في حال الاِجتماع وما يصلح به هذا الاِجتماع المختل وما يسعد به الاِنسان الاِجتماعي فهذا النابغة الاِجتماعي هوالنبي والفكر الصالح المترشح من قواه الفكرية هو الوحي، والقوانين التي يجعلها لصلاح الاِجتماع هو الدين ، وروحه الطاهر الذي يفيض هذه الاَفكار إلى قواه الفكرية ولا يخون العالم الاِنساني باتباع الهوى هو الروح الاَمين وهو جبرائيل ، والموحى الحقيقي هو الله سبحانه والكتاب الذي يتضمن أفكاره العالية الطاهرة هو الكتاب السماوي ، والملائكة هي القوى الطبيعية أو الجهات الداعية إلى الخير ، والشيطان هي النفس الاَمارة بالسوء أو القوى أو الجهات الداعية إلى الشر والفساد ، وعلى هذا القياس . وهذا فرض فاسد وقد مر في البحث عن الاِعجاز ، وأن النبوة بهذا المعنى لاَن تسمى لعبة سياسية أولى بها من أن تسمى نبوة إلَهية .
وقد تقدم أن هذا الفكر الذي يسمى هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة ، من خواص العقل العملي الذي يميز بين خير الاَفعال وشرها بالمصلحة والمفسدة ، وهو أمر مشترك بين العقلاء من أفراد الاِنسان ومن هداية الفطرة المشتركة ، وتقدم أيضاً إن هذا العقل بعينه هو الداعي إلى الاِختلاف ، وإذا كان هذا شأنه لم يقدر من حيث هو كذلك على رفع الاِختلاف واحتاج فيه إلى متمم يتمم أمره ، وقد عرفت أنه يجب أن يكون هذا المتمم نوعاً خاصاً من الشعور يختص به بحسب الفعلية بعض الآحاد من الاِنسان ، وتهتدي به الفطرة إلى سعادة الاِنسان الحقيقية في معاشه ومعاده .
ومن هنا يظهر أن هذا الشعور من غير سنخ الشعور الفكري ، بمعنى أن ما يجده الاِنسان من النتائج الفكرية من طريق مقدماتها العقلية ، غير ما يجده من طريق الشعور النبوي والطريق غير الطريق .
ولا يشك الباحثون في خواص النفس في أن في الاِنسان شعوراً نفسياً باطنياً ، ربما يظهر في بعض الآحاد من أفراده يفتح له باباً إلى عالم وراء هذا العالم ، ويعطيه عجائب من المعارف والمعلومات وراء ما يناله العقل والفكر ، صرح به جميع علماء
( 113 )
النفس من قدمائنا وجمع من علماء النفس من أوروبا مثل جمز الاِنجليزي وغيره .
فقد تحصل أن باب الوحي النبوي غير باب الفكر العقلي ، وأن النبوة وكذا الشريعة والدين والكتاب والملك والشيطان لا ينطبق عليها ما اختلقوه من المعاني .

أمور ورد أنها من الفطرة

ـ من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 130
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم ، وإنا نجز الشوارب ونعفي اللحى ، وهي الفطرة . انتهى . ورواه في وسائل الشيعة ج 1 ص 423

ـ الخصال ص 310
حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر البندار ، قال حدثنا جعفر بن محمد بن نوح ، قال حدثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن حماد من أهل قومس ، قال حدثنا أبومحمد الحسن بن علي الحلواني ، قال حدثنا بشر بن عمر ، قال حدثنا مالك بن أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : خمس من الفطرة : تقليم الاَظفار : وقص الشارب ، ونتف الاِبط ، وحلق العانة ، والاِختتان . انتهى . ورواه في وسائل الشيعة ج 1 ص 434

ـ مستدرك الوسائل ج 2 ص 120
دعائم الاِسلام : عن أمير المؤمنين أنه قال : من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر . انتهى . ورواه في بحار الاَنوار ج 85 ص 243 وروى نحوه الحاكم في المستدرك ج 1 ص 353 والبيهقى في سننه ج 3 ص 384

ـ الكافي ج 5 ص 496
عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن مسمع أبي سيار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من أحب أن يكون على فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح .

( 114 )
ـ بحار الاَنوار ج 22 ص 263
كا : العدة ، عن سهل ، عن جعفر بن محمد الاَشعري ، عن ابن القداح عن أبي عبدالله عليه السلام قال : جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله مغضباً يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان فوجده يصلي ، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له : يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية ، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة ، أصوم وأصلي وألمس أهلي ، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح .

ـ بحار الاَنوار ج 103 ص 220
جع : قال صلى الله عليه وآله : النكاح سنتي فمن رغب ، عن سنتي فليس مني .
وقال : تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الاَمم يوم القيامة ولو بالسقط .

ـ وروى البخاري في صحيحه ج 7 ص 56
. . . . عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من الفطرة قص الشارب . . . . عن أبي هريرة رواية الفطرة خمس أو خمس من الفطرة : الختان ، والاِستحداد ، ونتف الاِبط ، وتقليم الاَظفار ، وقص الشارب .
. . . . عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الفطرة حلق العانة ، وتقليم الاَظفار ، وقص الشارب .
. . . . عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الفطرة خمس : الختان ، والاِستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الاَظفار ، ونتف الاِباط .
. . . . عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خالفوا المشركين ، ووفروا اللحى واحفوا الشوارب .انتهى . وروى نحوه في ج 7 ص 143 ورواه النسائي ج 1 ص 14

ـ وروى مسلم في ج 1 ص 153 :
عن عائشة . . . . قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة : قص
( 115 )
الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الاَظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الاِبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء . قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة ، زاد قتيبة قال وكيع . انتقاص الماء ، يعني الاِستنجاء. انتهى . ورواه النسائي ج 8 ص 126 ونحوه في سنن ابن ماجة ج 1 ص 107 والبيهقي في سننه ج 1 ص 3

ـ وروى في كنز العمال ج 9 ص 520 : عن مجاهد قال : غسل الدبر من الفطرة .

أمور ورد أنها تضر بالفطرة

ـ الكافي ج 2 ص 400
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبدالله ، عن عثمان بن عيسى ، عن رجل عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من شك في الله بعد مولده على الفطرة لم يفىء إلى خير أبداً .

ـ شرح الاَسماء الحسنى ج 2 ص 43
اللهم إن الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك ، فهب لي ما يسرك ، واغفر لي ما لا يضرك ، يا أرحم الراحمين .
أي : لو خليتني يا إلَهي ونفسي الخائنة الجانية وأوهامي المؤملة المرجية ، فمن يزيل آثار زلاتي الجمة الكثيرة ، كما هو مقتضى الجمع المضاف المفيد للعموم ، لاَن إمهال العظيم الصبور مديد موفور ، فإذا استحكمت الملكات الرذيلة وتجوهرت العادات السيئة صارت طبيعة ثانية مخالفة للفطرة الاَولى الاِسلامية ( المحكمة الراسخة كيفاً ) والذاتي لا يتبدل ، والنفس موضوع بسيط ولا ضد له .

ـ تهذيب الاَحكام ج 3 ص 269
. . . . عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا : قال أبو جعفر عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة .

( 116 )
ـ كنز العمال ج 8 ص 286
عن علي قال : من قرأ خلف الاِمام فقد أخطأ الفطرة . ليس من الفطرة القراءة مع الاِمام .
ـ كنز العمال ج 3 ص 62
لن تزال أمتي على الفطرة ما لم يتخذوا الاَمانة مغنماً ، والزكاة مغرماً . ص ، عن ثوبان .

ـ صحيح البخاري ج 1 ص 192
شعبة عن سليمان ، قال سمعت زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال : ما صليت ، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم . انتهى . ونحوه في سنن البيهقي ج 2 ص 386 وكنز العمال ج 8 ص 200 ومسند أحمد ج 5 ص 384

تقوية الفطرة وتضعيفها وإساءة استعمالها

ـ بحار الاَنوار ج 73 ص 269
. . . ثم الناس في هذه القوة على درجات ثلاث في أول الفطرة وبحسب ما يطرأ عليها من الاَمور الخارجة من التفريط والاِفراط والاِعتدال ، أما التفريط فيفقد هذه القوة أو يضعفها بأن لا يستعملها فيما هو محمود عقلاً وشرعاً مثل دفع الضرر عن نفسه على وجه سائغ ، والجهاد مع أعدائه والبطش عليهم ، وإقامة الحدود على الوجه المعتبر ، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلى عدم الغيرة على حرمه وأشباه ذلك . انتهى . أقول : ويدل عليه أيضاً قوله صلى الله عليه وآله ( ولكن أبواه يهودانه أو ينصرانه ) .

ـ بحار الاَنوار ج 60 ص 372
الاِقبال : عن الحسين بن علي عليهما السلام في دعاء يوم عرفة :

( 117 )
ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً وخلقتني من التراب ، ثم أسكنتني الاَصلاب ، آمناً لريب المنون واختلاف الدهور ، فلم أزل ظاعناً من صلب إلى رحم في تقادم الاَيام الماضية والقرون الخالية ، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفرة الذين نقضوا عهدك ، وكذبوا رسلك ، لكنك أخرجتني رأفةً منك وتحنناً علي للذي سبق لي من الهدى الذي يسرتني وفيه أنشأتني ، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك ، وسوابغ نعمتك ، فابتدعت خلقي ، من مني يمني ، ثم اسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم ، لم تشهرني بخلقي ، ولم تجعل إليَّ شيئاً من أمري ، ثم أخرجتني إلى الدنيا تاماً سوياً ، وحفظتني في المهد طفلاً صبياً ، ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً ، وعطفت على قلوب الحواضن ، وكفلتني الاَمهات الرحائم ، وكلاَتني من طوارق الجان ، وسلمتني من الزيادة والنقصان ، فتعاليت يا رحيم يا رحمان .
حتى إذا استهللت ناطقاً بالكلام ، أتممت على سوابغ الاَنعام ، فربيتني زائداً في كل عام حتى إذا كملت فطرتي ، واعتدلت سريرتي ، أوجبت عليَّ حجتك بأن ألهمتني معرفتك ، وروعتني بعجائب فطرتك ، وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من بدائع خلقك ، ونبهتني لذكرك وشكرك ، وواجب طاعتك وعبادتك ، وفهمتني ما جاءت به رسلك .. إلخ . انتهى .
قال المجلسي رحمه الله الفطرة إشارة إلى قوة الاَعضاء والقوى الظاهرة ، واعتدال السريرة إلى كمال القوى الباطنة . . . . ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة ، لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة . انتهى .
أقول : الظاهر أن معناه : جعلتني أدرك روائع وعجائب ما فطرته من مخلوقاتك .

ـ تفسير الميزان ج 16 ص 178
الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنى الاِيجاد والاِبداع ، وفطرة الله منصوب على الاغراء أي إلزم الفطرة ، ففيه إشارة إلى أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له ، هو
( 118 )
الذي تهتف به الخلقة وتهدي إليه الفطرة الاِلَهية التي لا تبديل لها .
وذلك أنه ليس الدين إلا سنة الحياة والسبيل التي يجب على الاِنسان أن يسلكها حتى يسعد في حياته ، فلا غاية للانسان يتبعها إلا السعادة ، وقد هدى كل نوع من أنواع الخليقة إلى سعادته التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته ، وجهزه في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز ، قال تعالى : ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى . طه ــ 50 وقال : الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى . الاَعلى ــ 3 .
فالاِنسان كسائر الاَنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته ، قال تعالى : ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها : الشمس ــ 8 وهو مع ذلك مجهز بما يتم له به ما يجب له أن يقصده من العمل ، قال تعالى : ثم السبيل يسره : عبس ــ 20 .
فللانسان فطرة خاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة وسبيل معينة ذات غاية مشخصة ليس له إلا أن يسلكها خاصة ، وهو قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، وليس الاِنسان العائش في هذه النشأة إلا نوعاً واحداً لا يختلف ما ينفعه وما يضره بالنظر إلى هذه البنية المؤلفة من روح وبدن ، فما للاِنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد ، فمن الضروري حينئذ أن يكون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة يهديه اليها هاد واحد ثابت ، وليكن ذاك الهادي هو الفطرة ونوع الخلقة ، ولذلك عقب قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، بقوله : لا تبديل لخلق الله ، فلو اختلفت سعادة الاِنسان باختلاف أفراده لم ينعقد مجتمع واحد صالح يضمن سعادة الاَفراد المجتمعين ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الاَقطار التي تعيش فيها الاَمم المختلفة بمعنى أن يكون الاَساس الوحيد للسنة الاِجتماعية ، أعني الدين هو ما يقتضيه حكم المنطقة ، كان الاِنسان أنواعاً مختلفة باختلاف الاَقطار ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الاَزمنة بمعنى أن تكون الاَعصار والقرون هي الاَساس الوحيد للسنة الدينية ، اختلفت نوعية كل قرن وجيل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم ،
( 119 )
ولم يسر الاِجتماع الاِنساني سير التكامل ، ولم تكن الاِنسانية متوجهة من النقص إلى الكمال ، إذ لا يتحقق النقص والكمال إلا مع أمر مشترك ثابت محفوظ بينهما .
وليس المراد بهذا إنكار أن يكون لاختلاف الاَفراد أو الاَمكنة أو الاَزمنة بعض التأثير في انتظام السنة الدينية في الجملة ، بل إثبات أن الاَساس للسنة الدينية هو البنية الاِنسانية التي هي حقيقة واحدة ثابتة مشتركة بين الاَفراد ، فللاِنسانية سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذي هو الاِنسان ، وهي التي تدير رحى الاِنسانية مع ما يلحق بها من السنن الجزئية المختلفة باختلاف الاَفراد أو الاَمكنة أو الاَزمنة . وهذا هو الذي يشير إلى قوله بعد ذلك : الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون . . . .
وللقوم في مفردات الآية ومعناها أقوال أخر متفرقة ، منها : أن المراد بإقامة الوجه تسديد العمل ، فإن الوجه هو ما يتوجه إليه وهو العمل وإقامته تسديده . وفيه أن وجه العمل هو غايته المقصودة منه وهي غير العمل ، والذي في الآية هو : فأقم وجهك ، ولم يقل فأقم وجه عملك . . . .
ومنها ، أن لا في قوله : لا تبديل لخلق الله ، تفيد النهي أي لا تبدلوا خلق الله أي دينه الذي أمرتم بالتمسك به ، أولا تبدلوا خلق الله بإنكار دلالتة على التوحيد ، ومنه من نسب إلى ابن عباس أن المراد به النهي عن الخصاء .
وفيه ، أن لا دليل على أخذ الخلق بمعنى الدين ولا موجب لتسمية الاِعراض عن دلالة الخلقة أو إنكارها تبديلاً لخلق الله ، وأما ما نسب إلى ابن عباس ففساده ظاهر .
ومنها ، ما ذكره الرازي في التفسير الكبير قال : ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله ، أي ليس كونهم عبيداً مثل كون المملوك عبداً للاِنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق ، بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية . وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف ، وقول المشركين إن الناقص لا يصلح لعبادة الله، وإنما الاِنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله ، وقول النصارى إن عيسى كان
( 120 )
يحل الله فيه وصار إلَها ، فقال : لا تبديل لخلق الله بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك . إنتهى .
وفيه، أنه مغالطة بين الملك والعبادة التكوينيين والملك والعبادة التشريعيين، فإن ملكه تعالى الذي لا يقبل الاِنتقال والبطلان ملك تكويني بمعنى قيام وجود الاَشياء به تعالى ، والعبادة التي بإزائه عبادة تكوينية وهو خضوع ذوات الاَشياء له تعالى ، ولا تقبل التبديل والترك كما في قوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده : إسراء ــ 44 وأماالعبادة الدينية التي تقبل التبديل والترك فهي عبادة تشريعية بإزاء الملك التشريعي المعتبر له تعالى ، فافهمه . ولو دل قوله لا تبديل لخلق الله على عدم تبديل الملك والعبادة والعبودية لدل على التكويني منهما ، والذي يبدله القائلون بارتفاع التكليف عن الاِنسان الكامل أو بعبادة الكواكب أو المسيح ، فإنما يعنون به التشريعي منهما .

ـ تفسير الميزان ج 5 ص 312
البيانات القرآنية تجري في بث المعارف الدينية وتعليم الناس العلم النافع هذا المجرى ، وتراعي الطرق المتقدمة التي عينتها للحصول على المعلومات ، فما كان من الجزئيات التي لها خواص تقبل الاِحساس فإنها تصريح فيها إلى الحواس كالآيات المشتملة على قوله : ألم تر ، أفلا يرون ، أفرأيتم ، أفلا تبصرون ، وغير ذلك .
وما كان من الكليات العقلية مما يتعلق بالاَمور الكلية المادية ، أو التي هي وراء عالم الشهادة ، فإنها تعتبر فيها العقل اعتباراً جازماً وإن كانت غائبة عن الحس خارجة عن محيط المادة والماديات كغالب الآيات الراجعة إلى المبدأ والمعاد المشتملة على أمثال قوله : لقوم يعقلون ، لقوم يتفكرون ، لقوم يتذكرون ، يفقهون ، وغيرها .
وما كان من القضايا العملية التي لها مساس بالخير والشر والنافع والضار في العمل والتقوى والفجور ، فإنها تستند فيها إلى الاِلهام الاِلَهي بذكر ما بتذكره يشعر الاِنسان بإلهامه الباطني كالآيات المشتملة على مثل قوله : ذلكم خير لكم ، فإنه آثم قلبه ،
( 121 )
والاِثم والبغي بغير الحق ، إن الله لا يهدي ، وغيرها ، وعليك بالتدبر فيها .
ومن هنا يظهر أولاً أن القرآن الكريم يخطيء طريق الحسيين وهم المعتمدون على الحس والتجربة النافون للاَحكام العقلية الصرفة في الاَبحاث العلمية ، وذلك أن أول ما يهتم القرآن به في بيانه هو أمر توحيد الله عز اسمه ، ثم يرجع إليه ويبني عليه جميع المعارف الحقيقية التي يبينها ويدعو إليها .
ومن المعلوم أن التوحيد أشد المسائل ابتعاداً من الحس وبينونة للمادة وارتباطاً بالاَحكام العقلية الصرفة . والقرآن يبين أن هذه المعارف الحقيقية من الفطرة ، قال : فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله . الروم ــ 30 أي أن الخلقة الاِنسانية نوع من الاِيجاد يستتبع هذه العلوم والاِدراكات ، ولا معنى لتبديل خلق إلا أن يكون نفس التبديل أيضاً من الخلق والاِيجاد ، وأما تبديل الاِيجاد المطلق أي إبطال حكم الواقع فلا يتصور له معنى ، فلن يستطيع الاِنسان وحاشا ذلك أن يبطل علومه الفطرية ويسلك في الحياة سبيلاً آخر غير سبيلها البتة .
وأما الاِنحراف المشهود عن أحكام الفطرة فليس إبطالاً لحكمها بل استعمالاً لها غير ما ينبغي من نحو الاِستعمال ، نظير ما ربما يتفق أن الرامي لا يصيب الهدف في رميته ، فإن آلة الرمي وسائر شرائطه موضوعة بالطبع للاِصابة ، إلا أن الاِستعمال يوقعها في الغلط ، والسكاكين والمناشير والمثاقب والابر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب وغير ذلك ، لكن لا على الوجه المقصود ، وأما الاِنحراف عن العمل الفطري كأن يخاط بنشر المنشار بأن يعوض المنشار فعل الاِبرة من فعل نفسه فيضع الخياطة موضع النشر ، فمن المحال ذلك .
وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم على صحة طريقهم ، كقولهم إن الاَبحاث العقلية المحضة والقياسات المؤلفة من مقدمات بعيدة من الحس يكثر وقوع الخطأ فيها ، كما يدل عليه كثرة الاِختلافات في المسائل العقلية المحضة ، فلا
( 122 )
ينبغي الاِعتماد عليها لعدم اطمئنان النفس إليها . وقولهم في الاستدلال على صحة طريق الحس والتجربة إن الحس آلة لنيل خواص الاَشياء بالضرورة وإذا أحس بأثر في موضوع من الموضوعات على شرائط مخصوصة ثم تكرر مشاهدة الاَثر معه مع حفظ تلك الشرائط بعينها من غير تخلف واختلاف ، كشف ذلك عن أن هذا الاَثر خاصة الموضوع من غير اتفاق ، لاَن الاِتفاق ( الصدفة ) لا يدوم البتة .
والدليلان كما ترى سيقا لاِثبات وجوب الاِعتماد على الحس والتجربة ورفض السلوك العقلي المحض ، مع كون المقدمات المأخوذة فيهما جميعاً مقدمات عقلية خارجة عن الحس والتجربة ، ثم أريد بالاَخذ بهذه المقدمات العقلية إبطال الاَخذ بها، وهذا هو الذي تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة ، وإنما يغلط الاِنسان في كيفية استعمالها .

قدوات البشرية في فطرتهم المستقيمة

آدم عليه السلام فطرة الله تعالى

ـ الصحيفة السجادية ج 2 ص 39
في الصلاة على آدم عليه السلام : اللهم وآدم بديع فطرتك ، وأول معترف من الطين بربوبيتك ، وبكر حجتك على عبادك وبريتك .

ـ بحار الاَنوار ج 101 ص 230
( زيارة أخرى ) رواها الكفعمي في البلد الاَمين عن الصادق عليه السلام قال : إذا وصلت إلى الفرات فاغتسل والبس أنظف ثوب تقدر عليه ، ثم صر إلى القبر حافياً وعليك السكينة والوقار ، وقف بالباب وكبر أربعاً وثلاثين تكبيرة وقل : السلام عليك يا وارث آدم فطرة الله ، السلام عليك يا وارث نوح صفوة الله .

( 123 )

إبراهيم عليه السلام إمام الاِستقامة على الفطرة

ـ الصحيفة السجادية ج 2 ص 256
يا موضع كل شكوى ، ويا شاهد كل نجوى ، ويا عالم كل خفية ، ويادافع كل بلية ، يا كريم العفو ، يا حسن التجاوز ، توفني على ملة إبراهيم وفطرته ، وعلى دين محمد وسنته ، وعلى خير الوفادة فتوفني ، موالياً لاَوليائك ومعادياً لاَعدائك . اللهم إني أسألك التوفيق لكل عمل أو قول أو فعل يقربني إليك زلفى ، يا أرحم الراحمين .

ـ الكافي ج 8 ص 366
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان عن حجر ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : خالف إبراهيم عليه السلام قومه وعاب آلهتهم حتى أدخل على نمرود فخاصمه ، فقال إبراهيم عليه السلام : ربي الذي يحيي ويميت قال : أنا أحيي وأميت . قال إبراهيم : فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين .
وقال أبو جعفر عليه السلام : عاب آلهتهم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ، قال أبو جعفر عليه السلام : والله ما كان سقيماً وما كذب ، فلما تولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم دخل إبراهيم عليه السلام إلى آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيراً لهم ووضع القدوم في عنقه ، فرجعوا إلى آلهتهم فنظروا إلى ما صنع بها فقالوا : لا والله ما اجترأ عليها ولا كسرها إلا الفتى الذي كان يعيبها ويبرأ منها ، فلم يجدوا له قتلةً أعظم من النار ، فجمعوا له الحطب واستجادوه ، حتى إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بنى له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار ، ووضع إبراهيم عليه السلام في منجنيق ، وقالت الاَرض : يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار ؟ قال الرب : إن دعاني كفيته .
فذكر أبان عن محمد بن مروان ، عمن رواه عن أبي جعفر عليه السلام أن دعاء إبراهيم عليه السلام يومئذ كان ( يا أحد يا أحد ، يا صمد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً
( 124 )
احد . ثم قال : توكلت على الله ) فقال الرب تبارك وتعالى : كفيت ، فقال للنار : كوني برداً . قال فاضطربت أسنان إبراهيم عليه السلام من البرد حتى قال الله عز وجل : وسلاماً على إبراهيم . وانحط جبرئيل عليه السلام وإذا هو جالس مع إبراهيم عليه السلام يحدثه في النار ، قال نمرود : من اتخذ إلَهاً فليتخذ مثل إلَه إبراهيم ! قال : فقال عظيم من عظمائهم : إني عزمت على النار أن لا تحرقه ، قال فأخذ عنق من النار نحوه حتى أحرقه !
قال : فآمن له لوط ، وخرج مهاجراً إلى الشام هو وسارة ولوط .
ــ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : ان إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثى رباً ، وكان أبوه من أهلها وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة ورقة وفي نسخة رقية أختين ، وهما ابنتان للاحج ، وكان لاحج نبياً منذراً ولم يكن رسولاً ، وكان إبراهيم عليه السلام في شبيبته على الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها ، حتى هداه الله تبارك وتعالى إلى دينه واجتباه ، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته ، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة ، وكانت قد ملكت إبراهيم عليه السلام جميع ما كانت تملكه ، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع ، حتى لم يكن بأرض كوثى ربا رجل أحسن حالاً منه .
وإن إبراهيم عليه السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق ، وعمل له حيراً وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ، ثم قذف إبراهيم عليه السلام في النار لتحرقه ، ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ، ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم عليه السلام سليماً مطلقاً من وثاقه فأخبر نمرود خبره ، فأمرهم أن ينفوا إبراهيم عليه السلام من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله ، فحاجهم إبراهيم عليه السلام عند ذلك فقال : إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا عليَّ ما ذهب من عمري في بلادكم ، واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم عليه السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم ، وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم عليه السلام ما ذهب من عمره في بلادهم !

( 125 )
فأخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وما له وأن يخرجوه ، وقال : إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم ، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه صلى الله عليهما من بلادهم إلى الشام ، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة وقال لهم : إني ذاهب إلى ربي سيهدين ، يعني بيت المقدس .
فتحمل إبراهيم عليه السلام بماشيته وماله وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشد عليها الاَغلاق غيرةً منه عليها ، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط يقال له عرارة ، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه ، فلما انتهى إلى العاشر ومعه التابوت .
قال العاشر لاِبراهيم عليه السلام : إفتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه .
فقال له إبراهيم عليه السلام : قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نعطي عشره ولا نفتحه .
قال فأبى العاشر إلا فتحه ، قال وغضب إبراهيم عليه السلام على فتحه ، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال ، قال له العاشر : ما هذه المرأة منك ؟
قال إبراهيم عليه السلام : هي حرمتي وابنة خالتي .
فقال له العاشر : فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت ؟
فقال إبراهيم عليه السلام : الغيرة عليها أن يراها أحد .
فقال له العاشر : لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك ، قال : فبعث رسولاً إلى الملك فأعلمه فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به . فقال لهم إبراهيم عليه السلام : إني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي ، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه ، فحملوا إبراهيم عليه السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتى أدخل على الملك فقال له الملك : إفتح التابوت .
فقال إبراهيم عليه السلام : أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي .

( 126 )
قال : فغضب الملك وأجبر إبراهيم عليه السلام على فتحه ، فلما رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم عليه السلام بوجهه عنها وعنه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي ، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه !
فقال له الملك : إن إلَهك الذي فعل بي هذا ؟
فقال له : نعم ، إن إلَهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام .
فقال له الملك : فادع إلَهك يرد عليَّ يدي فإن أجابك فلم أعرض لها .
فقال إبراهيم عليه السلام : إلَهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي .
قال : فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره ، ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عليه السلام عنه بوجهه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عنها ، قال فيبست يده ولم تصل إليها !
فقال الملك لاِبراهيم عليه السلام : ان إلَهك لغيور وإنك لغيور فادع إلَهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد .
فقال له إبراهيم عليه السلام : أسأله ذلك على أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله .
فقال الملك : نعم .
فقال إبراهيم عليه السلام : اللهم إن كان صادقاً فرد عليه يده ، فرجعت إليه يده !
فلما رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ورأى الآية في يده ، عظم إبراهيم عليه السلام وهابه وأكرمه واتقاه ، وقال له : قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء مما معك ، فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة .
فقال إبراهيم عليه السلام : ما هي ؟
فقال له : أحب ان تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً .
قال : فأذن له إبراهيم عليه السلام فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام .
فسار إبراهيم عليه السلام بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم عليه السلام
( 127 )
إعظاماً لاِبراهيم عليه السلام وهيبة له ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشي هو خلفك ، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه ، فإنه مسلط ولابد من إمرة في الاَرض برة أو فاجرة ، فوقف إبراهيم عليه السلام وقال للملك : إمض فإن إلَهي أوحى إليَّ الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشي خلفك إجلالاً لك .
فقال له الملك : أوحى إليك بهذا ؟ فقال له إبراهيم عليه السلام : نعم .
فقال له الملك : أشهد أن إلَهك لرفيق حليم كريم ، وإنك ترغبني في دينك .
قال : وودعه الملك فسار إبراهيم عليه السلام حتى نزل بأعلى الشامات وخلف لوطاً عليه السلام في أدنى الشامات .
ثم إن إبراهيم عليه السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة : لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولداً فيكون لنا خلفاً ، فابتاع إبراهيم عليه السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت اسماعيل . انتهى . ورواه في تفسير نور الثقلين ج 4 ص 416 ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 12 ص 48
وفي هذا الحديث من الحقائق والاَضواء على حياة سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وآله ما يرد كثيراً من الشبه الواردة في الاِسرائيليات ، والتهم التي اتهمه بها اليهود ، وقلدهم بعض المسلمين !!

نبينا صلى الله عليه وآله رائد العارفين ورائد سعادتنا

ـ نهج البلاغة ج 3 ص 44
. . . والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا ، فهو رائد سعادتنا .

ـ مروج الذهب للمسعودي ج 1 ص 32
فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه :

( 128 )
إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرأ البرية وإبداع المبدعات ، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الاَرض ورفع السماء ، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح ( فأساح ) نوراً من نوره فلمع ، و [ نزع ] قبساً من ضيائه فسطع ، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال الله عز من قائل : أنت المختار المنتخب ، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء ، وأمرج الماء ، وارفع السماء ، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار ، وأنصب أهل بيتك للهداية ، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي ، وأجعلهم حجتي على بريتي ، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي ، ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والاِخلاص بالوحدانية . فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله ( فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله ) وأراهم أن الهداية معه والنور له والاِمامة في آله ، تقديماً لسنة العدل ، وليكون الاِعذار متقدماً .
ثم أخفى الله الخليقة في غيبه ، وغيبها في مكنون علمه ، ثم نصب العوامل وبسط الزمان ، ومرج الماء ، وأثار الزبد ، وأهاج الدخان ، فطفا عرشه على الماء ، فسطح الاَرض على ظهر الماء [ وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء ] ثم استجلبهما إلى الطاعة فأذعنتا بالاِستجابة .
ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها ، وأرواح اخترعها ، وقرن بتوحيده نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فشهرت في السماء قبل بعثته في الاَرض ، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الاَشياء ، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلة أسجد إليها الاَبرار والروحانيين الاَنوار ، ثم نبه آدم على مستودعه ، وكشف له [ عن ] خطر ما ائتمنه عليه ، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة ، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا ، ولم يزل الله تعالى يخبىء النور تحت الزمان إلى أن فضل محمداً صلى الله عليه وسلم في ظاهر الفترات ، فدعا الناس ظاهراً وباطناً ، وندبهم سراً وإعلاناً ، واستدعى عليه السلام التنبيه على العهد الذي قدمه إلى الذر قبل النسل ، فمن
( 129 )
وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدى إلى سره ، واستبان واضح أمره ، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط .
ثم انتقل النور إلى غرائزنا ، ولمع في أئمتنا ، فنحن أنوار السماء وأنوار الاَرض ، فبنا النجاء ، ومنا مكنون العلم ، والينا مصير الاَمور ، وبمهدينا تنقطع الحجج ، خاتمة الائمة ، ومنقذ الاَمة ، وغاية النور ، ومصدر الاَمور ، فنحن أفضل المخلوقين ، وأشرف الموحدين ، وحجج رب العالمين ، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا ، وقبض على عروتنا .انتهى.وروى شبيهاً به ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص128 ـ 130

ـ علل الشرائع ج 1 ص 5
حدثنا الحسن بن محمد سعيد الهاشمي قال : حدثنا فرات بن إبراهيم ابن فرات الكوفي قال : حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني ، قال حدثني أبوالفضل العباس بن عبدالله البخاري ، قال حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، قال حدثنا عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن علي بن موسى الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني ، قال علي عليه السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل ؟ فقال : يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين وفضلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا علي وللاَئمة من بعدك ، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا . يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا ، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الاَرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ، لاَن أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده ، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا
( 130 )
نوراً واحداً استعظموا أمرنا ، فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون ، وإنه منزه عن صفاتنا ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا ، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إلَه إلا الله وأنَّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إلَه إلا الله ، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرَّنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به ، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله ، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد الله لتعلم الملائكة ما يحق الله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمته ، فقالت الملائكة الحمد لله .
فبنا اهتدي إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده ، ثم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً .

ـ علل الشرائع ج 1 ص 117
ــ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل قال : حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالرحمان بن كثير ، عن داود الرقي عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما أراد الله عز وجل أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم بين يديه ، ثم قال لهم : من ربكم ؟ فأول من نطق رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين والاَئمة صلوات الله عليهم أجمعين فقالوا : أنت ربنا ، فحمَّلهم العلم والدين ، ثم قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون ، ثم قيل لبني آدم أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية ، فقالوا نعم ربنا أقررنا ، فقال الله جل جلاله للملائكة : إشهدوا ، فقالت الملائكة شهدنا ... على أن لا يقولوا غداً إنا كنا عن هذا غافلين ، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعد هم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ، يا داود الاَنبياء مؤكدة عليهم في الميثاق .

( 131 )
ـ الاِعتقادات للصدوق ص 67
. . . وأن محمداً صلى الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم ، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين ، وأن الذين كذبوه لذائقوا العذاب الاَليم . وأن الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون الفائزون . ويجب أن يعتقد أن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أفضل من محمد صلى الله عليه وآله والاَئمة عليهم السلام ، وأنهم أحب الخلق إلى الله وأكرمهم ، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى . وأن الله بعث نبيه محمد صلى الله عليه وآله للاَنبياء في الذر . وأن الله عز وجل أعطى ما أعطى كل نبي على قدر معرفته ، ومعرفة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، وسبقه إلى الاِقرار به . ونعتقد : أن الله تبارك وتعالى خلق جميع الخلق له ولاَهل بيته عليهم السلام ، وأنه لولاهم ما خلق الله سبحانه السماء والاَرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ، ولا شيئاً مما خلق ، صلوات الله عليهم أجمعين . انتهى .
وقد أوردنا في فصل الفطرة تحت عنوان : عوالم وجود الاِنسان ، عدداً من أحاديث خلق نور النبي وآله صلى الله عليه وعليهم قبل الخلق .

خط الفطرة لم ينقطع من ذرية إبراهيم

ـ بحار الاَنوار ج 15 ص 117
بيان : اتفقت الاِمامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول وكل أجداده إلى آدم عليه السلام كانوا مسلمين ، بل كانوا من الصديقين : إما أنبياء مرسلين ، أو أوصياء معصومين ، ولعل بعضهم لم يظهر الاِسلام لتقية أو لمصلحة دينية . . . .
ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني في عالمكم هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية . ولو كان من آبائه عليه السلام كافر لم يصف جميعهم بالطهارة ، مع قوله سبحانه : إنما المشركون نجس . . . .
وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة ، منهم الاِمام فخر الدين الرازي فقال في كتابه
( 132 )
أسرار التنزيل ما نصه : قيل : إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه :
منها ، أن آباء الاَنبياء ما كانوا كفاراً ، ويدل عليه وجوه : منها قوله تعالى : الذي يراك حين تقوم . وتقلبك في الساجدين . . . .
الثانية : أن الاَحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الاَرض من عهد نوح عليه السلام إلى بعثة النبي صلى الله عليه وآله إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له ، وبهم تحفظ الاَرض ، ولولاهم لهلكت الاَرض ومن عليها . . . .
وأما المخالفون : فذهب أكثرهم إلى كفر والدي الرسول صلى الله عليه وآله وكثير من أجداده كعبد المطلب وهاشم وعبد مناف صلوات الله عليهم اجمعين ، وإجماعنا وأخبارنا متظافرة . . . . وقال في هامشه :
وذهب بعضهم إلى إيمان والديه صلى الله عليه وآله وأجداده ، واستدلوا عليه بالكتاب والسنة ، منهم السيوطي ، قال في كتاب مسالك الحنفاء : المسلك الثاني أنهما أي عبد الله وآمنة لم يثبت عنهما شرك ، بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام . . . .
ثم قال ( السيوطي ) وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الاِمام فخر الدين أمور : أحدها دليل استنبطه مركب من مقدمتين .
الاَولى : أن الاَحاديث الصحيحة دلت على أن كل أصل من أصول النبي صلى الله عليه وآله من آدم عليه السلام إلى أبيه عبدالله ، فهو خير أهل قرنه وأفضلهم ، ولا أحد في قرنه ذلك خير منه ولا أفضل .
الثانية : إن الاَحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الاَرض من عهد نوح عليه السلام أو آدم عليه السلام إلى بعثة النبي صلى الله عليه وآله إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له ، وبهم تحفظ الاَرض ولولا هم لهلكت الاَرض ومن عليها ،
( 133 )
وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين أنتج منهما قطعاً أن آباء النبي صلى الله عليه وآله لم يكن فيهم مشرك ، لاَنه ثبت في كل منهم أنه خير قرنه . . . . ( ثم ذكر عن السيوطي آيات وأحاديث لاِثبات ذلك منها ) : ما ورد في تفسير قوله تعالى : وجعلها كلمة باقية في عقبه ، تدل على أن التوحيد كان باقياً في ذرية إبراهيم عليه السلام ولم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة . . . .
فحصل مما أوردناه أن آباء النبي صلى الله عليه وآله من عهد إبراهيم إلى كعب بن لؤي كانوا كلهم على دين إبراهيم عليه السلام . . . .

ـ الدر المنثور ج 3 ص 341
وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن علي رضي الله عنه قال قالت سارة رضي الله عنها لما بشرتها الملائكة عليهم السلام يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب ، فقالت الملائكة ترد على سارة : أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ، قال فهو كقوله : وجعلها كلمة باقية في عقبه ، بمحمد صلى الله عليه وسلم من عقب إبراهيم .

ـ الدر المنثور ج 4 ص 87
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله : رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ، قال فلن يزال من ذرية إبراهيم عليه السلام ناس على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة .

ـ الدر المنثور ج 6 ص 16
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة : وجعلها كلمة باقية في عقبه ، قال : في الاِسلام أوصى بها ولده .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد : وجعلها كلمة باقية في عقبه ، قال: الاِخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها من بعده .

( 134 )
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس : وجعلها كلمة باقية في عقبه ، قال : لا إله إلا الله ، في عقبه : قال عقب إبراهيم ولده .

عمار علم الثابتين على الفطرة بعد النبي صلى الله عليه وآله

ـ بحار الاَنوار ج 22 ص 320
لي : بهذا الاِسناد عن إبراهيم بن الحكم ، عن عبيدالله بن موسى ، عن سعد بن أوس ، عن بلال بن يحيى العبسي قال : لما قتل عمار ( كذا والصحيح عثمان ) أتوا حذيفة فقالوا : يا عبدالله قتل هذا الرجل وقد اختلف الناس ، فما تقول ؟ قال إذا أتيتم فأجلسوني، قال : فأسندوه إلى صدر رجل منهم فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أبو اليقظان على الفطرة ثلاث مرات ، لن يدعها حتى يموت . انتهى . ورواه في بحار الاَنوار ج 33 ص 9

ـ شرح الاَخبار ج 1 ص 412
أبو أحمد بإسناده عن حذيفة بن اليمان ، أنه لما احتضر قيل له أوصنا ، فقال : أما إذا قلتم ذلك فأسندوني ، فأسندوه فقال : سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول : أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها ثلاث مرات ، لا يدعها حتى يموت .

ـ روضة الواعظين للنيسابوري ص 286
. . . . وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : أبواليقظان على الفطرة ثلاث مرات لن يدعها حتى يموت ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما .

ـ مستدرك الحاكم ج 3 ص 393
. . . عن عائشة أنها قالت : أنظروا عمار بن ياسر فإنه يموت على الفطرة ، إلا أن تدركه هفوة من كبر . صحيح الاِسناد .
. . . . عن قيس بن أبي حازم قال قال عبدالله : ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد به وجه الله تعالى والدار الآخرة إلا عمار بن ياسر . صحيح الاِسناد .

( 135 )
ـ مجمع الزوائد ج 9 ص 295
وعن بلال بن يحيى قال لما قتل عثمان رضي الله عنه أتى حذيفة فقيل له يا أبا عبدالله قتل هذا الرجل ، وقد اختلف الناس فما تقول ؟ قال أسندوني فأسندوه إلى ظهر رجل فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبو اليقظان على الفطرة لا يدعها حتى يموت أو يمسه الهرم . رواه البزار والطبراني في الاَوسط باختصار ، ورجالهما ثقات .

ـ كنز العمال ج 11 ص 723
أبو اليقظان على الفطرة ، أبواليقظان على الفطرة ، أبو اليقظان على الفطرة ، لا يدعها حتى يموت أو يمسه الهرم . ن ، وابن سعد ، عد وضعفه ، عن حذيفة .

ـ كنز العمال ج 13 ص 532 و 537
عن حذيفة قال : إن عماراً لا تصيبه الفتنة حتى يخرف ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أبواليقظان على الفطرة لم يدعها حتى يموت ، أو ينسيه الهرم . كر . انتهى .
ملاحظة : من واضحات تاريخنا الاِسلامي أن عمار بن ياسر رضي الله عنه وقف بعد النبي صلى الله عليه وآله مع علي عليه السلام في مواجهة بيعة السقيفة ، ثم في عهد أبي بكر وعمر ، وأحداث خلافة عثمان ، وكان عمار من قادة جيش علي عليه السلام في حرب الجمل وله فيها مواقف سجلها التاريخ ، ومنها مواقف مع عائشة ، ثم ختم الله له بالشهادة تحت راية علي في صفين ، وقتلته فئة معاوية الباغية كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وآله .. ولذلك لا يشك الاِنسان بأن جعل النبي عماراً علماً على خط الفطرة من بعده ، يعني جعله علياً عليه السلام علماً للاَمة ، وتأكيده بأن خط علي من بعده هو خط الفطرة .
ومن الطبيعي أن تكون مواقف عمار إلى جانب علي ثقيلة على عائشة وعلى قريش ، وأن لا يرووا في حقه مثل هذه الشهادة النبوية التي تدينهم ، ولكنها كانت شهادة معروفة بين المسلمين ، ومن هنا أدخل خصوم علي عليه السلام في روايتها غمغمة
( 136 )
واستثناءات وشروطاً لغرض إحباط مفعولها !
ويدل على بطلان هذه الاِضافات أن الشهادة النبوية وردت في حق عمار مطلقة بنصوص صحيحة عندنا وعند إخواننا وليس فيها تلك الاِستثناءات . مضافاً إلى أن طبيعة مثل هذه الشهادة لا تقبل الاِستثناء ، لاَنه يؤدي إلى نسبة التناقض إلى النبي صلى الله عليه وآله حيث يشهد لشخص بأنه على الفطرة حتى يموت ، ويجعله علماً لاَمته من بعده ويأمرهم بأن يكونوا في خطه ، ثم يستثني من ذلك ويشترط شرطاً مبهماً يبطل كلامه الاَول ، ويوقع الاَمة في الشك والريب ! !

ـ وقد روى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 243 حديثاً يدل على مدى تأثير هذه الشهادة النبوية ومدى حسد قريش لعلي عليه السلام قال :
وعن سيار أبي الحكم قال : قالت بنو عبس لحذيفة : إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال آمركم أن تلزموا عماراً . قالوا إن عماراً لا يفارق علياً ! قال إن الحسد هو أهلك الجسد وإنما ينفركم من عمار قربه من علي ؟ ! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب ، وإن عماراً لمن الاَحباب . وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي . رواه الطبراني ورجاله ثقات ، إلا أني لم أعرف الرجل المبهم . انتهى . ولا يبعد أن يكون إسم بني عبس وضع في هذه الرواية بدل قريش لاَن حسدة بني هاشم الذين عناهم حذيفة والذين تحدث عنهم القرآن هم قبائل قريش ، وليسوا بني عبس أو تميم .

علي عليه السلام إمام الثابتين على الفطرة

ـ نهج البلاغة ج 1 ص 105
ومن كلام له عليه السلام لاَصحابه : أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد ، فاقتلوه ولن تقتلوه ، ألا وإنه سيأمركم
( 137 )
بسبي والبراءة مني ، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة ، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الاِيمان والهجرة .
ـ شرح الاَخبار ج 1 ص 159
عن الشعبي أنه كان يقول : سمعت رشيد الهجري والحارث الاَعور الهمداني وصعصعة بن صوحان العبدي وسالم بن دينار الاَزدي ، كلهم يذكرون أنهم سمعوا علي بن أبي طالب عليه السلام على منبر الكوفة يقول في خطبته : يا معشر أهل الكوفة ، والله لتصبرن على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم أقواماً أنتم أولى بالحق منهم ، فيعذبكم الله بهم ثم يعذبهم بما شاء من عنده ، أَوَ من قتلة بالسيف تفرون إلى الموت على الفراش . فإني أشهد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن معالجة ملك الموت لاَشد من ضربة ألف سيف ، أخبرني جبرئيل يا علي إنه يصيبكم بعدي أَثَرةٌ وزلزال ، فعليكم بالصبر الجميل .
وقال لي أيضاً : قضاء مقضي على لسان النبي الاَمي : إنه لا يبغضك يا علي مؤمن ولا يحبك كافر ، وقد خاب من حمل ظلماً وافترى . ثم جعل يقول لنفسه : يا علي إنك ميت مقتول ، بل مقتول إن شاء الله ، فما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من هذا ، ثم أمرَّ يده اليمنى على لحيته ، ثم وضعها على رأسه ، ثم قال : أما لقد رأيت في منامي أنه يهلك في اثنان ولا ذنب لي : محب غالٍ ، ومبغض قالٍ . ثم قال : إلا أنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تتبرأوا مني ، فإن صاحبكم والله على فطرة الله التي فطر الناس عليها . ثم نزل عن المنبر .

ـ شرح الاَخبار ج 1 ص 169
. . . .ثم قال : سيظهر عليكم بعدي رجل وإنه سيعرضكم على سبي والبراءة مني ، فإن خفتموه فسبوني فإنما هي زكاة ونجاة ، وإن سألكم البراءة مني فلا تبرؤوا مني فإني على الفطرة .

( 138 )
ثم قال : يكون بعدي أئمة يأمرونكم بسبي والبراءة مني ، أما السب فسبوني ، ولا تتبرؤوا مني فإني ولدت على الفطرة وأموت على الفطرة إن شاء الله .

ـ بحار الاَنوار ج 36 ص 350
عن سعيد بن المسيب قال : سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن علي بن أبي طالب فقال له ابن عباس : إن علي بن أبي طالب صلى القبلتين وبايع البيعتين ، ولم يعبد صنماً ولا وثناً ، ولم يضرب على رأسه بزلم ولا قدح ، ولد على الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين . فقال الرجل : إني لم أسألك عن هذا إنما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفاً ، ثم سار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ، ثم أتى النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم !
فقال له ابن عباس : أعليٌّ أعلم عندك أم أنا ؟ فقال : لو كان علي أعلم عندي منك ما سألتك !
قال : فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال : ثكلتك أمك عليٌّ علمني ، وكان علمه من رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله علمه الله من فوق عرشه ، فعلم النبي من علم الله وعلم علي من علم النبي وعلمي من علم علي ، وعلم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر !!

ـ بحار الاَنوار ج 43 ص 316
ما: بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عليهم السلام عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : إلا أنكم ستعرضون على سبي ، فإن خفتم على أنفسكم فسبوني ، إلا وأنكم ستعرضون على البراءة مني فلا تفعلوا فإني على الفطرة . . . .
فإن قيل : كيف علل نهيه لهم من البراءة منه بقوله : فإني ولدت على الفطرة ، فإن هذا التعليل لا يختص به لاَن كل ولد يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ؟
والجواب : أنه علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وهو كونه ولد على
( 139 )
الفطرة وسبق إلى الاِيمان والهجرة ، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع . ومراده هنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لاَنه ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل ، والنبي أرسل لاَربعين مضت من عام الفيل ، وقد جاء في الاَخبار الصحيحة أنه مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويرى الضوء ولا يخاطبه أحد ، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته ، فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالته صلى الله عليه وآله فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة ، وليس بمولود في جاهلية محضة ، ففارقت حاله حال من يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل .
وقد روي أن السنة التي ولد فيها هذه السنة التي بديَ فيها رسول الله صلى الله عليه وآله فأسمع الهتاف من الاَحجار والاَشجار وكشف عن بصره ، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب منها بشيء ، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والاِنقطاع والعزلة في جبل حراء ، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليه السلام فيها ، ويسميها سنة الخير وسنة البركة ، وقال لاَهله ليلة ولادته وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الاِلَهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً : لقد ولد لنا مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرحمة . وكان كما قال صلوات الله عليه ، فإنه كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه ، وبسيفه ثبت دين الاِسلام ورست دعائمه وتمهدت قواعده .

وفي المسألة تفصيل آخر ، وهو أن يعني بقوله : فإني ولدت على الفطرة التي لم تتغير ولم تحل ، وذلك أن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : كل مولود يولد على الفطرة ، أن كل مولود فإن الله تعالى قد هيأه بالعقل الذي خلقه فيه وبصحة الحواس والمشاعر لاَن يتعلم التوحيد والعدل ، ولم يجعل فيه مانعاً يمنعه من ذلك ، ولكن التربية والعقيدة في الوالدين والاَلف لاعتقادهما وحسن الظن فيهما يصده عما فطر عليه ، وأمير المؤمنين عليه السلام دون غيره ولد على الفطرة التي لم تحل ، ولم يصد عن مقتضاها مانع ،
( 140 )
لا من جانب الاَبوين ولا من جهة غيرهما .
وغيره ولد على الفطرة ولكنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها .
ويمكن أن يفسر أنه أراد بالفطرة العصمة ، وأنه منذ ولد لم يواقع قبيحاً ولا كان كافراً طرفة عين ، ولا مخطئاً ولا غالطاً في شيء من الاَشياء المتعلقة بالدين وهذا تفسير الاِمامية . انتهى .
أقول : التفسيران الاَخيران اللذان ذكرهما المجلسي رحمه الله متحدان ، لاَن قصد أمير المؤمنين عليه السلام والله أعلم ، إني ولدت على فطرة الله الصافية ولم أدنسها بعبادة وثن ولا بارتكاب ذنب ، وسبقت إلى الاِيمان بالنبي صلى الله عليه وآله والوقوف معه والهجرة معه ..
ولا شك أن فطرة الله تعالى التي خلق عليها وليه ووزير رسوله صلى الله عليهما أرقى من الفطرة العادية التي يولد عليها كل مولود ، فالنبي وآله خيرة الله تعالى وفطرتهم خيرة الفطر ، وقد ورد في الدعاء : يا دائم الفضل على البرية ، يا باسط اليدين بالعطية ، يا صاحب المواهب السنية ، صل على محمد وآله خير الورى سجية ، واغفر لنا ياذا العلى في هذه العشية .
وتوجد هنا مسألتان في هذا الحديث يناسب التعرض لهما ، وإن كان محلهما باب الاِمامة .
المسألة الاَولى : أن الفرق بين السب والبراءة من وجهين :
أولهما ، أن البعد السياسي في السب أقوى وأظهر منه في البراءة ، والبعد العقائدي في البراءة أقوى وأظهر . فالخطر العقائدي على المسلمين في البراءة أكثر ، بينما سب السلطة له عليه السلام وإجبارها المسلمين على ذلك لاتصل خطورته إلى خطورة البراءة ، وإن كان فيه خطر كبير على أجيال المسلمين .
ولعل هذا هو مقصود الفقهاء الذين اعتبروا أن البراءة شهادة بالكفر بعكس السب واللعن ، قال السيد الگلپايگاني رحمه الله في الدر النضيد ج 2 ص 253 : ولعل الفرق بين السب والبراءة حيث أمر بالاَول ونهى عن الثاني ، أن السب صادر بالنسبة إلى المسلم
( 141 )
أيضاً ، بخلاف البراءة فإنها تكون عن المشركين والكافرين ، كما قال الله تعالى : براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين . وكان من كان يأمر بالبراءة عن الاِمام عليه السلام يريد أن يجعل الاِمام في عداد المشركين والخارجين عن الدين ، ومن كان يتبرأ منه صلوات الله عليه يعده من الكفار ، وبهذه المناسبة علل الاِمام عليه السلام نهيه عن البراءة بقوله : فإني ولدت على الفطرة وسبقت إلى الاِيمان والهجرة ، وعلى هذا فلو أكره على السب فسب فلا شيء عليه ، بل وربما كان محموداً على فعله كما يشهد بذلك حكاية عمار ونزول الآية الكريمة : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالاِيمان . انتهى .
والفرق الثاني ، أن الحق الشخصي في السب أقوى منه في البراءة ، فالحق العام في السب وإن كان عظيماً بسبب أنه ظلم وعدوان على وصي النبي صلى الله عليه وآله الذي يمثل دين الله تعالى ، ولكن فيه حقاً شخصياً أيضاً لاَنه ظلم وعدوان على شخص علي عليه السلام وباعتبار هذا الحق الشخصي كان له عليه السلام أن يجعل المؤمنين في حل عند الضرورة بخلاف البراءة منه . فكأنه عليه السلام قال : بما أن السب مركب من حقين ، فأنتم في حل من حقي ، ويبقى حق الله تعالى فهو حكم شرعي بينكم وبينه ، وهو تعالى يجيزه عند الضرورة . أما البراءة فحقها الاِلَهي غالب ، لاَن البراءة مني براءة من الفطرة النقية التي أنا عليها ، وبراءة من إيماني بالله ورسوله وجهادي وهجرتي ، فلا أستطيع أن أجعلكم في حل منها ، بل يجري عليها الحكم الشرعي .
والمسألة الثانية : أن فقهاءنا رضوان الله عليهم أفتوا بجواز البراءة عند الضرورة المهمة كالخوف من القتل ، ولم يفت أحد منهم بوجوب تحمل القتل للتخلص من البراءة ، إلا ما يظهر من المفيد كما سيأتي ، وذلك لاَنه لم يثبت عندهم النص الذي تضمن النهي عن البراءة ، بل رووا تكذيب حديث علي عليه السلام فقد روى الحميري في قرب الاِسناد ص 12 :

( 142 )
ــ عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، قال قيل له : إن الناس يروون أن علياً عليه السلام قال على منبر الكوفة : أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ، ثم ستدعون إلى البراءة مني ، وإني لعلى دين محمد . ولم يقل وتبرؤوا مني ، فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة منه ؟
فقال : والله ما ذلك عليه ، وما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالاِيمان ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالاِيمان ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله عندها : يا عمار إن عادوا فعد ، فقد أنزل الله عز وجل عذرك في الكتاب وأمرك ان تعود إن عادوا . انتهى . وقد أفتى بهذا الحديث ابن إدريس في السرائر ج 3 ص 624 وأكثر فقهائنا .
لكن اختلفوا في أن أيهما أرجح ، ولعل الذين ثبت عندهم النهي عن البراءة حملوه على كراهة البراءة وترجيح تحمل القتل عليها ، ويشهد له ما رواه في وسائل الشيعة ج 11 ص 475 عن الكشي في رجاله عن جبرئيل بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن مهران ، عن محمد بن علي الصيرفي ، عن علي بن محمد عن يوسف بن عمران الميثمي قال : سمعت ميثم النهرواني يقول : دعاني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقال : كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني ؟
فقلت : يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك ؟
قال : إذاً والله يقتلك ويصلبك .
قلت : أصبر فذاك في الله قليل !
فقال : يا ميثم إذاً تكون معي في درجتي .. الحديث . انتهى . وقال في الوسائل : رواه الراوندي في الخرائج والجرائح عن عمران عن أبيه ميثم .
وفي المقابل توجد روايات يفهم منها ترجيح التقية والبراءة ، ففي الوسائل ج 11
( 143 )
ص 475. . . . عن عبدالله بن عطاء قال : قلت لاَبي جعفر عليه السلام : رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما إبرآ من أمير المؤمنين عليه السلام فبرىَ واحد منهما وأبى الآخر ، فخلي سبيل الذي برىء وقتل الآخر ، فقال : أما الذي بريَ فرجل فقيه في دينه ، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلى الجنة .
ولعل تعارض روايات الترجيح جعل السيد الخوئي رحمه الله يفتي بتخيير المكلف وعدم ترجيح أي من التقية أو الشهادة ، قال في مستند العروة ( التنقيح ) ج 4 ص 264 : وقد يقال إن ترك التقية أرجح من التقية بإظهار التبريَ منه عليه السلام وعليه فيكون المقام من موارد التقية المكروهة والمرجوحة ، وإذا قلنا بعكس ذلك وإن التقية بإظهار التبريَ أرجح من تركها فيكون المقام مثالاً للتقية المستحبة لا محالة . والصحيح أن الاَمرين متساويان ولا دلالة لشيء من الروايات على أرجحية أحدهما عن الآخر ، أما رواية عبدالله بن عطاء فلاَنها إنما دلت على أن من ترك التقية فقتل فقد تعجل إلى الجنة ، ولا دلالة لذلك على أن ترك التقية باختيار القتل أرجح من فعلها ، وذلك لاَن العامل بالتقية أيضاً من أهل الجنة وإنما لم يتعجل بل تأجل ، فلا يستفاد منه إلا تساويهما . انتهى .
لكن يبدو من المفيد رحمه الله أنه يفتي بحرمة البراءة ووجوب تحمل القتل ، فقد عبر عن حديث نهج البلاغة بأنه مستفيض ، وفيه نهي مشدد عن البراءة ، قال في الاِرشاد ج 1 ص 322 :
ومن ذلك ما استفاض عنه عليه السلام من قوله : إنكم ستعرضون من بعدي على سبي فسبوني ، فإن عرض عليكم البراءة مني فلا تبرؤوا مني فإني ولدت على الاِسلام ، فمن عرض عليه البراءة مني فليمدد عنقه ، فمن تبرأ مني فلا دنيا له ولا آخرة ، وكان الاَمر ذلك كما قال عليه السلام . انتهى .
وقد رد الشيخ الاَنصاري على القول بوجوب تحمل القتل ، فقال في المكاسب ص
( 144 )
325 : بل عن المفيد في الاِرشاد أنه قد استفاض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ستعرضون من بعدي على سبي فسبوني ، ومن عرض عليه البراءة فليمدد عنقه ، فإن برأ مني فلا دنيا له ولا آخرة . وظاهرها حرمة التقية فيها كالدماء ، ويمكن حملها على أن المراد الاِستمالة والترغيب إلى الرجوع حقيقة عن التشيع إلى النصب ، مضافاً إلى أن المروي في بعض الروايات أن النهي من التبري مكذوب على أمير المؤمنين عليه السلام وأنه لم ينه عنه . انتهى .
وذكر السيد الگلپايگاني أنه قد يجب العمل بالتقية أحياناً فلا بد من ملاحظة المصالح والمفاسد ، قال رحمه الله في الدر النضيد ج 4 ص 253 :
قلت : بل وربما يستفاد منه ( حديث مسعدة ) ومن غيره أن الاَفضل له ذلك وإن كان لو لم يجبهم إلى ذلك ولم يسب وقتل لذلك لم يكن آثماً ومؤاخذاً عليه ، بل هو مأجور وقد تعجل إلى جنات النعيم وإلى جوار الله رب العالمين ، على حسب ما ورد في بعض الروايات ، إلا أن التقية أفضل . ومع ذلك كله لابد من ملاحظة المصالح والمفاسد والعمل على وفقها ، فربما يترتب على ترك التقية وعلى قتله مثلاً مفاسد عظيمة ، فهنا لابد له من التقية . انتهى .
ولا يبعد أن يكون أصل الحكم في المسألة جواز الاَمرين للمكلف ، وأنه قد يطرأ عنوان من المصلحة أو المفسدة الملزمة فيوجب اختيار التقية أو اختيار تحمل الشهادة . ويكون تشخيص ذلك راجعاً إلى المكلف نفسه ، أو الى أهل الخبرة .

ولاية علي عليه السلام علامة على صحة الفطرة وطيب المولد

ـ شرح الاَخبار ج 3 ص 449
. . . . عمران بن ميثم قال : دخلت على حبابة الوالبية فسمعتها تقول : والله ما أحد على الفطرة إلا نحن وشيعتنا ، والناس براء . وهذا صحيح لاَن من لم يكن من شيعة محمد وآل محمد فهو من عدوهم ، وقال الله تعالى : هذا من شيعته وهذا من عدوه ،
( 145 )
ومن كان عدواً لمحمد وآله لم يكن على فطرة الاِسلام . انتهى . وروى نحوه في ج 3 ص 573

ـ وسائل الشيعة ج 20 ص 160
أقول : وفي الكشي ، عن محمد بن مسعود بإسناده عن عمران بن ميثم قال : دخلت أنا وعباية الاَسدي على امرأة من بني أسد يقال لها حبابة الوالبية ، فقال لها عباية : تدرين من هذا الشاب الذي هو معي ؟ قالت : لا ، قال : مه ابن أخيك ميثم . قالت : إي والله إي والله ، ثم قالت : ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبدالله الحسين بن علي عليهم السلام قلنا بلى ، قالت : سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول : نحن وشيعتنا على الفطرة التي بعث الله عليها محمداً صلى الله عليه وآله وسائر الناس منها براء .

ـ مناقب أمير المؤمنين ج 1 ص 226
. . . . سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : يا علي أنت وشيعتك على الفطرة ، وسائر الناس منهم براء .

ـ بحار الاَنوار ج 67 ص 23
. . . . يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، قيل من نور الفطرة إلى فساد الاِستعداد ، وفي الكافي عن الصادق عليه السلام : النور آل محمد ، والظلمات عدوهم .

ـ تهذيب الاَحكام ج 4 ص 145
. . . . عن الحرث بن المغيرة النصري قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده ، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له ، فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال : جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار ، فكأنه رق له فاستوى جالساً فقال له . . . . وقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم عليهم السلام غيرنا وغير شيعتنا . انتهى . وروى نحوه في الاِختصاص ص 107 عن الاِمام زين العابدين عليه السلام .

( 146 )

ـ بحار الاَنوار ج 3 ص 276
فس : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمد بن جمهور ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : فأقم وجهك للدين حنيفاً ، قال : الولاية .
كنز : محمد بن العباس ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن جعفر بن بشير ، عن علي بن حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل : فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قال : هي الولاية . انتهى . ورواه أيضاً في ج 23 ص 365

ـ تفسير القمي ج 2 ص 154 و 155
حدثنا الهيثم بن عبدالله الرماني قال حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عن جده محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قال : هو لا إلَه إلا الله ، محمد رسول الله ، علي أمير المؤمنين ولي الله ، إلى هاهنا التوحيد .

ـ التوحيد للصدوق ص 328
حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن علي بن حسان الواسطي ، عن الحسن بن يونس ، عن عبدالرحمن بن كثير مولى جعفر ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قال : التوحيد ، ومحمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين . انتهى . ورواه فرات الكوفي في تفسيره ص 322 والمجلسي في بحار الاَنوار ج 3 ص 276 وج 26 ص 277 والحويزي في نور الثقلين ج 4 ص 182

ـ وفي بصائر الدرجات ص 78 :
أحمد بن موسى ، عن الحسين بن موسى الخشاب ، عن علي بن حسان ، عن عبدالرحمان بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : فطرة الله التي فطر الناس عليها ، قال : فقال : على التوحيد ، ومحمد رسول الله ، وعلي أمير المؤمنين .

( 147 )
ـ وفي بحار الاَنوار ج 3 ص 276
شي : عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله : صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ، قال : الصبغة معرفة أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية في الميثاق .

ـ وفي المحاسن ج 1 ص 138
عن أبي عبدالله المدايني قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إذا برد على قلب أحدكم حبنا فليحمد الله على أولى النعم ، قلت : على فطرة الاِسلام ؟ قال : لا ، ولكن على طيب المولد ، إنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته ، ولا يبغضنا إلا الملزق الذي تأتي به أمه من رجل آخر فتلزقه زوجها ، فيطلع على عوراتهم ويرثهم أموالهم فلا يحبنا ذلك أبداً ، ولا يحبنا إلا من كان صفوة ، من أي الجِبَل كان . انتهى ، والجِبَل هي الجِبِلاَّت ، جمع جِبِلَّة . انتهى . ورواه في بحار الاَنوار ج 27 ص 152

ـ مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 11
وقال آخر :

أحب النـبـي وآل النبي * لأني ولدت على الفطرة
إذا شـك فـي ولـد والـد * فآيـته الـبـغـض للـعـتـرة

ـ ثواب الاَعمال ص 174
أبي رحمه الله قال حدثني سعد بن عبدالله ، قال حدثني الحسن بن موسى الخشاب ، عن عقيل بن المتوكل المكي ، يرفعه عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال : من صاغ خاتماً عقيقاً فنقش فيه ( محمد نبي الله وعلي ولي الله ) وقاه الله ميتة السوء ولم يمت إلا على الفطرة . ورواه في وسائل الشيعة ج 3 ص 403

* *