aalulbayt
محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

جاء في هامش المطالب العالية ج جزء 2 ص 25 :
في التوراة أن الله إلَه واحد . وفي التوراة أن الله ليس كمثله شيء . ففي الاِصحاح السادس من سفر التثنية : إسمع يا إسرائيل . إن الرب إلهنا رب واحد . فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك . ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك ، وكررها على بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت ، واعقدها علامة على يدك ، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها على عضائد أبواب بيتك وعلى أبوابك . تثنية 6 : 4 9 ترجمة اليسوعيين . وفي الاِصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية : لا كفء لله . وفي ترجمة البروتستانت : ليس مثل الله . تثنية 33 : 26 .
وقال موسى بن ميمون في دلالة الحائرين : إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته ، فذلك مؤول على معنى : أن الله يقرب ذاته إلى عقول الخلق ، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم . أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شيء، وذلك ليفهم الخلق ذات الله على نحو قريب من تصوراتهم . وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي على خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان ، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس . انتهى .
والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل على عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن ، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر من نصوص التوحيد . وهذا من الاَدلة على وقوع التحريف فيها ، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلى نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم . وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد : جاء في العهد القديم ص 98 : 9 فقال موسى لفرعون عين لي متى
( 197 )
أصلي لاَجلك ولاَجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك ، ولكنها تبقي في النهر . 10 فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا . 11 فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك .
وجاء في ص 100 : 14 لاَني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك ، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الاَرض .
وجاء في ص 493 : 22 لذلك قد عظمت أيها الرب الاِلَه ، لاَنه ليس مثلك وليس إلَه غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا . . . .
وجاء في ص 530 : 20 يا رب ليس مثلك ، ولا إلَه غيرك ، حسب كل ما سمعناه بآذاننا .
وجاء في ج 2 ص 43 : 9 أذكروا الاَوليات منذ القديم ، لاَني أنا الله وليس آخر . الاِلَه وليس مثلي .
وجاء في ج 2 ص 84 : 6 لا مثل لك يا رب ، عظيم أنت ، وعظيم اسمك في الجبروت . 7 من لا يخافك ياملك الشعوب ، لاَنه بك يليق ، لاَنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك .
ـ العهد القديم والجديد ج 1 ص 253ـ
الاِصحاح الثاني 1 يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك 2 حتى تميل أذنك إلى الحكمة وتعطف قلبك على الفهم 3 إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم 4 إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز 5 فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله . 6 لاَن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم . 7 يذخر معونة للمستقيمين . هو مجن السالكين بالكمال . 8 لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. 9 حينئذ تفهم العدل والحق والاِستقامة . كل سبيل صالح 10 إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك .

( 198 )
لكن البابا في عصرنا يصر على التجسيم وينتقد التوحيد عند المسلمين

ـ كتاب العبور إلى الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني :
والعبور إلى الرجاء هو التسجيل الكامل لاَول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الاِيطالي الكبير فيتوري ميسوري ، لمناسبة ذكرى مرور خمس عشرة سنة على اعتلائه السدة البابوية . . . . كان الاَول بين ( خلفاء القديس بطرس ) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب على أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي . وبعد ما حصر البث بالمحطة الاَولى ليلة الذكرى ، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية .
ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبرى ، وتلقى مخطوطة الاَجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان 1994 . كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه . . . من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الاَعظم على سؤالين ، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الاِسلامي ، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحية بالدين اليهودي ، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة :
السؤال الاَول : ما الفرق بين إلَه المسلمين وإلَه المسيحيين ؟
الجواب : لا شك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الاَمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الاِلَه الواحد . نعم ، صحيح ما تقوله ، فالاَمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين ، بدءً بإسلام . ففي الاِعلان المجمعي ( في عصرنا ) الآنف الذكر ، يمكننا أن نقرأ ما يأتي ( وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد ، الحي القيوم ، الرحمن القدير ، الذي خلق السماء والاَرض ) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الاَقرب إلينا . أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا ، فقد وقفنا مندهشين
( 199 )
معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو .. في تلك الاَثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم ، غير أنه ما لبث أن أضاف : ولكن ما من شيء هنا يبلغ مدى جمال توحيدنا الاِسلامي ! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل ، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً . لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والاِسلام . والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع .
من يطالع القرآن ، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الاِلَهي من اختزال . ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الاَنبياء أولاً في العهد القديم ، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغنى الذي يتجلى في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد ، كل ذلك قد تغاضى عنه الاِسلام بالفعل . ( ! )
إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الاَسماء الحسنى ، ولكنه في النهاية ، إلَه متعال عن العالم ، ذو جلال ، لا ( إلهنا معنا ) عمانوئيل .
ليس الاِسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب ! يذكر عيسى ، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً ، يمهد لخاتمة جميع الاَنبياء محمد . كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول ، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء .
لذلك تختلف نظرة الاِسلام عن المسيحية ، لا على الصعيد اللاهوتي فحسب ، بل أيضاً على الصعيد الانتروبولوجي .
بيد أن التدين الاِسلامي يستحق كل تقدير ، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالاَمانة على الصلاة . إذ أن الذي يسمي الرب ( الله ) يجثو على ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان ، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار . هذه الصورة تبقى نموذجاً لمن يعترفون بالله الحق ، وبخاصة لاَولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً . . . . ) انتهى .

( 200 )
أقول : السبب في تهمة البابا للدين الاِسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصارى عن الله تعالى ، وبيت القصيد عنده وإشكاله الاَساسي على الاِسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالى ليس كمثله شيء ، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الاَرض ، وبتعبيره ( لكنه في النهاية إلَه متعال عن العالم ، ذو جلال ، لا ( إلهنا معنا عمانوئيل ) .
ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليرى أن ما يريده من نزول الله تعالى وصعوده وتجسده موجود فيها ، وأن هذا البلاء الذي ابتلى به اليهود والنصارى قد سرى إلى إخواننا السنة وصحاحهم ! !
كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلى أن دعوة المسيح عليه السلام كانت دعوة إلى التوحيد ولم يكن فيها تجسيم ، وأن تجسم الله تعالى في المسيح إنما هو فكرة ( بولسية ) وليست مسيحية .. قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الاَديان ج 2 ص245 تحت عنوان : الله في التفكير المسيحي :
عندما نصل إلى الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلى مزيد من الصبر لنرى التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة : تقرر الاَناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة :
أولاها : أن الله واحد لا شريك له .
والثانية : أن عيسى رسول الله وليس أكثر من رسول .
والثالثة : أن عيسى رسول لبني إسرائيل فقط .
وعن القضية الاَولى نورد النصوص التالية من هذه الاَناجيل :
ـ يروي متى عن عيسى قوله : إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح 23 الفقرة 8 )
ـ ويروي مرقص قول عيسى : الرب إلهنا إلَه واحد وليس آخر سواء(12 : 30 31).
ـ ويروي يوحنا عن عيسى قوله : إني أصمد إلى أبي وأبيكم وإلَهي وإلَهكم ( 20 :18 )

( 201 )
وعن القضية الثانية من الاَناجيل النصوص التالية :
ـ جاء في إنجيل متى قوله : هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل ( 21 : 11 ) .
ـ وجاء في لوقا : قد خرج نبي عظيم ( 7 : 16 ) .
ـ ويروي يوحنا : إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم ( 4 : 14 و 7 : 40 ) .
ـ ويروي يوحنا كذلك عن عيسى قوله : وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله ( 8 : 40 ) .
ـ ويروي لوقا عن عيسى قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه : ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه ، لاَنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم ، يا أورشليم ، يا أورشليم يا قاتلة الاَنبياء وراجمة المرسلين .
وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية :
ـ جاء في متى ما نصه : ثم خرج يسوع من هناك ، وانصرف إلى نواحي صور وصيدا ، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة : إرحمني يا سيد يا ابن داود ، ابنتي مجنونة جداً ، فلم يجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين : إصرفها لاَنها تصيح وراءنا ، فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة ( متى 15 : 21 24 ) .
ـ وفي متى كذلك أن عيسى عند ما حدد الحواريين الاِثني عشر أوصاهم قائلاً : إلى طريق أمم لا تمضوا ، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا ، بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني اسرائيل الضالة ( 10 : 5 6 ) .
ـ وقد خاصم اليهود بطرس لاَنه دخل على غير اليهود وتكلم معهم ( أعمال الرسل 11 الفقرة الاَولى ) .
ـ وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود : أنتم تعلمون كيف هو محرم على رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه ( أعمال الرسل 10 : 28 ) .

( 202 )
والقرآن الكريم يقرر هذه الاِتجاهات الثلاث في المسيحية ، قال تعالى :
ـ وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم (سورة المائدة الآية 72 ) .
ـ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وما من إلَه إلا إلَه واحد ( سورة المائدة الآية 73 ) .
ـ ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ( سورة المائدة 75 ) .
ـ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ( سورة المائدة 17 ) .
ـ ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والاِنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل ( سورة المائدة 48 ـ 49 ) .
ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلى التثليث ، ونقل عيسى من رسول إلى إلَه ، والقول بأن المسيحية رسالة عامة ، والقول بأن عيسى ابن الله نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر ، وأنه عاد مرة أخرى إلى السماء ليجلس على يمين أبيه ، كان هذا كله عملاً جديداً على المسيحية التي جاء بها عيسى .
كيف انتقلت المسيحية من حال إلى حال ، ومن الذي قام بذلك ومتى ؟ هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي :
ترتبط هذه الاَمور بشخصية مهمة في المسيحية ، هي شخصية شاؤول ( بولس ) ولذلك يرى الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع هذا الرجل ، ويقول إن بولس هو في الحقيقة مؤسس المسيحية ، ويقول إن كثيراً من الثقات العصريين يعدونه المؤسس الحقيقي للمسيحية .
وبولس كما يقول عن نفسه ( يهودي فريسي ابن فريسي على رجاء قيامة الاَموات ـ أعمال الرسل 23 : 6 ) وكان عدواً للمسيحيين ، وهو في ذلك يقول ( سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية ، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها ، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابي في جنسي ، إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي ( غلاطية 1 : 13 14 ) .

( 203 )
ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة ، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه عندما يظهر بأفكاره الجديدة ، فادعى شاؤول أن السيد المسيح بعد نهايته على الاَرض ظهر له وصاح فيه وهو فى طريقه إلى دمشق : لماذا تضطهدني فخاف شاؤول وصرخ : من أنت يا سيد ؟ قال : أنا يسوع الذي تضطهده . قال شاؤول : ماذا تريد أن أفعل ؟ قال يسوع : قم وكرز بالمسيحية . ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي : وللوقت جعل يكرز فى المجامع بالمسيح أنه ابن الله ( أعمال 9 : 3 ـ 30 ) انتهى .

ـ وقال أبو رية في أضواء على السنة المحمدية ص 189 :
يعتقد المسيحيون أن المسيح عليه السلام قد ارتفع بجسمه بعد صلبه وأنه يجلس هناك مع أبيه . وعند الكاتوليكية الرومانية عقيدة جوهرية تقضي بأن أمه مريم العذراء قد ارتفعت هي الاَخرى بجسدها إلى السماء وأنها لم تمت . ومنذ سبع عشرة سنة انعقد مجمع ديني مقدس برياسة البابا بيوس الثاني عشر بميدان القديس بطرس اشترك فيه 35 كردينالاً ونحو 500 بطريركا من جميع أنحاء العالم واحتشد له مليون مسيحي وقرر هذا المجمع هذه العقيدة الدينية ، وقال إنها لا تقبل الجدل أو المناقشة ومن يناقشها أو يشك فيها يعتبر من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية ملحداً أو كافراً ( يراجع جريدة الوفد المصري في 31 | 10 ، و1 و2 و3 |11|1950 )
والاَقباط المصريون جميعاً يؤمنون بهذه العقيدة وتحتفل كل طوائفهم في يوم 16 مسري من كل سنة ، بعيد انتقال السيدة مريم بجسدها إلى السماء ، ويطلقون على هذا الاِحتفال اسم : عيد العذراء الكبير ، وليس لاَحد أن يعترض على هذه العقيدة أو يماري فيها ، إذ مادام المسيح عليه السلام قد ارتفع إلى السماء وجلس بجوار أبيه ، فإنه لا مانع من أن تصعد إليه أمه من بعده لتقيم وإياه مع الله في السماء ، ويحيون جميعاً حياة طيبة في هناء وصفاء !

( 204 )
وإليك هذه الكلمة الصغيرة ننقلها من كتاب العقيدة والشريعة للمستشرق الكبير جولد تسيهر ص 42 و43 :
وهناك جمل أخذت من العهد القديم والعهد الجديد ، وأقوال للربانيين ، أو مأخوذة من الاَناجيل الموضوعة وتعاليم من الفلسفة اليونانية وأقوال من حكم الفرس والهنود ، كل ذلك أخذ في الاِسلام عن طريق ( الحديث ) حتى لفظ ( أبونا ) لم يعدم مكانه في الحديث المعترف به ، وبهذا أصبحت ملكاً خالصاً للاِسلام بطريق مباشر أو غير مباشر ! وقد تسرب إلى الاِسلام كنز ( . . . . ) كبير من القصص الدينية حتى إذا ما نظرنا إلى المواد المعدودة في الحديث ونظرنا إلى الاَدب الديني اليهودي ، فإننا نستطيع أن نعثر على قسم كبير دخل الاَدب الديني الاِسلامي من هذه المصادر اليهودية . ولا نستقصي كل ما دخل الاِسلام من المسيحيات . انتهى .

أول قنوات التشبيه والتجسيم والرؤية من اليهودية إلى الاِسلام

ينبغي أن نعرف أن نظرة العرب في الجاهلية والاِسلام إلى ثقافة اليهود كانت نظرة إيجابية ، وأن الخليفة عمر قد تبنى سياسة الاِنفتاح على هذه الثقافة ، فسبب ذلك تأثيراً واسعاً على ثقافة الاِسلام وعقائده .. لذلك نمهد للموضوع ببعض ما كتبناه في ( تدوين القرآن ) ص 409 تحت عنوان ( احترام عرب الجاهلية للثقافة اليهودية ) :
( كان اعتداد العرب بقوميتهم ووثنيتهم في الجاهلية اعتداداً قوياً إلى حد التعصب ، ولم يكونوا يحترمون اليهود كأمة ولكنهم كانوا يحترمون علماءهم وثقافتهم، ويرجعون إليهم في العديد من مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل والاَمور الروحية . بل كان الكثير من عرب الجاهلية يعيشون حالة الاِنهزام أمام الثقافة اليهودية لاَن اليهود أصحاب كتاب سماوي وعلماء وأنبياء ، والعرب أميون وثنيون ، وإن بقيت عندهم بقايا من دين إبراهيم . . . .
والشواهد على ذلك من مصادر التاريخ والتفسير والحديث والفقه كثيرة ، نكتفي
( 205 )
منها بالنص التالي الذي يدل على أن تأثيرات الثقافة اليهودية بقيت حتى بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله وحتى على ذهن زوجته عائشة وأبيها الخليفة أبي بكر !
روى مالك في الموطأ ج 2 ص 502 ( عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي ، ويهودية ترقيها ! فقال أبو بكر : إرقيها بكتاب الله ) .
وقال في كتاب الاَم للشافعي ج 7 ص 241 ( باب ما جاء في الرقية . سألت الشافعي عن الرقية ؟
فقال : لا بأس أن يرقى الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله .
قلت : أيرقي أهل الكتاب المسلمين ؟
فقال : نعم ، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله .
فقلت : وما الحجة في ذلك ؟
قال : غير حجة ، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكاً أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر إرقيها بكتاب الله .
فقلت للشافعي : فإنا نكره رقية أهل الكتاب .
فقال : ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر ، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه . وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم ، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا ، أو أخف ) . انتهى .
ورواه البيهقي في سننه ج 9 ص 347 ، كما روى أن امرأة عبدالله بن مسعود كانت تذهب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله إلى يهودي لرقية عينها .
وقال النووي في المجموع ج 9 ص 64 ( فرع في جواز الرقية بكتاب الله تعالى وبما يعرف من ذكر الله . . . . وروى البيهقي بإسناده الصحيح عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : دخل أبو بكر رضي الله عنه عليها وعندها يهودية ترقيها فقال : إرقيها
( 206 )
بكتاب الله عز وجل . وبإسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان قال سألت الشافعي عن الرقية . . . . ) . انتهى .
يلاحظ على هذه الفتوى المجمع عليها عند إخواننا السنيين ، أن الخليفة أبا بكر لم ينه عائشة عن هذا العمل ، وإنما طلب من المرأة اليهودية باحترام أن ترقيها ببعض آيات القرآن ، باعتبار أن ذلك أفضل من الاَدعية التي تقرؤها من عندها ، أو أراد منها أن تضم إلى أدعيتها آيات من القرآن ليكون ذلك أرجى لشفائها ابنته .. هذا إذا كان مقصوده بكتاب الله : القرآن ، وإلا فيكون قصده : إرقيها بنص من التوراة ، لا بدعاء من عندك !
وبذلك يتضح أن الشرط الذي شرطه الشافعي وغيره لما يجب أن يقرأه اليهودي أو النصراني في رقية المسلم لا أساس له في الرواية . وغاية ما يمكن استفادته منها أن الاَحسن للمسلم أن يطلب من الكتابي أن يقرأ على مريضه شيئاً من القرآن .. خاصة أن الذي يكلف أحداً أن يرقي مريضه لا يملي عليه ماذا يقرأ عليه ، لاَنه لا يكلفه بالرقية إلا وهو يعتقد بأنه عبد صالح قريب إلى الله تعالى ، فهو أعرف بما يقرأ عليه !
كما يلاحظ استغراب السائل لهذه الرواية والفتوى ! فأجابه الشافعي بأن الرواية صحيحة ولم يصل إلينا إنكار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبي بكر . والقاعدة عند إخواننا أنه إذا فعل الصحابي شيئاً فهو جائز وحجة على غيره ، إلا إذا عارضه صحابي آخر ، ويشترط أن يكون الصحابي المعارض من الصحابة الذين تؤثر معارضتهم عند الاِخوة السنيين .. فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم مثل علي المظلوم ، وبعضهم تضر !
. . . إن معرفة هذا الجو في الجزيرة من التأثر العام بثقافة اليهود ، تمكننا من تفسير مواقف الخليفة عمر تجاه الثقافة اليهودية .. فقد كان من نشأته في مكة يحترم هذه الثقافة كثيراً قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وتدل عدة نصوص على أنه استمر على احترامها حتى وهو إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله ثم عندما صار خليفة .

( 207 )
وبهذا نفهم سبب احترامه لكعب الاَحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام .. وأمثالهم من اليهود الذين أعلنوا دخولهم في الاِسلام .. وتميم الداري وأمثاله من النصارى الذين دخلوا في الاِسلام .. وكذا ثقته بما عند علماء اليهود والنصارى من كتب وتاريخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل !
وينبغي للباحث في هذا الموضوع أن يعرف المقومات الاَساسية لشخصية الخليفة عمر .. فهو أولاً ، عربي معتز بقوميته إلى حد أنه يرى أن المخاطب بقوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا .. ) هم العرب خاصة ! قال السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 98 ( وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب إن هذه الآية في الحجرات . إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، هي مكية وهي للعرب خاصة . الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب ؟ وقوله : إن أكرمكم عندالله أتقاكم ، قال : أتقاكم للشرك ) .
وعلى تفسير الخليفة فإن الآية لا تساوي بين العرب وغيرهم كما فهم منها المسلمون . ولعله لذلك أفتى بأنه لا ملك على عربي وبأن العرب لهم أن يتزوجوا من الاَمم الاَخرى ولكن ليس لهم أن يزوجوهم ، لاَن العربية لا كفؤ لها إلا العربي .. إلى آخر فتاواه وقراراته في هذا المجال .
وهو ثانياً : قرشي يحب قريش ويعتز بها اعتزازاً شديداً .. حتى بالطلقاء وقادة الاَحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم .. فيقول عن معاوية : كسرى العرب ، وعن أبي سفيان : سيد العرب ! بل يثقل عليه يوم فتح مكة أن يدخل أنصاري براية النبي صلى الله عليه وآله وهو يتحدى قادة الاَحزاب من قريش .. فقد روى البيهقي في سننه ج 10 ص 228 . . . . عن أنس قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فقام أهلها سماطين ينظرون إلى رسول الله وإلى أصحابه ، قال وابن رواحة يمشي بين يدي رسول الله ، فقال ابن رواحة :

خلوا بني الكفار عن سبيله * فاليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
يا رب إني مؤمن بقيله

( 208 )
فقال عمر رضي الله عنه : يابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر !! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه يا عمر فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل ! وروى نحوه الترمذي في سننه ج 4 ص 217 ، وسير أعلام النبلاء ج 1 ص 235
وعلى هذا الاَساس يجب أن نعرف أن إعجاب الخليفة عمر بالثقافة اليهودية لا يتنافى في نظره مع عروبته وقرشيته بل يخدمهما .. وقد كان تقريبه لكعب الاَحبار وتميم الداري وغيرهما ، مشروطاً بأن يحترموا العرب وخاصة قريش .. فإن شعر منهم انتقاصاً للعرب أو قريش لم يتردد في اتخاذ الموقف الحاسم منهم .. وقد عنف كعب الاَحبار وتميماً الداري أكثر من مرة .
إنها نظرة مركبة إلى اليهود من عناصر متعددة في ذهنية الخليفة ، وقد نتجت عنها هذه السياسة المركبة مع اليهود ، ومع أن فيها مواقف مضادة لهم ، لكنها على العموم كانت ترضيهم .
وقد روت المصادر ـ المحبة للخليفة ـ مواقفه الدالة على هذه السياسة ، وروت أن بعض مواقفه جاء على شكل اندفاع خطير منه لاِدخال الثقافة اليهودية في الاِسلام ، فنهاه النبي صلى الله عليه وآله مرات متعددة عن ذلك .. ثم ذات يوم غضب غضباً شديداً ودعا المسلمين إلى اجتماع طارىَ ليحذرهم من خطورة ما يريده عمر وأصحابه . . . . إلى آخر ما ذكرناه هناك .

من أفكار كعب الاَحبار في الرؤية والتشبيه والتجسيم

ـ وروى الطبري في تفسيره ج 25 ص 6
فقال كعب : . . . . سألت أين ربنا ، وهو على العرش العظيم متكئ واضع إحدى رجليه على الاَخرى ، ومسافة هذه الاَرض التي أنت عليها خمسمائة سنة ، ومن الاَرض إلى الاَرض مسيرة خمسمائة سنه وكثافتها . . . . ثم قال : إقرؤوا إن شئتم : تكاد السموات يتفطرن من فوقهن !

( 209 )
ـ وروى البغوي في معالم التنزيل ج 4 ص 460 : قال كعب الاَحبار : عليين هو قائمة العرش اليمين .

ـ وقال الصنعاني في تفسيره ج 2 ص 37 : عن قتادة في قوله : قد أفلح المؤمنون ، قال قال كعب : إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة : خلق آدم بيده والتوراة بيده وغرس الجنة بيده . . . . الخ.

ـ وقال الطبري في تفسيره ج 7 ص 100 : قال محمد لكعب : ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه فقال : كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد ..

ـ فتح القدير للشوكاني ج 4 ص 560 : عن ابن عمر قال : خلق الله أربعاً بيده : العرش وجنة عدن والقلم وآدم . . . .

ـ وقال الطبري في تفسيره ج 18 ص 2 : عن ميسرة قال : لم يخلق الله شيئاً غير أربعة أشياء : خلق آدم بيده ، وكتب الاَلواح بيده ، والتوراة بيده ، وغرس عدناً بيده .
ـ وقال البغوي في معالم التنزيل 4 ص 236 : . . . . وكتاب مسطور ، قال الكلبي : هو ما كتب الله بيده لموسى من التوراة ، وموسى يسمع صرير القلم .

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 6 : وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم ، قال قال عمر لكعب : ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه فقال كعب : كتب الله كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد ، ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت : أنا الله لا إلَه إلا أنا سبقت رحمتي غضبي .

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 120
وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عمر قال : خلق الله آدم بيده ، وخلق جنة عدن بيده ، وكتب التوراة بيده ، ثم قال لسائر الاَشياء كن فكان .
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال : كتب الله التوراة لموسى بيده ، وهو مسند ظهره إلى الصخرة يسمع صريف القلم في ألواح من زمرد ، ليس بينه وبينه إلا الحجاب .

( 210 )
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : إن الله لم يمس شيئاً إلا ثلاثة : خلق آدم بيده ، وغرس الجنة بيده ، وكتب التوراة بيده .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : كتبت التوراة بأقلام من ذهب .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن المنذر عن حكيم بن جابر : قال أخبرت أن الله تبارك وتعالى لم يمس من خلقه بيده شيئاً إلا ثلاثة أشياء : غرس الجنة بيده ، وجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك ، وخلق آدم بيده ، وكتب التوراة لموسى بيده .
وأخرج عبد بن حميد عن وردان بن خالد قال : خلق الله آدم بيده ، وخلق جبريل بيده ، وخلق القلم بيده ، وخلق عرشه بيده ، وكتب الكتاب الذي عنده لا يطلع عليه غيره بيده ، وكتب التوراة بيده .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال : أخبرت أن الاَلواح من زبرجد ومن زمرد الجنة ، أمر الرب تعالى جبريل فجاء بها من عدن وكتبها بيده ، بالقلم الذي كتب به الذكر ، واستمد الرب من نهر النور ، وكتب به الاَلواح .
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانوا يقولون كانت الاَلواح من ياقوتة ، وأنا أقول إنما كانت من زبرجد وكتابها الذهب ، كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف القلم .
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : كانت الاَلواح من زمرد أخضر ، أمر الرب تعالى جبريل فجاء بها من عدن فكتب الرب بيده بالقلم الذي كتب به الذكر ، واستمد الرب من نهر النور وكتب به الاَلواح .
وأخرج عبد بن حميد عن مغيث الشامي قال بلغني أن الله تعالى لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء : الجنة غرسها بيده ، وآدم خلقه بيده ، والتوراة كتبها بيده .

( 211 )
كعب يدعي أن جنة عدن مسكن الله والاَنبياء والخلفاء !

ـ روى السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 57
عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب : ما عدن ؟ قال : هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : قرأ عمر رضي الله عنه على المنبر : جنات عدن ، فقال : أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن ؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب ، على كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين ، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد .

ـ وروى في كنز العمال ج 12 ص 560 و573
عن الحسن قال : قال عمر بن الخطاب : حدثني يا كعب عن جنات عدن . قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل . فقال عمر : أما النبوة فقد مضت لاَهلها ، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله : وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشيء إلا لم آل فيه عدلاً ، وأما الشهادة فأنى لعمر بالشهادة ؟ ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع .
. . . عن كعب أن عمر بن الخطاب قال : أنشدك بالله يا كعب ، أتجدني خليفة أم ملكاً ؟ قال : بل خليفة . فاستحلفه ، فقال كعب : خليفة والله ، من خير الخلفاء ، وزمانك خير زمان .

ـ وروى في الدر المنثور ج 5 ص 347
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه . . . . في قوله تعالى : وأدخلهم جنات عدن ، قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا كعب ما عدن ؟ قال : قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل .

ـ وروى في الدر المنثور ج 6 ص 257
. . . فقال عمر بن الخطاب عند ذلك : ألا تسمع يا كعب ما يحدثنا به ابن أم عبد
( 212 )
عن أدنى أهل الجنة ، ماله فكيف بأعلاهم ؟! قال : يا أمير المؤمنين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ، إن الله كان فوق العرش والماء فخلق لنفسه داراً بيده فزينها بما شاء ، وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب ، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها ، جبريل ولا غيره من الملائكة ، ثم قرأ كعب : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين .. الآية ، وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وجعل فيهما ما ذكر من الحرير والسندس والاِستبرق ، وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة ، فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار ، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم يبق خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه حتى أنهم ليستنشقون ريحه ويقولون واهاً هذه الريح الطيبة ، ويقولون لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين .
فقال عمر : ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها ! فقال كعب : ياأمير المؤمنين إن لجهنم زفرة ما من ملك ولانبي إلا يخر لركبتيه ، حتى يقول إبراهيم خليل الله : رب نفسي نفسي ، وحتى لو كان لك عمل سبعين نبياً إلى عملك لظننت أن لن تنجو منها !

ـ قال في معجم ما استعجم ج 2 ص 74
( الحثمة ) بفتح أوله وإسكان ثانيه : صخرات بأسفل مكة ، بها ربع عمر بن الخطاب ، روى عنه مجاهد ( أي عن عمر ) أنه قرأ على المنبر ( جنات عدن ) فقال : أيها الناس ، أتدرون ما جنات عدن ؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب ، على كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين ، لا يدخله إلا نبي ، وهنيئاً لصاحب القبر ، وأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أو صديق وهنيئاً لاَبي بكر وأشار إلى قبره ، أو شهيد ، وأنى لعمر بالشهادة ؟ وإن الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إليّ . انتهى .
هذا ، وقد ضعف الذهبي في ميزان الاِعتدال ج 2 ص 98 زياد بن محمد الاَنصاري أحد رواة هذا الحديث ولكن تضعيف هذا السند لا يعني تضعيفهم
( 213 )
للحديث ، لاَنه روي عندهم بطرق أخرى ومضمونه عندهم صحيح . وقد تقدم توثيق الهيثمي لرواية السيوطي الثانية ، وفي مشابهاتها صحيح عندهم . وسوف نذكر بقيتها في تفسير قوله تعالى ( على العرش استوى ) إن شاء الله . وقد تقدمت أحاديثهم في أن الفردوس هو مسكن الله تعالى وبعض الخلفاء . . . .

ـ وروى الطبري في تفسيره ج 15 ص 94
ـ عن أبي الدرداء ، قال قال رسول الله ( ص ) : إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات بقين من الليل في الساعة الاَولى منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ، ثم ينزل في الساعة الثانية إلى جنة عدن وهي داره التي لم ترها عين .. وهي مسكنه ، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء .. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلى السماء الدنيا بروحه وملائكته . الخ .

ـ وروى السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 254
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحكم وصححه عن أبي أمامة ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة ، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش .
وأخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سألتم الله فاسألوه الفرودس ، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن .

ـ وقال عبد الرزاق في تفسيره ج 2 ص 37
عن قتادة في قوله : قد أفلح المؤمنون ، قال قال كعب : إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة : خلق آدم بيده والتوراة بيده وغرس الجنة بيده ، ثم قال للجنة تكلمي فقالت : قد أفلح المؤمنون ، لما علمت فيها من كرامة الله لاَهلها . انتهى . ورواه الطبري في تفسيره ج 18 ص 6

( 214 )
وفي مصادر اخواننا روايات كثيرة عن صحابة وتابعين مثل أبي هريرة وأبي الدرداء وقتادة وغيرهم ، وأصلها كلها عن كعب ووهب وأمثالهما من اليهود .

نموذج من علم كعب بالله تعالى

ـ الدر المنثور ج 4 ص 293
سأل عمر كعباً عن آيات أول سورة الحديد فقال : معناها إن علمه بالاَول كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن . انتهى .
وهذا يدل على أن فكر كعب الاَحبار سطحي وحشوي ، لاَن الآيات المسؤول عنها هي قوله تعالى ( سبح لله ما في السموات والاَرض وهو العزيز الحكيم . له ملك السماوات والاَرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير . هو الاَول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) الحديد : 1 3 ، وقد فسر كعب قوله تعالى ( هو الاَول والآخر . . . . ) بأنه يعلم الاَول والآخر !

وقال كعب وعمر : يفضل من ربه أو من عرشه أربع أصابع

ـ مجمع الزوائد ج 1 ص 83
عن عمر رضي الله عنه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : أدع الله أن يدخلني الجنة ، فعظم الرب تبارك وتعالى وقال : إن كرسيه وسع السموات والاَرض ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .

ـ وقال في مجمع الزوائد ج 10 ص 159 : رواه أبو يعلى في الكبير ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن خليفة الهمذاني وهو ثقة .

ـ ورواه في كنز العمال ج 10 ص 373 ، وقال : ( ع ، وابن أبي عاصم ، وابن خزيمة ، قط في الصفات ، طب في السنة ، وابن مردويه ، ص ) .

ـ ونحوه في كنز العمال ج 2 ص 466 ، وقال : ابن مردويه خط ص . ونحوه في ج 6 ص152 وقال الخطيب من طريق أبي إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة الهمداني .

( 215 )
ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 328
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي عاصم في السنة والبزار وأبويعلى وابن جرير وأبوالشيخ والطبراني وابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة عن عمر أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أدع الله أن يدخلني الجنة ، فعظم الرب تبارك وتعالى وقال : إن كرسيه وسع السموات والاَرض ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله ، ما يفضل منه أربع أصابع .

ـ وقال الديلمي في فردوس الاَخبار ج 3 ص 86
ـ عمر بن الخطاب : على العرش استوى ، حتى يسمع له أطيط كأطيط الرحل .

ـ تاريخ بغداد ج 1 ص 295
. . . عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : على العرش استوى ، قال : حتى يسمع أطيط كأطيط الرحل .

ـ وقال ابن الاَثير في النهاية ج 1 ص 54
الاَطيط : صوت الاَقتاب . وأطيط الاِبل : أصواتها وحنينها . . . . أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته ، إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله .
ـ وقال الديلمي في فردوس الاَخبار ج 1 ص 219
ابن عمر : إن الله عز وجل ملأ عرشه يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل . انتهى .
ويلاحظ أنه جعل العرش أكبر من حجم الله تعالى بأربع أصابع مرة ، وجعل الله تعالى أكبر من كرسيه بأربع أصابع بأصابع الرحمن مرة أخرى ، وبما أن آدم في رواياتهم مخلوق على صورة الله تعالى وطوله ستون ذراعاً وفي بعضها سبعون ذراعاً، فتكون إصبع الرحمن أكثر من متر ! سبحانه وتعالى عما يصفون ، ونبرأ إليه وإلى رسوله من هذه المقولات ، وقد تقدم أكثر منها في فصل بازار الاَحاديث . . . .

( 216 )
وقالوا : نبي الله داود يمسك بقدم الله تعالى وهو أعبد من جميع الاَنبياء

ـ كنز العمال ج 2 ص 488
من مسند عمر رضي الله عنه . عن عمر قال : ذكر النبي صلي الله عليه وسلم : يوم القيامة فعظم شأنه وشدته ، قال ويقول الرحمن لداود عليه السلام : مر بين يدي ، فيقول داود : يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي ، فيقول : مر خلفي ، فيقول : يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي ، فيقول خذ بقدمي ، فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر ، قال : فتلك الزلفى التي قال الله تعالى : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ! انتهى . ورواه في كنز العمال ج 2 ص 488 ورواه الشوكاني في فتح القدير ج 4 ص 583 والسيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 305 عن ابن مردويه

ـ الدر المنثور ج 5 ص 297
وأخرج الديلمي عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لاَحد أن يقول إني أعبد من داود .

ـ الدر المنثور ج 5 ص 305
وأخرج عبد بن حميد عن السدي بن يحيي قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب أن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد ، فينادي المنادي داود فيسقى على رؤوس العالمين ، فهو الذي ذكر الله : وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب !

وقالوا : عمر أفضل من داود لاَنه يصافح الله ويعانقه

ـ روى ابن ماجة في ج 1 ص 38
. . . عن سعيد بن المسيب ، عن ( أبي بن ) كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول من يصافحه الحق عمر ، وأول من يسلم عليه ، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة ! انتهى . ورواه الحاكم في المستدرك ج 3 ص 83