aalulbayt
الله تعالى يتجلى بخلقه

ـ شرح الاَسماء الحسنى ج 1 ص 150
( يا من في الآفاق آياته )
أي في النواحي من عوالم الوجود علاماته ، والاِسم مأخوذ من الآية أعني قوله تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ، وفي التعبير بالآيات إشارة إلى أن عالم الآفاق كتاب تكويني له كالكتاب التدويني ، كما قال الاِمام الغزالي : العالم كله تصنيف الله ، وقيل بالفارسية :
بنزد آنكه جانش در تجلى است * همه عالم كتاب حق تعالى است
عرض اعراب وجوهر چون حروفست * مراتب همچو آيات وقوفست
از هر عالمى چون سورة خاص * يكى زان فاتحه وآن ديگر اخلاص
وفي الاِكتفاء بالآفاق في الاِسم إشارة إلى تطابق الكتاب الآفاقي والكتاب الاَنفسي وأن كلاً منهما تام فيه جميع ما في الآخر .
قال ابن جمهور : الكتب ثلاثة : الآفاقي والقرآني والاَنفسي ، فمن قرأ الكتاب القرآني الجمعي على الوجه الذي ينبغي فكمن قرأ الكتاب الآفاقي بأسره إجمالاً وتفصيلاً ، ومن قرأ الكتاب الآفاقي على الوجه المذكور فكمن قرأ الكتاب الاَنفسي إجمالاً وتفصيلاً ، ولهذا اكتفى النبي صلى الله عليه وآله بواحد منهما في معرفته تعالى بقوله : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، لاَنه كان عارفاً بأن من يعرف نفسه على ما ينبغي ويطالع كتابه على ما هو عليه في نفسه يعرف ربه على ما ينبغي ، وإليه الاِشارة بقوله تعالى : إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا .
وكذلك من طالع الكتاب القرآني على وجه التطبيق تجلى له الحق تعالى في صور ألفاظه وتركيبه وآياته وكلماته تجلياً معنوياً ، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : لقد تجلى لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون .
ومن طالع الكتاب الآفاقي على ما هو عليه تجلى له الحق تعالى في صور مظاهرة
( 372 )
الاَسمائية وملابسه الفعلية الكونية المسماة بالحروف والكلمات والآيات ، المعبر عنها بالموجودات العلوية والسفلية والمخلوقات الروحانية والجسمانية على الاِطلاق والتعيين تجلياً شهودياً عيانياً ، لاَنه ليس في الوجود سوى الله وصفاته وأسمائه وأفعاله ، فالكل هو وبه ومنه وإليه .
ومن طالع الكتاب الاَنفسي الصغير الاِنساني وطبقه بالكتاب الآفاقي تجلى له الحق تعالى في الصورة الاِنسانية الكاملة والنشأة الحقيقية الجامعة ، تجلياً ذاتياً شهودياً عيانياً بحسب ما يشاهده في كل عين من حروفه وكلماته وآياته ، المعبر عنها بالقوى والاَعضاء والجوارح .
فكل من طالع كتابه الخاص به وشاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها وإحاطتها بعالمها ، عرف الحق وشاهده وعرف أنه محيط بالاَشياء وصورها ومعانيها عاليها وسافلها شريفها وخسيسها ، مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته .
قالوا : وكذلك الحق إذا أراد أن يشاهد نفسه في المرآة الكاملة الذاتية الجامعة يشاهدها في الاِنسان الكامل بالفعل ، وفي غير الكامل بالقوة لاَنه مظهر الذات الجامعة لا غير . . . . ومن هذا قيل : أراد الله أن يظهر ذاته الجامعة في صورة جامعة فأظهرها في صورة الاِنسان ، وأراد أن يظهر الاَسماء والصفات والاَفعال في صورة كاملة مفصلة فأظهرها في صورة العالم .
أقول : في هذا التقسيم لكتب الكون تأملات فكرية وروحية مفيدة ، ولا شك في صحة القول بأن الله تعالى قد تجلى بخلقه بمعنى من معاني التجلي ، ولكن قولهم بأنه تعالى خلق الاِنسان ليكون مظهراً تتجلى به ذاته ، وخلق الكون ليكون مظهراً لاَسمائه ، كلام جميل لو وجد عليه دليل . وإلا فمن أين للعرفاني والفيلسوف أن يعرف لماذا خلق الله هذا المخلوق أو ذاك ؟ إن الدليل على ذلك منحصر بإخباره تعالى عن أهدافه عن طريق أنبيائه وأوصيائهم ، وما ربما يجزم به العقل .. وما سوى ذلك فهو ظنون من عقولنا واحتمالات ، لا يمكننا أن ننسبها إلى الله تعالى !

( 373 )
كما نلاحظ أن بعض الفلاسفة والمتصوفين والعرفانيين يميلون إلى قبول أحاديث التشبيه بلا تحقيق في سندها ، ويحاولون الاِستشهاد بها على أفكارهم ، بل قد يبنون عليها نظرياتهم ، مع أن الحديث لا وجود له ! أو له وجود في المصادر لكن ورد عن الاَئمة عليهم السلام أو عن علماء الجرح والتعديل تكذيبه ، كما رأيت في حديث ( خلق الله آدم على صورته ) ! وهذا البلاء عام في مصادر الفلسفة والعرفان والتصوف عند السنة والشيعة !

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

ـ قال النويري في نهاية الاِرب ج 7 جزء 13 ص 211
واختلف العلماء في معنى التجلي ، قال ابن عباس : ظهر نوره للجبل . . . . فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول : آمنت أنك ربي وصدقت أنه لا يراك أحد .

ـ وأورد السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 118 ـ123 بضع عشرة رواية في بعضها تصريح بعدم إمكان الرؤية في الدنيا ، وليس فيها ذكر خنصر الله تعالى ولا أصابعه ، وفي بعضها أن الله تعالى تجلى بأن أظهر خنصر يده ! وفي بعضها اتهامات لموسى عليه السلام بما اتهمه اليهود ، وتأثر واضح بأساطير الاِسرائيليات .. ونذكر منها هنا الروايات الموافقة لمذهبنا ، وشبه الموافقة .. قال السيوطي :
وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن ابن عباس ، وخر موسى صعقا ، قال : غشى عليه إلا أن روحه في جسده ، فلما أفاق قال لعظم ما رأى : سبحانك تنزيهاً لله من أن يراه . تبت إليك ، رجعت عن الاَمر الذي كنت عليه . وأنا أول المؤمنين ، يقول : أول المصدقين الآن أنه لا يراك أحد .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس : وأنا أول المؤمنين ، يقول : أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : فلما تجلى ربه للجبل ، قال : كشف بعض الحجب .

( 374 )
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة في قوله : وخر موسى صعقاً ، أي ميتاً . فلما أفاق ، قال : فلما رد الله عليه روحه ونفسه قال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، أنه لن تراك نفس فتحيا .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن مجاهد في قوله: تبت إليك ، قال من سؤالي إياك الرؤية ، وأنا أول المؤمنين ، قال : أول قومي إيماناً .
وأخرج عبد بن حميد وأبوالشيخ عن أبي العالية في قوله : وأنا أول المؤمنين ، قال : قد كان إذن قبله مؤمنون ، ولكن يقول أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلى يوم القيامة .
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاَصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ، رب أرني أنظر إليك ، قال قال الله عز وجل : يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده ، ولا رطب إلا تفرق ، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم .
عبد بن حميد عن مجاهد قال : لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل ، فإنه أكبر منك وأشد خلقاً قال ، فلما تجلى ربه للجبل فنظر إلى الجبل لا يتمالك ، وأقبل الجبل يندك على أوله ، فلما رأى موسى ما يصنع الجبل ، خر موسى صعقا .
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أوحى الله إلى موسى بن عمران أني مكلمك على جبل طور سينا ، صار من مقام موسى إلى الجبل طور سينا أربع فراسخ في أربع فراسخ رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر ، فجاء موسى حتى وقف بين يدي صخرة جبل طور سينا فإذا هو بشجرة خضراء الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها ، فوقف موسى متعجباً فنودي من جوف الشجرة ياميشا فوقف موسى مستمعاً للصوت ، فقال موسى من هذا الصوت العبراني يكلمني ؟ فقال الله له : يا موسى إني لست بعبراني إني أنا الله رب العالمين ، فكلم الله موسى في ذلك المقام بسبعين لغة ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة
( 375 )
الاَخرى ، وكتب له التوراة في ذلك المقام ، فقال موسى : إلَهي أرني أنظر اليك ، قال : يا موسى إنه لا يراني أحد إلا مات ، فقال موسى : إلَهي أرني أنظر إليك وأموت ، فأجاب موسى جبل طور سينا : يا موسى بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والاَرضون السبع ومن فيهن ، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران ، فقال موسى وأعاد الكلام : رب أرني أنظر اليك ، فقال : يا موسى أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فإنك تراني ، فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً ، مقدار جمعة فلما أفاق موسى مسح التراب عن وجهه وهو يقول : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، فكان موسى بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات ، واتخذ موسى على وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه، فبينا موسى ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتى انتهوا إلى الضريح ، فجاء موسى حتى أشرف عليهم فقال لهم لمن تحفرون هذا القبر ، قالوا له لرجل كأنه أنت أو مثلك وفي طولك أو نحوك ، فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح فنزل موسى فتمدد في الضريح فأمر الله الاَرض فانطبقت عليه ! انتهى .
وهذه واحدة من تهم اليهود لنبيهم موسى على نبينا وآله و عليه السلام ، وهو يدل على أن وجوده كان ثقيلاً عليهم ، حتى زعموا أن الله تعالى أراحهم منه بهذه الطريقة !!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

ـ مسند أحمد ج 3 ص 125 :
عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى فلما تجلى ربه للجبل ، قال قال : هكذا ، يعنى أنه أخرج طرف الخنصر ! قال أبي أرانا معاذ، قال فقال له حميد الطويل : ما تريد إلى هذا يا أبا محمد ! قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال : من أنت يا حميد وما أنت يا حميد ! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت : ما تريد إليه !

( 376 )
ـ مسند أحمد ج 3 ص 209
عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل : فلما تجلى ربه للجبل ، قال : فأومأ بخنصره ، قال فساخ .

ـ ميزان الاِعتدال ج 1 ص 593
عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : فلما تجلى ربه للجبل . قال : أخرج طرف خنصره وضرب على إبهامه ، فساخ الجبل . فقال حميد الطويل لثابت : تحدث بمثل هذا قال : فضرب في صدر حميد وقال : يقوله أنس ، ويقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكتمه أنا ! رواه جماعة عن حماد ، وصححه الترمذي .

ـ مستدرك الحاكم ج 1 ص 25
. . . عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في هذه الآية فلما تجلى ربه للجبل جعله : بدا منه قدر هذا . . . . . عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله : قال رب أرني أنظر إليك ، قال فأخرج من النور مثل هذا وأشار بيده إلى نصف أنملة الخنصر فضرب بها صدر حماد ، قال فساخ الجبل . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

ـ مستدرك الحاكم ج 2 ص 320
عن ثابت عنه ( أنس ) عن النبي صلى الله عليه وآله في قوله عز وجل : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، قال حماد : هكذا ووضع الاِبهام على مفصل الخنصر الاَيمن ، قال فقال حميد لثابت : تحدث بمثل هذا ! قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال : رسول الله صلى الله عليه وآله يحدث به وأنا لا أحدث به ، هذا حديث صحيح على شرط مسلم .

ـ مستدرك الحاكم ج 2 ص 576
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن موسى بن عمران لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فقال : رب أرني أنظر اليك ، قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن
( 377 )
استقر مكانه فسوف تراني ، فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار ، وحف حول النار بملائكة وحف حول الملائكة بنار ، ثم تجلى ربه للجبل ، ثم تجلى منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكاً وخر موسى صعقاً ما شاء الله ، ثم إنه أفاق فقال : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، يعني أول من آمن من بني إسرائيل . هذا حديث صحيح الاِسناد ولم يخرجاه .
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله تلا هذه الآية : فلما تجلى للجبل جعله دكاً ، أشار حماد ووضع إبهامه على مفصل الخنصر ، قال فساخ الجبل . هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه .

ـ بقية روايات السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 118 ـ 123
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه ، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية : فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، قال هكذا وأشار بإصبعيه ووضع طرف إبهامه على أنملة الخنصر ، وفي لفظ على المفصل الاَعلى من الخنصر ، فساخ الجبل وخر موسى صعقا . وفي لفظ فساخ الجبل في الاَرض فهو يهوي فيها إلى يوم القيامة .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس : فلما تجلى ربه للجبل ، قال : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ، جعله دكاً ، قال تراباً وخر موسى صعقاً ، قال مغشياً عليه .
وأخرج الطبراني في الاَوسط عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما تجلى الله لموسى تطاير سبعة أجبال ، ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن اثنان ، في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان ، وفي اليمن حصور وصير .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : لما تجلى ربه للجبل جعله دكاً ، قال : أخرج خنصره !

( 378 )
من هو قيس بن ثابت راوي حديث خنصر الله تعالى

الظاهر أن عمدة السند عند إخواننا في الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله ، هو ثابت بن قيس غلام بني أمية ، ولذلك نعرض شيئاً من ترجمته من مصادر الجرح والتعديل، ونلاحظ أن حميداً الطويل الذي هو غلام كابلي من منطقة ثابت قد استنكر على ثابت أن يروي هذا الحديث الذي فيه تجسيم ، وأن الذهبي على عادته في مدح المجسمين وصف ثابتاً بالصادق ، مع أن عدداً من العلماء جرحوه أو وصفوه بالوهم والخلط ، قال ابن حبان في كتاب المجروحين ج 1 ص 206 :
ثابت بن قيس أبو الغصن من أهل المدينة مولى عثمان بن عفان ، روى عنه ابن مهدي وابن أبي أويس ، وكان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه ، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه ، سمعت الحنبلي يقول : سمعت أحمد بن زهير يقول : سئل يحيى بن معين عن ثابت بن قيس أبي الغصن فقال : ضعيف .

ـ وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 2 ص 13
20 ـ ي د س . البخاري في جزء رفع اليدين وأبي داود والنسائي . ثابت بن قيس ثابت بن قيس الغفاري مولاهم أبوالغصن المدني . رأى أبا سعيد الخدري وروى عن أنس ونافع بن جبير بن مطعم وسعيد المقبري وأبيه أبي سعيد وخارجة بن زيد بن ثابت وجماعة .
وعنه ، ابن مهدي ، وزيد بن الحباب ، وإسماعيل ابن أبي أويس ، والقعنبي ، وخالد بن مخلد ، وغيرهم . . . .
قال أبوطالب عن أحمد : ثقة ، وقال عباس عن ابن معين : ليس به بأس ، وقال في موضع آخر حديثه ليس بذاك وهو صالح ، وقال النسائي : ليس به بأس .
وقال ابن سعد مات سنة ( 168 ) وهو يومئذ ابن مائة سنة وكان قديماً قد رأى الناس وروى عنهم ، وهو شيخ قليل الحديث .
وقال ابن أبي عدي هو ممن يكتب حديثه .

( 379 )
قلت : وقال الآجري عن أبي داود : ليس حديثه بذاك ، وقال مسعود الشحري عن الحاكم : ليس بحافظ ولا ضابط . وقال ابن حبان في الضعفاء : كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره . وأعداده في الثقات .

ـ وترجم له الذهبي في ميزان الاِعتدال ج1 ص366 وقال في سير أعلام النبلاء ج 7 ص 25
أبوالغصن ، هو الشيخ العالم الصادق المعمر بقية المشيخة أبوالغصن ثابت ابن قيس الغفاري ، مولاهم المدني : عداده في صغار التابعين .
يروي عن : أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، ونافع بن جبير . . . .
قال يحيى بن معين والنسائي : ليس به بأس . وقال ابن معين أيضاً في رواية عباس: هو صالح ، ليس حديثه بذاك ، وروى أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى : ضعيف . قال ابن حبان : هو من موالي عثمان بن عفان . وكان قليل الحديث ، كثير الوهم فيما يروي ، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه . وقال ابن عدي : يكتب حديثه . انتهى .
ومن الملاحظ في كتب الجرح والتعديل وعموم مصادر اخواننا أن أسهم رواة أحاديث التشبيه والتجسيم ارتفعت مع العصور ، حتى بلغت أوجها على يد المجسمين من أمثال الذهبي، وأن الوهابيين أهتموا بتعظيمهم ونشر كتبهم في أنحاء العالم الاِسلامي!!

* *

تفسير قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق

قال تعالى : أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون . سلهم أيهم بذلك زعيم . أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين . يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون . فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون . وأملي لهم إن كيدي متين . القلم 39 ـ 45

( 380 )
وقد تقدم قسم من تفسير إخواننالهذه الآية تحت عنوان ( بازار الاَحاديث والآراء في الرؤية)

فسرها أهل البيت عليهم السلام بكشف حجاب الآخرة وأهوالها

ـ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 395
في عيون الاَخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الاَخبار في التوحيد بإسناده إلى الحسن بن سعيد عن أبي الحسن عليه السلام في قوله : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود ، قال : حجاب من نور يكشف ، فيقع المؤمنون سجداً ، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود .
في مجمع البيان : وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا في هذه الآية: أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الاَبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة ، وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، أي لا يستطيعون الاَخذ بما أمروا والترك لما نهوا عنه ، ولذلك ابتلوا .
في كتاب التوحيد بإسناده إلى حمزة بن محمد الطيار قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل : وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ، قال : مستطيعون يستطيعون الاَخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه ، وبذلك ابتلوا . ثم قال : ليس شيء مما أمروا به ونهوا إلا ومن الله عز وجل فيه ابتلاء وقضاء .

ـ تفسير التبيان ج 10 ص 86
وقوله يوم يكشف عن ساق ، قال الزجاج : هو متعلق بقوله : فليأتوا بشركائهم . . . . وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك معناه : يوم يبدو عن الاَمر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة . والساق ساق الاِنسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها ، وكل نبت له ساق فهو شجر ، قال الشاعر :
للفتى عقل يعيش به * حيث يهدي سَاقَهُ قَدَمُهْ

( 381 )
فالمعنى يوم يشتد الاَمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يقوم على ساق ، وقد كثر في كلام العرب حتى صار كالمثل فيقولون : قامت الحرب على ساق وكشفت عن ساق ، قال زهير بن جذيمة :
فإذا شَمَّرَتْ لك عن ساقها * فَوَيْهاً ربيعُ ولا تسأمِ
وقال جد أبي طرفة :
كشفت لهم عن ساقها * وبدا من الشر الصراح
وقال آخر :
قد شمرت عن ساقها فشدوا * وجدَّت الحرب بكم فجدوا

والقوس فيها وترٌ غِرَدُّ


وقوله : ويدعون إلى السجود ، قيل : معناه إنه يقال لهم على وجه التوبيخ : اسجدوا فلا يستطيعون ، وقيل : معناه إن شدة الاَمر وصعوبة الحال تدعوهم إلى السجود ، وإن كانوا لا ينتفعون به .

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

ـ مستدرك الحاكم ج 2 ص 499
عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه سئل عن قوله عز وجل : يوم يكشف عن ساق ، قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر . إصبر عناق إنه شر باق . . . .
وقد روى الحاكم وغيره عدة أحاديث فيها ( يكشف عن ساق ) بدون نسبة الساق إلى الله تعالى ، كما في ج 2 ص 376 وج 4 ص 551 وقال عنه : حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . ورواه في ج 4 ص 582 ونحوه في مسلم في ج 1 ص 115 وج 8 ص 202

( 382 )
ـ مجمع الزوائد ج 7 ص 128
قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم : يوم يكشف عن ساق ، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً . رواه أبو يعلى وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي ، وبقية رجاله ثقات .

ـ وقال في مجمع الزوائد ج 6 ص 303 ، ونحوه في ج 9 ص 277
وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال : خرج نافع بن الاَزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه ، حتى قدموا مكة فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص ، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا ، فيقول هو كذا وكذا ، فقال له نافع به الاَزرق : ما أجرأك يا ابن عباس على ما تخبر به منذ اليوم !
فقال له ابن عباس : ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك ! ألا أخبرك من هو أجرأ مني ؟
قال : من هو يا ابن عباس ؟
قال : رجل تكلم بما ليس له به علم ، أو كتم علماً عنده .
قال صدقت يا ابن عباس ، أتيتك لاَسألك .
قال : هات يا ابن الاَزرق فسل .
قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل ( يرسل عليكما شواظ من نار ) ما الشواظ ؟
قال : اللهب الذي لا دخان فيه .
قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نعم ، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت :
ألا من مبلغ حسان عني * مغلغلةً تدبُّ إلى عُكاظِ
أليس أبوك قيناً كان فينا * إلى الفتيات فَسْلاً في الحفاظ
يمانياً يظل يشب كيراً * وينفخ دائباً لهب الشواظ

( 383 )
قال : صدقت فأخبرني عن قوله : ونحاس فلا تنتصران ، ما النحاس ؟
قال : الدخان الذي لا لهب فيه .
قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم .
قال : نعم ، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول :
يضيَ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيه نحاسا
يعني دخانا .
قال : صدقت فأخبرني عن قول الله : أمشاج نبتليه ؟
قال : ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً .
قال : وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول :
كأن النصل والفوقين فيه * خلاف الريش سيط به مشيج
قال : صدقت ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : والتفت الساق بالساق ، ما الساق بالساق ؟
قال : الحرب .
قال : هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال : نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب :
أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا

ـ الدر المنثور ج 6 ص 254
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الاَسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال قال ابن عباس : يكشف عن أمر عظيم ، ثم قال : قد قامت الحرب على ساق .

( 384 )
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الاَسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب . . . . وقامت الحرب بنا على ساق ، قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة .
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الاَزرق سأله عن قوله : يوم يكشف عن ساق . . . .
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الاَسماء والصفات عن ابن عباس . . . .
وأخرج ابن منده عن ابن عباس . . . .
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله : يوم يكشف عن ساق . . . .
وأخرج البيهقي في الاَسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق ، قال : يريد القيامة والساعة لشدتها .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله : يوم يكشف عن ساق ، قال : حين يكشف الاَمر وتبدو الاَعمال ، وكشفه دخول الآخرة وكشف الاَمر عنه .
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن مندة من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ يوم تكشف عن ساق بفتح التاء ، قال أبو حاتم السجستاني : أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً .
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ : يوم يكشف عن ساق ، بالياء ورفع الياء.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الاَسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق . . . .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله : يوم يكشف عن ساق ، فغضب غضباً شديداً وقال : إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه ، وإنما يكشف عن الاَمر الشديد . انتهى . ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي . ورواه في ج 6 ص 292 عن قتادة .

( 385 )
ـ الاَحاديث القدسية للمجلس الاَعلى المصري ج 1 ص 98
قوله : فيكشف عن ساق ، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة ، أي يكشف عن الشدة . انتهى .
وقد تقدمت رواياتهم التي فيها تجسيم ، في الفصل الثالث في بازار الاَحاديث ، وهي كثيرة . وقد تبنى علماء الوهابية تفسيرها بساق اللّه تعالى عما يصفون !

* *

تفسير آيات الاِستواء على العرش

قال الله تعالى : إ ن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ، ألا له الخلق والاَمر تبارك الله رب العالمين . الاَعراف ـ 54
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الاَمر ، ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون . يونس ـ 3
الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاَجل مسمى ، يدبر الاَمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون . الرعد ـ 2
طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى . إلا تذكرة لمن يخشى . تنزيلاً ممن خلق الاَرض والسماوات العلى . الرحمن على العرش استوى . له ما في السماوات وما في الاَرض وما بينهما وما تحت الثرى . طه 1 ـ 6
الذي خلق السماوات والاَرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا . الفرقان ـ 59

( 386 )
الله الذي خلق السماوات والاَرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون . السجدة ـ 4
هو الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ، يعلم ما يلج في الاَرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير . له ملك السماوات والاَرض وإلى الله ترجع الاَمور . الحديد ـ 4 ـ 5
وقد تقدم قسم من تفسير إخواننا للاستواء على العرش تحت عنوان ( بازار الاَحاديث والآراء في الرؤية)

تفسير أهل البيت عليهم السلام

الاِستواء على العرش : استواء نسبة الله إلى العالم

ـ روى الكليني في الكافي ج 1 ص 127
علي بن محمد ، ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن موسى الخشاب عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل : الرحمن على العرش استوى ، فقال استوى على كل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء .
وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالى : الرحمن على العرش استوى ، فقال : استوى في كل شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ، ولم يقرب منه قريب ، استوى في كل شيء .
وعنه ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : من زعم أن الله من شيء ، أو في شيء ، أو على شيء ، فقد كفر ، قلت :
( 387 )
فسر لي، قال : أعني بالحواية من الشيء له أو بإمساك له أو من شيء سبقه .
وفي رواية أخرى : من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصوراً ، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً .

ـ وروى في الكافي ج 1 ص 128
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه ، قال : سأل الجاثليق أمير المؤمنين عليه السلام فقال : أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الله عز وجل حامل العرش والسماوات والاَرض وما فيهما وما بينهما ، وذلك قول الله عز وجل : إن الله يمسك السماوات والاَرض أن تزولا ، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفورا .
قال : فأخبرني عن قوله : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ، فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والاَرض ؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة : نور أحمر ، منه احمرت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه ابيض البياض ، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته ، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والاَرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة ، بالاَعمال المختلفة والاَديان المشتبهة ، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا ، فكل شيء محمول ، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا ، والمحيط بهما من شيء وحياة كل شيء ونور كل شيء ، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً .
قال له : فأخبرني عن الله عز وجل أين هو ؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله : ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من
( 388 )
ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ، فالكرسي محيط بالسماوات والاَرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ، وذلك قوله تعالى : وسع كرسيه السماوات والاَرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم .
فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه ، وليس يخرج عن هذه الاَربعة شيء خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله عليه السلام فقال : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والاَرض وليكون من الموقنين ، وكيف يحمل حملة العرش الله ، وبحياته حييت قلوبهم ، وبنوره اهتدوا إلى معرفته !
ـ التوحيد للصدوق ص 247 من حديث عن الاِمام الصادق عليه السلام :
قال السائل : فله كيفية ؟
قال : لا ، لاَن الكيفية جهة الصفة والاِحاطة ، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ، لاَن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله ، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية ، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره ، ولا يشارك فيها ، ولا يحاط بها ، ولا يعلمها غيره .
قال السائل : فيعاني الاَشياء بنفسه ؟
قال أبو عبد الله عليه السلام : هو أجل من أن يعاني الاَشياء بمباشرة ومعالجة ، لاَن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجيء الاَشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة ، وهو تعالى نافذ الاِرادة والمشية ، فعال لما يشاء .
قال السائل : فله رضى وسخط ؟
قال أبو عبد الله عليه السلام : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين ، وذلك أن الرضا والسخط دَخَالٌ يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين ، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مما خلق ، وخلقه جميعاً محتاجون إليه ، وإنما خلق الاَشياء من غير حاجة ولا سبب ، اختراعاً وابتداعاً .

( 389 )
قال السائل فقوله : الرحمن على العرش استوى ؟
قال أبو عبد الله عليه السلام : بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له ، ولا أن العرش محتاز له ، ولكنا نقول : هو حامل العرش وممسك العرش ، ونقول من ذلك ما قال : وسع كرسيه السموات والاَرض ، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له ، أو يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان ، أو إلى شيء مما خلق ، بل خلقه محتاجون إليه .
قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الاَرض ؟
قال أبو عبد الله عليه السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش ، لاَنه جعله معدن الرزق ، فثبتنا ما ثبته القرآن والاِخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال : إرفعوا أيديكم إلى الله عز وجل ، وهذا يجمع عليه فرق الاَمة كلها .

ـ التوحيد للصدوق ص 315
روى الحديثين المتقدمين في لكافي ثم قال :
استعمل الاِستواء في معان : استقرار شيء على شيء ، وهذا ممتنع عليه تعالى كما نفاه الاِمام عليه السلام في أخبار من هذا الباب ، لاَنه من خواص الجسم . والعناية إلى الشيء ليعمل فيه ، وعليه فسر في بعض الاَقوال قوله تعالى : ثم استوى إلى السماء . والاِستيلاء على الشيء ، كقول الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم * تركناههم صرعى لِنِسْرٍ وكاسرِ
والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الاَقوال ، وفي الحديث الاَول من الباب الخمسين .
والاِستقامة ، وفسر بها قوله تعالى : فاستوى على سوقه ، وهذا قريب من المعنى
( 390 )
الاَول . والاِعتدال في شيء وبه ، فسر قوله تعالى : ولما بلغ أشده واستوى . والمساواة في النسبة ، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالى : وما يستوي الاِحياء ولا الاَموات . وفسر الاِمام عليه السلام الآية بها في هذا الباب ، وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان ، لاَنه تعالى في كل مكان وليس في شيء من المكان بمحدود ، ولكنه تعالى تساوت نسبته إلى الجميع من جميع الحيثيات ، وإنما الاِختلاف من قبل حدود الممكنات ، ولا تبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعنى .
حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي قال : حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي قال : حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي قال : حدثنا عبدالله بن عاصم قال : حدثنا عبدالرحمن بن قيس ، عن أبي هاشم الرماني ، عن زاذان ، عن سلمان الفارسي في حديث طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصارى بعد قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها ، ثم أرشد إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه ، وكان فيما سأله أن قال له : أخبرني عن الرب أين هو وأين كان ؟
فقال علي عليه السلام : لا يوصف الرب جل جلاله بمكان ، هو كما كان ، وكان كما هو ، لم يكن في مكان ، ولم يزل من مكان إلى مكان ، ولا أحاط به مكان ، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف .
قال : صدقت ، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة ؟
قال علي عليه السلام : لم يزل ربنا قبل الدنيا ، ولا يزال أبداً ، هو مدبر الدنيا ، وعالم بالآخرة ، فأما أن تحيط به الدنيا والآخرة فلا ، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة .
قال : صدقت يرحمك الله ، ثم قال : أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل ؟
فقال علي عليه السلام : إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل .

( 391 )
قال النصراني : فكيف ذاك ونحن نجد في الاِنجيل ( كذا ) : ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ؟
فقال علي عليه السلام : إن الملائكة تحمل العرش ، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير ، ولكنه شيء محدود مخلوق مدبر ، وربك عز وجل مالكه ، لا أنه عليه ككون الشيء على الشيء . وأمر الملائكة بحمله فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه .
قال النصراني : صدقت رحمك الله .. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة . . . .
حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد ابن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من زعم أن الله عز وجل من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك ، ثم قال : من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور ، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً .
قال مصنف هذا الكتاب : إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل : إن ربكم الله الذي خلق السموات والاَرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً . ولا حجة لها في ذلك لاَنه عز وجل عنى بقوله : ثم استوى على العرش ، أي ثم نقل إلى فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له ، وقوله عز وجل ( ثم ) إنما لرفع العرش إلى مكانه الذي هو فيه ونقله للاِستواء ، فلا يجوز أن يكون معنى قوله استوى استولى لاَن استيلاء الله تبارك وتعالى على الملك وعلى الاَشياء ليس هو بأمر حادث ، بل لم يزل مالكاً لكل شيء ومستولياً على كل شيء ، وإنما ذكر عز وجل الاِستواء بعد قوله ثم وهو يعني الرفع مجازاً ، وهو كقوله : ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ، فذكر ( نعلم ) مع قوله ( حتى ) وهو عز وجل يعني حتى يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك ، لاَن حتى لا يقع إلا على فعل حادث ، وعلم الله عز وجل بالاَشياء لا يكون حادثاً . وكذلك ذكر قوله عز وجل : استوى على
( 392 )
العرش ، بعد قوله ( ثم ) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لاِستيلائه عليه ، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لاَن الله لا يجوز أن يكون جسماً ولا ذا بدن ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .

ـ الاِقتصاد للشيخ الطوسي ص 37
وقوله : الرحمن على العرش استوى ، معناه استولى عليه لما خلقه ، كما قال الشاعر :
قد استوى بشرٌ على العراق * من غير سيف ودمٍ مُهْرَاق
وقوله : لما خلقت بيدي ، معناه أنه تولى خلقه بنفسه ، كما يقول القائل هذا ما عملت يداك ، أي أنت فعلته . وقيل : معناه لما خلقت لنعمتي الدينية والدنيوية وقوله : في جنب الله معناه في ذات الله وفي طاعته .
وقوله : والسماوات مطويات بيمينه ، أي بقدرته ، كما قال الشاعر :
إذا ما رايةٌ رفعت لمجد * تلقاها عَرَابةُ باليمين
وقوله : تجري بأعيننا ، أي ونحن عالمون .
ولا يجوز أن يكون تعالى بصفة شيء من الاَعراض ، لاَنه قد ثبت حدوث الاَعراض أجمع ، فلو كان بصفة شيء من الاَعراض لكان محدثاً ، وقد بينا قدمه . ولاَنه لو كان بصفة شيء من الاَعراض لم يخل من أن يكون بصفة ما يحتاج إلى محل أو بصفة ما لا يحتاج إلى المحل كالغني وإرادة القديم تعالى وكراهته ، فإن كان بصفة القسم الاَول أدى إلى قدم المحال وقد بينا حدوثها ، ولو كان بصفة القسم الثاني لاستحال وجوده وقتين كاستحالة ذلك على هذه الاَشياء . وأيضاً لو كان بصفة الغني لاستحال وجود الاَجسام معه ، وذلك باطل . . . .
ولا يجوز أن يكون تعالى في جهة من غير أن يكون شاغلاً لها ، لاَنه ليس في الفعل ما يدل على أنه في جهة لا بنفسه ولا بواسطة ، وقد بينا أنه لا يجوز وصفه بما يدل عليه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة .

( 393 )
ولا يجوز عليه تعالى الحاجة ، لاَن الحاجة لا تجوز إلا على من يجوز عليه المنافع والمضار ، والمنافع والمضار لا يجوزان إلا على من تجوز عليه الشهوة والنفار ، وهما يستحيلان عليه تعالى . والذي يدل على أنه يستحيل عليه الشهوة والنفار أنه ليس في الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما يدل على كونه مشتهياً ونافراً ، وقد بينا أنه لا يجوز إثباته على صفة لا يقتضيها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة .
وأيضاً فالشهوة والنفار لا يجوزان إلا على الاَجسام ، لاَن الشهوة تجوز على من إذا أدرك المشتهي صلح عليه جسمه وإذا أدرك ما ينفر عنه فسد عليه جسمه ، وهما يقتضيان كون من وجدا فيه جسماً ، وقد بينا أنه ليس بجسم ، فيجب إذا نفي الشهوة والنفار عنه . وإذا انتفيا عنه انتفت عنه المنافع والمضار ، وإذا انتفيا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب كونه غنياً ، لاَن الغني هو الحي الذي ليس بمحتاج .

ـ تفسير التبيان ج 4 ص 34
والاِستواء على أربعة اقسام : استواء في المقدار ، واستواء في المكان ، واستواء في الذهاب ، واستواء في الاِنفاق . والاِستواء بمعنى الاِستيلاء راجع إلى الاِستواء في المكان ، لاَنه تمكن واقتدار .

ـ تفسير التبيان ج 7 ص 159
الرحمن على العرش استوى ، قيل في معناه قولان : أحدهما ، أنه استولى عليه ، وقد ذكرنا فيما مضى شواهد ذلك . الثاني ، قال الحسن : استوى لطفه وتدبيره ، وقد ذكرنا ذلك أيضاً فيما مضى وأوردنا شواهده في سورة البقرة ، فأما الاِستواء بمعنى الجلوس على الشيء فلا يجوز عليه تعالى ، لاَنه من صفة الاَجسام والاَجسام كلها محدثة . ويقال : استوى فلان على مال فلان وعلى جميع ملكه أي احتوى عليه ، قال الفراء : يقال كان الاَمر في بني فلان ثم استوى في بني فلان ، أي قصد إليهم وأنشد :
أقول وقد قَطَعْنَ بنا شرورى * ثواني واستويْنَ من النُّجوعِ
أي خرجن وأقبلن .