وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصارى ولم يسمحوا أن تشمل أسرته !!
شفاعة النبي صلى الله عليه وآله تتسع لكل المسلمين . . بل لكل الموحدين . . بل لكل الخلق . . هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنيين . . ولكن هذه المصادر عندما تصل إلى آباء النبي صلى الله عليه وآله وأسرته تختلف لهجتها ! فالشفاعة لا تشملهم ، بل هم في النار والعذاب . . وأحسنهم حالاً أبو طالب الذي ( يشفع ) له النبي صلى الله عليه وآله لاَنه نصره ، فلا تؤثر شفاعته فيه بسبب شرك أبي طالب وكثرة ذنوبه ! فيضعه الله تعالى في ضحضاح ماء ناري يغمر قدميه فيغلي منه دماغه !!
وفيما يلي نستعرض ما رواه السيوطي في تفسير قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، ولك أن تلاحظ التأثيرات القرشية على هذه الروايات .
وينبغي أولاً أن نشير إلى أن مرحلة ( وأنذر عشيرتك الاَقربين ) هي المرحلة الاَولى من دعوة النبي صلى الله عليه وآله وهي مرحلة الدعوة الخاصة لاَقاربه بني هاشم ، وقد استمرت هذه المرحلة عدة سنين ، ثم بدأت عدها المرحلة العامة ، عندما أمره الله تعالى بأن يصدع بدعوته لعامة الناس . .
ولكن المؤرخين أتباع الخلافة القرشية يعتِّمون على هذه المرحلة ، أو يسمونها المرحلة السرية ، أو مرحلة ما قبل دار الاَرقم . . الخ . وقد أعطوا لدار الاَرقم دوراً خيالياً لطمس حقيقة أن الدعوة الاِلَهية اختصت في مرحلتها الأولى ببني هاشم ، وأنهم وحدهم حموا النبي صلى الله عليه وآله من فراعنة قريش ، وقد فعل ذلك مسلمهم إيماناً ، وكافرهم حميةً ، وتحملوا جميعاً ماعدا أبي لهب قرار المقاطعة والحصار القرشي ثلاث سنوات بل أربع سنوات . . حتى فك الله حصارهم بمعجزة !!

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 95

قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الاَقربين .
أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الاِيمان وفي الدلائل عن أبي
( 299 )
هريرة رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً وعم وخص ، فقال :
يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا معشر بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا بني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً .
يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً ، إلا أن لكم رحماً وسأبلها ببلالها .
ـ وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الاَقربين ، جعل يدعوهم قبائل قبائل . انتهى .
ففي هذه الرواية ( الصحيحة ) في مصادرهم صار معنى ( عشيرتك الاَقربين ) كل قريش ! وصار تعبير ( الاَقربين ) غلطاً قرآنياً يلزم على قريش أن تصححه ! لاَنه لم يبق معنى لعشيرته الاَبعدين والاَوسطين !
وصار أول ما قاله النبي صلى الله عليه وآله لهم : إن قرابتي لا تنفعكم وشفاعتي لا تنالكم ! وصار كل القرشيين أرحام النبي الذين وعدهم بصلة الرحم والشفاعة يوم القيامة !
ولكن هذا الكلام يناسب منطق النبي صلى الله عليه وآله بعد انتصاره وفتحه مكة مثلاً ، ولا يناسب بداية نبوته ودعوته عشيرته الاَقربين للتوحيد والاِسلام ! وقد ورد شبيهٌ لذلك عند فتح مكة .
غير أن القرشيين يريدون سلب أي امتياز أعطاه الله ورسوله لبني هاشم ، فالاِمتيازات لقريش كلها ، لا لبني هاشم ! وفي نفس الوقت يريدون خلط أنفسهم بعشيرة النبي صلى الله عليه وآله والاِستفادة من قرابته أمام العالم !
وقد استفادوا منه فعلاً في مقابل الاَنصار في السقيفة ، وقامت خلافة أبي بكر
( 300 )
وعمر على حق ( قرابتهما ) من النبي صلى الله عليه وآله ! بل تجرأ رواة القرشيين ووضعوا على لسان النبي صلى الله عليه وآله أن عشيرته الاَقربين هم كل قريش !

ـ قال في الدر المنثور ج 5 ص 96
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قريشاً فقال : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، يعني قومي !

ـ وفي مسند أحمد ج 2 ص 333
عن أبي هريرة قال : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، جعل يدعو بطون قريش بطناً بطناً يا بني فلان أنقذوا أنفسكم من النار . . حتى انتهى إلى فاطمة فقال : يا فاطمة ابنة محمد ، أنقذي نفسك من النار ، لا أملك لكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها .
ولكن روايات أخرى فلتت منهم واعترفت بأن عشيرته الاَقربين تعني بني هاشم فقط !

ـ قال في الدر المنثور ج 5 ص 98 : قوله تعالى : واخفض جناحك . . الآيتين ، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، بدأ بأهل بيته وفصيلته ، فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله : واخفض جناحك . انتهى .
فالرواية تعترف بأن عشيرته الاَقربين هم أهل بيته وفصيلته ، لكنها تجعل الآية التي بعدها لبقية المسلمين ! ولكن من هم المسلمون الذين شق عليهم ذلك ! وهل كان يوجد مسلم من غير بني هاشم عند نزول الآية ؟!
لقد كان الأولى بالرواية أن تقول : شقَّ ذلك على قريش قبل إسلامها ، وبعد أن اضطرت للدخول في الاِسلام ، فجعلت خلافة النبي صلى الله عليه وآله إرثاً لها دون بني هاشم !

روايات أخرى غير منطقية أيضاً

من عادة المفسرين عندما يصلون إلى آية في حق أهل البيت عليهم السلام أن يحشدوا
( 301 )
الآراء والاِحتمالات والروايات المتناقضة فيها ، ليضيعوا بذلك مناقب عترة نبيهم صلى الله عليه وآله ! ومما حشده المفسرون هنا :

ـ ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 96 قال :
ـ وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، قال ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نادى على الصفا بأفخاذ عشيرته فخذاً فخذاً يدعوهم إلى الله فقال في ذلك المشركون : لقد بات هذا الرجل يهوت منذ الليلة .
قال وقال الحسن رضي الله عنه : جمع نبي الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته قبل موته فقال: ألا إن لي عملي ولكم عملكم ، ألا إني لا أغني عنكم من الله شيئاً ، ألا إن أوليائي منكم المتقون ، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم ، ويأتي الناس يحملون الآخرة . يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد إعملا فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً . انتهى .
أما رواية قتادة فإن النداء على الصفا يناسب المرحلة العامة التي أمر النبي فيها أن يصدع بالدعوة لكل الناس . . أما إنذار عشيرته الخاصين الذين كان عدد رجالهم أربعين نفراً فيناسبه أن يدعوهم إلى طعام ويحدثهم كما ورد في الروايات المعقولة .
وأما رواية قتادة عن الحسن البصري إن صحت فلا علاقة لها بالموضوع ، لاَنها عند وفاته صلى الله عليه وآله والآية نزلت في أول بعثته !
ومع أن الحسن البصري غلامٌ فارسي ، فهو مع قبائل قريش وحساسيتها ضد أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ويريد أن يقول بهذه الرواية إن النبي صلى الله عليه وآله كان يخاف من حرص ابنته فاطمة وعمته صفية وعترته على الدنيا ، ولذلك جمعهم وحذرهم !

ـ وقال في الدر المنثور ج 5 ص 96
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا بني هاشم ويا صفية عمة رسول الله ، إنى لا أغني عنكم من الله شيئاً ، إياكم أن يأتي
( 302 )
الناس يحملون الآخرة وتأتون أنتم تحملون الدنيا ، وإنكم تردون على الحوض ذات الشمال وذات اليمين ، فيقول القائل منكم يا رسول الله أنا فلان ابن فلان ، فأعرف الحسب وأنكر الوصف ، فإياكم أن يأتي أحدكم يوم القيامة وهو يحمل على ظهره فرساً ذات حمحمة ، أو بعيراً له رغاء ، أو شاة لها ثغاء ، أو يحمل قشعاً من أدم ، فيختلجون من دوني ، ويقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ! فطيبوا نفساً وإياكم أن ترجعوا القهقري من بعدي !
قال عكرمة رضي الله عنه : إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول حيث أنزل الله عليه : وأنذر عشيرتك الاَقربين . انتهى .
ومع أن عكرمة غلامٌ لابن عباس الهاشمي ، لكنه معروفٌ ببغضه لعترة النبي صلى الله عليه وآله حتى أنه انضم إلى الخوارج . وهو بهذا التفسير يقول إن علياً وفاطمة وعترة النبي انحرفوا بعد النبي صلى الله عليه وآله ورجعوا بعده القهقرى ! لاَنهم عارضوا خلافة قريش ولم يطيبوا نفساً عن الخلافة لقريش ، ولذلك سوف يمنعون من ورود الحوض ، ولا تنالهم شفاعة النبي صلى الله عليه وآله
لقد أخذ عكرمة عبارات النبي صلى الله عليه وآله التي روت الصحاح أنه قالها عن صحابته الذين يرتدون من بعده ويمنعون من ورود حوضه يوم القيامة ، وجعلها لعشيرة النبي صلى الله عليه وآله الاَقربين ، ثم ادعى عكرمة أن النبي كان يعرف هذا الاِنحراف من أول يوم أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الاَقربين !
وقد روى السيوطي نفس مضمون عكرمة عن أبي أمامة أيضاً .

ـ ثم قال في الدر المنثور ج 5 ص 97
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر والديلمي عن عبد الواحد الدمشقي قال : رأيت أبا الدرداء يحدث الناس ويفتيهم وولده وأهل بيته جلوس في جانب الدار يتحدثون، فقيل له : يا أبا الدرداء ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل
( 303 )
بيتك جلوس لاهين ؟! فقال : إني سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أزهد الناس في الاَنبياء وأشدهم عليهم الاَقربون ! وذلك فيما أنزل الله : وأنذر عشيرتك الاَقربين . . إلى آخر الآية . انتهى .
فهؤلاء الرواة الشاميون يريدون أن يقولوا على لسان أبي الدرداء : إن أولاد النبي وعترته صلى الله عليه وآله كانوا لاهين عن علمه كأولاد أبي الدرداء ! وإن بني هاشم كانوا أشد الناس على النبي صلى الله عليه وآله فقد كذبوه وأرادوا قتله ، وحاصروه في شعب بني أمية !! لكن القرشيين حموه من بني هاشم ، وتحملوا معه الحصار أربع سنوات ، فحق لهم أن يرثوه ويحكموا من بعده ، خاصة آل أبي سفيان الكرام !!

* *

ويطول بنا الكلام إذا أردنا أن ننقد كل ما رووه في تفسير هذه الآية ، وكيف جردوا عترة النبي وعشيرته الاَقربين صلى الله عليه وآله من كل فضيلة ، وحرموهم من كل امتياز أعطاهم إياه الله تعالى ورسوله !
ولكنا نشير هنا إلى أن الرواة خلطوا عن عمدٍ وبعضهم عن جهل بين أربع حوادث :
الاَولى : نزول الآية وبداية إنذار النبي صلى الله عليه وآله لبني عبد المطلب بدعوتهم إلى طعام .
والثانية : مرحلة الاِنذار العام عندما صعد النبي صلى الله عليه وآله على الصفا في المرحلة الثانية من الدعوة ، ونادى واصباحاه ، وبدأ يدعو قريشاً والعالم .
والثالثة : عندما دخل النبي صلى الله عليه وآله مكة فاتحاً ، وخضع له أبو سفيان وبقية أئمة الكفر من قريش ، وأحس بعض بنو عبد المطلب بالنصر والفخر ، وامتلأت قلوب القرشيين حسداً لهم ، وتفكيراً في مرحلة ما بعد النبي صلى الله عليه وآله .
والرابعة : في مرض وفاته صلى الله عليه وآله عندما شكى له بنو هاشم ما يحسونه من خطر قبائل قريش عليهم من بعده وتحالفهم على إبعادهم .
وإليك أهم ما بقي من روايات السيوطي المخلوطة في تفسير آية الاَقربين :

( 304 )

ـ قال في الدر المنثور ج 5 ص 96
وأخرج ابن مردويه عن البراء قال لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، صعد النبي صلى الله عليه وسلم ربوةً من جبل فنادى : يا صباحاه ، فاجتمعوا فحذرهم وأنذرهم ، ثم قال : لا أملك لكم من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئاً . انتهى .
ـ وأخرج مسدد ومسلم والنسائي وابن جرير والبغوي في معجمه والباوردي والطحاوي وأبو عوانة وابن قانع والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن قبيصة بن مخارق وزفير بن عمرو قالا : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربوة من جبل فعلا أعلاها حجراً ثم قال : يا بني عبد مناف إني نذير لكم ، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه إلى أهله ، فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه ، أُتيتم أُتيتم .
ـ وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن مردويه عن أبي موسى الاَشعري قال : لما نزلت : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم اصبعيه في أذنيه ورفع صوته وقال : يا بني عبد مناف يا صباحاه .
ـ وأخرج ابن مردويه عن الزبير بن العوام قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الاَقربين ، صاح على أبي قبيس : يا آل عبد مناف إني نذير فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم .
ـ وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الاَقربين ، ورهطك منهم المخلصين خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على الصفا فنادى : يا صباحاه فقالوا : من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال :
( 305 )
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟
قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً .
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
فقال أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعتنا ؟! فنزلت : تبت يدا أبي لهب وتب . انتهى .
فهذه الروايات تناسب بداية مرحلة الدعوة العامة كما أشرنا ، وقد جعلوها لمرحلة الدعوة الخاصة ببني هاشم ، وذكروا فيها فاطمة الزهراء عليها السلام قبل ولادتها !!
ـ أما الرواية اليتيمة المعقولة التي رواها السيوطي فهي حديث الدار المعروف . .
ـ قال في الدر المنثور ج 5 ص 97
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طرق عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم : وانذر عشيرتك الاَقربين ، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الاَقربين فضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الاَمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ عليها حتى جاء جبريل فقال : يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عِسَّاً من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغ ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول النبي صلى الله عليه وسلم بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال : كلوا بسم الله ، فأكل القوم حتى نهلوا عنه ، ما ترى إلا آثار أصابعهم ! والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم !

( 306 )
ثم قال : إسق القوم يا علي ، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله !
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال : لقد سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما كان الغد قال : ياعلي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالاَمس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي ففعلت ، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالاَمس ، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا ، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئنكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على أمري هذا ؟ فقلت وأنا أحدثهم سناً : إنه أنا ، فقام القوم يضحكون . انتهى .
ورواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب ، قال : لما نزلت هذه الآية : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبدالمطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً ، منهم العشرة يأكلون المسنة ويشربون العس ... الخ . انتهى .
ـ وقد روى المحدثون ومؤرخو السيرة هذا الحديث ، لكن السيوطي بتره هنا ولم يذكر بقية كلام النبي صلى الله عليه وآله . . وهو أسلوب دَأَبَ رواة خلافة قريش على ارتكابه ضد عترة النبي وأسرته صلى الله عليه وآله ، والسبب في ذلك أن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلك اليوم أن يختار وزيراً وخليفة من عشيرته الاَقربين !

ـ قال الاَميني في الغدير ج 1 ص 207
وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي ، قال في تاريخه ج 2 ص 217 من الطبعة الاَولى : إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى
( 307 )
أن أدعوكم إليه ، فأيكم يوازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟
قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإني لاَحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه . فأخذ برقبتي ثم قال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا .
قال : فقام القوم يضحكون ويقولون لاَبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع !!

ـ وقال الاَميني في ج 2 ص 279
وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاِسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240 في كتابه نقض العثمانية وقال : إنه روي في الخبر الصحيح .
ورواه الفقيه برهان الدين في ( أنباء نجباء الاَبناء ) ص 46 ـ 48 وابن الاَثير في الكامل 2 ص 24 وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه ج 1 ص 116 وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض ج 3 ص 37 ( وبتر آخره ) وقال : ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح . والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره ص 390 والحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه ج 6 ص 392 نقلا عن الطبري وفي ص 397 عن الحفاظ الستة : ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي . وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3 ص 254 . انتهى .
ثم شكا صاحب الغدير من تحريف الذين حرفوا الحديث لاِرضاء قريش ، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه ، ولكن أبهم كلام النبي صلى الله عليه وآله في حق علي رضي الله عنه فقال : ثم قال : إن هذا أخي وكذا وكذا . وتبعه على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية 3 ص 40 وفي تفسيره 3 ص 351

ـ وقال في مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 305 وما بعدها :
وأما بيعة العشيرة ، قال النبي صلى الله عليه وآله : بعثت إلى أهل بيتي خاصة ، وإلى الناس عامة وهذا النص النبوي هو أصح تفسير لقوله تعالى : وأنذر عشيرتك الاَقربين .

( 308 )

وقد ذكر في المناقب أن السيد الحميري نظم هذه المنقبة لبني هاشم فقال :

وقيل له أنذر عشيرتك الاَلى * وهم من شبابٍ أربعين وشيبِ
فقال لهم إني رسول اليكم * ولست أراني عندكم بكذوب
وقد جئتكم من عند ربٍ مهيمن * جزيل العطايا للجزيل وهوب
فأيكم يقفوا مقالي فأمسكوا * فقال ألا من ناطق فمجيبي
ففاز بها منهم عليٌّ وسادهم * وما ذاك من عاداته بغريب
وله أيضاً :
ويوم قال له جبريل قد علموا * أنذر عشيرتك الاَدنين إن بصروا
فقام يدعوهم من دون أمته * فما تخلف عنه منهم بشر
فمنهم آكلٌ في مجلس جذعاً * وشاربٌ مثل عس وهو مختفر
فصدهم عن نواحي قصعة شبعاً * فيها من الحب صاع فوقه الوزر
فقال يا قوم إن الله أرسلني * اليكم فأجيبوا الله وادَّكِروا
فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي * إني نبي رسول فانبرى غُدَرُ
فقال تباً أتدعونا لتلفتنا * عن ديننا ثم قام القوم فانشمروا
من الذي قال منهم وهو أحدثهم * سناً وخيرهم في الذكر إذ سطروا
آمنت بالله . . قد أعطيتَ نافلةً * لم يعطها أحد جنٌّ ولا بشر
وإن ما قلته حقٌّ وإنهم * إن لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسروا
ففاز قدماً بها والله أكرمه * فكان سباق غاياتٍ إذا ابتدروا
وقال دعبل :
سقياً لبيعة أحمد ووصيه * أعني الاِمام ولينا المحسودا
أعني الذي نصر النبي محمد * اًقبل البرية ناشياً ووليدا
أعني الذي كشف الكروب ولم يكن * فيالحرب عند لقائها رعديدا
أعني الموحد قبل كل موحدٍ * لا عابداً وثناً ولا جلمودا

( 309 )

ـ وقال في هامش بحار الاَنوار ج 32 ص 272
وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر من الله عز وجل في بدء الاِسلام حين نزل قوله تعالى : وأنذر عشيرتك الاَقربين . . .
راجع تاريخ الطبري 2 ـ 321 كامل ابن الاَثير 2 ـ 24 تاريخ أبي الفداء 1 ـ 116 والنهج الحديدي 3 ـ 254 مسند الاِمام ابن حنبل 1 ـ 159 جمع الجوامع ترتيبه 6 ـ 408 كنز العمال 6 ـ 401 .
وهذه المؤاخاة مع أنها كانت بأمر الله عزوجل إنما تحققت بصورة البيعة والمعاهدة ( الحلف ) ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفة غيره ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه كمؤازرة هارون لموسى على ما حكاه الله عزو جل في القرآن الكريم . ولذلك ترى رسول الله صلى الله عليه وآله حين يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكة فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه وشكله : يؤاخي بين عمر وأبي بكر ، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود ، وبين عبيدة بن الحارث وبلال ، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص ، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي ( راجع سيرة ابن هشام 1 ـ 504 المحبر 71 ـ 70 البلاذري 1 | 270 )
يقول لعلي عليه السلام : والذي بعثني بالحق نبياً ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ووارثي وأنت معي في قصري في الجنة . ثم قال له : وإذا ذاكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله ، ولا يدعيها بعدي إلا كاذب مفتر ( الرياض النضرة 2 ـ 168 منتخب كنز العمال 5 ـ 45 و 46 ) .
ولذلك نفسه تراه صلى الله عليه وآله حينما عرض نفسه على القبائل فلم يرفعوا إليه رؤسهم ثم
( 310 )
عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة : والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لاَكلت به العرب ثم قال لرسول الله : أرأيت إن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الاَمر من بعدك ؟ قال : الاَمر إلى الله يضعه حيث يشاء ! قال فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الاَمرلغيرنا ؟! لا حاجة لنا بأمرك ، فأبوا عليه ( راجع سيرة ابن هشام 1 ـ 424 الروض الاَنف 1 ـ 264 بهجة المحافل 1 ـ 128 سيرة زيني دحلان 1 ـ 302 السيرة الحلبية 2 ـ 3 ) . فلولا أنه صلى الله عليه وآله كان تعاهد مع علي عليه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عز وجل ، قبل ذلك لَمَا ردهم بهذا الكلام المؤيس ، وهو بحاجة ماسة من (. .) نصرة أمثالهم . انتهى .

* *

وختاماً فإن ما أوردناه يكفي لاِثبات أن قبائل قريش كانت قبل الاِسلام تحسد قبيلة بني هاشم حسداً إلى العظم ، وأنها بعد إسلامها وخضوعها للنبي صلى الله عليه وآله ابن بني هاشم ! لم تشف من هذا المرض ، بل انتقل حسدها وحساسيتها إلى عشيرة النبي وعترته من أهل بيته صلى الله عليه وآله واتفقوا عزلهم سياسياً بعد النبي صلى الله عليه وآله .
وعلى هذا الاَساس يجب على المؤمن والباحث أن يكون حذراً في تصديق أحاديث المصادر القرشية في هذا الموضوع ، وفي كل ما يتعلق ببني هاشم . . ومن ذلك الاَحاديث التي تنفي وعد الرسول صلى الله عليه وآله لاَسرته بالشفاعة الخاصة في الآخرة . .

أغرب شفاعة اخترعها القرشيون لرئيس بني هاشم

ـ كل مطلع على سيرة النبي صلى الله عليه وآله يعرف أن عمه أبا طالب كان حاميه وناصره ، وأنه بحمايته ونصرته استطاع أن يصدع بدعوته ، وبحكمة أبي طالب ونفوذه المعنوي وقف الهاشميون في وجه قريش إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله وصمدوا في حصار الشعب أربع سنوات ، وبإخلاصه واستماتته في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وآله أفشل الله أكثر خطط
( 311 )
قريش في إهانة النبي وقتله .
ـ ويعرف أن أبا طالب له ديوان شعر نقلته مصادر السيرة والتاريخ وكله في تأييد النبي والاِيمان به وفي ذم قادة المشركين الذين وقفوا ضده . . وأن رواة الخلافة القرشية لو وجدوا بيتين من الشعر لشخصية قرشية يحبونها من المعاصرين لاَبي طالب لطبلوا بأحدهما وزمروا بالآخر واستخرجوا منهما عشرين دليلاً على إيمانه .
ـ ويتفق فقهاء المذاهب أن القاضي إذا شك في إسلام شخص متوفى ، يكفيه لاِثبات إسلامه إقراره أو شهادة شاهدين عاديين بأنه كان مسلماً . . ولكن إثبات إسلام أبي طالب لا يكفي له عندهم إقراراته الصريحة ، ولا ألوف الشهود !
ـ ثم إن أهل البيت أدرى بما فيه والاَبناء أعرف بآبائهم ، وإن علياً وأبناءه الصادقين المصدقين الطاهرين المطهرين بنص القرآن ، قد شهدوا بأن أبا طالب كان مسلماً مؤمناً يكتم إيمانه ، وأن مَثَلَه مثَلُ مؤمن آل فرعون . . ولكن ذلك لم يكف أيضاً في نظر قريش لاِثبات إسلام أبي طالب !
ـ والسبب في كل هذا التشدد والتعنت أن قريشاً لا تريد إعطاء هذا الوسام لاَبي طالب ، وعندها لذلك مبررات عديدة :
أولاً : أبو طالب بن عبد المطلب ، هو رئيس بني هاشم وزعيم قريش بعد أبيه عبدالمطلب . وإذا أعطي هذا الوسام فإن أولاده أولى بملك ابن عمهم النبي محمد! صلى الله عليه وآله . . ولا إخالك تقول هنا إن هذا منطق قبلي غير إسلامي ، فإن نظام الخلافة الاِسلامي إنما قام على أساس القبلية ، وإنما كانت حجة عمر وأبي بكر في السقيفة قرابتهما القبلية من محمد وأنه من قريش وقريش أولى بسلطانه !
فالمنطق الذي حكم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وقامت عليه خلافة قريش هو المنطق القبلي وقد كان هو المنطق العام الحاكم عند الجميع ! لا يستثنى منه إلا منطق النص الذي قال به أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، ولم يصغ لهم أحدٌ إلا الاَقلُّون عدداً !

( 312 )
ثانياً : إن شعر أبي طالب رضوان الله عليه ما زال يرنُّ في آذان قادة قريش !!وفيه لهم من التوبيخ والتعنيف لهم ، ووصفهم بالحسد والبغي والجحود والكفر وقطيعة الرحم ، والحقارة . . وأسوأ الصفات !! فالاِعتراف بإسلامه إعطاء شعره الصفة لشعره الذي نشر به غسيل قريش !
ثالثاً : إن أبا طالب والد علي ، وعلي يطالب بخلافة النبي بالنص ، وهو المعارض الاَول لاَن تكون خلافة محمد لكل قريش تدور بين قبائلها بقاعدة من غلب ! وهذه المعارضة ذنبٌ يجب أن يدفع ثمنه عليٌّ وأولاده وأبوه أبو طالب !
والظاهر أن أكبر ذنب لاَبي طالب عندهم أنه والد علي . . فلو كان والد معاوية لاَحبته قريش وقالت عنه إنه أسلم وحسن إسلامه ، وشملته شفاعة النبي صلى الله عليه وآله
فقد غفرت قريش لاَبي سفيان ما لم يغفره الله ورسوله ، ونسيت أنه إمام الكفر ، ومحزب الاَحزاب ، والعدو اللدود الذي لم يلق سلاحه في وجه الاِسلام إلا مكرهاً ، ولم يسلم إلا مكرهاً ! بل غفرت له قولته عندما وصلت الخلافة إلى بني أمية (تلقفوها يا بني أمية تلقُّفَ الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار ) !
لهذه الاَسباب وغيرها صدر حكم قريش بحق أبي طالب بأن حمايته للنبي صلى الله عليه وآله ودفاعه عنه وتحمله الشدائد من أجله واتصالاته بالقبائل ورسائله إليهم وإلى النجاشي وعمله الدائب من أجل تمكين النبي من نشر دعوته . . كل ذلك كان عصبيةً هاشميةً فقط ، وأنه مات كافراً وليس له أي حق في وراثة النبي صلى الله عليه وآله وليس لاَولاده أي امتياز بسبب حماية أبيهم للنبي ، بل هم من قريش وقريش هي التي ترث سلطان محمد ! وقد قال عمر للاَنصار في السقيفة : نحن قومه وعشيرته فمن ذا ينازعنا سلطان محمد ؟!
ـ إنسجاماً مع هذه الثقافة تجد في مصادر السنيين أعجب الاَحاديث عن أبي
( 313 )
طالب ، ولعل أعجبها على الاِطلاق حديث شفاعة النبي صلى الله عليه وآله لهذا العم الذي أحبه ورباه وحماه وفداه بنفسه وأولاده . . فشفع له النبي صلى الله عليه وآله ووضعه في مكان من جهنم يغلي منه دماغه !

ـ قال البخاري في ج 7 ص 203
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه أبو طالب ، فقال : لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه !!
ورواه في ج 4 ص 202 وروى نحوه أحمد في ج 1 ص290 وص 295 وص 206 وص 207 وج 3 ص 9 وص 50 وص 55 والحاكم في ج 4 ص582 والبيهقي في البعث والنشور ص 59 والذهبي في تاريخ الاِسلام ج 1 ص 234 وغيره من مصادرهم . وقال ابن الاَثير في النهاية ج 3 ص 13 : ضحضاح : الضحضاح : في الاَصل مارق من الماء على وجه الاَرض وما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار .

ـ وقال البخاري في ج 4 ص 247
باب قصة أبي طالب . حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثنا عبد الملك ، حدثنا عبد الله بن الحرث ، قال حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه : قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك ؟ قال : هو في ضحضاح من نار ، ولولا أنا لكان في الدرك الاَسفل من النار !!
ورواه في ج 7 ص 121 وص 203 ورواه مسلم ج 1 ص 135 ورواه أحمد في ج 1 ص 206 و207 و210 وج 3 ص 50 و 55 قال : عن عباس بن عبد المطلب قال : يا رسول الله هل نفعت أباطالب بشيء فإنه قد كان يحوطك ويغضب لك ! قال : نعم هو في ضحضاح من النار لولا ذلك لكان في الدرك الاَسفل من النار . انتهى .
فهذه الرواية تريد بيان التأثير الكبير لشفاعة النبي صلى الله عليه وآله لعمه وأن أبا طالب
( 314 )
بالاَساس يستحق الدرك الاَسفل من النار مثل أبي لهب وأبي جهل وفراعنة قريش الذين كذبوا النبي وأرادوا قتله ، والذين نص الله تعالى على طغيانهم وعقابهم ! فحماة الاَنبياء في منطق هذه الاَحاديث مثل أعدائهم ، بل أسوأ حالاً منهم !
وقد رووا أن أبا طالب كان في طمطام من النار فخفف الله عنه ! وطمطام النار هو وسطها الملتهب !
ـ قال في مجمع الزوائد ج 1 ص 118 عن لسان النبي صلى الله عليه وآله : وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه الي فجعله في ضحضاح من النار . انتهى .
لقد تحير علماء ثقافة قريش في هذا النوع من الشفاعة المخترعة ، لاَن الشفاعة إما أن يأذن بها الله تعالى لرسوله فيخلص المشفوع له من النار ويدخله الجنة ، وإما أن لا يأذن بها فيبقى الشخص في مكانه في النار . . وما ذكرته أحاديث الضحضاح ليس بشفاعة ! ولكنهم ابتكروا له اسماً خاصاً وهو شفاعة التخفيف والنقل من الدرك الاَسفل من النار إلى مستنقع من النار وضحضاحها !

ـ قال القسطلاني في إرشاد الساري ج 9 ص 328
الشفاعات كما قال عياض خمسة ، وقد زاد سادسة هي التخفيف عن أبي طالب . انتهى .
ثم احتاط القسطلاني لئلا يقال كيف تسمون الضحضاح شفاعة ؟ فقال هي شفاعة مجازية وليست حقيقية !
ـ قال في إرشاد الساري ج 9 ص 324 : إن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي ( ص ) والذب عنه ، جوزي بالتخفيف ، وأطلق على ذلك شفاعة ! انتهى .
وهكذا بالغ النبي بزعم رواة قريش في إكرام عمه كما بالغ عمه في إكرامه !!
على أن مقصود القرشيين من رواية الضحضاح قد يكون تشديد العذاب على أبي
( 315 )
طالب لا تخفيفه ، فيكون ما تصوره النووي من المبالغة في إكرام أبي طالب مبالغةً في عذابه ! فقد روت مصادر الثقافة القرشية أن العذاب في الضحضاح أشد من بقيتها !

قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 127
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار ، فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب كأنهن البغال الدهم ، وأفاع كأنهن البخاتي ، فضربنهم ، فذلك الزيادة !

بماذا يفسرون قول النبي صلى الله عليه وآله سأبلها ببلالها

لم يقنع حديث الضحضاح المسلمين بعدم شمول شفاعة النبي صلى الله عليه وآله لعمه الحبيب أبي طالب ، خاصةً أن رواة الضحضاح رووا أن أبا طالب له رحم مع النبي صلى الله عليه وآله وأن النبي وعد أنه سيبلها ببلالها ، فهل لهذا الوعد تفسيرٌ إلا الشفاعة ؟ وهل يسمى وضع أبي طالب في ضحضاح من نار بلالاً من النبي لرحمه ؟!
والطريف أن البخاري نقل حديثاً عن عمرو بن العاص ( وزير معاوية ) تبرأ فيه النبي من آل أبي طالب وأعلن قطع الولاية والرحم بينه وبينهم ! وفي نفس الحديث وعدٌ من النبي أن يبل رحمهم ببلالها !!
ـ قال البخاري في ج 7 ص 73 : الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته . باب يبل الرحم ببلالها . عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جهاراً غير سر يقول : إن آل ( أبي طالب ) قال عمر وفي كتاب محمد بن جعفر بياض ، ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين . زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : ولكن لهم رحمٌ أبلها ببلاها ، يعني أصلها بصلتها . قال أبو عبدالله ( أي البخاري ) ببلاها كذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها لا أعرف له وجهاً. وروى نحوه مسلم في ج 1 ص 133 والترمذي ج 5 ص 19 والنسائي ج 6 ص 248 ـ 250 وأحمد ج 2 ص 360 وص 519

( 316 )
وفي بعض رواياتهم توجه الوعد النبوي إلى أبي طالب خاصة ، كما في كنز العمال ج 12 ص 152 : إن لاَبي طالب عندي رحماً سأبلها ببلالها ( ابن عساكر عن عمرو ابن العاص ) . وراجع كنز العمال ج 16 ص 10 وج 12 ص 42
ومعنى بلال الرحم : صلتها حتى ترضى . قال الجوهري في الصحاح ج 4 ص 1639 : ويقال أيضاً : في سقائك بلال أي ماء . . . ومنه قولهم : إنضحوا الرحم ببلالها أي صلوها بصلتها وندوها . . . ويقال أيضاً : لا تبلك عندي بلال مثال قطام قالت ليلى الاَخيلية :

فلا وأبيك يا ابن أبي عقيل * تبلك بعدها عندي بلال

وقال في الصحاح ج 5 ص 1929 : والرحم أيضاً : القرابة والرحم بالكسر مثله .
قال الاَعشى : أما لطالب نعمة يممتها * ووصال رحم قد بردت بلالها
وقال في الدرجات الرفيعة ص 514 :

إن المكارم أصبحت لهفانةً * حرَّى وأنت بلالها وبليلها
وإذا المكارم ذللت أو ضللت * يوماً فأنت دلالها ودليلها

ـ وقال ابن الاَثير في البداية والنهاية ج 3 ص 51 : سأبلها ببلائها : وفي البيهقي ببلالها: معناه سأصلها . شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة . ومنه بلوا أرحامكم : أي صلوها . انتهى .
والنبي صلى الله عليه وآله عندما استعمل هذا التعبير ووعد هذا الوعد كان يعرف أن معنى بلال الرحم عند العرب إكرام القريب بسخاء حتى يرضى وفوق الرضا ، فهو صلى الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد ، وأعرف الناس بمعانيها .
لهذا يبقى السؤال للبخاري وكافة علماء الخلافة القرشية : إذا وعد نبي أسرته وأهل بيته بأنه سيصل رحمهم ويرضيهم ، فكيف تتعقلون أنه يجعل عمه العزيز عليه منهم الذي له عليه فضل خاص ، في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه ؟!

( 317 )

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

لعل الراوي الاَساسي لحديث ضحضاح النار هو المغيرة بن شعبة الثقفي ، ثم أخذه عنه الآخرون ، أو نسب إليهم . . وسبب إسلام المغيرة أنه كان في سفر في تجارة مع عدد من رفقائه الثقفيين من أهل الطائف ، فغدر بهم وقتلهم جميعاً وسرق أموالهم ، وفر إلى المدينة و . . . أسلم ! وهو معروف بدهائه وفساد أخلاقه ، وبغضه لعلي عليه السلام وبني هاشم ، وتاريخه مدونٌ معروف !
ولا يبعد أن يكون أخذ تعبير ( الضحضاح ) من حديث ضحضاح النور الذي ورد في حق أهل البيت عليهم السلام فجعله ضحضاح نار لاَبي طالب !
ـ فقد روى الشيخ الطوسي في الغيبة ص 147 قال : وأخبرنا جماعة عن التلعكبري ، عن أبي علي أحمد بن علي الرازي الاَيادي قال : أخبرني الحسين بن علي ، عن علي بن سنان الموصلي العدل ، عن أحمد بن محمد الخليلي ، عن محمد بن صالح الهمداني ، عن سليمان بن أحمد، عن زياد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن سلام قال : سمعت أبا سلمى راعي النبي صلى الله عليه وآله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : سمعت ليلة أسريَ بي إلى السماء قال العزيز جل ثناؤه : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه . قلت : والمؤمنون. قال : صدقت يا محمد . . . إني اطلعت على الاَرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك إسماً من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا وذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الاَعلى وهو علي . يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والاَئمة من ولده أشباح نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على السماوات وأهلها وعلى الاَرضين ومن فيهن ، فمن قبل ولايتكم كان عندي من المقربين ومن جحدها كان عندي من الكفار الضالين .
يا محمد لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع أو يصير كالشن البالي ، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم .

( 318 )
يا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت : نعم يا رب قال التفت عن يمين العرش فالتفتُّ فإذا أنا بأشباح علي وفاطمة والحسن والحسين والاَئمة كلهم حتى بلغ المهدي ، في ضحضاح من نور قيام يصلون والمهدي في وسطهم كأنه كوكب دري ، فقال لي : يا محمد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتك ، فوعزتي وجلالي إنه حجةٌ واجبة لاَوليائي منتقمٌ من أعدائي . انتهى .
ورواه فرات الكوفي في تفسيره ص 74 عن الاِمام الباقر 7 وقال في هامشه : وأخرجه الحمويني في الفرائد 2 ـ 571 ط 1 والخوارزمي في مقتله والطوسي في الغيبة وصاحب المقتضب كما في البرهان بأسانيدهم إلى أبي سلمى راعي إبل رسول الله صلى الله عليه وآله قال سمعته يقول . . . ( مثله تقريباً ) . وأخرج صدره القاضي أبو جعفر الكوفي في المناقب ح 130 وأورده بكامله مع تاليه العلامة المجلسي في البحار 37 ـ 82 انتهى . ورواه ابن شاذان في المنقبة السابعة عشرة من مناقب علي 7 . ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 15 ص 247 وج 18 ج 18 ص297 وج 26 ص 301

محاولتهم التخلص من الوعد النبوي لبني هاشم

وجد المفسرون للثقافة القرشية أن أحسن طريقة للتخلص من الوعد النبوي الذي انتشرت روايته في الناس ، أن يبعدوه عن الآخرة كلياً ، ويقولوا إنه ليس وعداً بالشفاعة !
ـ قال ابن الاَثير في النهاية ج 1 ص 153 : سأبلها ببلالها : أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئاً ، والبلال جمع بلل . انتهى .
ولكن ذلك لا يصح :
أولاً ، لاَنه ورد في سياق حديث النبي صلى الله عليه وآله عن الآخرة وإنقاذ النفس من النار فالاَصل أن يكون هذا استثناء متصلاً من موضوع الحديث ومصبه ، لا من خارجه !
وثانياً ، أن الحديث في مقام نفع نسبه وسببه صلى الله عليه وآله في الآخرة وقد صح عند
( 319 )
الجميع أنه النسب الوحيد الذي لا ينقطع يوم القيامة . وتقدمت روايته عن عمر أن النبي : قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟ ! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة !
وثالثاً ، لم يكن النبي يملك دنياً عند نزول أمره تعالى : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، حتى يعد أقاربه بها ، بل لا معنى لوعده إياهم في ذلك الوقت حتى بالشفاعة في الآخرة ، لاَنه في مرحلة عرض الاِسلام عليهم . . وهذا مما يضعف الرواية بأن هذا الوعد النبوي صدر عند نزول الآية .
ورابعاً ، أنهم رووا هذا الحديث بشأن أبي طالب بعد وفاته كما تقدم في كنز العمال عن ابن عساكر وغيره ، فهل وعده النبي بأن يعطيه مالاً بعد وفاته ! أم وعد بأن يعطي ذريته ثروة فلم يعطهم وتركهم فقراء !
وخامساً ، رووا في نفس هذا الوعد أن النبي صلى الله عليه وآله خاطب كل قريش ووعدهم ببلال الرحم ، فإن قالوا إنه وعدٌ بإعطائهم مالاً في الدنيا دون الآخرة ، لزم أن لا تشمل شفاعة النبي صلى الله عليه وآله أحداً من قريش أبداً ! ، فهل يلتزمون بذلك !

ـ قال النووي في المجموع ج 15 ص 356
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة واللفظ لمسلم ( لما نزلت هذه الآية : وأنذر عشيرتك الاَقربين ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا ، فعم وخص فقال : يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها ) وفي هذا دليل على أن كل من ناداهم النبي صلى الله عليه وسلم يطلق عليهم لفظ الاَقربين ، لاَنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ممتثلاً لقوله تعالى : وأنذر
( 320 )
عشيرتك الاَقربين ، وهو دليل على صحة ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه من دخول النساء لذكره فاطمة ، ودخول الكفار .انتهى .
وسادساً ، رووا أحاديث عديدة صرحت بالوعد النبوي بالشفاعة في الآخرة ، كالذي رواه الحاكم في ج 3 ص 568 ورواه مجمع الزوائد ج 1 ص 88 وكنز العمال ج 12 ص 41 : والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم لحبي ! أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب ؟! انتهى .
بل روى في كنز العمال ج 12 ص 100 أن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله مخصوصةٌ بمن أحب أهل بيته ، قال : شفاعتي لاَمتي ، من أحب أهل بيتي وهم شيعتي ! انتهى .
وبذلك يتضح أن محاولة إبعاد وعد النبي صلى الله عليه وآله لبني هاشم عن الشفاعة . . محاولة مردودة ، بل مشبوهة .

عمل المعروف ينجي الكفار من النار إلا أبا طالب

ـ روى ابن ماجة في سننه ج 2 ص 496
عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يُصَفُّ الناس يوم القيامة صفوفاً ، وقال ابن نمير أهل الجنة ، فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول : يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة ؟ قال فيشفع له . ويمر الرجل فيقول : أما تذكر يوم ناولتك طهوراً ؟ فيشفع له . قال ابن نمير ويقول : يا فلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك ؟ فيشفع له . انتهى .
والرجل من ( أهل النار ) يعني الكافر أو يشمل الكافر الذي قدم خدمة ولو صغيرة للمسلم . . فإذا كانت مكانة المسلم العادي كبيرة عندالله تعالى بحيث يشفِّعه في من قدم له خدمة ولو بسيطة ، فكيف بخدمات أبي طالب لاَفضل الخلق صلى الله عليه وآله !
ويؤيد حديث ابن ماجة ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 2 ص 249 : عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : فيوفيهم أجورهم ويزيدهم
( 321 )
من فضله ، قال : أجورهم يدخلهم الجنة ، ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت لهم النار ممن صنع اليهم المعروف في الدنيا .

ـ وما رواه في الدر المنثور ج 3 ص 256
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا كان يوم القيامة جمع الله الاَولين والآخرين ، ثم أمر منادياً ينادي : ألا ليقم أهل المعروف في الدنيا ، فيقومون حتى يقفوا بين يدي الله ، فيقول الله : أنتم أهل المعروف في الدنيا ؟ فيقولون نعم ، فيقول وأنتم أهل المعروف في الآخرة ، فقوموا مع الاَنبياء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتى تدخلوا عليهم المعروف في الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا !.
ـ ويؤيده من مصادرنا مارواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 8 ص 288
عن ثواب الاَعمال للصدوق ص 163 قال : أبي ، عن سعد ، عن النهدي ، عن ابن محبوب ، عن علي بن يقطين ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : كان في بني إسرائيل رجلٌ مؤمن وكان له جارٌ كافر فكان يرفق بالمؤمن ويوليه المعروف في الدنيا ، فلما أن مات الكافر بنى الله له بيتاً في النار من طين ، فكان يقيه حرها ويأتيه الرزق من غيرها ، وقيل له : هذا بما كنت تدخل على جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق ، وتوليه من المعروف في الدنيا !
وقال المجلسي : هذا الخبر الحسن الذي لا يقصر عن الصحيح ، يدل على أن بعض أهل النار من الكفار يرفع عنهم العذاب لبعض أعمالهم الحسنة ، فلا يبعد أن يخصص الآيات الدالة على كونهم معذبين فيها لا يخفف عنهم العذاب ، لتأيده بأخبار أخر .

ـ وفي بحار الاَنوار ج 8 ص 41 عن ثواب الاَعمال أيضاً ص 167
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به
( 322 )
في الدنيا وقد أمر به إلى النار والملك ينطلق به ، قال فيقول له : يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافأة ؟ فيقول المؤمن للملك المؤكل به : خلِّ سبيله ، قال فيسمع الله قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن ، فيخلي سبيله . انتهى .
هذه الشفافية في الرحمة الاِلَهية وإكرامه تعالى لاَنبيائه وعباده المؤمنين . . تتبخر عند قبائل قريش ورواتهم عندما يصلون إلى أسرة النبي صلى الله عليه وآله !
بل تتحول إلى قسوة وخشونة ينسبونها إلى الله ورسوله ضد هذه الاَسرة التي جعل الله مودتها أجراً لتبليغ الاِسلام ، لاَنه الضمانة الوحيدة لسلامة الاِسلام !!

أحاديث نجت من الرقابة القرشية

مع كل المحاولات المتقدمة بقيت أحاديث عديدة ، منها صحيح عندهم ، استطاعت أن تعبر نقاط التفتيش ، وتنجو من رقابة الثقافة القرشية الحاكمة ، وفيما يلي نماذج منها :
ـ تقدمت رواية الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 ص 216 عن عمر وما قاله لصفية عمة النبي وما أجابه به النبي صلى الله عليه وآله فقد جاء فيها :
قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع ؟! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي ! فإنها موصولة في الدنيا والآخرة ! انتهى .
وقد حاولت رواية أن تعتذر عن قول الخليفة عمر هذا باتهام أم هانئ أخت علي عليه السلام بأنها كانت متبرجة ، فنهاها عمر عن ذلك ، وقال لها ذلك القول ! ولكن الظاهر أن حادثة أم هانئ حادثة أخرى غير حادثة صفية ، وقد كان جواب النبي صلى الله عليه وآله فيها أيضاً حاسماً :