آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين
رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضاً !
ـ من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 230 : وسئل الصادق عليه السلام عن الذبيح من كان فقال : إسماعيل عليه السلام لاَن الله عز وجل ذكر قصته في كتابه ثم قال : وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين .
وقد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الاَخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي امر أبوه بذبحه وكان يصبر لاَمر الله عز وجل ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قبله فسماه بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوة متصلاً بالصادق عليه السلام . انتهى .

ـ وقال الجزائري في هامش تفسير القمي ج 1 ص 351
قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في قصص الاَنبياء : اختلف علماء الاِسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلى أنه اسماعيل والاَخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل . وذهبت طائفة من الجمهور إلى أنه إسحاق وبه أخبار واردة من الطرفين وطريق تأويلها إما أن تحمل على التقية وأما حملها على ما قاله الصدوق صار ذبيحاً بالنية والتمني . . . حمل رحمه الله قول النبي صلى الله عليه وآله ( أنا ابن الذبيحين ) على ذلك.
أقول : إن بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح إسحاق حقيقة لا مجازاً وفداه بكبش فعليه لا مجال إلى ما ذهب إليه الصدوق رحمه الله من الحمل فإما أن تحمل هذه الروايات كما قال جدي رحمه الله على التقية أو على تعدد الواقعة . انتهى .

( 434 )
ملاحظة : إن الشيخ الصدوق رحمه الله صحت عنده رواية أن الذبيح هو إسماعيل ورواية أنه إسحاق بالمجاز وصحت عنده رواية نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله وقول النبي صلى الله عليه وآله ( أنا ابن الذبيحين ) ففسره بأنه ابن الذبيحين من وجهين : أي من جهة عبد الله واسماعيل ومن جهة اسماعيل وإسحاق . وقد صرح بذلك في آخر كلامه في الخصال . ولكن كلامه جاء متداخلاً فالتبس الاَمر على الجزائري وعلى الغفاري وتصوراً أنه يفسره بالوجه الثاني فقط ويرفض الوجه الاَول !
وروايته التي استند عليها في أن إسحاق ذبيح مجازي رواية عامية من نوع روايات معاصره الحاكم النيسابوري . ولو صحت لتعين ترجيح الموافق لمذهب أهل البيت عليهم السلام على الموافق لليهود والنواصب . أو حملها كما ذكر السيد الجزائري على التقية من الحكام خاصة أن المسألة كانت مطروحة في دار الخلافة في المدينة وفي قصور الخلافة في الشام كما رأيت من رواياتها .

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل وإسحاق

ـ من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 89
روى حماد بن عيسى عمن أخبره عن حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال : أول من سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول الله عز وجل : وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم والسهام ستة ثم استهموا في يونس عليه السلام لما ركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم على يونس ثلاث مرات قال : فمضى يونس عليه السلام إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه .
ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاماً أن يذبحه فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله صلى الله عليه وآله في صلبه فجاء بعشر من الاِبل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشراً فلما أن خرجت مائة خرجت السهام على
( 435 )
الاِبل فقال عبد المطلب : ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت على الاِبل فقال : الآن علمت أن ربي قد رضي فنحرها . انتهى .
ـ وقال الاَستاذ علي أكبر غفاري في تعليقه على هذا الحديث :
جاءت هذه القصة في كثير من كتب الحديث من الطريقين ، واشتهرت بين الناس وأرسلها جماعة من المؤلفين إرسال المسلمات ، ونقلوها في مصنفاتهم دون أي نكير ، وهي كما ترى تضمنت أمراً غريباً بل منكراً لا يجوز أن ينسب إلى أحد من أوساط الناس والسذج منهم ، فضلاً عن مثل عبدالمطلب الذي كان من الاَصفياء وهو في العقل والكياسة والفطنة على حد يكاد أن لا يدانيه أحد من معاصريه ، وقد يفتخر النبي صلى الله عليه وآله مع مقامه السامي بكونه من أحفاده وذراريه ويباهي به القوم ويقول :
أنا النبي لا كَذِبْ * أنا ابن عبد المطلب
وفي الكافي روايات تدل على عظمته وجلالته وكمال إيمانه وعقله ودرايته ، ورئاسته في قومه ، ففي المجلد الاَول منه ص 446 في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده ، عليه سيماء الاَنبياء وهيبة الملوك . يعني إذا حشر الناس فوجاً فوجاً يحشر هو وحده ، لاَنه كان في زمانه منفرداً بدين الحق من بين قومه ، كما قاله العلامة المجلسي رحمه الله . وفي حديث آخر رواه الكليني أيضاً مسنداً عن الصادق عليه السلام قال : يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الاَنبياء ، وذلك أنه أول من قال بالبداء .
وفي الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لاَحد غيره ، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه . . . إلى أمثالها الكثير الطيب كلها تدل على كمال إيمانه وعقله وحصافة رأيه . . وإن أردت أن تحيط بذلك خبراً فانظر إلى تاريخ اليعقوبي المتوفى في أواخر القرن الثالث ، وما ذكر من سننه التي سنها وجاء بها الاِسلام مثل تحريمه الخمر ، والزنا ، ووضع الحد عليه ، وقطع يد السارق ، ونفي ذوات الرايات ، ونهيه عن قتل
( 436 )
المؤودة ، ونكاح المحارم ، وإتيان البيوت من ظهورها ، وطواف البيت عرياناً وحكمه بوجوب الوفاء بالنذر ، وتعظيم الاَشهر الحرم ، وبالمباهلة بمائة إبل في الدية. ثم تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة المهدمة، كيف حفظ بحسن تدبيره وسديد رأيه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار ، دون أي مؤونة ، وقال : أنا رب الاِبل ولهذا البيت رب يمنعه ، مع أن الواقعة موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين .
فإذا كان الاَمر كذلك فكيف يصح أن يقال : إنه نذر أن يذبح سليله وثمرة مهجته وقرة عينه قربة إلى الله سبحانه ، وأن يتقرب بفعل منهي عنه في جميع الشرايع ، والقتل من أشنع الاَمور وأقبحها ، والعقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات، مضافاً إلى كل ذلك أن النذر بذبح الولد قرباناً للمعبود من سنن الوثنيين والصابئين ، وقد ذكره الله تعالى في جملة ما شنع به على المشركين ، وقال في كتابه العزيز بعد نقل جمل من بدعهم ومفتريانهم : كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله مافعلوه فذرهم وما يفترون . الاَنعام ـ 137
وهذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعلمون به ، فإن المفهوم من ظاهر لفظ الاَولاد أعم من المذكور منهم والبنات ، والوأد مخصوص بالبنات ، وأيضاً غير قتلهم أولادهم من إملاق أو خشيته ، بل هو عنوان آخر يفعلونه على سبيل التقرب إلى الآلهة .
فإن قيل : لعله كان مأموراً من جانب الله سبحانه كما كان جده إبراهيم عليه السلام مأموراً؟ قلنا : هذا التوجيه مخالف لظاهر الروايات ، فإنه صرح في جميعها بأنه نذر مضافاً إلى أنه لو كان مأموراً فلا محيص له عنه ويجب عليه أن يفعله كما أمر ، فكيف فداه بالاِبل ولم لم يقل في جواب من منعه كما في الروايات : إني مأمور بذلك .
وبالجملة في طرق هذه القصة وما شاكلها مثل خبر ( أنا ابن الذبيحين ) رواه
( 437 )
جماعة كانوا ضعفاء أو مجهولين أو مهملين ، أو على غير مذهبنا مثل أحمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة ، وهو زيدي جارودي أو أحمد بن الحسن القطان ، وهو شيخ من أصحاب الحديث عامي ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية ،مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها إن كانوا إمامية ، وكذا محمد بن جعفر بن بطة الذي ضعفه ابن الوليد وقال : كان مخلطاً فيما يسنده ، وهكذا عبد الله بن داهر الاَحمري وهو ضعيف كما في الخلاصة والنجاشي ، وأبو قتادة ووكيع بن الجراح وهما من رجال العامة ورواتهم ولا يحتج بحديثهم إذا كان مخالفاً لاَصول المذهب ، وإن كانوا يسندون خبرهم إلى أئمة أهل البيت عليهم السلام .
وإنك إذا تتبعت أسانيد هذه القصة وما شابهها ما شككت في أنها من مفتعلات القصاصين ومخترعاتهم نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد المطلب ونسبة الشرك والعياذ بالله إليه ، رغماً للاِمامية حيث أنهم نزهوا آباء النبي صلى الله عليه وآله عن دنس الشرك .
ويؤيد ذلك أن كثيراً من قدماء مفسريهم كالزمخشري والفخر الرازي والنيشابوري وأضرابهم ، والمتأخرين كالمراغي وسيد قطب وزمرة كبيرة منهم ، نقلوا هذه القصة أو أشاروا إليها عند تفسير قوله تعالى : وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم، وجعلوا عبد المطلب مصداقاً للآية انتصاراً لمذهبهم الباطل في اعتقاد الشرك في آباء النبي صلى الله عليه وآله وأجداده .
قال العلامة المجلسي رحمه الله : اتفقت الاِمامية رضوان الله عليهم على أن والدي الرسول صلى الله عليه وآله وكل أجداده إلى آدم عليه السلام كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين ثم نقل عن الفخر الرازي أنه قال : قالت الشيعة إن أحداً من آباء الرسول صلى الله عليه وآله وأجداده ما كان كافراً . ثم قال : نقلت ذلك عن إمامهم الرازي ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوماً بحيث اشتهر بين المخالفين .
وإن قيل : لا ملازمة بين هذا النذر وبين الشرك ، ويمكن أن يقال إن نذر عبدالمطلب كان لله ، وأما المشركون فنذروا لآلهتهم .

( 438 )
قلت : ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن المشركين دون الموحدين ، فالناذر إما مشرك أو تابع لسنن الشرك وجلَّت ساحة عبد المطلب أن يكون مشركاً والعياذ بالله أو تابعاً لسنن المشركين ، والاِصرار بتصحيح أمثال هذه القصص مع نكارتها كثيراً ما يكون من الغفلة عما جنته يد الاِفتعال .
ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالى عليه لم يحتج بهذا الخبر في حكم من الاَحكام ، إنما أورده في هذا الكتاب طرداً للباب ، ويكون مراده جواز القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر . انتهى .
ثم كرر الاَستاذ الغفاري رأيه في ج 4 ص 368 فقال :
قال المصنف رحمه الله في الخصال ( ص 27 باب الاِثنين ) قد اختلفت الروايات في الذبيح ، فمنها ما ورد بأنه اسماعيل لكن اسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لاَمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه ، فينال بذلك درجته في الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحاً ، لتمنيه لذلك . انتهى .
أقول : على هذا فالمراد بالذبيحين إسماعيل وإسحاق : أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز ، مع أن كليهما لم يذبحا بعد . وتقدم فيه كلام ج 3 ص 89 والاِشكال بأن إسحاق كان عما له دون أب ممنوع لاَن إطلاق الاَب على العم شايع ، وفي رواية سليمان بن مهران عن الصادق عليه السلام في قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم ، لاَن قد سماه الله عز وجل أبا في قوله : أم كنتم شهداء إذا حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلَهك وإلَه آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق . وكان اسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذه الموضع أباً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : العم والد . فعلى هذا الاَصل أيضاً يطرد قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز . انتهى .

( 439 )
ـ والجواب على ما ذكره الاَستاذ الغفاري :
أولاً : أن الرواية التي استدل بها الصدوق على أن اسحاق ذبيحٌ أيضاً مجازاً ، عامية ضعيفة ، وقد ضعف سندها الاَستاذ الغفاري نفسه من حيث لايدري كما سترى !
ثم إن إطلاق العم على الاَب في اللغة وإن كان أمراً شائعاً ، ولكن لا ينطبق على قول القائل ( أنا ابن فلان ) مفتخراً أو مباهياً ، لاَن المتبادر منه الاِفتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبيحين قربانين لله تعالى ، لا من أعمامه ، وإلا لقال : أنا من قوم فيهم ذبيحان أو من آل إبراهيم آل الذبيحين .
كما أن إطلاق اسم الذبيح المجازي على إسحاق أيضاً ضعيف لغةً ، لاَن كلمة ( الذبيح ) لا تصدق إلا على من قصدوا ذبحه لله تعالى قصداً عملياً حقيقياً ورضي به ، ولو كان يكفي لاِطلاقها مجازاً أن الشخص قد أحب ذلك ونواه كما في إسحاق ، لصح أن تطلق على كل آباء النبي أو جلهم ، بل على كثير من المؤمنين ، لاَن أكثر الاَنبياء والاَوصياء والمؤمنين يحبون مقام إسماعيل وينوون أن لو كانوا مكانه لقبلوا بما قبل به .
فارتكاب المجاز في معنى الاِبن وجعله العم ، ثم ارتكاب المجاز في الذبيح وجعله من يحب أن يكون ذبيحاً . . خلاف الظاهر جداً ، وهو يكاد يفرغ الكلمة من هدفها بل من معناها !
ثانياً : لعل الغفاري لم يطلع على تاريخ القربان لله تعالى في الشرائع الاِلَهية السابقة ، فقد كان عامة الناس يقدمون قرابين من الاَنعام ، وكان من المشروع أن يقدم كبار المؤمنين أحد أولاده قرباناً لله تعالى ، وعلى أساسه كان منام إبراهيم صلى الله عليه وآله . . ولم يثبت نسخ هذا التشريع قبل الاِسلام .
فالمشركون لم يخترعوا القربان لاَوثانهم ، وإنما أخذوه من الاَديان وجعلوه لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالى . وما عابه الله تعالى عليهم من قتلهم أولادهم وتقديمهم إياهم قرابين لآلهتهم ، إنما عاب فيه شركهم وتقربهم للاَوثان .

( 440 )
ثالثاً : إن وجود عبد المطلب في مجتمع وثني يتقرب إلى الاَصنام بالقرابين وقد يذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه . . وإعلان عبد المطلب أنه على ملة أبيه إبراهيم صلى الله عليه وآله ، وإحيائه عدداً من سننها ، وما جرى في عهده من حفظ الله تعالى لكعبة إبراهيم في حادثة الفيل ، وإعادة ماء زمزم المفقود على يده . . . كل ذلك يساعد على فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قرباناً لله تعالى على ملة إبراهيم ، ويجعل هذا النذر أمراً طبيعياً مشروعاً في ذلك الوقت ، بل دعوةً لعَبَدَة الاَصنام أن يعبدوا رب البيت رب إبراهيم ، ويقدموا له قرابينهم ، ولا يقدموها لاَصنامهم .
أما لماذا نذر عبد المطلب ذلك ، ولماذا عزم على تنفيذ نذره جدياً فشاور أولاده فأطاعوه ، وأقرع بينهم فرست القرعة على عبدالله ، وقال لاَبيه كما قال إسماعيل . . ثم كيف تحلل من عبد المطلب من نذره بطريقة القرعة بين ذبح ولده أو نحر الاِبل . . فهي إشكالات واردة . وجوابها : أنها واردة على شريعتنا لا على شريعة إبراهيم وعبد المطلب . وهي واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث وبالمستند الشرعي الذي استند عليه عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به .
ولكن معرفتنا بشخصية عبد المطلب وإيمانه العميق ، تكفي للقول بأنه لم يكن يقدم على نذره ثم على التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بينة من ربه تعالى .
ويكفينا لاِثبات هذه الصفة في شخصيته ، حادثتا زمزم والفيل حيث ظهر للناس على نحو اليقين أنه كان يتلقى أوامره من ربه عز وجل !
فما المانع أن تكون قصة نذر ولده من هذه الاِلهامات ، خاصة أن الولد الذي رست عليه القرعة هو والد النبي صلى الله عليه وآله الذي أعطاه الله تعالى ما أعطى جده إسماعيل من شرف الرضا بأن يذبحه أبوه قرباناً لله تعالى ، ثم فداه الله بطريقة ألهمها لاَبيه ليعطيه شرف أبوة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله .
هذا ، وقد روى الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الاَدب العربي ص 41 ط دار
( 441 )
المعارف المصرية ، أن المنذر بن ماء السماء ملك المناذرة المعاصر لعبد المطلب ، والذي كان أعظم ملك وثني في العرب ، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملك الغساسنة النصراني في حربه معه ، فذبحه قرباناً للعزى !!
فلعل نذر عبد المطلب أن يذبح واحداً من أولاده لرب البيت سبحانه ، كان تعزيزاً لدين ابراهيم ، ورداً على عمل المنذر ، وإبطالاً لتأثير عمله في تعزيز مكانة صنم العزى !
وأخيراً ، فإن نذر عبد المطلب رضوان الله عليه لم يكن ارتجالاً بل امتد وقته طويلاً ، فقد ذكرت الروايات أنه كان في أيام رؤيته الصادقة في حفر زمزم ، وكان له ولدٌ واحدٌ ، فنذر إن رزقه الله عشرة أولاد وكبروا أن يذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالى . . وقد يكون نذره تحقق بعد عشرين سنة أو ثلاثين !
رابعاً : إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس على أن يجدوا له مذمة أو منقصة ، وقد رأيت في رواية الحاكم المتقدمة أن معاوية ذكر نذر عبد المطلب ، وأنه كان نذراً لله تعالى مرتبطاً بأمر الله له بحفر زمزم ( قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا : أرضِ ربك وافدِ ابنك ) .
فقد كان الاَمر بحفر زمزم أمراً من الله تعالى وقد انكشفت صحته . . وهذايقرب أن يكون النذر لله تعالى بأمره سبحانه ، ويشير إليه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة إلى داخل الكعبة وأقرع بينهم فخرجت القرعة على عبد الله ورضي عبد الله بها واستعد للذبح مختاراً ، وقرر عبد المطلب تنفيذ ذلك كما قرر جده إبراهيم . . ولكن أسرته ومحبيه من قريش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن يرضي ربه بفدائه ، فتريث عبد المطلب يومه حتى أمره الله بطريقته التي كان يتلقى بها أن يقرع بين عبد الله وبين فدائه من الاِبل ، ويزيد في عدد الفداء حتى تخرج القرعة عليه فيفديه به .
إنه لو كان في عمل عبد المطلب منقصة لشنعوا بها عليه ، ولكنها كرامة زادت من
( 442 )
مكانته في حياته ، وذكرت له باحترام وإجلال حتى من أعدائه بعد وفاته .
بل زادت من تفكير الناس الوثنيين بإلَه إبراهيم وعبد المطلب ، وهيأتهم للدعوة إلى عبادته بدل أصنامهم .
خامساً : لقد وقع الغفاري في اشتباهين كبيرين : أولهما أنه جعل سند رواية الذبيح المجازي لرواية نذر عبد المطلب وضعفها بسببه ! فإن ابن داهر وأبا قتادة ووكيع لم يردوا في سند رواية النذر عن الاِمام الرضا عليه السلام ، بل وردوا في رواية أن الذبيح المجازي إسحاق ! وقد التبس الاَمر عليه لاَن الصدوق ذكر مضمونها قبل سندها ، فيكون الاَستاذ الغفاري قد ضعف دليله متصوراً أنه ضعف رواية نذر عبد المطلب ! وليس في رواية النذر ممن ضعفهم الغفاري إلا القطان الذي قال فيه ( ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية ) فإن كان هذا مستنده في التضعيف فقد قال في طرائف المقال ص 155 عن القطان هذا ( كثيراً ما يروي عنه الصدوق مترضياً ) !
ولو سلمنا ضعفه ، فإن روايته المعتضدة بالشهرة التي سنذكر طرفاً منها والمخالفة لليهود والخط القرشي المعادي لعبد المطلب ، والمؤيدة بتصحيح عدد من العلماء منهم الصدوق . . لهي جديرة بالقبول .
والاِشتباه الثاني الذي وقع فيه الاَستاذ الغفاري أنه حسب أن رواية الاِمام الصادق عليه السلام تتعلق بإطلاق الاَب على العم وترتبط بموضوع الذبيحين ، مع أنها لا علاقة لها بالعم والاَب ، وإنما استشهد الصدوق على ذلك بالآية وبقول النبي صلى الله عليه وآله : العم أب . ويتضح الاَمر من ملاحظة النص بتمامه وهو في الخصال للصدوق كما يلي :
ـ قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن
( 443 )
الذبيحين قال : يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام وعبد الله بن عبد المطلب . أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم : فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ( ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت ) ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما عزم على ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ويبول ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاماً وما خرج من رحم أنثى وإنما قال الله عز وجل له كن فكان ليفدي به إسماعيل فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لاِسماعيل إلى يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين .
وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة أولاد قال : قد وفى الله لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أحب ولده إليه ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبدالمطلب يبكين ويصحن فقالت له ابنته عاتكة : يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك : قال : فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة قالت : إعمد إلى تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الاِبل وأعط ربك حتى يرضى . فبعث عبدالمطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشراً وضرب السهام فخرج سهم عبد الله فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مائة فضرب فخرج السهم على الاِبل فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثاً كل ذلك يخرج السهم على الاِبل فلما كان في الثالث اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على الاَرض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب وأمر
( 444 )
عبدالمطلب أن تنحر الاِبل بالحسرة ولا يمنع أحد منها وكانت مائة .
وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل في الاِسلام : حرم نساء الآباء على الاَبناء وسن الدية في القتل مائة من الاِبل وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وسمى زمزم لما حفرها سقاية الحاج ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي صلى الله عليه وآله بالاِنتساب إليهما لاَجل أنهما الذبيحان في قوله عليه السلام : أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهي كون النبي صلى الله عليه وآله والاَئمة عليهم السلام في صلبهما فببركة النبي والاَئمة صلى الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ولولا ذلك لوجب على الناس كل أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره بقتل أولادهم وكل ما يتقرب الناس به إلى الله عز وجل من أضحية فهو فداء لاِسماعيل إلى يوم القيامة .
قال مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه : قد اختلف الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلى رد الاَخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لاَمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه الله عز وجل بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك . وحدثنا بذلك محمد بن علي البشاري القزويني رضي الله عنه قال : حدثنا المظفر بن أحمد القزويني قال : حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الاَسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن عبدالله بن داهر عن أبي قتادة الحراني عن وكيع بن الجراح عن سليمان بن مهران عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام .
وقول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم لاَن العم قد سماه الله عز وجل أبا في قوله أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي
( 445 )
قالوا نعبد إلَهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق . وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذا الموضع أبا وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : العم والد .
فعلى هذا الاَصل أيضاً يطرد قول النبي صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب على النية والتمني فالنبي صلى الله عليه وآله هو ابن الذبيحين من وجهين على ما ذكرناه . انتهى .
وأورده في البحار ج 12 ص 22 عن العيون والخصال .
وفي هذا النص أمور متعددة تكفي للرد على رأي الاَستاذ الغفاري حفظه الله في إنكار قصة نذر عبد المطلب . . ومن هذه الاَمور أن الصدوق حكم بصحة الرواية من عنوانها الذي وضعه لها .
ومنها قوة حجج الاِمام الرضا عليه السلام فيها وسنذكر بعضها .
ومنها أن الصدوق قبل تفسير الذبيحين بعبد الله واسماعيل من وجه ، وبإسماعيل وإسحاق من وجه آخر ، كما صرح في آخر كلامه .
والواقع أن نقطة الضعف الوحيدة فيها هي اعتماد الصدوق رحمه الله على رواية الذبيح بالمجاز العامية . . والتي ضعفها الغفاري ، والحمد لله !
سادساً : ولو أن المحقق الغفاري تأمل في قول الاِمام الرضا عليه السلام في رواية الصدوق ( ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه على ذبح ابنه عبد الله شبيهٌ بعزم إبراهيم على ذبح ابنه إسماعيل ، لما افتخر النبي صلى الله عليه وآله بالاِنتساب إليهما لاَجل أنهما الذبيحان في قوله عليه السلام : أنا ابن الذبيحين .
والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله ، وهي كون النبي صلى الله عليه وآله والاَئمة عليهم السلام في صلبهما . . فببركة النبي والاَئمة صلى الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ) لعرف أن إشكاله على نذر عبد المطلب يرد بعينه على إبراهيم صلى الله عليه وآله لاَنهما عملان من نوع واحد ، غاية الاَمر أن إبراهيم أمر بالذبح في المنام وأمر بالفداء بالوحي . ومادام
( 446 )
عبد المطلب لانعرف كيف أمر بنذر الذبح والفداء ، ولكن نعرف أنه حجة وعمله صحيح ، ولا بد أنه كان عنده حجة شرعية على نذره وفدائه .
وحينئذ فما يجاب به عن عمل إبراهيم ، يجاب به عن عمل عبد المطلب بلا فرق ، فلا معنى لاستظهار أن ذبح الولد كان من عادات المشركين ، ولا معنى للقول بأنه لو كان عبد المطلب نذر ذلك فلماذا لم يقدم عليه . . . الخ .
سابعاً : إن ما ذكره حفظه الله من ملاحظات روائية ليس شاملاً ولا مقنعاً ، والظاهر أنه لم يطلع على مصادر رواية ( أنا ابن الذبيحين ) وطرقها ، واشتهارها عند الشيعة من العصر الاَول ، بل عند السنة أيضاً حتى أن فقهاءهم أخذوا بها ، وإن لم يأخذ بها أهل صحاحهم ، وممن صححها من الاَحناف أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع ج 5 ص 85 قال ( ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول . أما الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام : أنا ابن الذبيحين أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا اسماعيل عليه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقيقة وهو عبد الله بن عبد المطلب سماهما عليه الصلاة والسلام ذبيحين ومعلوم أنهما ما كانا ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديراً بطريق الخلافة لقيام الخلاف مقام الاَصل . انتهى .

ـ وقال ابن كثير في السيرة النبوية ج 1 ص 184
( وهو ابن عبد الله وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب وهو الذبيح الثاني المفدي بمائة من الاِبل كما تقدم ) . انتهى .
وفي اطمئناني أن المتتبع يجد لهذا الحديث طرقاً أخرى سواء في مصادرنا أو في مصادر السنيين ، ويجد المزيد ممن صححه من علماء الفريقين .

المسألة الثانية : أول من يكسى كسوة الجنة

ذكرت بعض الروايات أن الناس يخرجون من قبورهم عرياً يوم القيامة ثم يكسون على حسب عملهم . ولكن الظاهر أن المقصود بحديث أول من يكسى هنا ليس
( 447 )
الكسوة من العري ، بل كسوة الجنة كما ورد في النص .
وقد ادعى اليهود أن إبراهيم أول من يكسى كسوة الجنة يوم القيامة . . ولا أظن أن هذه المسألة كانت مطروحة في ثقافتهم ، ولكن لما رأوا المسلمين يروون عن نبيهم صلى الله عليه وآله أنه رئيس المحشر ، والشفيع الاَول ، وخطيب الاَنبياء ، وأول من يكسى يوم القيامة . . ادعى اليهود أن أول من يكسى إبراهيم ، وروى ذلك أحبارهم الذين أسلموا ( ؟ ) عن رسول الله صلى الله عليه وآله ! ! وأخذها عنهم من أخذها من الرواة فدخلت في مصادر المسلمين وثقافتهم ، وساعد عليها أن إبراهيم هو جد النبي صلى الله عليهما وآلهما ، وأن من المعقول أن يكون إكرام الله تعالى للجد قبل إكرام الاِبن .
وقد اختار البخاري أن أول من يكسى إبراهيم وليس محمداً صلى الله عليهما وآلهما !قال في صحيحه ج 4 ص 110 :
ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنكم تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ : كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين . وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ! فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيداً ما دمت قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلى قوله الحكيم . انتهى .
ورواه أيضاً في ج 4 ص 142 وروته بقية الصحاح وغيرها بألفاظ متقاربة مثل الترمذي في ج 4 ص 38 والنسائي ج 4 ص 117 والدارمي ج 2 ص 325 وفيه ( فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول الله تعالى : إكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسى على أثره )
وروى نحوه في أحمد ج 1 ص 398 ورواه أيضاً موجزاً في ج 1 ص 223 وص 229
ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 1 ص 116 عن أبي نعيم في الحلية وابن أبي شيبة
( 448 )
وأحمد . ورواه في ج 2 ص 231 عن البيهقي في الاَسماء والصفات ، وفي ج 4 ص 197 عن أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن مسعود

ـ ورواه في ج 3 ص 284
وفيه من تجسيمات اليهود لله تعالى ( قال ذاك يوم ينزل الله فيه على كرسيه يئط فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهو كسعة ما بين السماء والاَرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ) .
وقد حاول القسطلاني في إرشاد الساري ج 5 ص 343 أن يخفف من وقع الحديث على المسلمين فقال ( ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسوة هنا أفضليته على نبينا ( ص ) لاَن حلة نبينا ( ص ) أعلى وأكمل وكم لنبينا ( ص ) من فضائل مختصه به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن له سوى خصوصية الشفاعه العظمى لكفى) . انتهى .
ولعل القسطلاني رأى أن اليهود أخذوا الشفاعة في الموحدين من نبينا صلى الله عليه وآله وأعطوها لاِسحاق عليه السلام ! وصارت حديثاً صحيحاً على شرط الشيخين كما تقدم في مستدرك الحاكم !
ومن المؤكد أنه رأى الاَحاديث التي تنفي أن تكون الشفاعة خصوصيةً لنبينا صلى الله عليه وآله ، ورأى الروايات التي تفضل أنبياء بني اسرائيل حتى يونس ويحيى على نبينا صلى الله عليه وآله ، لاَن البخاري رواها وشرحها القسطلاني وفسرها !
والذي يدخل في بحثنا هنا أن نعرف لماذا وافقت الحكومة القرشية اليهود من في تقديمهم إبراهيم على نبينا صلى الله عليه وآله في الكسوة وفي الشفاعة ، وتبناها رواتهم ؟ !
يتوقف الجواب على التأمل في النص الذي روته صحاحهم ، فقد تضمن موضوعين : أولهما أن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم . والثاني أن بعض الصحابة يؤمر بهم إلى النار ، لاَنهم انحرفوا وكفروا بمجرد وفاة النبي صلى الله عليه وآله . ولم يبين الحديث العلاقة بين الموضوعين ! وبما أن النبي صلى الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد وقد أوتي جوامع
( 449 )
الكلم ، وكلامه دائماً مترابط . . فلا بد أن تكون في الحديث حلقة مفقودة . . عن عدم كسوة بعض الصحابة مثلاً فما هي !
هذه الحلقة تجدها في مصادر السنيين مجزأة ، ولكنك تجدها في أحاديث أهل البيت عليهم السلام مجتمعة ، لاَنها تذكر نص النبي صلى الله عليه وآله على أن علياً يوم القيامة هو أول ينشق عنه قبره بعد النبي صلى الله عليه وآله وهو أول من يصافحه ، وهو أول من يكسى بعده ، وهو حامل لوائه لواء الحمد ، وهو وزيره في المحشر ، وهو الساقي على حوض النبي صلى الله عليه وآله

ـ قال القاضي النعماني في شرح الاَخبار ج 2 ص 475
في حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي أنا أكرم ولد آدم ولا فخر ، وليس بيني وبين ربي حجاب إلا النور ، وأول من يكسى كسوة الجنة ولا فخر ، وأول من يؤذن له في الكلام ولا فخر ، وأول من يؤذن له في السجود ولا فخر ، وأول من يؤذن له في الشفاعة ولا فخر ، وأول من يسعى نوره أمامه ولا فخر .

ـ وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 374
يا علي : إن الله تبارك وتعالى أعطاني فيك سبع خصال : أنت أول من ينشق عنه القبر معي ، وأنت أول من يقف على الصراط معي ، وأنت أول من يكسى إذا كسيت ، ويحيى إذا حييت ، وأنت أول من يسكن معي في عليين ، وأنت أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك . انتهى . ورواه في الخصال ص 342

ـ وروى محمد بن عباس في تأويل الآيات ج 2 ص 657
يا علي أول من تنشق عنه الاَرض محمد ثم أنت ، وأول من يحيى محمد ثم أنت، وأول من يكسى محمد ثم أنت . فانكب علي عليه السلام ساجداً وعيناه تذرفان بالدموع . انتهى .
ـ وقال ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 26 : قال الحميري :

يدعو النبي فيكسوه ويكرمه * رب العباد إذا ما أحضر الاَمما
ثم الوصي فيكسى مثل حلته * خضراء يرغم منها أنف من رغما

( 450 )
وله أيضاً :

عليٌّ غداً يدعى ويكسوه ربه * ويدنوه منه في رفيع مكرم
فإن كنت منه حيث يكسوه راغماً * وتبدي الرضى كرهاً من الآن فارغم

وقال أعرابي :

إن رسول الله يعطي لواء * الحمد علياً حين يلقاه
يدعى فيعطى كسوة المصطفى * وعن يمين العرش مثواه . انتهى .

فحديث الكسوة يوم القيامة فيه إذن سهم لعلي عليه السلام ، فلا عجب إذا قفزت عنه قبائل قريش .
لكن السهم الاَكبر لعلي والاَخطر على قريش أنه هو الساقي على حوض النبي صلى الله عليه وآله وهو الذي يذود الذين قال عنهم البخاري ( وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ) وقال عنهم في ج 8 ص 86 ( قال أنا على حوضي انتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقول لا تدري مشوا على القهقرى ) . انتهى .
وقال عنهم مسلم في ج 7 ص 68 ـ 70 ( قال رسول الله (ص ) أنا فرطكم على الحوض ولاَنازعن أقواما ثم لاَغلبن عليهم ، فأقول يارب أصحابي أصحابي ! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوابعدك !! . . . قال لاَذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الاِبل) ونحوه في ج 1 ص 150
وقد صرحت أحاديث أخرى بأن الذائد عن حوض النبي صلى الله عليه وآله هو علي عليه السلام ، من ذلك ما رواه الحاكم وصححه قال في ج 3 ص 138 :
عن علي بن أبي طلحة قال : حججنا فمررنا على الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي فقال علي به فاتي به فقال أنت الساب لعلي فقال : ما فعلت فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً على حوض رسول الله صلى الله عليه وآله يذود عنه رايات المنافقين بيده عصا من عوسج ! حدثنيه الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وقد خاب من افترى . هذا حديث صحيح الاِسناد ولم يخرجاه . انتهى .

( 451 )

ـ وروى الديلمي في فردوس الاخبار ج 5 ص 408 ح 8314 عن أبي سعيد :
يا علي أنت يوم القيامة بيدك عصاً من الجنة تذود بها المنافقين!!

ـ وروى في مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 12 ـ 14 عن الفائق للزمخشري
أن النبي قال لعلي : أنت الذايد عن حوضي يوم القيامة ، تذود عنه الرجال كما يذاد الاَصيد . البعير الصادي أي الذي به الصيد والصيد داء يلوي عنقه .
ونقل في المناقب قول حسان بن ثابت :

له الحوض لا شك يحبى به * فمن شاء أسقي برغم العدى
ومن ناصبَ القوم لم يسقه * ويدعو إلى الورد للاَوليا

وقول الحميري :

أؤمل في حبه شربةً * من الحوض تجمع أمناً ورَيَّا
إذا ما وردنا غداً حوضه * فأدنى السعيد وذاد الشقيا
متى يدن مولاه منه يقل * رِدِ الحوض واشرب هنيئاً مريا
وإن يدن منه عدوٌّ * لهيذده علي مكاناً قصيا. انتهى .

وعلى هذا فذكر كسوة النبي صلى الله عليه وآله أولاً وعلي ثانياً عليه السلام ، وأنه يذود الصحابة المنحرفين عن الحوض ، حديث ليس في مصلحة القرشيين ، لاَن معناه أن موقف علي هو الصحيح وموقف من يعارضه خطأ . . فالاَسلم لهم الاَخذ بحديث يكسى إبراهيم أولاً والنبي ثانياً ، لاَنه ليس فيه ذكر لعلي !
وهكذا التقت مصلحة قريش مع مصلحة اليهود . . وصار حديث كعب الاَحبار أسلم طريق للتخلص من علي بن أبي طالب حتى لو صححه الحاكم ، ولم يروه الشيخان !
وهكذا يدون الخلفاء السنة ، كما يكتب الحكام التاريخ ! !

* *


( 452 )

( 453 )

الفصل الثاني عشر
شفاعة الملائكة والاَنبياء والعلماء والشهداء


من مصادرنا

ـ قال الحميري في قرب الاِسناد ص 64
عن مسعدة بن صدقة قال : حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ثلاثة يشفعون إلى اليوم القيامة فيشفعهم : الاَنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء . انتهى .
ورواه في مستدرك الوسائل ج 11 ص 20 وتفسير نور الثقلين ج 5 ص 264

ـ من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 399
إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ، ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء .

ـ علل الشرائع للصدوق ج 2 ص 394
عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا كان يوم القيامة بعث الله عز وجل العالم والعابد ،
( 454 )
فإذا وقفا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد : انطلق إلى الجنة ، وقيل للعالم قف تشفَّع للناس بحسن تأديبك لهم .

ـ تفسير الاِمام العسكري 7 ص 344
وقال علي بن موسى الرضا عليهما السلام : يقال للعابد يوم القيامة : نعم الرجل كنت ، همتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤنتك ، فادخل الجنة . إلا إن الفقيه من أفاض على الناس خيره ، وأنقذهم من أعدائهم ، ووفر عليهم نعم جنان الله ، وحصل لهم رضوان الله تعالى . ويقال للفقيه : يا أيها الكافل لاَيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيه ومواليه ، قف حتى تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك ، فيقف فيدخل الجنة ومعه فئاماً وفئاماً حتى قال عشراً ، وهم الذين أخذوا عنه علومه ، وأخذوا عمن أخذ عنه ، إلى يوم القيامة ، فانظروا كم فرقُ ما بين المنزلتين !
ـ وروى المجلسي في البحار حديثاً يدل على أن العالم الذي يشفع يوم القيامة ليس من العلماء السبعة المذمومين . . قال في بحار الاَنوار 8 ص 307 : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه ، فذاك في الدرك الاَسفل من النار .
ومن العلماء من إذا وعظ أنف ، وإذا وعظ عنف ، فذاك في الدرك الثاني من النار .
ومن العلماء من يرى أن يضع العلم عند ذوي الثروة ، ولا يرى له في المساكين ، فذاك في الدرك الثالث من النار .
ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين ، فإن رد عليه شيَ من قوله أو قصر في شيء من أمره غضب ، فذاك في الدرك الرابع من النار .
ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصارى ليغزر به علمه ويكثر به حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار .
ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول : سلوني ولعله لا يصيب حرفاً واحداً
( 455 )
والله لا يحب المتكلفين ، فذاك في الدرك السادس من النار .
ومن العلماء من يتخذ علمه مروةً وعقلاً ، فذلك في الدرك السابع من النار ( نقلاً عن الخصال ج 2 ص 7 ) .

ـ وفي تفسير التبيان ج 9 ص 65
وقوله : ماللظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ، نفيٌ من الله أن يكون للظالمين شفيع يطاع ، ويحتمل أن يكون المراد بالظالمين الكفار فهؤلاء لا يلحقهم شفاعة شافع أصلاً ، وإن حملنا على عموم كل ظالم من كافر وغيره جاز أن يكون إنما أراد نفي شفيع يطاع ، وليس في ذلك نفي شفيع يجاب ، ويكون المعنى : إن الذين يشفعون يوم القيامة من الاَنبياء والملائكة والمؤمنين إنما يشفعون على وجه المسألة إليه والاِستكانة إليه ، لا أنه يجب على الله أن يطيعهم فيه .

ـ تفسير التبيان ج 9 ص 429
قوله تعالى : وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى . . . يقول الله تعالى مخبراً بأن كثيراً من ملائكة السموات لا تغني شفاعتهم ، أي لا تنفع شفاعتهم في غيرهم بإسقاط العقاب عنهم شيئاً ، إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء أن يشفعوا فيه ويطلق لهم ذلك ويرضى ذلك .
وقيل : إن الغرض بذلك الاِنكار على عبدة الاَوثان وقولهم إنها تشفع لا الملك ، إذا لم تغن شفاعته شيئاً فشفاعة من دونه أبعد من ذلك . وفي ذلك التحذير من الاِتكال على الشفاعة لاَنه إذا لم تغن شفاعة الملائكة كانت شفاعة غيرهم أبعد من ذلك .
ولا ينافي ما نذهب إليه من أن النبي صلى الله عليه وآله والاَئمة والمؤمنين يشفعون في كثير من أصحاب المعاصي فيسقط عقابهم لمكان شفاعتهم ، لاَن هؤلاء عندنا لا يشفعون إلا بإذن من الله ورضاه ، ومع ذلك يجوز أن لا يشفعوا فيه ، فالزجر واقع موقعه .

( 456 )

ـ تفسير التبيان ج 7 ص 209
قوله تعالى : يومئذ يتبعون الداعي لاعوج له وخشعت الاَصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً ، يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً . . . أخبر الله تعالى أن ذلك اليوم لا تنفع شفاعة أحد في غيره ، إلا شفاعة من أذن الله له أن يشفع ورضي قوله فيها ، من الاَنبياء والاَولياء والصديقين والمؤمنين .

ـ مجمع البحرين ج 4 ص 467
وفي الحديث : الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة بالاِيجاب ، أي القبول ، يعني أن الله تعالى يثبت لهم الشفاعة .

ـ دعائم الاِسلام ج 1 ص 343
روينا عن رسول الله ( ص ) أنه قال : كل مؤمن من أمتي صديق شهيد ، ويكرم الله بهذا السيف من شاء من خلقه ، ثم تلا قول الله عز وجل : والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم .

ـ دعائم الاِسلام ج 1 ص 217
وعن علي عليه السلام أنه قال : المريض في سجن الله ما لم يشك إلى عواده ، تمحى سيئآته . وأي مؤمن مات مريضاً مات شهيداً ، وكل مؤمن شهيد ، وكل مؤمنة حوراء ، وأي ميتة مات بها المؤمن فهو شهيد ، وتلا قول الله جل ذكره : والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم .

من مصادر السنيين

ـ تاريخ البخاري ج 9 ص 37
عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فيتقاذع بهم جنبتا الصراط تقاذع الفراش في النار : ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فيشفعون ، ويخرجون فيشفعون ويرجون فيشفعون فيجابون .

( 457 )

ـ سنن النسائي ج 2 ص 229
عن عطاء بن يزيد قال كنت جالساً إلى أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت ، قال : فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل ، وذكر الصراط قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأكون أول من يجيز ، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه ، وأخرج من النار من يريد أن يخرج ، أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شيَ من ابن آدم إلا موضع السجود ، فيصب عليهم من ماء الجنة ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .
ـ سنن ابن ماجة ج 2 ص 724
عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يشفع يوم القيامة ثلاثة : الاَنبياء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء .
ـ ورواه البيهقي في شعب الاِيمان ج 2 ص 265 والديلمي في فردوس الاَخبار ج 5 ص 428 وكنز العمال ج 10 ص 151 وتهذيب الكمال ج 22 ص 551 وتهذيب التهذيب ج 8 ص 195 ومجمع الزوائد ج 10 ص 381 راجع أيضاً سنن البيهقي ج 9 ص 164
ـ سنن الترمذي ج 4 ص 46
عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من أمتي من يشفع للفئام من الناس ، ومنهم من يشفع للقبيلة ، ومنهم من يشفع للعصبة ، ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة . هذا حديث حسن .
ـ مسند أحمد ج 3 ص 20
عن أبى سعيد الخدري عن النبى صلى الله عليه وسلم قال قد أعطى كل نبي عطية فكل قد تعجلها وإني أخرت عطيتي شفاعة لاَمتي ، وإن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة ، إن الرجل ليشفع للقبيله وإن الرجل ليسشفع للعصبة ، وإن الرجل ليشفع للثلاثة ، وللرجلين ، وللرجل .

( 458 )

ـ مجمع الزوائد ج 10 ص 380
باب شفاعة الصالحين . وعن أبي برزة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن من أمتي لمن يشفع لاَكثر من ربيعة ومضر وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون ركناً من أركانها . رواه أحمد ورجاله ثقات . . .
وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة . رواه البزار ورجاله رجال الصحيح .
وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سلك رجلان مفازة أحدهما عابد والآخر به رهق ، فعطش العابد حتى سقط فجعل صاحبه ينظر إليه وهو صريع فقال والله لئن مات هذا العبد الصالح عطشاً ومعي ماء لا أصيب من الله خيراً وإن سقيته مائي لاَموتن فاتكل على الله وعزم ورش عليه من مائه وسقاه من فضله قال فقام حتى قطع المفازة قال فيوقف الذي به رهق يوم القيامة للحساب فيؤمر به إلى النار فتسوقه الملائكة فيرى العابد فيقول يا فلان أما تعرفني قال فيقوب من أنت قال أنا فلان الذي آثرتك على نفسي يوم المفازة قال فيقول بلى أعرفك قال فيقول للملائكة قفوا ويجيَ حتى يقف ويدعو ربه فيقول يا رب قد تعرف يده عندي وكيف آثرني على نفسه يا رب هبه لي قال فيقول : هو لك ويأخذ بيده فيدخله الجنة . رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير أبي ظلال القسملي قد وثقه ابن حبان وغيره وضعفه غير واحد .

ـ فردوس الاَخبار للديلمي ج 1 ص 396
ابن عباس : إذا اجتمع العالم والعابد على الصراط قيل للعابد : أدخل الجنة وتنعم بعبادتك ، وقيل للعالم هاهنا فاشفع لمن أحببت فإنك لا تشفع لاَحد إلا شفعت ، فقام مقام الاَنبياء . ورواه في كنز العمال ج 10 ص 136 وص 173 وص 256

ـ مجمع الزوائد ج 5 ص 293
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن للشهيد عند الله عز وجل ست خصال :
( 459 )
أن يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الاِيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الاَكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج ثنتين وسبعين زوجه من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه . رواه أحمد هكذا قال مثل ذلك ، والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك ، ورجال أحمد والطبراني ثقات .
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشهيد يغفر له في أول كل دفقة من دمه ، ويزوج حوراوين ويشفع في سبعين من أهل بيته ، والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة ، وأتى عليه ريح برزقه ، ويزوج سبعين حوراء ، وقيل له قف فاشفع إلى أن يفرغ من الحساب ـ قلت روى ابن ماجة بعضه ـ رواه الطبراني في الاَوسط عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي ، قال الذهبي مقارب الحديث وضعفه النسائي . انتهى . وروى عدداً من هذه الروايات في مجمع الزوائد 2 ص 98 وص 115 وج 4 ص 398 وص 401 وص 405 وص 410

ـ الدر المنثور ج 6 ص 24
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله : ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة ، قال : عيسى وعزير والملائكة . إلا من شهد بالحق قال كلمة الاِخلاص . وهم يعلمون أن الله حق . . .
ـ وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ، قال : الملائكة وعيسى وعزير فإن لهم عند الله شفاعة .

ـ الدر المنثور ج 4 ص 94
وأخرج الحاكم في الكني عن حماد رضي الله عنه قال : سألت إبراهيم عن هذه الآية : ربما يود الذين كفروا كانوا مسلمين ، قال : حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من
( 460 )
أهل الاِسلام ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين : اشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون حتى أن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم ، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .

ـ تفسير الطبري ج 25 ص 62
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم : معنى ذلك ولا يملك عيسى وعزيز والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركين لشفاعة عند الله لاَحد إلا من شهد بالحق فوحد الله وأطاعه . . . وأولى الاَقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبره أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من الله الشفاعة عنده لاَحد ، إلا من شهد بالحق . . ويعني بذلك أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها ، كما قال جل ثناؤه : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، فأثبت جل ثناؤه للملائكة وعيسى وعزيز ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والاَوثان ، باستثنائه الذي استثناه .

ـ تفسير الطبري ج 27 ص 37
وقوله : وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً يقول تعالى ذكره : وكم من ملك في السموات لا تنفع شفاعتهم ، عند الله لمن شفعوا له شيئاً إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم ، بالشفاعه لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى ، يقول ومن بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له ، فتنفعه حينئذ شفاعتهم . .

ـ تفسير الرازي ج 4 جزء 7 ص 11
هؤلاء المذكورون في هذه الآية ( يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ) يحتمل أن يكونوا هم الملائكة وسائر من يشفع يوم القيامه من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين .

ـ الجواهر الحسان للثعالبي ج 1 ص 351
فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط .

( 461 )

ـ الاَنساب ج 5 ص 623
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبعة لهم شفاعة كشفاعة الاَنبياء : المؤذن ، والاِمام ، والشهيد وحامل القرآن ، والعالم ، والمتعلم ، والتائب .

* *

ما يوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنين له


ـ الكافي ج 2 ص 248
عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الله عن خالد العمي عن خضر بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام : المؤمن مؤمنان : مؤمن وفي لله بشروطه التي شرطها عليه فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً وذلك من يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة .
ومؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفأته الريح انكفأ وذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا والآخرة ويشفع له وهو على خير . وروى نحوه في الكافي ج 2 ص 188 وفي تفسير نور الثقلين ج 1 ص 514 وج 4 ص 260

ـ الكافي ج 6 ص 3
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن يحيى عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إن أولاد المسلمين موسومون عند الله شافع ومشفع فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كانت لهم الحسنات فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات .

ـ الكافي ج 8 ص 101
محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن عمر بن أبان عن عبدالحميد الوابشي عن أبي جعفر عليه السلام قال . . .
( 462 )
وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة فيقول : يا رب جاري كان يكف عني الاَذى فيشفع فيه فيقول الله تبارك وتعالى : أنا ربك وأنا أحق من كافى عنك فيدخله الجنة وماله من حسنة ! وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً فعند ذلك يقول أهل النار : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم .

ـ وسائل الشيعة ج 8 ص 407
وعن إبراهيم بن الغفاري عن جعفر بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : أكثروا من الاَصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فحوائج يقومون بها وأما في الآخرة فإن أهل جهنم قالوا : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم .
ـ وعن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : استكثروا من الاَخوان فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة وقال : استكثروا من الاِخوان فإن لكل مؤمن شفاعة . وقال : أكثروا من مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند الله يداً يكافئهم بها يوم القيامة .

ـ مستدرك الوسائل ج 8 ص 323
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : عليكم بالاِخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا تسمعون إلى قوله تعالى : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم .

ـ بحار الاَنوار ج 8 ص 41
ثواب الاَعمال : أبي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي ولاد عن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمربه الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلى النار والملك ينطلق به قال : فيقول له : يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافاة فيقول المؤمن للملك المؤكل به : خل سبيل قال : فيسمع الله قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن فيخلي سبيله . ( المصدر ص 167 )