الفصـل الرابع
كليات الشفاعة في القرآن

آيات الشفاعة وعناوينها

الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة في الدنيا
ـ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها ، وكان الله على كل شيء مقيتا . النساء ـ 85

الشفعاء يوم القيامة يشفعون بعهد من الله تعالى
ـ لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا . مريم ـ 87
ـ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا . طه ـ 109

الاَولياء المكرمون ينفعون مواليهم بشفاعتهم
ـ إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين . يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً ولا هم ينصرون . إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم . الدخان ـ 40 ـ 42

( 70 )

عباد الله المكرمون كلهم شفعاء
ـ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون . الاَنبياء 26 ـ 28

الشهداء بالحق شفعاء
ـ ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون . الزخرف ـ 86

الملائكة يشفعون للناس بإذن الله تعالى
ـ وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى . النجم ـ 26

الشفيع الاَكبر صلى الله عليه وآله
ـ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا . الاِسراء ـ 79
ـ ولسوف يعطيك ربك فترضى . الضحى ـ 5

لا شفاعة من دون الله تعالى
ـ وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون . الاَنعام ـ 51
ـ الله الذي خلق السماوات والاَرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم استوى على العرش ، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع ، أفلا تتذكرون . السجدة ـ 4

لا شفاعة إلا بإذنه ومن بعد إذنه
ـ الله لا إلَه إلا هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في
( 71 )
الاَرض ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، ولا يحيطون بشيَ من علمه إلا بما شاء ، وسع كرسيه السماوات والاَرض ولا يؤده حفظهما ، وهو العلي العظيم . البقرة ـ 255
ـ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والاَرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرش، يدبر الاَمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ، ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون . يونس ـ 3
ـ ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم، قالوا الحق وهو العلي الكبير . سبأ ـ 23
ـ وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى . النجم ـ 26

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم
ـ ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ! قل أتنبئون الله بما لايعلم في السماوات ولا في الاَرض ، سبحانه وتعالى عما يشركون . يونس ـ 18
ـ ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم ، وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء ، لقد تقطع بينكم ، وضل عنكم ما كنتم تزعمون . الاَنعام ـ 94
ـ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين . الروم ـ 13
ـ أأتخذ من دونه آلهة ، إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون . يس ـ 23
ـ أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون . قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والاَرض ، ثم إليه ترجعون . الزمر 43 ـ 44

( 72 )

لا شفاعة في يوم القيامة كشفاعة الدنيا
ـ واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ، ولا يقبل منها شفاعة ، ولا يؤخذ منها عدل ، ولا هم ينصرون . البقرة ـ 48
ـ واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ، ولا يقبل منها عدل ، ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون . البقرة ـ 123
ـ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ، ولا خلة ، ولا شفاعة ، والكافرون هم الظالمون . البقرة ـ 254
ـ وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع ، وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ، أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا ، لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون . الاَنعام ـ 70
ــ فمالنا من شافعين ، ولا صديق حميم . الشعراء 100 ـ 101
ـ فما تنفعهم شفاعة الشافعين . المدثر ـ 48

الكفار يبحثون بحثاً حثيثاً عن الشفعاء
ـ هل ينظرون إلا تأويله ، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق ، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ، أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل ، قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون . الاَعراف ـ 53
ـ يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون ، إلا من أذن له الرحمن ، وقال صواباً . النبأ ـ 38

لا شفاعة للظالمين
ـ وأنذرهم يوم الاَزفة إذ القلوب لدى الحناجر ، كاظمين ما للظالمين من حميم ، ولا شفيع يطاع . غافر ـ 18
ـ وكنا نكذب بيوم الدين . حتى أتانا اليقين . فما تنفعهم شفاعة الشافعين . المدثر ـ 46 ـ 48

* *

( 73 )

الفصـل الخامـس
شفاعـة نبينـا صلى الله عليه وآله

تفسير ( المقام المحمود ) لنبينا صلى الله عليه وآله
قال الله تعالى : أقم الصلاة لدلوك الشمس ، إلى غسق الليل ، وقرآن الفجر ، إن قرآن الفجر كان مشهودا . ومن الليل فتهجد به نافلة لك ، عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا .الاِسراء ـ 79

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبينا صلى الله عليه وآله في المحشر
لعل أقوى نص في متنه يبين أهمية المقام المحمود الذي وعد الله رسوله صلى الله عليه وآله بأن يكرمه به يوم القيامة ، ما رواه الصدوق عن علي عليه السلام ، فقد بين فيه أن ليوم القيامة مراحل ومراسم قبل الحساب ، وأن المقام المحمود لنبينا صلى الله عليه وآله يبدأ في أوائل مراحل ذلك اليوم العظيم بتلك الخطبة ( الفريدة ) التي يفتتح بها نبينا المحشر ويلهمه الله تعالى فيها أنواع المحامد لربه تعالى نيابة عن الخلائق ، ويعطى على أثرها لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر ، وذلك قبل الحساب والشفاعة وحوض الكوثر . .

( 74 )
ـ قال الصدوق في التوحيد في حديث طويل ص 255 ـ 262
حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أحمد بن يحيى عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال : حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزيز الاَحدب الجند بنيسابور قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :
يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل .
قال له عليه السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل !
قال : لاَني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه .
فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.
قال له الرجل : إني وجدت الله يقول : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، وقال أيضاً : نسوا الله فنسيهم ، وقال : وما كان ربك نسياً . فمرة يخبر أنه ينسى ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين !
قال : هات ما شككت فيه أيضاً. . . .
فقال علي عليه السلام : قُدُّوسٌ ربنا قدوس ، تبارك وتعالى علواً كبيراً ، نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شيَ وهو السميع البصير ، وأن الكتاب حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك ، ولكن سأعلمك ما شككت فيه ولا قوة إلا بالله ، فإن أراد الله بك خيراً أعلمك بعلمه وثبتك ، وإن يكن شراً ضللت وهلكت .
أما قوله : نسوا الله فنسيهم إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً ، فصاروا منسسيين من الخير
( 75 )
وكذلك تفسير قوله عز وجل : فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ، يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب . وأما قوله : وما كان ربك نسياً ، فإن ربناتبارك وتعالى علواً كبيراً ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان : قد نَسِيَنَا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به ، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل ؟ قال : نعم ، فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك .
فقال عليه السلام : وأما قوله : يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً ، وقوله : والله ربنا ما كنا مشركين ، وقوله : يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ، وقوله : إن ذلك لَحَقٌّ تخاصم أهل النار ، وقوله: لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، وقوله : اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فإن ذلك في موطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ! يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم بعضهم بعضاً ، ويستغفر بعضهم لبعض ، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا . ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، الرؤساء والاَتباع من المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً . والكفر في هذه الآية : البراءة يقول يبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان : إني كفرت بما أشركتمون من قبل ، وقول إبراهيم خليل الرحمن : كفرنا بكم ، يعني تبرأنا منكم .
ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه ، فلو أن تلك الاَصوات بدت لاَهل الدنيا لاَذهلت جميع الخلق عن معائشهم ، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدم .

( 76 )
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون : والله ربنا ما كنا مشركين ، فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الاَيدي والاَرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم : لم شهدتم علينا ، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيَ .
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون ، فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عز وجل : يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ، فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن ، فذلك قوله : فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً .
ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلى الله عليه وآله وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد صلى الله عليه وآله ، ثم يثني على الرسل : بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والاَرض ، فذلك قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب .
ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض ، وهذا كله قبل الحساب ، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه . نسأل الله بركة ذلك اليوم .
قال : فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ، وحللت عني عقدةً ، فعظم الله أجرك . انتهى . ورواه في بحار الاَنوار ج 7 ص 119

( 77 )
ـ الصحيفة السجادية ج 1 ص 37
اللهم واجعله خطيب وفد المؤمنين إليك ، والمكسو حلل الاَمان إذا وقف بين يديك ، والناطق إذا خرست الاَلسن في الثناء عليك .
اللهم وابسط لسانه في الشفاعة لاَمته ، وأَرِ أهل الموقف من النبيين وأتباعهم تمكن منزلته ، وأوهل أبصار أهل المعروف العلى بشعاع نور درجته ، وقفه في المقام المحمود الذي وعدته ، واغفر ما أحدث المحدثون بعده في أمته ، مما كان اجتهادهم فيه تحرياً لمرضاتك ومرضاته ، وما لم يكن تأليباً على دينك ونقضاً لشريعته ، واحفظ من قبل بالتسليم والرضا دعوته ، واجعلنا ممن تكثر به وارديه ، ولا يذاد عن حوضه إذا ورده ، واسقنا منه كأساً روياً لا نظمأ بعده .

ـ وروى في بحار الاَنوار ج 7 ص 335 عن تفسير فرات الكوفي :
عن الاِمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود ، وهو وافٍ لي به . إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل عليه السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فأقول لعلي : إصعد فيكون أسفل مني بدرجة ، فأضع لواء الحمد في يده ، ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب ، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول : يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو أمتك النار ، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب ، فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهي قول الله تعالى : ألقيا في جهنم كل كفار عنيد . انتهى .
ويؤيد هذا الحديث أنك لا تجد تفسيراً مقنعاً لتثنية الخطاب في هذه الآية ، إلا هذا الحديث !

( 78 )
ـ تفسير القمي ج 2 ص 25
وأما قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : سألته عن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله يوم القيامة ؟ فقال : يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون : إنطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم فيقولون : يا آدم إشفع لنا عند ربك ، فيقول : إن لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحاً فيردهم إلى من يليه ، ويردهم كل نبي إلى من يليه ، حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمد رسول الله ، فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول : إنطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجداً فيمكث ما شاء الله ، فيقول الله : إرفع رأسك واشفع تشفع ، واسأل تعط، وذلك هو قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً . انتهى . ورواه في تفسير نور الثقلين ج 3 ص 206

ـ تفسير العياشي ج 2 ص 314
عن عبيد بن زرارة قال : سئل أبو عبدالله عليه السلام عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال : نعم فقال له رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد يومئذ ؟ قال : نعم إن للمؤمنين خطايا وذنوباً ، وما من أحد إلا ويحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ . قال وسأله رجل عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ؟ قال : نعم يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله : إرفع رأسك إشفع تشفع ، أطلب تعط ، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله : إرفع رأسك ، إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم يرفع رأسه فيشفع ، فيشفع ويطلب فيعطى .

ـ روضة الواعظين ص 500
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : المقام الذي أشفع فيه لاَمتي .
وفي ص 273 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم ، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي
( 79 )

ورواه في تفسير نور الثقلين ج 3 ص 34
ـ تفسير التبيان ج 6 ص 512
وقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، معناه متى فعلت ما ندبناك إليه من التهجد يبعثك الله مقاماً محموداً ، وهي الشفاعة في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ، وقال قوم : المقام المحمود : إعطاؤه لواء الحمد . وعسى من الله واجبة .

ـ وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي ص 491
ولرسول الله صلى الله عليه وآله محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الاَشرف والمحل الاَعظم ، له اللواء المعقود لواء الحمد ، والحوض المورود ، والمقام المحمود ، والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية ، والدرجة المنيعة على جميع النبيين وأتباعهم . وكل شيَ خص به من التفضيل ورشح له من التأهيل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته على رعيته أميرالمؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه السلام شريك فيه ، وهو صاحب الاَعراف ، وقسيم الجنة والنار ، بنصه الصريح وقوله الفصيح .
وأعلام الاَزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوانٌ عليه ومساهمون فيه ، حسب ما أخبر به وأشار بذكره .
ولشيعتهم من ذلك الحظ الاَوفر والقسط الاَكبر ، لتحققهم بالاِسلام ممن عداهم وتخصصهم بالاِيمان دون من سواهم .
ـ ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحديث طريف ورد عن أهل البيت عليهم السلام في مواعظ الله تعالى لنبيه عيسى عليه السلام وشاهدنا منه الفقرةالاَخيرة المتعلقة ببشارته بنبينا صلى الله عليه وآله وشفاعته ، لكن نورده كاملاً لكثرة فوائده .

( 80 )
ـ فقد روى الكليني في الكافي ج 8 ص 131
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عنهم عليهم السلام فيما وعظ الله عز وجل به عيسى عليه السلام :
يا عيسى ، أنا ربك ورب آبائك إسمي واحد ، وأنا الاَحد المتفرد بخلق كل شيء، وكل شيء من صنعي ، وكل إليَّ راجع .
يا عيسى ، أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت تحيي الموتى بكلامي ، فكن إليَّ راغباً ومني راهباً ، ولن تجد مني ملجأً إلا إليَّ .
يا عيسى ، أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحرِّيك مني المسرة ، فبوركت كبيراً وبوركت صغيراً حيث ما كنت ، إشهد أنك عبدي ابن أمتي ، أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك ، وتقرب إلي بالنوافل ، وتوكل عليَّ أكفك ، ولا توكل على غيري فآخذ لك .
يا عيسى ، إصبر على البلاء وارض بالقضاء ، وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى .
يا عيسى ، أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك .
يا عيسى ، تيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم لي لطيف الحكمة .
يا عيسى ، كن راغباً راهباً ، وأمت قلبك بالخشية .
يا عيسى ، راع الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي .
يا عيسى ، نافس في الخير جهدك ، تعرف بالخير حيثما توجهت .
يا عيسى ، أحكم في عبادي بنصحي ، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان .
يا عيسى ، لا تكن جليساً لكل مفتون .
يا عيسى ، حقاً أقول : ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، ولا خشعت لي إلا رجوت ثوابي ، فاشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي .

( 81 )
يا عيسى ابن البكر البتول ، إبك على نفسك بكاء من ودع الاَهل وقلى الدنيا وتركها لاَهلها ، وصارت رغبته فيما عند إلَهه .
يا عيسى ، كن مع ذلك لين الكلام وتفشي السلام ، يقظان إذا نامت عيون الاَبرار ، حذراً للمعاد والزلازل الشداد ، وأهوال يوم القيامة ، حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال .
يا عيسى ، أكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون .
يا عيسى ، كن خاشعاً صابراً ، فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون .
يا عيسى ، رح من الدنيا يوماً فيوماً ، وذق لما قد ذهب طعمه ، فحقاً أقول : ما أنت إلا بساعتك ويومك ، فرح من الدنيا ببلغة ، وليكفك الخشن الجشب ، فقد رأيت إلى ما تصير ، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت .
يا عيسى ، إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ، ولا تقهر اليتيم .
يا عيسى ، إبك على نفسك في الخلوات ، وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات واسمعني لذاذة نطقك بذكري ، فإن صنيعي إليك حسن .
يا عيسى ، كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها .
يا عيسى ، إرفق بالضعيف ، وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني ، فإني منك قريب ، ولا تدعني إلا متضرعاً إليَّ ، وهمك هماً واحداً ، فإنك متى تدعني كذلك أجبك.
يا عيسى ، إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن كان قبلك ، ولا عقاباً لمن انتقمت منه .
يا عيسى ، إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ، وعندي ميقات أجلك ، وإليَّ إيابك ، وعليَّ حسابك ، فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الاِجابة .
يا عيسى ، ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ، الاَشجار كثيرة وطيبها قليل ، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها .
يا عيسى ، لا يغرنك المتمرد عليَّ بالعصيان ، يأكل رزقي ويعبد غيري ، ثم
( 82 )
يدعوني عند الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى ما كان عليه ، فعليَّ يتمرد ؟ أم بسخطي يتعرض ! فبي حلفت لآخذنه أخذةً ليسله منها منجاً ولا دوني ملجأ ، أين يهرب من سمائي وأرضي ؟ !
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ، والاَصنام في بيوتكم ، فإني آليت أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم حتى يتفرقوا .
يا عيسى ، كم أطيل النظر ، وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون ، تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم ، يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين يا عيسى ، لتكن في السر والعلانية واحداً ، وكذلك فليكن قلبك وبصرك ، واطو قلبك ولسانك عن المحارم ، وكف بصرك عما لا خير فيه ، فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة ، ووردت به موارد حياض الهلكة .
يا عيسى ، كن رحيماً مترحماً ، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك ، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الاَهلين ، ولا تَلْهُ فإن اللهو يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد ، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك .
يا عيسى ، تب إليَّ بعد الذنب ، وذكر بي الاَوابين ، وآمن بي وتقرب بي إلى المؤمنين ، ومرهم يدعوني معك ، وإياك ودعوة المظلوم ، فإني آليت على نفسي أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول ، وأن أجيبه ولو بعد حين .
يا عيسى ، إعلم أن صاحب السوء يُعدي ، وقرين السوء يردي ، واعلم من تقارن واختر لنفسك إخواناً من المؤمنين .
يا عيسى ، تب إلي ، فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره ، وأنا أرحم الراحمين . إعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك ، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون ، فيه أجزي بالحسنة أضعافها ، وإن السيئة توبق صاحبها ، فامهد لنفسك في مهلة ، ونافس في العمل الصالح ، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار .

( 83 )
يا عيسى ، إزهد في الفاني المنقطع ، وطأ رسوم منازل من كان قبلك ، فادعهم وناجهم ، هل تحس منهم من أحد ، وخذ موعظتك منهم ، واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين .
يا عيسى ، قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالاِدهان : ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه ، سيصطلم مع الهالكين .
طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلَهك الذي يتحنن عليك ترحماً ، وبدأ النعم منه تكرماً ، وكان لك في الشدائد . لا تعصه يا عيسى فإنه لا يحلك عصيانه . قد عهدت إليك ما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين .
يا عيسى ، ما أكرمت خليقة بمثل ديني ، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي .
يا عيسى ، إغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن ، فإنك إليَّ راجع .
يا عيسى ، أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضاً من غير تكدير ، وطلبت منك قرضاً لنفسك فبخلت به عليها ، لتكون من الهالكين .
يا عيسى ، تزين بالدين وحب المساكين ، وامش على الاَرض هوناً ، وصل على البقاع ، فكلها طاهر .
يا عيسى ، شمر فكل ما هو آت قريب ، واقرأ كتابي وأنت طاهر ، وأسمعني منك صوتاً حزيناً .
يا عيسى ، لا خير في لذاذة لا تدوم ، وعيش من صاحبه يزول .
يا ابن مريم ، لو رأت عينك ما أعددت لاَوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه ، فليس كدار الآخرة دار ، تجاور فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالهما آمنون ، دارٌ لا يتغير فيها النعيم ، ولا يزول عن أهلها .

( 84 )
يا ابن مريم ، نافس فيها مع المتنافسين ، فإنها أمنية المتمنين ، حسنة المنظر ، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين ، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم ، لا تبغي لها بدلاً ولا تحويلاً ، كذلك أفعل بالمتقين .
يا عيسى ، أهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ، لا يدخلها روح ، ولا يخرج منها غم أبداً ، قطع كقطع الليل المظلم ، من ينج منها يفز، ولن ينجو منها من كان من الهالكين ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين ، وكل فظ غليظ ، وكل مختار فخور .
يا عيسى ، بئست الدار لمن ركن إليها ، وبئس القرار دار الظالمين ، إني أحذرك نفسك فكن بي خبيراً .
يا عيسى ، كن حيث ما كنت مراقباً لي ، واشهد على أني خلقتك وأنت عبدي .
يا عيسى ، لا يصلح لسانان في فم واحد ، ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الاَذهان .
يا عيسى ، لا تستيقظن عاصياً ، ولا تستنبهن لاهياً ، وافطم نفسك عن الشهوات الموبقات ، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها ، واعلم أنك مني بمكان الرسول الاَمين ، فكن مني على حذو العم . إن دنياك مؤديتك إليَّ وإني آخذك بعلمي ، فكن ذليل النفس عند ذكري ، خاشع القلب حين تذكرني ، يقظاناً عند نوم الغافلين .
يا عيسى ، هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك ، فخذها مني ، وإني رب العالمين .
يا عيسى ، إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علىي ، وكنت عنده حين يدعوني ، وكفى بي منتقماً ممن عصاني ، أين يهرب مني الظالمون ؟
يا عيسى ، أطب الكلام ، وكن حيثما كنت عالماً متعلماً .
يا عيسى ، أفض بالحسنات إليَّ ، حتى يكون لك ذكرها عندي ، وتمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب .
يا عيسى ، لا تأمن إذا مكرت مكري ، ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري .

( 85 )
يا عيسى ، حاسب نفسك بالرجوع إلي ، حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون ، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين .
يا عيسى ، كنت خلقاً بكلامي ، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل، الاَمين من ملائكتي ، حتى قمت على الاَرض حياً تمشي كل ذلك في سابق علمي .
يا عيسى ، زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك ، إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقاً ، ونظيرك يحيى من خلقي ، وهبته لاَمه بعد الكبر من غير قوة بها ، أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني وتظهر قدرتي . أحبكم إلي أطوعكم لي ، وأشدكم خوفاً مني .
يا عيسى ، تيقظ ولا تيأس من روحي ، وسبحني مع من يسبحني ، وبطيب الكلام فقدّسني .
يا عيسى ، كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي ، وتقلبهم في أرضي ، يجهلون نعمتي ويتولون عدوي ، وكذلك يهلك الكافرون .
يا عيسى ، إن الدنيا سجن منتن الريح ، وحسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون ، وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول ، وما نعيمها إلا قليل .
يا عيسى ، إبغني عند وسادك تجدني ، وادعني وأنت لي محب ، فإني أسمع السامعين ، أستجيب للداعين إذا دعوني .
يا عيسى ، خفني وخوف بي عبادي ، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به ، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون .
يا عيسى ، إرهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه ، فكل هذا أنا خلقته ، فإياي فارهبون .
يا عيسى ، إن الملك لي وبيدي ، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين .
يا عيسى ، إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك ، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين .

( 86 )
يا عيسى ، أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، واذكرني في ملاَك أذكرك في ملاَ خير من ملأالآدميين .
يا عيسى ، أدعني دعاء الغريق الحزين ، الذي ليس له مغيث .
يا عيسى ، لا تحلف بي كاذباً فيهتز عرشي غضباً . الدنيا قصيرة العمر طويلة الاَمل وعندي دار خير مما تجمعون .
يا عيسى ، كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين .
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترون أم علي تجترئون ؟ ! تطيبون بالطيب لاَهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزله الجيف المنتنة ، كأنكم أقوام ميتون !
يا عيسى ، قل لهم : قلموا أظفاركم من كسب الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا ، وأقبلوا علي بقلوبكم ، فإني لست أريد صوركم .
يا عيسى ، إفرح بالحسنة فإنها لي رضى ، وابك على السيئة فإنها شين ، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك الاَيمن فأعطه الاَيسر ، وتقرب إليَّ بالمودة جهدك ، وأعرض عن الجاهلين .
يا عيسى ، ذُلَّ لاَهل الحسنة وشاركهم فيها ، وكن عليهم شهيداً . وقل لظلمة بني إسرائيل : يا أخدان السوء والجلساء عليه ، إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير .
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل : الحكمة تبكي فرقاً مني ، وأنتم بالضحك تهجرون ، أتتكم براءتي ، أم لديكم أمان من عذابي ، أم تعرضون لعقوبتي ؟ ! فبي حلفت لأتركنكم مثلاً للغابرين .
ثم أوصيك يابن مريم البكر البتول ، بسيد المرسلين وحبيبي ، فهو أحمد صاحب الجمل الاَحمر ، والوجه الاَقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ، الحيي المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين عليَّ
( 87 )
وأقرب المرسلين مني ، العربي الاَمين ، الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد المشركين بيده عن ديني ، أن تخبر به بني إسرائيل ، وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه ، وأن ينصروه .
قال عيسى : إلَهي من هو حتى أرضيه ، فلك الرضا ؟ قال : هو محمد رسول الله إلى الناس كافة ، أقربهم مني منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي ، وطوبى لاَمته إن هم لقوني على سبيله ، يحمده أهل الاَرض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون ، طيب مطيب ، خير الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان ، إذا خرج أرخت السماء عزاليها ، وأخرجت الاَرض زهرتها ، حتى يروا البركة ، وأبارك لهم فيما وضع يده عليه ، كثير الاَزواج ، قليل الاَولاد ، يسكن بكة ، موضع أساس إبراهيم .
يا عيسى ، دينه الحنيفية ، وقبلته يمانية ، وهو من حزبي وأنا معه ، فطوبى له ثم طوبى له ، له الكوثر والمقام الاَكبر في جنات عدن ، يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيداً ، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس ، من رحيق مختوم ، فيه آنية مثل نجوم السماء ، وأكواب مثل مدر الاَرض ، عذب فيه من كل شراب ، وطعم كل ثمار في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه . على فترة بينك وبينه ، يوافق سره علانيته ، وقوله فعله ، لايأمر الناس إلا بما يبدأهم به ، دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم . على دين إبراهيم ، يسمي عند الطعام ، ويفشي السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم خمس صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ، ويخشع لي قلبه ورأسه ، النور في صدره والحق على لسانه ، وهو على الحق حيثما كان أصله. يتيمٌ ضال برهة من زمانه عما يراد به ، تنام عيناه ولاينام قلبه ، له الشفاعة ، وعلى أمته تقوم الساعة ، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى
( 88 )
بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة ، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه ، ولا يحرفوا سنته ، وأن يقرؤوه السلام ، فإن له في المقام شأناً من الشأن . انتهى .
وقد يكون حدث في هذا النص تغيير ما من الرواة ، ولكن فيه أفكاراً وأموراً مهمة يحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد في مصادرنا عن عيسى عليه السلام بالنصوص التي تشابهها من الاِنجيل والتوراة ، لمعرفة التفاوت والتغيير فيها .

* *


تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا
ـ مسند أحمد ج 2 ص 441
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال : هو المقام الذي أشفع لاَمتي فيه .
ـ الدر المنثور ج 4 ص 197
أخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، وسئل عنه قال : هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الاِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المقام المحمود الشفاعة .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال مقام الشفاعة .

( 89 )
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقام المحمود فقال : هو الشفاعة .

ـ الدر المنثور ج 4 ص 198
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان رضي الله عنه قال : يقال له : سل تعطه ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فيرفع رأسه فيقول : أمتي مرتين أو ثلاثاً فقال سلمان رضي الله عنه : يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان ، أو مثقال شعيرة من إيمان ، أو مثقال حبة خردل من إيمان . قال سلمان رضي الله عنه : فذلكم المقام المحمود .

ـ الدر المنثور ج 5 ص 98
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة ؟ فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال : إني كنت في صلبه ، وهبط إلى الاَرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي نوح ، وقذفت في النار في صلب أبي ابراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الاَصلاب الطيبة إلى الاَرحام الطاهرة ، مصفى مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالاِسلام هداني وبين في التوراة والاِنجيل ذكري ، وبين كل شيَ من صفتي في شرق الاَرض وغربها ، وعلمني كتابه ، ورقي بي في سمائه ، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجني في خير قرون أمتي ، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر . انتهى .

ـ ورواه في كنز العمال ج 12 ص 427 وأضاف فيه : قال ابن عباس : فقال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم :

مـن قبـلـهـا طـبـت فـي الـظـلال وفـي * مـسـتـودعٍ حـيث يـخصـف الـورقُ
‎ثــــم سـكنت البـــــلاد لا بشــــــرٌ * أنـــــت ولا نـــطـفـة ولا علــق

( 90 )

مطهر تركب السفين وقد * ألجم أهل الضلالة الغرق
تنقل مـن صلبٍ إلى رحم * إذا مضـى عـالم بدا طبـق

ـ تفسير الطبري ج 15 ص 96
وقوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، عن ابن عباس قال : المقام المحمود مقام الشفاعه . .
ـ ومثله في طبقات المحدثين بأ صبهان ج 1 ص 201 عن جابر وأبي سعيد مرفوعاً وفي مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج 1 جزء 2 ص 165 عن ابن عباس .
ـ الشفا للقاضي عياض ص 216
فصل في تفضيله صلى الله عليه وسلم بالشفاعة والمقام المحمود ، قال الله تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً . . . عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر يقول : إن الناس يصيرون يوم القيامة جثى ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا يا فلان إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .

ـ تفسير الرازي ج 11 جزء 21 ص 31
قال الواحدي : أجمع المفسرون على أنه ( المقام المحمود ) مقام الشفاعه . . . إن احتياج الاِنسان إلى دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزائده التي لا حاجة به إلى تحصيلها . وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، هو الشفاعة في إسقاط العقاب . انتهى . وراجع التفسير الوسيط للنيسابوري ج 3 ص 122
ـ وقال في ج 16 جزء 32 ص 127 قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر ، الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة . . . شفاعتي لاَهل الكبائر من أمتي .