تفسيرهم الذي فيه تجسيم

ـ صحيح البخاري ج 8 ص 183
فأستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت ساجداً ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول : إرفع يا محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط . قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وسمعته أيضاً يقول : فأ خرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فاستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقول : إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال ثم أشفع ، فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلى ربي في داره ! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ماشاء الله أن يدعني ، ثم يقول إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة . قال قتادة : وقد سمعته يقول : فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود .قال : ثم تلا الآية : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم .
ونحوه في صحيح مسلم ج 1 ص 123 ومسند أحمد ج 3 ص 244 وشبيهه في مسند أحمد ج 1 ص 398 وسنن الترمذي ج 4 ص 370 ومستدرك الحاكم ج 4 ص 496 والدر المنثور ج 3 ص87 عن الطبري .

ـ وفي الدر المنثور ج 6 ص 257 في قصة الدجال
عن ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال . . . إلى آخر
( 92 )
الرواية . وستأتي بتمامها في بحث الخلود في الجنة والنار وفي بعض نصوصها تجسيم صريح وفي بعضها رائحة التجسيم .
وكذلك ما رواه البخاري في تسعة مواضع من صحيحه ج 2 جزء 4 ص 105 وج 3 جزء 5 ص 146 وص 225 وص 228 وج 7 ص 203 وج 8 ص 172 وص 183 وص 200 وص 203 من حديث الشدة التي تكون على الناس في المحشر حتى يلجؤون ( كذا ) الى آدم وغيره من الاَنبياء فيحولونهم على نبينا صلى الله عليه وآله فيشفع إلى الله تعالى فيشفعه . وروى ذلك في كنز العمال ج 2 ص 26 وغيره .

ـ سنن الدارمي ج 2 ص 325
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قيل له : ما المقام المحمود ؟ قال : ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به ، وهو كسعة ما بين السماء والاَرض ، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً ، فيكون أول من يكسى إبراهيم ، يقول الله تعالى إكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ، ثم أكسى على أثره ، ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الاَولون والآخرون . انتهى .
ـ ورواه أحمد في مسنده عن عمر ج 4 ص 137 ورواه الحاكم في ج 2 ص 364 والبغوي في مصابيحه ج 3 ص 552 والهندي في كنز العمال ج 14 ص 412 والسيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 84 وروى نحوه في الدر المنثور ج 1 ص 34 وص 328 وص 324 قال : وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل : يا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال . . .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول : الكرسي هو العرش . . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . وسع كرسيه السموات والاَرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد !!. انتهى . ورواه في كنز العمال ج 14 ص 636

( 93 )

ـ وفي فردوس الاَخبار ج 3 ص 85
عن ابن عمر : عسى الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، يجلسني معه على السرير .
ـ وفي ج 4 ص 298 عن أنس بن مالك : من كرامتي على ربي عز وجل قعودي على العرش .

ـ مجمع الزوائد ج 7 ص 51 :
وعن ابن عباس أنه قال في قول الله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، يجلسه بينه وبين جبريل ويشفع لاَمته ، فذلك المقام المحمود. ورواه السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 198

ـ وروى البيهقي في دلائل النبوة ج 5 ص 481
يأتي رسول الله ( ص ) يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه .

ـ وقال الشوكاني في فتح القدير ج 3 ص 316
إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً معه على كرسيه حكاه ابن جرير . . . وقد ورد في ذلك حديث .
ـ وفي تاريخ بغداد ج 3 ص 22 عن ليث بن مجاهد في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً قال : يقعده معه على العرش . .

ـ وفي تاريخ بغداد ج 8 ص 52
عن عبدالله بن خليفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد !
قال أبوبكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبوبكر بن سلم العابد حين قدمنا إلى بغداد : أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة ، فكتبه
( 94 )
أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً ، وقال أبوبكر بن سلم : إن الموضع الذي يفضل لمحمد صلى الله عليه وسلم ليجلسه عليه ! قال أبوبكر الصيدلاني : من رد هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروزي ، وعلى أبي بكر بن سلم العابد !!

القعود على العرش فكرة يهودية مسيحية

ـ قال جولد تسيهر في مذاهب التفسير الاِسلامي ص 122
سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع على مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من سورة الاِسراء : ومن الليل فتهجد به نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا ، ما المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة . . . الى أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله يقعد النبي معه على العرش . . . ربما كان هذا متأثراً بما جاء في انجيل مرقص 16 ـ 19 ، وآخرون ذهبوا إلى أن المقام المحمود . . . هو مرتبة الشفاعة التي يرفع إليها النبي . انتهى .
وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الاِسلامية أن أفكار التجسيم والصفات المادية لله تعالى وعرشه قد أخذها بعض المسلمين من اليهود وأدخلوها في الثقافة الاِسلامية ، وأضاف اليها هؤلاء المقلدة إجلاس نبيهم إلى جنب الله تعالى ! بينما روى اليهود إجلاس موسى وداود الى جنبه ! وروى المسيحيون جلوس عيسى على السرير الى جنب أبيه !! وقد تقدم ذلك في الشفاعة عند اليهود والنصارى .
ونلاحظ أن ابن سلام اليهودي الذي أسلم يقول عن نبينا صلى الله عليه وآله إنه لا يجلس إلى جنب الله تعالى بل ( يلقى ) له كرسيٌّ في جنب المجلس مثلاً فيجلس عليه ! قال البيهقي في دلائل النبوة ج 5 ص 486 : عن عبد الله بن سلام : وينجو النبي ( ص ) والصالحون معه ، وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم . . حتى ينتهي الى الله عز وجل فيلقى له كرسي . انتهى .
وسوف تعرف في بحث الشفيع الاَول أن مصادر السنيين تأثرت بالاِسرائيليات
( 95 )
وصححت رواياتها وجعلت شفاعة أنبياء بني إسرائيل قبل نبينا صلى الله عليه وآله وجعلته الشفيع الرابع قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 198 : وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يأذن الله تعالى في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ثم يقوم عيسى وموسى عليهما السلام ثم يقوم نبيكم صلى الله عليه وسلم رابعاً ليشفع . . . ورواه الحاكم في المستدرك ج 4 ص 496 بسند صحيح على شرط الشيخين !!
أما الفتنة التي ذكرها تسيهر فقد ذكرها ابن الاَثير في تاريخه ج 5 ص 121 فقال : ( في سنة 317 هـ ) وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين غيرهم من العامة ، ودخل كثير من الجند فيها ، وسبب ذلك أصحاب المروزي قالوا في تفسير قوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، هو أن الله سبحانه يقعد النبي ( ص ) معه على العرش ! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة فقتل بينهم قتلى كثيرة . انتهى .وذكرها الذهبي في تاريخ الاِسلام ج 23 ص 384 وأنها بسبب تفسير آية المقام المحمود ، حيث قالت الحنابلة إنها تعني أن الله يقعده على عرشه كما قال مجاهد . وقال غيرهم : بل هي الشفاعة العظمى .

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود على العرش

ـ قال السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية ج 1 ص 570
قال الاِمام الطحاوي رحمه الله : والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الاَخبار ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ، ونخاف عليهم ولا نقنّطهم .
الشرح : لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن تلك الآيات قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى . الضحى ـ 3 وقال تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا. الاِسراء ـ 79 وتفسير المقام المحمود بالشفاعة
( 96 )
ثابت في الصحيحين وغيرهما ( 338 ) .
وقال الله تعالى : يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً . طه ـ 109 . وقال تعالى : ما من شفيع إلا من بعد إذنه . يونس ـ 3
وفي شفاعة الملائكة قوله تعالى : بل عباد مكرمون . لا يسبقونه بالقول . وهم بأمره يعملون . يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون . الاَنبياء ـ 78
وقال في هامشه : ( 338 ) أنظر البخاري 3 ـ 338 و 8 ـ 399 و 13 ـ422 ومسلم 1 ـ 179 . ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين ، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد على العرش بجنب الله ! تعالى الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً ، وهم يعتمدون على ذلك على ما يروى عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع ، وتكفل الخلال في كتابه السنة 1 ـ 209 بنصرة التفسير المخطىَ المستبشع ، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء !

ـ وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية ص 170
وهذا الخلال يقول في سنته ص 232 ناقلاً : لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي ( 99 ) من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال يقعده على العرش ( 100 ) فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه .
وقال السقاف في هامشه : ( 99 ) مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذي ؛ . ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الاِمام المعروف صاحب السنن فقال ص 224 في الهامش تعليق رقم 4هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك ص 232 فقال في الهامش التعليق رقم 8 ( كنت أظنه جهم ، ولكن اتضح من الروايات أنه يقصد
( 97 )
رجلاً آخر لم أتوصل إلى معرفته ) فيا للعجب !!
( 100 ) وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد صلى الله عليه وآله بجنب الله تعالى على العرش ! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ! والدليل عليه قول الخلال هناك ص244: حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد قال : عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا ، قال : يجلسه معه على العرش قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره ، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية .
أقول : ومن العجيب الغريب أن الاَلباني ينكر هذا ، ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي ، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً ويحكم على هذا الاَثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم 19: إسناده ضعيف ! فهل هؤلاء جهمية ! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم !
ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد صلى الله عليه وآله بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي صلى الله عليه وآله والدليل على ما قلناه قول الخلال هناك ص 237 : ( وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ( وهو مجهول بنظر المحقق ) : إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي ، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن رد فضيلة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو عندنا كافر مرتد عن الاِسلام !!) وقال ص 234 ناقلاً ( وأنا أشهد على هذا الترمذي أنه جهمي خبيث ) ! انتهى .

* *

تفسير قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى )
قال الله تعالى : والضحى والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير
( 98 )
لك من الأولى. ولسوف يعطيك ربك فترضى . الضحى 1 ـ 5
والعطاء في الآية مطلق شامل لاَنواع ما يعطيه الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله ومن الطبيعي أن يكون عطاء عظيماً متناسباً مع كرم الله تعالى على حبيبه أشرف الخلق وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله . . ولم تنص الآية على أنه الشفاعة ولكن بعض الاَحاديث نصت على ذلك ، وبعضها نص على أنها الشفاعة في أهل بيته وبني هاشم وعبد المطلب ، وبعضها نص على أنه العطاء في الجنة ، وبعضها أطلق . . وبعضها قال إنها الشفاعة في أهل بيته وأمته . . وجعلها بعضهم الشفاعة في جميع أمته صلى الله عليه وآله بحيث لا يدخل أحد منها النار أبداً ! ولكن ذلك لا يصح لاَنه مخالف لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله من دخول بعض أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الاِلَهي ، كما ستعرف .

تفسير الآية بالعطاء الاِلَهي الاَعم من الشفاعة
ـ تفسير القمي ج 2 ص 427
حدثنا جعفر بن أحمد قال : حدثنا عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : وللآخرة خير لك من الأولى ، قال : يعني الكرة هي الآخرة للنبي صلى الله عليه وآله . قلت قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : يعطيك من الجنة فترضى . ورواه في مختصر بصائر الدرجات ص 47 وفي بحار الاَنوار ج 53 ص 59 وفي تفسير نور الثقلين ج 5 ص 594

ـ تفسير التبيان ج 10 ص 369
قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب وفنون النعم ما يرضي النبي صلى الله عليه وآله به ويؤثره .

ـ تأويل الآيات ج 2 ص 810
قوله تعالى : وللآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى . تأويله ما رواه محمد بن العباس رحمه الله عن أبي داود ، عن بكار ، عن عبد الرحمان ، عن
( 99 )
إسماعيل بن عبدالله ، عن علي بن عبد الله بن العباس قال : عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله ما هو مفتوح على أمته من بعده كفراً كفراً فسرَّ بذلك فأنزل الله عز وجل : وللآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : فأعطاه الله عزوجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك ، وفي كل قصر ما ينبغي له من الاَزواج والخدم . وقوله : كفراً كفراً أي قرية ، والقرية تسمى كفراً .انتهى .

ـ ورواه في الدر المنثور ج 6 ص 361
عن ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال . . .الخ .
وقال : أخرج الطبراني في الاَوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عرض عليَّ ما هو مفتوح لاَمتي بعدي فسرني ، فأنزل الله : وللآخرة خير لك من الأولى .

ـ بحار الاَنوار ج 16 ص 136
ولسوف يعطيك ربك فترضى ، أي من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من الكرامة ، أو في الدنيا أيضاً من إعلاء الدين وقمع الكافرين .

ـ سيرة ابن هشام ج 1 ص 159
قال ابن إسحاق : ثم فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترةً من ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به : ما ودَّعه وماقلاه ، فقال تعالى : والضحى والليل إذا سجى ، ما ودعك ربك وما قلى ، يقول : ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك . وللآخرة خير لك من الأولى ، أي لَمَا عندي من مرجعك إليَّ خيرٌ لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا . ولسوف يعطيك ربك فترضى ، من الفلج في الدنيا والثواب في الآخرة .

( 100 )

تفسيرها بالشفاعة لاَمته أو بالشفاعة مطلقاً

ـ تفسير فرات الكوفي ص 570
فرات قال : حدثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعناً : عن حرب بن شريح البصري قال : قلت لمحمد بن علي عليهما السلام : أي آية في كتاب الله أرجى ؟ قال : مايقول فيها قومك قال قلت يقولون : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، قال : لكنا أهل البيت لا نقول ذلك . قال قلت : فأيش تقولون فيها ؟ قال نقول : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، الشفاعة والله ، الشفاعة والله الشفاعة . ورواه في بحار الاَنوار ج 8 ص 57

ـ وقال في هامش تفسير فرات :
ـ وأخرج الحسكاني في شواهد التنزيل عن الحسين بن محمد الثقفي عن الحسين بن محمد بن حبيش المقري ، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلي ، عن محمد بن أحمد المرادي ، عن حرب بن شريح البزاز ، عن محمد بن علي الباقر ، عن ابن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أشفع لاَمتي حتى ينادي ربي : رضيت يا محمد ؟ فأقول : رب رضيت . ثم قال الباقر : إنكم معشر أهل العراق تقولون إن أرجى آية في القرآن : يا عبادي الذين أسرفوا . . قلت : إنا لنقول ذلك . قال : ولكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وهي الشفاعة .

ـ وفي الدر المنثور ج 6 ص 361
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح رضي الله عنه قال قلت : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين : أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال : إي والله ، حدثني عمي محمد بن الحنفية ، عن علي أن رسول . . ( بما يشبه رواية الحسكاني ) . انتهى .

( 101 )

ـ وقال في الدر المنثور
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه أنه سئل عن قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ؟ قال : هي الشفاعة . انتهى . وروى الاَول منهما في كنز العمال ج 14 ص 636 عن مسند علي ، ورواه الواحدي النيسابوري في تفسيره ج 4 ص 510 والكاندهلوي في حياة الصحابة ج 3 ص 46 والشوكاني في فتح القدير ج 5 ص 568

ـ مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 190 ، قال حسان :

لئن كلم الله موسى على * شريف من الطور يوم الندا
فإن النبي أبا قاسم *حبي بالرسالة فوق السمـا
وقد صار بالقرب من ربه * على قاب قوسين لما دنا
وإن فجَّر الماء موسى لهم * عيوناً من الصخر ضرب العصا
فمن كفِّ أحمد قد فجرت * عيونٌ من الماء يوم الظما
وإن كان هارون من بعده * حبي بالوزارة يوم الملا
فإن الوزارة قد نالها * علي بلا شك يوم الفدا

وقال كعب بن مالك الاَنصاري :

فإن يك موسى كلم الله جهرةً * على جبل الطور المنيف المعظم
فقد كلم الله النبي محمداً * على الموضع الاَعلى الرفيع المسوم

داود عليه السلام كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل ، ولمحمد القرآن : ما فرطنا في الكتاب من شيَ ، وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت والقرآن بقي إلى آخر الدهر . وكان له النغمة ، ولمحمد الحلاوة : وإذا سمعوا ماأنزل إلى الرسول . . . . . قال حسان :

وإن كان داود قد أوبت * جبال لديه وطير الهوا
ففي كف أحمد قد سبحت * بتقديس ربي صغار الحصى


( 102 )
. . . وسليمان كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين . وسأل سليمان ملك دنيا : رب هب لي ملكاً. . . وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد فردها ، فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود : ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وقال لسليمان : أمنن أو امسك بغير حساب ، وقال لنبينا : ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. قال حسان بن ثابت :

وإن كانت الجن قد ساسها * سليمان والريح تجري رخا
فشهر غدوٌّ به رابياً * وشهر رواحٌ به إن يشا
فإن النبي سرى ليلةً * من المسجدين إلى المرتقى

وقال كعب بن مالك :

وإن تك نمل البر بالوهم كلمت * سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمي
فهذا نبي الله أحمدُ سبحت * صغار الحصى في كفه بالترنم

ورواه في بحار الاَنوار ج 16 ص 415

ـ مناقب آل ابي طالب ج 3 ص 103
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يهتم لعشرة أشياء فآمنه الله منها وبشره بها :
لفراقه وطنه فأنزل الله : إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد .
ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب ، فنزل : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
ولأمته من العذاب ، فنزل : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم .
ولظهور الدين ، فنزل : ليظهره على الدين كله .
وللمؤمنين بعده ، فنزل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .
ولخصمائهم ، فنزل : يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا .

( 103 )
وللشفاعة ، فنزل : ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وللفتنة بعده على وصيه ، فنزل : فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون يعني بعلي .
ولثبات الخلافة في أولاده ، فنزل : لنستخلفنهم في الاَرض .
ولابنته حال الهجرة ، فنزل : الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً . . .الآيات . انتهى .

ـ وقال الفخر الرازي في تفسيره ج 16 جزء 31 ص 213
قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فالمروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة . . . واعلم أن الحمل على الشفاعة متعين ويدل عليه وجوه ( أحدها ) أنه تعالى أمره ( ص ) فى الدنيا بالاِستغفار . . . عن جعفر الصادق أنه قال : رضا جدي أن لا يدخل النار موحد ، وعن الباقر : أهل العراق يقولون: أرجى آية قوله ( يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) . . .الخ.

تفسيرها بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله لاَهل بيته خاصة

ـ تفسير فرات الكوفي ص 570
قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال : حدثنا عباد ، عن نصر ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي، عن أبي صالح ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : يدخل الله ذريته الجنة .

ـ تأويل الآيات ج 2 ص 810
وروى أيضاً عن محمد بن أحمد بن الحكم ، عن محمد بن يونس ، عن حماد بن عيسى ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه صلى الله عليهما ، عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة عليها السلام وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلَّة الاِبل فلما نظر إليها بكى وقال لها : يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً ، فأنزل الله عليه : وللآخرة خير لك من الاَولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وروى أيضاً عن أحمد بن محمد النوفلي ، عن أحمد بن محمد الكاتب ، عن
( 104 )
عيسى بن مهران بإسناده إلى زيد بن علي عليه السلام في قول الله عز وجل : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : إن رضى رسول الله صلى الله عليه وآله إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة ، وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لاَعدائهم . فعلى أعدائهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

ـ مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 120
تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد عليه السلام وتفسير القشيري عن جابر الاَنصاري أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وعليها كساء من جلة الاِبل . . .الخ.
ورواه في تفسير نور الثقلين ج5 ص 594 عن المناقب لابن شهر آشوب عن تفسير الثعلبي ، وفي بحار الاَنوار ج 39 ص85 عن تفسير الثعلبي وعن تفسير القشيري عن جابر الاَنصاري .
ـ ورواه في الدر المنثور ج 6 ص 361 قال : : وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى . . . الخ .

ـ مناقب أمير المؤمنين ج 1 ص 153
محمد بن سليمان قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : وحدثني محمد بن الصباح الدولابي قال : حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله تعالى : ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ، قال : المودة في آل الرسول . وفي قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : يدخل أهل بيته الجنة .
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي ، حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله عز وجل : ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ، قال : المودة في آل الرسول صلى الله عليه وآله . وفي قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، فقال : رضى محمد صلى الله عليه وآله أن
( 105 )
يدخل أهل بيته الجنة . انتهى .
وقال في هامشه : أقول : وقريباً منه رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية 23 من سورة الشورى والآية5 من سورة الضحى في كتاب شواهد التنزيل ج 2 ص 147 و 344.

ـ مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 15
تفسير وكيع ، قال ابن عباس في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، يعني ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة ترضى بذلك عن ربك . انتهى . ورواه في بحار الاَنوار ج 8 ص 43

ـ بحار الاَنوار ج 24 ص 48
وروى عن ابن المغازلي أيضاً بإسناده عن السدي مثله ، وزاد في آخره : وقال في قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : رضى محمد صلى الله عليه وآله أن يدخل أهل بيته الجنة .

ـ الدر المنثور ج 6 ص 361
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك فترضى .

تفسيرها بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله لجميع أمته !

ـ شعب الإيمان للبيهقي ج 2 ص 164
عن ابن عباس من قوله عز وجل : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة .

( 106 )

ـ الدر المنثور ج 6 ص 361
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم .
وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال : لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار .
وأخرج مسلم عن ابن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في إبراهيم : فمن تبعني فإنه مني ، وقول عيسى : إن تعذبهم فإنهم عبادك . .الآية ، فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله : يا جبريل إذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسوؤك .

ـ تفسير نور الثقلين ج 5 ص 594
في مجمع البيان عن الصادق عليه السلام قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة عليها السلام وعليها كساء من جلة الاِبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله لما أبصرها فقال : يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي: ولسوف يعطيك ربك فترضى .
وقال الصادق عليه السلام : رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد .
وروى حريث بن شريح ، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال : يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . . الآية ، وإنا أهل البيت نقول : أرجى آية في كتاب الله : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وهي والله الشفاعة ليعطاها في أهل لا إلَه إلا الله حتى يقول : رب رضيت .

ـ مجمع البحرين ج 1 ص 115
وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله : كساه الله من حلل الأمان . قال بعض الشارحين : المراد
( 107 )
أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى قال له : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وهو صلى الله عليه وآله لا يرضى بدخول أحد من أمته إلى النار ، كما ورد في الحديث .

ـ مجمع البحرين ج 2 ص 186
قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، قال المفسرون : اللام في ( ولسوف ) لام الاِبتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف ، والتقدير : ولاَنت سوف يعطيك ، وليست بلام قسم لاَنها لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد . وفي الرواية : إن أرجى آية في كتاب الله هذه الآية ، لاَنه لا يرضى بدخول أحد من أمته النار .

ـ بحار الاَنوار ج 79 ص 91
( المكسو حلل الأمان ) قال الشيخ البهائي رحمه الله : المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى له : ولسوف يعطيك ربك فترضى ، وهو صلى الله عليه وآله لا يرضى بدخول أحد من أمته في النار ، كما ورد في الحديث ، وحلل الامان استعارة .

* *


ملاحظتان

الاَولى : قد يشكل على بعض هذه الاَحاديث بأن سورة الضحى مكية فكيف نزلت فيالمدينة بعد ما قاله النبي للزهراء صلى الله عليه وعليها ؟ أو بعد أن سب بعض القرشيين بني هاشم وقال ( إنما مثل محمد فيهم كمثل شجرة في كبا ) كما ذكرت بعض الروايات ؟ .
والجواب : أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآيات مرتين أو مرات ، كما قرر ذلك علماء التفسير في أسباب النزول ، فيكون النزول الثاني مؤكداً ، أو مبيناً لمصاديق الآية ، أو تأويلاً لها . . ومن الواضح أن هذه الآية من النوع الذي يصح نزوله في أكثر من مناسبة لتطمين النبي صلى الله عليه وآله وتذكيره بنعم الله تعالى الآتية ، ليتحمل أحقاد
( 108 )
المشركين ومؤامراتهم ، ومتاعب الأمة وأذاياها ، ومصاعب الدنيا ومراراتها .
ويؤيد نزولها مرة ثانية ما رواه السيوطي في الدر المنثور ج 6 ص 361 : وأخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما نزلت وللآخرة خير لك من الأولى ، قال العباس بن عبد المطلب : لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو خير له . انتهى .
ويؤيده أيضاً ما رواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 22 ص 533 : عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما حضرت النبي الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي عليه السلام فقال : حاجتك؟ قال : أردت الدخول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال علي عليه السلام : لست تصل إليه فما حاجتك ؟ فقال الرجل : إنه لابد من الدخول عليه ، فدخل علي فاستأذن النبي عليهما السلام فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال : يا نبي الله إني رسول الله إليك ، قال : وأي رسل الله أنت قال : أنا ملك الموت ، أرسلني إليك يخيَّرك بين لقائه والرجوع إلى الدنيا ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره ، ونزل جبرئيل عليه السلام فقال : يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولى ، ولسوف يعطيك ربك فترضى ، لقاء الله خير لك ، فقال صلى الله عليه وآله : لقاء ربي خير لي ، فامض لما أمرت به ، فقال جبرئيل لملك الموت : لا تعجل حتى أعرج إلى ربي وأهبط . . . الخ . انتهى .
على أنا نلاحظ في بعض رواياتها أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام ( يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي : ولسوف يعطيك ربك فترضى ) وهو يدل على أن النبي ذكَّر فاطمة بنزول الآية ، لا أنها نزلت في ذلك الوقت .
الثانية : نلاحظ في تفسير هذه الآية ملامح الاِتجاه إلى توسيع الشفاعة لكل المسلمين ، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسيئهم ! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمين والجبارين والطغاة ومحرفي الدين والمفسدين في أمور البلاد والعباد ! ولا اشترطت شروطاً لنيل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً : من مات على الشهادتين وكان من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، ولم يكن في رقبته ظلم للعباد . . ولو أنها اشتملت على ذلك لكان لعمومها وجه يمكن الدفاع عنه . .ولكنها
( 109 )
وأمثالها من الروايات تريد أن تقول إن المسلمين كلهم يدخلون الجنة مهما ارتكبوا من معاص ومظالم ، ومهما انحرفوا عن في سلوكهم الخاص والعام عن الاِسلام وخالفوا الله تعالى ورسوله ! بل مهما حرَّفوا الاِسلام وأعملوا معاولهم في هدم أصوله وتغيير فروعه . . ! فما داموا مسلمين بالاِسم منتمين إلى أمة النبي فإن النبي صلى الله عليه وآله لا يرضى يوم القيامة حتى يدخلهم الجنة إلى آخر نفر !!
وهذه نفس مقولة اليهود ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) ولا يمكن التوفيق بينها وبين آيات القرآن والاَحاديث التي اتفق الجميع على صدورها عن النبي صلى الله عليه وآله . . مثل إخباره بأن بعض أصحابه يمنعون من ورود الحوض ، ويؤمر بهم إلى النار . . كما سيأتي في محاولات توسيع الشفاعة ، إن شاء الله تعالى ، وستعرفت أن عدداً من الآيات والاَحاديث الثابتة عند الجميع تنص على أن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله لا يمكن أن تشمل أنواعاً من المجرمين والظالمين ، حتى لو كانوا من أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحابته، وحتى لو كان عندهم بعض الاَعمال الحسنة ، لاَن إجراء قوانين الجزاء والعقاب من مقتضيات العدل الاِلَهي .
ولذلك فإن مقولة ( أن النبي لا يرضى مادام أحد من أمته محكوماً عليه بدخول النار ) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلى النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ، لاَن الآيات والاَحاديث القطعية تعارضها ، ويعارضها حكم العقل أيضاً ، لاَنها تساوي بين المحسنين والفجار ، بل تبطل القانون الاِلَهي في العقاب !
وبسبب ذلك نستظهر أن أصل الحديث شفاعته صلى الله عليه وآله لاَهل بيته فجعلوه لاَمته ، كما حرفوا غيره من الاَحاديث والمناقب الخاصة ببني هاشم أو بالعترة وجعلوه لكل قريش أو لكل الاَمة ، ومن ذلك حديث ( الاَئمة من بعدي اثنا عشر من أهل بيتي ) فجعلوه من قريش ! ولا يتسع المجال للتفصيل .
نعم يمكن القول بشمول شفاعته صلى الله عليه وآله لكل أمته إذا حددنا مفهوم أمته صلى الله عليه وآله بمن
( 110 )
يقبلهم ويرتضيهم بسبب صحة عقيدتهم وصحة خطهم العام ، فتشمل شفاعته خيار الموحدين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فهؤلاء قد يصح القول فيهم اِن النبي صلى الله عليه وآله لا يرضى أن يدخلوا النار .
وقد ورد معنى قريب مما ذكرنا في دعاء في بحار الاَنوار ج 94 ص 119 يقول : اللهم إنك قلت لنبيك صلى الله عليه وآله : ولسوف يعطيك ربك فترضى . اللهم إن نبيك ورسولك وحبيبك وخيرتك من خلقك لا يرضى بأن تعذب أحداً من أمته دانك بموالاته وموالاة الاَئمة من أهل بيته وإن كان مذنباً خاطئاً في نار جهنم ، فأجرني يا رب من جهنم وعذابها ، وهبني لمحمد وآل محمد ، يا أرحم الراحمين . انتهى .

* *