14 ـ الذي يقتل أحداً من أهل الذمة

ـ في صحيح البخاري ج 4 ص 65
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً . ونحوه في ج 8 ص 47 وابن ماجة ج 2 ص 896 والترمذي ج 2 ص 429 والحاكم في ج 2 ص 126 والبيهقي في سننه ج 8 ص 133 وج 9 ص 205 والنسائى ج 8 ص 24 وفيه ( وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً ) ورواه في مسند أحمد ج 2 ص 186 وج 4 ص 61 وص 237 وج 5 ص 46 و50 و51 و369 و374 والهيثمي في مجمع الزوائد ج 6 ص 293
ونعم ما علق به الفخر الرازي على هذا الموضوع حيث قال في تفسيره ج2 جزء3 ص151 : عن الحسن ، عن أبي بكرة ، قال عليه السلام : من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة. وإذا كان في قتل الكفار هكذا، فما ظنك بقتل أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !

15 ـ الذي يغش العرب

ـ في مسند أحمد ج 1 ص 72
عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي . انتهى .ورواه البغوي في مصابيح السنه ج 4 ص142 والديلمي في فردوس الاَخبار ج 4 ص180 ح 6075 وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان ج 2 ص 640

16 ـ اللعان الفحاش

ـ صحيح مسلم ج 8 ص 24
حدثني سويد بن سعيد ، حدثنى حفص بن ميسرة ، عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد من عنده ، فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه ، فلما صبح قالت له أم الدرداء :
( 141 )
سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته ! فقالت سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يكون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة . انتهى . ورواه أبو داود في ج 2 ص 458 والحاكم ج 1 ص 48 والديلمي في فردوس الاَخبار ج 5 ص 311 ح 8009 وفي كنز العمال ج 3 ص 615 والسيوطي في الدر المنثور ج 1 ص146 وقال : وأخرج مسلم وأبو داود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء . .

ـ وقال البخاري في تاريخه ج 6 ص 22
عن عبد الرحمن بن الحارث أن أم الدرداء رضي الله عنها قالت لعبد الملك بن مروان : سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يكون الحليم لعَّاناً ، ولا يؤذن في الشفاعة للعَّان .

ـ وفي كنز العمال ج 3 ص 353
عن الديلمي عن عائشة : رحم الله امرأ كف لسانه عن أعراض المسلمين ، لا تحل شفاعتي لطعان ولا لعان . انتهى .
ولا بد أن يكون المراد باللعان في هذه الاَحاديث بذيء اللسان الفحاش الذي يسب المسلمين ويلعنهم ، وإلا فإن لعن الذين لعنهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله عملٌ جائز أو واجب شرعاً وفيه ثوابٌ ، لاَنه براءة ممن تبرأ منهم الله ورسوله ودعاءٌ عليهم باستمرار طردهم من رحمة الله تعالى .

17 ـ ورووا أن أكثر النساء في النار

ـ صحيح البخاري ج 7 ص 200
عن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء . . .
عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون ، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم
( 142 )
إلى النار . وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ! . انتهى .

ورواه أحمد في مسنده ج 2 ص 297

ـ وفي مجمع الزوائد ج 4 ص 273
قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة فلما كنا بمر الظهران إذ امرأة في هودجها واضعةً يدها على هودجها ، فلما نزل دخل الشعب ودخلنا معه ، قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثير وإذا بغراب أعصم المنقار والرجل فقال : لا يدخل الجنة من النساء إلا كقدر الغراب في هذه الغربان ، قال أبو عمر : الاَعصم الاَحمر . رواه الطبراني واللفظ له ، وأحمد ورجال أحمد ثقات . انتهى .

18 ـ ورووا في من أطال إزاره أو ثوبه

ـ سنن النسائي ج 8 ص 207
عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تحت الكعبين من الاِزار ففي النار . وفي رواية : ما أسفل من الكعبين من الاِزار ففي النار . انتهى .

* *

فهذه الاَحاديث تدل على أن بعض المسلمين لا يدخلون الجنة . . ولو كانت الشفاعة تشمل كل المسلمين لم يكن لهذه الاستثناءات معنى ، بل للزم من إحدى المجموعتين كذب المجموعة الاَخرى !
ولا يضر بالاِستدلال بمجموع أحاديث الاِستثناء من الجنة ، أو الحكم باستحقاقها أن بعضها ضعيف أو مكذوب كما ذكرنا ، لاَن المكذوب أيضاً يدل على أن المرتكز في أذهان المسلمين اختصاص الشفاعة بأصناف من المسلمين ، لا بجميعهم .

* *

( 143 )

شرط الشفاعة في المظالم الشخصية
روت مصادر الفريقين أحاديث تدل على إمكانية أن تشمل الشفاعة أهل المظالم الشخصية ، بشرط أن يعفو صاحب المظلمة عن ظالمه .

ـ ففي تفسير الاِمام العسكري عليه السلام ص 204
وقال علي بن أبي طالب عليه السلام : يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطباً ، وإن لم تكونوا بالله كافرين ، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين ، فإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا ، إلا ثقَّل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولم يفكه منها إلا شفاعتنا ، ولن نشفع إلى الله تعالى إلا بعد أن نشفع له إلى أخيه المؤمن ، فإن عفا عنه شفعنا له ، وإلا طال في النار مكثه .انتهى .
ورواه في مستدرك الوسائل ج 12 ص 101

ـ وفي الاِعتقادات للصدوق ص 29
قيل لاَمير المؤمنين عليه السلام : صف لنا الموت فقال : على الخبير سقطتم ، هو أحد أمور ثلاثة يرد عليه : إما بشارةٌ بنعيم الاَبد ، وإما بشارةٌ بعذاب الاَبد ، وإما تخويفٌ وتهويلٌ وأمرٌ مبهمٌ لا يدري من أي الفرق هو ؟ فأما ولينا والمطيع لاَمرنا فهو المبشر بنعيم الاَبد، وأما عدونا والمخالف لاَمرنا فهو المبشر بعذاب الاَبد ، وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً ، ثم لن يسويه الله تعالى بأعدائنا ، ولكن يخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله ، فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاث مائة ألف سنة .

ـ وفي مسند أحمد ج 3 ص 13
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخلص المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم
( 144 )
من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة . فوالذي نفسي بيده لاَحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا . ورواه في ج 3 ص 63 وص 74

نتيجة
النتيجة الواضحة من هذا الفصل أن قانون الشفاعة متفقٌ عليه بين السنة والشيعة ، على أصوله وخطوطه العامة أيضاً ، وهي أنه يشمل من مات على الشهادتين ، ولم يكن ظالماً ، ولم يكن عاصياً للنبي في أهل بيته صلى الله عليه وآله .
ومنه نعرف أن كل ما خالف هذه الاَصول فهو نشاز عن ثقافة الاِسلام ، جاء إلى
أصحابه من خلل الرأي ، أو من التلقي والتأثر بثقافة اليهود ، والنصارى ، والمجوس
وغيرهم !

* *

( 145 )

الفصـل السابع
توسيعات الشفاعة عند الخليفة عمر وأتباعه
في مصادر السنيين اتجاه يقول بتوسيع الشفاعة أكثر من القدر المتفق عليه بين الجميع ، وهو اتجاه خطير ، لاَنه يلغي قانون العقوبة الاِلَهية جزئيا أو كلياً ! وهو أربعة آراء أو مذاهب نذكرها حسب توسيعها لدائرة الشفاعة :
الرأي الاَول : أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتى الطلقاء والمنافقين !
الرأي الثاني : أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالى ، حتى لو كفر برسول الله صلى الله عليه وآله !
الرأي الثالث : أن الشفاعة تشمل كل الخلق !
الرأي الرابع : أن العقاب في الآخرة ينتهي كلياً ، وأن جهنم تفنى أوتبقى ، ولكن ينقل أهلها كلهم إلى الجنة !

( 146 )
ونذكر هنا ملاحظات كلية على هذه المذاهب أو الاَقوال :
الملاحظة الأولى : أن هذه التوسيعات في الشفاعة أو في دخول الجنة زادت على توسيع اليهود لها ، لاَن اليهود حصروا الشفاعة والجنة بقوميتهم اليهودية ، وهذه التوسعات عممتها إلى العقائد المختلفة والقوميات المختلفة ، وإن كانت احتفظت بميزة لكل قبائل قريش .
كما زادت على عقيدة الفداء النصرانية ، لاَن بولس اشترط لشمول فداء المسيح وشفاعته الدخول في النصرانية . . بينما أكثر هذه التوسيعات لا تشترط الدخول في الاِسلام !
الثانية : أن لكعب الاَحبار وتلاميذه دوراً أساسياً في توسيع الشفاعة ، بل كان كعب مرجعاً في الشفاعة بحيث أن الخليفة عمر يستفتيه فيها ويؤيد آراءه ، ويعمل على نشرها ، كما سترى .
الثالثة : أن هذه التوسيعات لا تشمل أحداً ممن اعترض على الخلفاء أو خالفهم في الرأي ، أو امتنع عن بيعتهم ، كما لا تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب أسرة النبي وآباءه صلى الله عليه وآله وخاصة أبا طالب والد علي عليه السلام ! وسترى هذه الغرائب وغيرها في نصوص الشفاعة في مصادر إخواننا السنيين !
الرابعة : أن هذه الاَفكار صارت أصلاً ومنبعاً لمذاهب فاسدة ، جرَّت على الاَمة مصائب ثقافية وسياسية ، مثل مذهب المرجئة والقدرية وغيرهما .

* *

( 147 )

الرأي الاَول : أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين
حتى الطلقاء والمنافقين !

ـ روى البخاري في صحيحه ج 1 ص 41
قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال : يا معاذ بن جبل ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك . قال يا معاذ ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً ! قال ما من أحد يشهد أن لا إلَه إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه ، إلا حرمه الله على النار . قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذاً يتكلوا ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً ! انتهى .

ـ وروى البخاري في تاريخه ج 8 ص 41
عن عوف بن مالك قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه فقال : إن ربي خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة والشفاعة ، فاخترت الشفاعة . ورواه الديلمي في فردوس الاَخبار ج 2 ص 304 ح 2774

ـ وروى البخاري في تاريخه ج 1 ص 184
عن عوف ابن مالك سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الشفاعة لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً .

ـ وروى مسلم في ج 1 ص 122
أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود ، فقال : . . . فتدعي الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من تنظرون ؟ فيقولون ننظر ربنا ! فيقول أنا ربكم ، فيقولون حتى ننظر إليك ، فيتجلى لهم يضحك ! قال فينطلق بهم ويتبعونه ! ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً ثم يتبعونه ، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك ، تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور
( 148 )
المنافقين ثم ينجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك .
ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال لا إلَه إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيَ في السيل ويذهب حراقه . ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها !!

ـ وروى أبو داود في ج 1 ص 632
عن عامر بن سعد عن أبيه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة نريد المدينة ، فلما كنا قريباً من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً ، ثم قام فرفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجداً ذكره أحمد ثلاثاً ، قال : إني سألت ربي وشفعت لاَمتي فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لاَمتي فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لاَمتي فأعطاني الثلث الآخر ، فخررت ساجداً لربي . ورواه البيهقي في سننه ج 2 ص 370

ـ وروى أحمد في مسنده ج 5 ص 149
عن أبي ذر قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً ، فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها : إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، فلما أصبح قلت : يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآيه حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها ؟ قال : إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لاَمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً . ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه ج 7 ص 432 ح 104 عن أبي جعفر الباقر عليه السلام . وفي الدر المنثور ج 3 ص 204 عن أحمد .

( 149 )

ـ وروى أحمد في ج 5 ص 326
عن عبادة بن الصامت قال : فقد النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أصحابه ، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم ، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالى اختار له أصحاباً غيرهم ! فإذا هم بخيال النبي صلى الله عليه وسلم فكبروا حين رأوه وقالوا : يا رسول أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالى اختار لك أصحاباً غيرنا ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة ، إن الله تعالى أيقظني فقال يا محمد إني لم أبعث نبياً ولا رسولاً إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه فاسأل يا محمد تعط ، فقلت : مسألتي الشفاعة لاَمتي يوم القيامة ، فقال أبو بكر : يا رسول الله وما الشفاعة ؟ قال أقول : يا رب شفاعتي التي اختبأت عندك ، فيقول الرب تبارك وتعالى : نعم ، فيخرج ربي تبارك وتعالى بقية أمتي من النار ، فينبذهم في الجنة .

ـ وقال في مجمع الزوائد ج 10 ص 369
عن عوف بن مالك الاَشجعي قال : سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً حتى إذا كان الليل أرقت عيناي فلم يأتني النوم ، فقمت فإذا ليس في العسكر دابة إلا واضعة خدها إلى الاَرض ، وأرى وقع كل شيَ في نفسي ، فقلت لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأَكلأَ به الليلة حتى أصبح ، فخرجت أتخلل الرحال حتى دفعت إلى رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو ليس في رحله ، فخرجت أتخلل الرحال حتى خرجت من العسكر فإذا أنا بسواد ، فتيممت ذلك السواد فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لي : ما الذي أخرجك ؟ فقلت : الذي أخرجكما ، فإذا نحن بغيطة منا غير بعيد فمشينا إلى الغيطة فإذا نحن نسمع فيها كدوي النحل وتخفيق الرياح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاهنا أبو عبيدة بن الجراح ؟ قلنا نعم ، قال ومعاذ بن جبل ؟ قلنا نعم ، قال وعوف بن مالك ؟ قلنا نعم، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نسأله عن شيءَ ولا يسألنا عن شيَء حتى رجع إلى رحله فقال : ألا أخبركم بما خيرني ربي آنفاً ؟ قلنا بلى يا رسول الله ،
( 150 )
قال : خيرني بين أن يدخل ثلثي أمتي الجنة بغير حساب ولا عذاب ، وبين الشفاعة. قلنا : يا رسول الله ما الذي اخترت ؟ قال : اخترت الشفاعة . قلنا جميعاً : يا رسول الله إجعلنا من أهل شفاعتك قال : إن شفاعتي لكل مسلم .
وفي رواية عن عوف أيضاً قال : نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فاستيقظت من الليل فإذا أنا لا أرى في العسكر شيئاً أطول من مؤخرة رحل ! قد لصق كل إنسان وبعيره بالاَرض ، فقمت أتخلل حتى جفلت إلى مضجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو ليس فيه ! فوضعت يدي على الفراش فإذا هو بارد ، فقمت أتخلل الناس وأقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فذكر نحوه إلا أنه قال : خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة . وفي رواية جعل مكان أبي عبيدة أبا موسى . قلت : روى الترمذي وابن ماجة طرفاً منه ، رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها ثقات .
وعن أبي كعب صاحب الحرير قال سألت النضر بن أنس فقلت : حدثني بحديث ينفعني الله عز وجل به ، فقال نعم أحدثك بحديث كتب إلينا به من المدينة فقال أنس : إحفظوا هذا فإنه من كنز الحديث ، قال : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار ذلك اليوم إلى الليل ، فلما كان الليل نزل وعسكر الناس حوله ونام هو وأبو طلحة زوج أم سليم وفلان وفلان أربعة ، فتوسد النبي صلى الله عليه وسلم يد راحلته ثم نام ونام الاَربعة إلى جنبه ، فلما ذهب عتمة من الليل رفعوا رؤوسهم فلم يجدوا النبي صلى الله عليه وسلم عند راحلته ، فذهبوا يلتمسون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه مقبلاً فقالوا : جعلنا الله فداك أين كنت فإنا قد فزعنا لك إذ لم نرك ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : كنت نائماً حيث رأيتم فسمعت في نومي دوياً كدوي الرحا أو هزيز الرحى ففزعت في منامي فوثبت فمضيت ! فاستقبلني جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله بعثني إليك الساعة لاَخيرك إما أن يدخل نصف أمتك الجنة وإما الشفاعة يوم القيامة ، فاخترت الشفاعة لاَمتي . فقال النفر الاَربعة : يا رسول الله إجعلنا ممن تشفع لهم ، فقال : وجبت لكم . ثم أقبل النبي صلى الله عليه وسلم والنفر
( 151 )
الاَربعة حتى استقبله عشرة فقالوا : أين نبينا نبي الرحمة ؟ قال نحدثهم بالذي حدث القوم فقالوا : جعلنا الله فداءك إجعلنا ممن تشفع لهم يوم القيامة ، فقال : وجبت لكم. فجاؤا جميعاً إلى عظم الناس فنادوا في الناس : هذا نبينا نبي الرحمة ، فحدثهم بالذي حدث القوم ، فنادوا بأجمعهم جعلنا الله فداءك جعلنا الله ممن تشفع لهم ، فنادى ثلاثاً : إني أشهد الله وأشهد من سمع أن شفاعتي لمن يموت لا يشرك بالله عز وجل شيئاً . رواه الطبراني في الاَوسط وفيه علي بن قرة بن حبيب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات . انتهى . ورواه في المعجم الكبير أيضاً ج 18 ص 107

ـ وفي مجمع الزوائد ج 10 ص 377
وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نعم الرجل أنا لشرار أمتي ، فقال له رجل من جلساه : كيف أنت يا رسول الله لخيارهم ؟ قال : أما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتي ، وأما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم . ورواه الديلمي في فردوس الاَخبار ج 5 ص 9 ح 7004

ـ وقال في الدر المنثور ج 2 ص 116
وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب : لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس وقال : هل آراه أحد منكم على الاِسلام ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثى عليه التراب وقال : أصحابك يظنون أنك من أهل النار ، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة ! وقال : يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة !!

ـ وفي اسد الغابة ج 1 ص 132
عن أنيس الاَنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني لأشفع يوم القيامة لأكثر مما على ظهر الاَرض من حجر ومدر .

( 152 )

ـ وفي تفسير الرازي ج 10 جزء 19 ص 192
فثبت أن ( إن المتقين في جنات وعيون ) يتناول جميع القائلين بلا إلَه إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً ، سواء كانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصية ! انتهى .
وهذا غريب من الرازي الذي هو حريص على العقلانية ، ولكن كثرة أحاديث أصحابه غلبته وجعلته من المرجئة الذين ينتقدهم ! فقد حكم بأن المسلم يدخل الجنة بالعقيدة فقط بدون عمل ، بل حتى لو كانت حياته سلسلة من المعاصي والطغيان والاِجرام !
ولم يزد عليه في ذلك إلا الديلمي حيث روى أن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله إنما جعلت من أجل جبابرة هذه الاَمة وفراعنتها ! قال في فردوس الاَخبار ج 2 ص 498 ح 3397 : أنس بن مالك : شفاعتي للجبابرة من أمتي !!

* *

وقد نقل السيوطي مجموعة كبيرة من الروايات مفادها أن الله تعالى يحاسب المسلمين على أعمالهم ويدخل قسماً منهم إلى الجنة وقسماً آخر إلى النار ، ولكن الكفار يعيرون المسلمين في جهنم بأنهم لم ينفعهم إسلامهم ، فيأنف الله تعالى ويغضب وتأخذه الغيرة للمسلمين لتوحيدهم ، فينقلهم جميعاً حتى جبابرتهم ومجرميهم وشياطينهم إلى الجنة ، فعندئذ يتمنى الكفار لو كانوا مسلمين ، واستدل هو وغيره بذلك على أن جميع المسلمين يدخلون الجنة !
وقد ورد شبيه هذا المعنى في أحاديثنا من طريق أهل البيت عليهم السلام ولكنه بالنسبة إلى بعض أصناف الموحدين وليس لكل المسلمين كما تذكر هذه الروايات !
ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج 4 ص 92 ـ 94 في تفسير قوله تعالى : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين :
وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في
( 153 )
البعث عن ابن عباس وأنس رضي الله عنه أنهما تذاكرا هذه الآية : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، فقالا : هذا حيث يجمع الله بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار فيقول المشركون ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضل رحمته .
وأخرج سعيد بن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، قال : إذا خرج من النار من قال لا إلَه إلا الله .
وأخرج الطبراني في الاَوسط وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ناساً من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا ، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون : ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم ، فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله تعالى من النار . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي موسى الاَشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا بلى ، قالوا : فما أغنى عنكم الاِسلام وقد صرتم معنا في النار ! قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ماقالوا فأمر بكل من كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم : أ.ل.ر. تلك آيات الكتاب وقرآن مبين . ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
وأخرج إسحق ابن راهويه وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنه سئل هل عندك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية شيء : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ؟ قال نعم سمعته يقول : يخرج الله أناساً من
( 154 )
المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم ، لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون : ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فما بالكم معنا في النار ! فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتى يخرجوا بإذن الله ، فإذا رأى المشركون ذلك قالوا : يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم ، فذلك قول الله : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، قال فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم ، فيقولون : يا ربنا أذهب عنا هذا الاِسم ، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك الاِسم عنهم .
وأخرج هناد بن السري والطبراني في الاَوسط وأبو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ناساً من أهل لا إلَه إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللات والعزى : ما أغنى عنكم قول لا إلَه إلا الله وأنتم معنا في النار! فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه ، فيدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين .
وأخرج الحاكم في الكنى عن حماد رضي الله عنه قال سألت إبراهيم عن هذه الآية : ربما يود الذين كفروا كانوا مسلمين ، قال : حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الاِسلام : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون ، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين : إشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون ، حتى أن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم ، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ، قال : هذا في الجهنميين ، إذا رأوهم يخرجون من النار . انتهى .
وفي نفس الوقت روى السيوطي روايات تدل على أن تمني الكفار هذا ليس بعد دخول النار بل في يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار . . قال : وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : ربما يود الذين كفروا قال : ذلك يوم القيامة يتمنى الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال : موحدين.

( 155 )
وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السرى في الزهد ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ما زال الله يشفع ويدخل الجنة ويشفع ويرحم ، حتى يقول من كان مسلماً فليدخل الجنة فذلك قوله : ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين . انتهى .

* *

والأشكالات على هذا الرأي كثيرة يكفي منها ما تقدم من أدلة الرأي الاَول . ويكفي منها أن القول بإسقاط اشتراط العمل هو مذهب المرجئة الذين أسقطوا قوانين العقوبة الاِلَهية ، كما فعل اليهود من قبلهم !
وينبغي التذكير هنا بأن القرآن الكريم والاَحاديث الثابتة المتفق عليها هي الميزان في قبول الاَحاديث الآخرى أو ردها . . وبهذا الميزان نجد أنفسنا ملزمين برد الاَحاديث التي تكتفي بشرط إعلان الشهادتين فقط لدخول الجنة ، وتسقط كل الشروط العملية ! لاَنها تناقض عشرات الآيات والاَحاديث القطعية المتفق عليها عند الجميع !
على أنه يمكن لمن ثبتت عنده هذه الاَحاديث أن يؤولها بأنها تقصد التأكيد على أهمية الشهادتين ، ولا تقصد إسقاط بقية الشروط التي نصت عليها الآيات والاَحاديث الاَخرى ، لاَنها شرط ضمني فيها ، فتكون النتيجة إخضاع هذه الاَحاديث لمفاد أحاديث القول الاَول ، وهو المطلوب .

* *