الرأي الثاني: أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالى
حتى لو كفر بنبوة النبي صلى الله عليه وآله !
والمستفيد الاَول من هذه التوسعة هم المنافقون من قريش والاَنصار ، الذين كانت تظهر منهم ظواهر النفاق وعدم الاِيمان بالنبي في حياته صلى الله عليه وآله ، وقد جعل الله تعالى لهم علامات يعرفهم المسلمون بها ، ومن أوضحها بغض علي بن أبي طالب عليه السلام باعتباره يمثل تحدي الاِسلام للكفر والنفاق ، وباعتباره أول عترة النبي ووصيه صلى الله عليه وآله .. فكان حب علي وبغضه في حياة رسول الله وبنصه صلى الله عليه وآله ميزاناً للاِيمان والنفاق ! وقد روى الجميع أحاديثه وصححوها ، منها ما رواه أحمد في مسنده ج 1 ص 95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه قال عهد إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. ورواه الترمذي في سننه ج 5 ص 306

ـ وقال الترمذي في سننه ج 5 ص 298
عن أبي سعيد الخدري قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الاَنصار ببغضهم علي بن أبي طالب . هذا حديث غريب . وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي ، وقد روى هذا عن الاَعمش عن أبي صالح ، عن أبي سعيد .

ـ وروى الحاكم في المستدرك ج 3 ص 128
عن ابن عباس رضي الله عنه قال نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي فقال : يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله ، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله ، والويل لمن أبغضك بعدي !! صحيح على شرط الشيخين ، وأبو الاَزهر بإجماعهم ثقة ، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح .

ـ وروى الحاكم في ج 3 ص 135 سمعت عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك . هذا حديث صحيح الاِسناد ولم يخرجاه .

( 157 )
وروى الحاكم في ج 3 ص 142 أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر علياً بأن الاَمة ستغدر به من بعده ، قال : عن حيان الاَسدي سمعت علياً يقول قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الاَمة ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي ، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني ، وإن هذه ستخضب من هذا ، يعني لحيته من رأسه . صحيح . انتهى .
أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله فصار بغض علي عليه السلام جهاراً نهاراً ، ولم يعد علامةً على النفاق بل صار علامةً على ( الاِيمان ) والتقوى والاِخلاص للاِسلام وتأييد السلطة الجديدة التي يعارضها علي وشيعته ! وجهر المنافقون بنفاقهم مطمئنين ! فقد روى البخاري ج 8 ص 100 عن حذيفة بن اليمان قوله ( إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ! كانوا يومئذ يسرون ، واليوم يجهرون ) !
هذه الحقيقة الثابتة تنفعنا في فهم أحاديث هذا الرأي التي تريد شمول المنافقين بالشفاعة والجنة ! وهي كثيرة نورد عدداً منها ثم نذكر الملاحظات عليها :

ـ روى مسلم في صحيحه ج 1 ص 44
عن أبي هريرة قال : كنا قعوداً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر في نفر ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا ، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا ، فقمنا فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطاً للاَنصار لبني النجار ، فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد ، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة ـ والربيع الجدول ـ فاحتفرت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أبو هريرة ؟ فقلت نعم يا رسول الله ، قال : ما شأنك ؟ قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع ، فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب ، وهؤلاء الناس ورائي !

( 158 )
فقال : يا أبا هريرة وأعطاني نعليه قال : إذهب بنعليَّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إلَه إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة ! فكان أول من لقيت عمر فقال : ماهاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ فقلت هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إلَه إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررت لإِستي ! فقال : إرجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بكاءً ، وركبني عمر فإذا هو على أثري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مالك يا أبا هريرة ؟! قلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لأستي قال إرجع!
< قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ قال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إلَه إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال : نعم . قال فلا تفعل ! فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فخلهم !!

ـ وروى البخاري في ج 1 ص 41
عن أنس : قال ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة . قال ألا أبشر الناس ؟ قال : لا ، أخاف أن يتكلوا .

ـ وروى البخاري في ج 1 ص 109
قال أخبرني محمود بن الربيع الاَنصاري أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً من الاَنصار ، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي ، فإذا كانت الاَمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم ، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى .
قال فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأفعل إن شاء الله ، قال عتبان : فغدا
( 159 )
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت ، ثم قال : أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ قال : فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم ، قال وحبسناه على خزيرة صنعناها له قال فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذووا عدد ، فاجتمعوا فقال قائل منهم : أين مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن ؟ فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقل ذلك ، ألا تراه قد قال لا إلَه إلا الله يريد بذلك وجه الله ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد حرم على النار من قال لا إلَه إلا الله يبتغي بذلك وجه الله !! ورواه في كنز العمال ج 1 ص 302

ـ وروى البخاري ج 2 ص 55 وج 6 ص 202
فإن الله قد حرم على النار من قال لا إلَه إلا الله يبتغي بذلك وجه الله .

ـ وروى شبيهه في ج 1 ص 33 ، ورواها أحمد في مسنده ج 4 ص 44 .

ـ وروى البخاري في ج 7 ص 172
عن أحد بني سالم قال غدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إلَه إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرم الله عليه النار .
ـ وروى البخاري في ج 2 ص 69
عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال وإن زنى وإن سرق . . . عن عبدالله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار . وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة !!

( 160 )

ـ وروى البخاري في ج 7 ص 43
أن أبا ذر حدثه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال : ما من عبد قال لا إلَه إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال وإن زنى وإن سرق . قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال وإن زنى وإن سرق ! قلت وإن زنى وإن سرق؟ ! قال وإن زنى وإن سرق ، على رغم أنف أبي ذر !! وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال : وإن رغم أنف أبي ذر !! قال أبو عبد الله : هذا عند الموت أو قبله . انتهى .
وأبو عبدالله هو البخاري نفسه ، وهو يريد بقوله هذا تخفيف إطلاق الحديث ووضع شرط للتوحيد المذكور فيه ، بأنه المسلم المجرم يدخل الجنة بشرط أن يقول ( لا إلَه إلا الله ) قبل موته أو عند موته . ولكن الحديث مطلق وليس فيه هذا الشرط !

ـ وروى النسائي في ج 8 ص 112
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما مجادلة أحدكم في لاحق يبكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار ، قال يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار ! قال فيقول : إذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم ، قال فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم ، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ، ومنهم من أخذته إلى كعبيه ، فيخرجونهم فيقولون : ربنا قد أخرجنا من أمرتنا ، قال : ويقول أخرجوا من كان في قلبه وزن نصف دينار ، حتى يقول من كان في قلبه وزن ذرة ! قال أبو سعيد : فمن لم يصدق فليقرأ هذه الآية : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء إلى عظيماً .

ـ وروى أحمد مسنده ج 4 ص 43
ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتى صيروا أمرهم إلى رجل منهم
( 161 )
يقال له مالك بن الدخشم ، وقالوا : من حاله ، ومن حاله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت ، فلما أكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إلَه إلا الله ؟ ! فلما كان في الثالثة قالوا : إنه ليقوله . قال : والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشيء قط كفرحهم بما قال !! . انتهى .
وابن الدخشن هذا ، أو الدخشم ، أو الدخيشن ، هو الذي ذكره البخاري وهو رئيس المنافقين الرسمي بعد ابن سلول !! ويمكنك أن تفكر فيما يزعمه هذا الحديث من أن أكبر فرحة للمسلمين كانت في ذلك اليوم ، أي يوم ساوى النبي صلى الله عليه وآله بين المسلمين والمنافقين الذين قال الله تعالى فيهم ما قال !!
ولعمري إنها فرحة السلطة وأتباعها الذين أرادوا حل مشكلة المنافقين لتأييدهم لهم، فألصقوا ذلك بالنبي صلى الله عليه وآله !!

ـ وروى أحمد في ج 4 ص 411
عن أبي بكر بن أبي موسى ( الاَشعري ) عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبشروا وبشّروا الناس من قال لا إلَه إلا الله صادقاً بها دخل الجنة ، فخرجوا يبشرون الناس ، فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه فردهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ردكم ؟ قالوا عمر ، قال : لم رددتهم يا عمر ؟ قال إذاً يتكل الناس يا رسول الله ! . انتهى . وقال عنه في مجمع الزوائد ج 1 ص 16 رجاله ثقات .

ـ وروى أحمد ج 1 ص 464
عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة وأنا أقول أخرى ! من مات وهو يجعل لله ندا أدخله الله النار . قال وقال عبد الله : وأنا أقول : من مات وهو لا يجعل لله ندا أدخله الله الجنة !!. انتهى .
ـ ولكن أحمد روى في ج 2 ص 170 أن عبد الله بن عمرو بن العاص نسب الكلمتين إلى النبي صلى الله عليه وآله ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من لقي الله وهو لا
( 162 )
يشرك به شيئاً دخل الجنة ولم تضره معه خطيئة ، كما لو لقيه وهو مشرك به دخل النار ولم ينفعه معه حسنة .انتهى .

ـ ولكن أحمد روى هذا الحديث أيضاً عن عبد الله بن مسعود وليس عبد الله بن عمرو !
قال في ج 1 ص 374 : قال ابن مسعود : خصلتان يعني إحداهما سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والاَخرى من نفسي : من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار. وأنا أقول من مات . . . الخ .

ـ وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 23
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال جئت في اثني عشر راكباً حتى حللنا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أصحابي : من يرعى إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : أنا ، ثم قلت في نفسي : لعلي مغبون ، يسمع أصحابي ما لا أسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فحضرت يوماً فسمعت رجلاً قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من توضأ وضوء كاملاً ثم قام إلى صلاة كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ، فتعجبت من ذلك ، فقال عمر بن الخطاب : فكيف لو سمعت الكلام الآخر كنت أشد عجباً ! فقلت : أردد عليَّ جعلني الله فداءك ، فقال عمر بن الخطاب : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : من مات لا يشرك بالله شيئاً فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ، ولها ثمانية أبواب ! فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست مستقبله فصرف وجهه عني ، فقمت فاستقبلته ففعل ذلك ثلاث مرات فلما كانت الرابعة ، قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني ؟ ! فأقبل علي فقال : أواحد أحب اليك أم اثنا عشر؟ مرتين أو ثلاثاً! فلما رأيت ذلك رجعت إلى أصحابي!

ـ وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 32
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من مات
( 163 )
يؤمن بالله واليوم الآخر ، قيل له أدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت . رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حوشب وقد وثق . وأورده أيضاً في ص 49

ـ وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 22
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في أناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأدركت آخر الحديث ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار ! فقلت بيدي هكذا يحرك بيده إن هذا حديث جيد ، فقال عمر بن الخطاب : لما فاتك من صدر الحديث أجود وأجود ! قلت يا ابن الخطاب فهات ، فقال عمر بن الخطاب : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه من شهد أن لا إلَه إلا الله دخل الجنة !!

ـ وفي مجمع الزوائد ج 1 ص 16
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة . قال قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : وإن زنى وإن سرق ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق ! قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ ! قال : وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء ! قال فخرجت لاَنادي بها في الناس فلقيني عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها ! قال : فرجعت فأخبرته صلى الله عليه وسلم فقال : صدق عمر .
رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والاَوسط وإسناد أحمد أصح ، وفيه ابن لهيعة وقد احتج به غير واحد . ورواه في الدر المنثور ج 2 ص 170

ـ وروى أحمد ج 5 ص 170
حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلى الربذة فسمعت أباذر يقول : قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلى بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون ، فلما رأى قيامهم وتخلفهم انصرف إلى رحله ،
( 164 )
فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه فصلى ، فجئت فقمت خلفه فأومأ إليَّ بيمينه فقمت عن يمينه ، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه ، فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا ، يصلي كل رجل منا بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو ، فقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة ، فبعد أن أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة ؟ فقال ابن مسعود بيده لا أسأله عن شيء حتى يحدث إلي ، فقلت : بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن ؟ ! لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه ، قال : دعوت لاَمتي ، قال : فماذا أجبت أو ماذا عليك ؟ قال : أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعةً تركوا الصلاة ! قال : أفلا أبشر الناس ؟ قال بلى ، فانطلقت معنقاً قريباً من قذفة بحجر ، فقال عمر : يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة ، فنادى أن ارجع ، فرجع .

ـ وروى أحمد في مسنده ج 2 ص 307 وفي ص 518
عن أبي هريرة أنه سمعه يقول : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماذا رد إليك ربك في الشفاعة ؟ فقال : والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك على العلم ! والذي نفس محمد بيده ما يهمني من انقصافهم على أبواب الجنة أهم عندي من تمام شفاعتي ، وشفاعتي لمن شهد أن لا إلَه إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه . ورواه الديلمي في فردوس الاَخبار ج 2 ص 197 ح 3395

ـ وقال السيوطي في الدر المنثور ج 5 ص 324
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : لما نزلت : فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى : من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، فاستقبل عمر الرسول فرده ، فقال : يا رسول الله
( 165 )
خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو يعلم الناس قدر رحمة الله لا تكلوا ولو يعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم!

ـ الدر المنثور ج 4 ص 93
وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب الكبائر من موحدي الاَمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد ، وصورهم على النار من أجل السجود ، فمنهم من تأخذه النار إلى قدميه ، ومنهم من تأخذه النار إلى عقبيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى فخذيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم . ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى .
فإذا أراد الله ان يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الاَديان والاَوثان لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء ، فغضب الله غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى ، فيخرجهم إلى عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل ، ثم يدخلون الجنة مكتوب في جباههم هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن ، فيمكثون في الجنة ما شاء الله أن يمكثوا ، ثم يسألون الله تعالى أن يمحو ذلك الاِسم عنهم ، فيبعث الله ملكاً فيمحوه ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها على من بقى فيها يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله على عرشه ، ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم ، وذلك قوله : ربما بما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين .

( 166 )

ـ وقال ابن باز في فتاويه ج 1 ص 179
روى البخاري عن أبي هريرة أنه قال : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال: من قال لا إلَه إلا الله خالصاً من قلبه . انتهى .

* *


ملاحظات على روايات هذا الرأي
أولاً : نلاحظ في أحاديث هذا الرأي بل هذا المذهب ، اضطرابها وتعارضها إلى حد التناقض ! ولعل أصلها رواية مسلم التي ضرب فيها عمر أبا هريرة حتى خر لإسته ! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبي صلى الله عليه وآله قد ( اعترف وشهد ) بأن توحيد الله تعالى فقط كاف لدخول الجنة ، وأنه لا يحتاج الاَمر إلى الاِيمان بنبوته ولا شفاعته صلى الله عليه وآله !
ويلاحظ أنها تؤكد على أن الذي قال ذلك هو النبي نفسه صلى الله عليه وآله وليس عمر ! بل إن عمر كان مخالفاً لذلك ، وقد ردَّ أبا هريرة من الطريق وضربه ، واعترض على النبي مرات ومرات ، وقد أطاعه النبي صلى الله عليه وآله في بعض المرات ، ثم أصرَّ النبي على هذا القول فهو الذي يتحمل مسؤوليته ، وليس عمر ، ولا أبو موسى ، ولا أبو هريرة ، ولا كعب الاَحبار !!
ثانياً : أن هذا المذهب يلغي حاجة المسلمين إلى الشفاعة أصلاً ! ! فأحاديثه تبشر بالجنة كل من قال ( لا إلَه إلا الله ) وتشمل رواياته اليهود والنصارى وغيرهم ، فلا يبقى معنى للشفاعة !!
ثالثاً: أنه يلغي الحاجة إلى أصل الاِسلام ونبوة نبينا صلى الله عليه وآله ! لاَن رواياته تقول إن الله تعالى يقبل إيمان الموحد ويدخله الجنة لتوحيده ، حتى لو كفر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ! فلا يبقى مبرر لجهاد النبي صلى الله عليه وآله وحروبه وشدته على الكافرين بنبوته ! ولا يبقى معنىً لقوله تعالى (ومن يبتغ غير الاِسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين )
( 167 )
وكيف يجرأ مسلم على قبول رأي من رواة أو خليفة ، يستلزم إبطال دينه من أصله ؟!!
رابعاً : تزعم روايات هذا المذهب عدم عصمة النبي صلى الله عليه وآله وأنه أخطأ في تبليغ الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه ! على أنه توجد رواية أخرى في تهذيب الكمال ج 4 ص 31 وفي مجمع الزوائد ج 1 ص16 تقول إن النبي لم يقتنع وأصرَّ على رأيه ، وقال لعمر : دعهم يتكلوا ! وتوجد رواية أخرى في مجمع الزوائد وفي مسند أحمد ج 4 ص402 تقول إن النبي سكت ! . . الخ .
ومن جهة أخرى تدل هذه الروايات على عدم إيمان عمر بعصمة النبي صلى الله عليه وآله وتعطي لعمر دور الناظر على أعمال النبي صلى الله عليه وآله والولاية عليه لتصحيح أخطائه ! بينما يؤكد الله تعالى عصمة رسوله صلى الله عليه وآله في كل كلمة يتفوه بها ، فيقول ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) !
خامساً : تقدمت رواية أن عمر هو الذي بشر الناس ، ولعله اقترح على النبي أن يبشر الناس بذلك فنهاه النبي صلى الله عليه وآله !! وقد روى الهيثمي رواية فيها تصريح بأن الذي أراد تبشير الناس هو عمر وإن كانت متناقضة ، قال ( وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناد يا عمر في الناس إنه من مات يعبد الله مخلصاً من قلبه أدخله الله الجنة وحرم على النار ! قال فقال عمر : يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال : لا ، لا ، يتكلوا . انتهى .
فأول الرواية يقول : إن النبي أمر عمر بالنداء ، وآخرها يقول إن عمر اقترح النداء فلم يقبل به النبي صلى الله عليه وآله ونهاه عنه !
وهذا يؤيد أن يكون أصل القضية كلها محاولة من عمر لتبشير الناس بعدم اشتراط العمل للجنة ، فنهاه النبي صلى الله عليه وآله .
سادساً : إن روايات ( ضياع النبي !) في غزوة من غزواته أو في المدينة ، قد حملت من التناقض واللامعقول ما يوجب على الباحث بل على القارئ الشك فيها
( 168 )
من أصلها !
فحديث مسلم يقول : إنهم ( أضاعوا ) النبي صلى الله عليه وآله في المدينة حتى وجده أبو هريرة في بستان في المدينة لبني النجار ! وروايتا الطبراني المتقدمتان عن عوف بن مالك والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبي في إحدى الغزوات ! أو خرج مبهوتاً في وسط الليل ! وبعض رواياتها تقول إن النبي صلى الله عليه وآله لم يضع بل كان في بيته أو في مسجده وأمر أبا موسى ونفراً من قومه أن يبشروا الناس فلما خرجوا من عنده لقيهم عمر . . .الخ . وقد رواها أحمد ج 4 ص 402 وص 411 و قال عنها مجمع الزوائد ج 1 ص 16 ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ) .
ثم إن رواية مسلم تقول : إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هريرة وأن عمر ضربه ! بينما تقول روايات أخرى إن المأمور بالنداء أبو موسى الاَشعري ونفر من الاَشعريين وأن عمر رده ولم يضربه ! وأخرى تقول : إن المأمور هو أبو الدرداء ، وأخرى تقول : إنه أبوذر ، وأخرى تقول : إنه عمر . . إلخ . ورواية أبي سعيد تذكر مأموراً بدون تسمية !
أما روايات الطبراني فتذكر بطلين آخرين للحادثة هما عوف والنضر ، وفي رواية أخرى في مجمع الزوائد ج 1 ص 23 إنه عقبة بن عامر !
وتوجد رواية في مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحيد هو عمر ، ولا يوجد غيره قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 1 ص 16 وعن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذن في الناس أنه : من شهد أن لا إلَه إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً دخل الجنة ، فقال عمر : يا رسول الله إذا يتكلوا فقال : دعهم . رواه أبو يعلى والبزار إلا أن عمر قال يا رسول الله إذا يتكلوا! قال دعهم يتكلوا . انتهى .
أما رواية البخاري فتذكر أن بطل الرواية معاذ فقط ، وأنه اقترح تبشير الناس بذلك فنهاه النبي صلى الله عليه وآله ، ورواية أحمد تذكر أن بطلها عبادة بن الصامت . . وقد تقدمت الروايتان في الرأي الثاني لاَنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة !!

( 169 )
ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضياع النبي المزعوم ، والنداء المزعوم ، لوجدنا فيها تناقضات أخرى توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحية لاِثبات حكم شرعي عادي ، فكيف تصلح لاِثبات عقيدة خطيرة ، أخطر من مذهب المرجئة ؟ ! لاَن المرجئة يشترطون لدخول الجنة الشهادتين ، وهذه القصة تلغي الشهادة الثانية !!
سابعاً : توجد روايات تناقض هذا الرأي عن الخليفة عمر نفسه وتقول إن الذي يسرق عباءة من الغنائم يحرم من دخول الجنة ، حتى لو كان السارق مسلماً واستشهد في سبيل الله تعالى ! وتقول إن النبي صلى الله عليه وآله قد أمر عمر أن ينادي بنداء مضاد لما ذكرته قصة ضياع النبي صلى الله عليه وآله ونداء النعلين !!
فقد روى أحمد في مسنده ج 1 ص 30 وص 47 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد فلان شهيد، حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ! ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يابن الخطاب إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون . انتهى .
فإذا كانت سرقة عباءة تمنع صاحبها ( الشهيد ) من دخول الجنة ، فكيف تكون شهادة ( لا إلَه إلا الله ) وحدها بدون عمل كافية لدخول الجنة ؟ !
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله قد أمر عمر بهذا النداء ، فكيف أمر عمر نفسه أو غيره بنداء مناقض له ؟ ! وكيف لم يعترض عليه عمر وهو المعروف بكثرة اعتراضاته ؟ !
ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الايمان والعمل الصالح ، كانتا في خيبر ، وهذه ظاهرة تحديد في الرواية توجب نوعاً من الثقة ، ولكنك لا تجد في قصة ضياع النبي صلى الله عليه وآله والنداء المضاد المزعومين شيئاً من التحديد ، لا اسم الغزوة ، ولا اسم البستان ، بل لا تجد إلا مجملاً في مجمل ، وتناقضاً بعد تناقض !

( 170 )
وبما أن أغلب روايات هذه القصة تشترك في ذكر دور عمر ومناقشته للنبي صلى الله عليه وآله ونصحه إياه بضرر إعلان ذلك للناس ، يترجح في الذهن احتمال أن يكون أصل القصة أن الخليفة عمر هو الذي بشر الناس كما نصت الروايات المتقدمة ، وقد يكون اقترح على النبي صلى الله عليه وآله أن يأمره بذلك فلم يقبل ، وأن النبي صلى الله عليه وآله ما ضاع لا في غزوتين ولا في غزوة ،ولا خرج مذعوراً في الليل من كلام جبرئيل ، ولا ضاع في المدينة ، ولا اختبأ في بستان ، ولا أعطى نعليه لاَبي هريرة علامةً للناس بأنه مبعوث من النبي صلى الله عليه وآله ، ولا ضرب عمر أبا هريرة حتى خر لاِسته ! فعندما تتناقض الروايات ولا يمكن الجمع بينها ، أو تكون مخالفة للقرآن وللسنة القطعية المتفق عليها . . فلا مجال أمام الباحث إلا ترجيح هذا الاِحتمال الاَخير .
> ثامناً ثبت عند الجميع أن النبي صلى الله عليه وآله قد أرسل علياً عليه السلام الى مكة بأمر من الله تعالى لاِبلاغ سورة براءة ، وأمره أن ينادي في الناس بعدة أمور ، منها ( لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة )!
وقد روى ذلك أحمد ج 1 ص 47 وص 79 والنسائي ج 5 ص 234 والدارمي ج 2 ص 230 وغيرهم ، وفي أحمد ج 5 ص 438 : نفس مسلمة ).
وروايات هذا النداء ثابتة عند الطرفين ، وليست مهزوزة مثل نداء النعلين المزعوم !
ثم إن هذا النداء كان بعد فتح مكة ، فلا بد للقائل بصحة روايات نداء النعلين أن يقول إنه ناسخ لهذا النداء ، وأن يثبت صحة قصته وأنها كانت بعد نداء مكة . . ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد !
أما الاَحاديث الاَخرى التي استدلوا بها على هذا المذهب ، فليست أحسن حالاً من حديث ( ضياع النبي صلى الله عليه وآله واختفائه واختبائه ونداء النعلين ) في تضاربها وتعارضها مع غيرها . . ويكفي لردها الروايات التي تقدمت في الرأي الاَول .

( 171 )
وأخيراً ، فقد آن لاِخواننا فقهاء السنة أن ينظروا بجدية إلى تناقضات روايات الصحاح ومخالفاتها الصريحة للقرآن وضرورات الاِسلام ، ويعيدوا النظر في مفهومهم للصحيح والحجة الشرعية !
ذلك أن صريح العقل هو الاَصل الذي وصلنا به إلى الاِيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله ثم وصلنا به إلى قطعيات الشرع الشريف . وحبُّنا للصحاح وأصحابها وأسانيدها لا يجوز أن يوصلنا إلى التنازل عن قطعيات الشرع والعقل ، لاَن إبطال الاَصل يستلزم إبطال الفرع الذي نحبه ، وبالنتيجة خسارة كل شيء !!

* *


أحاديث أن الله تعالى يشفع عند نفسه !
بمقتضى أحاديثهم في استحقاق الموحد لدخول الجنة ، فلا يحتاج الاَمر إلى شفاعة ، بل تصير الشفاعة من نصيب المشركين !
ولكن أصحاب هذا الرأي احتاطوا في أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة ! واختلفت رواياتهم في من يشفع فيهم ! فقال بعضها إن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يشفع في الموحدين، وقال بعضها إن إسحاق هو شفيع الموحدين ، وقد صحح الحاكم روايته على شرط الشيخين ، كما سيأتي في مسألة الذبيح ! وقال بعضها إن النبي صلى الله عليه وآله يطلب من الله تعالى أن يعطيه الشفاعة فيهم فلا يعطيه إياها بل يستأثر بها لنفسه ، فكأنه تعالى يريد أن يجازيهم هو شخصياً ، لاَنهم شهدوا بتوحيده !!

ـ قال في كنز العمال ج 1 ص 56
ما زلت أشفع إلى ربي فيشفعني حتى أقول : شفعني فيمن قال لا إلَه إلا الله ، فيقول : ليست هذه لك يا محمد ! إنما هي لي ! أنا وعزتي وحلمي ورحمتي لا أدع في النار أحداً قال لا إلَه إلا الله ـ ع عن أنس . انتهى . وأورده الرازي في تفسيره ج 11 جزء 22 ص 10 . وفي كنز العمال ج 1 ص 64 فيقال : ليست هذه لك ولا لاَحد ، هذا إليَّ ،
( 172 )
فلا يبقى أحد قال لا إلَه إلا الله إلا أخرج منها ـ الديلمي عن أنس .

ـ طبقات الحنابلة لاَبي يعلى ج 1 ص 312
قال أحمد بن حنبل : إذا لم يبق لاَحد شفاعة قال الله تعالى : أنا أرحم الراحمين ، فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره .

ـ وروى البيهقي في سننه ج 10 ص 42
عن معبد بن هلال العنزي قال : أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه في رهط من أهل البصرة وسماهم لنا ، نسأله عن حديث الشفاعة ، فذكر الحديث بطوله في سؤاله وجوابه وخروجهم من عنده ودخولهم عن الحسن بن أبي الحسن البصري ، قال الحسن حدثني كما حدثكم ، قال ثم قال يعني النبي صلى الله عليه وسلم : فأجئ في الرابعة فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي يا محمد إرفع رأسك قل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع ، فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إلَه إلا الله فيقول ليس ذلك إليك ولكني وعزتي وكبريائي وعظمتي لاَخرجن منها من قال لا إلَه إلا الله . رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد زاد فيه ( وجلالي ) ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وغيره .

ـ ولكن الديلمي روى في فردوس الاَخبار ج 3 ص 276 ح 4695
أن الله تعالى يتنازل ويعطي الشفاعة فيهم لرسوله صلى الله عليه وآله ! قال عمرو بن العاص : قلت يا ربي شفعني فيمن قال لا إلَه إلا الله ، قال : لك ذلك ! انتهى .
ـ وقال الثعالبي في الجواهر الحسان ج 1 ص 351 في تفسير الآية 40 من سورة النساء :فيقول الله عز وجل : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقطبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط !

ـ وقال في ج 2 ص 360 :
وأحاديث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم
( 173 )
الراحمين ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال : فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكه وشفع النبيون وشفع المؤمنون . . . الخ .

ورواه البغوي في مصابيح السنة ج 3 ص 542
وقد أوردنا روايات هذه (الشفاعة ) من مصادر السنيين في المجلد الثاني في ادعائهم رؤية الله تعالى بالعين في الآخرة ! ومعناها أن الله تعالى يتوسط عند نفسه، وهو معنى عامي للشفاعة ! والظاهر أن أصلها الحديث المروي في مصادرنا عن الاِمام محمد الباقر عليه السلام الذي رواه في بحار الاَنوار ج 8 ص 361 عن حمران قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن الكفار والمشركين يرون أهل التوحيد في النار فيقولون مانرى توحيدكم أغنى عنكم شيئاً ، وما أنتم ونحن إلا سواء ! قال : فيأنف لهم الرب عز وجل فيقول للملائكة : إشفعوا فيشفعون لمن شاء الله ، ويقول للمؤمنين مثل ذلك ، حتى إذا لم يبق أحدٌ تبلغه الشفاعة ، قال تبارك وتعالى : أنا أرحم الراحمين ، أخرجوا برحمتي ، فيخرجون كما يخرج الفراش ، قال : ثم قال أبو جعفر عليه السلام : ثم مدت العُمُد وأعمدت عليهم ، وكان والله الخلود . انتهى .

ورواه في تفسير نور الثقلين ج 5 ص 523 عن مجمع البيان عن العياشي .
والمقصود بأهل التوحيد الذين تشملهم الشفاعة في هذه الرواية ، المسلمون الذين ارتضى الله دينهم وأماتهم على التوحيد .. فقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام أن بعض أصحاب المعاصي والانحرافات الكبيرة ، يسلب منهم التوحيد قبل موتهم ، والعياذ بالله ! !

* *