الرأي الثالث : أن الشفاعة تشمل جميع الخلق !

ـ مجموعة الرسائل لابن تيمية ج 1 ص 10
أجمع المسلمون على أن النبي ( ص ) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك ، وبعد أن يأذن الله في الشفاعة . ثم أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفقت عليه الصحابة. . . أنه يشفع لاَهل الكبائر ويشفع أيضاً لعموم الخلق . . . أما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هي للمؤمنين خاصة . . . ومنهم من أنكر الشفاعة مطلقاً . . . ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر ولا يخلد أحد في النار .

ـ ولكن ابن باز لم يأخذ بفتوى إمامه ابن تيمية فقال في فتاويه ج 4 ص 368
إن المشرك إذا مات على شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم ، وذلك مثل الذي يعبد الاَصنام أو الاَحجار أو الاَشجار أو الكواكب . . . أو يعبد الاَموات ومن يسمونهم بالاَولياء ، أو يستغيث بهم ويطلب منهم المدد أو العون عند قبورهم ، مثل قول بعضهم : يا سيدي فلان المدد المدد ، يا سيدي البدوي المدد المدد . . . أو يا سيدي رسول الله المدد المدد الغوث الغوث ، أو يا سيدي الحسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب ، أو غير ذلك ممن يدعوه المشركون . . . وهذا كله من الشرك الاَكبر ، فإذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار . انتهى .
فإن عجبت فاعجب لابن تيمية إمام الوهابيين حيث يحكم بدخول إبليس وقابيل وفرعون ونمرود الجنة لاَنهم من عموم الخلق ! ولاِمامهم المعاصر ابن باز حيث يحكم بأن ملايين المسلمين الذين يدعون الله تعالى ويطلبون من أوليائه مدداً مما أعطاهم الله تعالى كلهم ( مشركون ) مخلدون في النار أبد الآباد !!

ـ مجمع الزوائد ج 10 ص 379
وعن أنيس الاَنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إني
( 175 )
لاَشفع يوم القيامة في كل شيء مما على وجه الاَرض من حجر ومدر . رواه الطبراني في الاَوسط ، وفيه أحمد بن عمرو صاحب علي بن المديني ويعرف بالقلوري ولم أعرفه ، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم . انتهى . ورواه ابن عبد البر في الاِستيعاب ج 1 ص 114 والديلمي في فردوس الاَخبار ج 1 ص 93 ح 174 عن بريدة الاَسلمي وفيه ( لاَكثر مما على وجه الاَرض من حجر ومدر ) .

ـ الدر المنثور ج 6 ص 286
وأخرج ابن مردويه عن عبدالرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً على عمر بن الخطاب فقال له عمر : حدثني إلى ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة ؟ ! فقال كعب: قد أخبرك الله في القرآن أن الله يقول ( ما سلككم في سقر إلى قوله اليقين ) قال كعب: فيشفع يومئذ حتى يبلغ من لم يصل صلاة قط ويطعم مسكيناً قط ومن لم يؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير ! ) انتهى .
وإذا أراد كعب بقوله ( حتى يبلغ ، فإذا بلغت هؤلاء ) أن النبي يشفع حتى يبلغ هؤلاء فيشفع لهم أيضاً ، فلم يبق أحد في النار ! وإن أراد أنه يبلغهم ويقف عندهم ، فمعناه أن كعباً لايشترط لشمول الشفاعة إلا الاِيمان بيوم الدين ، وعملاً واحداً من الاَعمال المذكورة !

ـ كنز العمال ج 14 ص 511 عن ابن عساكر :
عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفسي بيده ! إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر ، وإن بيدي لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر ، ينادي الله يومئذ آدم فيقول : يا آدم ، فيقول لبيك رب وسعديك ، فيقول : أخرج من ذريتك بعث النار ، فيقول : يا رب وما بعث النار ؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين ، فيخرج ما لا يعلم عدده إلا الله ، فيأتون آدم فيقولون : يا آدم أنت أكرمك الله وخلقك بيده ، ونفخ فيك وروحه وأسكنك جنته ، وأمر الملائكة
( 176 )
فسجدوا لك ، فاشفع لذريتك أن لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول آدم : ليس ذلك إليِّ اليوم ، ولكن سأرشدكم ، عليكم بنوح فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح إشفع لذرية آدم فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن عليكم بعبد اصطفاه الله بكلامه ورسالته وصنع على عينه وألقى عليه محبة منه موسى وأنا معكم ، فيأتون موسى فيقولون : يا موسى أنت عبد اصطفاك الله برسالته وبكلامه وصنعت على عينه وألقى عليك محبة منه إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم عليكم بروح الله وكلمته عيسى فيأتون عيسى فيقولون : يا عيسى أنت روح الله وكلمته إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فيقول : ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن سأرشدكم عليكم بعبد جعله الله رحمة للعالمين أحمد وأنا معكم ، فيأتون أحمد فيقولون : يا أحمد جعلك الله رحمة للعالمين إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ، فأقول : نعم أنا صاحبها فآتي حتى آخذ بحلقة باب الجنة فيقال : من هذا أحمد ؟ فيفتح لي فإذا نظرت إلى الجبار لا إلَه إلا هو خررت ساجداً ، ثم يفتح لي من التحميد والثناء على الرب شيئاً لا يفتح لاَحد من الخلق ثم يقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار فيقول الرب جل جلاله : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قدر قيراط من إيمان فأخرجوه !
ثم يعودون إليَّ فيقولون : ذرية آدم لا يحرقون اليوم بالنار فآتي حتى آخذ بحلقة الجنة فيقال : من هذا ؟ فأقول أحمد ، فيفتح لي فإذا نظرت الجبار لا إلَه إلا هو خررت ساجداً مثل سجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء على الرب والتحميد مثل ما فتح لي أول مرة ، فيقال : إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا من وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه !
ثم آتي حتى أصنع مثل ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلى الجبار عز جلاله
( 177 )
خررت ساجداً فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك ثم يقال : إرفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول : يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار ! فيقول الرب : إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون ما لا يعلم عدده إلا الله ويبقى أكثر . ثم يؤذن لآدم في الشفاعة فيشفع لعشرة آلاف ألف ثم يؤذن للملائكة والنبيين فيشفعون ثم يؤذن للمؤمنين فيشفعون وإن المؤمن يشفع يومئذ لاَكثر من ربيعة ومضر . انتهى .
ومن الواضح أن هذه الرواية تطرح ذرية آدم كلهم موضوعاً للشفاعة ، ولكنها (تحتاط ) من التصريح بشمول الشفاعة لهم ، على عكس الروايات والآراء المتقدمة التي صرحت بشمول الشفاعة لجميع الخلق !
وإذا كان هذا الرأي يحتاج إلى رد ، فإن ما تقدم في أدلة الرأي الموافق لمذهبنا ، وما تقدم في نقد الآراء التوسيعية السابقة كافٍ لرده .


* *

( 178 )

الرأي الرابع أن العقاب في الآخرة ينتهي كلياً
وأن جهنم تفنى وينقل أهلها إلى الجنة !
وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة ، ولكن بحثناها هنا لذكر الشفاعة في كثير من رواياتها .
وأول من قال من المسلمين بفناء النار هو الخليفة عمر بن الخطاب ، وقد تأثر به عدد من المذاهب الكلامية . ولكن أكثر المتعصبين لعمر لم يأخذوا بقوله هذا ، ماعدا ابن تيمية وبعض تلاميذه ، كما سترى !

ـ قال السيوطي في الدر المنثور ج 3 ص 351
وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر رضي الله عنه قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم على ذلك يخرجون فيه . انتهى . ورواه الشوكاني في فتح القدير ج 2 ص 658 وغيره ، وعالج : منطقة رملية في بين صحراء نجد والبحرين .

آراء المسلمين في آيات الخلود وأحاديثه
من عادة الكلاميين والمفسرين عندما يجدون قولاً لصحابي يحبونه مخالفاً لآيات محكمة وأحاديث صريحة ، كمسألتنا هذه أنهم يحشدون للقارئ أقوالاً وآراء عديدة متضاربة متناقضة ، ويؤيدونها بروايات كثيرة متضاربة أيضاً ، وكأن واحدهم متحيرٌ يكتب للناس تحيره ويستغيث بهم ! أو كأن هدفه بدل التفسير والتوضيح ترويض ذهن القارئ وتدويخه لكي يقبل التناقض الذي يريد إقناعه به !
وموضوعنا هذا واحدٌ من هذه الموضوعات التي اتبع فيها المفسرون السنيون هذه السياسة .
وتفادياً لذلك نقدم رأي أهل البيت عليهم السلام وعلماء مذهبهم في المسألة وما وافقهم وما خالفهم من الآراء الاَخرى ، ليعرف الباحث من أين جاء الخلل إلى الرواة السنيين ومصادرهم في تفسير آيات الله تعالى ، وتفسير أقوال النبي صلى الله عليه وآله ، فإن الميزان
( 179 )
الشرعي لكل الآراء والاَحاديث عند الجميع هو القرآن والمتفق عليه من السنة . . ويضاف اليه عندنا ماثبت عن المفسرين الشرعيين للقرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله الذين هم عترته بصريح قوله صلى الله عليه وآله ( إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وحديث الثقلين صحيح عند الجميع .

أجمع المسلمون على خلود الكفار في جهنم

ـ الاِعتقادات للصدوق ص 53
باب الاِعتقاد في الجنة والنار : قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله : اعتقادنا في الجنة : أنها دار البقاء ودار السلامة ، لا موتٌ فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر . وأنها دار الغنى ودار السعادة ، ودار المقامة ودار الكرامة ، لا يمس أهلها نصب ولا يمسهم فيها لغوب ، لهم فيها ما تشتهي الاَنفس وتلذ الاَعين وهم فيها خالدون . وأنها دارٌ أهلها جيران الله تعالى وأولياؤه وأحباؤه وأهل كرامته .
وهم أنواع على مراتب : منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته ، ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والاَرائك وحور العين واستخدام الولدان المخلدين والجلوس على النمارق والزرابي ولباس السندس ، كلٌّ منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد ، على حسب ما تعلقت همته ، ويعطى ما عبد الله من أجله .
وقال الصادق عليه السلام : إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أصناف : فصنف منهم يعبدون شوقاً إلى جنته ورجاء ثوابه ، فتلك عبادة الخدام ، وصنف منهم يعبدونه خوفاً من ناره ، فتلك عبادة العبيد ، وصنف منهم يعبدونه حباً له ، فتلك عبادة الكرام، وهم الاَمناء ، وذلك قوله عز وجل : وهم من فزع يومئذ آمنون .
واعتقادنا في النار : أنها دار الهوان ودار الاِنتقام من أهل الكفر والعصيان ، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك .

( 180 )

ـ الاِعتقادات ص 81
واعتقادنا في قتلة الاَنبياء عليهم السلام وقتلة الاَئمة المعصومين عليهم السلام أنهم كفار مشركون مخلدون في أسفل درك من النار . ومن اعتقد بهم غير ما ذكرناه ، فليس عندنا من دين الله في شيء .

ـ تفسير الاِمام العسكري عليه السلام ص 578
قال الله تعالى : وما هم بخارجين من النار ، كان عذابهم سرمداً دائماً ، وكانت ذنوبهم كفراً ، لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي ، ولا خيِّرٍ من خيار شيعتهم .

ـ التبيان في تفسير القرآن ج 2 ص 524
الخلود في اللغة هو طول المكث ، ولذلك يقال : خلده في السجن وخلد الكتاب في الديوان . وقيل للأثافي : خوالد مادامت في موضعها ، فإذا زالت لا تسمى خوالد .
والفرق بين الخلود والدوام : أن الخلود يقتضي ( في ) كقولك خلد في الحبس ولا يقتضي ذلك الدوام ، ولذلك جاز وصفه تعالى بالدوام دون الخلود .
إلا أن خلود الكفار المراد به التأبيد بلا خلاف بين الاَمة . . . ومعنى خلودهم فيها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من أليم العقاب ، فأما من ليس بكافر من فساق أهل الصلاة فلا يتوجه إليه الوعيد بالخلود ، لاَنه لا يستحق إلا عقاباً منقطعاً به ، مع ثبوت استحقاقه للثواب الدائم ، لاَنه لو كان كذلك لاَدى إلى اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد . والاِجماع بخلافه .

ـ الطهارة للشيخ الاَنصاري ص 388
ومن ذلك يعلم الجواب عما دل من الاَخبار على عدم قبول توبته ، مثل قوله عليه السلام : من رغب عن الاِسلام وكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله فلا توبة له وقد وجبت عليه وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده . هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ينافي الاِسلام ، ودعوى المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود في النار وهو ينافي الاِسلام ،
( 181 )
مدفوع بأنه لا إجماع على خلود الكافر في النار مطلقاً حتى مثل هذا بعد التوبة .
هذا مضافاً إلى معارضتها مع عمومات قبول التوبة ، حيث أن ظاهرها القبول فيما يتعلق بأمر الآخرة من العقاب ، فتدل بظاهرها على أن المرتد تقبل توبته ولا يخلد في النار بعد التوبة ، بل يدخل الجنة فيكون مسلماً ، للاِجماع على خلود الكافر في النار .
فكما يمكن تقييد هذه بغير المرتد الفطري كذلك يمكن تقييد مثل الرواية والاَخبار المستفيضة بعدم قبول التوبة في دفع ما يحكم عليه بحدث الكفر من مفارقة المال والزوجة والحياة . وبعد التعارض يجب الرجوع إلى الاَصل .
هذا مضافاً إلى قول الباقر عليه السلام المروي في باب إعادة الحج : من كان مؤمناً فحج وعمل في إيمانه خيراً ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب وآمن ؟ قال : يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه شيء .
هذا كله مع أن لنا أن نكتفي بالاَصل ، ونستدل على طهارته بما دل على طهارة المسلمين .

الروايات التي توافق هذا الرأي عند إخواننا السنيين

ـ صحيح البخاري ج 7 ص 203
عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا ؟ فيأتون آدم فيقولون أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا عند ربنا ، فيقول : لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول : إئتوا نوحاً أول رسول بعثه الله فيأتونه فيقول : لست هناكم ، ويذكر خطيئته ، إئتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً ، فيأتونه فيقول :لست هناكم ، ويذكر خطيئته ، ائتوا موسى الذي كلمه الله فيأتونه فيقول : لست هناكم ، فيذكر خطيئته ، إئتوا عيسى فيأتونه فيقول : لست هناكم ، إئتوا
( 182 )
محمداً فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فيأتوني فأستأذن على ربي فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال : إرفع رأسك ، سل تعطه ، قل يسمع ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حداً، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فأقع ساجداً مثله في الثالثة أو الرابعة حتى ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن . وكان قتادة يقول عند هذا : أي وجب عليه الخلود . انتهى .
وقد روت مصادر السنيين عبارة ( إلا من حبسه القرآن ) وفسرتها رواياتهم ومفسروهم بالتأبيد . .
وممن رواها البخاري في ج 8 ص 183 كما تقدم
ورواها أيضاً في ج 5 ص 147 وفيه ( إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود . ثم قال البخاري : إلا من حبسه القرآن يعنى قول الله تعالى : خالدين فيها )
وقال في ج 7 ص 203 ( إلا من حبسه القرآن، وكان قتادة يقول عند هذا : أي وجب عليه الخلود )
ورواها في ج 8 من ص173 ( إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود )
وفي ج 8 ص 184 : إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود . انتهى .
ورواها مسلم في ج 1 ص 124 وص 125 وأحمد ج 3 ص 116 وص 244 مثل رواية البخاري الاَخيرة .
ورواها ابن ماجة ج 2 ص 1443 ، وكنز العمال ج 14 ص 397 عن أحمد والبيهقي والترمذي وغيرهم .

ـ سنن الترمذي ج 4 ص 95
باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون . . . .

( 183 )
فإذا أدخل الله تعالى أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتى بالموت ملبباً فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار ، ثم يقال : يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال : يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة ، فيقال لاَهل الجنة ولاَهل النار : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء : قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا ، فيضجع فيذبح ذبحاً على السور ، ثم يقال : يا أهل الجنة خلود لا موت ، ويا أهل النار خلود لا موت . هذا حديث حسن صحيح . ورواه أحمد في ج 2 ص 368

ـ مستدرك الحاكم ج 4 ص 496
فإذا أراد الله عز وجل أن لا يخرج منها أحد غير وجوههم وألوانهم ، قال فيجيء الرجل فينظر ولا يعرف أحداً فيناديه الرجل فيقول : يا فلان أنا فلان ، فيقول : ما أعرفك ، فعند ذلك يقول : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فيقول عند ذلك : إخسؤوا فيها ولا تكلمون ، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلا يخرج منهم بشر . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

ـ الدر المنثور ج 1 ص 166
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله : وما هم بخارجين من النار قال : أولئك أهلها الذين هم أهلها .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الاَوزاعي قال سمعت ثابت بن معبد قال : ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتى نزلت : وما هم بخارجين من النار .

ـ الدر المنثور ج 2 ص 163
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : وإن تك حسنة ، وزن ذرة زادت على سيآته يضاعفها ، فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبداً .

ـ الدر المنثور ج 6 ص 257
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه
( 184 )
والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال : يفترق ثلاث فرق فرقة تتبعه ، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشيح ، وفرقة تأخذ شط الفرات فيقاتلهم ويقاتلونه حتى يجتمع المؤمنون بقرى الشام . . . وما يترك فيها أحداً فيه خير، فإذا أراد الله أن لا يخرج منها أحداً غير وجوههم وألوانهم ، فيجيء الرجل من المؤمنين فيشفع فيقال له من عرف أحداً فيخرجه فيجيَء الرجل فينظر فلا يعرف أحداً فيقول الرجل للرجل يا فلان أنا فلان فيقول ما أعرفك فيقولون ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فيقول إخسؤوا فيها ولا تكلمون ، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلم يخرج منهم بشر .

ـ مجمع الزوائد ج 10 ص 395
باب الخلود لاَهل النار في النار وأهل الاِيمان في الجنة . عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتي بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا ، قال فيقال : هل تعرفون هذا ؟ فيقولون نعم ربنا هذا الموت ، فيذبح كما يذبح الكبش ، فيأمن هؤلاء وينقطع رجاء هؤلاء . رواه أبو يعلى والطبراني في الاَوسط بنحوه والبزار ورجالهم رجال الصحيح غير نافع بن خالد الطاحي وهو ثقة .
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فلما قدم عليه قال : يا أيها الناس إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم يخبركم أن المرد إلى الله ، وإلى جنة أو نار ، خلود بلا موت ، وإقامة بلا ظعن .

ـ الدر المنثور ج 3 ص 350
وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله : إلا ما شاء ربك ، قال فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار ، وأن يخلد هؤلاء في الجنة .
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله : فأما الذين شقوا . . . الآية ، قال : فجاء بعد
( 185 )
ذلك من مشيئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدينة : إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا . . إلى آخر الآية ، فذهب الرجاء لاَهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الاَبد . وقوله وأما الذين سعدوا . . الآية قال : فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات . . إلى قوله ظلاً ظليلاً ، فأوجب لهم خلود الاَبد .

ـ الاَحكام في الحلال والحرام ج 1 ص 35
وأن من دخل الجنة أو النار من الاَبرار والفجار فإنه غير خارج من أيهما ، صار إليها وحل بفعله فيها أبد الاَبد ، لا ما يقول الجاهلون من خروج المعذبين من العذاب المهين إلى دار المتقين ومحل المؤمنين ، وفي ذلك ما يقول رب العالمين : خالدين فيها أبداً ، ويقول عز وجل : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم . ففي كل ذلك يخبر أن كل من دخل النار فهو مقيم فيها ، غير خارج منها من بعد مصيره إليها ، فنعوذ بالله من الجهل والعمى .

سبب خلود أهل النار فيها

ـ الكافي ج 2 ص 85
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقري ، عن أحمد بن يونس ، عن أبي هاشم قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إنما خلد أهل النار في النار ، لاَن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً ، وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لاَن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً ، فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء ، ثم تلا قوله تعالى : قل كل يعمل على شاكلته ، قال على نيته . ورواه الصدوق في الهداية ص 12 وفي علل الشرائع ج 2 ص 523 والعياشي في تفسيره ج 2 ص 316 والبرقي في المحاسن ج 2 ص 36

( 186 )

آيات الخلود في الجنة والنار

ـ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة ـ 39
ـ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون . البقرة ـ 81 ـ 82
ـ خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون . البقرة ـ 162
ـ ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة ـ 217
ـ والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة ـ 257
ـ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ، وأحل الله البيع وحرم الربا ، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . البقرة ـ 275
ـ أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون ، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم . آل عمران 87 ـ 89
ـ إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . آل عمران ـ 116
ـ ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين . النساء ـ 14

( 187 )
ـ ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيما . النساء ـ 93
ـ قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله ، إن ربك حكيم عليم . الاَنعام ـ 128
ـ والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . الاَعراف ـ 36
ـ أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون . التوبة ـ 17
ـ ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ، ذلك الخزي العظيم . التوبة ـ 63
ـ وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها ، هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم . التوبة ـ 68
ـ والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم ، كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يونس ـ 27
ـ ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون . ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين . يونس 52 ـ 53
ـ فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ، خالدين فيها مادامت السماوات والاَرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والارض إلا ما شاء ربك ، عطاء غير مجذوذ . هود 106 ـ 108
ـ أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الاَغلال في أعناقهم ، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . الرعد ـ 5

( 188 )
ـ فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها، فلبئس مثوى المتكبرين . النحل ـ 29
ـ من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ، خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا . طه 100 ـ 101
ـ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون . الاَنبياء 98 ـ 99
ـ ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ، تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ، ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون . المؤمنون ـ 103 ـ 105
ـ وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون . السجدة ـ 14
ـ خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيرا . الاَحزاب ـ 65
ـ قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . الزمر ـ 72
ـ ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين . غافر ـ 76
ـ ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون . فصلت ـ 28
ـ إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ، لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ، ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ، قال إنكم ماكثون . الزخرف ـ 74 ـ 77
ـ ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم ، كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم . محمد ـ 15

( 189 )
ـ لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . المجادلة ـ 17
ـ فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين . الحشر ـ 17
ـ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير . التغابن ـ 10
ـ ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا . الجن ـ 23
ـ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها ، أولئك هم شر البرية . البينة ـ 6
ـ إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ، وما نؤخره إلا لاَجل معدود ، يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ، فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ، خالدين فيها ما دامت السماوات والاَرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والاَرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ . هود 103 ـ 108
ـ ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب ، إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاَسباب ، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا ، كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار . البقرة 165 ـ 167
ـ إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الارض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ، يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم . المائدة 36 ـ 37

( 190 )

عدم خلود الموحدين في النار في مصادرنا
تقدم رأي أهل البيت عليهم السلام في شمول الشفاعة للمسلمين بشروط ، وأوردنا فيه حديث ابن أبي عمير عن الاِمام الكاظم عليه السلام من توحيد الصدوق ص 407 وفيه ( لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود والضلال والشرك . . . ) انتهى . ورواه المجلسي في بحار الاَنوار ج 8 ص 351 ووصف الشيخ الاَنصاري في مكاسبه ص 335 روايته بأنها حسنة .

ـ بحار الاَنوار ج 8 ص 361
عيون أخبار الرضا : فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون من محض الاِسلام : إن الله لا يدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنة ، ولا يخرج من النار كافراً وقد أوعده النار والخلود فيها ، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها ، والشفاعة جائزة لهم .

ـ بحار الاَنوار ج 8 ص 366
قال العلامة رحمه الله في شرحه على التجريد : أجمع المسلمون كافة على أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع ، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين ، فالوعيدية على أنه كذلك ، وذهبت الاِمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والاَشاعرة إلى أن عذابه منقطع ، والحق أن عقابهم منقطع لوجهين :
الاَول : أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، والاِيمان أعظم أفعال الخير ، فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب على العقاب وهو باطل بالاِجماع ، لاَن الثواب المستحق بالاِيمان دائم على ما تقدم ، أو بالعكس وهو المراد ، والجمع محال .
الثاني : يلزم أن يكون من عبَد الله تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه ، ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه ، مخلداً في النار ، كمن أشرك بالله مدة عمره ! وذلك محال لقبحه عند العقلاء .

( 191 )

ـ الكافي للحلبي ص 481
إن قيل : فإذا كان الوعيد ثابتاً بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد ، كيف يتم لكم ما تذهبون اليه من انقطاع عقاب بعض العصاة ؟.
قيل : ثبوت الوعيد على كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة ، لاَنا نقول بموجبه ، وإنما نمنع من دوامه لغير الكفار ، وثبوته منقطعاً يجوز سقوطه بأحد ما ذكرناه ، ولا يمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن ، من حيث كان الاِجماع حاصلاً باستحقاق العقاب دون دوامه . . . وإنما يعلم به دوام عقاب الكفر .

ـ الكافي للحلبي ص 492
وأهل النار من الاَولين والآخرين ضربان : كفار مخلدون وإن زاد عقاب بعض على بعض بحسب كفره ، وفساق مقطوع على خروجهم من النار بعفو مبتدأ ، أو عند شفاعة ، أو انتهاء عقابهم إلى غاية مستحقه ، وحالهم في مراتب التعذيب بحسب عصيانهم . ولا يجوز أن يبلغ عقابهم في العظم عقاب الكفار ، لاقتران ما استحقوا به العقاب من المعصية بالمعرفة بالمعصي تعالى والخوف منه والرجاء لفضله ، وتسويف التوبة ، وانتفاء ذلك أجمع عن عصيان الكفار . ولا سبيل إلى العلم بمقدار إقامتهم فيها .

عدم خلود الموحدين في النار في مصادر السنيين

ـ صحيح البخاري ج 1 ص 195
عن أبي هريرة : أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا لا ، يا رسول الله . قال : فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ قالوا لا ، قال : فإنكم ترونه كذلك . يحشر الناس يوم القيامة فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبع ، فمنهم من يتبع الشمس ، ومنهم من يتبع القمر ، ومنهم من يتبع الطواغيت . وتبقى هذه الاَمة فيها منافقوها فيأتيهم الله
( 192 )
عز وجل فيقول أنا ربكم ! فيقولون : هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا! فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل ، وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ، هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا نعم ، قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل . . . ورواه البخاري أيضاً في ج 7 ص 205

ـ صحيح البخاري ج 1 ص 16
عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج من النار من قال : لا إلَه إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إلَه الا الله وفي قلبه وزن برة من خير ، ويخرج من النار من قال : لا إلَه إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير ، قال : أبو عبد الله قال : أبان ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : من إيمان ، مكان خير .

ـ صحيح البخاري ج 7 ص 202
عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير ! قلت : ما الثعارير ؟ قال الضغابيس ! وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دينار : أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : يخرج بالشفاعة من النار ؟ قال : نعم .
حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالك عن النبي
( 193 )
صلى الله عليه وسلم قال : يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين . . .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله : من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه ، فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمماً ، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، أو قال حمية السيل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتوية .

ـ وفي ص 203
عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة ، يسمون الجهنميين .

ـ سنن النسائي ج 2 ص 229
عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد قال : كنت جالساً إلى أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت ، قال : فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل ، وذكر الصراط ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأكون أول من يجيز ، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه ، وأخرج من النار من يريد أن يخرج أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع ، فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلا موضع السجود ، فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .

ـ الدر المنثور ج 3 ص 349
أما قوله فمنهم شقي وسعيد ، فهم قوم من أهل الكبائر من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ، ثم يأذن في الشفاعة لهم ، فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة ، فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار . فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والاَرض إلا ما شاء ربك ، حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، وهم هم . وأما
( 194 )
الذين سعدوا يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه ، ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والاَرض إلا ما شاء ربك ، يعني الذين كانوا في النار .

ـ الدر المنثور ج 2 ص 280
قوله تعالى ( إن الذين كفروا لو أن لهم ) الآيتين : أخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة ، قال يزيد بن الفقير : فقلت لجابر بن عبد الله : يقول الله يريودن أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ؟ قال : أتل أول الآية : إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الاَرض جميعاً ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ، ألا إنهم الذين كفروا .
وأخرج البخاري في الاَدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن طلق بن حبيب قال : كنت من أشد الناس تكذيباً للشفاعة ، حتى لقيت جابر بن عبدالله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار ، قال : يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مني ؟ ! إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون ، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً ثم خرجوا منها ، ثم أهوى بيده إلى أذنيه فقال : صمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يخرجون من النار بعد ما دخلوا ، ونحن نقرأ كما قرأت .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الاَزرق قال لابن عباس : وما هم بخارجين منها ؟ فقال ابن عباس : ويحك إقرأ ما فوقها ، هذه للكفار .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال : إن الله إذا فرغ من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت عرشه فيه : رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين ، قال فيخرج من النار مثل أهل الجنة ، أو قال مثلي أهل الجنة ، مكتوب هاهنا منهم ، وأشار إلى نحره عتقاء الله تعالى .
فقال رجل لعكرمة : يا أبا عبدالله فإن الله يقول : يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ؟ قال : ويلك أولئك هم أهلها الذين هم أهلها .

( 195 )

ـ الدر المنثور ج 2 ص 111
ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال : قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت : وما هم بخارجين من النار ؟ قال : أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم الكفار ، قلت لجابر فقوله : إنك من تدخل النار فقد أخزيته؟ قال وما أخزاه حين أحرقه بالنار ؟ ! وإن دون ذلك خزياً .

ـ الدر المنثور ج 4 ص 93
وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أصحاب الكبائر من موحدي الاَمم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير نادمين ولا تائبين ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم ، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم على الخلود من أجل التوحيد . . . الخ. وقد تقدم ذلك في روايات الرأي الثاني القائل بأن التوحيد وحده كافٍ لدخول الجنة ، وأن الموحدين كلهم يخرجون من جهنم ويدخلون الجنة ، ويسمون الجهنميين ، ويلاحظ كثرة روايات الجهنميين في مصادر السنيين .

ـ الاِمام الصادق للشيخ محمد أبي زهرة ص 227
اتفقت الاِمامية على أن من عذب بذنبه من أهل الاِقرار والمعرفة لم يخلد في العذاب . . . وإن هذا الرأي . . . يتفق مع رأي الجمهور . . . وقد نسبه إليه ( الاِمام جعفر الصادق عليه السلام ) أبو جعفر القمي . . .

ـ شرح مسلم للنووي ج 1 ص 69
لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ، وهذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة .

* *