الفهرس العام



الفصل الثالث
الامامة



( 85 )
23 ـ عقيدتنا في الاِِمامة

نعتقد: أنّ الامامة أصل من اُصول الدين(1) لا يتم الاِيمان إلاّ بالاعتقاد بها، ولا يجوز فيها تقليد الآباء والاَهل والمربّين مهما عظموا
____________
(1) الاِمامة: هي الاَصل الرابع من أصول الدين عند الشيعة الاِمامية، وتأتي من بعد النبوّة من حيث الاَهمية، ويمكن اعتبارها القاعدة العقائدية التي بها يتميّز الامامية عن غيرهم من المذاهب الاسلامية، وتعتبر الاِمامة الاَساس الفكري الذي يبتني عليه مذهب أتباع أهل البيت عليهم السلام.
والامامة في اللغة هي: عبارة عن تقدّم شخص ليتبعه الناس ويقتدون به، فيكون المقتدى هوالامام والمقتدون هم المأمومون. فالاِمام: المؤتم به إنساناً، كأن يقتدي بقوله أو فعله، وجمعه: أئمة.
ووردت كلمة إمام في القرآن في اثني عشر مورداً؛ منها بلفظ المفرد في سبعة موارد هي في: (سورة البقرة 2: 124، هود 11: 17، الحجر 15: 79، الاسراء 17: 71، الفرقان 25: 74، يس 36: 12، الاَحقاف 46: 12).
وبلفظ الجمع في خمسة مواضع هي: (التوبة 9: 12، الاَنبياء 21: 73، القصص 28: 5 و41، السجدة 32: 24).
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة الامامة فهي: منصب إلهي يختاره الله بسابق علمه بعباده كما يختار النبي، ويأمر النبي بأن يدلّ الاَمّة عليه ويأمرهم باتّباعه، وليس للعباد أن يختاروا الامام بأنفسهم: ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الخِيَرَةَ ) القصص 28: 68. ويختلف الامام عن النبي بأنّ النبي ويوحى إليه والامام يتلقّى الاَحكام من النبي بتسديد إلهي. فالنبي مبلّغ عن الله، والامام مبلّغ عن النبي. هذا ما يعتقده الامامية.
أما عند المذاهب الاخرى فالامامة هي: رئاسة عامّة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي صلّى الله عليه وآله وأحكامه في الفروع.
ولمزيد من الاطلاع راجع: كتب اللغة، أصل الشيعة واصولها: 210 و221، العقائد الجعفرية: 27، الملل والنحل للشهرستاني: 1|33، شرح المقاصد: 5|232. وغيرها.

( 86 )
وكبروا، بل يجب النظر فيها كما يجب النظر في التوحيد والنبوّة.
وعلى الاَقل أنّ الاعتقاد بفراغ ذمّة المكلَّف من التكاليف الشرعية المفروضة عليه يتوقّف على الاعتقاد بها ايجاباً أو سلباً، فإذا لم تكن أصلاً من الاُصول لا يجوز فيها التقليد؛ لكونها أصلاً، فإنّه يجب الاعتقاد بها من هذه الجهة، أي من جهة أنّ فراغ ذمة المكلَّف من التكاليف المفروضة عليه قطعاً من الله تعالى واجب عقلاً، وليست كلّها معلومة من طريقة قطعية، فلا بدَّ من الرجوع فيها إلى من نقطع بفراغ الذمة باتّباعه، أمّا الامام على طريقة الامامية، أو غيره على طريقة غيرهم.
كما نعتقد: أنّها كالنبوَّة لطف من الله تعالى؛ فلا بدَّ أن يكون في كل عصر إمام هادٍ يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر(1) وارشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وله ما للنبي من الولاية العامّة على الناس، لتدبير شؤونهم ومصالحهم، وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان من بينهم.
وعلى هذا، فالامامة استمرار للنبوّة، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الاَنبياء هو نفسه يوجب أيضاً نصب الاِمام بعد الرسول.
فلذلك نقول: إنّ الامامة لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان النبي أو لسان الاِمام الذي قبله، وليست هي بالاختيار، والانتخاب من
____________
(1) فقد قال تعالى: (إنَّا أَرْسَلْنكَ بِاْلحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إلاّ خَلا فيها نَذِيرٌ) فاطر 35 : 24.
ووردت أحاديث كثيرة تدلّ على أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة. راجع الاصول من الكافي: 1| 136 باب أنّ الاَرض لا تخلو من حجّة و137 باب أنّه لو لم يبق في الاَرض إلاّ رجلان لكان أحدهما الحجة. وغيرها.

( 87 )
الناس(1)، فليس لهم إذا شاؤوا ينصبوا أحدا نصّبوه ، واذا شاء وا أن يعيّنوا إمام لهم عيّنوه ، ومتى شاؤوا أن يتركوا تعيينه تركوه، ليصح لهم البقاء بلا إمام، بل «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة»(2)على ما ثبت
____________
(1) فقد اشتهر بين علماء الاسلام أنهم بين قولين لا ثالث لهما حول تنصيب الامام؛ فهم بين قائل بأنّ الامامة بالرأي والاختيار، وبين قائل بأنّها من العزيز الجبار. وبطلان الاَول متفق عليه عند الشيعة الامامية، حيث أنّ الامام يجب أن يكون بتعيين الله عزّ وجلّ، ويدلّ عليه النبي بأن يوصي بطاعته من بعده ـ كما فعل صلّى الله عليه وآله في غدير خم ـ ومن ثمّ يوصي الامام بالامام الذي يليه وهكذا. أو يكون بظهور المعجزة على يده؛ لاَنّ شرط الامامة العصمة وهي من الامور الخفيّة الباطنيّة التي لا يعلمها إلاّ الله تعالى.
أما المذاهب الاخرى ـ غير الامامية ـ فقالوا: إنّ الامامة لا يشترط فيها استخلاف النبي وعهده، بل قد تكون بالمبايعة، وهي أن يبايع أهل الحل والعقد شخصاً يجعلونه إماماً ـ وهذا يبتني على عدم اشتراط العصمة في الامام ـ ولا يشترط أن يتفق الجميع على بيعته، بل قد تكفي مبايعة شخص واحد فقط. وإذا لم تتم البيعة فهنالك طريق آخر لتنصيب الامام هو: القهر والاستيلاء؛ فإذا مات الامام وتصدّى للامامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة ولا استخلاف وقهر الناس بشوكته انعقدت الخلافة له، حتى وإن كان فاسقاً جاهلاً جائراً ظالماً، وقالوا أنّه لا يجوز عزل الامام حتى وإن كان فاسقاً، لكن لو جاء من هو أقوى منه فعزله وقهره انعزل وصار القاهر إماماً.
فهل يرضى العاقل لنفسه الانقياد إلى مذهب ويوجب إمامة الفاسق والجائر والجاهل لا لسبب، إلاّ لاَنّه الاَقوى والاَقدر على قهر غيره ولو بالفسق والجريمة؟!
ولا يجوز عزله إلاّ بمن هو أقوى منه فيقهره فيكون إماماً عليه بعد أن كان مأموماً له؟! وهل هذا هو الامام الذي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية؟! وأين هذا المذهب من قوله تعالى: (أفَمنْ يَهْدِي إِلى الحْقِّ أَحقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهْدي إلاَّ أَنْ يُهدَى فَمالَكُم كَيْفَ تَحْكُموُنَ) يونس 10: 35.
ولمزيد من الاطلاع راجع: نهج الحق وكشف الصدق: 168، شرح المقاصد للتفتازاني: 5: 233، التمهيد للباقلاني: 186، أصل الشيعة واصولها: 221، عقائد الجعفرية: 29.
(2) انظر: الكافي: 1|377 ح3، المحاسن: 1|176 ح273، عيون أخبار الرضا (عليه


( 88 )
ذلك عن الرسول الاَعظم بالحديث المستفيض.
وعليه لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة، منصوب من الله تعالى؛ سواء أبى البشر أم لم يأبوا، وسواء ناصروه أم لم يناصروه، أطاعوه أم لم يطيعوه، وسواء كان حاضراً أم غائباً عن أعين الناس؛ إذ كما يصح أن يغيب النبي ـ كغيبته في الغار(1)والشعب(2)ـ صحَّ أن يغيب الامام، ولا فرق في حكم العقل بين طول الغيبة وقصرها.
قال الله تعالى: (وَلِكُلِ قومٍ هَادٍ ).(3)
وقال: (وإِن مِـن أُمّـةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيها نَذِيرٌ ) .(4)

____________

=
السلام):2|58 ح214، إكمال الدين: 413 ح15، الغيبة للنعماني: 130 ح6، رجال الكشي: 2|724 ح799، مسند الطيالسي: 259|1913، حلية الاَولياء: 3|224، المعجم الكبير للطبراني: 10|350 ح10687، مستدرك الحاكم: 1|77، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9|155، ينابيع المودة: 3|155، مجمع الزوائد: 5|224، مسند أحمد: 4|96.
(1) وهي غيبته التي قال فيها عزّ وجلّ: (إلاّ تَنْصرُوُهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنيَنِ إذ هُما في الغَارِ إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِه لاَ تَحْزَنْ إنَّ الله مَعَنَا فَأَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأيَّدَهُ بجُنِودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَروُا السُّفْلَى وكَلِمَةُ الله هيَ العُلْيا وَالله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة 9: 40.
(2) الشِعب: هو ما انفرج بين جبلين. والمقصود به هنا هو شعب أبي طالب (رض) الذي دخله بنو هاشم ومعهم بنو عبد المطّلب بن عبد مناف ـ باستثناء أبي لهب ـ واستمرّوا فيه إلى السنة العاشرة حيث استمرت هذه المحنة سنتين أو ثلاثاً، ووضعت قريش عليهم الرقباء حتّى لا يأتيهم أحد بالطعام. وكانوا ينفقون من أموال خديجة وأبي طالب حتى نفدت. ولم يكونوا يخرجون من الشِعب إلاّ في موسم العمرة في رجب وموسم الحج. وكان خلال هذه الفترة يخرج علي عليه السلام فيأتيهم بالطعام سرّاً من مكّة.
راجع: الصحيح في سيرة النبي: 2|108، لسان العرب: 1|499.
(3) الرعد 13: 7.
(4) فاطر 35: 24.

( 89 )
24 ـ عقيدتنا في عصمة الإمام
ونعتقد: أنّ الاِمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سنِّ الطفولة إلى الموت، عمداً وسهواً.
كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان؛ لاَنّ الاَئمّة حفظة الشرع، والقوَّامون عليه، حالهم في ذلك حال النبي، والدليل الذي اقتضانا أن نعتقد بعصمة الاَنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الاَئمة، بلا فرق(1).
ليس على الله بمُستنكَرِ * أنْ يَجمعَ العالَمَ في واحدِ(2)


____________
(1) ولو لم يكونوا معصومين لما كانوا يستحقّون أن يكونوا خلفاء النبي صلّى الله عليه وآله، ولاَنّ عدم عصمتهم يلزم منه التسلسل؛ حيث أنّ سبب الحاجة إلى الامام بعد النبي هو عدم عصمة الناس، فيحتاجون إلى من يرشدهم ويدلّهم على الطريق السوي، فإذا لم يكن هذا المرشد معصوماً لاحتاج إلى غيره، وهذا يؤدّي إلى وجوب وجود ما لانهاية من الاَئمة.
راجع: أوائل المقالات ـ للشيخ المفيد ـ القول 37، تجريد الاعتقاد: 222.
(2) البيت لاَبي نواس في ديوانه، راجع: دلائل الاعجاز: 196 (218) و: 424 (499)، و: 428 (502).

( 90 )
25 ـ عقيدتنا في صفات الاِمام وعلمه
ونعتقد: أنّ الاِمام كالنبي يجب أن يكون أفضل الناس في صفات الكمال، من شجاعة، وكرم، وعفّة، وصدق، وعدل، ومن تدبير، وعقل وحكمة وخلق.
والدليل في النبي هو نفسه الدليل في الامام...
أمّا علمه؛ فهو يتلقّى المعارف والاَحكام الاِلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الاِمام من قبله.
وإذا استجدّ شيء لا بدَّ أن يعلمه من طريق الاِلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنْ توجّه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي، لا يخطىَ فيه ولا يشتبه، ولا يحتاج في كلّ ذلك إلى البراهين العقلية، ولا إلى تلقينات المعلِّمين(1) ، وإن كان علمه قابلاً للزيادة والاشتداد، ولذا قال صلّى الله عليه وآله في دعائه: «رَبِّ زدني علماً»(2).
أقول: لقد ثبت في الاَبحاث النفسيّة أنّ كل انسان له ساعة أو ساعات في حياته قد يعلم فيها ببعض الاَشياء من طريق الحدس الذي هو فرع من الاِلهام؛ بسبب ما أودع الله تعالى فيه من قوّة على ذلك، وهذه القوّة تختلف
____________
(1) لاَنه ـ بطبيعة الحال ـ لو احتاج إلى معلّم يلقّنه ويعلّمه لكان ذلك الشخص أعلم منه في تلك المسألة التي علّمه إياها ـ على أقل التقديرات ـ فيكون هو إمامه وعليه أن يتّبعه ويلتزم بقوله، وفي نفس الوقت يكون هذا المعلم يحتاج إلى من يعلمه وهكذا، فيلزم التسلسل. ولذلك يفترض في الامام أن يكون أعلم الموجودين في زمانه ولا يحتاج إلى تعليم من أحد منهم.
(2) تضمين قوله تعالى: (وَقُلْ ربِّ زِدْنِي عِلْماً): طه 20: 114.

( 91 )
شدّة وضعفاً، وزيادة ونقيصة في البشر باختلاف أفرادهم، فيطفر ذهن الانسان في تلك الساعة إلى المعرفة من دون أن يحتاج إلى التفكير وترتيب المقدّمات والبراهين أو تلقين المعلّمين، ويجد كل إنسان من نفسه ذلك في فرص كثيرة في حياته.
وإذا كان الاَمر كذلك، فيجوز أن يبلغ الانسان من قوّته الالهامية أعلى الدرجات وأكملها، وهذا أمر قرَّره الفلاسفة المتقدّمون والمتأخرون.
فلذلك نقول ـ وهو ممكن في حدِّ ذاته ـ : إنّ قوّة الالهام عند الامام ـ التي تسمّى بالقوة القدسية ـ تبلغ الكمال في أعلى درجاته، فيكون في صفاء نفسه القدسية على استعداد لتلقّي المعلومات في كلّ وقت وفي كل حالة، فمتى توجَّه إلى شيء من الاَشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوّة القدسية الالهامية بلا توقّف ولا ترتيب مقدمات ولا تلقين معلِّم، وتنجلي في نفسه المعلومات كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية، لاغطش فيها ولا إبهام.
ويبدو واضحاً هذا الاَمر في تاريخ الاَئمّة عليهم السلام كالنبي محمد صلّى الله عليه وآله؛ فإنّهم لم يتربَّوا على أحد، ولم يتعلَّموا على يد معلِّم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم انه دخل الكتاتيب، أو تلمذ على يد استاذ في شيء من الاشياء، مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى(1) . وما سُئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في
____________
(1) وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: «رسول الله صلّى الله عليه وآله علّمني ألف باب، وكلّ باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب» الكافي: 1|239، ينابيع المودة 1|75.
وقال عليه السلام: «والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه

=


( 92 )
وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري)(1) ، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمّل أو نحو ذلك(2).
في حين أنّك لا تجد شخصاً مترجماً له من فقهاء الاِسلام ورواته وعلمائه إلاّ ذكرت في ترجمته تربيته وتلمذته على غيره، وأخذه الرواية أو العلم على المعروفين، وتوقّفه في بعض المسائل، أو شكِّه في كثير من المعلومات، كعادة البشر في كلِّ عصر ومصر.

____________

=
لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله صلّى الله عليه وآله، ألا وإنّي مفضيه إلى الخاصة ممّن يؤمن ذلك منه. والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلاّ صادقاً، وقد عهد إليّ بذلك كله وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو ومآل هذا الاَمر، وما أبقى شيئاً يمر على رأسي إلاّ أفرغه في اذني وأفضى به إليّ» نهج البلاغة: الخطبة 175.
وغيرها من الروايات والاَحاديث الدالة على أنّ علمهم عليهم السلام من الله عن طريق النبي صلّى الله عليه وآله.
(1) وقد ورد في الحديث عن هشام بن الحكم، عن الامام الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّ الله لا يجعل حجّته في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري» الكافي: 1|177 ذيل الحديث1، التنبيه: 32.
(2) بل اشتهر عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه كان يقول: «أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني، فلاَنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الاَرض» نهج البلاغة: الخطبة: 184.

( 93 )
26 ـ عقيدتنا في طاعة الاَئمّة
ونعتقد: أنّ الاَئمة هم أولو الاَمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم(1) ، وأنّهم الشهداء على الناس(2) ، وأنّهم أبواب الله، والسبل إليه، والاَدلاّء عليه(3) ، وأنّهم عيبة علمه، وتراجمة وحيه، وأركان توحيده، وخُزّان معرفته(4) ، ولذا كانوا أماناً لاَهل الاَرض كما أنّ النجوم أمان لاَهل السماء ـ على حد تعبيره صلّى الله عليه وآله(5) ـ.

____________
(1) إشارة إلى قوله تعالى: (يأَيُّها الّذِينَ آمَنوُا أَطِيعوُا اللهَ وأطيعوُا الرَّسُولَ وأُوْلِي الاَمْرِ منْكُمْ فَإنْ تَنَزَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسُولِ إِن كُنْتُم تُؤمِنُونَ باللهِ وَاليومِ الاَخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلاً) النساء 4: 59.
(2) فقد ورد عن الامام الباقر عليه السلام وعن الامام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنّهم قالوا: «نحن الاَمة الوسط، ونحن شهداء الله على خلقه» الكافي: 1|146 ح2 و4، حيث ورد قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة 2: 143.
(3) حيث أنّهم هم الاَئمة بالحق، وقد تواتر عن النبي قوله: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية». انظر: عقيدتنا في الامامة.
وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسهُ، ولكن جعلنا أبوابه، وصراطه، وسبيله، والوجه الذي يؤتى منه، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصراط لناكبون» الكافي: 1|184.
(4) ورد عن الاِمام الباقر عليه السلام: «نحن خزّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الاَرض» الكافي: 1|192.
وورد ـ أيضاً ـ عن الامام الصادق عليه السلام قوله: «نحن ولاة أمر الله، وخزنة علم الله وعيبة وحي الله» الكافي: 1|192.
(5) انظر: صحيفة الامام الرضا (عليه السلام): 47 ح67، عيون أخبار

=


( 94 )
وكذلك ـ على حدِّ قوله أيضاً ـ «إنّ مثلهم في هذه الاُمّة كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهوى»(1)
وأنّهم ـ حسبما جاء في الكتاب المجيد ـ (بَلْ عِبادٌ مُكرَمُون * لا يَسبِقُونَهُ بالقَولِ وَهُم بأَمرِه يَعمَلُونَ)(2).
وأنّهم الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً(3).

____________

=
الرضا (عليه السلام): 2|27 ح14، علل الشرائع: 123 ح1، إكمال الدين: 1|205 ح19، فضائل أحمد: 189|267، المعجم الكبير للطبراني: 7|25 ح6260، المطالب العالية: 4|74 ح4002، إحياء الميت بفضائل أهل البيت (عليهم السلام) للسيوطي: 42 ح21، ذخائر العقبى: 17، فرائد السمطين: 2|241 ح515، كنز العمال: 12|101 ح34188، مستدرك الحاكم: 3|149، مجمع الزوائد: 9|174، الصواعق المحرقة: 234.
(1) انظر: إكمال الدين: 239 ذيل الحديث 59، الاَمالي للطوسي: 60 ح88|57 و459 ح1026|32، عيون الاَخبار لابن قتيبة: 1|310، مستدرك الحاكم: 2|343 و3|150، حلية الاَولياء: 4|306، تاريخ بغداد: 12|91 ح6507، مقتل الحسين للخوارزمي: 1|104، المعجم الكبير للطبراني: 12|34 ح12388، المعجم الصغير للطبراني: 2|22، المناقب لابن المغازلي: 132 ـ 134 ح173 ـ 177، ارجح المطالب: 4|75 ح4003، 4004، ذخائر العقبى: 20، الخصائص الكبرى: 2|266، إحياء الميت بفضائل أهل البيت (عليهم السلام) للسيوطي: 45 ح24 ـ 27، فرائد السمطين: 2|242 ح516، كنز العمال: 12|95 ح34151، مجمع الزوائد: 9|168، الصواعق المحرقة: 234.
(2) الاَنبياء 21: 26 ـ 27.
(3) أجمع المفسرون، وروي عن أئمة أهل البيت وكثير من الصحابة أنّ قوله تعالى: (إِنَّمَا يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً) الاَحزاب 33: 33. نزل في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. وإلى هذا أشار المصنّف (قدّس سرّه).
وللاطّلاع: راجع: نهج الحق: 173، شواهد التنزيل للحسكاني: 2|10 ـ 192، الدر

=


( 95 )
بل نعتقد: أنّ أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليّهم وليّه، وعدوَّهم عدوّه(1).
ولا يجوز الرد عليهم والراد عليهم كالراد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى(2).
فيجب التسليم لهم والانقياد لاَمرهم والاَخذ بقولهم.
ولهذا نعتقد: أنّ الاَحكام الشرعية الاِلهية لا تستقى إلاّ من نمير مائهم، ولا يصحّ أخذها إلاّ منهم، ولا تفرغ ذمّة المكلَّف بالرجوع إلى غيرهم، ولا يطمئنّ بينه وبين الله إلى أنّه قد أدّى ما عليه من التكاليف المفروضة إلاّ من طريقهم(3) . إنّهم كسفينة نوح؛ من ركبها نجا، ومن تخلَّف
____________

=
المنثور: 5|198، مشكل الآثار: 1|332، مجمع الزوائد: 9|121. مسند أحمد بن حنبل: 1|330 و4|107 و6|292، الصواعق المحرقة: 85، تفسير الطبري: 22|5، أُسد الغابة: 4|29، خصائص النسائي: 4، الغدير: 1|49 و: 3|195 و: 5|416، احقاق الحق: 2|501 ـ 553 و: 3|531 ـ 551 و: 5|54 و58 ـ 60 و: 9|1 ـ 69 و: 18|359 ـ 383، دلائل الصدق: 2|103، صحيح مسلم: 4|1883، سنن الترمذي: 5|351، تفسير ابن كثير: 3|493.
(1) حيث قال رسول الله صلّى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام في حديث الغدير: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وادر الحق معه كيفما دار». وسيأتي الكلام عنه في مبحث عقيدتنا في أنّ الامامة بالنص.
(2) بما أنّ الامام منصّب من قبل الرسول صلّى الله عليه وآله، وبما أنّ الرسول قال نصاً: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» فهذا يقتضي أنّ طاعة الامام هي طاعة الرسول، والراد عليه كالراد على الرسول، وقد قال تعالى: (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ) النساء: 4: 80.
(3) فقد ورد عن أبي حمزة الثمالي، عن السجاد عليه السلام: «قال لنا علي بن الحسين عليه السلام: أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال لنا: افضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ـ ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ـ يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقى الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً». من لا يحضره

=


( 96 )
عنها غرق في هذا البحر المائج الزاخر بأمواج الشبه والضلالات، والادّعاءات والمنازعات.
ولا يهمّنا من بحث الامامة في هذه العصور إثبات أنّهم هم الخلفاء الشرعيون وأهل السلطة الإلهية؛ فإنّ ذلك أمر مضى في ذمّة التأريخ، وليس في إثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد، أو يعيد الحقوق المسلوبة إلى أهلها، وإنّما الذي يهمّنا منه ما ذكرنا من لزوم الرجوع إليهم في الاَخذ بأحكام الله الشرعية، وتحصيل ما جاء به الرسول الاَكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به.
وإنّ في أخذ الاَحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم، ولا يستضيئون بنورهم، ابتعاداً عن محجّةالصواب في الدين، ولا يطمئن المكلَّف من فراغ ذمته من التكاليف المفروضة عليه من الله تعالى؛ لاَنّه مع فرض وجود الاختلاف في الآراء بين الطوائف والنحل فيما يتعلَّق بالاَحكام الشرعية اختلافاً لا يرجى معه التوفيق، لا يبقى للمكلَّف مجال أن يتخيَّر ويرجع إلى أي مذهب شاء ورأي اختار، بل لا بدَّ له أن يفحص
____________

=
الفقيه: 2|159 ح17، عقاب الاعمال: 243 ح2، الاَمالي للطوسي: 132 ح209|22، وسائل الشيعة: 1|122 ح 308، وكذا كافة أحاديث الباب 29 من أبواب مقدمة العبادات في الوسائل: 1.
وأورد الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ج2 ح141 الحديث التالي: عن أبي أمامة الباهلي: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ الله خلق الاَنبياء من أشجار شتى وخلقت وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أنّ عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام، ثمّ ألف عام، حتى يصير كالشن البالي، ثمّ لم يدرك محبتنا أكبّه الله على منخريه في النار، ثمّ قرأ صلّى الله عليه وآله: (قُلْ لاَ أَسئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاّ الْمَوَدَّةَ في القُربَى) [الشورى 42: 23]».

( 97 )
ويبحث، حتى تحصل له الحجة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهب خاص يتيقّن أنّه يتوصِّل به إلى أحكام الله، وتفرغ به ذمّته من التكاليف المفروضة؛ فإنّه كما يقطع بوجود أحكام مفروضة عليه يجب أن يقطع بفراغ ذمّته منها؛ فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
والدليل القطعي دالّ على وجوب الرجوع إلى آل البيت، وأنّهم المرجع الاَصلي بعد النبي لاَحكام الله المنزلة، وعلى الاَقل قوله عليه أفضل التحيات: «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً؛ الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الاَرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»(1)
وهذا الحديث اتّفقت الرواية عليه من طرق أهل السنَّة والشيعة.
فدقّق النظر في هذا الحديث الجليل تجد ما يقنعك ويدهشك في مبناه ومعناه، فما أبعد المرمى في قوله: «إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي
____________
(1) انظر: سنن الترمذي: 5|663 ح3788، مسند أحمد: 3|14 و17 و: 26، 5|182 و189، سنن الدارمي: 431، المصنف لابن أبى شيبة: 11|452 ح11725، السنّة لابن أبي عاصم: 2|336 ح754 و: 628 ـ 630 ح1548 و1549 و1553 ـ 1555، طبقات ابن سعد: 2|194، مشكل الآثار: 4|368، مستدرك الحاكم: 3|109 و148، حلية الاَولياء: 1|355، المعجم الكبير للطبراني: 5|153 ـ 154 ح 4921 ـ 4923 و: 169 ـ 170 ح4980 ـ 4982 والمعجم الصغير: 1|131، المناقب لابن المغازلي: 234 ـ 235 ح281 ـ 283، مصابيح السنة: 4|190 ح4816، جامع الاصول: 1|278، اُسد الغابة: 2|12، ذخائر العقبى: 16، إحياء الميت بفضائل أهل البيت عليهم السلام للسيوطي: 30 ـ 32 ح6 ـ 8 مجمع الزوائد: 1|170 و9|162، كنز العمال: 1|172 ـ 173 ح870 ـ 873 و875 ـ 876 و185 ـ 186 ح943 ـ 945 و947، 949 و: 187 ح 952 ـ 953، صحيح مسلم: 4|1873 ح36 و37، تفسير الرازي: 8|163، تفسير ابن كثير: 4|122.

( 98 )
أبداً» والذي تركه فينا هما الثقلان معاً؛ إذ جعلهما كأمر واحد، ولم يكتف بالتمسُّك بواحد منهما فقط، فبهما معاً لن نضل بعده أبداً.
وما أوضح المعنى في قوله: «لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، فلا يجد الهداية أبداً من فرَّق بينهما ولم يتمسّك بهما معاً، فلذلك كانوا «سفينة النجاة»، و«أماناً لاَهل الاَرض»، ومن تخلَّف عنهم غرق في لجج الضلال، ولم يأمن من الهلاك.
وتفسير ذلك بحبّهم فقط من دون الاَخذ بأقوالهم واتّباع طريقهم هروب من الحق، لا يلجىء إليه إلاّ التعصُّب والغفلة عن المنهج الصحيح في تفسير الكلام العربي المبين.

( 99 )
27 ـ عقيدتنا في حبّ آل البيت

قال الله تعالى: (قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلْيِه أَجْراً إلاَّ الْمَوَدَّةَ في الْقُربى)(1).
نعتقد: أنّه زيادة على وجوب التمسُّك بآل البيت، يجب على كل مسلم أن يدين بحبّهم ومودّتهم؛ لاَنّه تعالى في هذه الآية المذكورة حصر المسؤول عليه الناس في المودة في القربى.
وقد تواتر عن النبي صلّى الله عليه وآله: أنّ حبهم علامة الايمان، وأنّ بغضهم علامة النفاق(2) وأن من أحبّهم أحب الله ورسوله، ومن أبغضهم أبغض الله ورسوله(3).

____________
(1) الشورى 42: 23. وقد ورد عن ابن عباس قال: لما نزل: (قُل لاَ أَسْئَلُكُمْ عَلْيِه أَجْراً إلاّ الْمَوَدَّةَ في الْقُربى) قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: «علي وفاطمة والحسن والحسين».
لزيادة الاطلاع راجع: الدر المنثور: 6|7، تفسير الطبري: 25|14، مستدرك الحاكم: 2|444، مسند أحمد: 199، ينابيع المودّة: 15، الصواعق المحرقة: 11 و102، ذخائر العقبى: 25 ومصادر اُخرى.
(2) انظر: فضائل أحمد: 176 ح248، ذخائر العقبى: 18، كنوز الحقائق للمناوي: 134، احياء الميت بفضائل أهل البيت عليهم السلام: 35 ح13، مسند أحمد: 1|84، 95، 128، صحيح مسلم: 1|86 ح131، التاج الجامع للاصول: 3|335، سنن الترمذي: 2|301، سنن النسائي: 8|117، الصواعق المحرقة: 263، المحاسن: 1|176 ح274، أمالي الصدوق: 384.
(3) انظر: أمالي الصدوق: 384|16، كنز العمال: 12|98 ح34168 و12: 103 ح34194 و12|116 ح 34286، متقل الحسين للخوارزمي: 1|109

=


( 100 )
بل حبّهم فرض من ضروريات الدين الاِسلامي التي لا تقبل الجدل والشك، وقد اتّفق عليه جميع المسلمين على اختلاف نِحلهم وآرائهم، عدا فئة قليلة اُعتبروا من أعداء آل محمد، فنُبزوا باسم (النواصب) أي مَن نصبوا العداوة لآل بيت محمد، وبهذا يُعدُّون من المنكرين لضرورة إسلامية ثابتة بالقطع، والمنكر للضرورة الاسلامية ـ كوجوب الصلاة والزكاة ـ يُعدّ في حكم المنكر لاَصل الرسالة، بل هو على التحقيق منكر للرسالة، وإن أقرَّ في ظاهر الحال بالشهادتين.
ولاَجل هذا كان بغض آل محمد من علامات النفاق، وحبّهم من علامات الايمان، ولاَجله أيضاً كان بغضهم بغضاً لله ولرسوله.
ولا شكّ أنّه تعالى لم يفرض حبّهم ومودّتهم إلاّ لاَنّهم أهل للحب والولاء، من ناحية قربهم إليه سبحانه، ومنزلتهم عنده، وطهارتهم من الشرك والمعاصي، ومن كل ما يبعد عن دار كرامته وساحة رضاه.
ولا يمكن أن نتصوَّر أنّه تعالى يفرض حب من يرتكب المعاصي، أو لا يطيعه حقّ طاعته؛ فإنّه ليس له قرابة مع أحد أو صداقة، وليس عنده الناس بالنسبة إليه إلاّ عبيداً مخلوقين على حد سواء، وإنّما أكرمهم عند الله أتقاهم(1) فمن أوجب حبه على الناس كلهم لا بدَّ أن يكون أتقاهم وأفضلهم جميعاً، وإلاّ كان غيره أولى بذلك الحب، أو كان الله يفضِّل بعضاً على بعض في وجوب الحب والولاية عبثاً أو لهواً بلا جهة استحقاق وكرامة؟!

____________

=
ذخائر العقبى: 18، الصواعق المحرقة: 263.
(1) وقد قال عزّ وجلّ في محكم كتابه الكريم: (يأَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَكُمْ من ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنـكُمْ شُعُوبَاً وَقَبائِلَ لِتَعارَفوُا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقـكُمْ إنَّ اللهَ عَليمٌ خَبِيرُ) الحجرات 49: 13.