الفصل الثالث

بماذا يتذرع ... المانعون . ؟


( 44 )


( 45 )

أدلة القائلين بحرمة الاحتفالات والاعياد
إن من يراجع كلمات هؤلاء القوم يجد : أنهم يستدلون لما يذهبون اليه ، بأدلة استنباطية ، وروائية ، وان كانت كلماتهم قد جاءت في الأكثر خطابية وشعارية ... فلا بدّ أوّلاً من إيراد جانب منها ، ثم استخلاص ما يمكن استخلاصه مما أوردوه على شكل استدلال ومستند لهم . ولكن لابدّ وأن يجد القارئ بعض التكرار ، الذي حاولنا الاحتراز قدر الامكان . فلم يحالفنا التوفيق التام في ذلك ...

كلمات ... واستدلالات
جاء في هامش كتاب « فتح المجيد » ما نصّه :
« وهي التي يسميها الناس اليوم « الموالد والذكريات » التي ملأت البلاد باسم الأولياء . وهي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم ، ولذلك لا يذكر الناس ويعرفون إلاّ من أقيمت له هذه الذكريات ، ولو كان أجهل خلق الله وأفسقهم .
فكلما كسدت سوق طاغوت من هؤلاء ، قامت السدنة بهذا العيد لتحيي في نفوس العامة عبادته ، وتكثر الهدايا والقرابين باسمه .
وقد امتلأت البلاد الاسلامية بهذه الذكرانات ، وعمت المصيبة ، وعادت


( 46 )

بها الجاهلية ألى بلاد الاسلام ، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ، ولم ينج منها إلاّ نجد والحجاز ، فيما نعلم ، بفضل الله ، ثم بفضل آل سعود ، الذين قاموا بحماية دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب » . 1
وقال : « في قرة العيون : وقد أحدث هؤلاء المشركون أعياداً عند القبور ، التي تعبد من دون الله ، ويسمونها عيداً ، كمولد البدوي بمصر ، وغيره ، بل هي أعظم ، لما يوجد فيها من الشرك ، والمعاصي العظيمة » . 2
وقالوا أيضا : « والمستقرئ لشؤون البشر ، وما يطرأ عليها من التطورات الصالحة والفاسدة ، ويعرف حقيقة هذه الأعياد الجاهلية ؛ بما يرى اليوم من الأعياد التي يسميها أهل العصر « الموالد » ، أو يسمونها الذكريات ، لمعظميهم من موتى الأولياء ، وغيرهم ، ولحوادث يزعمون : أنها كان لها شأن في حياتهم ، من ولادة ولد ، او تولي ملك ، أو رئيس ، أو نحو ذلك .
وكل ذلك إنما هو إحياء لسنن الجاهلية ، وإماتة لشرائع الاسلام من قلوبهم ، وإن كان اكثر الناس لا يشعرون بذلك ، لشدة استحكام ظلمة الجاهلية على قلوبهم ، ولاينفعهم ذلك الجهل عذراً ، بل هو الجريمة ، التي تولد عنها كل الجرائم ، من الكفر ، والفسوق ، والعصيان » . 3
وقال المرشدي : « ... وقد ابتلي الناس بهذا ، لا سيما في مولد البدوي ... » . 4
والمراد : انهم ابتلوا بنقل الدراهم والشمع .
وحول مولد البدوي ، فقد قالوا أيضا : « ويقام له كل عام ثلاثة موالد ، يشد الرحال إليها الناس من أقصى القطر المصري ، ويجتمع في المولد أكثر من ثلاث مئة ألف حاج إلى هذا الصنم الأكبر ، عجل الله بهدمه ، وحرقه ، هو وغيره من كل صنم في مصر وغيرها ... » . 5
وقد استدلوا أيضا بما روي عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ( ص ) : لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، ولا تجعلوا قبري عيداً ، وصلّوا عليّ ، فإنّ صلاتكم تبلغني
____________
1 و 2 ـ فتح المجيد ، بشرح عقيدة التوحيد | هامش صفحتي 154 و 155 .
3 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | هامش ص 191 .
4 ـ فتح المجيد ، بشرح عقيدة التوحيد | هامش ص 160 .
5 ـ المصدر السابق .

( 47 )

حيث كنتم » .
وروي بمعناه عن النبي ، عن السجاد زين العابدين عليه السّلام ، وعن الحسن بن الحسن بن علي ، وعن ابي سعيد مولى المهري . 1
« ... وقد نهى عمر عن اتخاذ آثار الأنبياء أعياداً ... » . 2
قال ابن تيمية : « ... وقد تقدم أن اتخاذ المكان عيداً هو اعتياد إتيانه للعبادة عنده ، أو غير ذلك ... » . 3
وقال : « ... وفي الحديث دليل على منع شد الرحل الى قبره ( ص ) ، والى قبر غيره من القبور والمشاهد ، لأن ذلك من اتخاذها أعياداً » . 4
وقال : « ... يشير الى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري ، وبعد كم منه ، فلا حاجة بكم الى اتخاذه عيداً » . 5
وقال « ... ربما اجتمع القبوريون عندها اجتماعات كثيرة في مواسم معينة ، وهذا بعينه الذي نهي عنه النبي ( ص ) بقوله : لا تتخذوا قبري عيداً . وبقوله : لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » . 6
« ... وقال المناوي في فتح القدير : معناه : النهي عن الاجتماع لزيارته ،
____________
1 ـ راجع سنن ابي داود | ج 2 | ص 218 ، ومسند أحمد | ج 2 | ص 367 ، وعون المعبود | ج 6 | ص 34 عن الضياء في المختارة ، وأبي يعلى ، والقاضي إسماعيل ، وسعيد بن منصور في سننه ومجمع الزوائد | ج 4 | ص 3 .
واستدلوا بهذا الحديث في الكتب التالية : عقيدة التوحيد | ص 256 ـ 257 | 260 ، وفتح المجيد | ص 258 و 259 ، وكشف الارتياب | 449 عن رسالة زيارة القبور لابن تيمية ، وعن وفاء الوقاء للسمهودي ، وشفاء السقام ( المقدمة ) | ص 118 و 65 و 66 عن مصنف عبدالرزاق ، والصارم المنكي | ص 179 و 174 و 173 و 172 و 262 و 280 و 281 و 284 و 296 و 298 و 300 و 302 و 301 و 299 و 297 ، والتوسل النبيّ ( ص ) وجهلة الوهابيّين | ص 151 و 133 و 122 ، و اقتضاء الصراط المستقيم | ص 190 و 313 و 321 و 322 و 323 و 368 و 375 و 376 و 378 و وراجع ص 383 وص 109 و 110 عن ابي يعلي ، ومحمد بن عبد الواحد المقدسي في مستخرجه ، وسعيد بن منصور ، وزيارة القبور الشرعية والشركية | ص 14 .
2 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | 313 .
3 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | 378 .
4 ـ عو المعبود | ج 6 | ص 32 ، وفتح المجيد | ص 261 .
5 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 323 ، وعون المعبود | ج 6 | ص 33 ، وفتح المجيد | ص 257 ، والصارم المنكي | ص 172 و 298 . وزيارة القبور الشرعية والشركية | ص 15 .
6 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 375 .

( 48 )

واجتماعهم للعيد ، إمّا لدفع المشقة ، أو كراهة أن يتجاوزوا حد التعظيم .. » . 1
وقال ابن القيم : « ... نهيه لهم أن يتخذوا قبره عيداً ، نهي لهم ان يجعلوه مجمعا ، كالأعياد التي يقصد الناس الاجتماع إليها للصلاة ، بل يزار قبره صلوات الله وسلامه عليه كما يزوره الصحابة رضوان الله عليهم ، على الوجه الذي يرضيه ويحبّه ، صلوات الله وسلامه عليه ... » . 2
وقال ابن عبد الهادي الحنبلي : « ... وتخصيص الحجرة بالصلاة والسلام جعل لها عيداً ، وقد نهاهم عن ذلك ... » . 3
وقال المناوي : « يؤخذ منه : أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ، ويقولون : هذا يوم مولد الشيخ ، ويأكلون ويشربون وربما يرقصون فيه ؛ منهيّ عنه شرعا . وعلى ولي الشرع ردعهم عن ذلك ، وإنكاره عليهم وإبطاله » . 4
وقال العظيم آبادي : « ... وإنّ من سافر إليه ، وحضر من ناس آخرين ، فقد أتخذه عيداً ، وهو منهيّ عنه بنص الحديث ، فثبت منع شد الرحل لأجل ذلك بإشارة ، النص ، كما ثبت النهي عن جعله عيداً بدلالة النص . الخ ... » . 5
وقالوا كذلك : « ... فاتخاذ القبر عيداً هو مثل اتخاذه مسجداً ، والصلاة اليه ، بل هو أبلغ ، وأحق بالنهي ، فإن اتخاذه مسجداً يصّلى فيه لله ليس فيه من المفسده ما في اتخاذ نفسه عيداً ، بحيث يعتاد انتيابه والاختلاف اليه ، والازدحام عنده ، كما يحصل في أمكنة الأعياد وازمنتها ، فان العيد يقال في لسان الشارع على الزمان والمكان ... » . 6
قال ابن القيم : « ونهى أمته أن يتخذوا قبره عيداً ... إلى أن قال من القبور : ولا تعظم بحيث تتخذ مساجد ، فيصلى عندها واليها ، وتتخذ اعياداً
____________
1 ـ عون المعبود | ج 6 | ص 32 ، وليراجع : كشف الارتياب | ص 449 .
2 ـ عون المعبود | ج 6 | ص 32 . الهامش .
3 ـ الصارم المنكي في الرد على السبكي | ص 285 .
4 ـ عون المعبود | ج 6 | ص 33 .
5 ـ المصدر السابق .
6 ـ الصارم المنكي | ص 229 .

( 49 )

وأوثانا » . 1
وقال ابن القيم والبركوي : « وكان للمشركين أعياد زمانية ، ومكانية ، فلما جاء الله بالاسلام أبطلها ، وعوض الحنفاء منها عيد الفطر ، وأيّام منى ، كما عوضهم من أعياد المشركين المكانية بالكعبة ، ومنى ، ومزدلفة ، وعرفة ، والمشاعر » . 2
وقال ابن تيمية : « ... وكذلك ما يحدثه بعض الناس ، إمّا مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام ، وإمّا محبةّ للنبيّ ( ص ) والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ، لا على البدع ، من اتخاذ مولد رسول الله ( ص ) عيداً ، مع اختلاف الناس في مولده ، فان هذا لم يفعله السلف ، مع عدم قيام المقتضي له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيراً محضاً ، أو راجحا لكان السلف ( رض ) احق به منّا ، فإنّهم كانوا أشد محبةً لرسول الله وتعظيماً له منا ... » . 3
وقال : « حتى أن بعض القبور يجتمع عندها القبوريون في يوم من السنة ، ويسافرون لإقامة العيد ، إمّا في المحرم ، أو رجب ، أو شعبان ، أو ذي الحجة ، أو غيرها . وبعضها يجتمع عندها في يوم عاشوراء ، وبعضها في يوم عرفة ، وبعضها في النصف من شعبان إلخ ... » . 4
وقال : « ... فان إعتياد قصد المكان المعين في وقت معين ، عائد بعود السنة ، أو الشهر ، أو الأسبوع هو بعينه معنى العيد . ثم ينهى عن دق ذلك ، وجله . وهذا هو الذي تقدم عن الامام أحمد إنكاره . قال : وقد أفرط الناس في هذا جداً ، وأكثروا ، وذكر ما يفعل عند قبر الحسين .
وقد ذكرت فيما تقدم : أن يكره اعتياد عبادة في وقت إذا لم تجئ بها السنّة فكيف إعتياد مكان معين في وقت معين .
ويدخل في هذا ما يفعل بمصر عند قبر نفسية وغيرها ، وما يفعل بالعراق عند القبر الذي يقال : إنه قبر علي رضي الله عنه ، وقبر الحسين ، وحذيفة بن اليمان ،
____________
1 ـ زاد المعاد | ج 1 | ص 146 ، وراجع : الصارم المنكي | ص 299 .
2 ـ عون المعبود | ج 6 | ص 32 ، وفتح المجيد في شرح عقيدة التوحيد | ص 257 ، وزيادة القبور الشرعية والشركية | ص 15 .
3 ـ اقتضاء الصراط المستقيم : ص 294 ـ 296 .
4 ـ المصدر السابق | ص 375 | 376 .

( 50 )

وسلمان الفارسي وقبر موسى بن جعفر ، ومحمد بن علي الجواد ببغداد ... 1 .
وقال : « وأما اتخاذ قبورهم أعياداً فهو مما حرّمه الله ورسوله ، واعتياد قصد هذه القبور في وقت معين ، والاجتماع العام عندها في وقت معين هو اتخاذها عيداً ، ولا أعلم بين المسلمين أهل العلم في ذلك خلافا » . 2
وقال عن يوم عرفة : « ... وأيضاً فان التعريف عند القبر اتخاذ له عيداً ، وهذا بنفسه محرّم ، سواء كان فيه شد الرحل ، أو لم يكن ، وسواء كان في يوم عرفة ، أو في غيره ، وهو من الأعياد المكانية مع الزمان » . 3
وقال في كراهة قصد القبور للدعاء : « إن السلف ( رض ) كرهوا ذلك ، متأولين في ذلك قوله ( ص ) : لا تتخذوا قبري عيدا » . 4
وقال حول عيد الغدير بعد أن ذكر أنّ السلف لم يفعلوه ، ولا أهل البيت ولا غيرهم : « ألأعياد شريعة من الشرايع ... فيجب فيها الاتباع لا الابتداع ، وللنبي خطب وعهود ، ووقائع في أيام متعددة ، مثل يوم بدر وحنين ، والخندق وفتح مكة ، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ان يتخذ أمثال تلك الأيام ، أعياداً » . 5
وقال : « ما احّدث من الأعياد والمواسم فهو منكر ، وإن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب ، لوجهين : أحدهما : إنه داخل في مسمّى البدع والمدثات ... » .
ثم ذكر روايات النهي عن الابتداع في الدين ، مثل ما في صحيح مسلم عنه ( ص ) : « شرّ الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة » . وفي رواية النسائي : « وكلّ ضلالة في النار » .
وفي نص آخر : « إياكم ومحدثات الأمور ، فإنّ كل بدعة ضلالة » .
وفي الصحيح عنه ( ص ) : « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ » ، وفي لفظ الصحيحين : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ » .
____________
1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 377 .
2 ـ نفس المصدر السابق والصفحة .
3 ـ المصدر السابق | ص 312 .
4 ـ المصدر السابق | ص 368 .
5 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 294 .

( 51 )

وقال تعالى : ( أمر لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) . ثم قال :
« ... فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله ، أو أوجبه بقوله ، أو فعله ، من غير أن يشرّعه الله ، فقد شرع من الدين مالم يأذن به الله » .
« نعم ... قد يكون متأولاً في هذا الشرع ، فيغفر له لأجل تأويله ، إذا كان مجتهداً ألاجتهاد الذي يعفى فيه عن المخطئ ، ويثاب أيضاً على اجتهاده » .
« لكن لا يجوز اتباعه في ذلك ، إذ قد علم أن الصواب في خلافة » . 1
وقال : « الأصل في العبادات : أن لا يشرع منها إلاّ ما شرّعه الله ، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلاّ ما حظره الله . وهذه المواسم المحدثة . إنما نهي عنها لما حدث فيها من الدين الذي يتقرب به » . 2
كما ان ابن الحاج رغمّ اعترافه بما ليوم مولد النبي ( ص ) من الفضل ، لا يوافق على الاحتفال بالمولد لما فيه من المنكرات ، ولأن النبيّ أراد التخفيف عن امّنه ، ولم يرد في ذلك شيء بخصوصه ، فيكون بدعة . 3
وقد استدلوا على عدم جواز الاحتفال بالمولد النبوي بأن السلف الذين كانوا أشد محبة لرسول الله ( ص ) وتعظيماً له منّا وأحرص على الخير لم يفعلوه ولم يكن منه عندهم عين ولا أثر . 4
وقالوا : « ... وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد ، وبعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة وأول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسمّيه الجهّال عيد الابرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها » . 5
وقال السكندري الفاكهاني : « لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ، ولا ينقل عمله من أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين ،
____________
1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 267 ـ 268 بتلخيص ، ويوجد نظير العبارة الأخيرة في ص 290 .
2 ـ المصدر السابق | ص 269 .
3 ـ راجع : المدخل لابن الحاج | ج 2 | ص 3 فما بعدها الى عدة صفحات ، وليراجع | ص 29 | 30 .
4 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 295 ، وراجع : سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد | ج 1 | ص 441 | 442 .
5 ـ القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل | ص 49 عن الفتاوى المصرية | ج 1 | ص 312 .

( 52 )

المتمسكون بآثار المتقدمين ، بل هو بدعة أحدثها البطالون » .
واعتبر الفاكهاني أن المولد منه محرم وهو ما دخله بعض الأعمال المحرمة كاجتماع الرجال مع النساء ونحوه .
ومنه مكروه وهو الاجتماع على أكل الطعام ولا يصحبه اقتراف شيء من الآثام فهذا « بدعة مكروهة وشناعة ، إذ لم يفعله أحد من متقدمي اهل الطاعة الذين هم فقهاء الاسلام وعلماء الأنام وسرج الأزمنة وزين الأمكنة » . 1
« هذا مع أن شهر ربيع الاول الذي ولد فيه الرسول ( ص ) قد مات فيه ، فليس الفرح بأولى من الحزن فيه » . 2
وقال الحفّار : « ليلة المولد لم يكن السلف الصالح ، وهم أصحاب رسول الله ( ص ) والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة ، ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة ،لان النبيّ ( ص ) لا يعظم إلاّ بالوجه الذي شرع به تعظيمه ، وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله ، لكن يتقرب إلى الله جل جلاله بما شرع » .
والدليل على أن السلف لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها فقيل انه ( ص) ولد في رمضان وقيل في ربيع الأول إلخ ... الى أن قال : فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق ( ص ) لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها اختلاف . 3
كما ان محمد بن عبدالوهاب قد أنكر « تعظيم الموالد والاعياد الجاهلية ، التي لم ينزل في تعظيمها سلطان ، ولم ترد به حجة شرعية ولا برهان لأن ذلك مشابهة للنصارى الضالين في أعيادهم الزمانية والمكانية وهو باطل مردود في شرع سيد المرسلين » . 4
« إن النصارى يحتفلون بعيد ميلاد المسيح وميلاد أفراد أسرتهم وعنهم أخذ المسلمون هذه البدعة فاحتفلوا بمولد نبيهم وبمولد أفراد اسّرتهم ، ورسولهم يحذرهم
____________
1 ـ القول الفصل | ص 50 وراجع ص 53 عن « الحاوي للفتاوي » للسيوطي | ص 190 ـ 192 .
2 ـ منهاج الفرقة الناجية | ص 110 .
3 ـ راجع القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل | ص 53 عن كتاب : المعيار المعرب | ص 99 ـ 101 .
4 ـ المصدر السابق | ص 54 عن الدرر النسية | ج 4 | ص 409 ، وعن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية | ج 4 | ص 440 .

( 53 )

قائلا من تشبّه بقوم فهو منهم ( صحيح رواه أبو داود ) . 1
كما ان الشيخ عبدالرحمان بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب اعتبرها من البدع المنهي عنها ، حيث لم يأمر بها الرسول ، ولا فعلها الخلفاء الراشدون ، ولا الصحابة ، ولا التابعون » . 2
كما ان الشيخ محمد بن عبد اللطيف قد اعتبر ذلك من البدع . 3
وقال محمد بن عبدالسلام خضر الشقيري عن الاحتفال بالمولد :
« بدعة منكرة ضلالة ، لم يرد بها شرع ولا عقل . ولو كان في هذا خير ، كيف يغفل عنه أبوبكر وعمر وعثمان ، وعلي وسائر الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم ، والأئمة وأتباعهم » . 4
وقد ردوا على الاستدلال على حلية إقامة الموالد بآية : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) ـ ردوا على ذلك ـ بأنه من قبيل حمل كلام الله على مالم يحمله عليه السلف الصالح وهو غير مقبول ، لأن الشاطبي قد قرر : أن الوجه الذي لم يثبت عن السلف الصالح العمل بالنص عليه ، لا يقبل ممن بعدهم دعوى دلالة النص الشرعي عليه ، قال : « إذ لو كان دليلا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة ، والتابعين ، ثم يفهمه من بعدهم ، فعمل الأولين ـ كيف كان ـ مصادم لمقتضى هذا المفهوم ، ومعارض له ، ولو كان ترك العمل . قال : فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين ، وكل من خالف الاجماع ، فهو مخطئ ، وأمة محمد لا تجتمع على ضلالة ، فما كانوا عليه من فعل أو ترك ، فهو السنّة ... إلى أن قال : فكل من خالف السلف الأولين ، فهو على خطأ » . 5
وقال محمد بن جميل زينو : « الاحتفال لم يفعله الرسول ( ص ) ، ولا الصحابة ، ولا التابعون ، ولا الأئمة الأربعة ، وغيرهم من أهل القرون المفضلة ، ولا
____________
1 ـ منهاج الفرقة الناجية | ص 109 .
2 ـ منهاج الفرقة الناجية | ص 55 عن مجموعة الرسائل النجدية | قسم 2 | ص 357 ـ 58 ، والدرر السنيّة ج 4 | ص 389 .
3 ـ المصدر السابق عن الدرر النسية | ج 8 | ص 285 .
4 ـ المصدر السابق عن كتاب : السنن والمبتدعات | ص 138 | 139 وراجع : الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والاجحاف | ص 47 .
5 ـ القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل | ص 73 ، وراجع : الموافقات | ج 3 | ص 71 .

( 54 )

دليل شرعي عليه ... » . 1
ثم ذكر بعض الاشياء التي تحصل في الموالد مما رآه خلاف الشرع ، وزعم أنّ هذه الامور كافية لتحريم الاحتفال ، من قبيل الزيادة في مدحه ( ص ) ، وصرف الاموال ، والاستغاثة به ( ص ) الخ ...

تلخيص لابدّ منه
ومن أجلّ التسهيل على القارئ ، ومن أجل استيفاء الكلام على ما ذكره المانعون من أسباب ذهابهم الى المنع من الذكريات ونحوها ... فإننا نقوم بتلخيص وافٍ لمختلف الجهات التي دعهّم إلى إصدار حكمهم ذاك ، حسبما وردت في كلماتهم آنقة الذكر ، مع إعادة الإشارة إلى المصادر من جديد ... فنقول :
إننا نستطيع أن تلخص الأسباب التي رأوا أنها كافية للحكم بحرمة الاجتماعات والاحتفالات ما عدا الفطر والأضحى ... على النحو التالي :
1 ـ إن الموالد والذكريات للأولياء ، نوع من العبادة لهم ، بدليل : ان الناس لا يعرفون إلاّ من أقيمت لهم الذكريات ، ولو كان أجهل وأفسق الناس ... 2
2 ـ مضافاً الى ما فيها من المعاصي العظيمة . 3
3 ـ إنها إحياء لسنن الجاهلية ، وإماتة لشرائع الاسلام من القلوب . 4
4 ـ لا يجوز اتخاذ مولد رسول الله ( ص ) عيداً مع اختلاف الناس في مولده ... 5
5 ـ إن ذلك لم يرد به عقل 6 ولا شرع ، ولا أصل له لا في كتاب ولا
____________
1 ـ منهاج الفرقة الناجية | ص 107 ، وراجع : ألإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والاجحاف | ص 40 لما بعدها .
2 ـ فتح المجيد في شرح عقيدة التوحيد | هامش ص 154 و 155 .
3 ـ المصدر السابق ، وراجع المدخل لابن الحاج ، أوائل الجزء الثاني .
4 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 191 .
5 ـ المصدر السابق | ص 294 ـ 296 .
6 ـ القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل | ص 55 عن كتاب : السنن والمبتدعات | ص 138 | 139 .

( 55 )

سنّة . 1
6 ـ إن ذلك لم يفعله السلف ، ولم ينقل عن أحد منهم ، وهم كانوا أشدً حبّاً للرسول منّا . 2
وكل مالم يكن على عهد رسول الله ( ص ) وأصحابه ديناً ، لم يكن ممن بعدهم ديناً . والموالد لم يكن في عهده ولا في عهد القرون المفضلة إلى القرن السابع . 3
واستدلوا على أن السلف لم يفعلوه باختلافهم في تاريخ مولده ، فلأجل ذلك لم يخصّوا ليلة المولد بشيءٍ زيادةً عما يفعلونه في سائر الأيام . 4
7 ـ إنّ السلف كرهوا ذلك ، متأولين في ذلك قوله ( ص ) : « لا نتخذوا قبري عيدا » . 5
8 ـ إنّ يوم مولده ( ص ) وإن كان عظيما ولكن لم يرد عن النبي ( ص ) فيه شيء بخصوصه ، لأنه ( ص ) أراد التخفيف عن امته ، فيكون بدعة . 6
9 ـ إنّ الله سبحانه لا يعظم الا بالوجه الذي شرع تعظيمه به 7 .
هذا كله ... عدا من تفسيرهم العيد باجتماع الناس ف مكان معين لأجل العبادة ، وعن ادّعائهم أن الصلاة عند القبور اتخاذ لها أعياداً وأوثاناً ، إلى غير ذلك مما يلاحظ التتبع لكلماتهم السابقة ...
____________
1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 294 ـ 296 ، والقول الفصل | ص 50 و 53 و 54 و 55 عن الحاوي للفتاوي | ص 190 ـ 192 ، والدرر السنية | ج 4 | ص 409 و 389 ، وعن مجموعة الرسائل النجدية | ج 4 | ص 440 و قسم 2 | ص 357 ، وعن السنن والمبتدعات | ص 138 | 139 .
2 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 294 ـ 296 ، وراجع سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد | ج 1 | ص 441 | 442 ، والقول الفصل | ص 49 و 50 و 53 و 55 عن الفتاوى المصرية | ج 1 : ص 312 ، وعن المعيار المعرب | ص 99 ـ 101 ، وعن السنن والمبتدعات | ص 138 | 139 ، وعن الحاوي للفتاوي | ص 190 | 192 ، والانصاف فيما قيل في المولد من الغلو والاجحاف | ص 43 .
3 ـ الانصاف فيما قيل في المولد من الغلو والاجحاف | ص 46 و 43 و 47 .
4 ـ القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل | ص 53 عن كتاب : المعيار المعرب | ص 99 ـ 101 .
5 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 386 ، والقول الفصل | ص 49 عن الفتاوى المصرية .. أما الحديث فقد تقدمت مصادر وموارد الاستدلال والاستشهاد به ، فلا نعيد .
6 ـ المدخل لابن الحاج | ج 2 | ص 3 فما بعدها .
7 ـ القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل | ص 53 عن كتاب : المعيار المعرب | ص 99 ـ 101 .

( 56 )

10 ـ « في ذم المواسم والاعياد المحدثة : ما تشتمل عليه من الفساد في الدين » . 1
11 ـ « هذه الموالد ما ابتدعت إلاّ لضرب الاسلام وتحطيمه ، والقضاء عليه ، ومن هنا كان حكم الاسلام على هذه الموالد ، والمواسم ، والزرد ، والحضرات ، المنع والحرمة ، فلا يبيح منها مولداً ولا موسماً الخ » . 2
12 ـ إن الذكريات تعظيم وعبادة لغير الله .
13 ـ إن تفسير آية بحيث يظهر منها جواز عمل هذه الموالد والاحتفالات غير جائز ، لأنه حمل لكلام الله على مالم يحمله عليه السلف الصالح فيكون فهم المتأخرين مصادما لإجماع المتقدمين ، ومن خالف الإجماع فهو مخطئ ، لأن امّة محمّد لا تجتمع على ضلالة ، فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنّة . 3
14 ـ إنّ في ذلك مشابهة للنصارى في أعيادهم الزمانية والمكانية ، وهو باطل مردود الشرع . 4
15 ـ ما سيأتي من أنّ يوم وفاته ( ص ) هو يوم ولادته ، فلا معنى للفرح فيه .

قد يكون الذنب ... للتعصب الأعمى
كانت تلك خلاصة رأينا أنها وافية بإعطاء صورة متكاملة عن الجهات المؤثرة في إصرار هؤلاء على اعتبار الموالد والذكريات من البدع المرفوضة جملة وتفصيلا ...
وإن كان ربما يظهر من بعض كلماتهم : أنهم ينطلقون في موقفهم ذاك من دوافع أخرى ، لا تبعد كثيراً عن المشاعر التعصبية الدينية في مقابل الرافضة
____________
1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 282 فما بعدها ، والإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والاجحاف | ص 40 فصاعداً .
2 ـ الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والاجحاف | ص 42 .
3 ـ الموافقات | ج 3 | ص 71 ، والقول الفصل | ص 73 .
4 ـ القول الفصل | ص 53 عن الدرر السنيّة | ج 4 | ص 409 ، وعن مجموعة الرسائل النجديّة | ج 4 | ص 440 .

( 57 )

وأعيادهم 1 ومواسمهم ، فحاولوا أن يجدوا المبرّرات الشرعية والعلمية لمواقفهم تلك . وإن كانوا قد خانهم التوفيق في هذا المجال ، كما سيتضح في مايلي من صفحات ...
____________
1 ـ راجع على سبيل المثال بعض ما تقدم عن ابن تيمية في كتابه : اقتضاء الصراط المستقيم ...