الرواية عن السجّاد ( ع ) ، وابن عمه
وأمّا بالنسبة للرواية المنسوبة للإمام السجّاد عليه السلام ، وقريب منها الرواية المنسوبة لحسن بن الحسن والتي مفادها : أنه عليه السلام حينما لاحظ ذلك الرجل يأتي كل غداة فيزور قبر النبي ( ص ) ويصلي عليه حدثه عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه قال :
« لا تجعوا قبري عيدا ، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وصلّوا على وسّموا حيئما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم » . 1
فإن هذه الرواية ظاهرة في أنه عليه الصلاة والسلام قد لاحظ : أن ذلك الرجل قد ألزم نفسه بأمر شاق ، وهو المجيء يوميا للصلاة عليه صلّى الله عليه وآله وزيارته ، فأراد عليه السلام التخفيف عنه ، وإفهامه : أنّ بإمكانه الصلاة والتسليم عليه صلّى الله عليه وآله حيثما كان ، فسيبلغه ذلك ، فلا داعي لإلزام نفسه بما فيه كلفة ومشقة . ولم ينهه عن الصلاة والدعاء عند قبره صلّى الله عليه وآله . 2
وعلى ذلك يحمل ما ورد عن حسن بن حسن أيضا ..
وأمّا ما ذكره البعض من أنّ مراده عليه السّلام : انّ قصد القبر للدعاء ونحوه اتخاذ له عيداً .. كما أن حسن بن حسن شيخ أهل بيته ( على حد تعبير هذا البعض ) قد كره للرجل أن يقصد القبر للسّلام عليه ونحوه ، عند غير دخول المسجد ، ورأى أنّ ذلك من اتخاذه عيداً .. إلى أن قال : « .. والعيد إذا جعل اسما للمكان ، فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة عنده ، أو لغير العبادة كما أنّ المسجد الحرام ، ومنى ، ومزدلفة وعرفة ، جعلها الله عيداً مثابة للناس ، يجتمعون فيها وينتابونها للدّعاء ، والذكر والنسك » . 3
أمّا .. ما تقدم .. فإنه لا ينسجم مع سياق الحديث ، وما ذكرناه هو الظاهر منه ، ولا أقلّ هو محتمل بحيث يبطل به الاستدلال .. حسبما أوضحناه فيما سبق ، بالنسبة لخصوص فقرة : لا تجعلوا قبري عيدا .. وأما بالنسبة لما أراده الامام
____________
1 ـ قد تقدمت مصادر الرواية في ضمن مصادر رواية ابن داود عن ابي هريرة : لا تتخذوا قبري عيدا .
2 ـ أشار الى ذلك أيضا في شفاء السقام | ص 66 ، والصارم المتكي | ص 282 و 298 .
3 ـ راجع : الصارم المنكي | ص 298 عن ابن تيمية . وقد تقدم بعض ما يشير الى ذلك في ضمن ما نقلناه من استدلالاتهم في الفصل السابق .

( 74 )

السّجاد (ع) ، فإن ماذكرناه آنفا هو الظاهر الذي لا محيص عنه .
هذا .. بالاضافة الى ما أشرنا إليه سابقا من أن ذلك لا يدل على عدم جواز عمل الموالد ، والذكريات ..

المعاصي في المناسبات دليل المنع
ونحن لا ننكر أن ارتكاب أيّ من المعاصي لا يجوز ، ولكن عدم جواز ذلك لا يحتص بالاحتفالات ، بل حرمتّها مطلقة ، ولا يلزم من تحريمها تحريم إقامة الذكريات والمواسم والاحتفالات ، بل يمكن أن تكون هذه محكومة بالحلّيّة ، وتلك بالحرمة ، ولا ملازمة بينهما ، إذ يمكن إقامة الاحتفالات من دون تعرض للمعاصي إطلاقا ، كما هو معلوم ومشاهد ، وإلاّ .. فلو استغلت الصلاة لخداع الناس مثلا فهل تكون الصلاة محرّمةً مطلقاً أم أنّ المحرّم هو خصوص هذا الذي يضاف إلى الصلاة ، ويجب الابتعاد عنه وتركه ؟!
هذا كله عدا من أن بعض ما ذكروه مما يفعل في المولد ، اما ليس حراما واما محل الخلاف . وان كان بعضه لا شك في تحريمه .

إحياء سنن الجاهلية الخ ..
وأمّا أنّ هذه المواسم إحياء لسنن الجاهلية فهو أوّل الكلام ، فلا بدّ من إثباته ، وأمّا أنّها إماتة لشرائع الاسلام من القلوب ، فالقائل بجوازها يقول بعكس ذلك تماما ، أي إنه يقول : إنها إحياء لشرائع الإسلام في القلوب ، ولا سيما ما فيه تذكر للنبي ولأعماله العظيمة ، وللإنجازات الكبرى للإسلام وللمسلمين ...
ولو كان في هذه الاحتفالات هذا المحذور ، بسبب ما يحدث فيه من الفرح واللهو والانصراف عن التفكر في الله وفي دينه وشرعه .. لوجب تحريم كل ما فيه هذه الخصوصية ، حتى الزواج ، وملاعبة الاطفال ، والتجارة ووالخ .. فان ذلك أيضا فيه انصراف والهاء عن التفكير في الله وفي شرعه وأحكامه .. بل هذه الأمور أدعى لذلك لما فيها من الاستمرار والتكرار لذلك ، بخلاف المواسم والاحتفالات والزيارات والأعياد ، فإنها قليلة جدّاً بالنسبة لما ذكرناه وأشباهه .


( 75 )

مانعية الاختلاف في المولد
وأمّا أن الاختلاف في مولده (ص) يوجب عدم جواز اتخاذ يوم مولده عيداً .. فهو عجيب بل وأجب من عجيب ، إذ ان معنى ذلك هو أن الاختلاف في يوم عرفة مثلاً ، أو في أول شهر رمضان ، أو في أول شوال ، بسبب الاختلاف في رؤية الهلال وعدمها يوجب عدم جواز الوقوف في عرفة ، وصوم أول الشهر وإفطاره .. كما أن الاختلاف الحاصل في أكثر المسائل الفقهية يوجب الحكم بالحرمة فيها .. ولا أدري لماذا نشأت الحرمة عن ذلك ، ولم ينشأ غيرها من الأحكام .. وكذلك الحال بالنسبة للاختلاف في ليلة القدر ، كذلك الاختلافت في أول ما نزل من القرآن .. فإنه ينبغي أن يوجب حرمة قراءة ما اختلف فيه في الصلاة ، وكذلك ما اختلف في كونه مكيّاً أو مدنياً أو في السفر ، أو الحضر ، أو أنه نزل فيه شأن فلان ، أو فلان الآخر ، وهكذا ..
أضف إلى ذلك .. أن من المعروف عند جميع الفقهاء ، والمتشرعة : أن ما يقع فيه الاختلاف ، ممّا كان في هذا القبيل ، يمكن أن يؤتى به برجاء إدراك الواقع ..
هذا كله .. عدا من أن القائل بجواز إقامة الاحتفالات لا يدّعي أنّها جزء من الدين ، فلا بدّ من مراعاة خصوصياتها لذلك .. بل هو يقول : إنّها من جملة الأشياء التي بقيت على الإباحة ، حيث لم يرد فيها نهي ، فمن شاء فعلها ، ومن شاء ، تركها ، من دون أن يكون كل من الفعل أو الترك ، ذل صفة تعبدية إطلاقا .. فتكون كسائر حركات الانسان وأفعاله .. التي لم يرد فيها ما يوجب ترجيحا ، او تقبيحا .

عدم الدليل العقلي .. والشرعي
وأمّا الاستدلال .. بأن ذلك لم يرد به عقل ولا شرع .. فقد تقم آنفا الجواب عنه وأنّ من يدّعي المنع هو الذي يحتاج الى الدليل .. وأما الآخرون ، فهم لا يدّعون أنّ ذلك ـ اعني الاحتفالات والموالد ، ونحوها ـ من الشرع حتى يحتاجوا إلى الدليل المثبت لكونه قد ورد فيه تشريع بخصوصه .. كما أنهم لا يدّعون كونها من الأحكام العقلية التي لا مفرّ منها ولا محيص عنها ، بل هم يدّعون عدم وجود


( 76 )

مانع عقلي ولا شرعي منها ، وإنّما هي باقية على الإباحة حتى تثبت الرادع أو المعيّن لأحد الاحكام الأخرى .. هذا كله .. عدا عن أنّ في هذه المناسبات والمواسم من الفوئد ما يجعلها راحجة عقلاً إذا خلت من ارتكاب المعاصي ، أضف الى ذلك : أن ثمة بعض الشواهد والدلائل التي تقيد مشروعية هذه المناسبات والاحتفالات .. بعضها ناظر إلى خصوص بعض المواسم .. وبعضها الآخر له صفة اطلاق والعموم أو الخصوص المفظي ، مع ملاحظة عموم العلة مخصوصها كما سنرى .
كما أن ثمة دليلاً خاصّاً بالموالد .. وبغيره مما يرتبط بالأمور الدينية كما سنرى .

إيهام المشروعية
وأمّا الاستدلال على عدم مشروعية المواسم ، بأنّ الناس العاديّين يتوهّمون مشروعيتها فيرد عليه :
أولاً : إنها لا توهم ذلك ، الكلّ يعلم أنها من باب التكريم والتعظيم ، ولا يتوهم أحد صدور أمر خاص بها ، وبما لها من العنوان ، وإنّما يعتبرونها من قبيل الاحتفال بولادة ولد ، أو قدوم عزيز .
وثانياً : لو سلّم ، فان ذلك لا يجعلها بدعة ، ولا يلزمنا دفع الوهم المذكور إلا كم يلزمنا تعليم أيّ جاهل .. ولو أوجب الوهم المذكور صيرورتها بدعة ، لأوجبت هذه الأوهام تحريم كثير من المستحباب والمباحات ، أو استحباب أو إباحة كثير من المحرّمات ، ونحو ذلك .. إذ قد يتوهم من المداومة على بعض النوافل مثلا وجوبها فهل تصبح من أجل ذلك بدعة محرّمة ، أم أنّ على الجاهل أن يتعلم ، وعلى العالم أن يعلّمه بالطرق العادية والمألوفة .

التخفيف عن الأمة .. والتعظيم بالوجه الشرعي
وأمّا حكاية ان النبي (ص) أراد التخفيف عن أمته فلم يلزمها بالمواسم والموالد ، فقد تقدم وسيأتي أن الشارع قد طلبها بعنوانها العام ، ولااقل من أنها من الأمور المباحة التي لامانع منها شرعاً ولا عقلاً .
وأمّا قولهم : إن التعظيم لابدّ وأن يكون بالوجه الشرعي .. فلا يختلف


( 77 )

الكلام فيه عن سابقه .
وليراجع الوجهان اللّذان ذكرناهما حين الكلام على تقسيمات البدعة ، ليتضح فساد ما ذكر هنا .

مشابهة النصارى
وأمّا حديث : أن في ذلك مشابهة للنصارى في أعيادهم الزمانية والمكانية ..
فيكفي أن نذكر : أن عبد الفطر وعيد الأضحى يشبهان الأعياد الزمانية للنصارى أيضا ، كما أن الحج مثلا ـ حسب تفسيرهم للعيد ـ يشبه أعيادهم المكانية بالإضافة إلى سائر أيام عيد الأضحى .. فينبغي أن يصبح عيد الفطر والأضحى محرّمين وكذلك الحج ، حسب ما يقتضيه الدليل المذكور ، كما وينبغي تحريم بناء المساجد ، بل وتحريم الاجتماع فيها للصلاة لأنه يشبه تجمّع النصارى في كنائسهم .. كذا ينبغي تحريم الأكل والشرب ولبس الثياب .. وركوب الدابة الى غير ذلك .
وأيضا .. فإن المشابهة للنصارى ، إن كانت في أمور تقتضيها طبيعة البشر وحياتهم وتعاملهم العادي والطبيعي ، فلا مانع منها ، وإن كانت نتيجة لتشريع إلهي يتحرّى مصلحة البشر وسعادتهم ، فلا مانع من ذلك أيضا .
وأمّا إذا كانت نتيجة اجتهاد بشري في مقابل التشريع الإلهي ، بهدف إبطال الشرع والدين ، أو بهدف لزيادة أو إحداث النقص فيه ، فذلك هو الذنب ، وتلك هي الجريمة ، بعينها ، ولكن ما نحن فيه ، إنما هو من القسم الأول ... بل ومن القسم الثاني كما سيتضح ، لا من قسم الأخير ..

يوم ولادته .. يوم موته (ص)
قال أبوبكر جابر الجزائري ، ـ تبعا لغيره ـ حول إعلان الفرح بمولده الشريف : « .. وإن كان باليوم الذي ولد فيه ، فإنه أيضا اليوم الذي مات فيه ، ولا أحسب عاقلا يقيم احتفال فرح وسرور باليوم الذي مات فيه حبيبه .. إلى أن قال : أضف إلى ذلك : أن الفطرة قاضية : ان الانسان يفرح بالمولود يوم ولادته ، ويحزن عليه يوم موته ، فسبحان الله ، كيف يحاول الانسان غروراً تغيير


( 78 )

الطبيعة .. » 1 .
ونقول : انه لم يدّع أحد ، أنه حتى في يوم الوفاة لابد من الفرح والسرور ، ولا يلزم من قول المجوّزين للمواسم والذكريات ذلك .
بل هم يقولون : إن كل ذكرى ، لابدّ وأن يعمل فيها ما يناسبها ، ولأجل ذلك نجد الحملة الشعواء من ابن تيمية ، ومن لفّ لفّه ، على الروافض على إقامتهم المآتم في عاشوراء ، والأفراح في يوم الغدير ، ويوم المولد ، وأشباهه . أضف الى ذلك .. أنهم كما يقيمون الافراح في مثل يوم مولده ، ومبعثه صلّى الله عليه وآله وسلم ، كذلك هم يقيمون العزاء ، والحزن في مثل يوم وفاته .
وأمّا كون يوم وفاته هو يوم ولادته فهو ليس مما ينبغي أن يقال هنا ، لأن الذكريات إنّما تقام لصاحب الذكرى في كل عام مرة ، وهذا يتوقف على الاختلاف في تواريخ الذكريات من حيث موقعها من الأشهر ، والأيام فيه .
ولا تقام في كل أسبوع مرة ، بحيث ينشغل الناس بها باستمرار ، وتختل أعمالهم ، وتتأثر مصالحهم ، حتى يقال :إنه قد اجتمع يوم الحزن وهو الوفاة يوم الاثنين مع يوم الفرح ، وهو الولادة يوم الاثنين .
هذا كله .. فضلا عن اعترافه أخيرا ، بان الفطرة قاضية بالفرح يوم المولد ، وبالحزن يوم الوفاة ، والناس قد عملوا في هذا الأمر تماما وفق مقتضيات الفطرة ، والذين يمنعون من ذلك هم المخالفون لأحكام الفطرة ، ولمقتضياتها .. كما هو مظاهر للعيان .
وليس ما نحن فيه إلاّ أدلّ دليل على ذلك .

موقف السلف من الأعياد والمواسم
وأمّا ما ذكروه من أنّ السلف ، لم يقيموا هذه المواسم ، ولم يفعلوا شيئاً من هذه الأعياد ، أو لم ينقل ذلك عنهم . فنقول :
1 ـ لسوف يأتي إن شاء الله تعالى أنّ السلف قد احتفوا ببعض الأعياد
____________
1 ـ الانصراف في ما قيل في المولد من الغلو والإجحاف | ص 54 | 55 ، وراجع كلام الفاكهاني ص 85 وفي ورسالة حسن المقصد للسيوطي ، الموجودة في الحاوي للفتاوي | ج 1 | ص 190 ـ 192 ، والقول الفصل | ص 51 .
( 79 )

والمواسم ، غير الفطر والأضحى ، ولكننا نجد هؤلاء الذين يدّعون لأنفسهم التبيعة للسلف ، لا يعترفون بتلك الأعياد والمناسبات أيضا .
2 ـ وعلى فرض أنّ السلف لم يفعلوا بعض الأمور ، ومنها الأعياد غير الفطر ، والأضحى ، فإنّ عدم فعلهم لا يضر ، مادام قد انعقد الإجماع بعد ذلك على إقامة هذه المواسم والأعياد ، ولا سيما عيد المولد النبوي ، وعمّ ذلك جميع قطاعات الأمة ، صغيرها وكبيرها ، عالمها وجاهلها ، رئيسها ومرؤوسها الخ .. كما تقدم حين الكلام على أول من عمل المولد النبوي صلّى الله عليه وآله وسلم ، وذلك في الفصل الأول وبعده ..
وقد استمر عمل الناس على هذه المواسم .. الى قرب ظهور ابن تيمية ، الذي أقام الدنيا وأقعدها ، في إنكاره أموراً واضحة ، وفي دعاواه العريضة .
وهم أنفسهم قد صرّحوا : بأن الإجماع معصوم ، وبأنه يمكن أنعقاده في كل عصر وزمان ، ويكون حجة .
بل لقد صرّحوا : بأنّ الإجماع نبوّة بعد نبوّة ، وليس لهم دليل معصوم سواه ، وقد جعله الله في الشريعة خلف النبوّة ، حيث كان نبيّها خاتم الأنبياء ، لا يخلفه نبي ، فجعل اجتماع أمته بدلاً من نبوّة بعد نبوّة . 1
نعم .. وقد أنعقد هذا الإجماع أيضاً على إقامة مراسم النيروز ، والمهرجان ، وكذا عيد الحجامة ، والختان ، وغير ذلك في العصور الثلاثة الأول ، ثم على إقامة المولد بعد ذلك ..
3 ـ وأمّا بالنسبة لإنكار بعض السلف زيارة القبور ـ قبور أئمة أهل البيت ـ في مواسم معينة ، لأسباب سياسية ـ كما ظهر من المنصور ـ والمتوكل ـ ولتعصبات مذهبية ، .. إن صلح هذا دليلا ، فإنّما يصلح دليلا لأتباع ذلك البعض ، وهو حجة عليهم ، دون غيرهم من سائر الفرق والمذاهب الإسلامية .
4 ـ أضف إلى ذلك كله .. أنّ آراء السلف وأقوالهم ، ومواقفهم
____________
1 ـ راجع فيما تقدم : المنتظم لابن الجوزي | ج 9 | ص 210 ، وبحوث مع أهل السنّة والسلفية | ص 27 عنه ، عن أبي الوفاء بن عقيل ، أحد شيوخ الحنابلة ، وراجع ( حول عصمة الاجماع أيضا ) كتاب : الإلمام | ج 6 | ص 126 ، والإحكام في أصول الأحكام | ج 1 | ص 204 و 205 ، وحول حجية الاجماع في كل عصر | ص 208 ، فما بعدها ، وراجع كذلك : تهذيب الأسماء واللغات ، القسم الاول | ج 1 | ص 42 ، وسائر كتب الأصول الباحثة حول الاجماع وحجيته على مذاق أهل السنّة .
( 80 )

متناقضة ، ومتباينة ، حتى الصحابة مع بعضهم البعض في كثير من المسائل ، فما الذي يكون حجة منها ؟ وكيف ؟ مع أنه لم ينقل لهم رأي في ذلك ، لا أنه قد نقل لهم رأي مخالف بالنسبة للأعياد .
5 ـ ولو سلم صلاحية منعهم من زيارة القبور للاستدلال به ، فإنّما يقتصر على مورده ، وهو زيارة القبور فحسب ، ولا يصلح للاستدلال به على تحريم الاحتفال بعيد الاستقلال مثلا ..
6 ـ وأمّا قولهم : إنّ السلف كانوا أكثر حبّاً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم منّا فهو ينافي قول النبيّ (ص) : إنه سيأتي أقوام يحبونه أكثر من حب أصحابه له ، ونقل ذلك أيضا عن عمار بن ياسر . 1
7 ـ هذا كله .. عدا أنه لا يلزم على السّلف أن يعملوا بجميع المباحات ، أو حتى بجميع المستحبات .
8 ـ أضف إلى ذلك : أنّ السلف إذا تأوّلوا ـ خطأ ـ حديث : « لا تتخذوا قبري عيداً » على ذلك ، فامتنعوا من عمل الموالد والذكريات . فلو أدركنا نحن خطأهم في فهم النص أو في الاستظهار منه كان لنا مخالفتهم ، بعد أن فرضنا : أنّ باب الاجتهاد كان ولا يزال مفتوحا ، حسبما اعترف به ابن تيمية الذي حكم بالأجر لمن اجتهد في هذا الأمر وأخطأ .
9 ـ أمّا تفسير الآيات القرآنية ... فقد جاء النص ليؤكد ويصرح بأنّ القرآن إنّما يفهم مع تمادي القرون والأزمان حيث تتضح مداليله ، وتظهر معالمه ، فبعد ان روى ابن المبارك حديث : أنّه ما من آية في كتاب الله إلا ولها ظهر وبطن ، ولكل حد مطلع ، قال : « سمعت غير واحد في هذا الحديث : ما في كتاب الله آية إلاّ ولها ظهر وبطن يقول : لها تفسير ظاهر ، وتفسير خفي ، ولكل حد مطلع . يقول يطلع عليه قوم فيستعملونه على تلك المعاني ، ثم يذهب ذلك القرن ، فيجيء قرن آخر ، فيطلعون منها على معنى آخر ، فيذهب ما كان عليه من كان قبلهم ، فلا يزال الناس على ذلك إلى يوم القيامة .. الخ . 2
____________
1 ـ راجع : مجمع الزوائد | ج 10 | ص 66 ، عن أحمد والبزار والطبراني ، عن أبي ذر وأبي هريرة عنه (ص) ، وعن عمار بن ياسر ، وكنز العمال | ج 2 | ص 384 عن ابن عساكر ، عن أبي هريرة ...
2 ـ الزهد والرقائق ، قسم ما رواه نعيم بن حماد | ص 23 ، ولتوضيح ذلك لابأس بمراجعة كتابنا : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم | ج 1 | ص 200 ـ 216 .

( 81 )

فلا معنى إذن .. لحصر فهم الآيات القرآنية والنصوص النبوية ، التي فيها أيضا المحكم والمتشابه والعام والخاص وو الخ ـ كالقرآن ـ لا وجه لحصر فهمها بطائفة دون طائفة ، ولا يفريق دون فريق .. فكل من فهم من القرآن أمرأ صحيحاً جديداً تعيّن عليه أن يلتزم به ، ويعمل بما فهم .. وكم قد ترك الأوّل للآخر .. وكم من التفريعات الفقهية التي تنبّه إليها المتأخرون ، ولم يذكرها السلف ، ولا أشار اليها ولا خطرت لهم على بال ، ولا احتاجوا إليها إطلاقا .
10 ـ هذا كله .. عدا عما تقدم ، من أن المانع هو الذي يحتاج إلى الدليل ، وأمّا الآخرون فلا يدّعون أنّ ذلك جزءاً من الشريعة ، ليصح الاحتجاج عليهم بفعل السلف ، أو بعدم فعلهم .
11 ـ وبعد .. فلو كان عمل السلف حجة ، لدخل الكثير مما ليس من الدين في الدين ، وذلك من قبيل ما أحدثه الأمويون في أيّام عاشوراء ، ولم يجترئ السلف على معارضتهم ، بل اضطروا الى مجاراتهم ، فهل يكون عمل السلف هذا حجة على من بعدهم ؟!
ومثل ذلك كثير في حياة السلف ، وأعمالهم ، ومواقفهم ، يشمل سائر الأحوال والأعمال التي أرادهم الحكام عليها ، ولم يمكنهم المخالفة فيها سواء في عهد الأموبين أو العباسيّين .
12 ـ بل إن هؤلاء المانعين أنفسهم يعلّلون إقدام السيوطي على التأليف في مشروعية المولد بقولهم :
« وذلك إرضاءً للعامة والخاصة أيضا من جهة . وتبريراً لرضى العلماء بها ، وسكوتهم عنها ، لخوفهم من الحاكم والعوام من جهة أخرى ... » 1 .

المواسم والموالد لهدم الإسلام
وأمّا أنّ هذه المواسم والموالد قد جعلت لهدم الاسلام ، والقضاء على العقيدة الاسلامية ، فهو صادرة على المطلوب .. وذلك لأن من يقيم المولد والموسم يقول : إن هذه المواسم والموالد قد جعلت لأجل إحياء الاسلام ، وتركيز العقيدة الاسلامية .. وإذا ما كان هناك من يستغل بعض الأمور المحلّلة لأمور محرّمة ، فلا
____________
1 ـ ألإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف | ص 57 .
( 82 )

يوجب تحريم الحلال ، كما لم يوجب ذلك إخراج الواجب عن كونه واجباً .
فإنّ من يحاول أن يخدع الناس عن طريق الصلاة والصوم والعبادة ، لا يعني ذلك حرمة هذه العبادات ، نعم المحرّم هو الستغلاله لها بهذه الصورة .
هذا .. كله ، عدا عمّا قدّمناه من أننا نرى انها داخلة تحت عنوان التعظيم المطلوب للشارع .
وأمّا استدلاله على دعواه بمناصرة أهل الباطل لها ، و وقوفهم إلى جنبها ومعها .. فهو في غير محله أيضاَ ، فإنّ أهل الباطل يحاولون خداع الناس ، بإظهارهم التقوى والورع ، وعدم ضدّيّتهم مع عقائد الناس وعاداتهم وأعرافهم .. من أجل أن يحصلوا على ما هو أعظم وأهم بنظرهم .. فهذا الاستدلال على ضد مراد المستدل أذل .. كما هو مظاهر لا يخفى .

عاشوراء .. عيد الشامتين بأهل البيت
وإذا أردنا أن نسلّم بما يقال ، من أنّ عمل السلف حجة ، وإن لم يكن المعصوم داخلا فيهم ، بل وحتى كفاية عمل عمر بن عبدالعزيز وأمثاله ، ليكون ذلك سنّة ، ومن الدّين . 1
واذا كان عصر الصحابة والتابعين هو العصر الذي تنعقد فيه الإجماعات ، وتصير حجة وتشريعاً متّبعاً ، وإذا كان الإجماع معصوماً ونبوّة بعد نبوّة ، حسبما يدّعون ، وإذا كان يحلّ لمسلم أن يدّعي وجود نبوّة بعد نبوّة خاتم النبيّين ، خلافاً لنص القرآن الكريم : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ، وخاتم النبيّين ) 2 .
وإذا كان يجوز أطّراح القرآن ، وكل ما قاله النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم لمجرد أنه انعقد الإجماع بعد عصر النبي على خلافهم . ،
إذا جاز كل ذلك .. فلقد سب امير المؤمنين عليه السّلام على عشرات الألوف من المنابر في جميع أقطار العالم الإسلامي ، من قبل وعّاظ السلاطين ، طيلة
____________
1 ـ قد تقدّم ما يشير الى ذلك حين الكلام على مشروعية التهنئة في العيد .
2 ـ الاحزاب : 40 .

( 83 )

العشرات من السنين . ومن قبل العديد من الصحابة ..
كما أنّ بني أميّة وكلّ أتباعهم ومن كان تحت سيطرتهم ، ثم بعد ذلك بني أيّوب ولمدة عشرات السنين ، قد اتخذوا يوم عاشوراء عيداً ، وأوّل من فعل ذلك الحجاج برضا وبمرأى ومسمع من الخليفة عبدالملك بن مروان ، وبمرأى ومسمع من بقايا الصحابة ، وجميع التابعين .
ولم نجد اعتراضا من أحدٍ منهم ، ولا من أيّ من علماء علماء الأمة ، وصلحائها ـ باستثناء أهل البيت الذين كانوا يعملون بمبدأ التقية آنئذٍ ـ لا في تلك الفترة ، ولا في زمان بني ايوب وبعده .
ولا سيما وأنهم يروون أموراً ، وحوادث عظيمة ، اتفق وقوعها في هذا اليوم ، من قيل : توبة الله فيه على آدم ، واستواء السفينة على الجودي ، ونحو ذلك .1
وياليتهم اكتفوا بذلك ، بل لقد تعدّو ذلك إلى الإفتاء بحرمة لعن يريد ، وعدم جواز تكفيره ، وقالوا : إنّه من جملة المؤمنين . 2 كما أن الجمهور قد خالفوا في جواز لعنه بالتعبين . 3
بل يقول الشبراوي الشافعي ، عن الغزالي ، وابن العربي : « فإنّ كلاهما قد بالغ في تحريم سبّة ولعنه ، لكن كلاهما مردود ، لأنه مبنيّ على صحة بيعة يزيد لسبقها ، والذي عليه المحققون خلاف ما قالاه » . 4
أضف الى ذلك : أنّ عمر بن عبدالعزيز قد ضرب ذلك الذي وصف يزيد بـ « أمير المؤمنين » عشرين سوطا . 5 كما أن الإمام أحمد بن حنبل قد حكم أيضا بكفر يزيد . 6
ثم زادوا في الطنبور نغمة ، فقالوا : « يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين ، وحكاياته » .. قال ذلك الغزالي وغيره . 7 وليس ذلك ببعيد على من
____________
1 ـ راجع على سبيل المثال : عجائب المخلوقات ، بهامش حياة الحيوان | ج 1 | ص 114 .
2 ـ الصواعق المحرقة | ص 221 ، وإحياء علوم الدين | ج 3 | ص 125 ، وراجع العواصم من القواصم ، وهوامشه لنرى دفاعهم المستميت عن يزيد لعنه الله تعالى .
3 ـ الإتحاف بحب الأشراف | ص 62 .
4 ـ الإتحاف بحب الأشراف | ص 68 .
5 ـ الصواعق المحرقة | ص 222 ، وتاريخ الخلفاء ، ص 209 .
6 ـ الإتحاف بحب الأشراف | ص 68 و63 .
7 ـ الصواعق المحرقة | ص 221 .

( 84 )

لا يرى بأسا بالسكوت حتى عن لعن إبليس ، كما عن ابن ابي شريف ، بل قال الرملي : ينبغي لنا أن لا نلعنه . 1
واما تحريم التحزّن والتجمع في يوم عاشوراء .. 2 فلعله أهون تلكم الشرور ، بعد أن كانوا وما زالوا يهاجمون مجالس عزاء الامام الحسين عليه السلام ، ويقتلون من يقدرون عليه من المشاركين فيها ، بل ويحرقون المساجد ، ويفعلون الأفاعيل في سبيل ذلك .. 3
وأمّا اعتبار عاشوراء عيداً ، فتوضحه النصوص التالية :
قال زكريا القزويني : « فزعم بنو أمية أنهم اتخذوه عيداً ، فتزيّنوا فيه ، وأقاموا الضيافات . والشيعة اتخذوه يوم عزاء ينوحون فيه ، ويجتنبون الزينة .
وأهل السنّة يزعمون : « أنّ الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة » . 4
« ومن اغتسل فيه لم يمرض ذلك العام ، ومن وسّع على عيالة وسّع الله عليه سائر سنته » . 5
وقال عن شهر صفر : « اليوم الاول منه عيد بني امية ، أدخلت في رأس الحسين رضي الله عنده بدمشق » . 6
وقال البيروني ، بعد ذكر ما جرى على الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء :
« فأمّا بنو أمية ، فقد لبسوا فيه ما تجدّد ، وتزيّنوا ، واكتحلوا ، وعيّدوا ، وأقاموا الولائم والضيافات ، وأطعموا الحلاوات والطيّبات ، وجرى الرسم في العامّة على ذلك أيّام ملكهم ، وبقي فيهم بعد زواله عنهم .
____________
1 ـ الإتحاف يجب الأشراف | ص 67 | 68 .
2 ـ إقتضاء الصراط المستقيم | ص 299 | 300 ونظم درر السمطين | ص 228 .
3 ـ راجع : المنتظم ، وشذرات الذهب ، والكامل لابن الأثير ، والبداية والنهاية ، وهم يتحدثون عن الفتن في بغداد بين أهل السنّة والرافضة في مطلع كل عام ، بمناسبة عاشوراء .
4 ـ عجائب المخلوقات ، بهامش حياة الحيوان | ج 1 | ص 115 ونظم درر السمطين | ص 230 .
5 ـ نظم درر السمطين | ص 230 .
6 ـ المصدر السابق .

( 85 )

وأمّا الشيعة ، فإنّهم ينوحون ويبكون ، أسفا لقتل سيد الشهداء فيه » . 1
ويقول المقريزي : « .. فلمّا زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور ، يوسّعون فيه على عيالهم ، وينبسطون في المطاعم ، ويتّخذون الأواني الجديدة ، ويكتحلون ، ويدخلون الحمام ، جريا على عادة أهل الشام ، التي سنها الحجّاج في أيّام عبدالملك بن مروان ، ليرغموا به آناف شيعة علي بن ابي طالب كرّم الله وجهه ، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي ، لأنه قتل فيه .. » .
قال : « وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيّوب ، من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسط » 2 .
أمّا ابن حجر الهيثمى والزرندي ، فيقولان في معرض نهيهما عن الندب ، والنياحة ، والحزن يوم عاشوراء ، الذي هو من بدع الرافضة ونهيهما عن العمل ببدع الناصبة ، المتعصبين على أهل البيت ، أو الجهّال ، المقابلين الفاسد بالفاسد ، والبدعة بالبدعة ، والشر بالشر ، من إظهار غاية الفرح واتخاذه عيداً ، وإظهار الزينة فيه ، كالخضاب ، والاكتحال ، ولبس جديد الثياب ، وتوسيع النفقات ، وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات ، واعتقادهم : أنّ ذلك من السنة والمعتاد .. »3 .
وحتى ابن تيمية نجده ينكر هذا الأمر ، فيقول : « .. وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء ، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة ، المقابلة للرافضة » . 4
هذا .. وقد ورد في زيارة عاشوراء المروية عن الامام الباقر عليه السلام قوله : « أللّهم ، إنّ يوم تبرّكت به بنو أمية ، وابن آكلة الأكباد » . 5
____________
1 ـ الكنى والألقاب | ج 1 | ص 431 ، وراجع : الحضارة الإسلامية في القرن الهجري | ج 1 | ص 137 عن الآثار الباقية ، للبيروني ط اوربا | ص 329 .
2 ـ الخطط والآثار | ج 1 : ص 490 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري | ج 1 | ص 138 عنه .
3 ـ الصواعق المحرقة | ص 181 | 182 ونظم درر السمطين ص 228 | 229 | 230 .
4 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 301 .
5 ـ مصابيح الجنان | ص 291 .

( 86 )

التزلّف الوقح
وأضاف ابن تيمية إلى عبارته آنفة الذكر قوله : « .. وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه ، من الاغتسال والاكتحال الخ ..» . 1
وقال : « .. وأحدث فيه بعض الناس أشياء ، مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها مثل فضل الاغتسال فيه ، او التكحل ، أو المصافحة .
وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة ، كلها مكروهة ، وإنما المستحب صومه . ونقول : قد عرفت أن صومه مكذوب أيضا .
وقد روي في التوسع على العيال آثار معروفة ، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، قال : « بلغنا ، أنه من وسّع على أهله يوم عاشورا ، وسّع الله عليه سائر سنته » . رواه ابن عيينة .
وهذا بلاغ منقطع لا يعرف قائله . والأشبه ان هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة ، فإنّ هؤلاء أعدّوا يوم عاشوراء مأتما ، فوضع أولئك في آثارا تقتضي التوسّع فيه ، واتخاذه عيدا » . 2
بل لقد بلغ بهم الأمر : أن رووا في تفسير آية : ( موعدكم يوم الزينة ) عن ابن عباس « يوم الزينة يوم عاشوراء » . 3
وعن ابن عمر . عنه (ص) : « من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة ، ومن تصدّق يومئذ بصدقة ، أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة » يعني يوم عاشوراء . 4
بل تقدم أن أهل السنّة يزعمون : « أنّ الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة » . 5
____________
1 ـ اقتضاء الصراط المستقيم | ص 301 ، وراجع : نظم درر السمطين ص 230 .
2 ـ إقتضاء الصراط المستقيم | ص 300 ، وللاطلاع على بعض هذه الأحاديث راجع : نوادر الأصول | ص 246 ، و السيرة الحلبية | ج 2 | ص 134 ، واللآلئ المصنوعة | ج 1 | ص 108 ـ 116 ، وتذكرة الموضوعات | ص 118 ونظم درر السمطين ص 230 .
3 ـ الدر المنثور | ج 4 | ص 303 ، عن سعدي بن منصور ، وعيد بن حميد ، وابن المنذر ، وراجع عجائب المخلوقات ، بهامش حياة الحيوان | ج 1 | ص 114 .
4 ـ الدر المنثور | ج 4 | ص 303 عن ابن المنذر .
5 ـ عجائب المخلوقات بهامش حياة الحيوان | ج 1 | ص 115 ، وراجع | الحضارة الإسلامية في القرن الرابع

( 87 )

أما ابن الحاج .. فذكر : أنه يستحب يوم عاشوراء : « التوسعة فيه على الأهل والأقارب ، واليتامى ، والمساكين ، وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها ، بحيث لا يجهل ذلك » . 1
وبعد أن ذكر أشياء تفعل في هذا اليوم لم تعرف عن السلف ، كذبح الدجاج وطبخ الحبوب ، وزيارة القبور ، ويدخل النساء الجامع العتيق بمصر ، وهن في حال الزينة الحسنة ، والتحلي ، والتبرج للرجال ، وكشف بعض أبدانهن ، ويقمن فيه من أول النهار إلى الزوال ـ إلى أن قال :
« ومن البدع أيضا محرهن فيه الكتان ، وتسريحه ، وغزله ، وتبييضه في ذلك اليوم بعينه ، ويشلنه ليخطن به الكفن . ويزعمن أن منكراً ونكيراً لايأتيان من كفنها مخيط بذلك الغزل ..
إلى أن قال .. ومما أحدثوه فيه من البدع : البخور ، فمن لم يشتره منهم في ذلك اليوم ، ويتبخّر به ، فكأنه ارتكب أمراً عظيماً ، وكونه سنّة عندهن ، لابدّ من فعلها ، وأدخارهن له طول السنة ، يتبركن به ، ويتبخرن إلى إلى أن يأتي مثله يوم عاشوراء الثاني . ويزعمون أنه إذا بخر به المسجون خرج من سجنه ، وأنه يبرئ من العين ، والنظرة ، والمصاب والموعوك الخ .. » 2 ثم يذكر ما يفعلونه في أول رجب ، وأول جمعة ، وليلة المعراج ، والنصف من شعبان فليراجعه من أراد .

التهافت في كلام ابن الحاج
وأخيراً ... فبينما نرى ابن الحاج يشن حملة شعواء على عمل المولد النبوي ، على اعتبار أنه بنفسه بدعة لا رخصة فيها من الشارع ، فضلا عمّا يصاحبه من أمور محرّمة أو مرجوحة بنظر الشارع ؛ نجده يستحسن شعراً لابن السماط يوسف بن علي المتوفى سنة 690 هـ . يصرّح فيه بأنّه يعتبر يوم المولد النبوي من الأعياد ، حيث
____________
الهجري | ج 1 | ص 138 ، والصواعق المحرقة | ص 182 ونظم درر السمطين ص 230 .
1 ـ المدخل لابن الحاج | ج 1 | ص 289 .
2 ـ المدخل | ج 1 | ص 291 ، وراجع ص 290 .

( 88 )

يقول :
أعلـمـت أنـك يـا ربــيع الاول * تـاج على هـام الـزمـان مـكـلّل
مسـتعذب الالمـام مـرتقـب الـلّقا * كـل الفضائـل حـين تقبـل تـقبل
ما عـدت إلاّ كنـت عـيداً ثـالـثا * بل أنت أحلى في الـعـيـون وأجمل
شـرفاً بمـولد مصطفى لمّـا بـدا * أخفى الأهـلـة وجـهـه المتهـلّـل
وحويت من أصبحت ظرف زمـانه * ظـرفاً به في بـرد حسنـك تـرفل
وملكـت أنفسها بـلطف شمــائل * بـنسيـمـها نفس العـلـيـل تـعلّل
وإذا حدا الحـادي بمنـزلة الحـمى * فالقصد سـكّان الحـمى لا المـنزل
فضل الشهـور عـلا مفاخرها فإن * فـخرت بأطـولهـا فـأنت الأطول
إلى أن قال :
واستكمل البشـرى فـإنّـك لم تزل * لك في القـلوب مكـانـة لا تجهل
لـم لا وعشـرك واثنـتان أرينـنا * قمراً به شمس الضحـى لا تـعدل
الابيات 1
____________
1 ـ راجع المدخل لابن الحاج | ج 2 | ص 44 | 45 .