إحياء أصحاب الكهف :
هؤلاء كانوا فتية آمنوا بالله تعالى ، وكانوا يكتمون إيمانهم خوفاً من ملكهم الذي كان يعبد الاَصنام ويدعو إليها ويقتل من يخالفه ، ثم اتّفق أنّهم اجتمعوا وأظهروا أمرهم لبعضهم ، ولجأوا إلى الكهف ( وَلَبِثُوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مائةٍ سِنينَ وازدادُوا تِسعاً ) (1) ثم بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم وقصتهم معروفة .
فإن قال قائل : إنَّ الله عزَّ وجلَّ قال : ( وتَحسَبُهُم أيقاظاً وهُم رُقُودٌ ) (2) وليسوا موتى . قيل له : رقود يعني موتى ، قال تعالى : ( ونُفِخَ في الصُّورِ فإذا هُم مِّنَ الاَجداثِ إلى رَبِّهم يَنسِلُونَ * قالُوا يا وَيلنا من بَعَثَنا مِن مَّرقَدِنا هَذا ماوَعدَ الرَّحمنُ وصَدَقَ المرسَلونَ ) (3)، ومثل هذا كثير (4).
وروى يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي في (عقد الدرر) عن الثعلبي في تفسيره في قصة أصحاب الكهف ، قال : (وأخذوا مضاجعهم ، فصاروا إلى رقدتهم إلى آخر الزمان عند خروج المهدي عليه السلام ، يقال : إنَّ المهدي يسلّم عليهم فيحييهم الله عزَّ وجلَّ) (5)، وهو يدلُّ على رجعتهم في آخر الزمان .

____________
(1) سورة الكهف 18 : 25 .
(2) سورة الكهف 18 : 18 .
(3) سورة يس 36 : 51 ـ 52 .
(4) راجع الاعتقادات ، للصدوق : 62 .
(5) عقد الدرر : 192 نشر دار النصايح ـ قم .

( 24 )

إحياء قتيل بني إسرائيل :
روى المفسرون أنَّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قريباً له غنياً ليرثه وأخفى قتله له ، فرغب اليهود في معرفة قاتله ، فأمرهم الله تعالى أن يذبحوا بقرة ويضربوا بعض القتيل ببعض البقرة ، ليحيا ويخبر عن قاتله ، وبعد جدال ونزاع قاموا بذبح البقرة ، ثم ضربوا بعض القتيل بها ، فقام حياً وأوداجه تشخب دماً وأخبر عن قاتله ، قال تعالى ( فَقُلنا اضرِبُوهُ بِبَعضِهَا كَذلِكَ يُحيي اللهُ الموتى ويُريكُم آياتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ ) (1).

إحياء الطيور لاِبراهيم عليه السلام بإذن الله :
ذكر المفسرون أنّ إبراهيم عليه السلام رأى جيفة تمزّقها السباع ، فيأكل منها سباع البرّ وسباع البحر ، فسأل الله سبحانه قائلاً « يا ربِّ ، قد علمت أنّك تجمعها في بطون السباع والطير ودواب البحر ، فأرني كيف تحييها لاُعاين ذلك » ؟ قال سبحانه : ( وإذ قالَ إبراهيمُ ربِّ أرِني كيفَ تُحيي المَوتى قالَ أوَلَمْ تُؤمِنْ قالَ بلى ولكِن لِيطمئنَ قَلبي قَالَ فَخُذ أربعةً مِنَ الطيرِ فَصُرهُنَّ إليكَ ثُمَّ اجعل على كُلِّ جَبلٍ مِنهُنَّ جُزءاً ثُمَّ ادعهُنَّ يأتِينَكَ سعياً واعلم أنَّ اللهَ عزيزٌ حَكيمٌ) (2) .
فأخذ طيوراً مختلفة الاَجناس ، قيل : إنّها الطاووس والديك والحمام والغراب ، فقطعها وخلط ريشها بدمها ، ثم فرقها على عشرة جبال ، ثم أخذ بمناقيرها ودعاها باسمه سبحانه فأتته سعياً ، فكانت تجتمع ويأتلف
____________
(1) سورة البقرة 2 : 73 . وراجع قصص الاَنبياء، للثعلبي : 204 ـ 207 المكتبة الثقافية ـ بيروت.
(2) سورة البقرة 2 : 260 .

( 25 )
لحم كل واحدٍ وعظمه إلى رأسه ، حتى قامت أحياء بين يديه (1).

إحياء ذي القرنين :
اختلف في ذي القرنين فقيل : إنّه نبي مبعوث فتح الله على يديه الاَرض ، عن مجاهد وعبدالله بن عمر . وقيل : إنّه كان ملكاً عادلاً .
وروي بالاِسناد عن أبي الطفيل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « إنّه كان عبداً صالحاً أحبَّ الله فأحبّه وناصح الله فناصحه ، قد أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله، فضربوه على قرنه الآخر فمات ، فسميَّ ذا القرنين » . قال عليه السلام : «وفيكم مثله» (2) يعني نفسه عليه السلام (3).
وفي رواية علي بن إبراهيم عن الاِمام الصادق عليه السلام : « إنَّ ذا القرنين بعثه الله إلى قومه ، فضربوه على قرنه الاَيمن ، فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك ، فضربوه على قرنه الاَيسر ، فأماته الله خمسمائة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك ، فملّكه مشارق الاَرض ومغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيثُ تغرب » (4) .

إحياء أهل أيوب عليه السلام :
قال تعالى : ( وآتيناهُ أهلَهُ وَمِثلَهُم مَعَهُم ) قال ابن عباس وابن مسعود : ردَّ الله سبحانه عليه أهله ومواشيه وأعطاه مثلها معها . وبه قال الحسن
____________
(1) راجع تفسير القمي 1 : 91 . وتفسير العياشي 1 : 142 | 469 .
(2) تفسير الطبري 16 : 8 دار المعرفة ـ بيروت .
(3) تفسير الطبرسي 6 : 756 دار المعرفة ـ بيروت .
(4) تفسير القمي 2 : 40 .

( 26 )
وقتادة وكعب ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليه السلام (1).
هذه الحالات جميعاً تشير إلى الرجوع للحياة بعد الموت في الاُمم السابقة ، وقد وقعت في أدوار وأمكنة مختلفة ، ولاَغراض مختلفة ، ولاَشخاص تجد فيهم الاَنبياء والاَوصياء والرعية ، وهي دليل لا يُنازع فيه على نفي استحالة عودة الاَموات إلى الحياة الدنيا بعد الموت .
وهنا من حقنا أن نتساءل : ما المانع من حدوث ذلك في المستقبل لغرض لعلّه أسمى من جميع الاَغراض التي حدثت لاَجلها الرجعات السابقة ؟ ألا وهو تحقيق مواعيد النبوات وأهداف الرسالات في نشر مبادىء العدالة وتطبيق موازين الحق على أرض دنّستها يد الجناة والظلمة، وأشبعتها ظلماً وجوراً حتى عادت لا تطاق ( وَلَقَد كَتَبنا في الزَّبُورِ مِنْ بَعدِ الذِكرِ أنَّ الاَرضَ يَرِثُها عِباديَ الصالِحُونَ ) (2) وقال تعالى : (فتَربَّصُوا حتى يَأتيَ اللهُ بأمرِهِ ) .
ويعزّز الدليل على حدوث الرجعة في المستقبل كما حدثت في الاُمم الغابرة ما روي عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : « لتتبعنَّ سنن الذين من قبلكم شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جُحر ضبّ لسلكتموه » قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : « فمن » (3).

____________
(1) تفسير الطبرسي 7 : 94 . وتفسير الطبري 17 : 58 . وقصص الاَنبياء ، للثعلبي : 144 . والآية من سورة الاَنبياء 21 : 84 .
(2) سورة الاَنبياء 21 : 105 .
(3) كنز العمال ، للمتقي الهندي 11 : 133 | 30923 . وروى نحوه الشيخ الصدوق في كمال الدين: 576 جماعة المدرسين ـ قم .

( 27 )

ثانياً : الآيات الدالة على وقوعها قبل القيامة :
أولاً : قوله تعالى : ( وإذا وقعَ القولُ عَليهم أخرَجنا لَـهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ تُكَلِّمُهُم أنَّ الناسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ * ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ممن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزعُونَ * حتَّى إذا جاءُوا قال أكذّبتُم بآياتي ولم تُحيطُوا بها عِلماً أمَّاذا كُنتُم تَعملُونَ ) (1)إلى قوله تعالى : ( ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ من في السَّماواتِ ومن في الاَرضِ إلاّ من شاءَ اللهُ وكلٌّ أتوهُ داخرينَ ) (2).
من أمعن النظر في سياق الآيات المباركة وما قيل حولها من تفسير ، يلاحظ أنّ هناك ثلاثة أحداث مهمة تدلُّ عليها ، وهي بمجموعها تدلُّ على علامات تقع بين يدي الساعة وهي :
1 ـ إخراج دابة من الاَرض : ( أخرَجَنا لَـهُم دابَّةً من الاَرضِ ) .
2 ـ الحشر الخاص : ( ويومَ نَحشُرُ من كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً ) .
3 ـ نفخة النشور ثم القيامة : ( ويومَ يُنفخُ في الصُّورِ... وكُلٌّ أتوهُ داخِرينَ) ، وسوف نتحدث عمّا في تلك الآيات من دلالة واضحة على الاعتقاد بالرجعة وعلى النحو الآتي :
فالآية الاُولى تتعلق بالوقائع التي تحدث قبل يوم القيامة باتّفاق المفسرين ، ويدلُّ عليه أيضاً ما أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنَّ بين يدي الساعة الدجال والدابة ويأجوج
____________
(1) سورة النمل 27 : 82 ـ 84 .
(2) سورة النمل 27 : 87 .

( 28 )
ومأجوج والدخان وطلوع الشمس من مغربها » (1).
وروى البغوي عن طريق مسلم ، عن عبدالله بن عمرو ، قال : سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « إنَّ أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة ضحىً » (2).

ماهي دابة الاَرض ؟
الدابة تطلق في اللغة على كلِّ ما يدبُّ ويتحرك على وجه الاَرض من الاِنسان والحيوان وغيره ، قال تعالى : ( وَمَا مِن دابَّةٍ في الاَرضِ إلاّ على اللهِ رِزقُها ) (3)، وقال تعالى : ( ولو يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلمِهِم مَّا تَرَكَ عَليها مِن دَابّةٍ ) (4) .
وخُصصت في بعض آي القرآن بالاِنسان ، كقوله تعالى : ( إنَّ شرَّ الدّوابِّ عندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لا يَعقِلُونَ ) (5)، وفي بعض آخر بغير الاِنسان ، كقوله تعالى : ( والدّوابُّ وكثيرٌ مِن النَّاسِ ) (6)، وقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ والدّوابِّ ) (7).
وقد ذكرت الدابة التي في قوله تعالى : ( دابةٌ مِنَ الاَرضِ ) بشكل
____________
(1) الدر المنثور ، للسيوطي 6 : 380 .
(2) مسند أحمد 2 : 201 دار الفكر . ونظم الدرر ، للبقاعي 5 : 451 دار الكتب العلميّة.
(3) سورة هود 11 : 6 .
(4) سورة النحل 16 : 61 .
(5) سورة الانفال 8 : 22 .
(6) سورة الحج 22 : 18 .
(7) سورة فاطر 35 : 28 .

( 29 )
مجمل ، والوصف القرآني الوحيد المذكور لها بأنّها تكلّم الناس ، أما سائر أحوالها وخصوصياتها وكيفية ومكان خروجها ، فإنّها مبهمة في ظهر الغيب ولا يفصح عنها إلاّ المستقبل .
والروايات الواردة بشأن تفسير هذه الآية كثيرة ، ولا دلالة من الكتاب الكريم على شيءٍ منها ، فإن صحّ الخبر فيها عن الرسول الاَكرم وآله عليهم السلام قبلت، وإلاّ لم يلتفت إليها ، ويمكن تلخيص مضمون هذه الروايات في نقطتين :
1 ـ إنَّ طائفة منها تدل على أنَّ هذه الدابة كائن حي غير معروف ومن غير جنس الاِنسان ، ولها شكل مخيف ، فهي ذات وبر وريش ومؤلفة من كل لون ، ولها أربع قوائم ، ولها عنق مشرف يبلغ السحاب ، ويراها من بالمشرق كما يراها من بالمغرب ، تخرج في آخر الزمان من الصفا ليلة منى، وقيل : من جبل جياد في أيام التشريق ، لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب ، وتحدّث الناس عن الاِيمان والكفر ، وتسم المؤمن بين عينيه ويكتب بين عينيه مؤمن ، وتسم الكافر بين عينيه ويكتب بين عينيه كافر .
2 ـ والطائفة الثانية تدل على أنّ وجهها كوجه إنسان وجسمها كجسم الطير ، وأنّها تصرخ بأعلى صوتها بلسان عربي مبين : ( إنَّ النَّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ ) وأن معها عصا موسى وخاتم سليمان ، وتميّز بهما بين المؤمنين والكافرين ، فتنكت وجه المؤمن بالخاتم فتكون في وجهه نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يضيء لها وجهه ، وتنكت أنف الكافر بالعصا فتكون في وجهه نكتة سوداء فتفشو تلك النكتة حتى يسودّ لها
( 30 )
وجهه (1) .
وفي بعض الروايات ما يدل على أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هو مصداق لهذه الآية ، فقد روي بالاسناد عن سفيان بن عيينة ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، أنّه قال : دابة الاَرض عليّ قدس سره (2).
وروى الشيخ الكليني بالاِسناد عن الاِمام الباقر عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول، وإنّي لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس » (3).
وروى الشيخ علي بن إبراهيم بالاِسناد عن الاِمام الصادق عليه السلام ، أنّه قال : «قال رجل لعمار بن ياسر ، يا أبا اليقظان ، آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني . قال عمار : أيّة آية هي ؟ قال : ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ تُكلّمُهُم أنَّ النَّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقنُونَ ) فأيّة دابة هذه ؟
قال عمار : والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أُريكها ، فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال : يا أبا اليقظان، هلمّ ، فجلس عمار ، وأقبل يأكل معه ، فتعجّب الرجل منه ، فلمّا قام قال له الرجل : سبحان الله يا أبا اليقظان ، حلفت أنّك لا تأكل ولا تشرب
____________
(1) مجمع البيان ، للطبرسي 7 : 366 . وتفسير القرطبي 13 : 237 . والدر المنثور 6 : 378 . وروح المعاني ، للآلوسي 20 : 21 . وتفسير الرازي 24 : 217 . وتفسير ابن كثير 3 : 387 . والآية من سورة النمل 27 : 82 .
(2) ميزان الاعتدال ، للذهبي 1 : 384 دار المعرفة .
(3) الكافي 1 : 198 | 3 باب أنّ الاَئمة عليهم السلام هم أركان الاَرض .

( 31 )
ولا تجلس حتى ترينيها . قال عمار : قد أريتكها ، إن كنت تعقل » (1).
وروي أيضاً عن الاِمام الصادق عليه السلام قال : « انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد ، وقد جمع رملاً ووضع رأسه عليه ، فحركه ثم قال له : قم يا دابة الاَرض .
فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، أيسمي بعضنا بعضاً بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ، ما هو إلاّ له خاصة ، وهو الدابة التي ذكرها الله تعالى في كتابه: ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ ) » (2).
وروي عن الاَصبغ بن نباتة ، قال : دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزاً وخلاً وزيتاً ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، قال الله عز وجل : ( وإذا وقعَ القولُ عليهِم أخرجنَا لهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ تُكلّمُهُم ) الآية ، فما هذه الدابة؟ قال عليه السلام : « هي دابة تأكل خبزاً وخلاً وزيتاً » (3).
ويقول أبو الفتوح الرازي في تفسيره : طبقاً للاَخبار التي جاءتنا عن طريق الاَصحاب ، فإنَّ دابة الاَرض كناية عن المهدي صاحب الزمان عليه السلام (4).
ومع الاَخذ بنظر الاعتبار لهذا الحديث والاَحاديث المتقدمة ، يمكن
____________
(1) تفسير القمي 2 : 131 . ومجمع البيان 7 : 366 .
(2) تفسير القمي 2 : 130 . وتفسير البرهان ، للبحراني 4 : 228 | 8043 تحقيق مؤسسة البعثة.
(3) تأويل الآيات ، للسيد شرف الدين 1 : 404 | 109 . والرجعة ، للاسترآبادي : 166 | 95 دار الاعتصام .
(4) تفسير الاَمثل ، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي12 : 129 مؤسسة البعثة ـ بيروت . عن تفسير أبي الفتوح 8 : 423 .

( 32 )
أن يستفاد من دابة الاَرض مفهوم واسع ينطبق على أي إمام عظيم يرجع في آخر الزمان ، ويميّز الحق عن الباطل والمؤمن من الكافر ، وهو آية من آيات عظمة الخالق .
والتعبير الوارد في الروايات المتقدمة بأنّ معه عصا موسى التي ترمز إلى القوة والاعجاز ، وخاتم سليمان الذي يرمز إلى الحكومة الاِلهية ، قرينة على كون الدابة إنساناً مسدّداً بالقدرة الاِلهية العظيمة بحيث يكون آية للناس ، إضافة إلى ذلك فإنّ قوله تعالى : ( تُكلّمهم ) يساعد على هذا المعنى .
الحشر الخاص ، قوله تعالى : ( وَيَومَ نَحشُر من كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً ) .
سبق أن بيّنا أنَّ الآية الاُولى ( أخرَجنَا لَهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ ) تتعلق بالحوادث التي تقع قبل يوم القيامة ، وذلك باتّفاق المفسرين ، وعليه تكون آية الحشر الخاص ( ويومَ نَحشرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ) مكملة لها ومرتبطة بها من حيث التسلسل الزمني للاَحداث فضلاً عن سياق الآيات وترتيبها ، فقد وقعت آية الحشر الخاص بين علامتين من العلامات التي تقع قبيل الساعة وهي الدابة والنفخة ( ويومَ يُنفَخُ في الصُورِ ) ممّا يدلُّ على أنّ الحشر الخاص يقع قبل القيامة وأنّه من علاماتها ، وعبّر تعالى عن الحشر العام بعد نفخة النشور بقوله : ( فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ وَمَن في الاَرضِ... وكُلٌّ أتوهُ داخِرينَ ) ، إذن فهناك حشران حشر يجمع فيه من كلِّ أمة فوجاً وهو الرجعة ، وحشر يشمل الناس جميعاً وهو يوم القيامة ، وبما أنّه ليس ثمة حشر بعد القيامة إجماعاً فيتعين وقوع هذا الحشر بين يدي القيامة .

( 33 )
وبعبارة أُخرى أنّ ما يدلُّ على منافاة الحشر الخاص ليوم القيامة ، هو أنّ هذه الآية تدلُّ على حشر فوج من كلِّ أُمّة من أُمم البشرية ممّن كان يكذّب بآيات الله ، و ( من ) في قوله تعالى ( مِن كلِّ أُمّة ) تفيد التبعيض ، وهذا يعني الاستثناء ، وقد دلنا الكتاب الكريم في آيات عديدة على أنّ حشر القيامة لا يختصّ بقوم دون آخرين ، ولا بجماعة دون أُخرى، بل يشمل الجميع دون استثناء ( ويومَ يَحشُرُهُم جميعاً ) (1)، فطالما حصل الاستثناء فإنَّ ذلك لا يتعلق بأحداث يوم القيامة الذي ينهي الحياة برمّتها على وجه الاَرض ، ومن خلال ما تقدم اتضح الكلام عن دلالة الآية الثانية التي ذكرناها كعلامة بين يدي الساعة .
إذن فالآية تأكيد لحدوث الرجعة التي تعتقد بها الشيعة الاِمامية في حق جماعة خاصة ممّن محضوا الكفر أو الاِيمان ، وتعني عودة هذه الجماعة للحياة قبل يوم القيامة ، أما خصوصيات هذه العودة وكيفيتها وطبيعتها وما يجري فيها ، فلم يتحدث عنها القرآن الكريم ، بل جاء تفصيلها في السُنّة المباركة ، فإنّ صحت الاَخبار بها توجّب قبولها والاعتقاد بها ، وإلاّ وجب طرحها (2).

استدلال الاَئمة عليهم السلام :
لقد استدل أئمة الهدى من آل البيت عليهم السلام بهذه الآية على صحة الاعتقاد بالرجعة ، فقد روي عن أبي بصير ، أنّه قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « ينكر أهل العراق الرجعة ؟ » قلتُ : نعم ، قال : « أما يقرأون القرآن ( ويومَ
____________
(1) سورة الانعام 6 : 128 .
(2) راجع نقض الوشيعة ، للسيد محسن الاَمين : 473 طبعة 1951 م .

( 34 )
نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ) ؟ » (1).
وروى علي بن إبراهيم في تفسيره بالاسناد عن حماد ، عن الصادق عليه السلام ، قال : « ما يقول الناس في هذه الآية ( ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ) ؟ » . قلتُ : يقولون إنّها في القيامة .
قال عليه السلام : « ليس كما يقولون ، إنّ ذلك في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كلِّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين ؟ إنّما آية القيامة قوله : ( وَحَشَرناهُم فَلَم نُغادِر مِنهُم أحداً ) » (2).

استدلال أعلام الشيعة :
واستدل بها أيضاً جملة علماء الشيعة ومفسريهم على صحة عودة الاَموات إلى الحياة قبل يوم القيامة ، قال الشيخ المفيد قدس سره : إنَّ الله تعالى يحيي قوماً من أُمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختص به آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد أخبر الله عزَّ وجل في ذكر الحشر الاَكبر يوم القيامة ( وَحَشَرناهُم فلم نُغادِر منهُم أحداً ) (3)، وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة : ( ويومَ نحشرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً مِمن يُكذِّبُ بآياتِنَا ) فأخبر أنَّ الحشر حشران عام وخاص (4).

____________
(1) مختصر بصائر الدرجات : 25 . وبحار الاَنوار، للمجلسي 53 : 40 | 6 . والايقاظ من الهجعة : 278 | 91 . والرجعة ، للاسترآبادي : 55 | 30 .
(2) تفسير القمي 1 : 24 . ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 41 . وبحار الاَنوار 53 : 60 | 49 . والرجعة ، للاسترآبادي : 77 | 48 .
(3) سورة الكهف 18 : 47 .
(4) المسائل السروية ، تحقيق الاُستاذ صائب عبدالحميد : 33 نشر مؤتمر الشيخ المفيد قدس سره .

( 35 )
وقال الشيخ الطبرسي قدس سره : استدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الاِمامية ، بأن قال : أنّ دخول (من) في الكلام يوجب التبعيض ، فدلّ ذلك على أنَّ اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم ، وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه : ( وَحَشَرناهُم فلم نُغادِر منهُم أحداً ) .
وقد تظاهرت الاَخبار عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام في أنّ الله تعالى سيعيد عند قيام القائم عليه السلام قوماً ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ويبتهجوا بظهور دولته ، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب في الدنيا من القتل على أيدي شيعته والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته ، ولايشكّ عاقل أنَّ هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه ، وقد فعل الله ذلك في الاُمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره ، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : « سيكون في أُمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو أنَّ أحدهم دخل جُحر ضبٍّ لدخلتموه » (1).

أقوال المفسرين :
أغلب المفسرين من غير الاِمامية يمرون في تفاسيرهم بهذه الآية مروراً سريعاً ، ويوجزون القول بكلمات معدودة ، ويمكن إجمال حصيلة آرائهم في نقطتين :

____________
(1) مجمع البيان ، للطبرسي 7 : 366 .

( 36 )
الاَُولى : إنّها إخبار عن يوم القيامة (1)، وبيان إجمالي لحال المكذبين عند قيام الساعة بعد بيان بعض مباديها (2).
الثانية : إنّها من الاُمور الواقعة بعد قيام القيامة (3)، وإنّ المراد بهذا الحشر هو الحشر للعذاب بعد الحشر الكلي الشامل لجميع الخلق (4)، أي هو حشر بعد حشر .
وهذا الكلام لا يستند إلى أساس علمي ، وترتيب الآيات وارتباطها ببعضها ينفيه كما أسلفنا ، ولاَنَّ تفسير الحشر الاَول بيوم القيامة سيوقع التناقض في حقّ الله تعالى ، فكيف يقول تعالى سنحشر من كلِّ أُمّة فوجاً يوم القيامة ، وسنحشر الناس جميعاً يوم القيامة ؟ قال ابن شهر آشوب : لاخلاف أنَّ الله يحيي الجملة يوم القيامة ، فالفوج إنّما يكون في غير القيامة(5) .
يقول السيد الطباطبائي : لو كان المراد الحشر إلى العذاب ، لزم ذكر هذه الغاية دفعاً للابهام ، كما في قوله تعالى : ( ويومَ نَحشرُ أعداءَ اللهِ إلى النَّارِ فهُم يُوزعُونَ حتى إذا ما جَاؤُها ) (6)، مع أنّه لم يذكر فيما بعد هذه الآية إلاّ العتاب والحكم الفصل دون العذاب ، والآية كما ترى مطلقة لم يشر فيها إلى شيءٍ يلوح إلى هذا الحشر الخاص المذكور ، ويزيدها إطلاقاً قوله
____________
(1) تفسير ابن كثير 3 : 388 . وتفسير البيضاوي 2 : 183 .
(2) روح المعاني 20 : 26 .
(3) تفسير الرازي 24 : 218 .
(4) روح البيان ، للبروسوي 6 : 373 .
(5) متشابه القرآن 2 : 97 .
(6) سورة فصلت 41 : 19 .

( 37 )
بعدها : ( حتى إذا جاءُوها ) فلم يقل : حتى إذا جاءوا العذاب أو النار أو غيرها .
ويؤيد ذلك أيضاً وقوع الآية والآيتين بعدها بعد نبأ دابة الاَرض ، وهي من أشراط الساعة ، وقبل قوله : ( ونُفِخَ في الصُّورِ ) إلى آخر الآيات الواصفة لوقائع يوم القيامة ، ولا معنى لتقديم ذكر واقعة من وقائع يوم القيامة على ذكر شروعه ووقوع عامة ما يقع فيه ، فإنَّ الترتيب الوقوعي يقتضي ذكر حشر فوج من كلّ أُمّة لو كان من وقائع يوم القيامة بعد ذكر نفخ الصور وإتيانهم إليه داخرين .
وقد تنبّه لهذا الاِشكال بعض من حمل الآية على الحشر يوم القيامة ، فقال : لعل تقديم ذكر هذه الواقعة على نفخ الصور ووقوع الواقعة للايذان بأنّ كلاً ممّا تضمّنه هذا وذاك من الاَحوال طامّة كبرى وداهية دهياء ، حقيقة بالتذكير على حيالها ، ولو روعي الترتيب الوقوعي لربّما توهّم أن الكل داهية واحدة .
قال : وأنت خبير بأنّه وجه مختلق غير مقنع ، ولو كان كما ذكر لكان دفع توهّم كون الحشر المذكور في الآية في غير يوم القيامة بوضع الآية بعد آية نفخ الصور مع ذكر ما يرتفع به الاِبهام المذكور أولى بالرعاية من دفع هذا التوهّم الذي توهّمه .
فقد بان أنَّ الآية ظاهرة في كون هذا الحشر المذكور فيها قبل يوم القيامة (1) .

____________
(1) الميزان ، للطباطبائي 15 : 397 .

( 38 )
أمّا القائلون بالحشر الخاص بعد حشر يوم القيامة فهو رأي غريب لايستند إلى شيء من القرآن الكريم أو السُنّة المطهّرة الناطِقَينِ بوحدة يوم المعاد .
ثانياً : قوله تعالى : ( وعدَ اللهُ الَّذينَ آمنُوا منكُم وعملُوا الصَّالِحاتِ ليستَخلِفَنَّهُم في الاَرضِ كما استخلفَ الذينَ من قبلِهِم ولُيمكِنَنَّ لهُم دينَهُم الذي ارتضى لهمُ وليُبَدِلَّنهُم مِن بعدِ خَوفِهِم أمناً يعبُدونَني لا يُشرِكُونَ بي شَيئاً ) (1).
روى الشيخ الكليني قدس سره بالاسناد عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله جل جلاله ( وعدَ اللهُ الَّذينَ آمنُوا ) الآية ، فقال عليه السلام : « هم الاَئمة عليهم السلام » (2).
وقال الطبرسي : المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات النبي وأهل بيته عليهم السلام ، وتضمّنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكين في البلاد وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي عليه السلام منهم ، ويكون المراد بقوله تعالى : ( كما استخلفَ الذينَ من قبلِهِم ) هو أن جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم وداود وسليمان عليهم السلام ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : ( إنّي جَاعِلٌ في الاَرضِ خليفةً ) (3) وقوله ( يا داود إنّا جعلناكَ خليفةً في الاَرضِ)(4) وقوله : (فقد آتينا آلَ إبراهيمَ الكتابَ والحكمةَ وآتيناهُ مُلكاً عظيماً)(5) .
____________
(1) سورة النور 24 : 55 .
(2) الكافي 1 : 150 | 3 .
(3) سورة البقرة 2 : 30 .
(4) سورة ص 38 : 26 .
(5) سورة النساء 4 : 54 .

( 39 )
قال : وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة ، وإجماعهم حجة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض » وأيضاً فإنّ التمكين في الاَرض على الاطلاق لم يتّفق فيما مضى فهو منتظر ، لاَنّ الله عزَّ اسمه لا يخلف وعده (1).
قال الحر العاملي قدس سره : وهذا أوضح تصريح في نقل الاجماع على رجعة النبي والاَئمة عليهم السلام ، ويظهر ذلك جلياً من ضمائر الجمع في الآية (2)، ومن الافعال المستقبلة الكثيرة ، ولفظ الاستخلاف والتمكين والخوف والاَمن والعبادة وغير ذلك من التصريحات والتلويحات التي لا تستقيم إلاّ في الرجعة (3) .
ثالثاً : قوله تعالى : ( قَالُوا رَبنَا أمَّتنَا اثنَتينِ وأحييتَنَا اثنتينِ فاعتَرفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُروجٍ مِنْ سَبِيلٍ ) (4).
قال الشيخ المفيد قدس سره : قال سبحانه مخبراً عمّن يحشر من الظالمين أنّه يقول يوم الحشر الاَكبر : ( رَبنَا أمَّتنَا اثنَتينِ ) الآية ، وللعامة في هذه الآية تأويل مردود ، وهو أن قالوا : إنَّ المعني بقوله تعالى : ( رَبنَا أمَّتنَا اثنَتينِ ) أنّه خلقهم أمواتاً بعد الحياة ، وهذا باطل لا يجري على لسان العرب ، لاَنَّ الفعل لا يدخل إلاّ على ما كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها ، ومن خلقه الله مواتاً لا يقال إنّه أماته ، وإنّما يدخل ذلك فيمن طرأ عليه
____________
(1) مجمع البيان ، للطبرسي 7 : 239 .
(2) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 38 .
(3) المصدر السابق : 74 .
(4) سورة غافر 40 : 11 .

( 40 )
الموت بعد الحياة ، كذلك لا يقال أحيا الله ميتاً ، إلاّ أن يكون قبل إحيائه ميتاً ، وهذا بيّن لمن تأمله .
وقد زعم بعضهم أنَّ المراد بقوله : ( رَبنَا أمَّتنَا اثنَتينِ ) الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمُساءلة ، فتكون الاُولى قبل الاِقبار والثانية بعده ، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر ، وهو أنَّ الحياة للمساءلة ليست للتكليف فيندم الاِنسان على ما فاته في حياته ، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرتين يدلُّ على أنّه لم يرد حياة المساءلة ، لكنه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم والندم على تفريطهم فلا يفعلون ذلك فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك (1).
إذن فالمراد بالموتتين موتة عند انتهاء آجالهم ، والموتة الثانية بعد عودتهم إلى الحياة ، وتفسير منكري الرجعة بأنَّ الموتة الثانية قبل خلقهم حين كانوا عدماً لا يستقيم ، لاَنّ الموت لا يكون إلاّ للحي ، ويلزم هذا وجودهم أحياء وهم في العدم ، فلا يبقى إلاّ ما بيّناه للخروج من هذا التناقض .
رابعاً : قوله تعالى : ( وأقسَمُوا باللهِ جَهدَ أيمانِهِم لا يبعثُ اللهُ من يَموتُ ) إلى قوله تعالى : ( ليُبيّنَ لهُم الذي يَختلِفُونَ فِيه وليعلمَ الذينَ كفروا أنَّهم كانُوا كاذِبين) (2) .
روى الشيخ الصدوق والكليني وعلي بن إبراهيم والعياشي وغيرهم
____________
(1) المسائل السروية : 33 .
(2) سورة النحل 16 : 38 ـ 39 .

( 41 )
أنّها نزلت في الرجعة (1)، ولا يخفى أنّها لا تستقيم في إنكار البعث ، لاَنّهم ما كانوا يقسمون بالله بل كانوا يقسمون باللات والعزى ، ولاَنّ التبيين إنّما يكون في الدنيا لا في الآخرة (2).
خامساً : قوله تعالى : ( كيفَ تكفُرونَ باللهِ وكُنتُم أمواتاً فأحياكُم ثُمَّ يُميتُكُم ثُمَّ يُحييكُم ثم إليه تُرجَعُونَ ) (3).
قال ابن شهرآشوب : (هذه الآية تدلُّ على أنَّ بين رجعة الآخرة والموت حياة أُخرى ، ولا ينكر ذلك لاَنّه قد جرى مثله في الزمن الاَول ، قوله في قصة بني إسرائيل : ( ألم ترَ إلى الذينَ خرجُوا من ديارِهم ) ، وقوله في قصة عزير أو أرميا : ( أو كالذِي مرَّ على قريةٍ ) ، وقوله في قصة إبراهيم: ( ربِّ أرِني كيف تُحيي الموتى ) ) (4).
وقال الشيخ الحر العاملي : وجه الاستدلال بهذه الآية أنّه أثبت الاِحياء مرتين ، ثم قال بعدها ( ثُمَّ إليهِ تُرجعُونَ ) والمراد به القيامة قطعاً ، والعطف ـ خصوصاً بثمّ ـ ظاهر في المغايرة ، فالاِحياء الثاني إما في الرجعة أو نظير لها، وبالجملة ففيها دلالة على وقوع الاِحياء قبل القيامة (5)
سادساً : قوله تعالى : ( ونُريدُ أن نَمُنَّ على الَّذينَ استُضعفُوا في الاَرض
____________
(1) الكافي 8 : 50 | 14 . وتفسير القمي 1 : 385 . وتفسير العياشي 2 : 259 | 26 . والاعتقادات ، للصدوق : 62 .
(2) الايقاظ من الهجعة ، للعاملي : 76 .
(3) سورة البقرة 2 : 28 .
(4) متشابه القرآن 2 : 97 . والآيات من سورة البقرة 2 : 243 ، 259 ، 260 على التوالي .
(5) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي 8 : 84 .

( 42 )
ونَجعَلَهُم أئمةً ونجعلهُم الوارِثينَ ) إلى قوله تعالى : ( ما كانُوا يَحذَرُون ) (1).
روى الشيخ الكليني والصدوق بالاسناد عن الباقر والصادق عليهما السلام : «أنّ المراد بالذين استضعفوا هم الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام وأنَّ هذه الآية جارية فيهم عليهم السلام إلى يوم القيامة » (2).
وروى السيد الرضي قدس سره بالاسناد عن الصادق عليه السلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : لتعطفنَّ علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، ثم تلا قوله تعالى : ( ونُريدُ أن نَمُنَّ على الَّذينَ استُضعفُوا ) » (3)، وفي روايات عديدة أنَّ ذلك يكون إذا رجعوا إلى الدنيا وقتلوا أعداءهم وملكوا الاَرض (4) .
قال الحر العاملي : وهذه الآية تدلُّ على أنَّ المنّ على الجماعة المذكورين وجعلهم أئمة وارثين والتمكين لهم في الاَرض وحذر أعدائهم منهم ، كلّه بعدما استضعفوا في الاَرض ، وهل يتصور لذلك مصداق إلاّ الرجعة ، وهل يجوز التصدي لتأويلها وصرفها عن ظاهرها ودليلها بغير قرينة ، وضمائر الجمع وألفاظه في المواضع الثمانية يتعين حملها على الحقيقة ، ولا يجوز صرفها إلى تأويل بعيد ولا قريب ، إلاّ أن يخرج الناظر فيها عن الانصاف ويكذّب الاَحاديث الكثيرة المتواترة في تفسير الآية
____________
(1) سورة القصص 28 : 5 ـ 6 .
(2) الكافي ، للكليني 1 : 243 | 1 . ومعاني الاَخبار ، للصدوق : 79 .
(3) خصائص الاَئمة ، للسيد الرضي : 70 مجمع البحوث الاِسلامية ـ مشهد .
(4) تفسير القمي 1 : 25 و 106 و 2 : 297 . ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 42 و 46 و 167 . والرجعة ، للاسترآبادي : 129 دار الاعتصام .

( 43 )
بالرجعة (1)
سابعاً : قوله تعالى : ( وحرامٌ على قريةٍ أهلَكنَاها أنَهُم لا يرجِعُونَ ) (2).
روى علي بن إبراهيم والطبرسي وغيرهما بالاسناد عن الاِمام الصادق عليه السلام قال : « كلُّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة، وأمّا في القيامة فيرجعون ، ومن محض الاِيمان محضاً وغيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب ، ومحضوا الكفر محضاً يرجعون » (3)وهذه الآية أوضح دلالة على الرجعة ، لاَنّ أحداً من أهل الاِسلام لا ينكر أنّ الناس كلهم يرجعون إلى القيامة ، من هلك ومن لم يهلك ، فقوله: (لا يَرجِعُونَ) يعني في الرجعة ، فأما إلى القيامة فيرجعون حتى يدخلوا النار (4).
ثامناً : قوله تعالى : ( إنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمنُوا في الحياةِ الدُنيا ويومَ يقُومُ الاَشهادُ ) (5).
روي عن الاِمام الباقر والصادق عليهما السلام من عدّة طرق « أنّ هذا النصر يكون في الرجعة ، ذلك لاَنَّ كثيراً من الاَنبياء والاَوصياء قُتِلوا وظُلمِوا ولم ينصروا ، وأنّ الله لا يخلف الميعاد » (6).

____________
(1) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 75 .
(2) سورة الانبياء 21 : 95 .
(3) تفسير القمي 1 : 24 . ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 41 . وبحار الاَنوار ، للمجلسي 53 : 60 | 49 . والايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 89 .
(4) بحار الاَنوار 53 : 52 | 29 .
(5) سورة غافر 40 : 51 .
(6) تفسير القمي 2 : 258 . ومختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سليمان : 45 . وكامل الزيارات ، لابن قولويه : 63 | 3 .

( 44 )
وسئل الشيخ المفيد قدس سره في المسائل الحاجبية عن هذه الآية ، حيثُ قيل له : في هذه الآية تأكيد ، فقد أوجب تعالى بأنّه ينصرهم في الحالين جميعاً في الدنيا والآخرة ، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام حجة الله قتل مظلوماً فلم ينصره أحد ؟
فأجاب الشيخ المفيد قدس سره بوجوه ، إلى أن قال : وقد قالت الاِمامية أنَّ الله تعالى ينجز الوعد بالنصر للاَولياء قبل الآخرة عند قيام القائم عليه السلام والكرة التي وعد بها المؤمنين ، وهذا لا يمنع من تمام الظلم عليهم حيناً مع النصر لهم في العاقبة (1).

ثالثاً : الحديث :
مما لاريب فيه أنّ صحة الاَحكام والعقائد تتوقف على ورود أحاديث شريفة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام سيما ما يتعلق بالاعتقاد بالاُمور الغيبية وحوادث المستقبل ، روى الشيخ الكليني قدس سره في باب الضلال، بالاسناد عن هاشم صاحب البريد، قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : « أما والله إنّه شر عليكم أن تقولوا لشيء ما لم تسمعوه منّا » (2)، والاَحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى وأوفر من أن تستقصى .
وممّا يؤيد الرجعة الروايات الكثيرة المتواترة التي نقلها الثقات عن أئمة الهدى عليهم السلام ، حتى إنّها وردت في الاَدعية والزيارات المأثورة عنهم عليهم السلام ، وحيث لا يسع بحثنا نقلها والتحقيق فيها ، فيكفي أن نذكر أنَّ السيد محمد مؤمن الحسيني الاسترآبادي الشهيد بمكة سنة 1088 هـ قد
____________
(1) المسائل الحاجبية : 74 .
(2) الكافي ، للكليني 2 : 401 | 1 .

( 45 )
جمع في رسالته المختصرة في الرجعة نحو 111 حديثاً من الكتب المعتمدة وجميعها تنصُّ على الرجعة .
وأخرج الحر العاملي (ت 1104 هـ) في كتابه (الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) ما يزيد على 620 بين آية وحديث صريح في الرجعة نقلها عن سبعين كتاباً قد صنفها عظماء علماء الاِمامية (1)، وقال : إنَّ أحاديث الرجعة ثابتة عن أهل العصمة عليهم السلام لوجودها في الكتب الاَربعة وغيرها من الكتب المعتمدة ، وكثرة القرائن القطعية الدالة على صحتها وثبوت روايتها ، على أنّها لا تحتاج إلى شيءٍ من القرائن لكونها قد بلغت حدّ التواتر ، بل تجاوزت ذلك الحدّ ، وكل حديث منها يفيد العلم مع القرائن المشار إليها ، فكيف يبقى شك مع اجتماع الجميع ؟ (2).
وجمع العلاّمة المجلسي المتوفى سنة 1111 هـ نحو 200 حديث في باب الرجعة من كتاب (بحار الاَنوار) وقال : كيف يشكّ مؤمن بحقية الاَئمة الاَطهار عليهم السلام فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح ، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الاَعلام في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم ، كثقة الاِسلام الكليني ، والصدوق محمد بن بابويه ، والشيخ أبي جعفر الطوسي ، والسيد المرتضى ، والنجاشي ، والكشي ، والعياشي، وعلي بن إبراهيم ، وسليم الهلالي ، والشيخ المفيد ، والكراجكي ، والنعماني ، والصفار ، وسعد بن عبدلله ، وابن قولويه ، والسيد علي بن طاووس ، وفرات بن إبراهيم ، وأبي الفضل الطبرسي ،
____________
(1) الايقاظ من الهجعة : 450 و 430 .
(2) المصدر السابق : 26 .

( 46 )
وإبراهيم بن محمد الثقفي ، ومحمد بن العباس بن مروان ، والبرقي ، وابن شهر آشوب ، والحسن بن سليمان ، والقطب الراوندي ، والعلامة الحلي وغيرهم .
إلى أن قال : وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ، ففي أيّ شيءٍ يمكن دعوى التواتر مع ماروته كافة الشيعة خلفاً عن سلف (1).

المصنفون فيها :
ولم يقتصر علماء الاِمامية ومصنفوهم على إيراد أحاديث الرجعة ضمن باب الغيبة من مصنفاتهم وحسب ، بل أفردوها في تأليف خاصّ بها، وقد عددنا نحو أربعين كتاباً خاصاً بهذا الموضوع ، نذكر منها على سبيل المثال :
1 ـ كتاب الرجعة للحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني ، ذكره النجاشي في الرجال (2).
2 ـ كتاب إثبات الرجعة (3)، وكتاب الرجعة وأحاديثها (4)، وكتاب مختصر إثبات الرجعة (5)، جميعها للشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان الاَزدي النيشابوري ، المتوفى سنة 260 هـ ، روى عن الاِمام الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام ، وقيل : روى عن الاِمام الرضا عليه السلام ، وكان ثقةً
____________
(1) بحار الاَنوار ، للمجلسي 53 : 122 .
(2) رجال النجاشي : 37 .
(3) الفهرست للشيخ الطوسي : 124 | 552 . والذريعة ، للشيخ آقا بزرك 1 : 93 .
(4) الذريعة 10 : 162 .
(5) مطبوع في مجلة تراثنا العدد (15) ص 193 السنة الرابعة بتحقيق السيد باسم الموسوي .

( 47 )
جليلاً فقيهاً متكلماً (1).
3 ـ كتاب الرجعة ، لاَحمد بن داود بن سعيد الفزاري ، أبو يحيى الجرجاني ، ذكره النجاشي والشيخ الطوسي في الفهرست (2).
4 ـ كتاب الرجعة ، للشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، المتوفى سنة 381 هـ .
5 ـ كتاب الرجعة ، للشيخ أبي النضر محمد بن مسعود العياشي صاحب التفسير ، ذكره النجاشي والشيخ الطوسي في الفهرست (3).
6 ـ كتاب إثبات الرجعة ، للعلاّمة الحلي المتوفي سنة 726 هـ (4).
7 ـ كتابة الرجعة للشيخ الحسن بن سليمان الحلي ، تلميذ الشهيد الاَول ، وهو صاحب مختصر بصائر الدرجات (5).
ومن أشهر الكتب المطبوعة والمتداولة في عصرنا الحالي :
1 ـ كتاب (الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) للمحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ، المتوفى سنة 1104 هـ ، وهو أوسع كتاب في بابه ، فقد ضمّنه نحو 600 حديث و 64 آية ، وأدلة وقرائن أُخرى في البرهان على الرجعة ، وفرغ منه سنة 1075 هـ (6).

____________
(1) رجال النجاشي : 306 | 840 . والخلاصة ، للعلاّمة الحلي : 132 | 2 .
(2) رجال النجاشي : 454 . والفهرست ، للشيخ الطوسي : 33 .
(3) المصدر السابق : 351 . و 138 على التوالي .
(4) الذريعة ، للشيخ آقا بزرك 1 : 92 دار الاَضواء .
(5) بحار الاَنوار 1 : 16 . والذريعة 1 : 91 .
(6) مطبوع بتصحيح السيد هاشم الرسولي المحلاتي .

( 48 )
2 ـ الشيعة والرجعة ، للشيخ محمدرضا الطبسي النجفي ، مطبوع في النجف سنة 1975 م .
3 ـ الرجعة ، للسيد محمد مؤمن الحسيني الاسترآبادي ، الشهيد في مكة سنة 1088 هـ (1).

رابعاً : الاجماع :
نقل جماعة من علمائنا إجماع الاِمامية على اعتقاد صحة الرجعة وإطباقهم على نقل أحاديثها وروايتها ، وعلى أنّها من اعتقادات أهل العصمة عليهم السلام ، وكل ما كان من اعتقاداتهم فهو حقّ ، وتأولوا معارضها على شذوذ وندور :
قال الشيخ الجليل رئيس المحدثين أبو جعفر ابن بابويه رحمه الله في كتاب (الاعتقادات) باب الاعتقاد بالرجعة : اعتقادنا ـ يعني الاِمامية ـ في الرجعة أنّها حق (2) .
وقال الشيخ المفيد رحمه الله : اتفقت الاِمامية على رجعة كثير من الاَموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف (3).
ونقل الاجماع السيد المرتضى علم الهدى رحمه الله في أكثر من موضع من رسائله ، قال في (الدمشقيات) : قد اجتمعت الاِمامية على أنَّ الله تعالى
____________
(1) مطبوع بتحقيق الاستاذ فارس حسون كريم .
(2) الاعتقادات ، للصدوق : 60 .
(3) أوائل المقالات ، للمفيد : 46 . والاختلاف الذي أشار إليه وقع في تأويل معنى الرجعة على رجوع الدولة والاَمر والنهي دون رجوع أعيان الاَشخاص وإحياء الاَموات وسيأتي بيانه في الفصل اللاحق .

( 49 )
عند ظهور القائم صاحب الزمان عليه السلام يعيد قوماً من أوليائه لنصرته والابتهاج بدولته ، وقوماً من أعدائه ليفعل بهم ما يستحق من العذاب ، وإجماع هذه الطائفة قد بيّنا في غير موضع من كتبنا أنّه حجة ، لاَنَّ المعصوم فيهم ، فيجب القطع على ثبوت الرجعة مضافاً إلى جوازها في القدرة (1) .
وقال في جواب المسائل التي وردت إليه من الري : الطريق إلى إثبات الرجعة إجماع الاِمامية على وقوعها ، فإنّهم لا يختلفون في ذلك ، وإجماعهم قد بيّنا في مواضع من كتبنا أنّه حجة لدخول قول الاِمام فيه ، وما يشتمل على قول المعصوم من الاَقوال لا بدَّ فيه من كونه صواباً (2) ونقل هذا عنه الشيخ ابن شهر آشوب رحمه الله في (متشابه القرآن) (3).
وقال الشيخ الطبرسي قدس سره في تفسيره : إنَّ الرجعة لم تثبت بظواهر الاَخبار المنقولة فيتطرق إليها التأويل عليها ـ أي على رجوع الدولة دون رجوع أعيان الاَشخاص ـ وإنّما المعوّل في ذلك على إجماع الشيعة الاِمامية ، وإن كانت الاَخبار تعضده وتؤيده (4).
وألف الشيخ الحسن بن سليمان بن خالد القمي رسالة في الرجعة قال فيها : الرجعة مما أجمع عليه علماؤنا بل جميع الاِمامية (5).

____________
(1) رسائل الشريف المرتضى 3 : 136 ـ الدمشقيات ـ دار القرآن الكريم ـ قم .
(2) المصدر السابق 1 : 125 .
(3) متشابه القرآن ومختلفه ، لابن شهر آشوب 2 : 97 .
(4) مجمع البيان ، للطبرسي 7 : 367 .
(5) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 43 .

( 50 )
ونقل الاِجماع على ذلك من علمائنا المتأخرين الشيخ الحر العاملي ، قال : الذي يدلُّ على صحة الرجعة إجماع جميع الشيعة الاِمامية وإطباق الطائفة الاثنى عشرية على اعتقاد صحة الرجعة ، فلا يظهر منهم مخالف يعتدّ به من العلماء السابقين ولا اللاحقين ، وقد علم دخول المعصوم في هذا الاجماع بورود الاَحاديث المتواترة عن النبي والاَئمة عليهم السلام الدالة على اعتقادهم بصحة الرجعة ، حتى إنّه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمد ابن الحسن المهدي عليه السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها (1)ومما يدلُّ على ثبوت الاجماع اتّفاقهم على رواية أحاديث الرجعة حتى إنّه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة (2).
وكذلك العلاّمة المجلسي في (البحار) ، قال : أجمعت الشيعة على الرجعة في جميع الاَعصار ، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار ، حتى نظموها في أشعارهم (3)واحتجوا بها على المخالفين في جميع أمصارهم ، وشنّع المخالفون عليهم في ذلك ، وأثبتوه في كتبهم وأسفارهم ، منهم الرازي والنيسابوري وغيرهما (4).

خامساً : الضرورة :
ممّا يدلّ على ذلك ، الروايات الكثيرة الواردة عن أئمة الهدى عليهم السلام
____________
(1) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 33 .
(2) المصدر السابق : 43 .
(3) من ذلك ما رواه ابن عياش في (المقتضب : 48) بالاسناد عن أبي سهل النوشجاني ، أنّه أنشد لاَبيه مصعب بن وهب الحرون :

ولي ثقة بالرجعة الحقّ مثلما * وثقت برجع الطرف مني إلى الطرف

(4) بحار الاَنوار ، للمجلسي 53 : 122 .

( 51 )
والتي هي نصّ صريح في ضرورة الاعتقاد بالرجعة ، ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب صفات الشيعة بالاسناد عن الاِمام الصادق عليه السلام ، قال : «من أقرّ بسبعة أشياء فهو مؤمن ـ وذكر منها ـ الاِيمان بالرجعة » (1).
روى عن الاِمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « من أقرّ بتوحيد الله ـ وساق الكلام إلى أن قال ـ وأقرّ بالرجعة والمتعتين، وآمن بالمعراج، والمُساءلة في القبر، والحوض ، والشفاعة ، وخلق الجنة والنار ، والصراط والميزان ، والبعث والنشور ، والجزاء والحساب ، فهو مؤمن حقاً ، وهو من شيعتنا أهل البيت عليهم السلام » (2).
ومما يدلُّ على أنّ الاعتقاد بالرجعة من ضروريات مذهب الاِمامية ، ورودها في الاَدعية والزيارات المروية عن الاَئمة الهداة من عترة المصطفى عليهم السلام ، والتي علّموها لشيعتهم منها زيارة الاِمام الحسين عليه السلام المروية في المصباح عن الاِمام الصادق عليه السلام وفيها : « وأُشهد الله وملائكته وأنبياءه ورسله أني بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن » (3)، والمراد بالاِياب : الرجعة .
وفي الاقبال والمصباح في الدعاء في اليوم الذي ولد فيه الاِمام الحسين عليه السلام المروي عن الهمداني وكيل الاِمام أبي محمد العسكري عليه السلام وفيه : « المُعوَّض من قتله أنّ الاَئمة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته ـ إلى قوله ـ فنحن عائذون بقبره نشهد تربته وننتظر أوبته»(4)، والاَوبة : الرجعة .

____________
(1) حق اليقين ، للسيد عبدالله شبر 2 : 20 .
(2) المصدر السابق .
(3) المصدر السابق : 15 .
(4) المصدر السابق 2 : 15 .

( 52 )
وفي زيارات الاِمام القائم عليه السلام التي ذكرها السيد ابن طاووس فقرات كثيرة تدلّ على ذلك ، ففي بعضها : « فاجعلني يا ربِّ فيمن يكرّ في رجعته، ويملك في دولته ، ويتمكّن في أيامه » (1).
وروى السيد ابن طاووس بالاسناد عن الاِمام الصادق عليه السلام في زيارة النبي والاَئمة عليهم السلام ومنها : « إنّي من القائلين بفضلكم ، مقرٌّ برجعتكم ، لا أنكر لله قدرة » (2).
قال الحر العاملي : والذي يدلّ على صحة الرجعة الضرورة ، فإنّ ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الاِمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين ، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة ، فلاترى أحداً يعرف اسمه ويعلم له تصنيف من الاِمامية يصرّح بإنكار الرجعة ولا تأويلها.. والذي يُعلم بالتتبّع أنَّ صحّة الرجعة أمر محقق معلوم مفروغ منه مقطوع به ضروري عند أكثر علماء الاِمامية أو الجميع ، حتى لقد صنفت الاِمامية كتباً كثيرة في إثبات الرجعة ، كما صنفوا في إثبات المتعة وإثبات الاِمامة وغير ذلك (3).
وممّا يدل على أنَّ صحة الرجعة أمرٌ قد صار ضرورياً ما نقل عن (كتاب سليم بن قيس الهلالي) الذي صنفه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقوله : حتى صرت ما أنا بيوم القيامة أشد يقيناً مني بالرجعة (4).

____________
(1) حق اليقين ، للسيد عبدالله شبر 2 : 15 .
(2) المصدر السابق .
(3) الايقاظ من الهجعة ، للحر العاملي : 60 .
(4) المصدر السابق : 64 .