ايهما الاولى بالتصديق : كتاب الله وحكمه ، ام التقليد الاعمى ؟ ومن هنا فان نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من حيث الموضوع لانها تتعارض مع النصوص القرآنية القاطعة وهذا التعميم ـ كل الصحابة عدول ـ يتعارض مع الاحكام الالهية ويخالفها .

2 ـ نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع السنة النبوية

المثال الاول : ذو الثدية فقد كان من الصحابة المتنسكين وكان يعجب الناس تعبده واجتهاده ، وكان رسول الله يقول ( انه لرجل في وجهه لسعة من الشيطان ) وارسل ابا بكر ، ليقتله فلما رآه يصلي رجع ، وارسل عمر فلم يقتله ، ثم ارسل علياً عليه السلام فلم يدركه (1) وهو الذي ترأس الخوارج وقتله علي عليه السلام يوم النهروان (2) .
المثال الثاني : كانت مجموعة من الصحابة يجتمعون في بيت علي احدهم يثبطون الناس عن رسول الله فأمر من احرق عليهم هذا البيت (3)
المثال الثالث : قزمان بن الحرث قاتل مع رسول الله في احد قتال الابطال ، فقال اصحاب النبي ما أجزأ عنا احد كما أجزأ عنا فلان ، فقال النبي ( أما انه من اهل النار ) ولما اصابته الجراح وسقط قيل له هنئياً لك بالجنة يا ابا الفيداق . قال جنة من حرمل ؟ والله ما قاتلنا الا على الاحساب (4) .
المثال الرابع : الحكم بن العاص بن امية بن عبد شمس عم عثمان بن عفان ووالد مروان بن الحكم ، لعنه رسول الله (5) ولعن ما في صلبه وقال ( ويل لامتي مما في صلب هذا ) . ومن حديث عائشة انها قالت لمروان : اشهد ان رسول الله لعن اباك وانت في صلبه ، فنفاه النبي الى مرج قرب الطائف وحرّم عليه ان يدخل المدينة ، ولما مات
____________
(1) راجع الاصابة في تمييز الصحابة ج 1 ص 439 .
(2) راجع أراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي .
(3) راجع سيرة ابن هشام ج 3 ص 235 .
(4) راجع الاصابة ج 3 ص 235 وراجع آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى ص 127 وما فوق .
(5) راجع كنز العمال .

( 42 )

رسول الله راجع عثمان ابا بكر ليدخله فرفض ابو بكر ، ولما مات ابو بكر راجع عثمان عمر ليدخله المدينة فأبى عمر ، ولما تولى عثمان الخلافة ادخله معززاً مكرماً واعطاه مأة الف درهم ، واتخذ مروان ابنه بطانة له ، وتسبب فيما بعد بقتل الخليفة وخراب الخلافة الراشدة . وكان مروان يلقب بـ خيط باطل ثم صار خليفة المسلمين . يقول الشاعر :

لي الله قوماً امروا خيط باطل * على الناس يعطي من يشاء ويمنع (1)

المثال الخامس : الذين ( اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين ) وقالوا : انهم بنوا هذا المسجد تقرباً لله تعالى ، وكانوا اثني عشر رجلاً من الصحابة المنافقين (2) .
المثال السادس : لعن الرسول لبعض الصحابة . قال الحلبي في رواية : صار ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ( اللهم العن فلاناً وفلاناً )(3) وأخرج البخاري قال : حدثني سلم عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر يقول ( اللهم العن فلاناُ وفلاناُ ) بعدما يقول : سمع الله لمن حمده . وقال السيوطي واخرج احمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم احد ( اللهم العن ابا سفيان ، اللهم العن الحرث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو واللهم العن صفوان بن امية ) قال السيوطي واخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن ابي حاتم عن ابن عمر قال : كان النبي يدعو على اربعة نفر وكان يقول في صلاة الفجر : ( اللهم العن فلاناً وفلاناً ) (4) واخرج نصر بن مزاحم المنقري عن عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : اقبل ابو سفيان ومعه معاوية ، فقال رسول الله ( اللهم العن التابع والمتبوع ، اللهم عليك بالاقيص ) فقال ابن براء لابيه : من الاقيص قال : معاوية (5) واخرج نصر عن علي بن الاقمر في آخر حديثه قال : فنظر رسول الله
____________
(1) راجع مروج الذهب للمسعودي .
(2) راجع سيرة ابن هشام .
(3) السيرة الحلبية ج 2 ص 234 .
(4) الدر المنثور المأثور ج 6 ص 71 .
(5) وقعة صفين ص 217 تحقيق وشرح الاستاذ عبد السلام محمد هرون .

(43)

الى ابي سفيان وهو راكب ومعاوية واخوه احدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر اليهم رسول الله قال ( اللهم العن القائد والسائق والراكب ) قلنا انت سمعت رسول الله ؟ قال : نعم والا فصمت اذناي (1) .
وانظر الى رسالة محمد بن ابي بكر الصديق التي وجهها معاوية فقد جاء فيها : وقد رأيتك تساميه وانت انت وهو هو اصدق الناس نية وافضل الناس ذرية ، وخير الناس زوجة ، وافضل الناس ابن عم اخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة وعمه سيد الشهداء يوم احد ، وابوه الذاب عن رسول الله ونحن حوزته . وانت اللعين ابن اللعين لم تزل انت وابوك تبغيان لرسول الله الغوائل وتجهدان في اطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتؤلبان عليه القبائل ، وعلى ذلك مات ابوك وعليه خلفته (2) ولم ينف معاوية لعنة ولا لعن ابيه مع انه قد رد رداً بليغاً على هذه الرسالة (3) .

دعوة لتحليل هذه الامثلة

الامثلة الست التي سقناها عن رسول الله تنقض نقضاً كاملاً القول ( بأن كل الصحابة عدول ) فمن يأمر الرسول بقتله ليس من العدول . ومن يحرق عليهم رسول الله البيت ليسوا من العدول . ومن يقول عن الجنة : جنة من حرمل ويقاتل على الاحساب ليس من العدول . ومن يلعنه الرسول ويلعن ما في صلبه ليس من العدول . والذين اتخذوا مسجداً ضراراً ليسوا من العدول . لان القول بعدالتهم يتعارض مع السنة المطهرة . فالسنة المطهرة تنفي هذه العدالة ، والمقلدون تقليداً اعمى بعزلة عن التفكير يثبتونها فأيهما اولى بالتصديق ، سنة المصطفى ام تقليد المقلدين ؟
فلا خلاف بعدالة افاضل الصحابة ، ولكن الخلاف يكمن في التعميم بالقول ( بأن كل الصحابة عدول ) والقول بالتعميم تنقضه السنة المطهرة لانه يتعارض معها تعارضاً كاملاً .
____________
(1) وقعة صفين ص 220 .
(2) راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 14 وقد نقلت هذا المقتطف حرفياً .
(3) راجع المرجع السابق ج 3 ص 15 و 16 من مروج الذهب للمسعودي .

( 44 )

3 ـ نظرية عدالة كل الصحابة ينقضها واقع الحال .

المثال الاول : حصل معاوية على البيعة بالتقتيل والتدمير والتحريق وشتمه انصار رسول الله ، واستغل اموال المسلمين التي جمعها خلال عشرين عاماً بولايته على الشام لتوطيد سلطانه بعد ان اخرج اموال المسلمين عن مصارفها الشرعية . ورتب معاوية عطاء اسمه : رزق البيعة يعطي للجند عند تعيين خليفة جديد (1) وتأكد ان المطلب الحقيقي لمعاوية هو الملك عندما كتب وصيته من بعده ليزيد ابنه واخذ له البيعة بالقوة (2) وامره على صحابة رسول الله بالرغم من مجونه وقلة دينه وسوء خلقه .
المثال الثاني : اوصى معاوية بن ابي سفيان ابنه يزيد ( اذا ثار اهل المدينة فأرسل اليهم مسلمة بن عقبة ) وكان مع مسلمة قائمة بأسماء الطاهرين من الصحابة ليقتلهم واحداً واحداً واحداً . ويدخل عقبة عاصمة النبي ويفعل الافاعيل التي تضج منها السماء ، مروان دليل الجيش يؤشر وعقبة وجيشه المظفر ينفذ ويعدم بغير رحمة ، وتم تنفيذ ابشع مجزرة وكان من نتيجة هذه الوصية ان :
1 ـ ابيد من حضر من البدريين بالكامل .
2 ـ ابيد من قريش ومن الانصار سبعمائة رجل .
3 ـ ابيد من الموالي والعرب عشرة آلاف .
كان ذلك سنة 63 هـ في وقعة الحرة . هنالك قال عبد الله بن عمر ( نحن مع من غلب ) وتحول قوله الى قاعدة دستورية ، وكان معتزلاً عندما اشتد الصراع بين علي ومعاوية (3) .
المثال الثالث : ارسل معاوية بسر بن ارطاة في ثلاثة آلاف سنة 40 هـ وقدم المدينة فصعد المنبر وتهدد اهل المدينة بالقتل فأجابوه الى بيعة معاوية ، ومضى بسر الى مكة ثم
____________
(1) راجع نظام الحكم للقاسمي ص 283 .
(2) راجع كتابنا النظام السياسي في الاسلام ص 182 .
(3) راجع نتائج معركة الحرة في كل كتب التاريخ وتأكد من صحة هذه النتائج وراجع على سبيل المثال الامامة والسياسة لابن قتيبة .

( 45 )

سار الى اليمن ولم يجد واليها عبيد الله بن العباس ووجد طفليه الصغيرين عبد الرحمن وقاسم فقتلهما بسر وقتل معهما خالاً لهما من ثقيف ، وقتل بالمدينة وبين المسجدين خلقاً كثيراً ، وكذلك بالجوف قتل بها خلقاً كثيراً من رجال همدان وقتل بصنعاء خلقاً كثيراً من الابناء . ولم يبلغه عن احد انه يماليء علياً او يهواه الا قتله (1) .
وكانت جويرية ام ابني عبيد الله بن العباس الذين قتلهما بسر تدور حول البيت ناشرة شعرها وترثيهما بعاطفه تذيب الصلخد الصلد (2) .
المثال الرابع : ذكر ان امرأة الحسن بن علي عليه السلام جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سقته السم ، وكان معاوية دس اليها : انك ان احتلت في قتل الحسن وجهت اليك بمائة الف درهم وزوجتك من يزيد ، فكان ذلك الذي بعثها على سمه . فلما مات الحسن وفى لها معاوية بالمال وارسل اليها : انا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه . وذكر ان الحسن قد قال عند موته ( لقد حاقت شربته وبلغ امنيته والله لا وفى لها بما وعد ، ولا صدق فيما قال ) .
وعن العباس بن عبد المطلب قال : كنت عند رسول الله اذ اقبل علي بن ابي طالب ، فلما رآه اسفر عن وجهه فقلت يا رسول الله انك لتسفر في وجه هذا الغلام فقال ( يا عم رسول الله والله لله اشد حباً له مني ، انه لم يكن نبي الا وذريته الباقية بعده من صلبه ، وان ذريتي بعدي من صلب هذا ) (3) .
وممن سمهم معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وذلك عندما شاور اهل الشام فيمن يعقد له من بعده فقالوا : رضينا بعبد الرحمن ، فشق ذلك على معاوية فسمه (4) وهذا ما فعله مع عبد الرحمن بن ابي بكر الصديق .
____________
(1) راجع الامامة والسياسة وراجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 26 .
(2) راجع مروج الذهب ص 27 .
(3) راجع مروج الذهب للمسعودي ص 477 ج 2 .
(4) راجع ترجمته في الاستيعاب وراجع ص 175 من كتاب شيخ المضيرة .

( 46 )

المثال الخامس : الفرحة الكبرى . حدث محمد بن جرير الطبري عن محمد بن حميد الرازي عن علي بن مجاهد عن محمد بن اسحاق عن الفضل بن عباس بن ربيعة قال : وفد عبد الله بن العباس على معاوية قال : فوالله اني لفي المسجد اذ كبر معاوية في الخضراء ، فكبر اهل الخضراء ثم كبر اهل المسجد بتكبير اهل الخضراء ، فخرجت فاختة بنت قرظة بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف من خوخة لها فقالت : سرك الله يا امير المؤمنين ما هذا الذي بلغك فسررت به ؟ فقال معاوية : موت الحسن بن علي ، فقالت : انا لله وانا اليه راجعون ، ثم بكت وقالت : مات سيد المسلمين وابن بنت رسول الله ، فقال معاوية : نعما والله ما فعلت ، انه كان كذلك اهلاً ان تبكي عليه . ثم بلغ الخبر ابن عباس فراح فدخل على معاوية ، قال : علمت يا ابن عباس ان الحسن توفي ؟ قال : الذلك كبرت ؟ قال : نعم (1) .
المثال السادس : تقدم الجيش بقيادة الصحابي عمرو بن سعد بن ابي وقاص ... ولما تكاثرت العساكر على الحسين عليه السلام ايقن انه لا محيص له ، فلم يزل يقاتل حتى قتل . وكان الذي تولى قتله رجل من مذحج واخذ رأس الحسين وانطلق به الى ابن زياد وهو يقول :

اوقر ركابي فضة وذهباً * أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم اذ ينسبون نسبا

فسلبوه جبته وحذاءه كما يروي البلاذري في انساب الاشراف ، ولم يكتفوا بذلك انما امر الصحابي عمرو بن سعد بن ابي وقاص ان يوطئوا خيلهم جثة الحسين ، فانتدب لذلك اسحاق بن هبيرة الحضرمي في نفر منه فوطئوه بخيلهم (2) وعاد عمرو بن سعد بن ابي وقاص مظفراً ، بعد ان اباد ذرية محمد وماتوا وهم عطشى ، وبجانبهم الفرات حلال حتى الكلاب وحرام على ذرية محمد .
____________
(1) راجع مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 478 ـ 479 .
(2) راجع مقتل الحسين في انساب الاشراف للبلاذري .

( 47 )

المثال السابع والاخير : قال الحسن عليه السلام اثناء اجتماعه بمعاوية ( ... يا أهل الكوفة لو لم تذهل نفسي عنكم الا لثلاث خصال لذهلت : مقتلكم ابي ، وسلبكم ثقلي ، وطعنكم في بطني ، واني قد بايعت معاوية ) (1) .
وكان عليه السلام بعد تولي الخلافة قد خرج في جيش قوامه اثني عشر الفاً وعسكر في المدائن فقام بعض من معه بمباغتنه وسلبوه رحله ، وتفرقوا عنه وخذلوه ، بل ان بعضهم اراد ان يوثقه ويسلمه لمعاوية موثقاً ، وبعضهم اراد قتله .

تحليل هذه الامثلة

التقتيل والتدمير والتحريق ، وابادة البدريين ، وقتل احد عشر الف مسلم بيوم واحد من اهل المدينة المنورة بلا ضرورة ، امر يناقض العدالة .
وقتل الاطفال وقتل كل من يظن انه يهوى ولي الله علياً امر لا يتفق ودعوى العدالة . وسم الحسن ، وقتل الحسين ، والدوس على جثته الطاهرة بسنابك الخيل ، وابادة آل محمد ومنعهم من ان يشربوا من ماء الفرات ، امر يناقض الزعم بالعدالة .
هذه الامور وامثالها مما لايحصى تنقض بوقوعها مزاعم كل الذين يقولون ان الصحابة كلهم عدول ، وانهم كلهم من اهل الجنة ولا يدخل احد منهم النار ، لاننا لو قلنا بذلك لكان فيه مكافأة للذين انتهكوا محارم الله .
ان سم الحسن وقتل الحسين وابادة اهل البيت ، وابادة افاضل الصحابة لا يمكن ان يكون اجتهاداً انما هو عدوان . ومن يفعل ذلك لا يمكن ان يكون من العدول بكل المعايير العقلية والدينية ووفق كل الشرائع الوضعية التي عرفها البشر ، يترفع اي قائد امريكي او فرنسي او روسي او وثني من ان يقوم بقتل طفلين صغيرين في غياب ابيهما كما فعل ابن ارطاة ، فقتل الطفلين لا يقدم ولا يؤخر في ملك معاوية او ملك ابنه ، وهذا العمل بكل المقاييس عمل وحشي لا يمكن تبريره ، فهل يعقل ان من يقوم بهذا العمل او يأمر به من الصحابة العدول ؟ وهل يعقل ان يدخله الله الجنة ؟
____________
(1) راجع مروج الذهب .
( 48 )

نعم بالتقليد يقبل كل غريب ولكن وفق قواعد الشرع الحنيف فانه غير مقبول . ومن هنا فان واقع الحال وما جرى بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ينقض نقضاً كاملاً نظرية كل الصحابة عدول ، لان ما جرى يناقضها وما وجدث هذا النظرية اصلاً الا لغايات سياسية كما سنثبت ذلك ، ولتغطية الخروج على الشرعية ، ولتبرير توسيد الامر لغير اهله ، والله غالب على امره ، ثم تناقل الناس هذه النظرية تقليداً كتناقل الازياء .
4 ـ نظرية عدالة الصحابة تتعارض مع روح الاسلام العامة ، ومع حسن الخاتمة ومع الغاية من الحياة نفسها ، فا لله سبحانه وتعالى ما خلق الموت والحياة ، وما خلق الارض وما عليها الا ليمتحن خلقه ايهم احسن عملاً ، بدليل قوله تعالى ( انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم ايهم احسن عملاً ) ( سورة الكهف ) ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا ) ( سورة الملك ) . فالحياة وجدت لتكون ميدان اختبار للمكلفين ، وكل ما في الحياة عنصر من عناصر عملية الاختبار ، وتبدأ عملية الاختبار بالتكليف المرتبط بالعقل والتمييز وتنتهي بالموت . فاذا كان كل الصحابة عدولاً لا يجوز عليهم الكذب ومحكوم بنزاهتم ، وانهم جميعا من اهل الجنة وانه لا يدخل احد منهم النار ، فهم خارجون تماماً عن عملية الابتلاء ولا داعي لامتحانهم ، وهذا يناقض الغاية من حياتهم ، اذ في ذلك ايقاف لعملية الابتلاء الالهية .
ثم انها تناقض روح الاسلام العامة لان الانسان في خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ، فقدر المسلم ان يكون ملتزماً بأوامر الله حتى يتوفاه الله ، واي خلل بهذا الالتزام يخرج من دائرة الاسلام ويجر عليه غضب الله بحجم هذا الخلل ، والعبرة دائماً بحسن الخاتمة .
فلو ان مسلما التزم بأوامر الله طوال حياته ، وقبل ان يموت بيوم واحد كفر بالله ، لما اغنى عنه التزامه السابق شيئا .
والرسول بفضل الله عليه على علم بما سيحدث بعده ، لذلك خاطب جميع المؤمنين في حجة الوداع قائلاً ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم اعناق بعض ) والخطاب موجه للصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي .


( 49 )

وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي قال ( انكم تحشرون حفاة عراة ، وان أناساً من اصحابي يؤخذ بهم ذات اليمين وذات الشمال فأقول : اصحابي اصحابي فيقول : انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ) .
وروى مسلم هذا الحديث بلفظ ( ليردن عليّ ناس من اصحابي حتى اذا عرفتهم اختلجوا من دوني فأقول اصحابي فيقول لا تدري ماذا احدثوا بعدك ؟ ) .
وروى البخاري عن النبي قال ( بينما انا قائم ، فاذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم قال : هلم ، قلت : أين ؟ قال : الى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : انهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقرى ، فلا اراه يخلص منهم الا مثل همل النعم ـ اي القليل ) .
وفي رواية اخرى ان النبي قال : ( يرد عليّ يوم القيامة رهط من اصحابي فيحلّوّون عن الحوض فأقول : يا رب اصحابي ، فيقول : انك لا علم لك بما احدثوا ، انهم ارتدوا على ادبارهم القهقرى ) .
واخرج عن سهل بن سعد قال : قال النبي ( ليوردن عليّ اقوام اعرفهم ويعرفونني ، ثم يحال بيني وبينهم ) . قال ابو حازم : فسمعني النعمان بن ابي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل فقلت : نعم ، فقال : أشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها ( فأقول انهم مني ، فيقال : انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول : سحقاً سحقاً لمن غير بعدي ) .
واخرج من حديث ابن عباس جاء فيه ( وان اناساً من اصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : اصحابي اصحابي فيقال : انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم ) .
واخرج ابو يعقوب في مسند عمر مثل ذلك .
واخرج البخاري في باب غزوة الحديبية عن العلاء بن المسيب عن ابيه قال : لقيت البراء بن عازب فقلت له : طوبى لك صحبت النبي وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن اخي انك لا تدري ما احدثناه بعده .
واخرج عن عبد الله عن النبي ( انا فرطكم على الحوض وليرفض رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب اصحابي فيقال : انك لا تدري ما احدثوا بعدك ) .


( 50 )

قال البخاري : تابعه عاصم عن ابي وائل وقال حصين عن ابي وائل عن حذيفة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
واخرج عن اسماء بنت ابي بكر ( اني على الحوض حتى انظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول : يا رب مني ومن امتي ، فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا يرجعون على اعقابهم ) .
قال البخاري فكان ابن مليكة يقول : اللهم انا نعوذ بك ان نرجع على اعقابنا ونفتن عن ديننا .
هذا بعض ما نقلناه من البخاري ومسلم وفي غيرهما كثير اعرضنا عنه خشية التطويل (1) .

تحليل هذه النماذج من النصوص

ثبت من احاديث رسول الله التي سقناها ان قسماً من الصحابة سيبدلون من بعده وسيرتدون على اعقابهم وسيؤمر بهم الى النار . وممن اخرج هذه الاحاديث البخاري ومسلم ، وهما في نظر المقلدين يأتيان بعد القرآن في الصحة والاعتبار ، فكيف نوحد بين قولهم بأن الصحابة كلهم عدول وكلهم في الجنة ولا يدخل احد منهم النار ، وبين هذه النصوص النبوية القاطعة والمتواترة والتي يؤيدها واقع الحال ؟ وطالما انه لا يمكن التوحيد بين المزاعم والنصوص ، فان نظرية عدالة كل الصحابة منقوضة من اساسها ، لانها تتعارض مع الغاية من الحياة وهي الابتلاء ، وتتعارض مع روح الاسلام التي تربط الحياة القويمة بالعمل الصالح واستمرار التواصي بالحق والصبر عليه ، وتتوج كل ذلك بحسن الخاتمة .

تهافت نظرية عدالة كل الصحابة

روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ، وهو من اكابر المحدثين واعلامهم كما جاء في شرح النهج للمعتزلي ( ان اكثر الاحاديث في فضائل الصحابة قد افتعلت في ايام
____________
(1) راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم للسيد مرتضى الرضوي ص 100 وما فوق وراجع مسند الامام احمد ج 5 ص 50 وج 1 ص 235 .
( 51 )

بني امية تقرباً اليهم بما يظنون انهم يرغمون انوف بن هاشم . وقد صيغت بأسلوب يجعل من كل صحابي قدوة صالحة لاهل الارض وتصب على كل من سب احداً منهم او اتهمه بسوء ، كما جاء فيما رووه عن انس بن مالك ( من سب احداً من اصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين ، ومن عابهم او انتقصهم فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تصلوا عليه ) وقد جاءت بهذا الاسلوب ولم تفرق بين صحابي وصحابي ) .

عرض

ولي الله بالنص ، واخو رسول الله بالنص ، وعميد آل البيت بالنص ، وباب مدينة العلم اللدني بالنص ، هو على الاقل صحابي يحمل هذا اللقب كما يحمله غيره ، فما حكم من يسبه ويفرض سبه والانتقاص منه في جميع المقاطعات التي كانت تخضع لحكم معاوية ؟ وما حكم الذين اطاعوا معاوية بسبه ؟ هل يشملهم هذا الحديث الآنف ؟
وعندما نصح معاوية بعض خلصائه للتوقف عن سب عليّ وشيعته قال : والله لا ادع سبه وشتمه حتى يهرم عليه الكبير ويشب عليه الصغير . وقد بذل للصحابي ابي سمرة بن جندب خمسمائة الف درهم ليروي له عن النبي ان الاية ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) نزلت في علي بن ابي طالب . وان الاية ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) نزلت في عبد الرحمن بن ملجم لانه قتل علياً عليه السلام . فما لهذه النظرية تفرق بين صحابي وصحابي وتطبق على اناس ولا تطبق على الآخرين ؟ ولا عاقل في الدنيا ينفي ان شتم عليّ وآله قد فرضته الدولة على كل رعاياها ، وانهم قد شاركوا الدولة هذا الاثم رهبة او رغبة .

دور الصحابة في السنن والتشريع

في عهد الصحابة والطبقة الاولى من التابعين كان دور الصحابة منحصراً على نقل اقوال الرسول وافعاله ، فبعد ان كانت السنة لا تتعدى اقوال الرسول وافعاله عند متقدمي الصحابة اصبحت في العصور التي تعددت فيها المذاهب تتسع لرأي الصحابي وفتواه ، فاذا لم يجدوا نصاً على حكم الواقعة في كتاب الله وسنة الرسول اصبحت آراء


( 52 )

الصحابة في احكام الحوادث التي كانت تعرض عليهم المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد كتاب الله وسنة رسوله !
ولعل ائمة المذاهب الثلاثة وعلماءهم : الاحناف والمالكية والحنابلة اكثر تعصبا من الشوافع كما يبدو ذلك من تصريحاتهم ومجاميعهم الفقهية . ومع ان ابا حنيفة كان متحمساً للقياس ويراه من افضل المصادر بعد كتاب الله فقد كان يقدم رأي الصحابي اذا تعارض في مورد من الموارد . وجاء عنه انه كان يقول : اذا لم اجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله اخذت بقول اصحابه ، فاذا اختلفت آراؤهم في حكم الواقعة آخذ بقول من شئت وادع من شئت ، ولا اخرج من قولهم الى قول غيرهم من التابعين .
وجاء في اعلام الموقعين لابن القيم ، ان اصول الاحكام عند الامام احمد خمسة : 1 ـ النص . 2 ـ فتوى الصحابة . وان الاحناف والحنابلة قد ذهبوا الى تخصيص الكتاب بعمل الصحابي لان الصحابي العالم لا يترك العمل بعموم الكتاب الا لدليل ، فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب دليلاً على التخصيص وقوله بمنزلة عمله (1) .
وما ابعد ما بين هؤلاء اهل السنة وبين اهل الشيعة القائلين بعدم جواز الاعتماد على السنة في مقام التشريع الا اذا تأيدت بآية من القرآن لان فيه تبيان لكل شيء ، وقد نزل بلغة العرب ، وبأسلوب يفهمه كل عربي ، وذلك لان السنة رواها عن الرسول جماعة يجوز عليهم الخطأ والكذب ، وكانوا لا يقبلون مرويات بعضهم احياناً ويعمل كل منهم بما يوحيه اليه اجتهاده ، وقد تراشقوا بأسوأ التهم واستحل بعضهم دم بعض (2) .
ومهما كان الحال فاقوال الصحابة وآراؤهم واجتهاداتهم من ابرز اصول التشريع عند الجمهور بعد كتاب الله ، وفي الوقت ذاته يخصصون بها عمومياته ويقيدون بها مطلقاته وكأنها وحي من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . ومن المعلوم ان هذا الغلو في تقديس الصحابة لا يختلف عن العصمة في شيء ، ويتسع للمنافقين وللمشركين الذين ارغموا على التظاهر بالاسلام .
____________
(1) راجع ابا حنيفة لابي زهرة ص 304 وراجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن الكريم ص 87 وما فوق لقد لخصنا ما ذكره في هذا المجال الايماني لموافقته للصواب .
(2) راجع المدخل الى علم اصول الفقه لمعروف الدواليبي ص 217 وراجع المرجع السابق .

( 53 )

وهذا الغلو في تقديس الصحابة قد تحول في الفترة التي ظهرت فيها المذاهب الفقهية لمحاربة التشيع لائمة اهل البيت في فقههم واصولهم وجميع تعاليمهم التي تجسد الاسلام في جميع مراحله وفصوله كما ورثوه عن جدهم ( علي ) الذي وهو مدينة العلم .
وكان الائمة عليهم السلام يقولون ( اذا حدثنا لا نحدث الا بما يوافق كتاب الله وكل حديث ينسب الينا لا يوافق كتاب الله فاطرحوه ) كما كان الامام الصادق يقول ( حديثي حديث ابي ، وحديث ابي حديث جدي ، وحديث جدي حديث رسول الله ، وحديث رسول الله قول الله ) (1) .
____________
(1) لقد اقتطفنا هذا الموضوع من كتاب آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي ، فارجع اليه ص 87 وما فوق وغايتنا وضع الحقيقة الشرعية امام طلابها .
( 54 )



( 55 )

الفصل الرابع
نظرية عدالة الصحابة عند الشيعة

1 ـ مولاة الشيعة للصحابة

يقول السيد مرتضى الرضوي : الشيعة يوالون اصحاب محمد ( عليه وآله الصلاة والسلام ) الذين ابلوا البلاء الحسن في نصرة الدين وجاهدوا بأنفسهم واموالهم . واتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم اجمع هو اتهام بالباطل ، ورحم بالغيب وخضوع للعصبية ، وتسليم للنزعة الطائفية ، وجري وراء الاوهام والاباطيل .

2 ـ من هم الصحابة عند الشيعة

الصحبة تشمل كل من صحب النبي او رآه او سمع منه ، فهي تشمل المؤمن والمنافق والعادل والفاسق والبر والفاجر ... فالصحبة ليست بمجردها عاصمة تلبس صاحبها ايراد العدالة ، وانما تختلف منازلهم وتتفاوت درجاتهم بالاعمال . ولنا في كتاب الله واحاديث رسول الله كفاية عن التحمل في الاستدلال على ما نقول ، والآثار شاهدة على ما نذهب اليه من شمول الصحبة وان فيهم العدول من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ورسخت اقدامهم في العقيدة ، وجرى الايمان في عروقهم ، واخلصوا لله فكانوا بأعلى درجة من الكمال . وقد وصفهم الله عز وجل بقوله تعالى ( اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من اثر السجود ، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى


( 56 )

على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجراً عظيماً) .
وهم المؤمنون ( الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون ) ( سورة الحجرات ) . وقد أمر الله باتباعهم والاقتداء بهم بقوله ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ( سورة التوبة ) . هؤلاء هم اصحاب محمد العدول عند الشيعة .
الشيعة تناقش اعمال ذوي الشذوذ من الصحابة بحرية فكر وتزن كل واحد منهم بميزان عمله فلا يوادون من حاد الله ورسوله ويتبرأون ممن اتخذوا ايمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله . وهم بهذا الاسلوب لا يخالفون كتاب الله وسنة رسوله وعمل السلف الصالح في تمييز الصحابة .

3 ـ نقطة الخلاف الجوهرية

أهل السنة يقولون بعدالة كل الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي . واهل الشيعة يقولون بعدالة المتصف بالعدالة من الصحابة فقط .

4 ـ دعاء الشيعة لاصحاب محمد

ان الدعاء الذي تردده الشيعة لاصحاب محمد لدليل قاطع على حسن ولاء الشيعة للصحابة واخلاص المودة لهم . فهم يدعون الله لاتباع الرسل عامة ولاصحاب محمد خاصة بما ورثوه من ائمتهم الطاهرين .

5 ـ أشهر أدعية الشيعة

ومن اشهر ادعية الشيعة للصحابة دعاء زين العابدين عليه السلام في صحيفته المعروفة بالسجادية ، وهو :
( اللهم واتباع الرسل ومصدقوهم من اهل الارض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب ، والاستباق الى المرسلين بحقائق الايمان ، في كل دهر وزمان ارسلت فيه رسولاً ، واقمت لاهله دليلا من لدن آدم الى محمد من ائمة الهدى وقادة اهل التقى على جميعهم السلام ،


( 57 )

فاذكرهم منك بمغفرة ورضوان . اللهم واصحاب محمد خاصة الذين احسنوا الصحبة ، والذين ابلوا البلاء الحسن في نصره وكاتفوه واسرعوا الى وفادته وسابقوا الى دعوته واستجابوا له حيث اسمعهم حجة رسالاته ، وفارقوا الارواح والاولاد في اظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والابناء في تثبيت نبوته وانتصروا به ، ومن كانوا منظومين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته والذين هجرتهم العشائر اذ تعلقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات اذ سكنوا في ظل قرابته ، فلا تنس لهم اللهم ما تركوا لك وفيك وارضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك ، وكانوا مع رسولك دعاة لك اليك واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش الى ضيقه ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم . اللهم واوصل الى التابعين لهم باحسان الذين ( يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ) خير جزائك الذين قصدهم سمتهم وتحروا وجهتهم ومضوا على شاكلتهم لم يثنهم ريب في نصرتهم ولم يختلجهم شك في قفو آثارهم ولائتمام بهداية منارهم ، مكاتفين ومؤازرين لهم يدينون بدينهم ويهتدون بهداهم ينفقون عليهم ولا يتهمونهم فيما ادوا اليهم ، اللهم صل على التابعين من يومنا هذا الى يوم الدين وعلى ازواجهم وعلى ذرياتهم وعلى من أطاعك منهم صلاة تعصمهم بها من معصيتك وتفسح لهم في رياض جنتك ، وتمنعهم بها من كيد الشيطان ، وتعينهم بها على ما استعانوك عليه من بر وتقيهم طوارق الليل والنهار الا طارقاً يطرق بخير ، وتبعثهم بها على اعتقاد حسن الرجاء بك ، والطمع في ما عندك وترك التهمة في ما تحويه ايدي العباد لتردهم الى الرغبة اليك والرهبة منك وتزهدهم في سعة العاجل وتحبب اليهم العمل الآجل والاستعداد لما بعد الموت وتهون عليهم كل كرب يحل بهم يوم خروج الانفس من ابدانهم ، وتعافيهم مما تقع به الفتنة من محذوراتها وكبة النار وطول الخلود فيها وتصير لهم الى امن من مقيل المتقين ) (1) .
____________
(1) الصحيفة السجادية للامام علي بن الحسين عليه السلام ص 43 ـ 45 .
( 58 )



( 59 )

الفصل الخامس
بذور للتفكر في نظرية عدالة الصحابة

ابن عباس يصف الصحابة لمعاوية : سأل معاوية ابن عباس عن عدة أمور ، ثم سأله عن الصحابة فقال ابن عباس : يا معاوية ان الله جل ثناؤه وتقدست اسماؤه خص نبيه محمداً بصحابة آثروه على الانفس والاموال ، وبذلوا النفوس دونه في كل حال ، ووصفهم الله في كتابه فقال ( رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يتبغون فضلاً من الله ورضواناً ، سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ، وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً ) (1) .
قاموا بمعالم الدين وناصحوا الاجتهاد للمسلمين ، حتى تهذبت طرقه ، وقويت اسبابه ، وظهرت آلاء الله ، واستقر دينه ، ووضحت اعلامه ، واذل بهم الشرك ، وازال رؤوسه ، ومحا معالمه ، وصارت كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى .
فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزكية ، والارواح الطاهرة العالية فقد كانوا في الحياة اولياء وكانوا بعد الموت احياء ، وكانوا لعباد الله نصحاء رحلوا الى الآخرة قبل ان يصلوا اليها ، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها . فقطع عليه معاوية الكلام وقال : يا ابن عباس حدثنا في غير هذا (2) .
____________
(1) الفتح ـ 29 .
(2) مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 65 ـ 66 و ص 425 ـ 426 .

( 60 )

شهادة ووصية الصحابي حذيفة بن اليمان

كان حذيفة عليلاً بالكوفة سنة 36 هـ فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي فقال : اخرجوني وادعوا الصلاة جامعة . فوضع على المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال : ايها الناس ان الناس قد بايعوا علياً ، فعليكم بتقوى الله وانصروا علياً وآزروه ، فوالله انه لعلى الحق آخراً واولاً ، وانه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي الى يوم القيامة . ثم اطبق بيمينه على يساره ثم قال : اللهم اشهد اني قد بايعت علياً . وقال لابنيه صفوان وسعد : احملاني وكونا معه فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس فاجتهدا ان تستشهدا معه فانه والله على الحق ومن خالفه على الباطل ، ومات حذيفة رضي الله عنه بعد هذا اليوم بسبعة ايام وقيل بأربعين يوماً ، ونفذ الولدان الباران وصية ابيهما واستشهدا يوم صفين وهما يقاتلان الى جانب علي عليه السلام (1) .

الزبير وحسن الخاتمه

خرج علي بنفسه حاسراً على بغلة رسول الله لا سلاح معه ، فنادى : ( يا زبير اخرج عليّ ) فخرج اليه الزبير شاكياً في سلاحه ، فقيل ذلك لعائشة فقالت : واثكلك يا اسماء ، فقيل لها : ان علياً حاسر فاطمأنت ، واعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال علي ( ويحك يا زبير ما الذي اخرجك ) قال : دم عثمان ، قال علي ( قتل الله اولانا بدم عثمان ، اتذكر يوم لقيت رسول الله في بني بياضة وهو راكب حماره فضحك اليّ رسول الله وضحكت اليه وانت معه ، فقلت انت : يا رسول الله ما يدع علي زهوه ، فقال لك : ليس به زهو اتحبه يا زبير ؟ فقلت : اني والله لاحبه فقال لك : انك والله ستقاتله وانت ظالم له ) ، فقال الزبير استغفر الله ، والله لو ذكرتها ما خرجت ، فقال له : يا زبير ارجع ، فقال الزبير : كيف ارجع الان وقد التقت حلقتا البطان ؟ هذا والله العار الذي لا يقبل . فقال علي ( يا زبير ارجع بالعار قبل ان تجمع العار والنار ) فرجع الزبير وهو يقول :

اخذت عاراً على نار مؤججة * ما ان يقــوم لها خلق من الطين
نادى علي بأمر لست اجـهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين (2)

____________
(1) مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 65 ـ 66 و ص 425 ـ 426 .
(2) مروج الذهب ج 2 ص 400 ـ 402 .