والخلاصة انه انسحب من التجمع الآثم ، ولقيه عمرو بن حرموز فقتله .

طلحة وحسن الخاتمة

نادى علي طلحة حين رجع الزبير ، وقال له : يا ابا محمد ، ما الذي اخرجك ؟ فقال : الطلب بدم عثمان ، قال علي : ( قتل الله اولانا بدم عثمان ، يا طلحة اما سمعت رسول الله يقول : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وانت اول من بايعني ثم نكثت وقد قال الله عز وجل ( فمن نكث فانما ينكث على نفسه ) فقال طلحة : استغفر الله ، ثم رجع .

الحليف يقتل حليفه

قال مروان بن الحكم بن العاص : رجع الزبير ويرجع طلحة ، ما ابالي رميت ههنا ام ههنا ، فرماه في اكحله فقتله . وهو يجود بنفسه قال طلحة :

ندمت ما ندمت وضل حلمي * ولهفي ثم لهــف ابي وامي
ندمـت ندامـة الكسعي لما * طلبت رضي بني جرم بزعمي

جرحه عبد الملك في جبهته ورماه مروان بن الحكم في اكحله .

نهاية الصحابي عمار بن ياسر

قال عمار بن ياسر : اني لارى وجوه قوم لا يزالون يقاتلون حتى يرتاب المبطلون ، والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لكنا على الحق وكانوا على الباطل . وتقدم عمار فقاتل ثم رجع الى موضع فاستسقى ، فأتته امرأة من نساء بني شيبان من مصافهم بعسل فيه لبن فدفعته اليه فقال : الله اكبر الله اكبر اليو القى الاحبة تحت الاسنة ، صدق الصادق وبذلك اخبرني الناطق وهو اليوم الذي وعدنا فيه ـ وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد اخبره بأن الفئة الباغية ستقتله وسيكون اخر طعامه ... ـ وقال عمار : ايها الناس هل من رائح الى الجنة تحت العوالي ، والذي نفسي بيده لنقاتلنهم على تأويله كما قاتلناهم على تنزيله ، وتقدم وهو يقول :

نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويـذهل الخليل عن خليله
او يرجع الحق الى سبيله


( 62 )

فقتله ابو العادية وابن جون السكسكي ، واختلفوا في سلبه فاحتكما الى الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص .

حجة معاوية

لقد تمرد معاوية على الامام الشرعي طالباً من الامام معاقبة قتلتة عثمان ، قال له الامام ( ادخل في الطاعة وحاكم القوم اليّ احكم بالعدل ) ولكن معاوية ابى ان يدخل في الطاعة واتخذ من قتل عثمان جسراً يعبر منه الى الملك . ونجح معاوية وتوج ملكاً على المسلمين ودانت له الرقاب رغبة ورهبة .

معاوية يعاقب قتلة عثمان

قدم معاوية الى المدينة فدخل دار عثمان . فقالت عائشة ابنة عثمان : ابتاه ، وبكت ، فقال معاوية : يا ابنة اخي ان الناس اعطونا طاعة واعطيناهم اماناً ، واظهرنا لهم حلماً تحته غضب ، واظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، ومع كل انسان سيفه ، وهو يرى مكان انصاره ، وان نكثنا بهم نكثوا بنا ، ولا ندري اعلينا تكون ام لنا ، ولئن تكوني بنت عم امير المؤمنين خير من ان تكوني من عرض المسلمين (1) .

رأي الحسن البصري في معاوية

روى الطبري ان الحسن كان يقول : اربع خصال كن في معاوية ، ولو لم يكن فيه منهن الا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الامة بالسفهاء حتى ابتزها امرها بغير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذووا الفضيلة . واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير . وادعاؤه زياداً ، وقد قال رسول الله ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) وقتله حجراً واصحابه ، ويل له من حجر واصحابه ، ويل له من حجر واصحابه (2) .
____________
(1) البيان والتبيين للجاحظ ج 3 ص 300 وراجع شيخ المضيرة للشيخ محمود ابو رية ص 182 .
(2) راجع كتاب الطبري من حوادث سنة 51 وابن الاثير ص 202 ـ 209 وابن عساكر ج 2 ص 379 والشيخ محمود ابو رية ص 184 ـ 185 .

( 63 )

تتويج مفاخر معاوية
لم يكتف هذا الصحابي ( العادل ) بما فعل ، انما لعن الامام علياً وهو ولي الله لتقتدي به الامة وتلعن الامام كما لعنه (1) واصدر اوامره لرعيته بأن يسبوا علياً بن ابي طالب عليه السلام (2) .

عمال معاوية يسبون علياً

وابتغاء لمرضاة معاوية كان عماله يسبون علياً عليه السلام (3) .
____________
(1) العقد الفريد لابن عبد ربه ج 4 ص 366 وشرح النهج لابن ابي الحديد ج 1 ص 356 وج 3 ص 258 وج 4 ص 56 .
(2) راجع صحيح مسلم ج 2 ص 360 وصحيح الترمذي ج 5 ص 301 ـ 380 وراجع المستدرك للحاكم ج 3 ص 109 وراجع ترجمة الامام علي بن ابي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 1 ص 206 ـ 271 و 272 وراجع خصائص امير المؤمنين للنسائي الشافعي ص 48 وراجع درر السمطين للزرندي الحنفي ص 107 وراجع كتاب الطالب للكنجي الشافعي ص 84 ـ 86 وراجع المناقب للخوارزمي الحنفي ص 59 وراجع اسد الغابة لابن الاثير ج 1 ص 134 وج 4 ص 25 ـ 26 وراجع الاصابة لابن حجر العسقلاني ج 2 ص 509 وراجع الغدير للعلامة الاميني ج 1 ص 257 وج 3 ص 300 وراجع العقد الفريد ج 4 ص 29 وراجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 82 و 92 وراجع شرح النهج ج 1 ص 256 و 361 وراجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي ص 63 وراجع المراجعات للعاملي وملحقها للسيد حسين راضي .
(3) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 167 ـ 168 وراجع الكامل في التاريخ لابن الاثير ج 3 ص 413 وراجع المستدرك للحاكم ج 1 ص 385 وج 2 ص 358 وراجع شرح النهج لابن ابي الحديد ج 1 ص 356 و 361 وراجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 190 وراجع العقد الفريد ج 4 ص 365 ، وراجع الغدير للاميني ج 1 ص 264 عن ارشاد الساري في شرح البخاري للقسطلاني ج 4 ص 368 وراجع تحفة الباري في شرح البخاري للانصاري مطبوع بذيل ارشاد الساري وراجع المراجعات للامام العاملي وملحقها لحسين راضي ص 218 .

( 64 )



( 65 )

الفصل السادس
طريق الصواب في معرفة العدول من الاصحاب

المدخل الموضوعي

الاكثرية الساحقة من اصحاب السير والمؤرخين قالوا : انه قبل ان تبدأ معركة بدر ، وهي اول مواجهة مسلحة بين الايمان والشرك ، اصطف جيش الشرك بقيادة ابي جهل استعدادا للمعركة ، واصطف جيش الايمان بقيادة محمد ، ورفع ابو جهل يديه الى السماء ودعا الله قائلاً : اللهم ابعدنا منك ، واقطعنا للرحم فأحنه من هذه الغداة ... الخ .
وفي الوقت نفسه كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه الى السماء داعياً ربه ( اللهم انك ان تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم في الارض ، اللهم انجزني ما وعدتني ... الخ ) .
تدقيق في الدعاءين : كلاهما يرفع يديه الى السماء ...
كلاهما يقول اللهم ...
كلاهما يرفع شعار حق . فأبو جهل يزعم انه الاقرب الى الله ، وانه الاوصل رحماً .. ومحمد يؤكد ان من اتبعه هم حماة الحق وهم رمز الصلة المثلى بين الخالق والمخلوق ، ويصرح ان بينه وبين الله عهوداً ووعوداً .


( 66 )

تساؤل : طالما انهما على حق ، فلماذا يتقاتلان ؟ وطالما انهما معاً على طريق الله ، فلماذا يصل هذا الخلاف الى درجة التقاتل ، خاصة ان الطريق الى الله واحدة ، وان طريق الحق طريق واحدة وهي صراط الله المستقيم .
احتمالات : وفق معايير البحث الموضوعي المجرد ، امامنا ثلاثة احتمالات او تصورات وهي :
1 ـ كلاهما محق ، وهذا غير وارد لانه لا يوجد للحق الا طريق يقيني واحد وهو صراط الله المستقيم ، وكنتيجة لوحدة المنطلق يجب ان يتبع احدهما الآخر .
2 ـ احدهما محق والآخر مبطل وهذا وارد .
3 ـ كلاهما مبطل وهذا غير وارد بالنسبة لنبي يملك البرهان والمعجزة .
سر الحل : للوقوف على الحقيقة المجردة ، لابد من :
1 ـ معرفة الحق .
2 ـ معرفة الباطل .
3 ـ معرفة المحق بوسائل الحق نفسه .
4 ـ معرفة المبطل بوسائل وموازين الحق نفسه .
الطريق الى ذلك : 1 ـ وجود حق ووجود منظومة حقوقية لهذا الحق ، والحق هو الاسلام ( القرآن والسنة بفروعها الثلاثة : القول والفعل والتقرير ) والنصوص الواردة بالقرآن والسنة مجتمعة هي المنظومة الحقوقية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها لانها من صنع الله وبوحيه .
2 ـ العقل الذي يقوم بعملية استيعاب المنظومة الحقوقية الالهية .
3 ـ التجرد والموضوعية : بحيث يكون هدف المسلم ان يكون ضمن اطار الشرعية ، وان يحقق نفس غاية المقصود الشرعي من النص ومن الروح العامة للمنظومة الحقوقية .
4 ـ وجود شخص سواء أكان نبياً ام اماماً شرعياً تطرح امامه ثمرات الاستيعاب العقلي ويكون قوله الفصل عند اختلاف الاجتهادات ، وهو بمثابة منسق الطاقات


( 67 )

ومرشد الحريات والموجه الحق للجماعة التي تريد الحق وتسعى اليه . هذا الشخص هو النبي في زمن النبوة ، وهو الولي والامام الصالح المعين وفق الشرع بعد انتهاء عصر النبوة . وهذا الشخص هو الميزان الموضوعي بين الحق والباطل . فالذين يوالون محمداً ويطيعون اوامره ويتبعون توجيهاته هم على الحق . والذين لا يوالون محمداً ويوالون غيره هم على الباطل حتى ولو تلوا القرآن الكريم وحفظوه عن ظهر قلب ، ولو صلوا وصاموا وبنوا المساجد هم على الباطل لان الولاية والموالاة هي الميزان الثابت لمعرفة المحق من المبطل في كل زمان .

عوائق على طريق الحل

1 ـ الهوى ، وهو الرغبة بأن تسير الامور وتفسر النصوص حسب ما تهوى الانفس .
2 ـ التقليد الاعمى ، بحيث يتبنى الانسان آراء بينه وبينها مدة طويلة ويرفض اجراء اي تعديل او تبديل عليها .
3 ـ الاستبداد بالرأي ، بحيث يعتقد كل مقلد ان رأيه هو الحق المبين ، وان من يخالفه الرأي هو من انصار الشيطان ، فيضيق به ويقاومه ويعتبره العدو اللدود .
4 ـ الغاء الولاية الشرعية او استبدالها بولاية ليست شرعية ، وذلك بأن يوالي المسلم غير الولاية التي اراد الله فيوالي الغالب او غيره .

القول الفصل في عدالة الصحابة ـ استذكار وتلخيص
لوجهتي نظر السنة والشيعة

رأينا ان الصحبة لغة واصطلاحاً تعني كل الذين لقوا النبي وآمنوا به او تظاهروا بهذا الايمان وماتوا وهم على هذا الايمان او التظاهر به ، وان اهل السنة قد اجمعوا على ان كل هؤلاء عدول بلا استثناء ، ورأينا ان نظرية عدالة كل الصحابة تتعارض مع النصوص الواردة في السنة المطهرة القولية والفعلية والتقريرية ، وتتعارض مع النصوص الشرعية القاطعة الواردة في القرآن الكريم ، بل وتتعارض مع الغاية من الحياة ، ومع منطق الاشياء والروح العامة للاسلام .


( 68 )

وقد اثبتنا هذا التعارض ، وحرصنا على سوق الامثلة والتبسيط ، وتبين لنا ان الصحابة شرعاً وبالضرورة قسمان :
1 ـ الصادقون : وهم عدول بإجماع كل المسلمين من شيعة وسنة ، ولا خلاف بينهما في هذا الناحية .
2 ـ غيرهم : وهم موضع الخلاف . فبينما يرى اهل السنة ان كل الصحابة بلا استثناء عدول لا فرق بين اول من اسلم وبين صبي رأى النبي او رآه النبي من حيث وصف العدالة ، فالكل عدول ولا يجوز التعرض لهم لا من قريب ولا من بعيد بأي دراسة تؤدي الى نقدهم او الى الانتقاص من اي واحد منهم ، ومن يفعل ذلك فهو زنديق اثيم لا تجوز مؤاكلته او مشاربته ولا الصلاة عليه . بينما يرى اهل الشيعة ان العدل من عدّله الله وعدله رسول الله . والحقيقة الشرعية المجردة هي ضالة المؤمن . وقد بين الشرع الحنيف وسائل استكشاف هذه الحقيقة ورشد حركة المسلم في هذا الاستكشاف واعطاه الملكات العقلية التي تساعده على ذلك وتحقق غايته ان تجرد من الهوى ، فاذا كان سيد الخلق محمد بشراً يصيب ويخطىء ـ كما يقولون ـ فما الذي يمنع طفلاً رأى النبي او رآه النبي من ان يخطىء او ان يكذب ؟ واين هو الحكم الشرعي الذي يحجر على العقل البشري ويمنعه من ان يتحرى الحقيقة عند هذا او ذاك . فهناك من قتل الصحابة ، وهناك من سرق ، وهناك من كذب ، وهناك من زنى ، وهنا لك من احيل للقضاء بعد انتقال الرسول الى الرفيق الاعلى . فكيف نتحرى الحقائق ؟ وكيف يقام العدل ؟ وكيف تستفيد الامة من تجارب الماضي فتتجنب الخطأ وتنهج منهج الصواب ؟ ومن هنا فان الشيعة ترى وتؤمن بعدالة الصادقين من الصحابة وتدعو لهم في كل صلاة ، اما غيرهم من الصحابة ، فالذي يعدله هو دينه وعمله بالموازين الشرعية . وهم يرون ان عدالة كل الصحابة بالمعنى الذي يطرحه اهل السنة هي نظرية سياسية تماما نشأت في رعاية حكم الطلقاء ، او تحت اشرافهم تكونت كل مقوماتها . وبوسائل اعلام دولة الطلقاء رسخت قواعد هذه النظرية ثم تلقفتها الاجيال اللاحقة تقليداً وبدواع مختلفة وبنوايا مختلفة .
وتقول الشيعة : اما العقوبة التي خصصها بعض الفقهاء تأييداً لنظرية عدالة كل الصحابة فهي عقوبة بغير نص ولا يملك احد ان يعاقب مسلماً بغير نص شرعي . وان


( 69 )

العقوبة هي ظلم وهي باطلة بكل الموازين الشرعية وتؤدي بالنتيجة الى تكريس حالة انقسام الامة ومنعها من الاستفادة من دروس الماضي وعبره ، والتفكر في مآلات الاشياء وكيف آلت الى ما آلت اليه ، وبالتالي ايجاد العوائق بطريق استشراق المستقبل وتوحيد الامة على نور وعلى بصيرة .

خلط الاوراق

لو كان الصحابة كلهم عدولاً لما حدثت الفتنة ، ولو كان الصحابة كلهم عدولاً لما تفرقت الامة ، ولو كان الصحابة كلهم عدولاً لما قتل الصحابي صحابياً مثله ، لان العادل لا يقتل النفس التي حرم الله الا بالحق ، ولو كان الصحابة كلهم عدولاً لما وسد الامر لغير اهله ولما اصبحت الخلافة ملكاً وغنيمة يأخذها الغالب .
والقول بعدالة كل الصحابة خلط للاوراق ، وتعمية للناس وحجر على عقولهم ، لآن من يقتتلون لا يمكن ان يكونوا جميعاً على الحق ، لان الحق ضد القتل وضد الفتنة ويمنع الفرقة ويمنع من توسيد الامر لغير اهله .
فنأتي الآن وبعد مضي الف سنة لنقول تلك امة قد خلت ولنبدأ من جديد دون ان نعرف من هو المحق ومن هو الذي اتبع الحق حتى نقتفي اثره . ومن هو المبطل ومن الذي اتبع هواه حتى نتجنب مسالكه ، ومعنى ذلك اننا نهمل الاستفادة من تجربة دامت الف عام ونيف ، ونبدأ بالحياة من الصفر كأننا بلا تجارب . هذا هو الخلط ، وقد كان بهذا الخلط مصلحة لهذا الحكم او ذاك او التستر على هذا الشخص او ذاك . فما هي مصلحتنا الآن بهذا الخلط وهذا التستر ؟ وما هي مصلحتنا بالغاء تجربة الف وثلاثمائة وتسعين عاماً ، خاصة وان هذا الخلط وهذا التستر وهذا الالغاء يتم على حساب الدين الحنيف وينفذ تحت شعار مصلحة الاسلام .

واقعة للاستكشاف الشرعي

قامت جموع غاضبة فقتلت بعد تردد طويل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بزعم انه قد انحرف عن سيرة صاحبيه الصديق والفاروق ، فبايع اهل المدينة علياً عليه السلام وتبعهم اهل الامصار باستثناء اهل الشام وواليهم معاوية بن ابي سفيان الذي لم يبايع


( 70 )

لانه حسب قوله يريد معاقبة قتلة عثمان . فقال له الخليفة : ادخل في الطاعة وسأقضي بالحق للجميع ، فرفض معاوية وتحصن في ولايته ، واخذ يكيد للامام ويعلن خروجه عليه ويزعزع قواعد استقرار الدولة ويهيىء الامة للانقسام ، مستغلا اموال ولايته وصارفاً لها بغير الوجوه الشرعية المخصصة لها ، وما زال يكيد حتى انقسمت الامة حقيقة وسالت الدماء ، ثم قتل الامام ، واغتصب معاوية امر الامة بالقوة وتأمر عليها وفيها السابقون من الصحابة الذين قاتلوه وقاتلوا اباه على الاسلام ، ونسي معاقبة قتلة عثمان او تناساهم ، واوصى ان يكون الملك من بعده لابنه يزيد ، وهو سكير خمير صاحب قردة وطنابير على حد تعبير الحسن البصري ، ومن ذلك التاريخ صارت رئاسة الدولة غنيمة يختص بها من غلب . وبما ان القديم على قدمه ، فقد فقد صارت الغلبة وسيلة شرعية ( نحن مع من غلب ) .

عدالة كل الصحابة

الذين وقفوا مع علي ، والذين وقفوا مع معاوية كلهم صحابة وكلهم عدول ولا يدخل احد منهم النار ، وكلهم في الجنة وكلهم مجتهد وكلهم لم يخطىء ، ومن عابهم او عاب اياً منهم فهو زنديق لا يؤاكل ولا يشارب ولا يصلى عليه حسب اجماع اهل السنة . امدحهم جميعاً كما يحلو لك فهم اهل لهذا المدح ولكن ان قلت أن واحداً منهم اخطأ فأنت زنديق ... الخ . هذا التفكير الاعمى اصبح سنة حقيقية ، وصورت هذه السنة كأنها ارادة الله وارادة رسوله .

التكييفات المنطقية

وفق معايير العلمي للبحث فان امامنا ثلاثة تصورات او احتمالات :
1 ـ كلهم محق ( علي عليه السلام ومن معه ، ومعاوية ومن معه ) وهذا غير وارد لانه يوجد للحق طريق يقيني واحد .
2 ـ كلهم مبطل ( علي عليه السلام ومن معه ومعاوية ومن معه ) وهذا غير وارد لان علياً ولي الله بالنص ، ولانه مع الحق والحق معه ، يدور حيث دار بالنص الشرعي ايضا كما سنبين فيما بعد .
3 ـ احدهما محق والآخر مبطل .


( 71 )

تسأول : لو كانوا جميعاً على الحق لما قاتلوا ، ولما اختلفوا ، وان اختلفوا فان الاختلاف لن يصل الى درجة التقاتل ، انما سيحل بالوسائل الشرعية سلمياً . وبالتالي فلن يقتل مئات الآلاف الذين قتلوا .
استخلاص : اذن بالضرورة احدهما محق والآخر مبطل ، احدهما على الحق والآخر على الباطل والقول بأنهم جميعاً عدول ، ولا يجوز عليهم الخطأ طيبة تصل الى درجة السذاجة والغفلة ، لان القتل لا يتم الا باليقين الشرعي ، والقتل العمد جريمة ، وتفريق الامة جريمة والخروج على الشرعية جريمة ... ومن يمارس القتل بالظنون او استناداً الى مصلحة او هوى لا يمكن ان يكون عادلا ، وبالتالي يجوز عليه الكذب والخطأ والمعصية . والاطار العام للصحبة لا يمنعه من ذلك ، لان الصحبة ليست نبوة .
كيف نعرف العدول من الصحابة من غير العدول في هذه الواقعة كمثال للتبسيط ؟
1 ـ وجود حق ووجود منظومة حقوقية لهذا الحق تغطي مساحة الافعال والنوايا .
والحق موجود والمنظومة الحقوقية موجودة وهي الاسلام ( القرآن والسنة بفروعها الثلاثة : القول والفعل والتقرير ) وهي مجتمعة تشكل المنظومة الحقوقية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، انها دين الله التي ارتضاها لعباده وهي من صنعه ووحيه .
2 ـ وجود امام شرعي يسمع كل الآراء ويكون قوله الفصل عند اختلاف الاجتهادات ، وهو مرشد الحريات ومنسق الطاقات وموجه الجماعة الى الحق ، وهو الولي .
وكان النبي هو الولي وعين علياً ولياً فقال ( انه وليكم بعدي ، انه ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) تلك حقيقة لا يوجد في الدنيا كلها من يجرؤ على انكارها ، حتى معاوية نفسه . وسأقوم بتوثيق هذه الحقيقة فيما بعد .
3 ـ بحث الوقائع بموضوعية وتجرد بحيث يكون هدف المسلم هو عين هدف الله تعالى .


( 72 )

4 ـ العقل الذي يقوم بعملية استيعاب المنظومة الحقوقية وتكييفها على الوقائع ، وعرض ثمرة هذه العملية على الولي .

الموالاة كمفتاح للعدالة

علي بن أبي طالب ، هو أول من أسلم بأرجح الأقوال ، وهو ولي الله وأخو رسوله ووالد سبطيه ، وزوج البتول وقائد العمليات العسكرية ضد الشرك ، وهو فارس الاسلام بغير منازع وقاتل اعدائه ، وهو الصديق الاكبر والفاروق الاعظم بالنص الشرعي ، كما سأثبت ذلك ، وهو ابن ابي طالب حامي النبي قبل الهجرة وعميد البيت الهاشمي الذي حاصرته كل قبائل العرب مجتمعة ثلاث سنين في شعاب ابي طالب لغاية واحدة ، وهي ان يسلم الهاشميون النبي او يخلوا بينه وبين قريش .
أما معاوية ، فهو الطليق ابن الطليق ، ابن ابي سفيان ، قاد الاحزاب وحارب النبي في كل المواقع ، وحاول ان يقتل النبي ، وقاد ضده موجة العداء وجيش الجيوش لمحاربته ، وهو ابن هند التي رتبت عملية الغدر بحمزة ، ولم تكتف بقتله انما شقت بطنه وشوهت بجثمانه الطاهر ، وقاتل هو وابوه الاسلام بكل فنون القتال حتى دخل النبي مكة فاتحاً واحيط به وبأبيه ولم يجدا مفراً من اعلان اسلامهما ، وهو من المؤلفة قلوبهم ، كان يعطى من الصدقات .

الصحابة العدول

كل الذين وقفوا مع علي ووالوه هم صحابة عدول ، وهم بفضل الله ومنته الاكثرية الساحقة من صحابة النبي ، ومن عارضه منهم كالزبير وطلحة ندماً ولم يموتا حتى دخلا في طاعته بالرضى . ويكفي الاسلام شرفاً انه لم يقف مع معاوية من الانصار الا اثنان لا ثالث لهما ، ولو كان ابو بكر حياً لوقف معه ، ولو كان عمر حياً لوقف معه وهو القائل : انه مولاي ومولاك ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، اللهم ارض عنهم واجزهم عنا وعن الاسلام ما هم اهله .


( 73 )

أما الذين وقفوا مع معاوية ووالده ، فهم موضوع البحث وبالوسائل الشرعية وهم اقلة الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي ، ومن اجلهم اخترعت نظرية ( كل الصحابة عدول ) لتبرير الواقع واضفاء الشرعية عليه ، كما سنبين .

نماذج من غفلة اهل الشام والعراق

قال المسعودي : وذكر بعض الاخباريين انه قال لرجل من اهل الشام من زعمائهم واهل الرأي والعقل منهم : ابن من ابو تراب هذا الذي يلعنه الامام على المنبر ؟ فقال : اراه لصاً من لصوص الفتن .
وحكى الجاحظ قال : سمعت رجلاً من العامة وهو حاج ، وقد ذكر له البيت يقول : اذا اتيته من يكلمني ؟ وانه اخبر صديقاً له انه قال له رجل منهم وقد سمعه يصلي على محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما تقول في محمد ؟ ارينا هو ؟
وذكر ثمامة بن اشرس قال : كنت ماراً في السوق ببغداد ، فاذا انا برجل عليه الناس مجتمعون ، فنزلت عن بغلتي وقلت : لشيء ما هذا الاجتماع ، ودخلت بين الناس فاذا برجل يصف كحلاً معه انه ينجح من كل داء يصيب العين ، فنظرت فاذا عينه الواحدة برشاء والآخرى مأسوكة ، فقلت له : يا هذا لو كان كحلك كما تقول نفع عينيك . فقال لي : يا جاهل اها هنا اشتكت عيناي ؟ انما اشتكتا بمصر فقال كلهم : صدق وذكر انه ما انفلت من نعالهم الا بعد كد .
واخبرني رجل من اخواننا من اهل العلم قال : كنا نقعد نتناظر في ابي بكر وعمر وعلي ومعاوية ، ونذكر ما يذكره اهل العلم ، وكان قوم من العامة يأتون فيستمعون منا فقال لي ذات يوم أحدهم وكان من اعقلهم واكبرهم لحية : كم تطنبون في علي ومعاوية وفلان وفلان ؟ قلت : ما تقول انت في ذلك ؟ قال : من تريد ؟ قلت : علياً ما تقول فيه ؟ قال : اليس هو ابا فاطمة ؟ قلت : ومن كانت فاطمة ؟ قال : امرأة النبي عليه السلام بنت عائشة اخت معاوية . قلت : فما كانت قصة علي ؟ قال قتل في غزاة حنين مع النبي (1) .
____________
(1) لقد نقلت هذه الروايات حرفياً عن مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 39 ـ 41 .
( 74 )

هؤلاء الذين اطاعوا معاوية

( وقد بلغ من امرهم في طاعته انه صلى بهم عند مسيرهم الى صفين الجمعة في يوم الاربعاء واعاروه رؤوسهم عند القتال وحموه بها وركنوا الى قول عمرو بن العاص ان علياً هو الذي قتل عمار بن ياسر حين اخرجه لنصرته ، ثم ارتقى بهم الامر في طاعته الى ان جعلوا لعن علي سنة ينشأ عليها الصغير ويهلك عليها الكبير ) (1) .
هل هذا هو اسلوب الصحابة العدول ببيان الحقيقة ؟ فالذي قتل عمار بن ياسر هو علي بن ابي طالب !! وهذا هو اسلوب العدول بتفقيه الناس بأمور دينهم وتعريفهم على صحابة محمد الاجلاء الذي قام الاسلام على اكتافهم !!
____________
(1) نقلت هذا المقطع حرفياً عن مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 39 .
( 75 )

الباب الثاني
الجذور التاريخية لنظرية عدالة كل الصحابة



( 76 )



( 77 )

الفصل الاول
الجذور التاريخية لنظرية عدالة كل الصحابة
الجذر القبلي ـ عدم جواز الجمع بين النبوة والخلافة

أ ـ بطون قريش

تتكون قريش من خمسة وعشرين بطناً (1) واشرف هذه البطون على الاطلاق وافضلها بالنص الشرعي بنو هاشم بن عبد مناف (2) ويليهم بالشرف بنو عبد المطلب بن عبد مناف ، و ... بنو الحارث بن عبد مناف و ... بنو امية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وبنو نوفل بن عبد مناف ، وبنو هاشم هم سادة قريش ، فقد سادوا بعد ابيهم ويقال لهم : المجبرون ، وهم اول من اخذ العصم لقريش ، فانتشروا من الحرم . فقد اخذ لهم هاشم حبلاً من ملوك الشام ، واخذ عبد شمس حبلاً من النجاشي ، واخذ نوفل حبلاً من الاكاسرة ، واخذ عبد المطلب حبلا من حمير ، فاختلفت قريش بهذه الاسباب الى بلاد العالم ، وكان يقال لهم : اقداح النضار لفخرهم وسيادتهم على العرب (3) .
____________
(1) راجع مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 291 .
(2) راجع السيرة الحلبية ج 1 ص 3 ـ 4 لعلي برهان الدين الحلبي وراجع الجامع للاصول في احاديث الرسول لعلي ناصيف مجلد 3 ص 419 وما فوق وراجع الخطبة 185 ص 156 ج 2 من شرح النهج لابن ابي الحديد .
(3) راجع الطبقات ج 1 ص 75 وراجع كتابنا النظام السياسي في الاسلام ص 93 .

( 78 )

ب ـ الصيغة السياسية

توصلت بطون قريش الى صيغة سياسية قائمة على اقتسام مناصب الشرف فيما بينها ـ المناصب السياسية ـ من قيادة ولواء وندوة وسقاية ورفادة وسفارة ... الخ ، والاسهم السياسية المحددة في هذه الصيغة اقصى ما استطاعت البطون ان تنتزعه ، ولاح لهذه البطون انها افضل صيغة سياسية على الاطلاق ، اذ ليس فيها غالب ولا مغلوب . فالمناصب السياسية قدر مشترك بين البطون ولا مصلحة لاي بطن بتغيير هذه الصيغة ، لانه لو حاول التغيير فلا يعرف على وجه الجزم واليقين عواقب محاولته . فقد يفقد ما حققه ، ثم ان الامور قد استقامت ونظمت امور ولاية البيت الحرام ، فارتاحت كل البطون لهذه الصيغة ، ومع الايام اصبحت عنوان عقيدة سياسية واثراً مأثوراً مما تركه الاولون ، ومن غير الجائز الخروج عليه من قبل اي كان .

ج ـ محاولات لزعزعة الصيغة

في السنين العجاف لم يكن لمكة غير هاشم ، يطعم الناس ويشبعهم ، وقيل له : ابو البطحاء وسيد البطحاء ، ولم تزل مائدته منصوبة في السراء والضراء ، وكان يحمل ابن السبيل ويؤمن الخائف (1) فخشي امية بن عبد شمس منه وحسده ، فتكلف ان يصنع ما يصنع هاشم ، فعجز عن ذلك ، فعيرته قريش فدعا هاشماً للمنافرة فأبى ، ثم تنافرا على خمسين ناقة وعلى الجلاء عن مكة عشر سنين ، فقضى الحكم بأن هاشماً اشرف من امية ، فنحرت النوق وجلا امية الى الشام ، فكانت هذه بذرة العداء الاولى بين البيتين الهاشمي والاموي . ولعل الذي دفع امية هو الحسد لهاشم والخشية من ان يشكل هاشم خطراً على هذه الصيغة ، لان القيادة بيد بني عبد شمس ، وبروز نجم مثل هاشم قد يزعزع الصيغة كلها ويستخف الناس (2) .

د ـ اشاعة النبوة

اشيع في مكة ان نبياً سيبعث ، وانه سيكون من سلالة عبد مناف ، وممن استقرت في اذهانهم هذه الاشاعة ابو سفيان ، فقد كان على علاقة وطيدة بأمية بن ابي الصلت .
____________
(1) راجع تاريخ الطبري ج 2 ص 180 والسيرة الحلبية ج 1 ص 5 والطبقات لابن سعد ج 1 ص 76 .
(2) راجع السيرة الحلبية ج 1 ص 15 وكتابنا النظام السياسي في الاسلام ص 170 ـ 172 .

( 79 )

وابو سفيان موقن ان هذا النبي سينسف الصيغة السياسية ، وسيأخذ منه القيادة . وطالما ان القيادة لبني امية فان هذه النبوة من اكبر الاخطار ولكنه اطمأن بعد عذاب ومعاناة ، فالشائعة تقول ( ان النبي من بني عبد مناف ) ولا يوجد ـ حسب رأيه ـ من هو جدير بالنبوة سواه (1) فمن المؤكد انه سيكون النبي المرتقب .

هـ ـ اعلان النبوة

اعلن محمد الهاشمي انه النبي المرتقب الذي اختاره الله لهداية العرب خاصة والجنس البشري عامة ، وان برهانه على هذه النبوة هو كلام الله . واتبعه نفر قليل ممن عرفوا بالحصافة وبعد النظر ، ومن اولئك الذين مستهم البشرية مساً اليماً .

و ـ احتضان الهاشميين للنبي

احتضن الهاشميون محمداً بكل قوة ، وهددت زعامة قريش بقتل محمد ، واشيع انه قتل ، فجمع ابو طالب بني هاشم واعطى كل واحد منهم حديدة صارمة وسار مع الهاشميين والمطلبيين ونادى : يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به ؟ قالوا : لا ، فأخبر الخبر وقال للفتيان : اكشفوا عما في ايديكم فكشفوا ، فاذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة . فقال ابو طالب : والله لو قتلتموه ما ابقيت منكم احداً حتى نتفانى واياكم ، فانكسر القوم وكان اشدهم انكساراً ابو جهل (2) .

ز ـ حفاظاً على الصيغة السياسية وحسداً لا حباً بالأصنام

قاومت بطون قريش بقيادة ابي سفيان محمداً وبكل اساليب المقاومة ، ولم ينثن ، وامام اصرار ورفض بني هاشم لفكرة تسليمه اتفقت بطون قريش بدون استثناء على ما يلي :
1 ـ مقاطعة بني هاشم مقاطعة تامة ، فقاطعتهم قريش كلها بما فيهم بني عدي وبني تيم وحصروهم في شعاب ابي طالب ثلاث سنين واضطروهم ان يأكلوا ورق الشجر
____________
(1) السيرة الحلبية ج 1 ص 80 .
(2) راجع الطبقات لابن سعد ج 1 ص 202 ـ 203 .

( 80 )

من الجوع ، واضطر اطفالهم ان يمصوا الرمان من العطش . تلك حقيقة كالشمس لا يجادل بها احد . ولم يركع محمد ، ولم يركع الهاشميون ، وابطل الله كيد بطون قريش وزعامتها ، وفشل الحصار بعد مقاطعة استمرت ثلاث سنين .
2 ـ عندما سمعت قريش ان محمداً سيهاجر الى يثرب بعد ان تمكن من ايجاد قاعدة له قررت بطون مكة بالاجماع ان تقتل محمداً ، فاختاروا من كل قبيلة رجلاً حتى يضربه هؤلاء الرجال ضربة واحدة فيضيع دمه بين القبائل ولا يقوى الهاشميون على المطالبة بدمه ، لانه ان ذهب الى يثرب نجح وسلبهم القيادة والشرف .
وفي اللحظة التي اجمعوا بها امرهم دخلوا فوجدوا علي بن ابي طالب نائماً في فراشه . وجن جنون القيادة المكية وخصصت الجوائز لم يقبض عليه حياً او ميتاً .
وفي الطرف الآخر كان محمد وصاحبه ودليلهما المشرك يشقون طريقهم سالمين باذن الله . وتلك حقيقة ساطعة كالشمس لا تحتاج الى دليل (1) .

ح ـ حروب من اجل الصيغة السياسية وحسداً لا حباً بالاصنام

لم تيأس بطون قريش وقيادتها الاموية من هزيمة محمد وبني هاشم ودينهم ، ولم ييأس محمد والهاشميون واصحابه من هزيمة الشرك وقيادته . وانقسم العرب اثلاثاً ، قسم مع قريش وقيادتها المشركة ، وقسم قليل مع محمد ، والقسم الثالث تربص ليتبع الغالب . واشتغلت الحروب في بدر واُحد ، وجيشت زعامة قريش بالتحالف مع اليهود جيش الاحزاب ، وزحفت الى المدينة المنورة عاصمة النبي ، وفشلت الاحزاب ، ثم فوجئت قريش وقيادة الشرك بجند الله يدخل مكة عاصمة الشرك ، وركعت زعامة مكة واضطرت للدخول في الاسلام . وبركوعها ركع كل العرب ودانت الجزيرة لدولة النبي واخذ العرب يدخلون في دين الله افواجا .

ط ـ النبوة الهاشمية قدر لا مفر منه

رفضت بطون قريش بزعامتها الاموية الدين المحمدي ونبوة محمد الهاشمي بكل اصناف الرفض والوانه ، وقاومت بكل فنون المقاومة ، لا وفاء للاصنام ، ولكنها تكره
____________
(1) راجع على سبيل المثال السيرة الحلبية ج 1 ص 80 وج 1 ص 332 .