الشفاعة 3



الفصل الثالث

أثر الشفاعة في المصالح الدنيوية

تقدم في الفصول السابقة ، الحديث عن الشفاعة فيما يتعلق بالآخرة، حيثُ الغفران من الذنوب ورفع العقاب يوم الحساب .
وقد ناقشنا هناك الاِشكالات التي وردت على الشفاعة، وبات واضحاً أن الشفاعة وأثرها في الحياة الآخرة هي قضية ثابتة بصريح القرآن الكريم والاَحاديث النبوية الشريفة . لكن هناك مناقشات، تدور حول أثر الشفاعة في الحياة الدنيا، وهي مناقشات تتمحور حول الاجابة عن السؤال التالي :
هل أنَّ طلب الشفاعة في أمور الدنيا من غير الله جائزٌ شرعاً، وهل أنَّ لها أثراً ايجابياً في الحياة الدنيا كالرزق والشفاء من الاَمراض والنجاح في الاَعمال، أو الاِنقاذ من الاَخطار وغيرها من شؤون الحياة الدنيا، أم إنّها غير جائزة، وغير ذات فائدة في الدنيا ؟
أما في مسألة الجواز : فقد تقدم أنَّ الله سبحانه وتعالى قد أخبر عن رجال ارتضاهم ليشفعوا عنده في عباده الذين ارتضى.. وقد وردت عدة روايات تؤيد ذلك نقلناها سابقاً، هذا فيما يتعلق بالشق الاَول من السؤال .

( 46 )
أما فيما يتعلق بالشق الثاني منه، وهو : هل أنَّ للشفاعة أثراً وفائدة في تحصيل المصالح والمنافع الدنيوية أم لا ؟
فنقول : إنّ الشفاعة تعطي ـ بالاضافة إلى المعاني التي تقدمت في أول البحث ـ معنى الدعاء أيضاً، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يشفع لمؤمن فإنه يدعو الله سبحانه وتعالى، فقد ذكر السيد العاملي أنَّ «شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره عبارة عن دعائهِ الله تعالى لاَجل الغير وطلبه منه غفران الذنب وقضاء الحوائج، فالشفاعة نوع من الدعاء والرجاء . حكى النيسابوري في تفسير قوله تعالى : ( مَّن يَشفَعْ شَفَاعةً حَسَنةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنها وَمَن يَشفَعْ شَفَاعةً سَيّئةً يَكُن لَّهُ كِفلٌ مِّنها ) (1)عن مقاتل أنَّه قال : الشفاعة إلى الله إنما هي الدعوة لمسلم، لما رُوي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من دعا لاَخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولكَ مثلُ ذلك» (2).
وعلى هذا الاَساس، فإنَّ دعاء المؤمن لاَخيه المؤمن في حياته في حاجة من حوائج الدنيا أمر مقبول لا غبار عليه ولا مناقشة فيه بعد الذي تقدم، ولما ورد من الحث على دعاء المؤمنين للمؤمنين : عن ابراهيم بن أبي البلاد رفعه وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من سألكم بالله فاعطو، ومن أتاكم معروفاً فكافوه، وإن لم تجدوا ما تكافونه فادعوا الله له حتى تظنّوا أنكم قد كافيتموه» (3).

____________
(1) النساء 4 : 85 .
(2) كشف الارتياب، للسيد محسن العاملي : 196 .
(3) وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، للشيخ محمد الحر العاملي 11 : 537 | 5 كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب فعل المعروف .

( 47 )
وقولك لاَخيك المؤمن «جزاك الله خيراً» هو نوع من الدعاء والشفاعة له عند الله، أو غير ذلك من الدعاء الذي نمارسه في حياتنا العادية مع أصدقائنا وإخواننا وأقاربنا .
وهذا اللون من الدعاء والشفاعة لا غبار عليه ولا مناقشة فيه كما قدّمنا.
لكن المناقشة تدور عادة بين المنكرين لجواز الشفاعة وتأثيرها في حاجات الدنيا، وبين القائلين بجوازها وتأثيرها، حول طلب الشفاعة من الاَموات أو الذين غادروا الحياة الدنيا على قول أدّق .

رأي ابن تيمية ومناقشته :
فقد ذهب ابن تيمية ومن تابعه إلى أنَّ طلب الشفاعة في حاجات الدنيا أو غيرها من «الاموات» شرك «... وإن قال أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع في هذه الاُمور، لاَني أتوسل إلى الله كما يُتَوَسَل إلى السلطان بخواصه وأعوانه فهذا من أفعال الذين يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم، والمشركين الذين أخبر الله عنهم أنهم قالوا : ( ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى الله زُلفى ) ..» (1).
وتهافت وفساد هذا الرأي الذي يذهب إليه ابن تيمية أنّه جعل طلب الدعاء والشفاعة بمنزلةٍ مساويةٍ لـ «عبادة غير الله»، مع أنَّ الشفاعة أصلاً لا تعني العبادة لا بمعناها اللغوي ولا بمعناها الاصطلاحي، كما أنّ الداعي الداخلي والنفسي لطلب الشفاعة تعني شيئاً آخراً غير الداعي النفسي لعبادة الاَصنام والبشر أو غير ذلك مما يتوسل بها المشركون والكافرون
____________
(1) زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور، لابن تيمية : 156 . والآية من سورة الزمر 39 : 3 .

( 48 )
لتقربهم على حدٍ زعمهم إلى الله زلفى .
وقد تقدّم في هذا البحث أنَّ أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته وكشف عن وجهه وسلّم عليه وطلب منه الدعاء له عند الله، كما ورد نفس الاَمر عن الاِمام علي عليه السلام . وطلبه ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (1) يدل بما لا مزيد عليه على صحة الطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعد وفاته .
وإذا دققنا في الآية القرآنية الشريفة : ( وَلا تَحسَبنَّ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أمَواتاً بَل أحياءٌ عِندَ رَبّهمِ يُرزقُونَ.. ) (2) والآية الشريفة : ( وَلا تقُولُوا لمِن يُقتَلُ في سَبيلِ اللهِ أمواتٌ بَلْ أحيَاءٌ وَلَكن لا تَشعُرُونَ... ) (3) نجد أنهما واضحتان في الدلالة على الحياة بعد مفارقة الدنيا، ولكن الاِنسان بطبيعته المادية لا يدرك هذه الحياة ولا يلمسها ولا يعرف حقيقتها إلاّ بعد الموت . ويقول العلاّمة الطباطبائي في تفسيره لآية ( ولا تَقُولُوا لِمن يُقتل.. ) : فالآية تدلُ دلالة واضحة على حياة الانسان البرزخية، كالآية النظيرة لها وهي قوله تعالى : ( وَلا تَحسبنَّ الَّذِينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أمواتاً بَلْ أحيَاءٌ عِندَ رَبْهِم يُرزقُونَ..) (4).
أما الموتى من المؤمنين من غير الشهداء فإنَّهم كما عبّرت روايات
____________
(1) فتح الملك العلي في اثبات صحة حديث باب مدينة العلم علي، للسيد أحمد بن الصديق الغماري الشافعي ـ طبعة حديثة 1995 م .
(2) آل عمران 3 : 169 .
(3) البقرة 2 : 154 .
(4) الميزان في تفسير القرآن، للطباطبائي 1 : 347 ـ 348 .

( 49 )
كثيرة يعيشون في البرزخ ويزورون أهلهم.. .
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : «إنّ المؤمن ليزور أهله فيرى ما يُحب ويُستر عنه ما يكره، وانّ الكافر ليزور أهله فيرى ما يكره ويُستر عنه مايُحب، ... ومنهم من يزور كل جمعة، ومنهم من يزور على قدر عمله»(1).
وبعد وضوح كل ذلك، فما المانع من أن يكون هؤلاء الذين غادروا الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، يسمعون ويرون ويدعون الله للذين لم يلحقوا بهم من المؤمنين والشهداء في قضاء حوائجهم ( فَرحِينَ بِمَا آتَاهُم اللهُ مِن فَضلِهِ وَيَستبشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلفِهِم ألاّ خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزنُون * يَستبشِرُون بِنِعمةٍ مِّنَ اللهِ وفَضلٍ وأنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجرَ المؤمِنينَ..) (2).
وكل ما تقدم يدل دلالة واضحة على أنَّ الاِنسان بعد الانتقال من الحياة الدنيا فإنَّه يعيشُ حياة اُخرى، يرى الكافر فيها العذاب فيتألم، ويرى المؤمنون فيها النعيم فيفرحون ويستبشرون، وهكذا يبطلُ زعم القائلين بأنَّ الاِنسان إذا مات انقطعت كل أسباب العلاقة بينه وبين الاَحياء في الدنيا وهو مذهب القائلين بعدم جواز التوسل بالاَموات، وهو مذهب فاسد كما علمت لاَنّه مخالف لصريح القرآن الكريم .
وقبل أن نختم هذا الفصل لا بأس بإيراد رواية صحيحة تروى عن
____________
(1) الكافي 3 : 230 | 1 باب ان الميت يزور أهله .
(2) آل عمران 3 : 170 ـ 171 .

( 50 )
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما تنفع في هذا الباب .
بعد أن انتهت معركة بدر الكبرى بانتصار المسلمين، وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قتلى المشركين فقال : «يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم كذبّتموني وصدّقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس... ـ حتى قال ـ : هل وجدتم ما وعدكم ربي حقاً»(1).
فلو كان هؤلاء القتلى الذين غادروا الحياة الدنيا لا يسمعون، فهل كان عبثاً حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يُوحى؟

____________
(1) السيرة النبوية 1 : 639 . والسيرة الحلبية 2 : 179 ـ 180 . كما أشار إلى قصة حديث الرسول الاَكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع قتلى قريش وقوله للسائلين يا رسول الله أتكلم قوماً موتى ؟ «وما أنتم باسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون ان يجيبوني» ذكر ذلك الكثير من المحدثين والمؤرخين من الفريقين، وتجد ذلك في صحيح البخاري 5 : 76 ـ 77 و 86 ـ 87 في معركة بدر. وصحيح مسلم 8 : 163 كتاب الجنة باب مقعد الميت . وسنن النسائي 4 : 89 ـ 90 باب أرواح المؤمنين . وبحار الانوار 19 : 346 .

( 51 )

الفصل الرابع


الشفعاء والمشفّع لهم

أولاً : الشفعاء :
هل حدد القرآن الكريم الشفعاء ؟ وهل أخبر عن اسمائهم أو عن صفاتهم ؟
إنّ التدبر في آيات القرآن الكريم يوّضح أنّ الله سبحانه وتعالى لم يحدد في الآيات القرآنية الشريفة وفي آيات الشفاعة اسم أحد من الشافعين، لكن القرآن الكريم أشار إلى مجموعة من الصفات التي إن توفرت في أحد فهو من الشفعاء بعد أن يأذن الله له في ذلك .
ونجد من خلال دلالة الآيات القرآنية الشريفة أنَّ الاَنبياء يشفعون، والملائكة يشفعون، والمؤمنون الصالحون يشفعون أيضاً، والعمل الصالح يشفع لصاحبه كذلك .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يشفع النبيّون والملائكة والمؤمنون فيقول
( 52 )
الجبّار : بقيت شفاعتي» (1).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يشفع يوم القيامة الاَنبياء ثم العلماء ثم الشهداء» (2) .
وإلى جانب ذلك فإنّ تعلّم القرآن يعطي لصاحبه الاَهلية لاَن يشفع، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «من تعلم القرآن فاستظهره فأحلّ حلاله وحرّم حرامه أدخله الله به الجنة وشفعّه في عشرة من أهل بيته كلهم قد وجبت له النار...» (3)
، وجاء في نهج البلاغة : «إنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شُفع فيه» (4).
وانّ العمل الصالح والالتزام بالتعاليم الاِسلامية يعطي لصاحبه الاَهلية لاَن يشفع، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ أقربكم مني غداً وأوجبكم عليَّ شفاعة : أصدقكم لساناً، وأدّاكم لاَمانتكم، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس» (5).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «الشفعاء خمسة : القرآن، والرحم، والاَمانة، ونبيكم، وأهل بيت نبيكم» (6).
وجاء عن الاِمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام في دعائه : «اللهمّ اجعل نبينا صلواتك عليه وعلى آله يوم القيامة أقرب النبيين منك مجلساً وأمكنهم
____________
(1) صحيح البخاري 9 : 160 .
(2) سنن ابن ماجه 2 : 1443 | 4313 . وراجع الخصال، للشيخ الصدوق : 142 بلفظ آخر : «ثلاثة يشفعون إلى الله عزَّ وجل فيشفعون . الاَنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء» .
(3) سنن الترمذي 4 : 245 .
(4) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 2 : 92 .
(5) تيسير المطالب في أمالي الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام، للسيد يحيى بن الحسين: 442 ـ 443.
(6) المناقب، لابن شهر آشوب 2 : 14 .

( 53 )
منك شفاعة..» (1).
وسنستعرض بإيجاز الآيات القرآنية الشريفة التي تعطي الدلالة الواضحة على كلِّ صنف من أولئك الشفعاء .
أ ـ الاَنبياء :
فالآية الشريفة التالية تؤكد أنَّ الاَنبياء يشفعون قال تعالى : ( وَمَآ أرسَلنا مِنَّ رسولٍ إلاّ لِيُطاع بإذنِ اللهِ وَلَوْ أنَّهم إذ ظَّلَمُوا أنفُسَهُم جاءُوك فاستَغفَرُوا اللهَ وَاستَغفَر لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ) (2) وفي الآية أعلاه قيود دقيقة لابدّ من الالتفات إليها وهي :
جاء في تفسير ( ظلموا أنفسهم ) أي بخسوها حقّها بادخال الضرر عليها بفعل المعصية من استحقاق العقاب، وتفويت الثواب بفعل الطاعة، وقيل ( ظلموا أنفسهم ) بالكفر والنفاق ( جاءوك ) تائبين مقبلين عليك مؤمنين بك ( فاستغفروا الله ) لذنوبهم ونزعوا عمّا هم عليه ( واستغفر لهم الرسول ) أي سألت الله أن يغفر لهم ذنوبهم ( لوجدوا الله ) أي لوجدوا مغفرة الله لذنوبهم (3).
وإلى جانب الآية المتقدمة، فالآية التالية توضح أيضاً شفاعة الرُسل قال تعالى : ( وَقَالُوا اتَّخذَ الرَّحمنُ وَلداً سُبحَانَهُ بَل عِبادٌ مُّكرَمُونَ * لا يَسبِقُونَهُ بِالقَولِ وَهُم بِأمرهِ يَعمَلُونَ * يَعلَمُ مَا بَينَ أيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم وَلا
____________
(1) الصحيفة السجادية 2 : 198 .
(2) النساء 4 : 64 .
(3) مجمع البيان، للطبرسي 1 : 87 .

( 54 )
يشفّعُون إلاّ لمنِ ارتَضَى وَهُم مِّن خَشيَتهِ مُشفِقُونَ ) (1).
والآية تشير إلى الرسل الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى البشر فقال الكافرون : إنّهم أبناء الله، لكن القران الكريم يصرّح بأنّهم عباد الله أكرمهم بالرسالة وإنّهم لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى سبحانه..
وقد تنطبق هذه الاية على الملائكة، فقد تكرّر في القرآن الكريم وفي مواضع عديدة الاِشارة إلى قول الكافرين والمشركين بأنَّ الملائكة بنات الله، تعالى سبحانه عن ذلك علواً كبيراً .
ب ـ الملائكة :
وأما شفاعة الملائكة فتدلّ عليها الآية التالية قال تعالى : ( وَكَم مِّن مَّلَكٍ في السَّمَواتِ لا تُغنِي شَفَاعَتُهم شَيئاً إلاّ من بَعدِ أن يَأذَنَ اللهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرضَى.. )(2).
ودلالة الآية جلّية وواضحة على أنَّ الملائكة تشفعُ بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى .
جـ ـ المؤمنون :
وأما شفاعة المؤمنين والشهداء فتدلّ عليها الآية الشريفة قال تعالى : ( وَلا يَملِكُ الَّذِينَ يَدعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفاعَةَ إلاّ مَن شَهِدَ بِالحَقِّ وَهُم يَعلمُونَ...) (3).

____________
(1) الانبياء 21 : 26 ـ 28 .
(2) النجم 53 : 26 .
(3) الزخرف 43 : 86 .

( 55 )
والذين شهدوا بالحق هم المؤمنون الصالحون الذين جعلهم الله شهوداً على أممهم مع الاَنبياء والاَوصياء .
وقد جعل الله المؤمنين مع الشهداء حيثُ قال تعالى : ( والَّذِينَ آمنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ والشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِم... ) (1).
وقد جاءت الروايات مؤكدة لهذه الآيات ومبينة لها، فقد روى الصدوق بسنده عن الرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم قوله : «ثلاثة يشفعون إلى الله عزَّ وجلّ فيشفّعون : الاَنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء..» (2).
وقبل أن نغادر هذا الفصل نلفت نظر القاريء الكريم إلى ظاهرة مهمة تكررت في الآيات القرآنية الشريفة التي تحدثت عن الشفيع أو المشفوع له، وهي ظاهرة «الرضى» الاِلهي عمن يريد أن يشفع وعمن يراد أن يُشفع له، واعتبار ذلك الرضى قيداً لازماً لا تؤتي الشفاعة ثمارها بدونه، فالشفيع يجب أن يرضى الله شفاعته لتكون في محلها . والمشفوع له يجب أن يكون مرضيّاً عنده سبحانه وتعالى ليقبل فيه شفاعة الشافعين .
وبناء على هذا لو راجعنا الآيات القرآنية الكريمة والتي أشارت إلى «رضى» الله تعالى عن بعض عباده، نجدها تشير إلى مواصفات غاية في السمو والتألّق.. ونحن هنا نورد أمثلة من الآيات القرآنية التي ذكرت بالصراحة «رضى» الله عن بعض عباده الصالحين .
قوله تعالى : ( قَالَ اللهُ هَذا يَومٌ يَنفَعُ الصَّادِقينَ صِدقُهُم لَهم جَنَّاتٌ تَجري
____________
(1) الحديد 57 : 19 .
(2) الخصال : 142 .

( 56 )
مِن تَحتها الاَنهارُ خَالدِينَ فِيها أبداً رَّضِيَ اللهُ عنهمُ ورَضُوا عَنهُ ذَلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ ) (1) . والآية الشريفة هنا تشير بصراحة إلى «الصادقين» بكلِّ ما لكلمة الصدق من معنى .
وقوله عزّ شأنه : ( وَالسَّابِقُونَ الاَوَّلُونَ مِنَ المهاجِرينَ وَالاَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبعُوهُم بإحسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ وأعدَّ لَهم جَنَّاتٍ تَجرِي تَحتَها الاَنهارُ خَالدِينَ فِيها أبداً ذَلِكَ الفَوزُ العَظيمُ ) (2).
وقوله تعالى : ( لاتَجدُ قَوماً يُؤمِنُونَ باللهِ واليَومِ الآخِر يُوادُّونَ مَن حآدَّ اللهَ ورَسَولهُ وَلَو كانُوا آباءَهُم أو أبنآءَهُم أو إخوانَهُم أو عَشِيرَتهُم اُولئِكَ كَتَبَ في قُلُوبهِمُ الاِيمانَ وأيّدهُم برُوحٍ مِّنهُ ويُدخِلُهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتها الاَنهارُ خَالِدينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عنهُم ورَضُوا عَنهُ اُولئِكَ حِزبُ الله ألاّ إنَّ حِزبَ اللهِ هُمُ المفلِحُونَ) (3). وفي الآية الكريمة إشارة صريحة إلى المؤمنين الحقيقيين الذين لا يُلقون بالود لاَعداء الله والرسول ولو كان هؤلاء الاَعداء آباءً أو ابناءً أو إخواناً لهم، وهذه الصفة هي من صفات المبدأية والرسالية العالية التي يجب أن يتصف بها المؤمنون .
وقوله عزّ من قائل : ( إنّ الذينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ اُولئِكَ هُم خَيرُ البَريَّةِ * جَزآؤهُم عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتُ عَدنٍ تَجرِي مِن تَحتها الاَنهارُ خَالدِينَ فِيها أبدَاً رَّضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنهُ ذَلِكَ لمَنْ خَشِيَ رَبّهُ ) (4).

____________
(1) المائدة 5 : 119 .
(2) التوبة 9 : 100 .
(3) المجادلة 58 : 22 .
(4) البينة 98 : 7 ـ 8 .

( 57 )
نحسب أنَّ التدبر في مضامين هذه الآيات الشريفة سيكشف أمامنا أُفقاً واسعاً من المعرفة بهؤلاء الذين هم خالدون في جنات تجري من تحتها الاَنهار أبداً، وأنَّ الله عزَّ وجل قد رضي عنهم، وأنّهم رضوا عنه .
وهنا هي قمة العظمة والسمو في الوصف والبيان.. فمن هم هؤلاء الذين رضوا عنه؟
إنّهم الصادقون في إيمانهم وأعمالهم مع الله الذين عملوا الصالحات وخشوا الله والسابقون الاَولون من المهاجرين والاَنصار والتابعين لهم «باحسان»، والمؤمنون الذين لايوادّون من حآدَّ الله ورسوله .
ثانياً : المشمولون بالشفاعة :
لقد عرفنا فيما تقدّم من البحث أنّ الكافرين ـ بشكل خاص ـ والذين هم في النار خالدون، لا تنالهم الشفاعةُ مطلقاً بدلالة الخلود في النار أبداً .
إذن فمن هم اُولئك الذين تنالهم الشفاعة ؟ ومن هم الذين لا تنالهم ؟
أ ـ المؤمنون المذنبون :
السؤال الذي يُطرح هنا هو أنّ مفهوم الشفاعة يعني غفران الذنب ورفع العقاب المستتبع له، فكيف يمكن الجمع إذن بين صفة الاِيمان بالله واليوم الآخر وبين صفة ارتكاب الذنب ومقارفة المعصية ؟
وللجواب على ذلك نقول : إنّ للمؤمنين درجاتٌ بما امتلك كل مؤمن من الصفات، وقد أشار القرآن الكريم في مواضع عديدة إلى حقيقة التفاوت والدرجات بين المؤمنين، مثل قوله تعالى : (.. لا يَستَوِي
( 58 )
القَاعِدُونَ مِنَ المؤمنِينَ غَيرُ أُولي الضَّررِ وَالمجاهِدُون في سَبيلِ اللهِ بأموالِهِم وأنفُسِهِم فَضَّل اللهُ المجاهِدِينَ بأموالِهِم وَأنفُسِهِم عَلى القاعدِين دَرَجةً وكُلاًّ وَعَد اللهُ الحُسنَى وفَضَّل اللهُ المجاهِدِينَ على القَاعدِينَ أجراً عَظِيماً
) (1).
والتأمل في الآية الشريفة الآنفة يكشف عن عدّة أمور مهمة، منها أنّ القاعدين عن الجهاد بأموالهم وأنفسهم مع عدم وجود ما يمنعهم من عذر شرعي من نقص في الاَعضاء أو فقر لا يتساوون مع المجاهدين، لكنّ الله وعد كليهما الحسنى في الآخرة، لكنّ الله سبحانه وتعالى فضّل المجاهدين على القاعدين من ناحية الاَجر والثواب، ووصفه بأنّه أجرٌ عظيم .
إنَّ المؤمن يذنب لكنه يستغفر الله ويتوب، وهو أيضاً يحتاج إلى الشفاعة، فقد سُئل الاِمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن : المؤمن هل له شفاعة ؟ قال : «نعم »، فقال رجل من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : «نعم، إنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً وما من أحدٍ إلاّ يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ» (2).
ولا محل هنا بعدما تقدم للاعتراض : بأنّ المؤمنين لا يكونون مؤمنين حتى يتحركوا بنفس المستوى من الفعل عند اتحاد الداعي للفعل، لاَنّ هذا الاعتراض تغافل عن مقتضيات الطبيعة البشرية، والله أعلم بعباده وقوله عزّ شأنه يوضح قانوناً من قوانين الخلقة وبعد هذا.. فالتفاوت بين البشر حقيقة ثابتة لا يمكن نكرانها وإن كان بين المؤمنين .

____________
(1) النساء 4 : 95 .
(2) تفسير العياشي 2 : 314 .

( 59 )
كما أنّ الحديث المروي عن الاِمام الصادق عليه السلام يكشف صراحة عن أنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً، وإنّهم بحاجة إلى شفاعة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم لهم يوم القيامة .
وننقل القاريء الكريم إلى التدبر في الآيات القرآنية الشريفة التالية : (وَسَارِعُوا إلى مَغفرةٍ مِّن رَّبِّكُم وَجَنّةٍ عَرضُها السَّمواتُ وَالاَرضُ أُعدِت لِلمُتَّقين * الَّذينَ يُنفِقُونَ في السّرّآءِ والضّرّآءِ وَالكاظمِينَ الغَيظَ وَالعافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحبُّ المحسِنينَ * وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشةً أو ظَلَمُوا أنفُسَهُم ذَكرُوا اللهَ فاستَغفرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلاّ اللهُ وَلَم يُصرُّوا عَلى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلمُونَ * اُولئِكَ جَزآؤهُم مَّغفِرةٌ مِّن رّبِّهِم وَجنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِها الاَنهارُ خَالِدِينَ فِيها وَنِعمَ أجرُ العَامِلينَ ) (1 ).
ومحل الشاهد في الآيات الشريفة هو التصريح بأنّ الذين يستغفرون الله لذنوبهم بعد فعل الفاحشة أو ظلم النفس ولم يصرّوا على الاستمرار على ذلك الفعل فإنَّ الله وعدهم جنات تجري من تحتها الاَنهار خالدين فيها.. ويتضح إنَّ عدم الاِصرار على الذنب ومن ثم الاستغفار والتوبة هي من صفات المؤمنين ؛ لاَنَّ الله لا يعدُ أحداً بالجنة والنعيم إنْ لم يكن مؤمناً مرضيّاً عند الله سبحانه وتعالى .
ولكن المؤمن إذا ارتكب معصية أو اقترف إثماً وأصرّ عليه، فهل يبقى على صفة الاِيمان بمعناه الحقيقي الذي يريده سبحانه وتعالى متجسداً عند الاِنسان بالفعل والسلوك والعمل وليس بمجرد الادعاء والعادة ؟

____________
(1) آل عمران 3 : 133 ـ 136 .

( 60 )
وبدون شك، فإنَّ الاِصرار على الذنب قد يُخرج المؤمن عن صفة الاِيمان الحقيقي التام «وذلك لاَنَّ الاِصرار على الذنب يستوجب الاستهانة بأمر الله والتحقير لمقامه سواء كان الذنب المذكور من الصغائر أو الكبائر..»(1) .
وقد تقدّم في جواب الاِمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام لعبدالله بن سنان بأنّ الاِصرار على الذنب يخرج الاِنسان من الاِيمان .
وهل هناك عاقل يقول : إنَّ من يستهين بأوامر الله، هو ومن يمتثل أوامره ونواهيه كلها كما أمر ونهى، على حدٍ سواء ؟
ومن الآيات الشريفة ننقل القارىء إلى التدبر في الاَحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام .
عن أبي عبدالله عليه السلام في رسالته إلى أصحابه قال : «وإياكم ان تشرهُ أنفسكم إلى شيء حرّم الله عليكم، فإنَّ من انتهك ما حرّم الله عليه ههنا في الدنيا، حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لاَهل الجنة أبد الآبدين.. ـ إلى أن قال ـ وإياكم والاِصرار على شيء مما حرّم الله في القرآن..» (2).
وجاء في وصية الرسول الاَكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم للصحابي الجليل أبي ذر رضي الله عنه قوله : «يا أبا ذر إنَّ المؤمن ليرى ذنبه كأنّه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنّه ذبابٌ مرّ على أنفه» (3).

____________
(1) الميزان في تفسير القرآن، للطباطبائي 4 : 21 .
(2) وسائل الشيعة، للحر العاملي 6 : 201 .
(3) أعلام الدين في صفات المؤمنين، للديلمي : 191 ـ تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث .

( 61 )
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمير، عن منصور بن يونس عن أبي بصير قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول : «لا والله لا يقبل الله شيئاً من طاعته على الاِصرار على شيء من معاصيه» (1).
وبعد كل ما تقدم أصبح واضحاً وجليّاً أنَّ المؤمن إنما يخرج عن ربقة الاِيمان التام الحقيقي بالاِصرار على الذنب والمعصية، ويغدو واضحاً أيضاً أنَّ المؤمن قد يُذنب الذنب الكبير أو الصغير، لكنّه يُسارع إلى الاستغفار والتوبة فيتوب الله عليه، وقد تقدّم فيما مضى أنَّ الشفاعة هي لاَهل المعاصي من المؤمنين .
قال الحسين بن خالد : .. فقلت للرضا عليه السلام : يا بن رسول الله فما معنى قوله عز وجل ( وَلا يَشفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارتَضَى ) ؟ قال عليه السلام : «لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله دينه» (2).
وعن البرقي عن علي بن الحسين الرقي، عن عبدالله بن جبلة، عن الحسن بن عبدالله، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن علي عليهم السلام في حديث طويل قال عليه السلام : «إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في جواب نفرٍ من اليهود سألوه عن مسائل : وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ما خلا أهل الشرك والظلم »(3) . وهذا الحديث يجري مجرى الحديث السابق في الكشف الواضح عن عدم رضى الله سبحانه وتعالى عن الذين يموتون وهم مشركون أو ظالمون.
عن عبيد بن زرارة قال : سُئل أبو عبدالله عليه السلام عن المؤمن : هل له
____________
(1) الكافي، للكليني 2 : 288 | 3 كتاب الاِيمان والكفر باب الاِصرار على الذنب .
(2) بحار الانوار، للمجلسي 8 : 34 .
(3) بحار الانوار، للمجلسي 8 : 39 .

( 62 )
شفاعة؟ قال عليه السلام : «نعم» ، فقال له رجلٌ من القوم : هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يومئذٍ ؟ قال عليه السلام : «نعم، إنّ للمؤمنين خطايا وذنوباً، وما من أحدٍ إلاّ يحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ» (1).
ب ـ المؤمنون الذين يدخلون النار :
وكما تنفع الشفاعة المؤمنين في القيامة ليغفر لهم الله ذنوبهم فيدخلون الجنة كذلك تنفعهم الشفاعة حتى بعد الدخول في النار فيخرجون منها، وهذا ما تفيده الاَحاديث النبوية الشريفة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام التي تتحدث عن أنّ هناك من المؤمنين من يتمّ إخراجهم من النار بشفاعة الرسول والمؤمنين الصالحين .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «يشفع الاَنبياء في كلِّ من يشهد أن لا إله إلاّ الله مخلصاً، فيخرجونهم منها..» (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إنّ الله يخرج قوماً من النار بالشفاعة» (3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «ليخرجنَّ قوم من أُمتي من النار بشفاعتي يُسمون الجهنميين..» (4).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديثٍ : «أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناسٌ أصابتهم نارٌ بذنوبهم أو بخطاياهم فأماتتهم إماتةً
____________
(1) بحار الانوار، للمجلسي 8 : 48 .
(2) مسند أحمد 3 : 12 .
(3) صحيح مسلم 1 : 122 .
(4) سنن ابن ماجه 2 : 1443 .

( 63 )
حتى إذا كانوا فحماً أُذِنَ في الشفاعة فيخرجون ضبائر ضبائر» (1).
وقال الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام : «مذنبو أهل التوحيد لايُخلّدون في النار ويُخرجون منها والشفاعة جائزة لهم..» (2).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله : «... فإذا فرغ الله عزَّ وجل من القضاء بين خلقه وأخرج من النار من يُريد أن يُخرج، أمر الله ملائكته والرُسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم : إنّ النار تأكل كل شيء من ابن آدم إلاّ موضع السجود..» (3).
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم : «إذا ميّز أهل الجنة وأهل النار، فدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار قامت الرُسل وشفعوا...» (4).
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : «يقول الرجل من أهل الجنة يوم القيامة أي ربي عبدك فلان سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه، فيقول : إذهب فأخرجه من النار فيذهب فيتجسس في النار حتى يخرجه منها...» (5).
يقول العلاّمة الطباطبائي : «فتحصّل أنّ المتحصّل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف من مواقف القيامة باستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار، أو اخراج بعض من كان داخلاً فيها باتساع الرحمة أو ظهور الكرامة» (6) .
____________
(1) مسند أحمد 3 : 79 .
(2) عيون أخبار الرضا 2 : 125 .
(3) سنن النسائي 2 : 18 باب موضع السجود .
(4) مسند أحمد 3 : 325 .
(5) مجمع البيان في تفسير القرآن، للطبرسي 10 : 392 .
(6) الميزان في تفسير القرآن، للطباطبائي 1 : 174 .

( 64 )
وقد اتضح من الروايات أنّ الشفاعة إنّما تكون بعد الفراغ من الحساب فإمّا تنفع للحيلولة دون دخول النار وإما تنفع للحيلولة دون البقاء فيها .
ثالثاً : غير المشمولين بالشفاعة :
قد عرفنا أنّ الشفاعة تخص المؤمنين وأنّ الكافرين محرومون منها فلا تنفعهم لا قبل الدخول في النار ولا بعده، وقد تكرر الوعد الاِلهي في القرآن الكريم لعدة أصناف من الناس بأن يكونوا خالدين في النار لا تنالهم شفاعة الشافعين .
فقد جاءت كلمة «خالدون» في العذاب أو النار أو جهنم في ثمانية وثلاثين آية عبر ثمانية وعشرين سورة قرآنية شريفة .
ومع أنّ البحث في هذهِ الآيات الشريفة ليس من مهمة هذا البحث المختصر، إلاّ أنّ مطالعتها وإلقاء نظرة على بعض مضامينها ومدلولاتها تنفعنا من جهة ثانية في التأكيد على أنّ المؤمنين يقعون خارج إطار الذين وعدهم الله سبحانه وتعالى بأن يكونوا من الخالدين في النار .
وعدم الخلود في النار يعني الخروج منها أو يستوهبون منها وهذا الطريق يؤدي إلى الاعتقاد بوجود الشفاعة وثبوتها .
وفيما يلي نستعرض تصنيفاً أولياً للآيات القرآنية التي تحدثت عن الخالدين في النار، حسب الصفات التي وصفهم الله سبحانه وتعالى بها في قرآنه الكريم .

( 65 )
أ ـ الكافرون :
1 ـ ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذّبُوا بِايَاتِنا اُولئِكَ أصحَابُ النَّارِ هُم فِيها خَالِدُونَ) البقرة 2 : 39 .
2 ـ ( إنَّ الَّذِينَ كَفرُوا وَمَاتُوا وَهُم كُفَّارٌ اُولئِكَ عَلَيهِم لَعنةُ اللهِ والملئِكةِ وَالنَّاسِ أجمعِين * خَالدِينَ فِيها لا يُخفّفُ عَنهُمُ العَذابُ وَلا هُم يُنظَرُونَ ) البقرة2 : 161 ـ 162 .
3 ـ (.. والَّذيِنَ كَفَرُوا أولياؤهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم مِّنَ النَّورِ إلى الظُّلُماتِ اُولئِكَ أصحَابُ النَّارِ هُم فِيها خَالِدُونَ ) البقرة 2 : 257 .
4 ـ ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغنِي عَنهُم أموالُهُم وَلا أولادُهُم مِّنَ اللهِ شَيئاً وَأُولئِكَ أصحَابُ النَّارِ هُم فِيها خَالِدُونَ ) آل عمران 3 : 116 .
5 ـ ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَم يَكُنْ اللهُ لِيغفرَ لَهم وَلا لِيهدِيَهُم طَرِيقاً * إلاّ طَرِيقَ جَهنَّمَ خَالِدينَ فِيها أبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلى اللهِ يَسيرا ) النساء 4 : 168 ـ 169 .
6 ـ ( وإن تَعجَبْ فَعَجَبٌ قَولُهُم أءِذَا كُنَّا تُراباً أءِنّا لَفِي خَلقٍ جَدِيدٍ اُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم وأُولئِكَ الاَغلالُ فِي أعناقِهِم وأُولئِكَ أصحابُ النَّارِ هُم فِيها خَالِدُونَ ) الرعد 13 : 5 .
7 ـ ( إنّ اللهَ لَعنَ الكَافِرينَ وأعدَّ لَهم سَعِيراً * خَالدِينَ فِيها أبَداً لا يَجِدُونَ وَليّاً وَلا نَصِيراً ) الاحزاب 33 : 64 ـ 65 .
8 ـ ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَنَّهمَ زُمَراً حَتَّى إذا جآؤها فُتِحَتْ أبوَابُها
( 66 )
وَقَالَ لَهُم خَزَنَتُها ألم يَأتِكُم رُسُلٌ مِّنكُم يَتلُونَ عَلَيكُم آياتِ رَبِّكُم وَيُنذرُونَكُم لِقَاءَ يَومِكُم هَذَا قَالُوا بَلَى ولَكِن حَقَّت كَلِمةُ العَذابِ عَلى الكَافرِينَ * قِيلَ ادخُلُوا أبوابَ جَهَنَّم خَالِدينَ فِيها فَبِئسَ مَثوَى المُتَكبِّرِينَ
) الزمر 39 : 71 ـ 72 .
9 ـ ( كَمَثَل الشَّيطَانِ إذ قَالَ للاِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنَّي بَرِيءٌ مِّنك إنّي أخافُ اللهَ ربَّ العَالمِينَ * فَكانَ عَاقِبتهُما أنَّهما فِي النَّارِ خَالدين فِيهَا وذَلِكَ جَزاءُ الظَّالمِينَ ) الحشر 59 : 16 ـ 17 .
10 ـ ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وكَذّبوا بآيَاتِنا أُولئِكَ أصحابُ النَّارِ خَالدِينَ فِيها وبِئسَ المصِيرُ ) التغابن 64 : 10 .
11 ـ ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهلِ الكِتَابِ وَالمُشرِكينَ في نارِ جَهَنَّم خَالدِينَ فِيها أُولئِكَ هُم شَرُّ البَريَّةِ ) البينة 98 : 6 .
12 ـ ( وَعَدَ اللهُ المنَافِقِينَ وَالمنافِقاتِ وَالكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّم خَالدينَ فِيها هِيَ حَسبُهُم وَلَعَنَهُم اللهُ وَلَهم عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) التوبة 9 : 68 .
13 ـ ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَني إسرائِيلَ عَلى لِسَانِ دَاوُدَ وعِيسَى ابنِ مَريَم ذَلِكَ بِما عَصَوا وكانوا يَعتدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَنْ مُّنكرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ ما كَانُوا يَفعلُونَ * تَرى كَثِيراً مِّنهُم يَتَولَّونَ الذِينَ كَفرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمت لَهُم أنفُسهُم أنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيهِم وَفي العَذَابِ هُم خَالِدونَ ) المائدة 5 : 78 ـ 80 .
ب ـ المرتدّون :
1 ـ (... وَمَنَ يَرتدِد مِنكُم عَن دِينِه فَيمُت وَهُو كَافِرٌ فَاُولئِكَ حَبِطت أعمالُهُم في الدُّنيَا وَالآخرةِ واُولئِكَ أصحَابُ النارِ همُ فِيها خَالدونَ ) البقرة 2 : 217 .

( 67 )
2 ـ ( كَيفَ يَهدِي اللهُ قَوماً كَفَرُوا بَعدَ إيمانِهِم وَشهدُوا أنَّ الرّسُولَ حَقٌ وجَآءَهُمُ البَيِّناتُ واللهُ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمينَ * أولئِكَ جَزَاؤُهُم أنَّ عَلَيهِم لَعنةَ اللهِ والملائِكَةِ والنَّاسِ أجمعِينَ * خَالدِينَ فِيها لا يُخفَّفُ عَنهُمُ العذَابُ وَلا هُم يُنظرُونَ ) آل عمران 3 : 86 ـ 88 .
جـ ـ المشركون :
1 ـ ( مَا كَانَ لِلمُشرِكِينَ أن يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شَاهِدِينَ عَلَى أنفُسِهِم بِالكُفرِ اُولئِكَ حَبِطَت أعمالُهُم وَفي النَّارِ هُم خَالِدُونَ ) التوبة 9 : 17 .
2 ـ ( إنَّكُم وَمَا تعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّم أنتُم لَها وارِدُونَ * لَو كَانَ هؤلاءِ ألهةً مَّا وَرَدُوها وكُلٌّ فِيها خَالِدُونَ ) الاَنبياء 21 : 98 ـ 99 .
3 ـ ( وَالَّذينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إلاّ بِالحقِّ وَلا يَزنُونَ ومَن يَفعَل ذلِكَ يَلقَ أثاماً * يُضاعَف لَهُ العَذابُ يَومَ القِيمةِ وَيَخلُدْ فِيهِ مُهاناً ) الفرقان 25 : 68 ـ 69 .
4 ـ ( إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهلِ الكِتابِ وَالمشرِكِينَ في نَارِ جَهَنَّم خَالدِينَ فِيها اُولئِكَ هُم شَرُّ البَريَّةِ ) البينة 98 : 6 .
5 ـ ( وَيَومَ يَحشُرُهُم جَميعاً يا مَعشَرَ الجِنِّ قَدِ استَكثَرتُم مَّنَ الاِنسِ وَقَالَ أولِياؤهُم مِّن الاِنسِ رَبَّنا استَمتَعَ بَعضُنا بِبعضٍ وَبَلغنا أجَلنَا الَّذي أجّلتَ لنَا قَالَ النَّارُ مثواكُم خَالِدينَ فِيها إلاّ ما شَاء اللهُ إنَّ رَبَّك حَكِيمٌ عَليمٌ ) الانعام 6: 128.
د ـ المرابون :
( الَّذَينَ يَأكُلُونَ الرِّبوا لا يقُومُون إلاّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخبَّطُهُ الشَّيطانُ مِنَ
( 68 )
المسِّ ذَلِكَ بأنَّهم قَالُوا إنَّما البيعُ مِثلُ الرِّبوا وأَحلَّ اللهُ البَيعَ وحَرَّمَ الرِّبوا فَمن جاءَهُ مَوعِظةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهى فَلهُ مَا سَلَفَ وأمرُهُ إلى اللهِ وَمَن عَادَ فاُولئِكَ أصحابُ النَّارِ هُم فِيها خَالدُونَ
) البقرة 2 : 275 .
هـ ـ العاصون لله ولرسوله :
1 ـ ( وَمَن يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ويَتعدَّ حُدُودَهُ يُدخِلهُ نَاراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ.. ) النساء 4 : 14 .
2 ـ ( ألم يَعلَمُوا أنَّهُ مَن يُحادِدِ اللهَ ورَسُولَهُ فَأنَّ لهُ نَارَ جَهنَّم خَالداً فِيها ذَلِكَ الخِزيُ العَظِيمُ ) التوبة 9 : 63 .
3 ـ (.. وَمَن يَعصِ اللهَ ورَسُولَهُ فإنَّ لَهُ نَارَ جَهنَّم خَالدِينَ فِيها أبَداً ) الجن72 : 23 .
و ـ المكذّبون والمستكبرون :
1 ـ (.. وَالَّذينَ كَذَّبُوا بآياتِنَا وَاستكبرُوا عَنها اُولئِكَ أصحابُ النَّارِ هُم فِيها خَالِدُونَ ) الاعراف 7 : 36 .
2 ـ (... وَقَد آتينَاكَ مِن لّدنَّا ذِكراً * مَّن أعرَضَ عَنهُ فإنَّهُ يَحمِلُ يَومَ القِيمةِ وِزْراً * خَالِدينَ فيهِ وَسَآءَ لهُم يَومَ القيمةِ حِمْلاً ) طه 20 : 99 ـ 101 .
3 ـ ( الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالكِتابِ وَبِما أرسَلنا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوفَ يَعلَمُونَ * إذِ الاَغلالُ في أعناقِهِم وَالسَّلاسِلُ يُسحَبُونَ * فِي الحميمِ ثُمَّ في النَّارِ يُسجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُم أينَ ماكُنتُم تُشرِكُونَ * مِن دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّواْ عَنَّا بَل لم نَكُن نَّدعُوا مِن قبلُ شَيئاً كَذلك يُضِلُّ اللهُ الكافِرينَ * ذَلِكم بما كُنتُم تَفرحُون في الاَرضِ بِغير
( 69 )
الحقِّ وَبِما كُنتُم تَمرحُونَ * ادخُلُوا أبوابَ جَهنَّم خَالِدينَ فيها فَبِئسَ مَثوى المُتَكَبِّرِينَ
) غافر 40 : 70 ـ 76 .
4 ـ (.. فَذُوقُوا بِما نَسِيتُم لِقاءَ يَومِكُم هَذا إنَّا نَسينَاكُم وَذُوقُوا عَذابَ الخُلدِ بِما كُنتُم تَعملُونَ ) السجدة 32 : 14 .
5 ـ ( ذَلِكَ جَزَاءُ أعداءِ اللهِ النَّارُ لَهم فِيها دَارُ الخُلدِ جَزاءً بِما كَانُوا بِآياتِنَا يَجحَدُونَ ) فُصلّت 41 : 28 .
ز ـ المنافقون والمنافقات :
1 ـ ( وَعدَ اللهُ المُنَافقِينَ وَالمنَافِقاتِ والكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّم خَالدينَ فِيها هِي حَسبُهُم وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهم عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) التوبة 9 : 68 .
2 ـ ( ألم تَرَ إلى الَّذِينَ تَولَّوا قَوماً غَضِبَ اللهُ عَلَيهم مَّا هُم مِّنكُم وَلا مِنهُم وَيَحلِفُونَ عَلى الكَذِبِ وَهُم يَعلمُونَ * أعدَّ اللهُ لَهُم عَذَاباً شَدِيداً إنَّهم سَاءَ مَا كَانُوا يَعمَلون * اتّخذُوا أيمانَهُم جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَلَهُم عَذَابٌ مُهِينٌ * لَّن تُغنِي عَنهُم أموَالُهُم وَلا أولادُهُم مِّن اللهِ شَيئاً اُولئِكَ أصحابُ النَّارِ هُم فِيها خَالِدُونَ) المجادلة 58 : 14 ـ 17 .
ح ـ قاتلي المؤمنين عمداً :
( وَمَن يَقتُل مُؤمِناً مُتَعمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيها وَغَضِب اللهُ عَليهِ وَلَعَنهُ وَأعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ) النساء 4 : 93 .
ط ـ الظالمون :
1 ـ ( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذينَ ظَلَمُوا ذُوقوا عَذَابَ الخُلدِ هَلْ تُجزَونَ إلاَّ بِما كُنتُم
( 70 )
تَكسِبُونَ
) يونس 10 : 52 .
2 ـ ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الملئِكَةُ ظَالِمي أنفُسِهم فألقوا السَّلمَ مَا كُنَّا نَعمَلُ مِن سُوء بَلى إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنتُم تَعمَلُونَ * فَادخُلُوا أبوابَ جَهَنَّم خَالِدينَ فِيها فَلَبِئسَ مَثوَى المُتَكَبِّرِينَ ) النحل 16 : 28 ـ 29 .
ي ـ المجرمون :
( إنَّ الُمجرِمِينَ في عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) الزخرف 43 : 74 .
ك ـ الذين كسبوا السيئات :
( وَالَّذِينَ كَسَبُوا السّيِّئاتِ جَزاءُ سَيئةٍ بِمِثلَها وَتَرهَقُهُم ذِلّةٌ مّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِم كأنَّما اُغشِيَتْ وُجُوهُهُم قِطَعاً مِّنَ الليلِ مُظلِماً اُولئِكَ أصحَابُ النّارِ هُم فِيها خَالِدُونَ ) يونس 10 : 27 .
ل ـ الذين خفّت موازينهم :
( وَمَن خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَاُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أنفُسَهُم في جَهَنَّم خَالِدُونَ ) المؤمنون 23 : 103 .
ومن خلال التصنيف المتقدم نرى أنّ الذين هم خالدون في العذاب أو النار ليسوا من المؤمنين الذين تتوفاهم الملائكة وقد تابوا وأصلحوا واستغفروا الله لذنوبهم ولم يُصروا على ما فعلوا .
وهذا يدعونا إلى الاعتقاد باستحقاق المؤمنين للشفاعة سواء باستيهابهم من العذاب أو بإخراجهم من النار..
وختام القول، إنّ لاثبات حقيقة وجود الشفاعة طريقين :

( 71 )
الاَول : دلالة الآيات القرآنية الشريفة التي تحدثت عن الشفاعة وشروطها .
والثاني : هو دلالة عدم خلود المؤمنين المذنبين في النار، وأنّهم يخرجون منها ولا بدّ لخروجهم من وسيلة وهي الشفاعة.. وهي شفاعة الذين ارتضى الله شفاعتهم من الاَنبياء والرُسل والاَوصياء والملائكة والصالحين من عباده والعمل الصالح .
والخلاصة : هي أنّ الشفاعة ثابتة، ينالها المؤمنون الذين ارتضى الله سبحانه وتعالى دينهم وهذا هو القيد المهم والاَساسي في الشفاعة وتحققها وفائدتها، وأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والاَئمة من أهل البيت عليهم السلام والصالحين والعمل الصالح والقرآن والملائكة كلّهم يشفعون للذين يستحقون الشفاعة، كما انّ الشفاعة لا يمكن أن تُنال إلاّ بعد تحقق الشروط الصارمة في المشفوع لهم . كتبنا الله ممن تناله شفاعة الرسول الاَعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام .

وآخـر دعـوانا أن الحـمـدُ لله ربِّ العالميـن