وثانيا: إن لحاظ دفع الضررحكمة لتشريع حق الشفعة لا يمنع من اعتبار (لا ضرر ولا ضرار) كبرى كلية وقاعدة مستقلة في حد نفسها، إذ لا مانع من أن يكون أمر واحد قد لوحظ حكمة بالنسبة إلى جعل حكم مع انه بنفسه موضوع لحكم آخر، كما اتفق ذلك بالنسبة إلى الـ (لا حرج )، فإن عدم الحرج النوعي حكمة لعدم ايجاب السؤال مثلا - كما دل عليه النص - في حين ان الحرج الشخصي موجب لرفع كل حكم يلزم منه الحرج على المكلف .
وثالثأ : إن اعتبار(لا ضرر ولا ضرار) حكمة للحكم بثبوت الشفعة لا ينافي تفسيره بشيء من المعاني التي فسر بها في كلمات الاعلام ، وذلك لأنه ان فسر بنفي الحكم الضرري أو بالنهي عن الاضرار بالغير فغاية الأمر أن هذا المعنى لا يتأتى في مورد حديث الشفعة ، فلا بد أن يكون المقصود بقوله (لا ضرر ولا ضرار) في ذيل هذا الحديث مجرد نفي الضرر والضراركحكمة للحكم بثبوت الشفعة ، وأما في غير هذا الحديث فلامانع من تفسيره بغيرذلك فتأمل .
وإن فسر بما هو المختار من أن مفاد (لا ضرر) هو نفي التسبيب الى
____________
(1) الانتصار : 251 .
(52 )
تحمل الضرر، ومفاد (لا ضرار) التسبيب الى نفي الاضرار بالغير بما يشمل تحريم وتشريع ما يمنع من تحققه خارجا وجعل الأحكام الرافعة لموضوعه ، فعلى هذا القول يمكن تطبيق نفس هذا المعنى على مورد حديث الشفعة بملاحظة الجملة الثانية أي (لا ضرر) باعتبار ان الحكم بالشفعة بنفسه مثال للحكم الرافع لموضوع الاضرار بالغير كما اتضح ذلك مما تقدم .
ثم إن ما ذكرناه من كون الارتباط بين قوله (لا ضرر ولا ضرار) وبين جعل حق الشفعة للشريك إنما هو بمناط كون (لا ضرر) حكمة لجعل هذا الحق ، لا مناص من الالتزام به لو كان الجمع بين حديث الشفعة ولا ضرر من قبل النبي صلى الله عليه وآله كما هو الأقرب ،وأما على الاحتمال الأخر الذي سبق ان ذكرناه من كون الجمع بينهما من قبل الامام عليه السلام ، فبالامكان أن يخرّج الارتباط بينهما على وجه اخر، وقد أشرنا اليه فيما مضى أيضأ وهو أن يكون ذكر(لا ضرر) بعد نقل قضاء النبي صلى الله عليه وآله بالشفعة من باب الأخذ بشواهد السنة لكون قوله صلى الله عليه وآله (لا ضرر ولا ضرار) كلاماً مشهوراً عنه صلى الله عليه وآله ، فاراد الامام عليه السلام بذكره الاستشهاد لثبوت القضاء المذكور عنه صلى الله عليه وآله بتوافقه مع ذلك الكلام الثابت عنه صلى الله عليه وآله يقينا .
هذا وقد تحصل من جميع ما تقدم ان الوجوه الأربعة التي ذكرت لدعوى عدم الارتباط بين قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة وبين قوله لا ضرر ولا ضرار، خلافا لظاهر رواية عقبة بن خالد مما لا يمكن المساعدة عليها .
3 ـ حديث منع فضل الماء.
وقد رواه الكليني عن محمد بن يحيى ، عن محمدبن الحسين ، عن محمد بن عبدالله بن هلال ، عن عقبة بن خالد، عن أبي عبدالله عليه
(53 )
السلام قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بين أهل المدينة في مشارب النخيل إنه لا يمنع نقع البئر، وقضى بين أهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلأ، وقال : لا ضررولا ضرار(1).
والكلام في هذا الحديث من جهات :
الجهة الأولى : في سنده ، وهو ضعيف على غرار ما تقدم في سند حديث الشفعة فإن سندهما واحد، وقد سبق ان كلأ من (محمد بن عبدالله ابن هلال ) و(عقبة بن خالد) لم تثبت وثاقتهما عندنا وإن وثقهما بعض لرواية الاجلاء عنهما، أو لكونهما من رجال كامل الزيارات وشبه ذلك مما تقدم الاشكال فيه .
الجهة الثانية : في شرح مفادها اجمالا، أما قوله صلى الله عليه واله في القضاء الأول (نقع البئر) ففي النسخ التي رأيناها من الكافي (نقع الشيء ) بدل (نقع البئر) وهوتصحيف كما نبه عليه في الوافي (2) ويشهد له مناسبة الحكم والموضوع ، مضافا الى ان الرواية مذكورة في كتب العامة وفيها (نقع البئر) (3).
قال ابن الاثيرفي النهاية(4) في شرح الحديث : فيه نهى أن يمنع نقع البئر-أي فضل مائها - لأنه ينقع به العطش أي يروي (وشرب حتى نقع أي روي ) وقيل النقع الماء الناقع وهو المجتمع ، ومنه الحديث لا يباع نقع البئرولارهوالماءوقال (رهوالماءمجتمعه ).
وأما قوله صلى الله عليه وآله في القضاء الثاني (لا يمنع فضل ماء ليمنع به فضل كلأ) ففي المراد به وجوه :
____________
(1) الكافي 5 | 293 - 294 ح 6 .
(2) الوافي المجلد 3 الجزء 10 |136 .
(3) لاحظ مسند أحمد بن حنبل 5| 327 وسنن ابن ماجة 2 | 828 وموطأ مالك 2|745. 24 ـ 25 . 23.
(4) النهاية5 | 108.

(54 )
الأول : إن الأعراب لما كانوا ينزلون الى الماء والكلأ كانت طاثفة منهم تأتي الى الماء لحاجتها، وطائفة تأتي الى الكلأ لحاجتها فإذا منعت الطائفة الأولى من الماء امتنعت الطائفة الأخرى من الكلأ، فكان ذلك منعا لهم عن الكلأ أيضا.
وهذا الاحتمال ذكره في الوافي (1) وهو بعيد أولا لأن الحاجة الى الماء والكلأ مشمتركة بين الجميع فلاوجه لفرض كونهم على طائفتين ، طائفة تحتاج الى الماء وطائفة تحتاج الى الكلأ.
وثانيا إن ظاهره أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أن من عواقبه غالبا ترك الكلاء مع أن ظاهر الحديث الارتباط بين الجملتين في تعلق النهي .
الثاني : إن المراد أن أصحاب الماء لو منعوا فضل مائهم منعهم الله من الكلأ ذكره في الوافي أيضأ(2)، وهو بعيد كسابقه لأن ظاهر السياق اتحاد فاعل (يمنع ) في الجملتين -أي ان مانع الماء هومانع الكلأ-، وبما ان ظاهر الجملة الأولى ان مانع الماء هم أصحابه فلا يناسب أن يكون مانع الكلأ هو الله تعالى .
الثالث : إن المراد انه لا يمنع قوم فضل مائهم عن الرعاة، لأنه مستلزم لمنعهم عن الكلأ المباح أيضا، فإن الرعاة إذا منعوا من الماء في ارض لم يأتوها للكلأ فقط ، لحاجتهم إلى الماء والكلأ في وقت واحد ولا يسعهم التفكيك بينهما ، وهذا الوجه ذكره ابن حجر(3) قائلا (والمعنى أن يكون حول البئركلأ ليس عنده ماء غيره ، ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا تمكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر، لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي ، فيستلزم
____________
(1 و 2) الوافي المجلد 3 جزء 10| 136 .
(3) فتح الباري 5 | 24 ـ 25.

(55 )
منعهم من الماء منعهم من الكلأ) قال (وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور) وفرع عليه انه لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا نهي عن المنع لانتفاء العلة؟ لأن هذا الوجه مبني على أن يكون قوله (ليمنع به فضل كلأ) علة للنهي عن منع فضل الماء بتقدير(لا) النافية فيه ، فيكون المعنى (لئلا يمنع به فضل كلأ) وهذا هو الفارق بينه وبين الوجه الأول ، فإن محصل الأول أن مصب النهي هو المنع من الماء بلحاظ أن من عواقبه ترك الكلأ ، لا انه علة له ، بينما مفاد هذا الوجه أنه لا نهي عن منع الماء إلا إذا كان سبباً لمنع الكلأ ، ولذلك يكون هذا الوجه خلاف الظاهر جداً .
الرابع : إن المراد انه لا يمنع قوم فضل الماء المباح عن الرعاة لأجل أن يمنعوهم عن الكلأ المباح احتفاظا به لانفسهم فالمنع عن الكلأ - على هذا الوجه - علة للمنع من فضل الماء نفسه ، لاعلة للنهي عن منع فضل الماء كما في الوجه السابق وقد ذكر هذا المعنى في الوافي (1) قائلا (قيل كان بعضهم يمنع فضل الماء من مواشي المسلمين حتى لا تأكل مواشيهم العشب والكلأ الذي حول مائه ، فنهى عليه السلام عن المنع لأنه لومنع لم ينزل حول بئره أحد فحرموا الكلأ المباح حنيئذ).
وحكى ابن حجر هذا الوجه في موضع آخر من فتح الباري (2) عن المهلب قال : (قال المهلب المراد رجل كان له بئر وحولها كلأ مباح -وهو بفتح الكاف واللام مهموز ما يرعى - فاراد الاختصاص به ، فيمنع فضل ماء بئره وأن ترده نعم غيره للشرب ، ولا حاجة به إلى الماء الذي يمنعه وإنما حاجته إلى الكلأ، وهولا يقدر على منعه لكونه غيرمملوك له ، فيمنع الماء فيتوفر له الكلأ، لأن النعم لا تستغني عن الماء بل إذا رعت الكلأ عطشت
____________
(1) الوافي المجلد 3 جزء 10 | 136 .
(2) فتح الباري 2 1 : 6 29 طبعة اوفسيت لبنان على طبعة بولاق في مصر.

(56 )
ويكون ماء غير البئر بعيدا عنها، فيرغب صاحبها عن ذلك الكلأ فيتوفر لصاحب البئر بهذه الحيلة)ثم قال فمقتضى الحديث حينئذ انه لا يمنع فضل الماء بوجه من الوجوه ، لأنه إذا لم يمنع بسبب غيره كالمحافظة على الكلأ فأولى أن لا يمنع بسبب نفسه .
وهذا الوجه هو المنساق من ظاهر الحديث فهو صحيح .
الجهة الثالثة : في ارتباط النهي عن منع فضل الماء بقوله (لا ضررولا ضرار) المذكور بعده .
والكلام في هذه الجهة يقع تارة فيما يقتضيه ظاهر الحديث في نفسه ، وأخرى فيما تقتضيه القرائن الخارجية .
أما ظاهر الحديث فمقتضاه الترابط بينهما على حذو ما تقدم في حديث الشفعة لاتحادهما سياقا ، وقد سبق ان الظاهرمن مثل هذا السياق هو الارتباط بين الجملتين ، وكون الجمع بينهما إما من قبل النبي صلى الله عليه وآله أو الامام عليه السلام دون الراوي .
واما القرائن الخارجية فقد اختار العلآمة شيخ الشريعة وجمع من المحققين أن مقتضاها عدم الترابط بين الجملتين وكون الجمع بينهما من قبل الراوي كما سبق ذلك في حديث الشفعة .
ولكن يمكن لنا أن نقول - كما تقدم نظيره في حديث الشفعة -:إن تكرار قوله (لا ضرر ولا ضرار) بعد حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء جميعا ، قرينة واضحة على الارتباط بينه وبين كل منهما ، فإنه لوكان المجمع من قبل الراوي لما كان لذكرحديث (لا ضررولا ضرار) مرتين مبرر اصلا .
بل يمتاز المقام عن حديث الشفعة في ان قوله (لا ضررولا ضرار) ورد هنا معطوفا بالفاء في جملة من نسخ الرواية، والعطف بالفاء لا مصحح له لولا الارتباط بين الجملتين ، فهو مرجح احتمالي لصالح القول بالارتباط ، مع أن ورود العطف بالواو في بعض النسخ الأخرى ليس مرجحا احتماليأ
(57 )
للقول بعدم الارتباط ، بل هومنسجم مع كلا القولين كما لا يخفى .
وربما يقال - كما عن العلامة شيخ الشريعة (قده ) - (بان ما في بعض النسخ من عطف قوله (لا ضرر ولا ضرار) على الجملة التي قبلها بالفاء تصحيف قطعا ، لأن النسخ الصحيحة المعتمدة في الكافي متفقة على الواو(1) .
أقول : المذكور في النسخ المطبوعة للكافي هو العطف بالواو(2) على الجملة التي قبلها ولكن المذكور في الوسائل والوافي وجملة من الكتب الناقلة لهذا الحديث - كالعوائد للنراقي والرسائل للشيخ الاعظم الانصاري وغيرهما - هو العطف بالفاء(3)، ولايمكن القطع بصحة الأول وكون الثاني تصحيفأ، فإن النسخ الموجودة بايدينا من الكافي لا تخلو من الغلط والتصحيف كما مرمثاله قريبا وهو تحريف (نقع البئر) بـ (نقع الشيء ) في عامة نسخه ، ومنها النسخة التي وصلت إلى المحدث الكاشاني وصاحب الوسائل .
ثم إن الوجوه التي ذكرت كقرائن خارجية على عدم الارتباط بين حديث منع فضل الماء وقوله (لا ضررولا ضرار)، منها ما سبق بيانه في حديث الشفعة وهو وجهان :
أولهما : ما ذكره العلامة شيخ الشريعة (قده ) من ادعاء ان الجمع يين الجملتين إنما كان من قبل عقبة في سياق الجمع بين قضايا النبي صلى الله عليه وآله ، بقرينة التفكيك بينهما في حديث عبادة بن الصامت المنقول في كتب العامة .
ثانيهما : ما أفاده المحقق النائيني ( قده ) من انه لوكان (لا ضرر) ذيلأ
____________
(1) رسالة لا ضرر: 23 .
(2) الكافي5| 193 ط جديد 6 | 292 ذيل الحديث 2 .
(3) الوافي المجلد 3 الجزء 10 |136 ، الوسائل 25 :420 ح 2 . ومرآة العقول 9 1 : 4 39 ح 2 . العوائد : 7 1 0 الرسائل 2 : 533و 4 53 .

(58 )
لقضية أخرى، لزم خلوقضاياه - في رواية عقبة -عن هذا القضاء رغم انه من اشهر قضاياه .
وقد تقدم الكلام في تحقيق هذين الوجهين فلا موجب للاعادة .
وهناك وجهان اخران قد يستدل بهما لهذا المدعى في خصوص المقام وهما:
الوجه الأول : إن حديث منع فضل الماء مذكور في بعض روايات الخاصة وكثير من روايات العامة من غير تذييل بقوله (لا ضرر ولا ضرار)، وهذا يقوي احتمال كون الجمع بينهما في رواية عقبة بن خالد من فعل الراوي من دون ارتباط بينهما في الاصل .
أما في روايات الخاصة فقد ورد في الفقيه (1) مرسلأ (قال وقضى عليه السلام في أهل البوادي أن لا يمنعوا فضل ماء ولا يبيعوا فضل الكلأ) هكذا في المطبوعة النجفية للفقيه ، وفي بعض النسخ (لكي لايمنعوا فضل الكلأ) ولعله الصحيح .
وأما في روايات العامة فقد ورد في صحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجة وموطأ مالك ومسند أحمد بن حنبل وغيرها(2).
ويمكن الجواب عنه اولا: بالنقض بقضية سمرة بن جندب ، فإنها وردت مذيلة بقوله (لا ضرر ولا ضرار) في رواية زرارة ، ولكنها خالية عن هذا الذيل في روايات العامة وفي بعض رواياتنا كما تقدم ذلك مفصلا .
وثانيا : بالحل ،وهو ان رواية الصدوق مرسلة ولا اعتماد على مراسيله وإن كانت بصيغة جزمية-كما حقق في محله -، مضافا الى أن (من لا يحضره الفقيه ) كتاب فقهي في الاساس يتضمن الفتوى بمتون الاحاديث ،
____________
(1) من لايحضره الفقيه 3| 150 ح 662 .
(2) لاحظ المعجم المفهرس لالفاظ الحديث النبوي مادة (فضل ) .

(59 )
فلا يلزم في مثله مراعاة نقل الحديث بتمامه إذا كان بعض فقراته لا يرتبط بما هو مقصود المؤلف كما في المقام ، فإن قوله (لا ضرر ولا ضرار) يجري مجرى التعليل الذي لا حاجة الى ذكره في مقام الافتاء بمضمون الرواية .
وأما روايات العامة فقد تقدم الكلام في مدى ما يمكن الاعتماد عليه في مقابل رواياتنا عند الحديث عن رواية عبادة بن الصامت فلاحظ .
الوجه الثاني : إن مضمون حديث منع فضل الماء يابى عن الالتزام بالترابط بينه وبين قوله (لا ضررولا ضرار) وذلك من جهتين :
الأولى : إن منع المالك فضل ماله عن الغير لا يعد ضررا بالنسبة الى الغير، وإنما هومن قبيل عدم النفع ومعلوم إن عدم النفع لا يعد ضررا .
الثانية : إن النهي في مورد الحديث تنزيهي قطعا، لعدم حرمة منع فضل المال عن الغير بالضرورة فلا يندرج ذلك تحت كبرى (لا ضرر ولا ضرار) بأي من معانيها.
والتحقيق ان مرجع هاتين الجهتين الى جهة واحدة، وهي عدم ثبوت حق للغير في الاستفادة من فضل الماء لأنه إذا كان له حق في ذلك فإن منعه عنه يكون ضرراً عليه لأنه تنقيص لحقه ، فلا يكون النهي عن منعه حينئذ نهيأ تنزيهيأ ، فيمكن تطبيق كبرى لا ضرر ولا ضرار على مورده ، وأما إذا لم يكن له حق في ذلك اتجه الاشكال في انطباق (لا ضرر) من الجهتين - موضوعا وحكما - فجهة الاشكال م ساسا: انه لا حق للغير في الاستفادة من فضل الماء.
والصحيح عدم اتجاه هذا الاشكال وتوضيحه : ان الأبار التي كان أهل البادية - وهم الأعراب الرحل - يستفيدون من مائها اما انها كانت من المباحات الاصلية، أو ما هي في حكمها،-كالأبار الموقوفة وقفا عاما لاستفادة الناس منها - كما لا يبعد أن ذلك كان هو الغالب فيها ، لعدم كونهم
(60 )
مستقرين حولها وحينئذ فلا اشكال في انه ليس لمن سبق الى شيء منها حق منع الغير عقا فضل من استفادته ، اذ ليس له إلا حق السبق في الاستفادة فقط .
وإما انها كانت من الاملاك الشخصية أو ما هي بحكمها، وحينئذ فقد يتوهم انه لا اشكال في عدم استحقاق الغير الاستفادة من فضل مائها، وانعقاد الضرورة على ذلك ، ولكن الذي يتضح بملاحظة كلمات الفريقين والمشهور بين المتقدمين ان للغير حق الشرب منها لنفسه ولماشيته ، وكون القول بعدم ثبوت هذا الحق له واستحباب البذل للمالك شاذاً بين القدماء .
قال الشيخ في الخلاف (1): (إذا ملك البئر بالاحياء وخرج ماؤها فهو احق بمائها من غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته ، وما يفضل عن ذلك يجب عليه بذله لغيره لحاجته اليه للشرب له أولماشيته ، ولا يجب عليه بذله لسقي زرعه بل يستحب له ذلك ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو عبيد بن خربوز يستحب له ذلك لسقي غيره وسقي مواشيه وسقي زرعه ، ولايجب على حال ، ومن الناس من قال يجب عليه بذله بلا عوض لشرب الماشية ولسقي الزرع ، ومنهم من قال يجب عليه بالعوض ، فاما بلا عوض فلا، ثم ذكر في الاستدلال على مختاره ثلاث روايات جميعها من طرق العامة ، ويشبه كلامه هنا كلامه في المبسوط .
وفي المختلف (2) بعد نقل كلام الشيخ ما لفظه (وبه قال ابن الجنيد والوجه : الاستحباب في الجميع وبه قال ابن البراج ، إذ لا يجب على الانسان بذل ماله لغيره ) ثم ذكرما استدل به الشيخ وناقش فيه ، بأن هذه احاديث لم تثبت عندنا صحتها ، ولو ثبتت حملت على الكراهة .

____________
(1) الخلاف 2 | 129 ، 132 .
(2) مختلف الشيعة 2 |15 .

(61 )
ويظهر من كلام ابن حجر في فتح الباري ان القول بوجوب البذل هو المشهور بين العامة(1). وعليه فلا وجه لدعوى الاجماع على عدم وجوب البذل فضلا عن دعوى الضرورة عليه .
ولعل عمدة ما أوجب هذه الدعوى تصور أن لازم الحكم بملكية شخص لمال جواز منع الآخرين عنه بمقتضى طبيعة الملكية، فكأن استحقاق الغير التصرف فيه ينافي الحكم بكونه مملوكا للأول ، ولكن هذا غير صحيح ، لأن ثبوت الحق المذكور لا ينافي أصل الملكية، وإنما ينافي الملكية المطلقة، وهي غير ثابتة في امثال المقام ، بل الثابت فيها بحسب بناء العقلاء سنخ ملكية محدودة تجامع ثبوت حق الشرب والوضوء ونحوهما بالنسبة الى الأخرين .
ومن هنا اخترنا وفاقأ لجمع من المحققين جواز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار وان لم يعلم رضا المالكين ، بل وإن علم كراهتهم أوكان فيهم صغير أو مجنون ،ومستند ذلك هو بناء العقلاء على عدم ثبوت الملكية المطلقة للملاك في أمثال هذه الأشياء ، بحيث تنافي جواز تصرف الأخرين فيها من غيررضاهم بمثل ما ذكرمن التصرفات .
واما التمسك لذلك بسيرة المتشرعة -كما في المستمسك (2)- فلا يخلو عن نظر، لان مورد التمسك بها هو فيما إذا انفرد المسلمون أو الامامية بفعل شيء أو بتركه ، وانحازوا في ذلك عن بقية العقلاء، حيث يستكشف بذلك حكم تأسيسي شرعي وفق ما جرت عليه سيرتهم ، واما في امثال المقام حيث يكون الكاشف بناء عموم العقلاءوالمستكشف به هو الحكم الامضائي
____________
(1) فتح الباري لابن حجر5 | 4 2 - 25 ، ولاحظ نيل الأوطار للشكوكاني 6 : 48 .
(2) مستمسك العروة الوثقى 434|2 .

( 62 )
الشرعي ، فلا معنى للتمسك بسيرة المتشرعة.
ثم إنه قد يتوهم ان مثل قوله عليه السلام (لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه ) يصلح ان يكون رادعا عن البناء العقلائي في المتقدم فلا يمكن الاعتماد عليه بعد ثبوت الردع عنه من قبل الشارع المقدس ، ولكن هذا في غيرمحله ، لان قوله (لا يحل مال امرئ . . . الخ ) لا يتضمن بمنطوقه حكما تأسيسياً شرعيا ،لكي يؤخذ باطلاقه - لو توفرت مقدمات الحكمة -، بل مفاده إمضاء ما بنى عليه العقلاء، فيمتنع ان يكون رادعاً عن نفس هذا البناء في بعض حدوده .
هذا ثم انه لو فرضنا انه يحق للمالك منع الاخرين من الاستفادة من فضل ماء بئره ، وان النهي عن هذا المنع - في رواية عقبة بن خالد- نهي تنزيهي لا تحريمي ، ولكن لا مانع من تعليله بـ (لا ضرر ولا ضرار) ايضا على ان يكون ذلك في مستوى الحكم الاخلاقي الاسلامي ، وهو انه ينبغي التحرز عن الاضرار بالغير المسلم كمنع فضل الماء عنه وعن مواشيه مع حاجتهم وعطشهم ، فيكون لهذا الحكم أي (لا ضرر) مستويان : مستوى اخلاقي تمثل في حديث منع فضل الماء ، ومستوى الزامي وهو المراد به في حديث سمرة ونحوه ووحدة اللفظ لا تفرض وحدة المعنى بعد قضاء القرائن خلافها .
هذا إذا كان الجمع بين النهي عن منع فضل الماء وبين قوله (لا ضرر ولا ضرار) قد صدر من النبي صلى الله عليه وآله ، واما ان كان ذلك صادراً من قبل الامام عليه السلام ، فبالامكان تخريج الارتباط بينهما على وجه آخر، وهو قاعدة الأخذ بشواهد الكتاب والسنة، بمعنى الاستشهاد بالسنة الثابتة على صدق النقل ، ولا يقدح حينئذ عدم افادة (لا ضرر) للنهي التشريعي لكفاية التوافق الروحي والمبدئي بين الامرين في مثل ذلك كما
(63 )
تقدم نظيره في حديث الشفعة.
فتحصل من جميع ما تقدم انه لا مناص من الالتزام بما هوظاهر الحديث ، ويؤيده بعض القرائن الخارجية من الارتباط بين النهي عن منع فضل الماء وكبرى لا ضرر ولا ضرار، لان الوجوه التي ذكرت لاثبات عدم الارتباط لا تنهض على ذلك .
هذا تمام الكلام في القضايا الثلاث الأولى التي وردت من طرق الامامية .
4 - حديث هدم الحائط :
وقد أورده القاضي نعمان المصري في دعائم الاسلام قائلا (روينا عن ابي عبدالله عليه السلام انه سئل عن جدار الرجل - وهوسترة بينه وبين جاره - سقط فامتنع من بنيانه ، قال : ليس يجبر على ذلك الا ان يكون وجب ذلك لصاحب الدار الاخرى لحق أو شرط في اصل الملك ، ولكن يقال لصاحب المنزل : استر على نفسك في حقك ان شئت ، قيل له : فان كان الجدارلم يسقط ولكنه هدمه أو اراد هدمه اضرارأ بجاره لغير حاجته الى هدمه ، قال : لا يترك وذلك ان رسول الله صنى الله عليه وآله قال : لا ضرر ولا ضرار (اضرار-خ ل )، وان هدمه كلّف ان يبنيه )(1) .
والكلام فيه يقع في جهات :
الجهة الأولى في مصدره : وهو- كما ذكرنا - كتاب دعائم الاسلام للقاضي النعمان بن محمد بن منصور بن حيون التميمي المغربي المتوفى سنة 363، وكان من علماء الاسماعيلية، خدم المهدي بالله مؤسس الدولة
____________
(1) دعام الإسلام 2 | 504 | 1805 .

(64 )
الفاطمية في السنوات التسع الاخيرة من حكمه ، ثم تولى القضاء لهم حتى اصبح قاضي القضاة في الدولة، وقد ذكر ان كتابه الدعائم هذا كان هو القانون الرسمي ودستور الدولة منذ عهد المعز - رابع الخلفاء الفاطميين - حتى نهاية الدولة الفاطمية، وربما توهم بعضهم ان القاضي نعمان من رجال الشيعة الإمامية استناداً الى شبهات ضعيفة اجبنا عنها في محله .
ويلاحظ ان احاديث الكتاب كلها مراسيل ، بل لم يذكر فيه اسامي رواتها من الطبقة الأولى غالباً، وقد تداول النقل عن هذا الكتاب في كتب متاخري المتاخرين من فقهائنا كالجواهر وغيره ، وهو احد مصادر كتاب المستدرك للمحدث النوري (قده ) .
واما مراجع الكتاب ومصادره : فالذي يظهر بمراجعة ما ورد فيه من الاحاديث ، ومقايسته مع مصادر الحديث عند الشيعة الامامية ، انه كان يرجع الى كتبهم ويعتمدها في نقل الروايات ، فان جملة مما تضمنه من الاخبار مما لا اشكال في انه اخذها من مصادرهم ، حتى انه اشتبه في بعض المواضع فنقل رواية عن ابي جعفرعليه السلام ظنا منه انه الباقر عليه السلام بينما هو الجواد عليه السلام ، فظن المحدث النوري وآخرون انه تعمد الابهام وجعلوا ذلك من امارات كونه اماميا .
والظاهر ان الذي دعاه الى الاعتماد على مصادر الامامية في تأليف كتابه هو ان الاسماعيلية منذ تكؤنهم في زمن الصادق والكاظم عليهما السلام ، لم يكن من مسلكهم نقل الاحاديث والاهتمام بضبطها وانما كانت غاية اهتمامهم بالجوانب السياسية والاجتماعية للامامة .
ولما وفقوا لتشكيل دولتهم في المغرب واستولوا على مصروبنوا القاهرة واسسوا الجامع الازهر، احتاجوا الى الفقه والحضارة والقانون فاضطر عالمهم المبرز انذاك القاضي نعمان الى تأليف كتاب الدعائم ، والاعتماد
(65 )
على مصادر الاخرين ، لما لم يكن لسلفهم كتب في هذا المضمار.
ويمكن معرفة بعض مصادره من كتب الامامية بمقارنته معها او مع ما نقل من رواياتها، ومنها كتاب الجعفريات فان ما ورد فيه من الاخبار يطابق في موارد كثيرة متون الاخبار الواردة في الدعائم -كما تنبه لذلك المحدث النوري (قدس سره )(1) - وكتاب الجعفريات لاسماعيل بن موسى بن جعفر، قال الشيخ والنجاشي (سكن مصر وولده بها وله كتب يرويها عن ابيه عن آبائه ) .
وقد روى الجعفريات اسماعيل بن موسى ورواه عنه محمد بن محمد ابن الاشعث - وكان ساكنا بمصر ايضا - فهذا الكتاب كان موجودا في مصر مقر الاسماعيلية آنذاك .
وعلى اي تقدير فالمقصود : ان روايات كتاب الدعائم منقولة غالبأ عن مصادر الشيعة الامامية رغم ان مؤلفه ليس منهم ، ولذلك كانت اقرب الى الاعتبار من روايات العامة ، لانها نفس رواياتنا نقلت الينا بغير طريقنا فتدبر.
الجهة الثانية : في سنده ، وهوكما علم مما سبق ضعيف من جهتين :
من جهة الارسال ومن جهة عدم وثاقة مؤلف الدعائم عندنا .
الجهة الثالثة : في مفاده ، ولا اشكال فيما تضمنه صدره من عدم وجوب اعادة بناء الجدار على صاحب الدار اذا لم يكن للجار حق فيه فانه على وفق القاعدة ، وانما الاشكال فيما تضمنه الذيل من منعه من هدم جداره وامره ببنائه لو هدمه اضرارا بجاره ، فانه قد يقال ان ذلك مخالف للقواعد والاصول المسلمة ، لان الظاهر ان مورد الحديث الجدار الذي يكون مملوكا للشخص ملكا طلقا من دون ان يكون متعلقأ لحق الجار بوجه من الوجوه ، ومقتضى القاعدة في مثل ذلك ان يكون للمالك حق هدمه ، وان لا يجب
____________
(1) مستدرك الوسائل 3 |317 .

(66 )
عليه اعادة بنائه على تقدير هدمه ، وان كان ذلك سببا لوقوع الجار في الحرج والضيق من جهة فقدان الساتر لبيته ، ومجرد كون هدمه لا لحاجة عقلائية بل بداعي ايقاع الجار في الضيق لا يقتضي منعه من الهدم ، وامره بالبناء على تقدير مخالفته ، وعليه فتطبيق قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) على مورد الحديث محل اشكال .
ولكن يمكن الجواب عن ذلك بوجهين :
الوجه الأول : انه لا غرابة في الحكم بمنع المالك من هدم جداره وامره باعادة بنائه لو فعل عقوبة على مخالفته ، اذا لم يكن له في الهدم غرض عقلائي بل كان غرضه مجرد الاضرار بجاره ، فان لهذا الحكم نظائر في الفقه الاسلامي ، ومنها ما التزم به جمع من الفقهاء منهم الشيخ في النهاية والقاضي وابن البراج ، من انه اذا اعتق احد الشركاء نصيبه من العبد قاصدا به الاضرار بشريكه ، وجب عليه فكه ان كان موسرا وبطل عتقه ان كان معسرأ، لان قصد القربة انعتق سهمه وسعى العبد في نصيب الشريك ، ولم يجب على المعتق فكه بل يستحب له ذلك ، وقد اعتبرفي الجواهرهذا القول احد القولين القويين في المسالة(1) .
ويدل عليه من الاخبار صحيح الحلبي عن ابي عبدالله عليه السلام قال : سالته عن المملوك بين الشركاء فيعتق احدهم نصيبه ؟ فقال ان ذلك فساد على اصحابه ، فلا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته وقال يقوم قيمته فيجعل على الذي اعتقه عقوبة، وانما جعل ذلك مما افسده .
وفي صحيحة محمد ابن مسلم قال قلت لابي عبدالله عليه السلام : رجل ورث غلاماً وله فيه شركاء فاعتق لوجه الله نصيبه ، فقال اذا اعتق نصيبه مضارة وهوموسر ضمن للورثة،
____________
(1) جواهر الكلام 34| 156 - 157 .

(67 )
واذا اعتق لوجه الله كان الغلام قد اعتق من حصة من اعتق ، ويستعملونه على قدر ما اعتق منه له ولهم ، فان كان نصفه عمل لهم يومأ وله يوماً، وان اعتق الشريك مضارا وهو معسر فلا عتق له ، لانه اراد ان يفسد على القوم فترجع إلى القوم حصصهم (1) .
فيستفاد من هاتين الروايتين وغيرهما أن العتق لو كان مقرونأ بقصد الاضرار بالشريك ، استتبع ذلك التشديد على المعتق اما بابطال عتقه راسا أو بتضمينه حصة الشريك .
فيمكن الالتزام بنظير ذلك في المقام ايضأ -كما التزم به بعض فقهاء العامة - بان يقال : انه لا يجوز للجار ان يتصرف في ملكه بما يكون لمجرد الاضرار بجاره لا لغرض عقلائي ، ولو فعل ذلك اجبر على تدارك الضرر الحاصل عقوبة على عمله .
وهذا الحكم يصح ان يكون حكما اوليا على اساس ان من حق المسلم على المسلم أو الجار على الجار ان لا يضر به متعمدا وان كان ذلك بالتصرف في ملك نفسه ، كما يصح ان يكون حكما ولائيا اقتضته المصلحة الملزمة التي رآها الامام عليه السلام في امثال هذه ا لموارد.
الوجه الثاني : انه يمكن ان يفترض ان مورد كلام الامام عليه السلام في ذيل الحديث هو ما اذا كان الجدار موردأ لحق الجار، وبذلك يتجه النهي عن الهدم والامر ببنائه على تقدير المخالفة، كما يتجه تعليل النهي بـ (لا ضرر ولا ضرا، لان في هدم الجدار حينئذ اضرارا بالجار لاستلزامه سلب حقه .
ومبرر هذا الافتراض ان السائل فرض كون الهدم اضرارا بالجار، وهذا
____________
(1) الوسائل 23 : 39 و40 ح 29056 و29059.

(68 )
ظاهر فيما اذا كان للجار حق بالنسبة الى الجدار- لكي يصدق الاضرار به عرفاً-، ولا يشمل ما اذا لم يكن له حق فيه وانما كان هدمه مستلزما لعدم انتفاعه بجدار الغير، واما قول السائل (لغير حاجة منه الى هدمه ) فلا يدل على عدم كون الجدار متعلقا لحق الغير، بل لعل المراد به اخراج صورة تعارض الضررين ، حيث يكون صاحب الجدار محتاجا الى هدمه لكونه ائلا للسقوط أو موجبا لضيق داره مثلا مع كونه متعلقا لحق الجار.
وهذا الوجه في توجيه الرواية يظهر من كلام لصاحب الجواهر(1) في كتاب الصلح ذكره تأييدا لكلام نقله عن المحقق الكركي في جامع ا لمقاصد .
5 - حديث قسمة العين المشتركة(2):
رواه في كنز العمال عن جامع عبدالرزاق الصنعاني منقولا باسناده عن الحجاج بن أرطأة - وهو من رجال الصادقين كما في كتاب الرجال للشيخ (قده ) - قال أخبرني أبوجعفر: ان نخلة كانت بين رجلين فاختصما فيها الى النبي صلى الله عليه واله ، فقال احدهما : اشققها نصفين بيني وبينه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لا ضررولا ضرار في الاسلام يتقاومان فيها(3).
والحكم المذكور في الرواية جار على وفق قاعدة (لا ضرر ولا ضرالهم وقد ذكره فقهاؤنا مع تعليله بهذه القاعدة ايضا .

____________
(1) جواهر الكلام 6 2 | 68 2 .
(2) هذا الحديث وما بعده من الأحاديث وإن لم ترد في كتبنا وإتما وردت في كتب العافة إلأ إتا آثرنا التعرض لها استيفاءً لما اطلعنا عليه من القضايا التي ذكر قاعدة لا ضرر ولا ضرار في مواردها في كتب علماء الإسلام مضافاً إلى بعض الفوائد الآخرئ التي ستتضح من خلال البحوث الأتبة .
(3) كنز العمال 5 : 43 8 ح 534 4 1 .

(69 )
وقد ورد ما يماثله في صحيح الغنوي المروي في الكافي عن ابي عبدالله عليه السلام : في رجل شهد بعيراً مريضاً وهويباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم ، فجاء واشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد، فقضى ان البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير، فقال لصاحب الدرهمين خذ خمس ما بلغ فابى قال اريد الرأس والجلد فقال عليه السلام ليس له ذلك هذا الضرار وقد أعطي حقه اذا أعطي الخمس (1).
وهذه الرواية تماثل رواية الحجاج بن أرطأة الا ان المذكور فيها مجرد تطبيق كبرى لا ضرر على موردهما من دون ذكرها صريحأ،ولعل ذلك لمعلوميتها واشتهارها فاستغنى الامام عليه السلام عن ذكرها .
وقد وقعت صحيحة الغنوي موضعأ للبحث والاشكال في كلمات جمع من الفقهاء، وافتى بمضمونها جماعة منهم كالمحقق في الشرائع والشهيد الاول في الدروس ، ولعل الاظهر في معناها ان يكون قوله (اشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد) بمعنى ان الرجل قد اشترك في البعير بنسبة الخمس واشترط ان يكون نصيبه بعد النحر في الرأس والجلد، وكان هذا الشرط ناظرا الى صورة استمرار المرض وعدم برء البعير مما لا مناص معه من نحره فلما برئ البعير انتفى موضوع الشرط المذكور فلم يكن يستحق الا خمس البعير نفسه وذلك وجه الحكم في الرواية .
6 - حديث عذق ابي لبابة : رواه ابو داود فى المراسيل عن واسع بن حبان ، قال : كان لابي لبابة عذق في حائط رجل فكلمه ، فقال انك تطاً حائطي الى عذقك فانا اعطيك مثله في حائطي ، وأخرجه عني فابى عليه ، فكلم النبي صلى الله عليه وآله
____________
(1) الكافي 5: 293 ح 4 .

(70 )
فقال يا ابا لبابة خذ مثل عذقك فحزها الى مالك واكفف عن صاحبك ما يكره ، فقال ما انا بفاعل ، فقال اذهب فاخرج له مثل عذقه الى حائطه ، ثم اضرب فوق ذلك بجدار فانه لا ضرر في الاسلام ولا ضرار(1) .
وهذه القضية تشبه قضية سمرة بن جندب مع الرجل الأنصاري .
7 - حديث جعل الخشبة في حائط الجار وحد الطريق المسلوك :
اورده عبدالرزاق الصنعاني في المصنف ، عن معمر عن جابر، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال قال رسول الله صلى الله عليه واله : (لا ضرر ولا ضرار) وللرجل ان يجعل خشبة في حائط جاره والطريق سبعة اذرع (2).
ورواه احمد بن حنبل في مسنده باسناده عن ابن عباس ايضا، وكذا الطبراني والبيهقي وابن ماجة(3). وفي سنن الدارقطني حكى الجمل الثلاث بطريقه عن ابن عباس ، لكن مع تأخير جملة (لا ضرر ولا ضرار) عن الجملتين الأخريين (4) .
كما روى باسناده عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله ، انه قال : (لا ضرر ولا ضرورة ولا يمنعن احدكم جاره أن يضع خشبة على حائطه )(5).
ولكن ظهور هذا الحديث في تعاقب الجمل الثلاث في كلام النبي صلى الله عليه واله على نحويكون قوله (لا ضرر ولا ضرار) بمنزلة الكبرى الكلية للحكمين المذكورين في الجملتين الاخريين غير واضح ، فان صيغة الحديث في الجمع بين الجمل الثلاث ليست صيغة واضحة في ان النبي
____________
(1) ألمراسيل مع الاسانيد لأبي داود : 207 ح 2 باب 71 في الإضرار.
(2) كنزالعمال 4 : 61 ح 9519.
(3- 4) لاحظ مسند أحمد 1 : 3 1 3، وشر ابن ماجة 2 : 4 78 ، وسنن الدارقطني 4 : 28 2 .
(5) سنن الدارقطني 4 : 8220

(71 )
صلى الله عليه وآله كان بصدد تطبيق (لا ضرر ولا ضرار)، على مورد جعل الخشبة في حائط الجار وحدّ الطريق المسلوك .
والفرق التعبيري بين الصيغة المستعملة في هذا الحديث والصيغة المستعملة في حديثي الشفعة ومنع فضل الماء شاسع جدا، فان الوارد فيهما هكذا قضى بكذا وكذا وقال (لا ضرر ولا ضرار) مما يكون ظاهرا عرفا في الارتباط بين القضاء والقول واما في المقام فلا ظهور للحديث في الارتباط بين قوله (لا ضرر ولا ضرار) وقوله (ولا يمنعن أحدكم . . . الخ ).
ويظهر من مالك في الموطأ، والشافعي في كتاب الام في مقام الرد على اصحاب مالك انهما اعتبرا قوله (لا ضرر ولا ضرار) رواية مستقلة ولم يعداه صدراً أو ذيلاً لحكمه صلى الله عليه وآله بجوازجعل الخشبة في حائط الجار، ونهيه عن منع الجار عن ذلك . فلاحظ (1).
____________
(1) موطأ مالك 2 : 5 4 7، والأم 7 : 0 23 .