المقام الثاني : في مفاد الهيئة الافرادية للضرر (4) والضرار والاضرار.

____________
(4) قد يقال لا وجه للبحث حول هيئة - الضرر- فانها إن كانت مصدرا فلا توجد هيئة نوعية موضوعة لمصدر الثلاثي المضاعف الافعل بسكرن العين لا بفتحها ، لان كانت اسم مصدر فاسم المصدرموضوع بوضع شخصي بمادته وهيئته لمعنى خاص وليست له هيئة نوعية ذات دلالة مستقلة عن دلالة المادة؟ وجواب ذلك ان المراد بمفاد الهيئة مطلق الدلالة التي تكون منوطة بها، وان كان ذلك =
(115 )
أما (الضرر) فهو بحسب الهيئة اسم حدث واسماء الاحداث يمكن تقسيمها الى ثلاثة اقسام :
الأؤل : ما يدل على المعنى المصدري.
الثاني : ما يدل على المعنى الاسمي .
الثالث : ما يشترك بين المعنى المصدري والمعنى الاسمي والفرق بين المصدر واسمه معنى - على ما هو المحقق في محله - ان المعنى المصدري يتضمن نسبة تقييدية ناقصة كالنسبة التي تحتويها الاوصاف على احد قولين ، واما المعنى الاسمي فهو نفس المعنى دون نسبة تقترن به ، فنسبة المصدر الى اسم المصدر نسبة الايجاد الى الوجود فهما متحدان خارجا مختلفان بالاعتبار، فمثلا اذا لوحظ (العلم ) كمعنى خاص من غير لحاظه منسوبا الى عالم أو معلوم كما في المفعول المطلق حيث يقال (علمت علما) كان معناه معنى اسميا، وإذا لوحظ منسوبا الى العالم مثلا كما في قولنا (علم زيد بكذا محرز) كان معناه معنى مصدريا .
وأما الفرق بينهما لفظأ فهو موجود في بعض اللغات كاللغة الفارسية حيث ان المصدر فيها غالبأ مختوم بالنون دون اسم المصدر كما يقال (رفتن
____________
= بوضع شخصي ، ولا أشكال في ان معنى المصدر او اسم المصدر انما يستفاد بملاحظة الهيئة والمادة باعتبارهما جزئين من الكلمة، إذ مادة (ض رر) لا تدل على ذلك كما هو واضح ، بل ثبوت الوضع النوعي مطلقا حتى في الهيئات العامة كالأفعال والصفات مما لم بثبت عند السيد الاستاذ (قده ) كما تعرض له في مباحث الألفاظ من علم الاصول ، بملاحظة طبيعة تكون اللغة فإن اللغة باعتبار انطلاقها من المجتمعات البدائية، فلا بتصور في مفرداتها الوضع النوعي ، لأن الوضع النوعي مفاده تجريد الذهن لصورة لفظية عامة متحررة من جميع المواد ووضعها لمعنى خاص ، وهذا إبداع عقلي لا يتصور في الوضاع البدائي كما لا يخفى .

(116 )
ورفتار، كفتن وكفتار، كشتن وكشتار، كردن وكردان ، كتك وزدن ، كردش ، كرديدن . . . ) ولكن في اللغة العربية لا امتياز بينهما في اللفظ غالبا، فيستعمل اللفظ الواحد في كلا المعنيين ، نعم ربما يختص احدهما بلفظ خاص .
والظاهر ان لفظة (الضرر) اسم مصدر- كما عدها بعض علماء اللغة- لأن المعنى المنساق منها لا يتضمن النسبة التقييدية فلاحظ .
وأما ( الضرار) فهو مصدر على وزن (فعال ) لباب (فاعل يفاعل ) والمصدر الآخر لهذا الباب هو (المفاعلة) يقال : ضاره يضاره مضارة وضراراً ، ويعبر عن هذا الباب بباب المفاعلة نسبة الى أشهر مصادرها ، وقد نسب الى جمع من اللغويين القول بأن باب المفاعلة موضوع للمشاركة، بمعنى ان كلا من الطرفين فعل بالآخر مثل ما فعله الآخر به كـ (ضارب زيد عمروا)، ولكن احدى النسبتين في ذلك اصلية والآخرى تبعية .
ولكن من لاحظ موارد الاستعمالات القرانية وغيرها لا يجد تمثل معنى المشاركة فيها .
‌كقوله‌‌ تعالى : (‌واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا‌تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه‌)‌(1).
وقوله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك )(2) .

____________
(1) سورة البقرة 2: 231
(2) سورة البقرة 2: 233

(117 )
وقوله تعالى : ( واشهدوا اذا تبايعتم * ولا يضار كاتب ولا شهيد )(1) .
وقوله تعالى : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اخت فلكل واحد منهما السدس*فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار * وصية من الله ) (2).
وقوله تعالى : ( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وارصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل (3) . وقوله تعالى : ( اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن ) (4)، وقوله صلى الله عليه وآله مخاطبا لسمرة-كما في خبرأبي عبيدة - ما أراك يا سمرة إلآ مضارا، وقوله عليه السلام في حديث عتق بعض الشركاء حصة من العبد (وإن اعتق الشريك مضارا وهومعسر) إلى غير ذلك من الموارد التي لا يلاحظ في شيء منها تمثل معنى المشاركة.
ولكن ربما يحاول تاويل بعض هذه الموارد تحقيقا لمعنى المشاركة فيها فيقال مثلا في جملة منها : إن المشاركة إنما هوبلحاظ ان الاضرار بالغير يستتبع الضرر على النفس ضررا اجتماعيا أو أخرويا فيتحقق معنى المفاعلة ، أو يقال - في مورد قضية سمرة - ان العناية الموجبة لاستعمال هذا الباب فيه هو اصرار سمرة على الاضرار بالانصاري ، فكأن اصراره على الاضرار صار بمنبزلة صدور الفعل بين الاثنين منه فإضراره بمنزلة إضرارين ، أو يقال فيه أيضا : إن الرجل الانصاري وإن كان لم يضرسمرة حقيقة إلا أن منعه إياه عن الدخول الى نخلته كان مضراً به في نظره ، الى غير ذلك من
____________
(1) سورة البقرة 2 | 282 .
(2)سورة النساء 4| 12 .
(3) سورة التوبة 9| 107 .
(4) سورة الطلاق 65| 6 .

(118 )
الوجوه التي ذكرت في تاويل جملة من الموارد التي لم يتضح فيها معنى المشاركة .
ويرد على هذه الوجوه - مضافا الى وضوح ضعفها في انفسها، وعدم علاجها لجميع موارد استعمال هذا الباب - إنه لا مبرر للاصرار على تاويل هذه الموارد، بعد أن ثبت مجيء باب المفاعلة لغير المشاركة، بل كثرة مجيئها لذلك كما يظهر بالتتبع في القواميس اللغوية، لاحظ : شاور وسافر وجادل وسارع وساور وخادع ونافق وناجى وبادر وعاند وسامح وراجع وعاين وشاهد وكابر وزاول وضارب وآجر وزارع . . الى غير ذلك ، وقد اعترف بهذا علماء اللغة في علم الصرف حيث ذكروا لباب المفاعلة عدة معان كما سياتي ان شاء الله .
وكيف كان فبعد وضوح عدم تمامية الاتجاه المذكور في تفسير صيغ المفاعلة - وهو القول بدلالتها على المشاركة دائما - فهناك اتجاهان رئيسيان في هذا المجال يبتني احدهما على تعدد المعنى والأخر على وحدته .
أما الاتجاه الأوّل : فهو الذي سلكه علماء الصرف حيث جعلوا لهيئة باب المفاعلة عدة معان :
منها: التكثيركباب (فعل ) كضاعف الشيء وضعفته بمعنى كثرت اضعافه ، وناعمه الله ونعمه بمعنى انه اكثر نعمه عليه .
و منها: أن يكون بمعنى المجرد كسافرت بمعنى سفرت أي خرجت الى السفر، وربما يقال إنه في ذلك يفيد المبالغة في الإسفار.
ومنها: جعل الشيء ذا صفة كافعل وفعل نحو راعنا سمعك وارعنا أي اجعله ذا رعاية لنا، وصاعر خذه وصعره ، وعافاك الله أي جعلك ذا عافية، وعاقبت فلانا أي جعلته ذا عقوبة .

(119 )
وممن ذهب إلى هذا الاتجاه المحقق الرضي الاسترابادي (قده) في شرح الشافية، وعليه يمكن القول بأن معنى المضارة هنا هو معنى المجرد - ولو مع افادة المبالغة والتأكيد - فيقال (ضره ضررا ، وضاره ضرارا) بمعنى واحد بلا فارق جوهري بينهما .
ولكن هذا الاتجاه إنما يتعين الاخذ به إذا لم يمكن الاتجاه الثاني - المبني على وحدة معنى هذا الباب - من تقديم معنى عام يصلح لجمع شمل الموارد المذكورة ، وإلا يتعين الأخذ بالاتجاه الثاني إذ لا مبرر لدعوى تعدد المعنى حينئذ، فإنها تكون كدعوى تعدد معنى المادة لغة .
وأما الاتجاه الثاني : فيضم عدة مسالك :
المسلك الأول : ما اختاره جمع من المحققين من أن هيئة المفاعلة تقتضي السعي الى الفعل ، فإذا قلت (قتلت ) فقد اخبرت عن وقوع القتل وإذا قلت (قاتلت ) فقد اخبرت عن السعي الى القتل ، فربما يقع وربما لا يقع ، ولا تقتضي المشاركة، نعم ربما تكون المادة في نفسها مقتضية للمشاركة - من غير ارتباط لها بالهيئة - وذلك كما في المساواة والمحاذاة والمشاركة والمقابلة ، والشاهد على عدم استفادة المشاركة من الهيئة عدة آيات .
منها : قوله تعالى : ( يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلأ انفسهم ) (1)، فذكر سبحانه ان المنافقين بصدد ايجاد الخدعة لكن لا تقع خدعتهم إلا على انفسهم ، ومن ثم عبر في الجملة الأولى بهيئة المفاعلة، لأن الله تعالى لا يكون مخدوعا بخدعتهم لأن المخدوع ملزوم للجهل
____________
(1) سورة البقرة 2 | 9 .

(120 )
وتعالى الله عنه علوا كبيرا، وعبر في الجملة الثانية بهيئة الفعل ألمجرد لوقوع ضررخدعتهم على أنفسهم لا محالة .
ومنها : قوله تعالى :( ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ) (1) حيث ذكر تحقق القتل الفعلي من الجانبين بعد ذكرتحقق القتال معطوفا عليه بالفاء ، مما يدل على المغايرة بينهما، وأن معنى القتال هو السعي الى القتل دون نفس القتل الذي فصله بعد ذلك .
ويلاحظ عليه :
اولا بالنقض :
فإن ألسعي الى الفعل وأن كان يستفاد في بعض موارد هذا الباب كما ذكر، إلا إنه لا يطرد فى اغلب امثلته لعدم صدقها دون تحقق المعنى فعلا، فلا يقال سافر أو جادل أو طالع أو سارع أو شاهد أو عاوض لمجرد محاولة السفر أو الجدل أو المطالعة أو السرعة أو الشهود أو التعويض ، وهكذا في موارد كثيرة أخرى ، مضافا الى ان هناك بعض الموارد التي تقتضي معنى آخر- غير السعي الى الفعل أوتحققه فعلا - كما في باب المغالبة يقال (كارمه فكرمه ) بمعنى فاخره في الكرم فغلبه فيه و(شاعره فشعره ) أي حاول غلبته في الشعرفغلبه ونحوذلك .
وثانيا بالحل وهو: إن استفادة السعي الى الفعل من بعض امثلة هذا الباب لا يستند الى الهيئة بل الى المادة، وليس المقصود بالمادة هنا المبدأ الجلي - كالغلبة في المغالبة والخدعة في المخادعة - لوضوح انه لا يستبطن معنى السعي ، وإنما المراد بها المبدأ الخفي الذي اوضحناه فكرة وتطبيقا في مبحث المشتق ، ونكتفي هنا بذكر امرين اختصارا لما اوردناه هناك :

____________
(1) سورة التوبة 9| 111 .

(121 )
الامر الاول : إن المبدأ الذي يكون احد جزءي المعنى في المشتق بالمعنى الأعم المؤلف من المادة والهيئة الشامل للفعل المزيد فيه على قسمين :
1 - المبدأ الجلي ، وهو المعنى الفعلي للمادة دون اضافة عنصر اخر اليه كالعلم في العالم والقصد في القاصد، فإن مثل هذه المشتقات لو حللت ، يلاحظ ان المبدأ فيها نفس المعنى الفعلي للمادة دون اضافة جهة أخرى كالمضي والقابلية ونحو ذلك .
2 - المبدأ الخفي ، وهو معنى المادة ملحوظا في المشتق على نحو خامر ؟هوعلى أصناف .
منها: أن يلحظ فيه بنحو القابلية، كما في اسم الآلة كالمفتاح والمنشار والمكنسة ، فإن المبدأ فيها قابلية الفتح والنشر والكنس لا فعلية هذه اللأمور .
ومنها : أن يلحظ فيه على نحو الحرفة والمهنة كما في التاجر والنجار والزارع فإن المبدأ فيها حرفة التجارة والنجارة والزراعة لا فعليتها .
ومنها: أن يلحظ فيه بنحو الاقتضاء كما في توصيف النار بأنها محرقة، والسم بأنه قاتل ، فإن المبدأ في ذلك اقتضاء هذه المعاني لا فعليتها .
فيلاحظ أن الخصوصية المضافة الى معنى المادة في هذه الحالات ، إنما هي باعتبار اشراب المادة إياها ، ثم صياغتها مقرونة بها بالصيغة الخاصة ، وليست ألخصوصية مستفادة من ذات الصيغة والهيئة بل من المادة حين تطعيمها بمعنى آخر.
وعلى ضوء هذا يتجلى لنا ما وقع من الخلط بين مفاد الهيئة ومفاد المادة في كلمات كثير من اللغويين والاصوليين ،حيث جعلوا كل خصوصية
(122 )
معنوية زائدة على اصل معنى المادة، مدلولة للهيئة ومستفادة منها مبنيا على تصور اختصاص المبدأ في المشتقات بالمبدأ الجلي ، بينما تستند كثير من الخصوصيات الى المبدأ الخفي كما ذكرنا .
وقد انتج الخلط المذكور اخطاء كثيرة في تحقيق معنى الهيئات ، حيث أن اسناد تلكم الخصوصيات اك الهيئة اوجب الحكم باشتراكها بين معاني متعددة في موارد كثيرة، منها المقام على وفق الاتجاه الاول المبني على تعدد المعنى في صيغ باب المفاعلة، وربما جعلت احدى تلك الخصوصيات معنى عاما للصيغة، كما في المقام على مبنى من جعل باب المفاعلة للمشاركة فقط ، ومنه ايضا ما ذكر في مبحث المشتق حيث لاحظ كثير من الاصوليين التلبس وعدمه بالقياس الى المبدأ الجلي في الامثلة المتقدمة كالمفتاح والمنشار والتاجر والنجار فاستدلوا بها على قول من يرى أن المشتق اعم من المتلبس بالمبدأ والمنقضي عنه التلبس مع أن الصحيح ملاحظة التلبس بالنسبة الى المبدأ الخفي وهو الاقتضاء والقابلية -كما ذكرناه -، فلا تكون في الامثلة المذكورة ونحوها شهادة على القول بوضع المشتق للأعم .
الامر الثاني : إن المبدأ الخفي بما انه لا يتجلى غالبا إلا في بعض المشتقات ، أوجب ذلك الخلط بينه وبين مفاد الهيئة في كثير من الحالات -كما اشرنا اليه -، ولكن يمكن التمييز بينهما بملاحظة بعد المعنى - بطبيعته - عن أن يكون مفادا للهيئة لعدم التسانخ بينه وبينها بحسب الحس اللغوي للعارف باللغة، أو بملاحظة عدم اطراده في .سائر موارد الهيئة بعد استظهار وحدة معنى الهيئة في جميعها، فيتعين ان يكون منشأ استفادة المعنى الخاص غيرها .
ويمكن اختبار ذلك في بعض الامثلة كمثال التاجر، فإنه يستعمل
(123 )
فيمن كانت حرفته ومهنته التجارة وإن لم يشتغل بها فعلا-وهو استعمال غير مقرون بالعناية ليعد استعمالأ مجازيا -، فهنا يمكن تشخيص عدم نشوء المعنى المذكور عن الهيئة اما بلحاظ أن مفاد صيغة (فاعل ) حسب ما يقضي به الحس اللغوي ، إنما هووقوع المعنى من الذات من غير ان يتضمن دلالة على الحرفة والمهنة اصلا، وبذلك تكون الدلالة عليها اجنبية عن مفاد الهيئة، أو بلحاظ أن امثلة هذه الصيغة في سائر الموارد لا تدل على المعنى المذكور، فمع استظهار وحدة المعنى المستفاد من الهيئة في جميعها - كما يساعده الحس اللغوي - يتعين أن تكون الخصوصية المذكورة ملحوظة في المادة لتكون من قبيل المبدأ الخفي .
إذا اتضح ما ذكرناه فنقول : إن معنى السعي الى الفعل في بعض امثلة باب المفاعلة إنما يستند الى المبدأ الخفي لا الى هيئة هذا الباب نظيرمعنى الغلبة في (شاعر) والمفاخرة في (كارم )، والدليل على ذلك مضافا الى أن الأنسب بمعنى هذا الباب بحسب الحس اللغوي هو نوع معنى يكون من قبيل الامتداد (كسافر) أو التكرر (كضاعف ) أو المشاركة (كضارب ) لا من قبيل السعي ، أن هذا المعنى لو كان مفاد هيثة باب المفاعلة لوجب الالتزام بتعدد معناها بحسب اختلاف الموارد، وهذا على خلاف تقدير هذا المسلك وساثر المسالك الأتية في هذا الاتجاه ، لما سبق من أن معنى السعي لا يتمثل في جميع موارد هذا الباب بل في القليل منها جدا .
وعلى ضوء هذا يتضح أن السعي نحو الفعل لا يصلح أن يكون هو المعنى الموحد العام للهيثة، ولا يمكن طرحه بديلأ عن معنى المشاركة، كما يتضح عدم صحة النقض على استفادة المشاركة من هذه الهيئة، بجملة من الامثلة المتقدمة كـ(ضارب ) و(قاتل )، لأن بناء النقض بها على تصور أن المبدأ فيها هو القتل والضرب فيقال إنه لا مشاركة فيها، وأمّا إذا لوحظ
(124 )
المبدأ فيها بمعنى السعي الى الفعل فإن معنى المشاركة متحقق فيه بوضوح ، لأن المضاربة والمقاتلة لا يستعملان إلا في موارد اشتراك الطرفين في السعي الى الفعل ، فهذان المثالان قد يشهدان للقول بدلالة هيئة المفاعلة على المشاركة، ولا شهادة فيهما على خلاف ذلك .
المسلك الثاني : ما اختاره المحقق الاصفهاني (قدس سره ) من ان هيئة المفاعلة معناها تعدية المادة وإسراؤها الى الغير مما لم تكن تقتضي التعدي اليه بنفسها ، وتختلف نتيجة ذلك بحسب اختلاف الموارد، فإن هذه الهيئة تارة توجب اخذ الفعل مفعولا لم يكن يأخذه مباشرة وإنما كان يصل اليه بحرف الجر، اما لأنه لم يكن متعديا اصلا كما في (جلس اليه ) و(جالسه )، أو لأنه كان متعديا ولكن الى أمر آخر غير ما اصبح متعديا اليه بهذه الهيئة كما في (كتب الحديث اليه ) و(كاتبه الحديث )، فإن المعنى في (كتب ) لم يكن يتعدى الى الهاء بنفسه فتعدى اليه في (كاتب ).
و(اخرى) لا توجب اخذ الفعل مفعولا زائدا على ما كان يأخذه في المجرد كاما في (ضرب زيد عمرا) و(ضاربه ) ، وأثر باب المفاعلة في حصول التعدية إلى الغير في الحالة الاولى واضح ، وأما في الحالة الثانية فربما يستشكل في ذلك بتحقق التعدية في المجرد فيكون تحققها بهيئة المفاعلة من قبيل تحصيل الحاصل ، إلا انه يندفع بان التعدي في المجرد تعدية ذاتية بمعنى أن إنهاء المادة وتعديتها الى المفعول غيرملحوظ في الهيئة وإنما هو لازم نسبة الفعل لمفعوله وأما في المزيد فالتعدية والانهاء الى المفعول ملحوظة في مفاد الهيثة فهي تعدية لحاظية.
فالحاصل ان هيئة المفاعلة تقتضي تعدي المادة الى ما لم تكن تقتضي هيئة المجرد تعديها اليه سواء أكانت تتعدى اليه في المجرد باعتبار كون ذاك لازم النسبة ، أم كانت تصل اليه بوسط حرف الجر.

(125 )
وقد رتب (قدس سره ) على ذلك استفادة معنى التصدي (التعمد والتقصد) لالحاق المعنى بالغير من هيئة باب المفاعلة دون المجرد، إما لكونه لازما لهذا الباب مطلقا كما يظهر من بعض كلماته (1) أو واقع فيه في الجملة كما يظهر من بعض كلماته الأخرى(2)، وقد مثل لذلك بـ (ضارب ) و(خادع ) بالقياس الى (ضرب ) و(خدع ) فإن الاخيرين لا يقتضيان تعمد الفاعل في الفعل بخلاف الاولين ، ولكن المثال الثاني لا يخلو عن اشكال لان الخدعة في نفسها من المعاني القصدية اذ تتقوم بقصد ايهام الشخص خلاف الواقع ، فلا يكون ثمة،فرق بين (خدع ) و(خادع ) من هذه الجهة، وانما تظهر التفرقة المذكورة حيث لا يكون المعنى في المجرد عنوانا قصديا كما في المثال الأول .
وقد نسب اليه (قده ) المسلك الأؤل (3) في بعض الكلمات ، مع ان الفرق بين هذا المسلك والمسلك السابق واضح لأن مفاد هذا المسلك تحقق المعنى في باب (فاعل ) كتحققه في المجرد مثل ضرب وقتل ، إلا أن الفارق بين - فاعل - كضارب والمجرد كضرب حصول القصد في - فاعل - دون المجرد، وإنما كان مفاد هذا المسلك هو تحقق المعنى لأن التحقق لازم تعدية المادة الى الغير، بخلاف المسلك الاول فإنه كان يرى أن مفاد هذا الباب هوالسعي الى تحقق الفعل سواء تحقق الفعل أم لا فالفرق بينهما واضح .
ولكن يلاحظ على هذا المسلك :
أولاً : إن ما ذكره من الفرق بين المزيد والمجرد -كضارب وضرب - من كون التعدية في الأول لحاظية وفي الثاني ذاتية : غير واضح بل الظاهر
____________
(1) نهاية الدراية 2 | 318 .
(2) تعليقة المكاسب 2 |2 .
(3) مصباح الفقاهة في المعاملات 2 |27 - 28 ، ومصباح الأصول 9|2 1 5.

(126 )
أن التعدية فيهما على نسق واحد بحكم الوجدان .
(فان قيل ) : ان الفعل المجرد المتعدي يصح استعماله من دون نسبة الى المفعول كأن يقال : (ضرب زيد) ولا يصح ذلك في (فاعل ) بان يقال (ضارب زيد) وهذا دليل الفرق المذكور.
(قيل ) : إن هذا مجرد ادعاء لا يسنده دليل لعدم ثبوت فرق بين البابين من هذه الجهة .
وثانيا: إن المقدار الذي ذكره لا يفسر ما يستفاد في مختتف موارد المادة من الاشتراك أو التكرار أو الامتداد أو نحو ذلك - بل ربما كانت استفادة التعمد احيانا بهذا الاعتبار لأن التكرار ونحوه يناسب التقصد والعمد كما ذكر في النظر الى الأجنبية أن النظرة الأولى تقع لا عن قصد بخلاف النظرة بعد النظرة .
وثالثا: إنه لم يتضح الترابط بين اقتضاء باب المفاعلة للنسبة الى المفعول وبين اقتضائه التعمد فإن ملحوظية تعدي النسبة الى المفعول في هذه الهيئة لا يقتضي كون الفعل قصديا فإن تلك جهة لفظية فحسب كما لا يخفى .
نعم قد تدل الكلمة على التعمد في بعض الموارد لدلالته على السعي نحو المادة - ومصدر هذه الدلالة إنما هو المبدأ الخفي - كما ذكرناه آنفا - دون دلالة الهيئة على التعدية - ولا يلزم تحقق المادة حينئذ أصلا كما في خادعه وقاتله وغالبه وما الى ذلك .
المسلك الثالث : ما عن المحقق الطهراني من أن معنى باب المفاعلة هو معنى المجرد إلأ أن المجرد يدل على أصل حركة المادة فحسب وباب المفاعلة يدل على تلك الحركة بعينها بنحو من الطول والامتداد -وهو الامتداد في نسبتها بين اثنين - فمعنى (هاجر) و(طالب ) و(سافر) و(باعد)
(127 )
اطال الهجرة والطلب والسفر والبعد - وبذلك يفترق عن (هجر وطلب وسفر وبعد) التي تدل على مجرد التلبس بهذه المعاني .
وهذا التفسير:
أولا : يتضمن التناسب بين المبرز والمبرز - أي اللفظ والمعنى -.
وثانيا: إنه لا ينفك عن جميع الموارد المختلفة التي وردت من هذا الباب فهومظرد فيها واظراد المعنى في جميع موارد استعمال اللفظ يؤيد كونه مفهوما له .
أما الأؤل : من التناسب الذاتي بين المبرز والمبرز- فلأن هيئة (فاعل ) تتمتز عن هيثة (فعل )، باضافة الف بين حركتي هيئة المجرد-وهي حركة الفاء والعين - والألف هي نحو اشباع للفتحة واطالة لها فهي تناسب الطول والامتداد بطبيعتها .
وأما الثاني : - من اطراد هذا المعنى في موارد المادة - فتوضيحه :
إن الامتداد في مورد هذه المادة إنما تكون في نسبتها بين اثنين :
أ - فإذا كانت المادة بذاتها مقتضية لامتداد النسبة - كما في المجاروة والمحاذاة ونحوهما حيث إنهالا محالة تقتضي نسبة ممتدة بين طرفيها - فلا تصلح لها هيئة إلاّ هيئة المفاعلة ولذلك تصاغ بها ضمانا لاداء هذا المعنى .
وليس لخصوص كونها بين اثنين على نحو الاشتراك مدخلية كما توهم بعض النحاة فادرجوا بذلك خصوصية مورد الاشتعمال في أصل المعنن المستعمل فيه المنطبق على هذا المورد الخاص . بل معناها هو الامتداد الأعم .
ب - وإذا لم تكن المادة مقتضية لامتداد النسبة بطبيعتها - بان كانت صائحة في نفسها للانتساب الى واحد واثنين كسار وساير وبعد وباعد وطلب وطالب وقبل وقابل ونحو ذلك -: فان معنى الامتداد يقتضي إضافقها الى الغير فاذا لوحظت منضافة إلى الغيرحدثت هناك نسبة ممتدة بين اثنين تنحل
(128 )
إلى نسبتين - كما في القسم الأول -.
ثم في هذه الحالة (تارة) لا يكون الغير الذي وقع طرفا لهذه النسبة الممتدة مفعولا لأصل المادة و(اخرى) يكون مفعولا لها .
ففي الفرض الأول يكون مفاد الهيئة التعدية الى الواحد ان كانت المادة لازمة في المجرد - كجلست اليه وجالسته وبرزت اليه وبارزته - والى الاثنين ان كانت متعدية لواحد - كـ : (جذبت الثوب ) و(جاذبته الثوب ) .
وفي الفرض الثاني : لا يستفاد من الهيئة تعدية جديدة على المجرد، ولكن يتغير نوع التعدية وسنخها - فالتعدي في (ضرب زيد عمرا) عبارة عن صدور الضرب من زيد ووقوعه على عمروواما في (ضارب ) فلا نظر الى جهة الوقوع على المفعول ، لأن نوع تعديه على نسق تعدي (جاور) و(حاذى)، وانما هو ناظر الى انهما طرفا هذه النسبة الممتدة .
وتوضيح ذلك : ان الضرب بلحاظ صدوره من الطرفين تعتبرفيه نسبة ممتدة بينهما هي مدلول هيئة (ضارب ) و(قاتل ) و(جاذب )، وهذه النسبة المخصوصة بحاجة الى مبدأ تصدر عنه يسمى (فاعلا) ومحل تقع عليه يسمى (مفعولا) - فيلاحظ فيها مبدأ صدور النسبة الممتدة ومحل وقوعها بالاعتبارين . وربما يصلح كل من الطرفين لكل من الاعتبارين اذا استويا في استناد الحدث اليهما كما تقول (ضارب زيد عمرا) و(ضارب عمرو زيدا) فتارة يكون زيد مبدأ صدور النسبة وعمرو محل وقوعها - كما في المثال الأول - واخرى يكون الامر بالعكس - كما في الثاني - وليس للبادئ باصل الفعل والسابق فيه بالشروع خصوصية .
فالمفعول في هذا الباب من وقع طرفا للنسبة الممتدة لا من وقع عليه اصل المادة -كما في المجرد - ولذا ينفك احد الامرين عن الأخر كما في (جاذب زيد عمرو الثوب ) فان ما وقع عليه اصل المادة هو الثوب فهو
(129 )
المجذوب ، ومن وقعت عليه النسبة الممتدة هو (عمرو) واذا اجتمع الامران - اي كان المفعول طرفا للنسبة الممتدة ومحلا لوقوع اصل المادة - كما في (عمرو) في مثال (ضارب زيد عمرا) فانهما يختلفان بالاعتبار، فعمرو مفعول لضارب من حيث انه مضارب لا من حيث انه مضروب كما في المجردّ.
هذا تقرير هذا المسلك .
(لكن ) يلاحظ عليه - انه رغم قربه من جهة ضمانه التناسب بين المبرز والمبرز وقدرته على تفسير بعض موارد المادّة - الا ان ما ذكر في موارد الاشتراك من تصوير الامتداد بلحاظ نسبة منتزعة من النسبتين الموجودتين بين الشخصين اللذين وقعت المادة في كل منهما - رغم اختلاف النسبتين من الأطراف - لا يخلو عن تكلف وبعد ظاهر.
وعلى هذا فلا يمكن قبول كون هذا المعنى هو المعنى الوجداني العام للهيئة.
واما التناسب المذكور فهو وان صح - الا ان مجرد التناسب الذاتي لا يحسم الامر في الدلالات اللغوية، بل لا بد من تحقيق الموضوع باستقراء الامثلة والموارد وملاحظة مدى توافقها مع هذا التناسب واعتباره في مرحلة الوضع .
المسلك الرابع : ماهو المختار . وبيانه بحاجة الى ذكر مقدمة هي :
ان الدلالات التي تنضم الى اصل المادة في مدلول الكلمة في باب المفاعلة ليست جميعها مستندة الى هيئة هذا الباب ، كما كان هو الانطباع السائد لدى اللغويين وكثيرمن الاصوليين - بل هي على قسمين : - فمنها ما يستند الى الهبئة .
ومنها: ما يستند الى المبدأ الخفي الملحوظ في بعض موارد الباب .

(130 )
وهذا الامر لا يختص بهذا الباب بل هو امر سار في اكثر الهيئات ان لم نقل جميعها، فكثيرا ما نرى ان هناك معنى اومعان تظهر في بعض المواد مع أنها لا تنشأ عن المادة ولا عن الهيئة وانما مصدرها المبدأ الخفي للكلمة .
وقد سبق ان اوضحنا هذه الفكرة وبعض الأمثلة لها في ابطال المسلك الاول ، وبينا انه كيف يتدخل المبدأ الخفي في ايجاد معان غريبة عن المادة في وصفي الفاعل والمفعول ، من الاقتضاء والحرفة والمض وغير ذلك رغم وحدة مفاد الهيئة فيهما بحسب الوجدان اللغوي .
ففي باب المفاعلة ايضا يستند قسم من الدلالات المتفرقة الى المبدأ الخفي كالسعي الى الفعل والغلبة والفخرونحوذلك ، مما يظهر بالتتبع.
وقد اوجبت الغفلة عن هذا المبدأ - بعض الاقتراحات في مفاد الهيئة كالمسلك ا لأؤل .
(نعم ) : بعض آخر من الدلالات يستند الى الهيئة وهذا هو المقصود تحليله في هذا البحث .
وبعد اتضاح هذه المقدمة نقول :
ان الظاهر بملاحظة الموارد المختلفة للهيئة ان هذه الهيئة تدذ على نسبة مستتبعة لنسبة اخرى بالفعل أو بالقوة، وذلك مما يختلف بحسب اختلاف الموارد (فتارة) تكون النسبة الاخرى - كالأول - صادرة من نفس هذا الفاعل بالنسبة الى نفس الشيء . و(اخرى) تكون احداهما صادرة من الفاعل والاخرى من المفعول - كما في (ضارب ) فيعبر عن المعنى حينئذ بالمشاركة .
وفي الحالة الأولى : قد يكون تعدد المعنى من قبيل الكم المنفصل فيعبر عنه بالمبالغة - كما ذكر في كلام المحقق الرضي (قده )(1) أو يعبر عنه
____________
(1) شرح الشافية ط الحجر ص 28 .

(131 )
بالامتداد - اذا لم يكن التعدد واضحا كما فسر لفظ المطالعة في بعض الكتب اللغوية كالمنجد - بادامة الاستطلاع مع انه استطلاعات متعددة في الحقيقة وقد يكون المعنى من قبيل الكم المتصل فيكون تكرره بلحاظ انحلاله الى افراد متتالية كما في . (سافر) ونحوه وحينئذ يعبر عنه بالامتداد والطول . ولازمه التعمد والقصد في بعض الموارد نحو تابع وواصل كما مرآنفا .
ولا يرد على ما ذكرنا ما اورده المحقق الاصفهاني على القول بدلالة الهيئة على المشاركة، من انه لا يمكن ان يكون المدلول الواحد محتويا لنسبتين (1) لان المدلول المطابقي على ما ذكرنا نسبة واحدة لكنها مقيدة بان تتبعها نسبة أخرى على نحو دخول التقيد وخروج القيد .
وعلى ضوء ذلك يمكن القول بان الضرار يفترق عن الضرر بلحاظ انه يعني تكرر صدور المعنى عن الفاعل أو استمراره . وبهذه العناية أطلق النبي صلى الله عليه وآله على سمرة انه مضار لتكرر دخوله في دار الانصاري دون استيذان .
وبما ذكرناه يظهر النظر فيما سبق في أول هذا الفصل عن بعض اللغويين في تفسير الضرار في الحديث - مقارنة بين مدلوله ومدلول الضرر- بعدة تفسيرات .
احدها : ان الضرر هو فعل الواحد والضرار فعل الاثنين .
وقد سبق عدم تمامية هذا الوجه لان ضرارا لا يدل على المشاركة .
الوجه الثاني : ان الضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه .
والظاهر ان هذا التفسير لا يبتني على دعوى فهم الابتداء والجزاء من
____________
(1) لاحظ نهاية الدراية 2 : 317 ـ 318 .

(132 )
مادة الكلمتين أو هيئتهما، لوضوح عدم افادة شيء منهما لذلك ، وانما هو نحو توجيه لمفاد الحديث ومع ذلك فلا قرينة على هذا التحديد لمدلول المادة في الحديث .
الوجه الثالث : ان الضرر ما تضر به وتنتفع به أنت والضرار ان تضره من غيران تنتفع به .
وهذا الوجه ايضا ليس مبنيا ظاهرا على دعوى دلالة المادة أو الهيئة على هذا التحديد، وانما يبتنى على جهة اخرى وهي قيام قرينة خارجية على ذلك من قبيل بعض موارد تطبيق هذه الكبرى .
لكن لم تثبت القرينة المذكورة على هذا التحديد .
الوجه الرابع : ان يكون الضرار بمعنى الضرر بعينه وعلى ذلك يبتني ما ذكر من ان (لا ضرار) انما هو لمجرد التاكيد .
ووجه هذا الاعتقاد : تصوّر ان باب المفاعلة من مادة (الضرار) انما هو بمعنى المجرد منها -كما ذكروا ذلك في مواد اخرى- بناء على مبناهم من تعدد معنى هيئة المفاعلة على ما تقدم . وقد صرح بذلك في بعض كلماتهم ففي لسان العرب مثلا (ضره يضره ضرا وضر به وأضر به وضاره مضارة وضرارا - بمعنى ) (1 ) .
لكن اتضح مما ذكرناه في معنى الهيئة فيهما وجود الفرق بين معناهما فالضرر معنى اسم مصدري ماخوذ من المجرد، والضرار مصدر يدل على نسبة صدورية مستتبعة لنسبة أخرى ، ولذلك ذكر المحقق الرضي (قده ) ، ان الصيغة تفيد معنى المبالغة، واوضحنا في المسلك المختار ان افادة معنى المبالغة انما هي باعتبار الدلالة على تكرر النسبة أو استمرارها .
هذا ما يتعلق
____________
(1) ط بيروت 5 5 9 1 هـ 1375 هـ 4 | 482 .

(133 )
بمفاد هيئة (ضرار) .
واما الاضرار- الوارد في نسخة اخرى في الجملة الثانية للحديث بدلا عن (ضرار) فقد ذكر انه بمعنى المجرد .
وهوأحد معاني هذا الباب في علم الصرف كقال وأقال (1) ولكن أفاد المحقق الرضي في شرح الشافية ان ذلك تسامح منهم وان المقصود افادته التاكيد والمبالغة(2) كما أن ما ذكر في علم الصرف لهذه الهيئة من المعاني الكثيرة إنما ينشأ أكثرها عن المبدأ الخفي للكلمة على نسق ما اوضحناه في باب المفاعلة .
واما تحديد المفاد الحقيقي لنفس الهيئة ففيه وجوه واحتمالات .
لكن لا يهمنا تحقيق الحال فيها في المقام بعد عدم ثبوت هذه الصيغة في الحديث على ما اوضحناه في الفصل الأؤل .
المقام الثالث : في مفاد الهيئة التركيبية .
وهذا البحث هو اهم الأبحاث في الموضوع - اذ هوالمقصد الأصلي - وقد اشترك فيه اللغويون وفقهاء الفريقين ، الا ان العمدة ما طرحه المتاخرون من فقهائنا . ويلاحظ عليهم ان المسالك المطروحة عندهم في تفسير الحديث غالبا لم تفرق بين المفاد التركيبي للجملتين (لا ضرر- ولا ضرار) - مع أن بينهما فرقا واضحأ على المختار .
ونحن نتعرض للوجه المختار في كيفية تفسيرالحديث وتحقيق معناه ، ثم نتعرض لسائر المسالك التي طرحت في ذلك فهنا بحثان :
____________
(1)لاحظ الشافية وشرحها للرضي ط الحجري ص 24، 26 وغيرهما .
(2) لاحظ شرح الشافية ط الحجر ص 26 .