إنّ الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الاَرض وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون عليَّ من معالجة الاغلال في جهنّم » (1).
ومن وصيته عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية : « ... وكن آخذ الناس بما تأمر به، وأكفّ الناس عمّا تنهى عنه، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، فإنّ استتمام الامور عند الله تبارك وتعالى الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر » (2).
وحينما وجد الاِمام الحسين عليه السلام أنّ المنكر قد استحوذ على الحاكم وعلى أجهزته الحكومية ، وتفشى في الاُمّة ، بتحريف المفاهيم وتغيير معالم الدين ، وارتكاب الموبقات بشكل علني دون مراعاة للحرمات والمقدسات ، قام باداء مسؤوليته في أعلى مراتبها ، وهي القيام بالسيف لاَنّه الاُسلوب الاَمثل للحفاظ على مفاهيم وقيم الرسالة الاِسلامية .
وقد أعلن عن أهداف ثورته في وصيته الخالدة : « ... وانّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب النجاح والصلاح في أُمّة جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أبي علي بن أبي طالب... » (3).
وفي جميع مراحل تحركه كان يدعو إلى أداء الواجب في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقد خطب في جيش الحرّ بن يزيد الرياحي قائلاً : « أيُّها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : من رأى سلطاناً جائراً
____________
1) وقعة صفين : 474 .
2) من لا يحضره الفقيه 4 : 387 / 5834 .
3) الفتوح 5 : 33 .

( 27 )

مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد الله بالاَثم والعدوان ، فلم يغيّر ما عليه بفعلٍ ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله » (1) .
وكان بقية الاَئمة عليهم السلام يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر مستخدمين مختلف الاَساليب في اصلاح الاُمّة وتغييرها ، بنشر الاَحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبنشر العلم ، وباقامة المناظرات مع التيارات المنحرفة ، وببناء الكتلة الصالحة لتوسيع دائرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . وقد تعرضوا لشتى ألوان الاَذى والمضايقة والاعتقال ثم القتل الهادئ عن طريق السم ؛ لاَنّ حكّام زمانهم لا يروق لهم أن يقوم أحد بمهمة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان كانت بالقول فقط .

شروط الوجوب :

يختلف الناس فيما بينهم من حيث الطاقات والامكانيات البدنية والعقلية والروحية ، وفي ضوء ذلك يختلفون في مراتب التكليف والمسؤولية التي تتناسب طردياً مع الطاقات والامكانيات .
ومن هنا فوجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتعيّن على القادرين على القيام به وادائه بالصورة التي تحقق الهدف المناط به ، ومن شروط الوجوب :
أولاً : العلم بالمعروف وبالمنكر : يجب الاَمر بالمعروف والنهي عن
____________
1) الكامل في التاريخ 4 : 48 .

( 28 )

المنكر على العالم بهما ، الذي يعرف مصاديقهما ومواردهما ، وقادر على التشخيص والتمييز بين الاَقوال والافعال والممارسات السلوكية ، ويتناسب الوجوب مع درجة العلم والاطلاع ، فوجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون آكداً على الفقيه ثم المتفقه في الدين .
سُئل الاِمام جعفر الصادق عليه السلام عن الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الاُمّة جميعاً ؟ فقال : « لا ، فقيل له : ولِمَ ؟ قال : إنّما هو على القوي المطاع ، العالم بالمعروف من المنكر ، لا على الضعيف الذي لايهتدي سبيلاً إلى أي من أي يقول من الحق إلى الباطل ، والدليل على ذلك كتاب الله عزَّ وجلَّ قوله : ( وَلتكُن مِّنكُم أُمّةٌ يَدعُونَ إلى الخَيرِ ويأمُرُونَ بالمعرُوفِ وَيَنهونَ عَنِ المُنكَرِ ) (1)، فهذا خاص غير عام .
كما قال الله عزَّ وجلَّ : ( وَمِن قَومِ مُوسى أُمّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ )(2) ، ولم يقل : على أُمّة موسى ولا على كل قومه ، وهم يومئذٍ أمم مختلفة... » (3) .
ثانياً : القدرة على التأثير : يجب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر على من له القدرة على التأثير، بان يكون قوي النفس قوي الارادة ، قويّ البيان ، له اطلاع كامل على مستويات الناس وطاقاتهم العقلية والنفسية ، ويستطيع الصمود أمام العقبات والتعقيدات التي تواجهه ، وله قوة في شخصيته يستطيع من خلالها التأثير على الآخرين ، بالقول والفعل ،
____________
1) سورة آل عمران : 3 / 104 .
2) سورة الاَعراف 7 / 159 .
3) الكافي 5 : 59 ـ 60 .

( 29 )

وبالايحاء والتلقين .
لذا نجد ان على رأس الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم الاَنبياء والاَوصياء والاَئمة والفقهاء ، ومن له سلطة روحية أو سياسية أو له مكانة اجتماعية مرموقة .
ومن مصاديق القدرة هي القدرة البدنية في خصوص مرتبة استخدام القوة ، فالمريض والعاجز والضعيف لا يتعيّن عليه العمل المتوقف على القوة .
وعليه فالاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجبان باللسان واليد (إذا تمكن المكلف من ذلك) (1).
ثالثاً : القطع بالتأثير أو احتماله : إذا نظرنا إلى طبيعة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجده تكليفاً ليس بالهيّن ولا باليسير ؛ لاَنّه يصطدم بشهوات الناس ونزواتهم ، ويصطدم بمصالح البعض ومنافعهم الذاتية الضيقة ، ويصطدم بالغرور والكبرياء اللذين تحملهما النفس الانسانية .
والناس يختلفون فيما بينهم تجاه المعروف والمنكر ، فالبعض يبحث عن الاستقامة في العقيدة والسلوك ، فهو يتأثر بما يقال له وبما يؤمر به أو ينهى عنه ، والبعض مكابر لا يذعن للحجّة وإن قطع بها ، والبعض منغمس في الانحراف ، ويبغض الاستقامة ، والبعض قد آنس بالانحراف العقائدي والسلوكي حتى أصبح جزءاً من كيانه ؛ يجد فيه تحقيقاً لمصالحه ورغباته ويرفض من يعارضها ويخالفها .
____________
1) النهاية : 299 .

( 30 )

ومن هنا يكون الوجوب مختصاً بمن يقطع أو يحتمل تأثير أمره ونهيه على المقابل .
قال الاِمام جعفر الصادق عليه السلام : « إنّما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتّعظ أو جاهل فيتعلم ، وأمّا صاحب سوط أو سيف فلا » (1).
فإذا وجد المكلّف مؤمناً أو جاهلاً يبحث عن الحقيقة فيجب عليه الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أمّا المكابر الذي لا يروم الاستقامة في العقيدة والسلوك ، فلا يجب على المكلّف ان يأمره وينهاه ، ما دام غالقاً لمنافذ الهداية في فكره وعاطفته وسلوكه .
وسُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حديث : « إنّ أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمامٍ جائر ما معناه ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلاّ فلا » (2).
وقد قامت سيرة المعصومين عليهم السلام على هذه القاعدة ، فأمير المؤمنين عليه السلام أكثر من نصحه لعثمان بن عفان ، وكان يأمره بالمعروف وينهاه عن الممارسات التي يمارسها مع المسلمين خلافاً لسُنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتعيينه الولاة الجائرين والفاسقين ، وكان يحذّره من مروان وأمثاله، ولكنّه حينما يئس من اصلاح وتغيير ممارساته قال له : ما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك » (3).
رابعاً : الاَمن من الضرر : إنّ مهمة الدعوة الاِسلامية المتجسدة بالاَمر
____________
1) الكافي 5 : 60 .
2) الكافي 5 : 60 .
3) الكامل في التاريخ 3 : 165 ـ 166 .

( 31 )

بالمعروف والنهي عن المنكر دعوة شاقة تواجه اصنافاً من الناس يختلفون في الاستجابة ، فمنهم من يتفاعل معها ليغيّر مفاهيمه وقيمه وممارساته في ضوء ما يؤمر به ويُنهى عنه ، ومنهم من تصدّه شهواته ونوازعه عنها ، فيعرض عنها معانداً لا ينفتح قلبه لدلائل الهدى ، مصراً على انحرافه الفكري والعقائدي يقابل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بسخرية واستهزاء أو بالاعراض وعدم الاستماع .
ومنهم من يترقى به العناد والغرور والكبرياء إلى المواجهة العنيفة ، ويعمل على الحاق الاذى بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، وقد يصل الاذى إلى مرحلة الجرح أو التعويق أو القتل ، ففي مثل هذه الحالة فان الاِنسان يسقط عنه وجوب الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لاَنّه مشروط بالاَمن من الضرر سواء على نفسه أو على غيره .
قال الامام الصادق عليه السلام : « والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على من أمكنه ذلك ، ولم يخف على نفسه ولا على أصحابه » (1).
وكتب الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام للمأمون حينما سأله أن يكتب له محض الاِسلام : « ... والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان اذا امكن ، ولم يكن خيفة على النفس... » (2).
والضرر المقصود يحدّد من قبل المكلّف نفسه بعد تشخيصه للمصلحة والمفسدة المترتبة على قيامه بالتكليف أو عدمه ، فيقدّم أهون الضررين .
____________
1) الخصال 2 : 609 .
2) عيون أخبار الرضا 2 : 121 ، 125 .

( 32 )

والضرر لا يتحدد بوقت من الاوقات ، قال الشيخ الطوسي : ـ في ذكره لشروط الوجوب ـ : (... وعلم أنّه لا يؤدّي إلى ضررٍ عليه ولا على أحد من المؤمنين لا في الحال ولا في مستقبل الاوقات) (1).

شروط الترك :

شُرِّع الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهداية الناس وارشادهم ، وتغيير المحتوى الداخلي للنفس البشرية وما تحمل من أفكار ومشاعر ؛ لتكون حاكمة على الممارسات العملية من سلوك صالح واخلاق فاضلة وعلاقات حسنة .
والغاية منهما تخليص النفوس من ظلمات الاوهام والانحرافات العقائدية ، وتحريرها من ربقة الشهوات ؛ لتنتصر على الهوى وتتغلب على الشهوة ، عن طريق استحثاث الطاقة الكامنة في كيان الانسان ، وانماء القدرات الممكنة النماء .
كلّ ذلك يتم عن طريق الانذار والايقاظ بالحجة والبرهان والترغيب بالاستقامة والسمو والتكامل ، فإذا أغلق الاِنسان منافذ الهداية في كيانه ، ورفض الاستماع أو التلقي غروراً وكبراً ، ولم يستجب للموعظة المراد منها تطهير القلب وتزكية النفس وتحسين الاخلاق ، أو آنس بواقعه العقائدي والسلوكي ، أو كان جاهلاً بما يصلحه جهلاً مركباً مطبقاً على كيانه ، فإذا لم توقظه موحيات الايمان وموجبات الهداية ، ورفضت نفسه الوضيعة السمو إلى الكمال ، فانّ المواعظ والارشادات المصحوبة بعدم الاستجابة ستكون اضاعة للوقت ، وصرفاً للجهد في غير محلّه .
____________
1) النهاية : 299 .

( 33 )

وفي هذه الحالة فإنّ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيكون مخيّراً بين الاستمرار في اداء مسؤوليته ، وبين تركها من تحين الفرص المناسبة لها .
ويمكن تحديد شروط ترك الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنقاط التالية :
أولاً : تجذّر الانحراف : إذا تجذّر الانحراف وأصبح جزءاً من كيان الاِنسان ، ويئس المكلّف من اصلاحه وتغييره ، فيجوز له ترك الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لانّه لا يغيّر من الواقع شيئاً ، بل قد يؤدي إلى نتائج سلبية على المكلّف نفسه .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى اذا رأيت شُحّاً مطاعاً ، وهوىً مُتّبعاً ، ودنياً مؤثرة ، واعجاب كلّ ذي رأي برأيه ، ورأيت أمراً لا يدان لك به ، فعليك خويصة نفسك ، فإنّ من ورائكم أيام الصبر . الصبر فيهنَّ على مثل قبض على الجمر . للعامل فيهنَّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون بمثل عمله » (1).
ثانياً : انحراف الاَكابر : من طبيعة النفس البشرية أنّها تذعن وتخضع للاَكابر والمتنفذين وتقتبس المفاهيم والقيم من الشخصيات البارزة في المجتمع ، والمؤثرة فيه ؛ لامتلاكها خصائص التأثير الذاتية والعملية ، كالملوك والعلماء ورؤساء القبائل والوجودات الاجتماعية ، فإذا انحرف هؤلاء انحرف المجتمع ، وهذه حقيقة ثابتة في جميع المجتمعات .
____________
1 ) سنن ابن ماجة 2 : 1331 / 4014 .

( 34 )

ففي مثل هذه الحالة يتفشى الانحراف ويستشري ويصعب اصلاحه وتغييره ، ولا يكون للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أي تأثير في العقول والنفوس .
وفي مثل هذا الظرف يكون الواجب على كلِّ مؤمن عالمٍ بالمعروف والمنكر أن يحافظ على نفسه بأن يروّضها بالعمل بالمعروف والترك للمنكر حتى لا يؤثّر فيه الجو العام في المجتمع ، وأن يحافظ أيضاً على أهله وذويه ومن يهمّه أمره الذين ينصاعون لاَوامره ونواهيه ، صوناً لهم من الانحراف والانجراف .
ثالثاً : وقوع الفتن : حينما تكون الاهواء حاكمة على الافكار والمواقف دون الرجوع إلى الاُسس الثابتة للمنهج الاسلامي ، وحينما تبتدع الاحكام المخالفة لكتاب الله تعالى ، ويتحكم التعصب بولاء الانسان والمجتمع بعيداً عن أسس الولاء التي حددتها الشريعة الاِسلامية ؛ فان الفتن ستكون هي الظاهرة القائمة المتفشية في المجتمع الاسلامي ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تُتَّبع ، وأحكام تُبتدع ، يُخالف فيها كتاب الله ، ويتولى عليها رجالٌ رجالاً ، على غير دين الله... » (1).
وإذا وقعت الفتن فسيعيش المجتمع ظاهرة الاضطراب الفكري والنفسي والسلوكي بتبادل النظرة السلبية ، والموقف المتشنج ، ويدخل في صراع دائم مستمر بتبادل الاتهامات ودفعها ، ويصبح النبز بالكفر والانحراف والفسق هو الحاكم على العلاقات دون الاستناد إلى الاُصول الواضحة للمنهج الاِسلامي .
____________
1) نهج البلاغة : 88 ، الخطبة / 50 .

( 35 )

ويدفع التعصب أفراد المجتمع إلى اتخاذ المواقف تبعاً للمتعصّبين له، ويختلط الحق بالباطل ، وتلتبس المفاهيم والقيم على الناس ، فيندفعون دون روية ودون بحث عن الحقيقة أو رغبة في المعرفة ، ويتخلل اندفاعهم جدال لا ينتهي إلى شيء ، تصحبه المواقف المتشنجة من اتهامات وتعيير وتحقير ، فتعمى بصائر المتعصّبين وتنغلق منافذ الهدى في عقولهم ونفوسهم ومواقفهم ، ففي مثل هذه الحالة لا تنفع معهم المواعظ والارشادات والنصائح ، ولا يدركون الخطر المحدق بهم ، بل يحسبون انهم يحسنون صنعاً ، فاذا أغلقوا قلوبهم وانفصلوا عن مصدر الاشعاع الفكري والسلوكي ، فلا يجب على المكلفين حينئذٍ القيام بدورهم في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهم يرون المجتمع يعيش في غبش الاوهام وضباب الاهواء ، واضطراب الولاء القائم على اساس التعصب للاشخاص .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ستكون فتن لا يستطيع المؤمن أن يغيّر فيها بيد ولا لسان » ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « وفيهم يومئذٍ مؤمنون » ، قال : نعم .
قال عليه السلام : « فينقص ذلك من ايمانهم شيئاً ؟ » .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « لا ، الاّ كما ينقص القطر من الصفا ، أنهم يكرهونه بقلوبهم » (1) .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم ، وخفت أماناتهم ، وكانوا هكذا ـ وشبك بين أنامله ـ فالزم
____________
1) مستدرك الوسائل 12 : 19 .

( 36 )

بيتك ، وأملك عليك لسانك ، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر ، وعليك بخاصة أمر نفسك ، ودع عنك أمر العامّة » (1).
والفتن المقصودة هي التي تقع بين أهل الضلال ، وإلاّ فالذي يقع بين أهل الحق وأهل الباطل لا يسمى فتنة بالمعنى الحقيقي ؛ لاَنّ الموقف واضح لا شبهة فيه ، ويستطيع الاِنسان ان يشخّص موقفه من الرجال ومن الوجودات ومن الاحداث ، ويجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر لارجاع المخالفين إلى المنهج السليم والموقف الصحيح .

المبحث الثاني
أهمية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر

جاء الاِسلام من أجل هداية المجتمع الاِنساني ، وايصاله إلى قمّة التكامل والسمو والارتقاء ؛ بتقرير المنهج الالهي في واقع الحياة ، وجعله الحاكم على أفكار الناس ، ومشاعرهم ، ومواقفهم ، لتتحول الافكار والتصورات والمفاهيم إلى صور متجسدة في الواقع ، ذات معالم ومواقف منظورة ومحسوسة .
ولا تتحقق هذه الهداية بمجرد نزول المفاهيم والقيم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقم بتبليغها للناس ومتابعة تطبيقها وتجسيدها في الواقع ، وخير وسيلة للتطبيق العملي هو الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لذا جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأمر من الله تعالى اثني عشر إماماً عِدلاً للقرآن ، وهم القرآن
____________
1) الفتح الكبير 1 : 112 .

( 37 )

آلقران الناطق الذي يقوم بمهمة التطبيق في الواقع ، وفي جميع مجالات المنهج الالهي العقيدي والسلوكي ، وفي جميع مجالات مقومات الشخصية الانسانية : الفكر والعاطفة والسلوك .
فلاَهمية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والذي هو بحاجة إلى من يتبنّاه ويقوم به ليواصل المسيرة ويحقق البناء والاِصلاح والتغيير الشامل ، لم يترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن وحده بمفاهيمه وقيمه وتشريعاته المجملة والظاهرة والباطنة ـ وهو المرشد الاَول للمعروف والناهي عن المنكر ـ عرضة للاَهواء والتفسير بالرأي.. ، بل ترك بجانبه ثقلاً آخر وهم أهل البيت عليهم السلام للنهوض بمهمة البيان واستمرار أداء الرسالة ، وتوجيه الاُمّة لصالح الاَعمال وردعها عن منكر الفعل والقول .
قال الاِمام محمد الباقر عليه السلام : « إنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الاَنبياء ومنهاج الصالحين ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب ، وتحلّ المكاسب ، وتردّ المظالم ، وتعمّر الاَرض وينتصف من الاعداء ، ويستقيم الاَمر.. » (1).
وتتناسب أهمية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر تناسباً طردياً مع أهمية الاَهداف والغايات التي تتحقق من خلال القيام به ، والتي يمكن اجمالها بما يلي :
أولاً : نشر المفاهيم العقائدية والقيم التشريعية : بالاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يهتدي الانسان إلى الفطرة السليمة ؛ بالايمان بالله تعالى وتوحيده في التصورات والمشاعر والمواقف ، والايمان برسول الله
____________
1) تهذيب الاحكام 6 : 180 .

( 38 )

الله صلى الله عليه وآله وسلم والاقتداء به ، والايمان بإمامة أهل البيت عليهم السلام ، والايمان باليوم الآخر ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ... بعث فيهم رسله ، وواتر اليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول... ولم يخلِ الله سبحانه خلقَهُ من نبي مرسلٍ ، أو كتابٍ مُنزَلٍ ، أو حجّة لازمة ، أو محجّة قائمة... إلى أن بعث الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ... فهداهم به من الضلالة ، وانقذهم بمكانه من الجهالة... » (1).
وبرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهتدي الاِنسان إلى القيم التشريعية ويطّلع على أُسسها وقواعدها ، وبه يزاول الاحكام في واقعه السلوكي ، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : « إنّ الله سبحانه لم يخلقكم عبثاً ، ولم يترككم سُدىً... أنزل عليكم الكتاب تبياناً لكلِّ شيء ، وعمَّرَ فيكم نبيّه أزماناً ، حتى أكمل له ولكم ـ فيما أنزل من كتابه ـ دينه الذي رضي لنفسه ، وأنهى إليكم ـ على لسانه ـ محابَّهُ من الاعمال ومكارهه ، ونواهيه وأوامره ، وألقى إليكم المعذرة ، واتخذّ عليكم الحجّة ، وقدّم اليكم بالوعيد ، وانذركم بين يدي عذاب شديد ، فاستدركوا بقية أيامكم... » (2).
وبالعقيدة والشريعة الالهية تصل الاُمّة إلى التكامل والارتقاء والخير والسعادة ، وهي متوقفة على أداء الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البر والتقوى ، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلّط بعضهم على بعض ، ولم يكن لهم ناصر في الاَرض ولا في
____________
1) نهج البلاغة : 43 ـ 44 ، الخطبة / 1 .
2) نهج البلاغة : 117 ، الخطبة / 86 .

( 39 )

السماء » (1) .
وبالاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتم القضاء على البدع وتحجيم الانحراف العقائدي والتشريعي ، وتثبيت الايمان في القلوب .
ثانياً : اصلاح الاَخلاق : بالاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتهيأ الاجواء الروحية والنفسية للانتصار على الاهواء والشهوات ، والتعالي على أثقال المطامع ؛ لاَنّه يتتبع دخائل النفوس ، وينفذ إليها بالكلمة الطيبة والقول السديد .
فإنّ النفوس تتلقى وتستجيب لمن يريد تربيتها واصلاحها ، وإنّها لتتطلع إلى أفق أرحب واهتمامات أرفع ، وتتوجه إلى الفضائل والمكارم وحسن السيرة إذا ما تمّ تعاهدها بالمعروف ، وإبعادها عن ساحة المنكر .
والاَمر بالمعروف يدفع إلى العمل الصالح بعد التعالي على جميع أغلال الانحراف والفساد ، فيصبح الانحراف والفساد فلتة عارضة وحادثة منقطعة ، تعود إلى الاَصل وهو الاستقامة على المنهج الذي يريده الله تعالى .
عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنّ من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وإنّ من الناس ناساً مفاتيح للشر مغاليق للخير ، فطوبى لمن جعل الله تعالى مفاتيح الخير على يديه ، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه » .
ويعني صلى الله عليه وآله وسلم بذلك : ان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر هو
____________
1) المقنعة : 808 .

( 40 )

مفتاح للخير ومغلاق للشر (1).
والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساعد على العودة إلى الاستقامة بعد الانحراف ، وإلى الاَمل بعد اليأس ، فبه يتم الحث على التوبة والاستغفار ، واستثمار الفرص الجديدة لاصلاح النفس وتهذيب الاَخلاق.
ثالثاً : نصرة المظلومين وردع الظالمين : شُرّع الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر للحفاظ على سلامة العلاقات وعلى الحفاظ على الحرمات ، بالدعوة إلى العدل والرحمة والنهي عن الجور والظلم ، واعطاء كل ذي حقّ حقّه دون اعتداء أو اضطهاد أو استغلال ، فإذا وجد الظالم والجائر من يردعه بقول أو بفعل ؛ فإنّه سيخفف من ممارساته العدوانية أو يتخلّى عنها ، وسيجد الناس إنّ لهم سنداً يدافع عن حقوقهم ، فيعيشون الامن والطمأنينة .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « لا يكوننَّ أفضل ما نلت من دنياك بلوغ لذةٍ وشفاء غيظٍ ، وليكن إحياء حقٍ وإماتة باطل » (2).
وقال عليه السلام : « رحم الله امرءاً أحيى حقاً وأمات باطلاً وأدحض الجور وأقام العدل » (3).
وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلمة العدل عند السلطان الجائر من أفضل الجهاد ؛ لاَنّها وسيلة لردعه ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل الجهاد كلمة عدلٍ عند
____________
1) تنبيه الغافلين : 94 .
2) تصنيف غرر الحكم : 69 .
3) تصنيف غرر الحكم : 69 .

( 41 )

سلطان جائر » (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ، فقتله » (2).
والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر شُرِّع لمصلحة العموم ، وبه ردع للسفهاء لكي لا يتمادوا في سفاهتهم ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « ... والاَمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء » (3).
رابعاً : الحفاظ على عزة المسلمين : الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقرّر مدى تماسك المسلمين وتعاونهم على تكاليف الاِيمان ، ويجعلهم يشعرون جميعاً شعوراً واحداً بضرورة القيام بأعباء الامانة المناطة بهم ، ويثبِّت بعضهم بعضاً فلايتخاذلون ، ويقوّي بعضهم بعضاً فلا يتراجعون أمام المشاق والعقبات، فيتآزرون على ثقل المسؤولية ، ومشقة الطريق ، منطلقين نحو الهدف السامي وراء وجودهم وكيانهم ، ويتناصرون لمواجهة الاخطار والتحديات المحدقة بهم ، ويستصغرون كل قوة ، وكل عقبة ، وكل كيد ، وهم يشعرون بأنّ الله تعالى معهم إن أدّوا مسؤوليتهم في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين ، من نهى عن المنكر أرغم انوف الفاسقين » (4).
____________
1) سنن ابن ماجة 2 : 1329 / 4011 .
2) الترغيب والترهيب 3 : 225 .
3) نهج البلاغة : 512 ، الحكمة / 252 .
4) تصنيف غرر الحكم : 332 .

( 42 )

وبالتعاون على أداء المسؤولية تتحقق العزّة للمؤمنين ، بأن يكونوا أقوياء متماسكين متآزرين ، مرتبطين بمصدر القوة والعزّة وهو الله تعالى .
وإذا تخلّوا عن هذه المسؤولية ، فإنّهم سيعيشون في ذل مستسلمين لغيرهم لا يقوون على النهوض ، ويفقدون مصدر الاسناد كأمر طبيعي لمخالفة أوامره تعالى .
قال الاِمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام : « لتأمرّنَّ بالمعروف ، ولتنهنَّ عن المنكر ، أو ليستعملنَّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم » (1).
ولاَهمية الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر مدح الله تعالى في كتابه العزيز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ـ كما تقدّم ـ وجعله سبباً للفلاح والصلاح .
ولاَهميته أكّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته على فضائله ، وعلى فضائل القائمين به ، وفيما يلي نستعرض جملة من هذه الفضائل :

فضائل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

الاِسلام ليس مجرد تفكير وتدبر ، وليس مجرد خشوع وتذلّل لله تعالى، وليس مجرد التوجه إلى الله تعالى للفوز بالجنان والنجاة من النيران ، بل هو ـ مع ذلك ـ العمل الايجابي الذي ينشأ عن هذا التفكير وعن هذا الخشوع وهذا التوجّه ، ليكون كلُّ ذلك واقعاً حركياً ملموساً ، ولا يتحقق ذلك إلاّ بالاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الذي يهيئ الاَجواء لتحويل النظرية والمفاهيم العقائدية والقيم التشريعية والسلوكية
____________
1) الكافي 5 : 56 .

( 43 )

إلى واقع.
ومن هنا ففضائل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر مساوقة للدور البارز والاِيجابي المهم الذي يقوم به .
ففي وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاَمير المؤمنين عليه السلام قال : « يا عليّ لاَن يهدي الله على يديك نسمة خير ممّا طلعت عليه الشمس » (1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل الاَعمال بعد الصلاة المفروضة ، والزكاة الواجبة ، وحجة الاِسلام ، وصوم شهر رمضان : الجهاد في سبيل الله ، والدعاء إلى دين الله ، والاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر » (2).
وبنحو ذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الاَمر بالمعروف أفضل أعمال الخلق » (3) .
وبما انّ للاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوراً كبيراً في خلق الاَجواء لاقامة الفرائض والسنن بما في ذلك الجهاد ، فقد وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بالقول : « ... وما أعمال البرّ كلّها والجهاد في سبيل الله ، عند الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلاّ كنفثةٍ في بحر لُجِّيّ ، وإنّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرِّبان من أجلٍ ، ولا ينقصان من رزقٍ ، وأفضل من ذلك كلّه كلمة عدلٍ عند امام جائرٍ » (4).
ومن أجل اثبات فضيلته نرى الاِمام الحسين عليه السلام يتوجه إلى العراق تاركاً
____________
1) مجمع البيان في تفسير القرآن 3 : 75 .
2) مسند الامام زيد : 314 .
3) تصنيف غرر الحكم : 331 .
4) نهج البلاغة : 542 ، الحكمة / 374 .

( 44 )

مراسيم الحج ، فيخرج في يوم التروية ؛ ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وبما انّ الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أعمدة الاِسلام ، جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مساوقاً للصلاة ، فقال : « أمرك بالمعروف ، ونهيك عن المنكر صلاة » (1).
ومن الفضائل أنْ جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقة ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : إنَّ اُناساً قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور ـ يعني المال الكثير ـ بالاُجور، يصلّون كما نصلّي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : « أوليس قد جعل الله لكم ما تصدّقون به ؟ إنَّ بكلِّ تسبيحة صدقة ، وبكل تكبيرة صدقة ، وبكل تحميدة صدقة ، وبكلِّ تهليلة صدقة ، وأمرٌ بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة » (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ما تصدّق مؤمن بصدقة أحبُّ إلى الله من موعظة يعظ بها قوماً ؛ يتفرّقون وقد نفعهم الله بها ، وهي أفضل من عبادة سنة » (3).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : ما أهدى المسلم لاَخيه هدية أفضل من كلمة حكمة ؛ تزيده هدى ، أو تردّه عن ردى (4).
وتتجسد فضائل الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن جعله الله تعالى
____________
1) الترغيب والترهيب 3 : 224 .
2) الترغيب والترهيب 2 : 224 .
3) ارشاد القلوب : 13 .
4) ارشاد القلوب : 13 .

( 45 )

باباً إلى الرحمة والفلاح ، وجعل تركه سبباً لنزول العقاب والعذاب في دار الدنيا ، وفي دار الآخرة .

فضائل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر :

تقدمت الآيات القرآنية الدالة على فضل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ـ ضمن أدلة الوجوب ـ فقد وصفتهم بالخيرية والفلاح ، والصلاح ، وأكّد القرآن الكريم على انّ لهم البشرى والرحمة وحسن الثواب .
والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر خليفة الله ورسوله وكتابه كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة رسول الله ، وخليفة كتابه » (1).
ولا أعظم من مقام الخلافة بالنسبة للانسان ، فهو محور التكريم والرحمة .
وهو خير الناس لقيامه بحمل الدعوة والانطلاق بها في واقع الحياة من أجل تقريرها وتحكيمها في العقول والقلوب والارادة .
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو على المنبر ـ فقال : يا رسول الله من خير الناس ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : « خير الناس أتقاهم للربِّ عزَّ وجلَّ ، وأوصلهم للرحم ، وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر » (2).
وذُكر عنده صلى الله عليه وآله وسلم رجلان ، كان أحدهما يصلي المكتوبة ، ويجلس
____________
1) الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 586 .
2) الترغيب والترهيب 3 : 230 .

( 46 )

فيعلّم الناس الخير ، وكان الآخر يصوم النهار ، ويقوم الليل ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « فضل الاَول على الثاني كفضلي على الاَنام... » (1).
وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآمر بالمعروف كفاعل المعروف في الاَجر فقال : « الآمر بالمعروف كفاعله » (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « من أمر بمعروف أو نهى عن منكر ، أو دلّ على خير ، أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء ، أو دلّ عليه ، أو أشار به ، فهو شريك » (3) .
وللناهين عن المنكر أجر الاوائل كعمّار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والمقداد ، وأبي ذر الغفاري ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ من أمتي قوماً يعطون مثل أجور أولهم ينكرون المنكر » (4).
وجعل أمير المؤمنين عليه السلام من يقوم بهذه المهمة في عداد الاتقياء الذين ذكرهم عليه السلام في احدى كلماته وعدد صفاتهم بقوله : « ... يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لا يدخل في الباطل ، ولا يخرج من الحقّ » (5) .
وللآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر منازل ومقامات عالية في يوم القيامة تجعلهم موضع غبطة من قبل الاَنبياء والشهداء ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا أخبركم بأقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء ؟ يغبطهم يوم »
____________
1) ارشاد القلوب : 13 .
2) كنز العمّال 3 : 73 .
3) الخصال 1 : 138 .
4) مجمع الزوائد 7 : 271 .
5) مكارم الاخلاق : 477 .

( 47 )

القيامة الاَنبياء والشهداء بمنازلهم من الله ، على منابر من نور يعرفون » .
قالوا : من هم يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : « الذين يحببون عباد الله إلى الله، ويحببون الله إلى عباده ، ويمشون على الاَرض نصحاء » .
ثم وضّح صلى الله عليه وآله وسلم كيفية تحبيب عباد الله إلى الله فقال : « يأمرونهم بما يحبّ الله ، وينهونهم عمّا يكره الله ، فإذا أطاعوهم أحبّهم الله عزَّ وجلَّ » (1).
وجعل صلى الله عليه وآله وسلم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بمنزلة الشهيد فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « ... والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد » (2).
____________
1) كنز العمال 3 : 685 .
2) مسند الامام زيد : 316 .