ومنها: ما جاء في باب الزكاة قال: وإني أروي عن أبي العالم في تقديم الزكاة وتأخيرها أربعة أشهر أو ستة أشهر (1).
ومنها: ما جاء في باب الصوم قال: وأما صوم السفر والمرض، فإن العامة اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لا يصوم ـ إلى أن قال ـ فأما نحن نقول: يفطر في الحالتين (2).
فأن قوله: ونحن نقول، دال على أنه ممن قوله حجّة.
ومنها: ما ذكره في باب الربا والدين والعينة، بعد رواية متضمنة لجواز بيع حبة لؤلؤ تقوم بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو بعشرين ألفاً: وقد أمرني أبي ففعلت مثل هذا (3).
والتقريب ما مر.
ومنها: ما في باب البدع والضلالة، قال في آخره: وأروي عن العالم وسألته عن شيء من الصفات... وقال في آخره أيضاً: وأمّا عيون البشر فلا تلحقه، لأنه لا يحد فلا يوصف، هذا ما نحن عليه كلنا (4).
قال النراقي: وظاهر أن هذه العبارات منها ما ينافي كون الكتاب من ابن بابويه وأمثاله من العلماء (5)...
ومنها: ما قال في آخر باب النوادر: وأروي أن رجلاً سأله ـ أي العالم ( عليه السلام ) ـ عما يجمع به خير الدنيا والآخرة قال: لا تكذب (6).
وسألني رجل سني عن ذلك، فقلت: خالف نفسك.
وقوله: أروي ورد في أكثر من 80 مورداً.
وقوله: نروي في أكثر من 90 مورداً.
____________
(1) الفقه المنسوب: 197.
(2) الفقه المنسوب: 202.
(3) الفقه المنسوب: 258.
(4) الفقه المنسوب: 384.
(5) عوائد الأيام: 252.
(6) الفقه المنسوب: 390.

( 23 )

وورد قوله: يروي في موارد عدة
فهذه الأقوال كما ترى:
منها ما هو ظاهر في كون القائل إماماً معصوماً.
ومنها ما هو صريح في كونه مدركاً للإمام الكاظم ( عليه السلام ).
ومنها ما هو صريح في كونه ابنه.
ومنها ما هو صريح في كونه من أولاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
وجميع ذلك شهادات ودلالات على أنه ليس مؤلفاً لأحد العلماء، بل هو منسوب إلى الامام.
وأما كونه ربما يحتمل الصدق فظاهر، إذ لا وجه لعدم احتماله، ولا أمارة على كذبه.
وأما توهمه من جهة عدم تداوله بين العلماء المتأخرين، فهو وَهْم فاسد، لما نشاهد مثله في الأصول الأربعمائة وأمثالها، المتروكة بين العلماء لأجل ذكر ما فيها في كتب أحاديث أصحابنا...

* * *

اذهب النافون الى ان:
كثيراً من أحكام ذلك الكتاب مما خالف جملة من ضروريات المذهب وقطعيّاته، و جملة منها مما لا يناسب شيئا من قواعد مذهبنا، ولا شيئا من قواعد المخالفين، وكثير منها مما لا يساعد ما عليه معظم أصحابنا، ولا ما انعقد عليه إجماعهم في سائر الأعصار والأمصار.
واشتماله على نقل أخبار متعارضة في موارد عديدة، من غير إشارة إلى طريق الجمع بينها، ولا إلى ما هو الحق منها والصواب، ولا أنه مما يجوز الأخذ بكل منهما من باب التسليم، فيستفاد منه قاعدة كلية أفيد من بيان ما هو المعتبر في خصوص الواقعة (1).
ومن الأمور التي تنفي نسبته الى الرضا ( عليه السلام ):
1 ـ من البعيد جداً أن يختفي هذا الفقه، ـ لو صحت نسبته إلى الإمام الرضا
____________
(1) الفصول: 313.
( 24 )

( عليه السلام ) ـ حدود ألف عام.
فلو كان هذا الكتاب من تأليف الإمام الرضا، لما خفي على الأئمة الأربعة الذين كانوا بعده.
ومن الظاهر أنهم لم يكونوا ليخفوا ذلك عن شيعتهم ومواليهم ـ ولاسيما عن خواصهم ومعتمديهم ـ كما أخبروهم بكتاب علي وصحيفة فاطمة ونظائرهما، ولو كانوا مطلعين عليه لكانوا يصرحون به في كثير من أخبارهم.
ولو كان واقعاً لاشتهر بين القدماء، كالرسالة الذهبية المنسوبة للإمام الرضا ( عليه السلام ) ولكان أولى بالإشتهار بين الخاص والعام، لأن هذه الرسالة تزيد على الرسالة الذهبية وتشمل على أكثر مهمات أحكام الفقه (1).
مع انهم ـ رحمهم الله ـ لم يألوا جهداً في نقل آثار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) والحفاظ عليها، فهذه رسالة علي بن جعفر، والتفسير المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) برواية النعماني، والصحيفة السجادية الكاملة. ودعاء الصباح
ويؤيد القول بمحافظة الأصحاب على آثار الأئمة ( عليهم السلام ) ما ذكره العلامة الكبير الشيخ آغا بزرك ـ رحمه الله ـ في الذريعة عن دعاء الصباح حيث قال:
صحح الدعاء وقابله السيد جليل المدرس الطارمي في طهران مع نسخة كانت في خزانة السلطان ناصرالدين شاه، وهي بالخط الكوفي المكتوب في آخر الدعاء ما لفظه: كتبه علي بن أبي طالب في آخر نهار الخميس حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وعشرين من الهجرة (2).
فلو كان للإمام ( عليه السلام ) لاشتهر بين الأعلام الماضين اشتهاراً عظيماً، ولا طلع عليه قدماء الأصحاب من الذين جمعوا الأخبار، ونقبوا عنها في البلاد، وبالغوا في إظهار آثار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ولبذلوا جهدهم في حفظه وإيصاله إلى من بعدهم.
ولما خفي على أكابر محدثي أصحابنا الذين أدركوا عصره ـ أو قاربوه ـ
____________
(1) رسالة الخونساري: 10.
(2) الذريعة 8: 191.

( 25 )

كالفضل بن شاذان، ويونس بن عبدالرحمن، وأحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد بن أبي عبدالله البرقي، وإبراهيم بن هاشم، ومحمد بن أحمد بن يحيى ـ صاحب نوادر الحكمة ـ ومحمد بن الحسن الصفار، وعبدالله بن جعفر الحميري، وأضرابهم.
ولوصل منه ـ ولو القليل ـ إلى المحمدين الثلاثة ـ مصنفي الكتب الأربعة ـ المشتملة على أكثر ما ورد عنهم ( عليهم السلام ) في الأحكام (1).
وأولاهم به الصدوق الذي مر ذكره.
ومن البعيد جداً أن تكون التقية مانعة من ظهور هذا الكتاب، لأن الإمام كان في عصر المأمون في حرية من نشر أفكاره ـ نوعاً ما ـ، وخصوصاً في مناظراته مع علماء الأمصار، علماً بأن قم كانت آنذاك منبع الشيعة، وفيها علماء عظام يظهرون رأيهم في كل صغيرة وكبيرة.
فلا يعقل أن يكون إخفاؤه من باب التقية، فتأمل.
بعكس عصر الأئمة الذين سبقوه في الدولة الأموية، وردحاً من زمان العباسيين (2).
2 ـ كلام الأئمة ( عليهم السلام ) وهم شجرة النبوة، وحملة الرسالة، وأعدال القرآن،..
الأئمة ( عليهم السلام ) بما لهم من العلم الكامل والبيان التام، وبما وصلنا من آثارهم، في حديثهم و أدعيتهم ومناظراتهم ووصاياهم وخطبهم، في أعلى درجات الفصاحة والبلاغة، وما نهج البلاغة والصحيفة السجادية عنا ببعيد.
فالمتتبع لكلام شخص بحيث عرف أن ديدنه في النقل قد استقر على أن يتكلم على نهج خاص وطريقة معهودة، ثم وقف على كتاب منسوب إليه، أو جاءه أحد بخبر منه، وكانت عبائر هذا الكتاب أو ذلك الخبر على منهج آخر وأسلوب مخالف لطريقته في سائر كلماته، اتضح له أن هذا لم يصدر في هذا الشخص، ورده أشد الرد، وهذا أمر معروف بين العقلاء، وقاطبة أولي العرف، ويعبر عنه بالأستقراء...
فلم يعهد عنهم ( عليهم السلام )، ولم يوجد في شيء من أخبارهم التي بين أيدينا رووا بألفاظ تبعدها عن درجة المراسيل المعتبرة، كألفاظ: روي ويروى وأروي
____________
(1) رسالة الخوانساري: 9.
(2) رسالة الخوانساري: 12.

( 26 )

ونروي وقيل ونظائرها مما في معناها، ولا يخفى على من تتبع الأخبار، ولاحظ سياق كلمات الأئمة الأطهار، وخصوص ما صدر عن مولانا الرضا ( عليه السلام ) ومن تقدمه، أن أمثال ذلك لا تكون صادرة عنهم وما ينبغي لهم (1).
فأكثر عبارات الكتاب المذكور، مما لا يشبه عبارة الإمام، كما لا يخفى، لمن تأملها.
فالكثير من مطالبه وأحكامه رواها مؤلفه من غيره، ممّا عبر فيها عن قائلها ببعض العلماء أو العالم المطلق.
ففي أوله بعد أسطر ثلاثة: ونروي عن بعض العلماء أنه قال في تفسير هذه الآية ( هل جزاء الاحسان إلا الإحسان ) قال: ما جزاء من أنعم الله عليه بالمعرفة إلاّ الجنّة (2).
وبعد سطرين: أن بعض العلماء سئل عن المعرفة، وهل للعباد فيها صنع؟ فقال: لا (3).
وفي موضع آخر منه: روي عن العالم، أو روي عن العالم، أو سئل عن العالم، أو سألت العالم (4).
وقال المحقق صاحب الفصول: وهذا ما لم يعهد في كلامه ( عليه السلام ) في غير الكتاب المذكور، ولا في كلام غيره من سائر الأئمة (5).
وقال المحدث النوري:
فتعبير مولانا الرضا ( عليه السلام ) في خصوص كتاب من كتبه ـ دون سائر ما وصل إلينا من أخباره ـ عن بعض آبائه ( عليهم السلام ) ببعض العلماء أو العالم في غاية البعد، ويؤيده ما وقع في هذا الكتاب من التعبير عن آبائه من رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) إلى سيدنا موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بأساميهم وكناهم الشريفة، ويظهر لك أن
____________
(1) مستدرك الوسائل 3: 349.
(2) الفقه المنسوب: 65.
(3) الفقه المنسوب:66.
(4) مستدرك الوسائل 3: 349.
(5) الفصول: 312.

( 27 )

احتمال وقوع ذلك اللقب في ذلك الكتاب على سبيل التقية في غاية البعد (1).
والمتتبع لكلامهم ( عليهم السلام ) يرى أن هذا الفقه المنسوب يختلف اختلافاً بيناً عن الطريقة التي اتبعوها ( عليهم السلام ) في نشر الأحكام وفي البيان للناس.
3 ـ للأئمة ( عليهم السلام ) خط واضح لا لبس فيه ولا غموض، وكانوا كثيراً ما يؤكدون على التزام هذا الخط، وأنهم لا يتقون فيه أحداً.
ومن خط الأئمة ( عليهم السلام ) محاربة الغلوفيهم، وتكفير القائل به، ولم يعهد عن أحد منهم ( عليهم السلام ) إلاّ الإقرار بالعبودية لله، ونهاية الخضوع والخشوع له،الذي فاقوا فيه كل الناس.
وقد جاء في الفقه المنسوب، ممّا هو مخالف بصريح المخالفة لهذا الخط الواضح الذي استمر عليه آل محمد ( صلّى الله عليه وآله )..
قوله: في باب الاستقبال في الصلاة: واجعل واحداً من الأئمة نصب عينيك..
قال المحقق الدربندي في كتابه قواميس الرجال (2).
وفيه ( في باب الصلاة ) ما يحتج به أعاظم الصفوية على لزوم استحضار صور المرشد على البال في الصلاة والتوجه إليه، وذلك: إذا قمت إلى الصلاة فانصب بين عينيك واحدا.
فقولنا بعدم حجيته لا لأجل ذلك فقط، فإنه غير ظاهر في موارد المتصوفة وله معنى صحيح.
بل لوجوه واعتبارات اخر.
ومع ذلك كله، يمكن أن نحتج بأخبارهذا الكتاب من باب التأكيد والتسديد والترجيح.
والحال في كتاب الرضا ( عليه السلام ) كالحال في الفقه الرضوي، إلاّ أن هذا الكتاب انقص درجة من ذلك، لأنه كم من مجتهد ومحدث يدعي ثبوت الفقه الرضوي من المعصوم ولو كان هذا الثبوت على نمط الظن، كما هو الشأن في أكثر الأخبار
____________
(1) مستدرك الوسائل 3: 351.
(2) قواميس الرجال: ورقة 86 ـ ب.

( 28 )

وهم مع ذلك لم يدعوا هذا الثبوت في شأن كتاب الطب، نعم ان العلاّمة المجلسي نقل اعتباره في جلد ( السماء والعالم من بحاره ).
ومن النقاط الواضحة المشهورة لهذا الخط مسألة المتعة، وقد جاء في الفقه المنسوب تفصيل في أمر المتعة، مخالف للمعروف عنهم ( عليهم السلام )
قال: ونهى عن المتعة في الحضر، ولمن كان له مقدرة على الأزواج والسراري، و إنما المتعة نكاح الضرورة للمظطر الذي لا يقدر على النكاح، منقطع عن أهله وبلده.
ويأتي عن الخلاصة للعلاّمة الحلي، عن المفيد، مخالفة ما في الفقه المنسوب في باب الشهادة لمذهب الأئمة ( عليهم السلام ).
4 (1) ـ ومن الأمور الهامة التي تثبت عدم كونه للإمام الرضا، ما وقع في أوائله من الرواية عن المحدثين كأبي بصير وغيره، والرواية عن الأئمة بوسائط متعددة، ففي فضل شعبان وصلته برمضان منه: أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألت عن أول صيام شعبان عن أبي عبدالله ( عليه السلام ).
وفيه: عن فضالة، عن إسماعيل بن زياد، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ).
وفيه: وعنه عن ابن أبي عمير، عن سلمة صاحب السابري، عن أبي الصباح قال: سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ).
وعن علي بن النعمان، عن زرعة، عن محمد بن سماعة قال: سألت أبا عبدالله.
وعن علي بن النعمان، عن زرعة، عن الفضيل، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ).
وما في باب ما يكره للصائم في صومه: وعنه عن سماعة قال: سألت عن رجل إلى أن قال ـ وعن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جراح المدائني قال: قال أبو عبدالله ( عليه السلام ).
وفي ما لا يلزم من النذر والأيمان ولا تجب له الكفارة: صفوان بن يحيى وفضالة بن أيوب جميعاً، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما.
____________
(1) هذه الفقرة مبنية على القول بأن ما ورد في النسخة المختلطة الأوراق مما يشك في انه تابع لنوادر ابن عيسى او للفقه المنسوب.
( 29 )

ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل، عن منصور بن يونس، وعلي بن إسماعيل الميثمي، منصور بن حازم، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ).
وفي باب الكفارة على المحرم إذا استظل من علة وغيره: محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن (1).
فيظهر ان كل ذلك ليس من كلام الإمام الثامن، والإمام برئ من أن يتكلم بهذا الشكل، أو يستند في نقله لرواية على عدة طرق، كما نشاهده فيما سلف.
فالمتأمل لسياق الروايات، وسلسلة الاسانيد والوسائط، يقطع بأن ذلك بعيد عن الإمام كل البعد.
يقول الخوانساري: إن من لاحظ ما وقع فيها من الوسائط حصل له القطع بأنها منفية عنهم ( عليهم السلام )، وأيقن أن من نسب أمثالها إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) فقد أخرجه عن مرتبة الأمام الكبرى، وأدخله في سلك المحدثين الذين أخذوا الاحكام من أفواه الرواة، ونعوذ بالله العظيم من أن نتكلم بمثله في حق مثله، وكيف يرضى من هو عارف بحقه ( عليه السلام ) بأن يقول انه ( عليه السلام ) كان يروي عن جمع من الذين قد عدوا من أصحابه وأصحاب ابنه أبي جعفر، كمحمد بن إسماعيل بن بزيع، ومحمد بن أبي عمير الذي عد من مصنفاته كتاب مسائله عن الرضا ( عليه السلام ) وأحمد بن محمد بن عيسى الذي قد شهد جماعة من الرجاليين بأنه أدرك بعد سيدنا أبي جعفر ابنه أبا الحسن العسكري ايضاً، أم كيف يتفوه عاقل بأن مولانا الرضا كان يروي عن أبيه بالواسطة؟ (2).
فما ادعاه الفاضل المجلسي من أن الظاهر أن الصدوقين وكذا شيخنا المفيد، كانوا على يقين من أنه تصنيف الامام ( عليه السلام ) ليس بوجيه، وإنما هو أمر يخطر بالبال في أول الامر، ويدفعه التأمل التام في أحوال القدماء وديدنهم، وشدة حرصهم في ضبط الأخبار وإظهارها، وعدم بنائهم على سترها وإخفائها (3).
5 ـ طبائع الأمور تقضي أن لو كان هذا الكتاب معلوماً لدى علي بن بابويه،
____________
(1) رسالة الخوانساري: 25.
(2) رسالة الخوانساري: 26.
(3) رسالة الخوانساري: 28.

( 30 )

وكان يعلم أنه من تصنيف الرضا ( عليه السلام ) لما كان يخفيه عن ولده الصدوق ـ الناقد البصير ـ ولكان يطلعه عليه.
ولو اطلع عليه الصدوق ـ رحمه الله ـ وهو الذي اعتني بجمع أخبار الرضا ( عليه السلام ) في كتابه المعروف ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) ـ الذي أدرج فيه عدة مما نص أصحاب الفهارس على أنه كتاب أو رسالة، لنقله في هذا الكتاب الجامع للمأثور عن الرضا ( عليه السلام ).
والقول بأن طول الكتاب منعه من نقله، مردود بنقله الكتب والرسائل ـ كما مر ـ وبأنه ـ على الاقل ـ كان ينبه على وجوده، ويكتفي ببعض أوصافه، أو يذكر شواهد منه (1).
ثم لو كان من الكتب المعروفة الموثوقة عنده لجاءتنا منه أثارة في كتابه من لا يحضره الفقيه الذي هو أحد الكتب الأربعة الجامعة، والذي جعله حجة بينه وبين الله تعالى.
وقال صاحب الفصول: ومما يبعد كونه تأليفه ( عليه السلام ) عدم إشارة أحد من علمائنا السلف إليه في شيء من المصنفات التي بلغت إلينا، مع ما يرى من خوضهم في جميع الأخبار، وتوغلهم في ضبط الآثار المروية عن الأئمة الأطهار ( عليهم السلام )، بل العادة قاضية بأنه لو ثبت عندهم هذا الكتاب، لاشتهر بينهم غاية الإشتهار، ولرجحوا العمل به على العمل بسائر الأصول والأخبار (2).
فلو كان هذا الكتاب من رشحات عيون إفادات هذا المولى، لكان يطلع عليه جملة من قدماء فقهاء الشيعة، وما كان يبقي في زاوية الخمول في مدة تقارب من ألف سنة.
فالذين بذلوا جهدهم في حفظ ما صدر منهم من الأحكام، كجملة من أكابر محدثي فقهائنا الذين أدركوا عصره، أو كانوا قريباً من عصره ( عليه السلام ) كالفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن عيسى، وأحمد بن أبي عبدالله البرقي، وإبراهيم بن هاشم، ومحمد بن أحمد بن يحيى صاحب نوادر الحكمة، وسعد بن عبدالله،
____________
(1) الفصول: 312.
(2) الفصول: 312، والمستدرك 3: 346.

( 31 )

ومحمد بن الحسن الصفار، وعبدالله بن جعفر الحميري، وأضرابهم من أجلاء الفقهاء والمحدثين، ومن الواضح أن هذا الكتاب لو كان معروفاً بين هؤلاء الأعلام، أو كان يعرفه بعضهم، لما كانوا يسكتون عنه، ولما كانوا يتركون روايته لمن تأخر عنهم من نقاد الآثار، وأصحاب الكتب المصنفة في تفصيل الأخبار، ولما كان يخفى على مشايخنا المحمدين الثلاثة، المصنفين للكتب الأربعة المشتملة على أكثر ما ورد عنهم في الأحكام (1).
فالشيخ الصدوق ألف كتابه ـ عيون أخبار الرضا ـ وجمع فيه جل أخبار الرضا ( عليه السلام ) ولو كان هذا الكتاب عنده لنقل منه، بل لضمنه في كتابه الآنف الذكر.
ولذكره في كتاب من لا يحضره الفقيه الذي قد تصدى فيه لذكر الأحكام المستخرجة من الكتب المشهورة التي عليها المعول وإليها المرجع (2).
7 ـ لم يستند كلام المثبتين أنه للإمام على الحس، بل استند على الحدس.
ووجود كلمة علي بن موسى الرضا في أول الكتاب، كان سبب التوهم بكونه مصنفاً للإمام.
فجوزنا أنهم لما رأوا ما في أول أوراق الكتاب من التسمية، وما على ظهره من الكتابات، ظنوه كتاباً واحداً، ولم يلتفتوا إلى انقطاع ذلك وعدم ارتباطه بما بعده، أو أنه ساقط الوسط، كما لم يلتفتوا إلى ما في آخره من النوادر، وبنوا على أنه كتاب واحد، وأنه للإمام الرضا ( عليه السلام ) لأن أوله علي بن موسى، وعبائره ـ كما عرفت ـ توهم أنه للإمام، حتى أوهمت العلماء، وخصوصاً إذا كان على ظهره الخطوط والإجازات المنقولة، فتوهم القميون أنه للإمام الرضا ( عليه السلام ) وحكوا ذلك للفاضل أمير حسين، فإذا جاز ذلك سقطت الشهادة عن الإعتبار، ولم تدخل في الخبر الواجب العمل (3).

* * *

وممّا احتج به المثبتون لتصحيح نسبة الكتاب إلى الإمام الرضا ( عليه السلام )
1 ـ قوله في أول الكتاب: يقول علي بن موسى الرضا: أما بعد... إلى آخره (4).
____________
(1) مستدرك الوسائل 3: 346.
(2) مستدرك الوسائل 3: 346.
(3) فصل القضاء: 423.
(4) الفقه المنسوب: 65.

( 32 )

وفيه أنه غير صريح فيما ظن، لجواز أن يكون مؤلف الكتاب قد سمع الحديث المذكور ـ أي الحديث الأول في المعرفة ـ منه ( عليه السلام ) أو وجده بخطه، فنقله عنه محافظاً على نصه حتى كلمة ( أما بعد ) لمناسبتها لأول الكتاب.
ولايلزم التدليس، لذكره بعد ذلك ما يصلح قرينة على عدوله عن ذلك (1).
ولا يبعد بملاحظة القرائن أن يكون المراد بعلي بن موسى الرضا ـ المذكور في أوله ـ غير مولانا الرضا ( عليه السلام ) فإن هذا مما اتفق كثيراً في كثير من الأسماء والألقاب، التي كان أهل مذهبنا ـ من فقهائنا وغيرهم ـ يتبركون بها، باعتبار شرافة من سمي أو لقب بها من ائمتنا في أول الأمر، ولاحظنا نظائره في غير واحد من الرواة والفقهاء (2).
ومن عادة الرواة في كتب الحديث أن يبدؤوا في أول الكتاب باسم راويه عن جامعه.
أما ترى في أول الكافي والبصائر والمحاسن، وسائر الاصول التي وصلت إلينا، فتوهم السيد القاضي أنه الإمام علي بن موسى، وعند الاستنساخ زاد هو ( والقميان ) لفظ الرضا، وأخبروا بذلك، ثم كتب النساخ على هذا النهج إستناداً إلى ذلك الخبر، وبالجملة فالجواب عدم ثبوت كونه خبراً حسياً حتى يحتج به (3).
وقد سبق القول في أنه علي بن موسى بن بابويه راوي كتاب التكليف.
وأما قوله: روي أن بعض العلماء سئل عن المعرفة (4).
ففيه أنه ورد بعض التوقيعات من الناحية المقدسة نظير ذلك، فمنها ما في الاحتجاج للطبرسي، في جوابات مسائل محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري الخارجة عن سيدنا الحجة ( عليه السلام ).
فالمراد بالعالم والفقيه أحد العسكريين، كما هو المستفاد من جملة من كتب المناقب والسير (5).
____________
(1) الفصول: 312.
(2) رسالة الخوانساري: 40.
(3) فصل القضاء: 423.
(4) الفقه المنسوب: 66.
(5) رسالة الخوانساري: 17.

( 33 )

2 ـ أنه ذكر فيه عبارات تخص الآل ( عليهم السلام ) مثل: ومما نداوم به نحن معاشر أهل البيت: لا إله إلاّ الله... إلى آخره (1).
وقوله في باب الخمس: فتطول علينا امتنانا ورحمة (2).
وهو تتمة لحديث: قيل للعالم: ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟
وفيه أنه يمكن أن يكون تتمة للرواية السابقة عليه، وليس في سوق العبارة ما ينافيه، ويمكن أن يكون من كلام صاحب الكتاب فلا يدل إلاّ على كونه هاشمي لتحقق التطول أو الإمتنان في حقه أيضاً بالنسبة إلى ما يستحقه من الخمس مع احتمال أن يكون التطول والإمتنان باعتبار الأمر بالإعطاء أيضاً فلا يدل على ذلك أيضاً.
وفي آخر الحديث الأول دعاء للحجة ( عجل الله فرجه ): « وعجل خروجه ».
وفيه إشعار بأن الكتاب كتب في عصر الغيبة.
وقوله: ليلة تسع عشرة من شهر رمضان هي الليلة التي ضرب فيها جدنا أميرالمؤمنين (3)..
فقوله: جدنا يحتمل أن يكون تتمة لكلام الصادق ( عليه السلام ) الذي سبق هذه العبارة.
ثم هو كسابقه لا يدل على أكثر من كونه علوياً (4).
وقوله: روي عن أبي العالم في تقديم الزكاة (5).
أروي عن أبي العالم...
وفيه احتمال أن تكون الياء من ( أبي ) زائدة، أو أن ( عن ) قبل كلمة ( العالم ) قد سقطت، ومثل هذا كثير الوقوع.
____________
(1) الفقه المنسوب: 402.
(2) الفقه المنسوب: 293.
(3) الفقه المنسوب: 83.
(4) الفصول: 312، مستدرك الوسائل 3: 344.
(5) الفقه المنسوب: 197.

( 34 )

كما يحتمل أن يحمل الأب أو العالم على خلاف ظاهره (1).
وقوله: أمرني أبي تتمة لكلام روي في خبر آخر مثله.
أو ان اثبات ( أبي ) في مثل هذه الموارد ليس المقصود بها الإمام ( عليه السلام )، بل أراد صاحب الكتاب أن يخرج الحديث بلفظ الراوي السابق، حتى يعرف الناظرالممارس من أي أصل أخذه، ومن أي كتاب أخرجه.

* * *

ومن الاُمور التي تنفي نسبة الكتاب إلى الرضا ( عليه السلام ) أن هناك كثيراً من العبائر التي ليست من كلامهم ( عليهم السلام ) مثل أروي. نروي.. قيل.. ونظائرها.
ولا يخفى على المتتبع، أن هذا صريح بعدم صدوره عنهم ( عليهم السلام ).

* * *

هذا وقد جاء في الكتاب ما هو مخالف لمذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) في كثير من الموارد:
فمنها: ما وقع في باب مواقيت الصلاة منه، من قوله: وإن غسلت قدميك ونسيت المسح عليهما، فإن ذلك يجزيك، لأنك قد أتيت بأكثر ممّا عليك، وذكر الله الجميع في القرآن المسح والغسل في قوله: ( وأرجلكم إلى الكعبين ) أراد به الغسل بنصب اللام وقوله: ( وأرجلكم إلى الكعبين ) بكسر اللام، أراد به المسح وكلاهما جائزان الغسل والمسح (2).
ويقول السيد الخوانساري في رسالته: فهو صريح المخالفة لضرورية من ضروريات المذهب، والأنكى هو تعليله ثانياً جوازهما بجواز كل من قراءتي النصب والخفض، وقوله أخيراً وكلاهما جائزان ـ الغسل والمسح ـ ممّا لا يحتمل شيئاً من التأويلات الواقعة في بعض ما يضاهيه من الأخبار، من إرادة التنظيف قبل الوضوء أو المسح أو بعدهما وغير
____________
(1) مستدرك الوسائل 3: 344.
(2) الفقه المنسوب: 89.

( 35 )

ذلك، ويعطي جواز كل منهما مطلقاً (1).
ومنها: ما وقع في تحديد مقدار الكر من الماء، وهو قوله: والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر(2).
وهو حكم مخالف لما ذهب إليه علماؤنا، وانعقد الإجماع على خلافه، كما صرح به غير واحد من أعلامنا، منهم الشيخ الشهيد القائل: بأنّا لا نعرف قائلاً به عدا الشلمغاني على ما حكاه جماعة، وهو قريب مما حكي عن أبي حنيفة من تحديده إياه (3).
وذكر المحدث النوري في مستدرك الوسائل (4) ـ بعد نقله هذا الخبر ـ قلت هذا التحديد لم ينقل إلاّ من الشلمغاني، وهو قريب من مذهب أبي حنيفة، ولم يقل به أحد من أصحابنا، فهو محمول على التقية، ويحتمل بعيداً ملازمته في أمثال الغدير للتحديدين الأخيرين ويؤيده كلامه في البئر.
ومنها: ما وقع في باب لباس المصلي منه، من جواز الصلاة في جلد الميتة، بتعليل أن دباغته طهارته (5).
ولا يخفى أن ذلك متروك غير معمول به بين الأصحاب (6).
ومنها قوله: وقال العالم ( عليه السلام ): وإذا سقطت النجاسة في الإناء لم يجز استعماله، وإن لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته، مع وجود غيره، فإن لم يوجد غيره استعمل، اللهم إلاّ أن يكون سقط فيه خمر فيتطهر منه، ولا يشرب الاّ إذا لم يوجد غيره ولا يشرب ولا يستعمل إلاّ في وقت الضرورة والتيمم (7).
ومنها: ما وقع فيه من أحكام الشك والسهو في أجزاء الفرائض اليومية، حين قال: وإن نسيت الركوع بعد ما سجدت من الركعة الاولى، فاعد صلاتك، لأنه إذا
____________
(1) رسالة الخوانساري: 21.
(2) الفقه المنسوب: 91.
(3) رسالة الخوانساري: 22.
(4) مستدرك الوسائل 1: 27.
(5) الفقه المنسوب: 302.
(6) رسالة الخوانساري: 22.
(7) الفقه المنسوب: 92.

( 36 )

تصح لك الركعة الأولى لم تصح صلاتك (1).
ومنها: ما وقع في باب النكاح، وهو أنه قسمه إلى أربعة أوجه، وجعل الوجه الأول نكاح ميراث، واشترط فيه حضور شاهدين (2).
وهو مخالف لأصول المذهب (3).
ومنها قوله: إن المعوذتين من الرقية، وليستا من القرآن أدخلوها في القرآن (4).
وهو رأي من آراء الجمهور شاذ، مخالف لجميع المسلمين، ينسب إلى ابن مسعود. فقد ذكر العلاّمة المجلسي في البحار (5) بعد نقله هذا الخبر، في البيانات التي عقدها لتوضيح وتفسير بعض الاخبار، قال: وأما النهي عن قراءة المعوذتين في الفريضة، فلعله محمول على التقية، قال في الذكرى (6): أجمع علماؤنا وأكثر العامة على أن المعوذتين ـ بكسر الواو ـ من القرآن العزيز، وأنه يجوز القراءة بهما في فرض الصلاة ونفلها، وعن ابن مسعود أنهما ليستا من القرآن، وإنما نزلتا لتعويذ الحسن والحسين ( عليهما السلام )، وخلافه انقرض، واستقر الإجماع الآن من الخاصة والعامة على ذلك.
ومنها في باب الإستقبال: قوله: واجعل واحداً من الأئمة نصب عينيك (7).
ومنها: في باب الشهادات، وتجويزه أن يشهد لأخيه المؤمن، اذا كان له شاهد
____________
(1) الفقه المنسوب: 116.
(2) الفقه المنسوب: 232.
(3) رسالة الخوانساري: 24.
(4) الفقه المنسوب: 113.
(5) بحار الأنوار 85: 42.
(6) الذكرى: 195.
(7) الفقه المنسوب: 105.

( 37 )
واحد (1).
ومنها: توقيته وقت قضاء غسل الجمعة إلى الجمعة، وهو تمام أيام الأسبوع (2)، والمروي المشهور هو اختصاصه بيوم السبت.
ومنها قوله: لا بأس بتبعيض الغسل (3).
ومنها قوله بمسح الوجه كله في التيمم، وبمسح اليد إلى أصول الاصابع (44>.
ومثل هذه الموارد موارد أخرى، اكتفينا بما ذكرنا.
ولا غرو فقد غفل قبله المتبحرون لمّا سبقتهم الشبهة، وكم له من نظير، فقد نسبوا كتاب جامع الأخبار للصدوق وهو للشعيري، وكتاب البدع لميثم البحراني وهو لعلي بن أحمد الكوفي، ودعائم الإسلام للصدوق وهو للقاضي نعمان المصري، وكتاب الكشكول في بيان ما جرى على آل الرسول للعلاّمة الحلي وهو للسيد حيدر الآملي، وكتاب عيون المعجزات للسيد المرتضى وهو للحسين بن عبدالوهاب المعاصر للسيد، وكتاب المجموع الرائق للشيخ الصدوق وهو للسيد هبة الله، إلى غير ذلك مما لا يخفى على الخبير بالكتب فتدبر (5).

2 ـ القول بأنه كتاب الشرائع
وذهب البعض إلى أنه كتاب الشرائع (6) لشيخ القميين الشيخ أبي الحسن
____________
(1) الفقه المنسوب: 308.
(2) الفقه المنسوب:129.
(3) الفقه المنسوب: 85.
(4) الفقه المنسوب: 88.
(5) فصل القضاء: 411، والذريعة 5: 33، 2: 28، 8: 197، 18: 82، 15: 383، 20: 55.
(6) قال العلامة الطهراني في الذريعة 13: 46 وتوجد منها نسخة في مكتبة السيد حسن صدرالدين في الكاظمية، وهي بخط السيد محمد بن مطرف تلميذ المحقق الحلي، وقد قرأها على أستاذه المحقق فأجازه على ظهرها، وتاريخ الإجازة سنة 672 هجرية.

( 38 )

علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي. والد الشيخ الصدوق، والمتوفى سنة تناثر النجوم وهي 329 هجرية.
وأدلتهم دائره بين أمور خمسة:
أحدها: أن يكون ذلك الكتاب مأخوذاً من الرسالة.
و ثانيها: أن تكون الرسالة مأخوذة عنه.
و ثالثها: أن يكون كل منهما مأخوذاً من ثالث.
ورابعها: أن يكون الرضوي مأخوذاً مما أُخذ من الرسالة.
وخامسها: عكسه،
وعلى كل من هذه الوجوه، يلزم عدم كونه من تاليفه ( عليه السلام ) (1).
قال الشيخ الشهيد في الذكرى: إن الاصحاب كانوا يتمسكون ما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه عند اعواز النصوص لحسن ظنهم به، وأن فتواه كروايته، فإن الظاهر أن كتاب الشرائع هي بعينها الرسالة إلى ولده كما قاله النجاشي (2)، وهو أضبط من شيخ الطائفة في أمثال هذه الأمور، فيما يظهر من الشيخ في فهرسته من تغايرهما ـ حيث عدّ كلاً منهما من كتب علي (3)، وعطف أحدهما على الآخر ـ خلاف التحقيق (4).
وقدم بعض مضامينها على بعض الأخبار المعتبرة، لأنها مأخوذة من الأخبار المعتمدة الصحيحة لديه ولدى والده، وإنّه ممّا كان قدماء الأصحاب يعتنون بشأنه غاية الإعتناء.
لكن ما نسبه شيخنا الشهيد إليهم، وحكاه عن الشيخ أبي علي من أنهم كانوا يتمسكون بما يجدون فيه عند فقد الأدلة وإعواز النصوص، لا يخلو عن نظر.
وقوله ذلك لأجل أنهم كانوا يرونها أضعف من مجموع سائر النصوص المعتبرة،
____________
(1) مستدرك الوسائل 3: 359.
(2) رجال النجاشي: 185.
(3) الفهرست: 93 رقم 382.
(4) رسالة الخوانساري: 29.

( 39 )

باعتبار عدم صراحتها، وعدم كونها في صورة النص (1).
وما نقله العلاّمة المجلسي في الإجازات، عن خط شيخنا الشهيد، من أن الشيخ أبا علي بن شيخنا الطوسي ذكر أن أول من ابتكر طرح الأسانيد، وجمع بين النظائر، أتى بالخبر مع قرينه على بن بابويه في رسالته إلى ابنه، وقال: ورأيت جميع من تأخر عنه يحمد طريقه فيها، ويعول عليه في مسائل لا يجدون النص عليها، لثقته وأمانته وموضعه من الدين والعلم. انتهى (2).
وقد اعتمد الصدوق على رسالة أبيه اعتماداً كلياً، حيث قدم بعض مضامينها على بعض الأخبار المعتبرة، وليس هذا إلاّ لأنها مأخوذة من الأخبار المعتمدة الصحيحة لديه ولدى أبيه، وقد تقدم موافقة أكثر عبائر هذا الكتاب لتلك الرسالة، فينبغي أن يعامل مع هذا الكتاب تلك المعاملة التي عاملها الصدوق مع رسالة أبيه.
وأجاب السيد الصدر في كتابه: ان الصدوق لو انكشف واتضح لديه أن كلها مأخوذة من الأخبار الصحيحة لديه، فهو معذور في تلك المعاملة ولا بأس عليه فيها. وأما نحن فلم تنكشف لنا حقيقة الأمر، ولا اتضح لدينا أن كل ما في هذا الكتاب مأخوذ من روايات صحيحة لدينا ومعتمد عليها عندنا، حتى نعتني بشأنه اعتناء الصدوق بكتاب أبيه (3).
قال السيد صاحب رياض العلماء بعد ذكره لترجمة السيد أميرحسين، وبعد نقل ما في أول البحار: ثم إنه قد يقال: ان هذا الكتاب بعينه رسالة علي بن بابويه إلى ولده الشيخ الصدوق، وانتسابه إلى الرضا ( عليه السلام ) غلط نشأ من اشتراك اسمه واسم والده، فظن أنّه لعلي بن موسى الرضا ( عليه السلام )، حتى لقب تلك الرسالة بفقه الرضا ( عليه السلام ) وكان الأستاذ العلاّمة ( قدس سره ) يميل إلى ذلك، وقد يؤيد ذلك بعد توافقهما في كثير من المسائل، باشتماله على غريب من المسائل، ومن ذلك توقيت وقت قضاء غسل الجمعة إلى الجمعة، هو تمام أيام الاسبوع الأخرى، والمروي المشهور اختصاصه بيوم السبت، ونحو ذلك من المطالب، لكن لو لم يشتبه الحال على هذا السيد
____________
(1) رسالة الخوانساري: 42.
(2) رسالة الخوانساري: 42.
(3) فصل القضاء: 439.

( 40 )

له الدست، وثبت ما اختاره الأستاذ سلمه الله تعالى. انتهى (1).
والمراد من الاستاذ هو العلاّمة العالم الموفق النحرير الخبير الأميرزا محمد بن الحسن الشيرواني الشهير بملا ميرزا، وبالأستاذ الإستناد العلاّمة المجلسي (2).
وقال السيد صاحب رياض العلماء: وأما الفقه الرضوي، فقد مرفي ترجمة السيد أميرحسين، أن الحق أنه بعينه كتاب الرسالة المعروفة لعلي بن موسى بن بابويه القمي إلى ولده الصدوق محمد بن علي، وأن الإشتباه نشأ من اشتراك الرضا ( عليه السلام ) معه في كونهما أبا الحسن علي بن موسى. فتأمل (3).
وقال السيد الجليل السيد حسين القزويني في شرح الشرائع: كان الوالد العلاّمة يرجح كونه رسالة والد الصدوق، محتملاً كون عنوان الكتاب أولاً هكذا: يقول عبدالله علي بن موسى، وزيد لفظ الرضا بعد ذلك من النساخ، لانصراف المطلق إلى الفرد الكامل الشائع المتعارف. وهذا كلام جيد، ولكن يبعده بعض ما اتفق في تضاعيف هذا الكتاب. انتهى (4).
ولذا قال العلاّمة المجلسي ما لفظه: وأكثر عباراته موافق لما ذكره الصدوق أبو جعفر بن بابويه، في كتاب من لايحضره الفقيه، من غير سند، وما يذكره والده في رسالته إليه، وكثير من الأحكام التي ذكرها أصحابنا ولا يعلم مستندها مذكورة فيه (5).

وهذا القول مردود، فالكتاب غير كتاب الشرائع

قال المحقق السيد صاحب مفاتيح الأصول:
وربما زعم بعضهم أنه تصنيف الشيخ الفقيه علي بن الحسين بن بابويه القمي والد الصدوق، ولاريب في فساد هذا الوهم، فإن المغايرة بينه وبين رسالة علي بن بابويه
____________
(1) رياض العلماء 2: 31.
(2) مستدرك الوسائل 3:338.
(3) رياض العلماء 6: 43.
(4) مستدرك الوسائل 3: 338 ـ 339.
(5) البحار 1: 12، فصل القضاء: 428.

( 41 )

ظاهرة لا ريب فيها، وإن وافقها في كثير من العبارات، وكتاب الشرائع المنسوب إليه هو بعينه الرسالة إلى ولده كما نص عليه النجاشي (1).
أضف إلى أن الموجود في كتب الأحاديث والرجال، التعبير عن والد الصدوق بقولهم: علي بن الحسين، أو علي بن بابويه.
وقال المحدث النوري: لم أجد موضعا عبر عنه بعلي بن موسى كي يقاس عليه الموجود في الخطبة (2).
علماً بأن هناك دلائل وقرائن كثيرة، تبطل كونه لعلي بن بابويه.
منها: ما في اخر الكتاب من قوله: إنا معاشر أهل البيت (3).
ولم يكن الكلام حكاية عن قول معصوم حتى يفهم ذلك، بل إنه لمؤلف الكتاب، وهذا رد صريح لكونه لفرد غير منتسب إليهم نسباً.
وقوله: وليلة التاسع عشر الليلة التي ضرب فيها جدنا أميرالمؤمنين (4).
وغيرها من الموارد.
كما أن المحدث النوري قال: فيها من المخالفة ما لا يتوهم بينهما الإتحاد، ففي المقنع (5) قال والدي في رسالته إلى: إذا لبست يا بني ثوباً جديداً فقل: الحمدلله الذي كساني من اللباس، ما أتجمل به في الناس، اللهم اجعله ثياب بركة أسعى فيها بمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك، فإنه روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: من فعل ذلك لم يتقمصه حتى يغفر له. وإذا أردت لبس السراويل... إلى آخره.
وفي الرضوي (6): وإذا لبست ثوبك الجديد، فقل: الحمدلله الذي كساني من الرياش، ما أواري به عورتي وأتجمل به عند الناس، اللهم اجعله لباس التقوى
____________
(1) مفاتيح الاصول: 352، رجال النجاشي: 185.
(2) مستدرك الوسائل، 3: 359.
(3) الفقه المنسوب: 402.
(4) الفقه المنسوب: 83.
(5) المقنع: 194.
(6) الفقه المنسوب:395.

( 42 )

ولباس العافية، واجعله لباساً أسعى فيها لمرضاتك، وأعمر فيها مساجدك. وإذا أردت أن تلبس السراويل... إلى آخره (1).

3 ـ كونه مجعولاً على الإمام ( عليه السلام )

إن وجود الكثير من الروايات التي تنافي أصول المذهب، دليل قاطع على عدم صدوره منه.
قال صاحب الفصول بعد كلام له:
مع احتمال أن يكون موضوعاً، ولايقدح فيه موافقة أكثراً أحكامه للمذهب، إذ قد يتعلق قصد الواضع بدس القليل، بل هذا أقرب إلى حصول مطلوبه، لكونه أقرب إلى القبول (2).
ولا يخفى أن من يصنف كتابا لتخريب الدين، ويصرف أياماً من عمره في تأليف كتاب مجعول، إنما يصر في ترويجه وإشتهاره، ويدعو الناس إليه، ويأمرهم بالإعتماد عليه، كما هو المشاهد من الكذابة والغلاة الذين ظهروا في أعصار الحضور وأوائل الغيبة (3).
ولكن ذلك مردود، حيث أن هناك كلمات وأخباراً كثيرة صادرة من القديمين والصدوقين والشيخين فإن من تتبع كلماتهم، وقف على كثير من متفرداتهم المخالفة للاجماع والضرورة ، باعتبار ما وجدوه في جملة من الأخبار المحمولة على التقية أو غيرها.
وليس مخالفة ذلك مما يوجب قدحاً عليهم ولا ذماً لهم.
وإن مخالفة الضروري تقدح في صورة علم المخالف بكونه ضرورياً وأيضاً
____________
(1) مستدرك الوسائل 3: 359.
(2) الفصول الغروية:313.
(3) مستدرك الوسائل، 3: 345.

( 43 )

الإجماع القطعي إنما يضر في صورة علم المخالف بقطعيته، وذلك لانه ينجر إلى تكذيب قول من قوله الحجة من النبي والإمام، وأما إذا لم يكن المخالف معتقداً لذلك، فلا دليل على قدح ذلك ايضاً فيه، وحاشا أن يكون هؤلاء الأعلام قائلين بما كانوا قاطعين بخلافه (1).
فلو كان هذا الكتاب مجعولاً لاشتهر امره وشاع ذكره، ولوردنا عنه شيء عن الأئمة من ( الجواد إلى العسكري ) ( عليهم السلام ) ينهون شيعتهم عنه ويحذرونهم منه.
ولنوه عنه العلماء في كتبهم.

4 ـ كونه كتاب المنقبة المنسوب الى الإمام العسكري ( عليه السلام )

الذي قد ذكر جماعة من الأصحاب ـ منهم الشيخ الجليل ابن شهر اشوب، والشيخ السعيد علي بن يونس العاملي في كتابيه: المناقب، والصراط المستقيم ـ أنه تصنيف الإمام العسكري ( عليه السلام )
ويؤيد ما ذكراه أنه مشتمل على أكثر الأحكام، ومتضمن أغلب مسائل الحلال والحرام.

5 ـ واحتمل الوحيد البهبهاني أن يكون تأليفه صادراً من بعض أولاد الائمة بأمر الرضا ( عليه السلام )، واعتنى به واعتمده غاية الاعتماد (2).
نقل ذلك عن الوحيد تلميذه السيد حسين القزويني في معارج الأحكام (3).
6 ـ قال السيد محسن الاعرجي الكاظمي في ( شرح مقدمات الحدائق ) عند تعرض صاحبه للفقه الرضوي ما لفظه: وأما الكتاب الشريف المشرف بهذه النسبة العليا فالذي يقضي به التصفح والاستقراء أنه لبعض اصحابه ( عليه السلام ) يحكي في الغالب كلامه
____________
(1) رسالة الخونساري: 39.
(2) مستدرك الوسائل: 3: 338.
(3) تحقيقي پيرامون كتاب فقه الرضا: 9.