(31)
أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن اُذينة عن الفضيل بن يسار قال : « سمعتُ الامام الصادق ( عليه السلام ) يقول لبعض أصحاب قيس الماصر (1) : انّ الله عزّوجلّ أدّب نبيّه فأحسن أدبه ، فلما أكمل له الأدب قال : إنّك لعلى خلق عظيم ، ثم فوّض اليه أمر الدين والاُمّة ليسوس عباده فقال عزّوجلّ : وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان مسدداً وموفّقاً مؤيّداً بروح القدس ، لا يزلُّ ولا يخطىء في شيء مما يسوس به الخلق ، فتأدب بآداب الله ، ثم انّ الله عزوجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين ، عشر ركعات ، فأضاف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الى الركعتين ركعتين والى المغرب ركعة فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهنّ إلاّ في سفر ، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر فأجاز الله عزوجلّ له ذلك كلّه ، فصارت الفريضة سبع عشرة ركعة. ثم سنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) النوافل أربعاً وثلاثين ركعة مِثْلَي الفريضة ، فأجاز الله عزّوجلّ له ذلك. والفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة ، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدُّ بركعة مكان الوتر. وفرض الله في السنة صوم شهر رمضان ، وسنَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صوم شعبان وثلاثة أيّام في كل شهر مِثْلَي الفريضة ، فأجاز الله له ذلك. وحرّم الله عزّوجلّ الخمر بعينها وحرّم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المسكر من كل شراب ، فأجاز الله له ذلك كلّه. وعاف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أشياء وكرهها ولم ينه عنها نهي حرام إنما نهى عنها نهي إعافة وكراهة ، ثم رخصّ فيها فصار الأخذ برخصه واجباً على العباد كوجوب ما يأخذون بنهيه وعزائمه ، ولم يرخّص لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما نهاهم عنه نهي حرام ولا فيما أمر به أمر فرض لازم ; فكثير المسكر من الأشربة نهاهم عنه
     (1) قيس الماصر : « من المتكلمين ، تَعلّمه من علي بن الحسين ( زين العابدين ) ، وصحب الصادق ( عليه السلام ) وهو من اصحاب مجلس الشامي » عن جامع الرواة ترجمة قيس بن الماصر.
(32)
نهي حرام لم يرخّص فيه لأحد ، ولم يرخّص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأحد تقصير الركعتين اللتين ضمّهما الى ما فرض الله عزّوجلّ ، بل ألزمهم ذلك إلزاماً واجباً ، لم يرخّص لأحد في شيء من ذلك إلاّ للمسافر ، وليس لأحد أن يرخّص [ شيئا ] مالم يرخّصه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فوافق أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر الله عزّوجلّ ونهيه نهي الله عزّوجلّ ووجب على العباد التسليم له كالتسلم لله تبارك وتعالى » (1).
    2 ـ عن زرارة عن الامام الباقر ( عليه السلام ) قال : « وضع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ديّة العين وديّة النفس ، وحرّم النبيذ وكل مسكر ، فقال له رجل : وضع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من غير ان يكون جاء فيه شيء ؟ قال ( عليه السلام ) نعم ليعلم من يطع الرسول ممن يعصيه » (2). وهناك روايات اُخرى تؤدي نفس المضمون المتقدم في نفس المصدر المذكور. اذن تلخص لنا ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
    1 ـ مبلِّغ عن الله سبحانه ما شرَّعه الله للناس عن طريق الوحي.
    2 ـ حاكم على الناس.
    3 ـ مشرِّع لأحكام خاصة ( وهي التي فوّض الله فيها أمر التشريع الى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في دائرة خاصة وملأها النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه وأقرّه الله عليها ).

3 ـ روايات التفويض الى الائمة ( عليهم السلام ) :
    وهناك روايات تقول : ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أعطى ما فوّضه الله اليه الى الائمة ( عليهم السلام ) أو إلى علي ( عليه السلام ) ، وهي عبارة عن خمس روايات أربع منها غير حجّة (3) وواحدة لها
     (1) اصول الكافي : ج1 ، كتاب الحجة ، باب التفويض الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والى الائمة ، ح4.
     (2) المصدر السابق : ح7.
     (3) لأنّها بين مرسل أو مسند في بعض رجال سنده ضعف أو جهالة. راجع الروايات في اصول الكافي : ج1 ، ص265 ، كتاب الحجة ، باب التفويض الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والى الائمة ، تجد الرواية الاولى هي المعتبرة بسندها الثاني ، واما الرواية الثانية فضعيفة بابن أشيم ، والرواية الثامنة فيها محمد بن سنان فهي ضعيفة ، والرواية التاسعة فيها الحسن بن زياد ومحمد بن الحسن الميثمي وهما لم يوثقا ، والرواية العاشرة مرسلة.

(33)
سند معتبر عن الامام الباقر ( عليه السلام ) : وهي : روى الشيخ الكليني في الكافي عن عدّة من اصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي اسحاق قال : « سمعت الامام الباقر ( عليه السلام ) يقول : ان الله عزّوجلّ أدّب نبيّه على محبته ، فقال : ( وانك لعلى خلق عظيم ) ثم فوّض اليه فقال عزّوجلّ : وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال عزّوجلّ : مَنْ يطع الرسول فقد أطاع الله. قال : ثم قال : وإن نبي الله فوّض الى عليّ وائتمنه ، فسلّمتم وحجد الناس ، فوالله لنحبّكم ان تقولوا اذا قلنا ، وان تصمتوا اذا صمتنا ، ونحن فيما بينكم وبين الله عزّوجلّ ، ما جعل الله لأحد خيراً في خلاف أمرنا » (1) وهذه الرواية ظاهرة في إعطاء الولاية والحكومة الى الأئمة ، حيث يقول الى بعض اصحابه : « فسلّمتم وجحد الناس ». ونحن نعلم ان الذي جحده الناس هو الحكومة والولاية. اما رواية الائمة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلم يجحدها الناس. ثم لو تنزلنا وقلنا ان هذه الرواية مطلقة شاملة لإعطاء الولاية وحق التشريع ، فلابدّ من تخصيصها :
    1 ـ بطائفة الروايات المتقدمة القائلة على لسان الائمة ( عليهم السلام ) « كل ما اُحدّثك هو عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ».
    2 ـ والروايات القائلة ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أملى على عليّ وكتب لشركائه كل شيء من حلال وحرام حتى ارش الخدش ; ومعنى ذلك ان كل أحكام الاسلام قد أملاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعليّ وشركائه ، فلا حاجة الى تشريع من قبل الائمة ( عليهم السلام ). وقد ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : « ما من شيء يقربكم الى الجنة ويبعدكم من
     (1) المصدر السابق : ح1.
(34)
النار إلاّ أمرتكم به ».
    3 ـ والآية القرآنية التي نزلت في حجّة الوداع. ( ... اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ... ) (1) ، فقد تم الدين في زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) فلا حاجة الى مشرِّع بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). وحينئذ يكون معنى روايات التفويض الى الائمة ( عليهم السلام ) ناظرة الى الحكومة وتبليغ الاحكام وحفظها. ومما يؤيد هذا هو استبعاد أن يكون امرٌ عظيم الأهمية ( كحق التشريع للائمة عليهم السلام ) ) في حياة المسلمين وفي مسيرتهم قد دلّ عليه خبر واحد ، بل لابدّ ان يكون مبيّناً بالدليل الواضح ( كالدليل على حاكميتهم في الخلافة العامة مثلاً ) الواصل بحيث لا يكون فيه غموض ولا إبهام فيكون مَنْ خالف قد خالف عن بيّنة. بقي علينا ان نجيب عن سؤال قد يوجّه الينا وهو : لماذا فوّض النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر الحكم والتبليغ الى الائمة ( عليهم السلام ) دون غيرهم ؟
    الجواب : ان النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه ، فيما يرجع إلى اُمور الشريعة بالانفاق لأنه ( لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى ) ، ومع هذا نتمكن ان نجيب على ذلك من باب حكمة هذا التفويض الى الائمة دون غيرهم ، إذ نقول : يمكن ان تكون الحكمة هي عصمة (2) هؤلاء الأئمة دون غيرهم ; فهم الأجدر بتحمّل مسؤولية التبليغ لأحكام الله وحفظها من الضياع ، وهم الأجدر بحكومة الناس ـ من حيث عصمتهم من الوقوع في الخطأ أو الاشتباه أو النسيان ـ في تطبيق أحكام الله تعالى. وقد أثبت لنا التاريخ انهم الأجدر في حفظ سنّة النبي ( صلى الله عليه وآله ) حيث مُنع من كتابة وحفظ الحديث في زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبعد وفاته كما تقدم ذلك ، فان قريش ( ومَنْ تسلّم الحكم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ) قد منعوا من كتابة الحديث بحجّة
     (1) المائدة : 3.
     (2) الأدلة على عصمة الائمة ( عليهم السلام ) من القرآن والسنة كثيرة منها :
    آية التطهير : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ).



(35)
خشية اختلاطه مع القرآن الكريم ! ولكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والائمة من بعده هم الذين حفظوا حديث رسول الله وكتبوه وتوارثوه ونشروه كمادلّت على ذلك الروايات المتقدمة.

خطأ فظيع :
    قد ينسب بعضٌ الى الامامية القول : انهم يقولون بأن الائمة ( عليهم السلام ) مشرّعون.
    أقول : وهذا من الخطأ بمكان ، لأن مسألة ما يوهم تشريع الائمة للاحكام الشرعية قد ورد فيها ( كما تقدم ) اخبار آحاد لم يسلم من عدم الحجّية إلا رواية واحدة كانت ظاهرة في تفويض أمر الخلق الى الأئمة ليسوسوا الناس بالحق ، ومع التنزل وافتراض اطلاقها لتفويض أمر الدين والخلق ، فبناء على حجية خبر الواحد الثقة ( وهو الصحيح ) تمكنّا ان نجمع بين هذه الرواية وبين الروايات المتقدمة التي أوجبت القطع بكون الائمة ( عليهم السلام ) رواة وحفظة للسُّنة النبوية ، فكانت النتيجة هي : ان الائمة قد فوّض اليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحكم على الامة والتبليغ لأحكام الشريعة التي تمَّت زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهذا رأي نلتزم به والتزمناه وكتبناه في كتابنا الحلال والحرام في الاسلام.
    وهناك من علماء الامامية من ذهب الى عدم حجيّة خبر الواحد منهم :
    1 ـ نُسب الى السيد المرتضى وأتباعه بان الخبر الواحد اذا كان متواتراً أو محفوفاً بقرينة قطعية فهو حجّة ويجوز العمل به وإلا فلا.
    2 ـ نُسب الى المحقق الحلّي بان الخبرالواحد إن عمل به المشهور فهو حجّة وان كان ضعيف السند ، وان لم يعمل به المشهور فليس بحجة وان كان صحيح السند.
    3 ـ نُسب الى صاحب المدارك وغيره بان الخبر الواحد إن كان رجال سنده عدولاً اُخذ به وإلا فلا وان كان رجال سنده من الثقات. وحينئذ : فعلى هذه المسالك الثلاثة لا يكون الخبر الواحد بما انه خبر واحد حجّة. إذن لا يمكن ولا يصح ان ينسب الى الطائفة الامامية اعتقادها بتشريع الائمة للاحكام الشرعية


(36)
الواقعية ( الأولية والثانوية ) وانه أمرٌ مجمع عليه ، فان هذا من الخطأ الفظيع ، اضافة الى أنّ خبر الواحد في المسائل العقائدية ليس حجة بالاتفاق فتنبه.

الفرق بين الائمة ( عليهم السلام ) وغيرهم كأئمة المذاهب والرواة :
    ذكرنا فرقاً بين الائمة من أهل البيت وغيرهم أدى توجيه اعطاء ولاية الحكم والتبليغ الى الائمة دون غيرهم بعد زمن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). اما هنا فنريد بيان فرق آخر بعد التسليم بإعطاء ولاية التبليغ اليهم دون غيرهم ; إذ ليس المراد باعطاء ولاية التبليغ لهم دون غيرهم هو حرمة ان يكون المكلف مبلغاً لاحكام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن طريق نشرها بين الناس ، فان هذا أمر لا يمكن ان يلتزم به أحد ، بل المراد هو اعطاء الولاية في التبليغ لهم ( مع ضم عصمتهم التي أوجبت أو سوغت ذلك ) هو الاطمئنان بعدم امكان تطرق الريب إليهم في الرواية عن النبي ( صلى الله عليه وآله ). ولذا قال الامام أحمد وهو يعلّق على حديث الامام الرضا ( عليه السلام ) المعروف بـ « سلسلة الذهب » عن آبائه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين مرّ بنيسابور : « لو قرأتُ هذا الاسناد على مجنون لبرىء من جنته » (1). وحينئذ يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد تلقى الوحي من السماء ، بينما يتلقّى الأئمة ( عليهم السلام ) ما يوحى به الى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن طريقه ( صلى الله عليه وآله ) ، وهم منفردون بمعرفة جميع الاحكام ( كما تقدمت الروايات الدالة على ذلك ). ولذا
     (1) الاصول العامة للفقه المقارن : ص181 نقلاً عن الصواعق المحرقة : ص203. وسند الحديث وأصل الحديث هو : حينما وصل الامام الرضا ( عليه السلام ) الى نيسابور وقد خرج اليه العلماء يستقبلونه ، فلما صاروا الى المربعة تعلقوا بلجام بغلته الشهباء وقالوا : يا ابن رسول الله حدّثنا بحقّ آبائك الطاهرين حديثاً عن آبائك صلوات الله عليهم أجمعين ، فأخرج رأسه من الهودج وعليه مطرف خز فقال : « حدّثني أبي موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين سيد شباب أهل الجنّة عن أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال أخبرني جبرئيل الروح الأمين عن الله تقدست اسماؤه وجلّ وجهه : « إني أنا الله لا إله إلا انا وحدي ، عبادي فاعبدوني ، وليعلم من لقيني منكم بشهادة ان لا إله إلا الله مخلصاً بها انه دخل في حصني ، ومن دخل في حصني أمن من عذابي ... ». بحارالانوار ج49 : ص120 وما بعدها عن كتاب عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ).
(37)
اشتهر في زمان الخليفة عمر بن الخطاب قوله : « لولا عليّ لهلك عمر ». وقوله « معضلة وليس لها ابوالحسن » ، حينما ترد المعضلة ولا يجد الحلّ الصحيح لها. وعلى هذا فسيكون قولهم ( عليهم السلام ) حجّة يجب الأخذ به ، ويكون ما ذكره الائمة ( عليهم السلام ) من قواعد وطرق استنباط وترجيح للتعارض بين الاخبار وما الى ذلك لا يعدوا ان تكون من تعاليم الاسلام نفسه قد وصلت الى الأئمة ( عليهم السلام ) عن طريق النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بينما يكون دور أئمة المذاهب أو غيرهم من المجتهدين هو الاجتهاد في كل ما يأتون به من أحكام ، فقد يصيبون كما قد يخطِئون ، فليسوا هم مصدراً من مصادر التشريع ، 2ولذا لا يكون قولهم حجّة على المجتهدين الآخرين ، كما يمكن النظر فيما يأتون به من أصل الاستنباط للحكم الشرعي فلا يكون حجّة على الغير.
    واما فرق الائمة ( عليهم السلام ) عن غيرهم من الرواة فهو في عصمة الائمة التي دلّ عليها الدليل ، بخلاف غيرهم الذي يكون في معرض الخطأوالنسيانوان كانوا عدولاً ، كما ان احتمال الدس والكذب بسبب الاهواءيكون موجوداً اذا لم يكونوا عدولاً.
    وعلى ما تقدم : فلا يمكن ان نسمي الشيعة الامامية مذهباً في مقابل بقية المذاهب ، لأن ما يأتي به أئمة الشيعة ليس رأياً لهم وانما هو تعبير عن واقع الاسلام من أصفى منابعه ; فقد ذكر المحدّث أبو جعفر محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفار القمي ( المتوفى سنة 290 هـ. ق ) قال : « حدّثنا أحمد بن محمد عن البرقي عن اسماعيل بن مهران عن سيف بن عميره عن أبي المعزا عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) قال : « قلت له : كل شيء تقول به في كتاب الله وسنّته ، أو تقولون فيه برأيكم ؟ قال ( عليه السلام ) : بل كل شيء نقوله فى كتاب الله وسنة نبيّه » (1). ويتفرع على ما تقدم كون المجتهد من الشيعة الامامية إنْ اجتهد في ضمن إطار الاسلام فقد يُخطىء وقد يصيب كالائمة المجتهدين الأربعة ( ابي حنيفة والشافعي واحمد بن حنبل ومالك ).
     (1) بصائر الدرجات : ج6 ، ص7 ، الباب 15 ، ح1.
(38)
خلاصة البحث :
    بعد اجماع المسلمين على أن القرآن الكريم قد جمع وكتب في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلم يبق من الدين إلاّ السّنة الشريفة التي كانت في صدور الرجال ( الصحابة ) ، الى أن الروايات المتواترة عن أئمة اهل البيت ( عليهم السلام ) تؤكد جمعها وايداعها عند الائمة من قبل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حيث كان الامام علي ( عليه السلام ) يكتب ما أملاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليه ، وقد تواترت الروايات ايضاً فى كون الائمة ( عليهم السلام ) ينقلون ما قاله الرسول ( صلى الله عليه وآله ) واملى على عليّ ( عليه السلام ) فليس هم أهل رأي وقياس بل حَفَظَة للسنة النبوية التي هي عدل القرآن في التشريع ، وبهذا ينتهي الأمر إلى أن كل ما يقوله الائمة ( عليهم السلام ) هو من عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويكون المشرِّع الوحيد للدين الاسلامي الحنيف هو الله سبحانه وما فوضه الله الى نبيّه الكريم وشرعه النبي وأقره الله تعالى عليه ، فاذا اضفنا الى دور الائمة ( عليهم السلام ) فى حفظ السنة النبوية حصانتهم من الانحراف كما تبينه عدة أدلة ومنها الواقع الخارجي الذي كان عليه الأئمة ( عليهم السلام ) من سيرتهم المثلى التي يقتدي بها المسلمون من دون نكير ، يتبيّن لنا عظمة التشريع الاسلامي الحنيف الذي حفظ المصدرين الأساسيين للتشريع من ألاعيب اللاعبين ، وهذا هو سر خلود الشريعة الاسلامية وتفوقها على كل تشريع آخر ، ومعنى : أني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدا. وبهذا ينحل ما يتخيل من التضاد بين الحديث المشهور بل المتواتر : « اني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ... » وبين حديث : « اني مخلف فيكم كتاب الله وسنّتي ... » بناءً على صحة سند الحديث الثاني وصدوره. فسلام الله على نبيه الاكرم حين ولد وحين توفى وحين يبعث حيّاً.
    نسأل الله سبحانه التأييد والتسديد وان يحفظنا من الزلل والزيغ وأن ينفع بنا الاسلام والمسلمين وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين.
    


(39)
بيع التقسيط ( بيع المؤجّل أو بيع النسيئة )