(111)
بعضه فهو ربا. قال معمر : ولا أعلم أحداً قبلنا إلاّ وهو يكرهه.
    2 ـ اخبرنا عبدالرزاق عن الثوري عن ابن ذكوان عن يسر بن سعيد عن أبي صالح مولى السفاح قال : بعت بزّاً لي الى أجل فعرض علي أصحابي أن يعجلوا لي وأضع عنهم ، فسألت زيد بن ثابت عن ذلك فقال : لا تأكله ولا تؤكّله.
    3 ـ اخبرنا عبدالرزاق قال : اخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال اخبرني ابوالمنهال عبدالرحمن بن مطعم قال : سألت ابن عمر عن رجل لي عليه حق الى أجل ، فقلت : عجل لي وأضع لك ، فنهاني عنه.
    4 ـ اخبرنا عبدالرزاق قال : اخبرنا اسرائيل عن عبدالعزيز بن رفيع عن قيس مولى ابن يامين قال : سألت ابن عمر ، فقلت : إنّا نخرج بالتجارة الى أرض البصرة والى الشام ، فنبيع بنسيئة ثم نريد الخروج فيقولون ضعوا لنا وننقدكم ، فقال : إن هذا يأمرني أن افتيه ان يأكل الربا ويطعمه ، وأخذ بعضد لي ثلاث مرات ، فقلت : انما استفتيك ، قال : فلا.
    5 ـ اخبرنا عبدالرزاق قال : اخبرنا ابن عيينة عن اسماعيل بن أبي خالد قال : قلت للشعبي ان ابراهيم قال في الرجل يكون له الدين على الرجل فيضع له بعضا ويعجل له بعضا : انه ليس به بأس ، وكره الحكم بن عتيبه ، فقال الشعبي : أصاب الحكم وأخطأ ابراهيم (1).
    6 ـ ذكر مالك في الموطأ ( تحت باب ماجاء في الربا في الدين ) :
    حدثني يحيى عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن يسير بن سعيد عن عبيد ابي صالح مولى السفاح ، انه قال : بعت بزّاً لي من اهل دار نخلة الى أجل ، ثم اردت الخروج الى الكوفة ، فعرضوا علي أن اضع عنهم بعض الثمن ، وينقدوني ، فسألت عن ذلك زيد بن ثابت ، فقال : لا آمرك ان تأكل هذا ولا تؤكله.
    7 ـ وحدثني عن مالك ، عن عثمان بن حفص بن خلدة ، عن ابن شهاب ، عن
     (1) راجع المصنف 8/71 ـ 75.
(112)
سالم بن عبدالله ، عن عبدالله بن عمر ، أنه سأل عن الرجل يكون له الدين على الرجل الى أجل ، فيضع عنه صاحب الحق ويعجله الآخر ، فكره ذلك عبدالله بن عمر ونهى عنه.
    8 ـ وحدثني مالك عن زيد بن أسلم ، انه قال : كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على الرجل الحق الى أجل ، فاذا حل الاجل ، قال : أتقضي أم تربي ؟ فان قضى أخذ ، وإلاّ زاده في حقه وأخّر عنه في الأجل. قال مالك : والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا ، ان يكون للرجل على الرجل الدين الى أجل فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب ، وذلك عندنا بمنزلة الذي يؤخر دينه بعد محله عن غريمه ويزيده الغريم في حقه ، قال : فهذا الربا بعينه ، لا شك فيه (1).

مناقشة هذه الروايات :
    1 ـ اذا نظرنا الى هذه الآثار الثمانية نراها تشترك في نقطة ضعف مهمة وهي عدم صدور هذه النصوص من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلو كان هذا الحكم قد صدر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) حقاً فما أجدر الاشارة اليه من هؤلاء الرواة ! ! وحينئذ يكون عدم الاشارة الى هذا يجعلنا نقول : إن هذه الآثار إنما هي اجتهادات من قبل اصحابها في تنزيل ( حطّ وتعجّل ) منزلة ( الزيادة مع النظرة ) ، وهذا التنزيل ( كما صرح به في الأثر الرابع حيث صرح السائل بانه يستفتي المسؤول وقد افتاه المسؤول بقوله لا ) اذا كان اجتهادا من صاحبه فهو ليس بحجة علينا مادامت الشريعة قد فرّقت بين الصورتين كما رأينا ذلك من الروايات الصحيحة المتقدمة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وعلى الاقل فان الصورة الاولى ( حطّ وتعجّل ) ليس فيها نهي من قبل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بخلاف الصورة الثانية ( الزيادة مع النظرة ) فان فيه النهي من قبل القرآن ومن قبل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ).
    وهذا الرد على هذه الآثار الثمانية لا يمكن أن ينسحب على الروايات
     (1) راجع لباب في كتاب البيوع من الموطأ.
(113)
الصحيحة المتقدمة التي نقلناها عن الأئمة ( عليهم السلام ) وذلك لان الائمة ( عليهم السلام ) قد صرحوا بان ما يقولوه من أحكام هو عن آبائهم عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرئيل عن الله سبحانه وتعالى ، فمن تلك الروايات ما ورد عن جابر قال : « قلت لابي جعفر ( عليه السلام ) ( الامام الباقر ) إذا حدثتني بحديث فاسنده لي فقال : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن جبرئيل عن الله تبارك وتعالى ، وكلما احدثك بهذا الاسناد » (1).
    وهناك روايات كثيرة متواترة معنى تدلل على ان ما يقوله الأئمة ( عليهم السلام ) ليس هو رأيا مخالفا للرسول ( صلى الله عليه وآله ) ولا هوى ، بل هو شيء له أصل ، فاذا ثبتت هذا وجب الأخذ بما ذكروه من أحكام ( إن كان الرواة الذين ينقلون الرواية عنهم ثقات ايضا ) لان ما يقولونه هو قول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) او فعله او تقريره وهو السنة ، ويكون قول الامام ( عليه السلام ) ناقلا لها.
    فمن هذه الروايات المتواترة ما رواه سماعة عن ابي الحسن ( عليه السلام ) قال : « قلت له كل شيء تقول في كتاب الله وسنته او تقولون فيه برأيكم ؟ قال : بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنة نبيه (2).
    تنبيه : وهذا الذي قلناه من وجوب العمل بروايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) اذا ثبت كونهم من الموثوقين انما هو لالزام غيرنا الذي لا يعتقد ما تعتقده الامامية الاثنى عشرية ، من أن الأئمة الاثنى عشر معصومون من الخطأ والزلل والنسيان كالنبي ( صلى الله عليه وآله ) لما دلت عليه الآيات القرآنية مثل ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) (3) ومعنى اذهاب الرجس عنهم هوالعصمة. ولما ثبت ايضا عند الكل في خطبة الغدير من قول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : « اني اوشك ان ادعى
     (1) وسائل الشيعة ، ج 18 ، باب 8 من ابواب صفات القاضي ، ح 67 وغيره. وأمالي الشيخ المفيد ، ص 26.
     (2) بصائر الدرجات ، 301 ، تأليف المحدّث أبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي ، ( ت 290 هـ. ق ).
     (3) الاحزاب ، 33.

(114)
فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عزوجل وعترتي. كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض وعترتي اهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما » وقد روى هذا الحديث مئة من الصحابة وعشرة ، ورواه من التابعين اربعة وثمانون تابعيا ، ورواه من أئمة الحديث وحفّاظه ثلاث مئة وستون نسمة (1).
    2 ـ ثم نرجع الى مناقشة النصوص الثمانية المتقدمة التي تحرم ( حطّ وتعجّل ) فنقول : بعد الغض عن اسنادها ، وقولنا إنها آثار شرعية منتسبة الى الشارع المقدس ، يحصل هنا تعارض بدوي بين القاعدة الاولية والنصوص التي تقول إن ( ضع وتعجل ) ليس به بأس فهو جائز ، وبين هذه الآثار التي تنهى عنه. ومقتضى الجمع العرفي بين هذه الآثار هو حمل الآثار الثمانية على كراهة هذه العملية ( ضع وتعجل ) ، ومعنى الكراهة هو أن الترك اولى من الفعل ، الا أن الفعل جائز ، وسرّ حملها على الكراهة هو ان النصوص الثمانية التي تحرم هذه العملية تحرمها بواسطة النهي او الكراهة او تنزيل هذه العملية منزلة الربا ، بينما روايات الجواز هي صريحة في الجواز ، فنحمل روايات النهي على النهي الكراهتي ، للنص الصريح المجوز ، اذ يكون هذا النص الصريح المجوز قرينة على أن المراد من النهي هو الكراهة الاصطلاحية ، وكذلك يكون النص الصريح المجوز حاملا للتنزيل على التنزيل في الترك لا الحرمة. ثم ان بعض الآثار الثمانية ليس فيه نهي كما هو الحال في الاثر السادس الذي يقول فيه زيد بن ثابت ( لا آمرك أن تأكل هذا ولا تؤكله ).
    نعم ان الاثر الاول من الاثار الثمانية يقول : ان حط وتعجل هو ربا ، وهذا الاثر يتعارض مع النصوص الصحيحة المجوزة لهذه العملية ، اذ إن جواز هذه العملية لابد أن يكون من باب أنها ليست ربوية وليست محرمة بالكلية ، فالاثر
     (1) راجع كتاب الغدير ، للعلاّمة الاميني.
(115)
القائل إن هذه العملية ربا يكون معارضا للروايات المجوّزة.

ما هو العمل عند تعارض الروايات في عملية حط وتعجل :
    هناك جوابان :
    1 ـ يتلخّص في أن الاثر القائل أن حط وتعجل هو ربا لا يمكن الالتزام به على أنه يفيد الحرمة وذلك لاحد سببين :
    الأول : ان هذا الاثر المحرم يخالف القاعدة العرفية الارتكازية القائلة : أن لكل انسانِ الحق في أن يتنازل عن بعض حقه للآخر ، وهذه القاعدة الارتكازية مستحبة اذا كان التنازل عن الحق للمعسرين ، فقد روى في سنن البيهقي بسنده أن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) قال : « من أحب أن يظله الله في ظله فلينظر معسرا ، او ليضع عنه » وفي حديث آخر : « من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينظر معسرا او ليضع عنه » (1) ، وهذا التنازل عن الحق هو الابراء. كما أن للانسان الحق في أن يتعجل في قضاء دينه المؤجل. فاذا عرفنا ذلك يكون الاثر الاول ( الوارد في الجو الارتكازي والعرفي الدال على جواز ابراء الانسان غيره من بعض الدين ، وجواز أن يتعجل المدين في قضاء دينه ) غير مراد منه الربا المحرم وانما يفهم منه المعنى اللغوي للربا وهو حصول المدين على زيادة وهذا ، شيء نسلم به ، إلاّ أن الكلام في حرمة هذه الزيادة.
    الثاني : أن هذا الاثر الذي يقول إن ( حط وتعجل ) هو ربا لا يمكن الاعتماد عليه كدليل يفيد الحرمة لأن علماء الاسلام ذكروا أن الربا القرضي المحرم هو عبارة عن قسمين :
    1 ـ الربا الجاهلي ( اتقضي ام تربي ).
    2 ـ الزيادة على رأس المال من اول عقد القرض.

     (1) ج 6 ، ص 27.
(116)
وقد ذكر الفخر الرازي موضحا المعاملة التي كانت جارية في الجاهلية وتسمى ربا فقال : « اعلم ان الربا قسمان : ربا النسيئة وربا الفضل. أما ربا النسيئة فهو الامر الذي كان مشهورا متعارفا في الجاهلية وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا ، ويكون رأس المال باقيا ، ثم اذا حل الدين طالبوا المديون برأس المال ، فان تعذر عليه الاداء زادوا في الحق والأجل ، فهذا هو الربا الذي كانوا في الجاهلية يتعاملون به » (1). وعلى هذا فلا يكون ( حط وتعجل ) هو ربا ، لان الربا هو الزيادة على رأس المال يأخذها المقرض ، وهنا ليس كذلك. وحينئذ اذا لم يمكن استفادة الربا المحرم ( من الاثر الثامن ) فلابد من حمل لفظ الربا اما على الزيادة المكروهة او على استحباب تركها ، وتوضيح ذلك :
    أ ـ ان لفظة الربا قد اطلقت على بعض العمليات المحللة بالقطع واليقين ، كما في الروايات القائلة : ان ربح المؤمن على المؤمن ربا ، وفي بعضها الا أن يشتري باكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك ، او يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وأرفقوا بهم (2). وعلى هذا فمجرد وجود لفظة الربا في أثر ( مع أن الموضوع الذي حكم عليه بانه ربا ليس بربا ووجود روايات تحلل هذا الموضوع ) يدل على أن لفظة الربا قد استعملت في الاثر الشرعي بمعنى الكراهة.
    ب ـ توجد روايات تشير الى أن بعض التصرفات هي ربا حلال ، وهذه تسمى بروايات ( ربا العطية ) كما روى ذلك جعفر بن غياث عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : « اربا رباءان احدهما ربا حلال والآخر ربا حرام ، فأما الحلال فهو أن يقرض الرجل قرضا ، طمعا أن يزيده ويعوضه بأكثر مما أخذه بلا شرط بينهما ، فان اعطاه أكثر مما أخذه بلا شرط بينهما فهو مباح له ، وليس له عند
     (1) مفاتيح الغيب المشتهر بالتفسير الكبير ، 7/91 طبعة مصر ( المطبعة البهية ).
     (2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 10 من ابواب آداب التجارة.

(117)
الله ثواب فيما أقرضه ، وهو قول الله عزوجل : ( فلا يربوا عند الله ) وأما الربا الحرام فهو الرجل يقرض قرضا ويشترط أن يرد أكثر مما أخذ فهذا هو الحرام » (1). وعلى هذا نقول ان وجود لفظة الربا في أثر شرعي ( مع وجود الاثار الكثيرة التي تقول إن حط وتعجل ليس بربا ) يدل على أن لفظة الربا محمولة على الربا الحلال ( أي الذي يفضل تركه ويستحب ) فان وجود الروايات المحللة يكون قرينة على هذا الحمل. وحينئذ لا يكون هناك تعارض بين النصوص والاثار.
    2 ـ يوجد حمل آخر للتخلص من المعارضة وللجمع بين الروايات التي تحلل والآثار التي تحرم وهو أن نقول : إن من افتى بتحريم ( حط وتعجل ) كان ينظر الى أن الدائن يبيع ماله الذي في ذمة الغير بأقل منه حالا ، وهذا هو الربا المعاملي ولكنه يختص في هذه الصورة بالمتجانسين المكيلين او الموزونين. وهذا صحيح اذا كانت العملية هي عملية معاوضة الاكثر بالاقل. اما الروايات الصحيحة عن اهل البيت المحللة لعملية ( حط وتعجل ) فهي لا تقول بوجود معاملة اصلاً في البين ، وانما تقول اذا حط الدائن من دينه وتعجل الباقي فهو امر جائز ( سواء قصد الابراء عن الزائد او المصالحة على الدين المؤجل بأقل منه وهو ما يسمى بصلح الحطيطة ، ام لم يقصد شيئا من ذلك ) ، ولذا قلنا إن عملية ( حط وتعجل ) صحيحة حتى اذا كان المال المدين هو من المتجانسين المكيلين او الموزونين ، لأن الدائن عندما يحط شيئا ويتعجل الباقي لم يكن هذا معاوضة بين ما يطلبه وما يأخذه ، وكذلك اذا أبرأ شيئا من ماله مع تعجيل الباقي فانه لا يجري فيه الربا وكذا الامر في المصالحة بالاقل ، فان هذا ما يسمى بصلح الحطيطة فلا يجري فيه الربا. وعلى هذا الحمل اذن لا يوجد اختلاف بين علماء الاسلام ، اذ يكون الأمر هكذا :
     1 ـ اذا عاوض الدائن ماله في ذمة الغير بأقل منه حالا فهو ربا في المكيلين
     (1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 18 من ابواب الربا ، ح 1.
(118)
او الموزونين.
    2 ـ اذا لم يكن هناك معاوضة اصلا ، وانما يسقط الدائن قسما من ماله في ذمة زيد ويعجل زيد له الباقي فهذا صحيح لا ربا فيه حتى في المتجانسين المكيلين او الموزونين.
    3 ـ اذا ابرأ الدائن المدين عن قسم من دينه ، او صالحه على الاقل فهو امر جائز لأنَّ الابر
     لا يدخل فيه الربا ، وكذا هذا الصلح المسمى بصلح الحطيطة.
*      *      *


(119)
التداين ونظرة الإسلام اليه