(181)
1 ـ صحيحة يعقوب بن شعيب قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن شراء النخل فقال : كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث كان يقول : إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الاخرى. قال يعقوب : وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن يطلع سنين او أربعاً ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس انما يكره شراء سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين » (1).
    2 ـ صحيحة الحلبي قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين او أربع سنين فقال ( عليه السلام ) : لا بأس ، تقول : إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل ، وإن اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وإن اشتريته ثلاث سنين قبل ان يبلغ فلا بأس. وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من ارض ، فتهلك ثمرة تلك الارض كلها ، فقال ( عليه السلام ) : قد اختصموا في ذلك الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكانوا يذكرون ذلك ، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ، ولم يحرّمه ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم » (2).
    فمن هذين النصين يتبين أن بيع ثمر النخل والفواكه سنين متعددة لا بأس به ، وهذا هو بيع المعدوم حالاًّ المحقق الوجود مآلاً ، ولا يوجد فيه غرر ، أما بيع ثمرة النخل سنة واحدة فقد كان الاصل هو الجواز كما تقول الرواية ، لكن لما انتهى في بعض الموارد الى الخصومة ( وهي موارد ما اذا هلكت الثمرة قبل القبض وعدم ارجاع الثمن الى المشتري حسب القاعدة المستفادة من الرواية القائلة : « كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » نهاهم عنه ولم يحرِّمه فيكون النهي استثناءً.
     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 1 من بيع الثمار ، ح 8.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 1 من بيع الثمار ، ح 2.

(182)
3 ـ صحيحة يعقوب بن شعيب قال : « قال الامام الصادق ( عليه السلام ) اذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فادرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعاً » (1).
    4 ـ موثقة سماعة قال : « سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها ؟ فقال : لا الا أن يشتري معها شيئاً من غيرها رطبة (2) او بقلاً ، فيقول : اشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا ، فان لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل » (3).
    ويتبيّن من هذين النصين أن بيع المعدوم لا بأس به اذا لم يكن فيه غرر ( خطر ) كما لو اشترى المعدوم مع الموجود وكان المشتري على علم بالحاصل ، وهذا نظير بيع الآبق اذا لم يقدر على تسليمه البائع وكذا لا يتمكن ان يتسلّمه المشتري فإنّه اذا باعه لوحده فهو غير صحيح ، للخطر ، وأما اذا باعه مع الضميمة فحينئذ يصح البيع ، فإن حصل عليه وتسلّمه المشتري فهو ، وإن لم يتسلمه كان ماله في مقابل الضميمة الموجودة. وعلى هذا فيكون الميزان في بيع الموجود والمعدوم واحداً ، وهو عدم جوازهما اذا كان فيهما غرر ( خطر ) وجوازهما اذا زال الغرر ( الخطر ). فلا اصل هناك في جواز بيع الموجود وعدم جواز بيع المعدوم.
    5 ـ عن ثعلبة بن زيد قال : « سألت الامام الباقر ( عليه السلام ) عن الرطبة تباع قطعتين او ثلاث قطعات ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا بأس ... » (4).
    6 ـ عن معاوية بن ميسرة في حديث قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الرطبة يبيعها هذه الجزّة وكذا وكذا جزّة بعدها ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس به ثم قال :
     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 2 من بيع الثمار ، ح 1.
     (2) الرطبة : واحد الرُّطَب : بالضم وفتح الطاء من التمر معروف وجمع الرُطب أرطاب ومنه أرطب البُسر اي صار رُطباً ، راجع مجمع البحرين.
     (3) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 3 من بيع الثمار ، ح 1.
     (4) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 4 من بيع الثمار ح 1.

(183)
قد كان أبي يبيع الحناء كذا وكذا خرطة » (1). وهاتان الروايتان ظاهرتان في جواز بيع الخرطات التي توجد فيما بعد فهي من بيع المعدوم حالاً المحقق الوجود مآلاً ولا غرر فيه.
    إن ادلة عقد الاجارة كلها دليل على جواز بيع المعدوم حالاً المحقق الوجود مآلاً « فالاجارة هي بيع المنافع المستقبلة ، والمنافع ليست موجودة حالاً ولكنها ستوجد مستقبلاً » وقد اجاز الشارع عقد الاجارة بنصوص واضحة كثيرة مع شروط تخرجها عن الغرر (2).
    ونكتفي بهذا القدر من النصوص الشرعية التي تدل على أن بيع المعدوم اذا لم يكن فيه غرر ( خطر ) فهو صحيح وهذا هو الاصل والقاعدة كما في بيع الموجود اذا لم يكن فيه خطر. واما بيع المعدوم والموجود معاً اذا كان فيه خطر وغرر فهو باطل لنهي النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن بيع الغرر. وعلى هذا فالاصل والقاعدة هو عدم جواز بيع الغرر ، فاذا جوزت الشريعة او الفقهاء بيع غَرر خاص يكون استثناءً للاصل ، أما هنا فبيع المعدوم لا يوجد اصل في عدم جوازه ، بل ما تقدم من النصوص تصرح بأنَّ الاصل فيه الجواز اذا كان بعيداً عن الغرر. وعلى هذا فَسوف يكون بيع السلم على الاصل لما فيه من الشروط والقيود التي تخرجه عن كونه بيعاً غررياً « فالمسلَم فيه معين محقق الوجود مآلاً ، ومقداره معيّن بالكيل أو الوزن أو العدّ أو الذرع الذي يرفع الاختلاف والجهالة ، والثمن معلوم يدفع مقدماً ، ووقت التسليم محدد ايضاً بحيث لا يحتمل الزيادة والنقيصة ، وان يكون المسلم فيه موجوداً حين الاجل غالباً » وعلى هذا فكيف صار جوازه استثناءً وقد صرحت الشريعة بكل ذلك؟!
     (1) المصدر السابق ، ح 3.
     (2) راجع وسائل الشيعة ، ج 13 باب 1 ـ 35 من الاجارة توجد روايات متعددة تدل على صحة عقد الاجارة ، فلا يصلح ان يقال : ان الاجارة أجازها الفقهاء استحساناً. راجع مصادر الحق في الفقه الاسلامي ، ج 3 ص 34.

(184)
ثم إننا اذا تعقلنا عرفاً بيع الكلي في المعين الذي هو عبارة عن بيع الكلي الموجود في الخارج الذي له افراد خاصة يمتاز كل فرد عن الآخر بخصوصيته ، لكن المعاملة حينما وردت على فرد لم تلحظ فيه هذه الخصوصية ، فكان بيعاً كلياً في المعين ويكون تشخيص هذه الخصوصية للبائع كما قد يكون تشخيصها بيد المشتري كما اذا قال : بعت كتاباً من هذه الكتب أياً شئت منها ، وتعقلنا ايضاً بيع الحصة المشاعة (1) كمئة متر من الف ، او حصة من البيت مشاعة ، فتحصل الشركة ، ولابدّ من التراضي في التقسيم او القرعة ، نتعقل بيع الكلي المضمون في الذمة الموصوف باوصاف معينة تخرجه عن كونه غررياً واذا تعقل هذا عرفاً شمله : ( أحلّ الله البيع ) و ( تجارة عن تراض ) فتكون مشروعيته اصلية وليست على خلاف القاعدة.

شروط صحة السلم :
    ذكروا أنّ شروط السلم ستة : (2)
    1 ـ ذكر الجنس ( الحقيقة النوعية كالحنطة والشعير ).
    2 ـ ذكر الوصف الرافع للجهالة والمائز بين افراد ذلك النوع. والضابط فيه : هو ما يختلف لاجله الثمن اختلافاً لا يتسامح بمثله ، فذكره لازم. والمرجع في ذلك الى العرف لانه ربما يكون اعرف من الفقيه في هذه الامور. ولا يجب الاستقصاء في الوصف ، بل يجوز الاقتصار على الوصف الذي يزيل اختلاف اثمان الافراد الداخلة
     (1) الفرق بين بيع الكلي في المعين وبيع الحصة المشاعة هو ما ذكرته الروايات بأن الميت اذا ترك ثلث ماله بوصية وقد تلف منه شيء قبل القسمة فانه يتلف على الميت والورثة بالنسبة. اما اذا كان الميت مديناً وقد تلف شيء من التركة ولم يبق الا بقدر الدين فيتخصص الباقي للغرماء ، وما الفرق بين تضرر الوصية وعدم تضرر الدين الا بسبب ان الدين كلي في المعين بينما الوصية على سبيل الاشاعة.
     (2) الذي ذكر ذلك هو المحقق الحلي صاحب الشرائع ، راجع الجزء الثاني من شرائع الاسلام ، ص76.

(185)
في العين. وحينما نقول بعدم وجوب الاستقصاء في الوصف ، فليس معنى ذلك عدم جوازه ، بل هو امر جائز الا في صورة ما اذا ادّى الى عزة الوجود « الممتنعة » فيبطل العقد ، لاننا سنشترط كون وجود الجنس الموصوف غالبياً ، ولعل دليل هذا هو انَّ عقد السلم هو من بيع ما ليس بموجود ، فاذا كان عزيز الوجود كان مؤديا الى التنازع والفسخ ، وهو مناف للمطلوب ، كما ان بعضهم ذكر تعذر التسليم هنا هو المانع من صحة البيع.
    3 ـ قبض رأس المال قبل التفرق ، فان حقيقة السلم ( السلف ) تعتمد على تسليم الثمن ، وعلى هذا فلا يصح ان يكون الثمن كليّاً لم تشتغل ذمة البائع به ( كالدين الذي لم يأتِ أجلُه ) اما اذا كان قد حلّ اجله وتراضيا على كونه هو الثمن صح عقد السلم. ويصح ان يكون الثمن حوالة للبائع فقبضه من المحال عليه في المجلس ، وذلك لحصول قبض الثمن في مجلس العقد قبل التفرق.
    ولكن اذا تراضيا على كون الثمن ديناً على المشتري فالمشهور البطلان لكونه بيع دين بدين مثله (1) فيشمله ما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « لا يباع الدين بالدين » ولصحيح منصور بن حازم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) قال : « سألته عن الرجل يكون له على الرجل طعام او بقر او غنم او غير ذلك فأتى الطالب المطلوب يبتاع منه شيئاً فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لا يبعه نسيئاً واما نقداً فليبعه بما شاء » (2). فان شراء الطالب من المطلوب شيئاً بمالهُ في ذمته يجعل النسيء في الرواية بمعنى السلم.

     (1) هذا اذا لم نقل أن صدق الدين بالدين مخصوص بسبق الدينية ، اما في السلم فيصدق الدين بالدين بعد تمام العقد.
     (2) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 6 من احكام العقود ، ح 8 وهذه الرواية تكون دليلاً لنا كما هي هكذا في بعض الكتب ، اما بناءً على ما نقله صاحب الوسائل عن نسخ التهذيب المعتبرة : « أتى المطلوب الطالب » فهو في عكس المسألة.

(186)
4 ـ تقدير المسلم فيه بالكيل او الوزن أو الذرع او العدّ ( اذا كان يرتفع الغرر به ) لترتفع به الجهالة. وكذا رأس المال.
    5 ـ أنْ يكون المسلم فيه مؤجلا ويجب تعيين الاجل بمالا يحتمل الزيادة والنقيصة ، اما اذا كان المثمن حالاً فهو بيع لا سلم اذا وقع بلفظ البيع. وتدلُّ عليه الادلة العامة الدالة على صحة البيع كأوفوا بالعقود وأحلّ الله البيع ، أو تجارة عن تراض ، مع خصوص صحيح بن الحجاج ، قال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الأحل ، يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالاً ؟ قال : ليس به بأس. قلت إنَّهم يفسدونه عندنا. قال : فأيّ شيء يقولون في السلم ؟ قلت لا يرون فيه بأساً ، يقولون هذا الى أجل فإذا كان الى غير اجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح. قال : اذا لم يكن اجل كان احق به ، ثم قال : لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه الى أجل وحالاًّ لا يسمي له اجل إلاّ أن يكون بيعاً لا يوجد مثل العنب والبطيخ في غير زمانه ، فلا ينبغي شراء ذلك حالاً » ونحوه آخر (1).
    6 ـ ان يكون وجود المسلم فيه غالباً بحسب العادة وقت الحلول ولو كان معدوماً وقت العقد ، ليمكن التسليم. ويدل عليه صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج في حديث : « ... . إنَّ ابي ( الامام محمد الباقر ( عليه السلام ) ) كان يقول : لا بأس ببيع كل متاع تجدهُ في الوقت الذي بعته فيه » (2).
    ومفهومه هو عدم جواز بيع كل متاع لم تكن تجده في الوقت الذي بعته فيه.
    ولعل هذا الشرط قد ذكر للردّ على من اوجب ان يكون الجنس المبيع
     (1) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 7 من احكام العقود ، ح 1.
     (2) المصدر السابق ، ح 3.

(187)
موجوداً حال العقد الى حال المحل كالاوزاعي والثوري وابي حنيفة ) (1).
    اقول : إنّ ما ذُكر مقدّماً بأن لا يكون عزيز الوجود إذا كان راجعاً إلى القدرة على التسليم فهو يكفي عن هذا الشرط ، لأنّه لا يُطمأن بالقدرة على التسليم إلاّ في معتاد الوجود ، وبهذا الشرط يكون السلم قد ورد على موجود بالنوع. ومما يؤكد أنَّ الشرط هو عبارة عن القدرة على التسليم هو : اننا لو بنينا على أن غير القدرة على التسليم للزم « بطلان السلم فيما اتفق انحصار ، في بعض الناس من غلّة أو قهوة أو إبل او غنم أو عبيد وغير ذلك ، وان كان الموجود فعلاً عنده كثيراً فليس له أن يبيع منه ... على انه سلم ، لاشتراط عموم الوجود والفرض انتفاؤه (2).
    اقول : ان هذه الشروط الستة ، قسم منها وهي الاول والثاني والرابع هي شروط في كل بيع ، اما الشرط الثالث والخامس فهي شروط تخص بيع السلم فقط.

حكمة السلم :
    ان الحكمة في بيع السلم واضحة حيث إنّه يحقق كثيراً من منافع المتعاقدين ، فمن لم يكن لديه السيولة النقدية وعنده القدرة على إنتاج السلع والمحصولات
     (1) راجع جواهر الكلام ، ج 24 ، ص 306. وحجتهم في ذلك كما قال الحنفية هو : بطلان الاجل بموت المسلم اليه ( البائع ) ويجب أخذ المسلم فيه من تركته فأشترط لذلك دوام وجود المسلم فيه لتدوم القدرة على تسليمه ، اذ لولم يشترط هذا الشرط ومات المسلم اليه قبل ان يحل الاجل فربما يتعذر تسليم المسلم فيه. ولكن يمكن ان تعالج حالة موت البائع وحلول الاجل بموته مع عدم وجود المسلم فيه بما عالج الحنفية به حالة انقطاع المسلم فيه بعد حلول الاجل وقبل أن يوفى وانعدم وجود المسلم فيه ، فقد قالو هنا يتخير المشتري هنا بين الانتظار الى وجود المسلم فيه وبين الفسخ وأخذ رأس المال ، فيمكن ان يقولوا بنفس هذا العلاج في حالة انقطاع المسلم فيه عند موت البائع من الاجل. راجع المرتقى ج 4/30 وراجع السلم د. الصديق.
     (2) جواهر الكلام ، ج 24 ص 308.

(188)
بكميات كبيرة والشىء الكثير بعد أجل معين ويريد ضمان تصريفها فيتمكن ان يحصل على السيولة النقدية ويسلم البضاعة أو المحصول في وقته الى المشتري ، وهذا بنفسه يشجع على الانتاج المستقبلي في الزراعة والصناعة والعمل ويسدّ باب عدم تصريف البضاعة وكسادها.
    ثم إن المشتري يستفيد من استثمار فائض امواله بشرائه للسلعة السلمية بسعر أرخص بكثير من قيمتها الحقيقية في وقتها وبهذا سوف يحقق ارباحاً له جيدة حيث انه اذا استلم البضاعة فان كان بحاجة الى المال فسوف يبيعها بربح ، وإن لم يكن بحاجة الى المال فسوف يبيعها بيعاً آجلاً بثمن اكبر من ثمنها الحالي ، وبهذا يكون قد استثمر المال مرتين.
    ويمكن ان يقال بان بيع السلم هو البديل الشرعي للتمويل بالقرض بفائدة في كل مجال يحتاج فيه المشروع الى التمويل.

بيان انواع المعاملات التي يجوز فيها السلم :
    اقول : لما كان السلم لغةً واصطلاحاً مختصاً بالبيع كما هو واضح وأن السلم نوع خاص من البيع ، كان من الواضح عدم صحة هذا السؤال ولعل المراد به اصناف المعاملات التي يجوز فيها السلم فنقول : إنَّ اصناف المعاملات التي يجوز فيها السلم كثيرة وحاصلها :
    1 ـ بيع السلم : وهو الشائع من انواع المعاملات السلمية الذي يكون الثمن فيه هو النقد سواء كان ذهباً او فضة او نقوداً ورقية ويكون المثمن فيه سلعة من السلع.
    2 ـ اسلاف الاعراض في الأعراض اذا اختلفت ، كما اذا أسلفه رصاصاً بحنطة ، وقد دل عليه اطلاق خبر وهب عن علي ( عليه السلام ) قال : « لا بأس بالسلف ما


(189)
يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن » (1) المنجبر بالشهرة العظيمة ، ولهذا لا يصار الى ما ذهب اليه ابن أبي عقيل الى عدم جواز السلم الا بالعين والورق ولا يجوز بالمتاع ، والنهي الوارد في هذا النوع يحمل على الكراهة خصوصاً مع التعبير بلفظ « لا ينبغي للرجل اسلاف السمن بالزيت ولا الزيت بالسمن » (2).
    3 ـ اسلاف الاعراض في الاعراض اذا اتفقت ولم تكن مقدرة بالكيل او الوزن كأسلاف الثياب في الثياب.
    4 ـ اسلاف الاثمان في الاعراض كاسلاف النقد بالحنطة. فيشتري منه نقداً الى أجل بحنطة حالّة ، وهذا قد يقال له بيع النسيئة اذا كان البائع قد اشترى حنطة بنقد مؤجل الى ستة أشهر مثلاً. وفي خبر غياث عن جعفر عن أبيه ( عليه السلام ) قال : « لا بأس بالسلف في الفلوس » (3).
    5 ـ اسلاف الاثمان في الاثمان وينقسم الى اقسام :
    الاول : اسلاف الذهب بالفضة او العكس. وهذا لا يجوز لانه عبارة عن بيع الاثمان في الاثمان وقد اشترط فيه التقابض في المجلس فما لم يحصل التقابض يكون باطلاً.
    ولو قيل ان التقابض قد يحصل بكون الاجل قصيراً ، فمع هذا لا يجوز بيع الاثمان في الاثمان سلماً ، وذلك للادلة الدالة على عدم جواز الاجل في النقدين اذا بيع احدهما بالآخر وانه لابدّ من الحلول في بيعهما والتقابض في المجلس (4).
    الثاني : اسلاف الاوراق النقدية في الاوراق النقدية من جنس واحد ، فأيضاً لا يجوز ، لا لأجل ان التقابض شرط اذ ان التقابض شرط في النقدين
     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 7 من السلف ، ح 1.
     (2) المصدر السابق.
     (3) المصدر نفسه ، باب 1 من السلف ، ح 12.
     (4) وسائل الشيعة ، ج 12 ، باب 2 من ابواب الصرف ( الروايات ).



(190)
( الذهب والفضة ) ولكن لا يجوز لأنَّ العرف يرى قرضية هذه المعاملة ، فاذا كان ما يستحقه بعد ستة اشهر اكثر مما اعطاه الآن فهو ربا.
    الثالث : اسلاف الاوراق النقدية في الاوراق النقدية من جنسين مختلفين ، فهذا يجوز على قول المشهور الذي يرى عدم وجوب التقابض في الاوراق النقدية ، وهناك رأي بعدم جواز ذلك لاشتراط التقابض فيها.
    6 ـ يجوز ان يكون ما في الذمة ثمناً في السلم اذا كان حالاً كما تقدم.
    7 ـ كما يمكن تجزئة تسليم السلم على اوقات متفرقة معلومة ، فقد وردت صحيحة ابي ولاد الحناط فقال : « سألت الامام الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل تكون له الغنم يحلبها لها ألبانٌ كثيرة في كل يوم ، ما تقول في شراء الخمسمائة رطل بكذا وكذا درهماً ، يأخذ في كل يوم منه ارطالاً حتى يستوفي ما يشتري ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس بهذا ونحوه » (1).

بيان انواع السلع التي يجري فيها السلم :
    هناك قاعدة في بيان انواع السلع التي يجري فيها السلم وهي كل سلعة تنضبط في الوصف على وجه ترتفع الجهالة ولا يؤدي الى عزة الوجود فيصح فيه السلم قطعاً. فالميزان في صحة السلم رفع الغرر والجهالة ، فيصح في جميع السلع والمعادن والحيوان والطعام والخضر والفواكه بشرط الانضباط في الوصف كما تقدم.
    وقد وردت بعض الروايات التي تمنع السلم او ترشد الى عدم تحققه في الخارج لعدم الانضباط في ذلك الزمان كاللحم نيّه ومشويه والخبز ، ففي خبر جابر : « سألت الامام الباقر ( عليه السلام ) عن السلف في اللحم فقال لا تقربنه فانه
     (1) وسائل الشيعة ، ج 13 ، باب 4 من السلم ، ح 1.