بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 11 ـ 20
(11)
( مئتان وثلاث عشرة ذراعاً ) (1).
     ولكن حصلت زيادات على القدر القديم للمسجد ، فإن كانت هذه الزيادة لجهة المشرق فقد دخلت هذه الزيادة في عَرَفَة ، كما قال البعض وهو القشيري ، فقد قال : « والمسجد ـ أي القديم ـ الذي يصليّ فيه الإمام ـ اليوم ـ يوم عَرَفَة هو في بطن عُرَنَة ، فإذا خرج منه الإنسان يريد الوقوف فقد صار في عَرَفَة ».
     ولكن إذا أخذنا بهذا القول الشائع والمشهور ، وقلنا : إنّ المسجد القديم ليس من عرفات ، وقد صلّى النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) الظهر والعصر فيه فسوف تواجهنا مشكلة ينبغي حلّها ، وهذه المشكلة عبارة عن القول بعدم وجوب الوقوف في عَرَفَة من أوّل الزوال إلى الغروب اختياراً ، بل يكفي الوقوف بعَرَفَة بعد الزوال بمقدار ما يغتسل ويصليّ ويخطب ويذهب إلى الموقف ، بينما ذُكر : أنّ وقت الاختيار في الوقوف بعَرَفَة هو من زوال الشمس إلى غروبها ، وأنّ الركن هو المسمّى ، وكأنّ هذا من البديهيّات ، فقد ذكر الشهيد الأوّل والثاني في كتاب اللُمعة الدمشقيّة وشرحها بأنّ من الواجبات : « الوقف بمعنى الكون بعَرَفَة من زوال التاسع إلى غروب الشمس مقروناً بالنيّة المشتملة على قصد الفعل المخصوص متقرّباً بعد تحقّق الزوال بغير فصل ، والركن من ذلك أمر كلّي وهو جزءٌ من مجموع الوقت بعد النيّة ولو سائراً ، والواجب الكلّ » (2).
     وقد صرّح غير واحد من الفقهاء بذلك ، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب ، فيجب مقارنة النيّة للزوال ليقع الوقوف بأسره بعد النيّة ، وإلاّ فات جزءٌ منه ، ثمّ لو أخّر أثِم ، إلاّ أنّه يجزي ، كما صرّح به في الدروس (3).
     (1) مجلّة العرب السعوديّة : ج5 ، السنة السادسة ، 1972م ، تحت عنوان تحديد عرفات ، عن هداية الناسكين : 173.
     (2) المصدر السابق : ص269.
     (3) جواهر الكلام : ج 19 ص 15.

(12)
    وهذه المشكلة وإن لم تُحلّ بناءً على وجوب الوقوف من الزوال إلى الغروب إلاّ أنّها لا تعينّ القول القائل بوجوب مسمّى الوقوف في عَرَفَات فقط ، فإنّ هذا القول يدفعه وجوب البقاء إلى الغروب وحُرمة الخروج من عَرَفات قبله ، والكفّارة لِمَن تعمّد ذلك ، ووجوب العَود إلى الموقف لو خرج إذا كانت الشمس لم تغرب.
     وقد تحلّ هذه المشكلة بأحد حلَّين :
     الحلّ الأوّل : ( بناءً على وجوب الوقوف ما بين الحدَّين ) بقولنا : إنّ المراد من الوقوف في عَرَفَة هو الوقوف العرفي الذي تكون مقدّماته المشرفة على الوقوف محسوبة منه ، وعلى هذا تكون مقدّمات الوقوف المشتملة على الغسل والصلاة والخطبة والتهيّؤ للوقوف من الوقوف.
     الحلّ الثاني : عدم وجوب دليل يثبت وجوب الوقوف ما بين الحدَّين ، بل ذكر ذلك بعض الفقهاء ، وأمّا الدليل الذي ذكر لنا حجّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فهو يدلّ على أنّ الوقوف يكون بعد الظهر بساعة ـ مثلا ـ إلى غروب الشمس ، وهذا الحلّ الثاني هو الأوفق ، إذ أنّ الحلّ الأوّل وإن كان يثبت أنّ مقدّمات الوقوف من الوقوف إلاّ أنّه لم يثبت أنّ الوقوف كان في عرَفات.

قرائن على أنّ نَمِرة من عَرَفَات :
     وإلى هنا كنّا نؤيّد القول القائل بأنّ نَمِرَة هي خارجة عن حدود عَرَفَات كما ذكرت ذلك الروايات ، ولكن هناك قولٌ آخر يبيِّن أنّ نَمِرَة من عَرَفَات لكنّها خارج موقف الدعاء وسنذكر بعض القرائن على ذلك :
     1 ـ ما قاله في القاموس : « إنّها ـ أي نَمِرة ـ موضعٌ بعَرَفات ، أو الميل الذي
    عليه أقطاب الحَرَم » وحينئذ يكون المراد بُمضيّه الرواح إلى الموقف ميسرة الجبل الذي يستحبّ الوقوف به.
     2 ـ إطلاق عَرَفات في بعض الأخبار على ما يشمل نَمِرَة ـ أيضاً ـ كما ورد في
    صحيح معاوية بن عمّار وأبي بصير جميعاً عن الإِمام الصادق ( عليه السلام ) ، حيث قال :


(13)
    « وحدّ عَرَفَات من المأزمَين إلى أقصى الموقف » (1).
     وهذا الحديث صريحٌ في أنّ ما بعد المأزمَين إلى أقصى الموقف اسمه عرفات ، ونَمِرَة داخلةٌ في عرفات ، حيث إنّها واقعةٌ على يمين مَن خرج مِن المأزمَين وأراد الموقف ، وعلى هذا فيكون إطلاق عرفات على ما بعد نَمِرَة في بعض الأخبار لأجل أفضليّة هذه القطعة ، أو لكونها محلاًّ للاعتراف بالذنوب ، لا أنّ عرفات هي هذه القطعة فقط.
     3 ـ ما ذُكر من استحباب الجمع بين الصلاتَين بعَرَفَة ، قال في التذكرة : « ويجـوز الجمع لكلّ مَن بعَرَفَـة من مكّي وغيره ، وقد أجمع علماء الإسلام على أنّ الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعَرَفَة » (2).
     وعلى هذا يظهر أنّ صلاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانت بعَرَفَة ، ويشهد لهذا ما رُويَ في دعائم الإسلام عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن عليّ ( عليه السلام ) : « أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غدا يوم عَرَفَة من منى فصلّى الظهر بعَرَفَة ، لم يخرج من منى حتّى طلعت الشمس » (3).
     كما يظهر من خبر جذاعة الأزدي معروفيّة إيقاع الصلاتَين بعَرَفَة في ذلك
    الزمان ، حيث قال : قلت للإمام الصادق ( عليه السلام ) : رجلٌ وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو حتّى أفاض الناس ، قال ( عليه السلام ) : « يجزيه وقوفه. ثمّ قال : أليس قد صلّى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا ؟ ! قلت : بلى. قال ( عليه السلام ) : فعرفات كلّها موقف ، وما قرب من الجبل فهو أفضل » (4).
     4 ـ لقد ذكر بعض الفقهاء : أنّ نَمِرَة من عَرَفَة ، فقد قال الصدوق في المقنع :
     (1) الوسائل : ج10 ، الباب 10 من أبواب الإحرام بالحجّ والوقوف بعرفة ، ح8.
     (2) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، للمحقّق صاحب الجواهر : ج19 ، ص23.
     (3) مستدرك الوسائل : ج10 ، الباب 7 من أبواب إحرام الحجّ ، ح1.
     (4) وسائل الشيعة : ج10 ، باب 16 من أبواب احرام الحج ، ح2.

(14)
     « ثم تلبّي وأنت مارٌّ إلى عرفات ، فإذا ارتقيت إلى عرفات فاضرب خباءَك بنَمِرَة ، فإنَّ فيها ضَرَب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خباءه وقبّته ، فإذا زالت الشمس يوم عَرَفَة فاقطع التلبية ، وعليك بالتهليل والتحميد والثناء على الله ... ثمّ قال : إيّاك أن تفيض منها قبل غروب الشمس ... ».
     وقال ابن بابويه في الفقيه : « فإذا أتيت إلى عرفات فاضرب خباءَك بنَمِرَة قريباً من المسجد ، فإن ثمَّ ضرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خباءه وقبّته ... ».
     وفي المقنعة : « ثمّ لِيُلَبّ وهو غاد إلى عرفات ، فإذا أتاها ضرب خباءه بنَمِرة قريباً من المسجد ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضرب قبّته هناك ... » (1).
     وقد ذكر عن بعض الحنفيّة : أنّه قيل : حدّ عرفات ما بين الجبل المشرف على بطن عرنة إلى الجبال المقابلة لعرنة ممّا يلي حوائط بني عامر وطريق الحضّ.
     وعن الأزرقي : عن ابن عبّاس : أنّ حدّ عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة ـ بالنون ـ إلى جبال عرفات إلى وصيق إلى ملتقى وصيق ووادي عرنة.
     وعن بعضهم : أنّ مقدّم مسجد إبراهيم ( عليه السلام ) أوّله ليس من عُرَنَة ، ومقتضاه أنّ ما عدا الأوّل من عرفات ، فيمكن أن تكون صلاة النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فيما كان منه من
    عرفات ، ويشهد لذلك ما يُحكى عنهم من الجواب لأبي يوسف ( عن إشكاله بمنافاة الصلاة للوقوف من أوّل الوقت إلى الزوال ) بأنّه لا منافاة ، فإنّ المصليّ واقف. وهذا كالصريح في كَون المسجد من عرفة. وقد تقدّم منّا عن الرافعي الجزم بذلك مع شدّة تحقيقه واطّلاعه (2).
     أقول : إذا أخذنا بهذه القرائن على أنّ نَمِرَة التي فيها المسجد الذي يُقال عنه : إنّه مسجد إبراهيم ، وقُلنا : إنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قد صلّى فيه الظهر والعصر جمعاً فيجب أن
     (1) جواهر الكلام : ج19 ، ص20 و23 ـ 24.
     (2) المصدر السابق : ص26 ، 27.

(15)
     نفسّر الروايات القائلة بذهاب النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى الموقف بعد الصلاة بإرادة موقف الدعاء في ميسرة الجبل الذي يُستحبّ فيه الوقوف أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء والتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير لنفسه ولغيره ممّا جاءت به النصوص في ذلك الموقف.
     والتحقيق : أنّ هذه القرائن كلّها لا تقف في وجه الروايات القائلة بأنّ الوقوف في نَمِرَة ـ التي هي بطن عرنة ـ لا يجزي.
     ولا بأس بالتنبيه في آخر كلامنا عن نَمِرَة ، بأنّ في حدود عرفات يوجد جبل اسمه ( جبل نَمِرَة ) وهو غير قرية نَمِرَة التي هي بطن عرنة ، وإنّما عرّفه البلادي : « بأنّه جبلٌ صغير بارز تراه غربك وأنت واقفٌ بعرفة بينك وبينه سيل وادي عرنة ، وإذا كنت تؤمّ عرفة عن طريق ضبّ تمرّ بسفحه الشمالي » (1).
     وهذا الجبل خارج عن حدود عرفة كما هو واضح.

2 ـ عُرَنَة :
     عُرَنة : بضمّ العين المُهملة وفتح الراء المهملة وفتح النون ـ هي وادي ما بين عرفات والحرم عرضاً ، وهو حدّ عرفات من الناحية الغربيّة ، حيث يبتدئ من الجهة الشماليّة من مُلتقى وادي وصيق بوادي عُرَنَة ، وينتهي من الجهة الجنوبيّة عندما يُحاذي أوّل سفح الجبل الواقع بين طريق المأزمين وطريق ضبّ ، والذي بطرفه الشمالي قرية نَمِرَة من الجهة الشرقيّة غربيّ الواقف هناك وغربيّ سفح الجبال التي في منتهى عَرَفَة من الجهة الجنوبيّة الشرقيّة بخطٍّ مستقيم ، وقد قُدِّرت المسافة بين وصيق بوادي عُرَنَة من الجهة الشماليّة إلى مُنتهاه من الجهة الجنوبيّة بخمسة آلاف متر (2).
     وبين وادي عُرَنَة المذكور وبين الموقف عَلَمان كبيران يقعان شمالي شرقي
     (1) معجم معالم الحجاز : ج9 ، ص92.
     (2) جاء ذلك في قرار اللجنة الحكومية السعوديّة المنشور في مجلّة العرب السعودية : ج5 ، السنة السادسة ، 1972م ، من الصفحات 375 ـ 384 ، تحت عنوان : تحديد عرفات ، عن هداية الناسكين : ص172.

(16)
     مسجد إبراهيم ، وهما الحدّ الفاصل بين وادي عُرَنَة وبين عَرَفَة ، كما ذكر ذلك تقيّ الدين الفاسي في كتابه ( شفاء الغرام ) حيث قال : « وكانت ثمّة ثلاثة أعلام سقط أحدها ، وهو الذي إلى جهة المغمّس وأثره بيّن ، ورأيت عنده حجراً مُلقىً مكتوباً فيه : أمر الأمير الأصفهسلار الكبير مظفّر الدين صاحب إربل حسان أمير المؤمنين بإنشاء هذه الأعلام الثلاثة بين منتهى أرض عَرَفَة ووادي عُرَنَة ، لا يجوز لحاجّ بيت الله العظيم أن يجاوز هذه الأعلام قبل غروب الشمس ، وفيه كان ذلك بتاريخ شعبان من شهور سنة ( 605 هـ ) ، ورأيت مثل ذلك مكتوباً في حجر مُلقىً في أحد العَلَمين الباقيَين ، وفي هذَين العَلَمين مكتوب : أمَرَ بعمارة علَمَي عرفات ، وأضاف كاتب ذلك : هذا الأمر للمستظهر العبّاسي ، ثمّ قال : وذلك في شهر ... سنة أربع وثلاثين وستمائة » (1)
     وقد تقدّم منّا ذكر الحديث عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في خبر إسحاق الذي يقول : « ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات » وهو يدلّ دلالة واضحة على أنّ عرنة ليس
    من موقف عرفة ، للأمر بالارتفاع عنه الذي لازمه النهي عن الإتيان بالوقوف به.
     وبعبارة اُخرى : أنّ وادي عُرَنَة لمّا كان ملاصقاً لموقف عَرَفَة ، بل ومشابهاً له احتاج إلى أن يُنبَّه على عدم إجزاء الوقوف فيه والأمر بالوقوف حين الارتفاع عنه.
     أقول : إنّ الأحاديث المتقدّمة التي ذكرت أنّ عُرَنَة ليست من عرفات قد شخّصت منذ قديم الزمان بأعلام تفصل بين عَرَفَة ووادي عُرَنَة ، وبهذا التحديد وبيان المصداق تخلّصنا من مشكلة التعيين التي لابدّ فيها من الرجوع إلى أهل الخبرة التي يضعف الاعتماد عليها كلّما تمادى الزمان.

إشكال في تعيين صُغرى عَرَفات :
     قلنا فيما تقدّم : إنّ الروايات التي ذكرت بأنّ عُرَنَة ليست من عرفات قد
     (1) المصدر السابق.
(17)
    شخّصها المتقدّمون علينا بزمن ليس بالقليل ، فقد ارتفع إشكال تحديد معنى عرفات من ناحية المصداق ، ولكن مع هذا بَقي إشكال واحد هو : إذا كانت عُرَنَة هي وادي بين عرفات والحرم عرضاً فينبغي أن يكون بانتهاء الوادي العرضي موقف عرفات ، ولكنّنا نرى الآن بين العَلَمينَ الذين وضَعَهُما ملك إربل في عام ( 605 هـ ) وبين مجرى وادي عُرَنَة مسافة لا يقلّ عرضها عن مائة متر وهي مرتفعة عن وادي عُرَنَة ، فكيف لا تكون داخلة في موقف عرفة ؟ !
     الجواب : أنّه لابدّ من الرجوع إلى أهل الخبرة ، فقد ذكروا : أنّ مجرى وادي عُرَنَة آنذاك هو بداية وضع الأعلام ، ولكن بما أنّ سهول عَرَفَة كلّها رمال تنتقل فقد تراكمت الرمال في هذا الجانب من الوادي ، وقد ذكر القاطنون في تلك الأماكن بأنّ سيل الوادي قد يشتدّ في بعض الأحيان فيعلو على هذه الأتربة ويُزيلها (1).
     وعلى هذا فيبقى أنّ حدّ عَرَفَة هو ما اُثبت بواسطة الأعلام منذ قديم الزمان ، وأنّ الأحكام الشرعيّة لا تتبدّل ولا تتغيّر بتراكم الأتربة في أحد جانبيَ الوادي.

3 ـ ثَويَّة :
     ثوية : بفتح الثاء وتشديد الياء :
     لقد ذكر الطريحي في مجمع البحرين قول : « والثويّة : حدٌّ من حدود عَرَفَة ، وفي الحديث : ليست منها ».
     وقد ذكر في كتاب المجاز بين اليمامة والحجاز ما نصّه : « عرفات : إذا ترك الطريق ثنية ( الجُليلة ) خلفه ووادي نعمان يساره دلف إلى منطقة عرفات مارّاً بجنوبيّها غربيّها » (2).
     وقال البلادي في ( معجم معالم الحجاز ) معرّفاً الجُليلة ـ وهي بالتصغير وتشديد الياء المثنّاة ـ شِعْب يسيل من جبل ملحة فيصبّ في عرفة من الجنوب
     (1) هكذا جاء في قرار اللجنة الحكوميّة السعوديّة المنشور في مجلة العرب ، عن هداية الناسكين.
     (2) المجاز بين اليمامة والحجاز ، ابن خميس : ص290.

(18)
    الشرقي مجتمعاً مع الأحموم ، في رأسه ريع ( يعني ثنية ) بهذا الاسم يطلعك من عرفة على نعمان » (1).
     وقد ذكر محقّق كتاب هداية الناسكين هذا الاستنتاج : « وهذا يعني أنَّ هذه الثنية أو الريع حد من حدود عَرَفَة ، وعليه فمن المظنون قويّاً أنّ كلمة ( ثنية ) دخلها تحريف النسخ فعادت ثَويَّة » (2).
     أقول : إذا كانت ثويّة أو ثنية هي حدّ عَرَفَة من ناحية الجنوب الغربي فإنّ جنوب عَرَفَة جبالٌ ممتدّةٌ من المشرق إلى الجنوب ، وقد اخترق فيها قبل فترة طريقٌ للسيّارات الذاهبة إلى الطائف ، فما أدخله هذا الحدّ من حوائط ابن عامر وقرية عَرَفَة داخلٌ في عرفات.
     وقد نقل الطبري في القرى نقلا عن البلخي في معرفة حائط بني عامر فقال : « حائط بني عامر غير عُرَنَة ، وبقربه المسجد الذي يجمع فيه الإمام الظهر والعصر ،
    وهو حائط نخل وفيه عين تُنسب إلى عبد الله بن عامر بن كريز ، قلت : وهي الآن خراب ». وقد شوهد أخيراً الآثار لتلك الحوائط من الجهة الجنوبيّة عندما كشفت الرياح من آثار المصانع والبرك الكبار والأساسات القويّة التي تشير إلى أنّه كان في الموضع المذكور قصورٌ وحوائط وجوابي واسعة تليق بمكانة هذا الرجل الشهير ، والذي قال ابن الأثير عنه : « إنّه أوّل مَن اتّخذ الحياض بَعَرَفَة وأجرى فيها العين » (3).
     وقال ياقوت في ( معجم البلدان ) نقلا عن البشاري : « قرية عرفة : قرية فيها مزارع وخضر ومطابخ وبها دورٌ حسنة لأهل مكّة ينزلونها يوم عَرَفَة والموقف منها على صيحة » (4). فإذا كانت قرية عَرَفَة داخلةً في حدود عرفة فالمراد
     (1) معجم معالم الحجاز ، البلادي : ج2 ، ص166.
     (2) هداية الناسكين ، للدكتور الفضلي : ص169.
     (3) راجع مجلّة العرب السعوديّة : ج5 ، السنة السادسة : ص375 ـ 384.
     (4) المصدر السابق.

(19)
     من الموقف هنا هو الوقوف في سفح الجبل للدعاء الذي يكون مستحبّاً.

4 ـ ذو المجاز :
     قال الأزرقي في أخبار مكّة : « وذو المجاز : سوقٌ لهُذيل عن يمين الموقف مِن عَرَفَة قريب كبكب على فرسخ من عَرَفَة » (1).
     وقال حمد الجاسر : « يسمّى المجاز الآن ، وهو واد عظيم يحفّ كبكب من غربيّه ثمّ يمرّ بعرفات ، وفيه مياه ومزارع على المطر ، وسكّانه هذيل » (2).
     وقد اختصره صاحب الجواهر بقوله : « وهو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب » (3).
     وفي الوافي : « وفي النهاية : ذو المجاز موضعٌ عند عرفات كان يُقام فيه سوقٌ من أسواق العرب في الجاهليّة ، والمجاز موضع الجواز والميم زائدة ، سمّي به لأنّ إجازة الحاج كان فيه » (4).
     أقول : إذا كان ذو المجاز هو السوق فهو بعيدٌ من عرفات وليس حدّاً لها ، وإذا كان هو الوادي العظيم الذي يمرّ بعرفات فتكون إحدى جهاته حدّاً لعرفات ، وهي الجهة الملاصقة لعرفات منه ، ولمّا كان هذا الوادي شبيهٌ بعرفات نهى الشارع المقدّس عن الوقوف فيه.

5 ـ الأراك :
     والمقصود به نعمان الأراك.
     (1) أخبار مكّة ، الأزرقي : ج1 ، ص191.
     (2) راجع المجاز بين اليمامة والحجاز ، لابن خميس : ص284.
     (3) جواهر الكلام : ج19 ، ص18.
     (4) كتاب الوافي للفيض الكاشاني : ج13 ، ص1021.

(20)
     قال البلادي : « واد فحل من أودية الحجاز التهاميّة ... وينحدر غرباً ، فيمرّ جنوب عرفات عن قرب ، ثمّ يجتمع بعُرَنَة فيطلق عليه اسم عُرَنَة ، يمرّ بين جبلَي كُساب وحَبَشي جنوب مكّة على أحد عشر كيلا ، ويكون هناك حدود الحرم الشريف ، ويتّسع الوادي بين كبكب والقرضة فيسمّى خبت نعمان لفياحه وسعته » (1).
     وقال الجاسر : « ونعمان : واد عظيم يقطعه القادم من الطائف إلى مكّة من طريق كرا إذا أقبل على عرفات ، وهو يحفّ جنوب عرفات ، فيه مزارع ومياه كثيرة » (2).
     وقال في مجمع البحرين : « الأراك كسحاب شجر يُستاك بقضبانه ، له حمل كعناقيد العنب يملأ العنقود الكفّ ، والمراد به هنا موضعٌ بعرفة من ناحية الشام قرب نَمِرَة » (3).
     أقول : يبدو ـ كما ذكرنا سابقاً ـ أنّ الأراك ليس من حدود عرفة ; لعدم ملاصقته للحدود ، وإنّما نُهي عن الوقوف فيه وصرّح بعدم الإجزاء ; لاحتمال الاشتباه في الوقوف فيه.
     وقد ذكر الدكتور الفضلي : أنّ عين زبيدة الشهيرة تنبع منه (4).
     والخلاصة : فعرفة من جهة الشمال الشرقي حدّها جبل سعد ( جبل عرفات ).
     ومن جهة الشرق سلسلة جبال. وكذا من جهة الجنوب. ومن الغرب وادي عُرَنَة.
     وعلى هذا فسيكون ذو المجاز ـ إذا لم يكن هو السوق ـ حدّها من جهة الشمال الغربي.
     (1) معجم معالم الحجاز : ج9 ، ص69.
     (2) انظر المجاز لابن خميس : ص287.
     (3) مجمع البحرين للطريحي ، مادّة أرك.
     (4) هداية الناسكين : 169.
بحوث في الفقه الاسلامي ـ الجزء الثاني ::: فهرس