بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 211 ـ 220
(211)
    إلاّ لأنّ هذه الأوراق النقديّة هي أموال اعتبارية تحمل قيمة شرائية ونحن لم نأخذ منه إلاّ الأوراق الاعتبارية فيجب ارجاعها بنفسها ، وأما القوة الشرائية فهو أمر معنوي تحمله الأوراق النقدية فلا يجب ارجاعه لأنّه ليس قيمة حقيقية ، وبعبارة اُخرى أنَّ الأوراق النقدية أصبحت أموالا بالاعتبار ، بمعنى أنَّ قيمتها متقومة به فهي كالسلع ولكنها تحمل قيمة اعتبارية لا حقيقية ، فلا يجب ارجاعٌ إلاّ النقد الورقي ، لا قيمته الشرائية.
     على أن هذا التكييف مشترك بين زيادة التورم ونقيصته ، فيجب أن يلتزم من يقول به بدفع الأقل ممّا أخذه لو انخفض التورم ، ولا يلتزم بهذا أحد ، ممّا يكشف على أن القوة الشرائية ليست هي المنظورة حين تسلّم النقد الورقي.
     ثم إن الضمان إذا كان للنقد الورقي عرفاً ، وليست القوة الشرائية مضمونة ـ لما قلناه ـ فيكون ارجاع القوة الشرائية على أنَّ الآخذ مسؤول عنها بالعقد من باب أكل المال بالباطل ، حيث لا يستحقها الطرف الآخر ، وعلى هذا سوف يكون اشتراطها بالعقد غير جائز أيضاً.
     هذا وقد يقال : بأنّ صحة هذا الضمان يؤدّي الى حلية الربا القرضي ، ولكنه قول باطل حيث اننا إذا قلنا بصحة هذا الضمان فتقيد ادلّة حرمة الربا في صورة ارجاع العين مع الزيادة مع عدم تنزل القيمة السوقية أو مع ارتفاعها.

وجه آخر لضمان القوة الشرائية للنقد :
     وخلاصته أنَّ النقد بأقسامه ( الذهب والفضة والاوراق النقدية ) هي أموال ( حقيقة أو اعتباراً ) وهذه الأموال مثلية ، وتكون قوتها الشرائية من صفات المثل ، فلابدّ من الاحتفاظ بها لدى الأداء ، ولذا يجب ارجاع مبلغ أكبر لدى ضعف القوة الشرائية في وقت الأداء بواسطة التورم.
     وهذا الوجه يختلف عن سابقه الذي كيّف الزيادة عند شدة التورم والنقيصة


(212)
    عند انخفاض التورم ، وحيث يكيّف هذا الوجه الزيادة عند شدة التورم فقط ، وذلك : لأنّ المستلم للنقد مسؤول عن كميته وعن قوته الشرائية التي فيه معاً ، فإذا انخفظت القوة الشرائية كان عيه ارجاع مقدار أكبر ، حفاظاً على القوة الشرائية التي هو مسؤول عنها ، وإذا ارتفعت القوة الشرائية كان عليه ارجاع نفس الكمية حفاظاً على الكمية.
     ويرد على هذا الوجه :
     1 ـ لا تعتبر القوة الشرائية من صفات المثل التي يجب الاحتفاظ بها من قبل الطرف الآخر في ما أخذه من النقد. وسوف نوضح هذا الأمر أكثر فيما يأتي.
     2 ـ إنَّ اختلاف القوة الشرائية في النقد الذهبي والفضي كان أمراً مبتلى به في زمن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) بسب تعرضهما للصعود والنزول ، ولم يرد أثر شرعي يشير الى أنَّ القوة الشرائية ينبغي أن ترجع فيما إذا انخفظت بالاضافة الى ارجاع نفس العين ، بل لم يكن يؤثر هذا في تحريم الزيادة عند الردّ واعتبارها رباً محرّماً لشمولها لقوله تعالى : ( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون ) ، فكيف يقال بضمان القيمة الشرائية للنقد الورقي الاعتباري ؟!
     ثم أنَّ تكييف ضمان القيمة الشرائية إذا تنزل النقد الورقي كان مبتنياً على أنَّ القوة الشرائية من أوصاف المثل ، فلابدّ لنا من تحقيق في معرفة اوصاف المثل التي تضمن وتفريقها عن الاوصاف التي لا تضمن ، فنقول :
     إن الشارع المقدّس لم يرد منه نص على تحديد مثلية المثل ، فلابدّ من الرجوع إلى النظر العرفي ، والعرف يرى أنَّ الاوصاف الدخيلة في مثلية المثل وتكون مضمونة إذا زالت هي الاوصاف الذاتية ، ونقصد بها الاوصاف التي تكون ثابتة للشي ومطلوبة بحدِّ ذاتها بغضّ النظر عن نسبتها الى حاجة الإنسان أو سائر الأموال ، كالطعم في البطيخ واللون في القماش ، والسُمك في الثوب لوقايته من البرد ، وخواص الدواء المؤثرة في الشفاء ، وكمية الخبز المؤثرة في الشبع.


(213)
    أمّا الاوصاف في الشي الراجعة الى قياس حاجات الإنسان كالثوب السميك الذي يُستعار في الشتاء ويُرجع في الصيف ، والدواء الذي يُستعار مثلا في حالة كثرة الأمراض وقلة الدواء ويُرجع في حالة شيوع السلامة أو كثرة الدواء ، والخبز الذي يقترض ـ مثلا ـ أو يستعار في حالة جوع المالك ويُرجِع إليه حالة شبعه ، كل هذه الاوصاف لا تعتبر تغييراً في الوصف الذاتي للسلعة ، فلا يقال عن هذا أنَّه تصرّفٌ في السلعة وتقليل من المنفعة الاستعمالية.
     وكذا الاوصاف الراجعة الى مقايسة الشيء مع باقي السلع في الرخص أو الغلاء ، كالقيمة أو القوة الشرائية للنقد ، فهي ليست أوصافاً ذاتية للنقد ، فلو نقصت القوة الشرائية للنقد المقترض أو المأخوذ بإذن حين ارجاعه فلا يُعتبر هذا تغييراً في النقد الورقي وتصرفاً فيه يتبعه تقليل المنفعة الاستعمالية عرفاً.
     وقد يقال : إنّ إرجاع المثل والصفات الذاتية للنقد مع قلّة المنفعة الاستعمالية ( قلّة القوة الشرائية ) بالقياس الى حاجات الإنسان يوجب ضماناً عند الفقهاء ، وذلك في مثل مَنْ غصب ثلجاً في شدّة الحرّ ثم أرجع نفس المقدار الى مالكه في الشتاء الشديد البرد ، فقد يقال : إنّ المنفعة الاستعمالية التي انتفت ببرد الهواء توجب ضماناً وإن لم تكن من أوصاف المثل ، فيجب على الغاصب الفرق بين ثلج الشتاء وثلج الصيف.
     والجواب : أنّ الضمان الذي أوجبه الفقهاء هنا ليس ناشئاً من انتفاء المنفعة الاستعمالية بواسطة برد الهواء ، والدليل على ذلك هو عدم الحكم بالضمان في صورة ما إذا اقترضتُ ثلجاً في الصيف أو استعرته على أن اُرجعه في الشتاء ، وارجعته في شدة البرد ، مع أنَّ القيمة الاستعمالية قد انتفت في المثالين ، فلابدّ لنا من الفحص عن سبب الضمان في مثال الغصب فنقول :
     1 ـ إنّ الغاصب قد أرجع المثل حقيقة فلا وجه لتضمينه من هذه الناحية.
     2 ـ لقد تضرر المالك بتفويت المنفعة الاستعمالية ، ولكن تفويتها لا يوجب ضماناً كما تقدّم في مثال القرض والاستعارة.


(214)
    نعم ، إنّ تضمين المنفعة الاستعمالية في مثال الغصب كان له سبب خاص وهو الحيلولة بين المالك وبين ما كان يقدر عليه من الانتفاع بثلجه في الصيف ، وهو ما يسمى بالاضرار بمالك الثلج ، بينما هذا الاضرار ( الحيلولة ) لم يوجد في مثال اقدام المالك على الإقراض على أن يُرجع في الشتاء ، لأنَّ الاضرار هو المنع عن الانتفاع بالشيء رغم الحاجة إليه. اذن نتمكن من التفصيل بين مَنْ غصب سلعة أو مالا (1) وأرجعه بعد مدّة الى صاحبه وقد تنزلت قوته الشرائية والتبادلية نتيجة لزيادة التضخم ، وبين استعارة السلعة أو المال أو الاقراض أو الاجارة ، وقد اُرجعت السلعة أو اُرجع المال ( الورق النقدي ) وقد تنزلت القيمة السوقية أو الشرائية نتيجة لزيادة التضخم ، ففي الصورة الأولى يجب على الغاصب ارجاع ما يناسب التورم بالاضافة الى ارجاع نفس العين ، وذلك لأنّه منع المالك من الانتفاع بعينه رغم حاجته إليه ، فقد اضرّه ضرراً يحكم الارتكاز العقلائي بتداركه ، بالاضافة الى قاعدة نفي الضرر.
     أمّا في الصورة الثانية فلا يجب إلاّ ارجاع نفس العين التي دخلت في الضمان وأوصافها الذاتية الدخيلة في المثلية.
     أمّا القوة الشرائية والتبادلية فهي ليست مضمونة هنا لأنّها ليست اوصافاً ذاتية دخيلة في المثلية ، ولم يكن هنا أي اضرار بالمالك حتى نقول بوجوب التدارك بالارتكاز العقلائي أو بقاعدة نفي الضرر.

هل حكم السلطة المزيدة للورق النقدي كالغاصب ؟
     إنّ السلطة المعتبِرة للاوراق النقدية إذا أدخلت من نقدها مبلغاً كبيراً الى
     (1) ان هذا التفصيل لا يفرق فيه بين السلع والأوراق المالية الاعتبارية لأنَّ منفعته السوقية هي المنفعة الاستعمالية عرفاً.
(215)
    السوق ، فانخفضت القوة الشرائية ، وبما أنَّ القوة الشرائية للورق النقدي هي القوة الاستعمالية ، فهل تضمن الدولة ـ كالغاصب ـ ما نقص من القوة الشرائية للنقد الورقي ؟
     والجواب : بوجود فرق بين الدولة والغاصب ، لأنَّ الدولة هي التي أعطت الاعتبار للاوراق النقدية وهو حقّ لها ، فالقوة الشرائية من أساسها مستمدة من الدولة والسلطة ، وحينئذ يكون من حقّ الدولة إضافة هذه الأوراق النقدية ، لأنّها لم تعمل إلاّ ما كان من حقّها ، وحينئذ لا يحكم عقلائياً بوجود ضمان على الدولة التي أعملت حقها ، بخلاف الغاصب الذي ليس له أي حقّ في الغصب.
     ونتمكن أن نُشبّه ما نحن فيه بعصر النقد الذهبي والفضي ، فمن حقّ أي انسان أن يكتشف منجماً للذهب أو الفضة رغم أدائه الى نزول القوة الشرائية للنقد الذهبي والفضي عند الناس ، ولا يقول أحد بالضمان على المكتشِف ، كما أنَّ من حقّ أي انسان أن يزرع حنطة أو شعيراً أو غيرهما رغم أدائه الى تنزل القيمة التبادلية لهذه الأشياء عند كثرة السلعة خارجاً ، ولا يقول أحد بضمان الزارع لأنّه تسبب في انخفاض القوة التبادلية للسلع.

14 ـ هل تتعلّق الزكاة بالنقود الورقية ؟
     كان يصح في زمان سابق القول بأنّ الأوراق المالية هي نائبة عن رصيدها من الذهب أو الفضة المحتفظ به في خزانة مصدِّر الأوراق ( الدولة ) ، فهي حاكية عن تلك الارصدة ، كما كان يصح سابقاً القول بتبدل الاحتفاظ بالذهب والفضة إلى التعهد بدفع الرصيد لمن جاء بالورقة النقدية الى مصدِّرها. ومعنى هذا أنّ مصدِّر الورقة تعهد تعهداً مستقلا بإعطاء الرصيد عوضاً عن الورقة التي تقدّم له.
     أمّا في هذه المرحلة التي نعيش فيها ، فلا يصح شيء ممّا تقدّم ، بل إنّ المعروف.


(216)
    عالمياً هو إلغاء التعهد بدفع الرصيد ( الذهب والفضة ) من قبل المصدِّر للورقة النقدية نهائياً ، وأصبح المفهوم من الرصيد الورقي في الوضع العالمي اليوم لكل دولة هو : عبارة عن مجموع ما تمتلكه الدولة من سلع أو أعمال ( القوة الاقتصادية ) بمعنى أن هذه الأوراق النقدية تمكّن صاحبها من امتلاك قدر من السلع أو الأعمال مختلف المقدار وفقاً للوضع الاقتصادي للدولة وقاعدة العرض والطلب ، فإذا ازدهر وضع الدولة اقتصادياً تقوّت الأوراق النقدية وكان ما يناسبها شيئاً مهماً من السلع والخدمات ، وإذا تدهور الوضع الاقتصادي ضعفت هذه الأوراق وكان ما يناسبها شيئاً غير مهم من السلع والخدمات ، ولهذا خرجت هذه الأوراق النقدية عن كونها سنداً ، لأنّ السند إذا كان يحكي عن شيء في ذمة الدولة أو مصدِّر الأوراق فليس من المعقول نزوله أو صعوده أحياناً.
     هذا هو معنى هذه الأوراق النقدية في هذا الزمان ، وهذا هو معنى الرصيد الذي يُذكر لها ، ولذا نرى أنَّ القوة الاقتصادية للبلد ( سلع ، اعمال ) توزّع على مجموع النقود التي أصدرتها الدولة ، فلو طبعت الدولة مبلغاً أكثر من النقد انخفضت قوة هذا النقد ، وإذا ألغت الدولة قسماً من الأوراق بدون بدل لها إرتفعت قوة النقد.
     وبهذا يتّضح أنَّ الأوراق النقدية في هذا الزمان تعتبر أموالا بسبب تعهد الجهة المصدِّرة لدفع كمية من السلع أو الأعمال لمن يبرز هذه الأوراق وفقاً لوضعها الاقتصادي ، فإنَّ هذا التعهد يمنح الورقة النقدية اعتباراً أو قيمةً لدى الناس باعتبار ثقتهم بالجهة المصدِّرة.
     وعلى هذا تأتي الشبهة القائلة : بتعلق الزكاة بهذه الأوراق ، لأنَّ الأدلّة دلّت على أنّ الزكاة إنّما تكون في اُمور منها ( الذهب والفضة ) ، ولا خصوصية للذهب والفضة إلاّ لكونهما نقدين رائجين ، كما يشهد له اشتراط كونها مسكوكين ، والأوراق النقدية في هذا الزمان هي نقد رائج ، اذن يتعدى العرف من الذهب والفضة إلى هذه الأوراق النقدية ، فهل نجزم بالتعدي أو نقول بوجود فرق بين النقد


(217)
    الذهبي والفضي والأوراق النقدية فلا يكون الحكم واحداً لهما ؟
     الجواب : أنّ احتمال الفرق بين الأوراق النقدية والنقد الذهبي والفضي موجود ، ومع هذا الاحتمال لا نعدّي حكم الزكاة إلى الأوراق النقدية ، وتوضيح ذلك :
     إنّ الشريعة الإسلامية قد فرضت ضرائب على أصحاب الأموال وجعلتها للدولة وللمحتاجين من أتباع الدولة وللمصارف العامة الاُخرى ، وهذا شيء واضح ، ومن البديهي أيضاً أنَّ مِلاك هذه الضرائب هو سدّ حاجات الدولة أو المحتاجين أو سدّ الحاجات الاجتماعية العامّة كما اشارت الى ذلك آية الفيء ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) فعلى هذا لو جزمنا بأنَّ الـمِلاك من زكاة النقدين منحصرٌ في سدّ الحاجات ، فيكون هذا الملاك مشتركاً بين النقدين والأوراق المالية ، ولكن من المحتمل أنَّ هذا الـمِلاك المتقدّم هو أهم ملاكات زكاة النقدين ، وهناك ملاك آخر يشترك معه وهو « المنع من الكنز وركود مبلغ من النقد السابق » الذي يسبب اختلالا في الوضع الاقتصادي القائم نقده على الذهب والفضة (1).
     وإذا جاء هذا الاحتمال وعرفنا أنَّ مقاييس تحسين الاقتصاد القائم على النقد الذهبي والفضي المحدود تختلف عن مقاييس تحسين الاقتصاد القائم على أساس النقد الورقي غير المحدود ، القائم على أساس الجعل والاعتبار وثقة الناس بالجهة المعتبرة ( سواءٌ لم يكن لها رصيداً وكان لها رصيد من السلع أو الخدمات التي تعينها الدولة ، كأن يكون ذهباً أونفطاً أو معدناً آخر أو غير ذلك ) فيكون بالإمكان الاحتفاظ بسيولة الأوراق النقدية رغم كنز بعضها ، ولا يضرّ هذا بالاقتصاد الحالي للبلد ، فلا حاجة الى وضع الزكاة عليه ، بينما كان الاحتفاظ بسيولة الذهب والفضة مضرّاً بالاقتصاد القديم لمحدودية النقد ، فقد وضع الإسلام ضريبة
     (1) وممّا يؤيّد هذا الملاك تعلق الزكاة بالنقدين بشرط كونهما مسكوكين ، أمّا إذا كانا حُليّاً ( أي ليسا نقدين ) فلا يكون كنزهما مضرّاً بالوضع الاقتصادي لخروجهما عن كونهما نقداً مربحاً.
(218)
على كنزه.
     وبهذا نصل الى نتيجة عدم إلحاق الأوراق النقدية بالنقدين ( الذهبي والفضي ) في الزكاة ، لاحتمال أنَّ ما هو دخيل في ملاك تعلق الزكاة هو اكتنازهما مع كونهما محدودين ، فيضران بالوضع الاقتصادي القديم.
     أمّا الأوراق النقدية فبما أنّها ليست محدودة فلا يكون اكتنازها مضرّاً بالاقتصاد الحديث ، فلا داعي لسريان حكم الزكاة على النقدين للأوراق النقدية.
     ثم إنّ مَنْ يقول بإلغاء خصوصية الذهب والفضة ويجعل الحكم دائراً مدار النقدية فيعدّيه عرفاً الى هذه الأوراق النقدية ـ كما جاء عن مجمع الفقه الإسلامي المؤتمر التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ يواجه مشكلة وهي : كيف يعين النصاب ؟ وهل تقاس قيمة الأوراق النقدية بقيمة الذهب أو الفضة ؟ فالذهب الذي نصابه عشرون ديناراً ، وكل دينار عبارة عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي يساوي في هذا اليوم من النقد الورقي ما يقارب سبعمئة وخمسين دولاراً أمريكياً ، بينما الفضة التي نصابها عبارة عن مائتين درهماً والتي تساوي في الأوراق النقدية خمسة وسبعين دولاراً أمريكياً ، فهل يكون النصاب على الأوراق النقدية هو الأول أو الثاني ، أو بالتخيير ؟ وبأيِّ دليل ؟
     وعلى هذا ، فبناءً على شرط القبض في مبادلة الذهب والفضة ـ كما هو المشهور ـ فهل نتعدى من ذلك إلى الأوراق الاعتبارية إذا كانت من عملتين ؟
     والجواب : إنّ التعدي مشكل لأنَّ الحكم في النقدين تعبدي لا نعرف له ملاكاً ، خصوصاً مع عدم اختصاص شرط القبض بالذهب والفضة المسكوكين حتى نحمله على مطلق النقد الرائج ، بل انّ الحكم مطلق يشمل حتى الذهب والفضة غير المسكوك.
     والنتيجة : إننا ندعو مجمع الفقه الإسلامي الموقّر باعادة النظر في الحاق الأوراق النقدية بالنقدين في وجوب التقابض وفي وجوب الزكاة.


(219)
15 ـ الزكاة في البنوك الإسلامية لأموالها وودائعها
     انتهينا في البحث السابق الى عدم وجوب الزكاة على الأوراق النقدية الرائجة في هذا الزمان خلافاً لمن ذهب الى قياسها على النقدين ( الذهب والفضة ).
     والآن نتكلم على فرض أنَّ الزكاة واجبة على الأوراق النقدية فنقول :
     هل تجب الزكاة في الأوراق النقدية التي تملكها البنوك الإسلامية باعتبارها أموال لها اودعت من قبل العملاء ، فصارت ملكاً للبنك ، لأنَّ الوديعة هي قرض للبنك مع الضمان ؟
     والجواب : أنَّ هذه البنوك الإسلامية إذا كان لها اشخاص حقيقيون يملكونها حسب سهامهم ، فتكون هذه الأوراق النقدية ملكاً لهم بما أنَّ كل واحد منهم يملك شخصية حقيقية ، وحينئذ يجب على كل واحد منهم الزكاة بمقدار حصته التي يملكها من البنك بشروط وجوب الزكاة.
     أمّا إذا كان البنك تابعاً للدولة ( الحكومة ) أو لأي جهة من الجهات كوزارة معينة ، أو للمستضعفين أو غيرهما من الأشخاص غير الحقيقيين ، فهل يجب في الأوراق النقدية التابعة لها زكاة ؟
     الجواب : لابدّ لنا أن نرى إمكان تصور الملكية للشخصية المعنوية أولا وتحقّقها في الخارج من ناحية الشرع ، وهل أن ثبوت الضرائب الشرعية هو على الأشخاص الحقيقيين فقط أو يشمل الشخصية المعنوية أيضاً ؟
     والجواب عن التساؤل الأول : هو إمكان التصور لملكية الجهة بل وقيام الدليل عليها في الخارج كملكية الزكاة للجهة التي منها الفقراء ، وكملكية حقّ الامام لمنصب الامامة وكملكية حقّ السادات ـ كرمهم الله تعالى ـ لهم ، وكملكية المسلمين للأراضي الخراجية والوقف على حسب ما يوقفه أهله ، وبعدم الفرق بينتملك هذه الجهات وجهة البنك أو الوزارة أو النقابة أو المؤسسة يتم القول بملكية البنك للنقد الورقي.


(220)
    والجواب : عن التساؤل الثاني : هو ثبوت جعل الضرائب في الشريعة المقدّسة على الاشخاص الحقيقيين ، أمّا الشخصية المعنوية وان ملكت إلاّ أن ثبوت الضرائب عليها غير ثابت ، فإنّ حقّ الإمام ( عليه السلام ) وحقّ الفقراء والصدقات ( الزكاة ) وأموال المسلمين التي كانت في زمن الأئمة ( عليهم السلام ) لم يرد فيها نص على خضوعها لقانون الضرائب على طول خط الأئمة ( عليهم السلام ) وحياة النبي ( صلى الله عليه وآله ). وهذا دليل على أنَّ الشخصية المعنوية غير خاضعة للضرائب.

بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس