بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 291 ـ 300
(291)
ثانياً : الاستنساخ
     فهو عبارة عن الحصول على النُسخ طبق الأصل ( في النبات أو الحيوان أو الإنسان ) بدون حاجة إلى تلاقح خلايا جنسية ذكرية واُنثوية ، والنسخة التي تكون طبق الأصل هي التي تحتوي على التراث الإرثي الكامل الموجود في خلايا صاحب الزريعة ، فيكون المخلوق الناتج صورة منه تماماً كالكتاب الذي نطبع منه آلاف النسخ فتجيء متشابهة تمام الشبه.
     وحينئذ فلو جئنا بنواة خلية من أي خلايا الجسم ـ كالجلد مثلا ـ وهي تحتوي على الكروموزومات الستة والأربعين شريطاً ثم أودعناها داخل بيضة ناضجة تمّ إخلاؤها من نواتها التي تحمل ( 23 ) شريطاً فإن النواة الضيفة تشرع في انقسام ليس في اتجاه تكوين خلايا جلدية ، بل في تكوين جنين سيكون صورة طبق الأصل عمن أخذنا منه نواة الخلية ، لأنّ الذي يحدد جهة الانقسام هو السيتوبلازم ، وبما أن السيتوبلازم هنا هو لبيضة ناضجة ، فإن الانقسام للخلية سيكون باتجاه تكوين جنين ، وبما أن الكروموزومات في الخلية كاملة فمعنى ذلك أنّ الصفات الوراثية للجنين ستكون مطابقة تماماً لصاحب النواة ، إذ ليس عندنا ( 23 ) فرداً من الصفات الوراثية من الزوج و ( 23 ) فرداً من الصفات الوراثية للاُنثى حتى يكون الجنين حاملا لصفات الاثنين معاً.
     وبتكرار هذا العمل نستطيع أن نحصل على أي عدد شئنا من النسخ التي تطابق صاحب النواة في التكوين الوراثي.
     ولقد اُنجز هذا العمل ـ فعلا ـ في عدد محدود من الأحياء الدنيا ، كالضفدعة (1)
     (1) لخّص هذا من بحث استنساخ البشر للاُستاذ الدكتور حسّان حتحوت وأبحاث اُخرى لعلماء آخرين ذكرتهم الصحف والمجلات العالمية ، منهم العالم الاسكوتلندي الذي أنتج النعجة دولّي « آيان ويلمون ».
(292)
    واُنجز ـ أيضاً ـ في النعجة دولّي في انجلترا التيولدت في يوليو ( 1996م ) وبقيت سرّاً لا يعرفه أحد حتى اُعلن عنها في فبراير ( 1997م ) والنعجة هي من الحيوانات الثديية ( ترضع الثدي ) ، فقد اُخذت من نعجة خليّة ( ثديية ) عزلت نواتها التي تحمل المعلومات الوراثية وزرعت تلك النواة في بيضة (1) اُنثى بعد أن سُحبت نواتها التي تحمل المعلومات الوراثية ، ثم وضعت البيضة الملقحة في رحم النعجة ، فتولد جنين طبق الأصل عن صاحب النواة.

     (1) إنّ الخلية الثديية هي متخصّصة لإنتاج الحليب ومكوّناته ، وأمّا المورّثات ( الجينات ) في هذه الخلية فهي في حالة سكون وعاطلة عن العمل ، ولكنّها بمجرد وضعها في سيتوبلازم البيضة ثارت شجون هذه العوامل الوراثية الساكنة وبدأ في العمل ، فالسيتوبلازم الذي في البيضة له دخل في العملية.
(293)
    وإذا كان هذا ممكناً ـ ولو بصورة نادرة الآن ـ حيث زرعت ( 277 ) نواة في ( 277 ) بيضة ناضجة تم اخلاؤها من نواتها فنجحت حالة واحدة ، ولكن التقنية العلمية العالية قد تتمكّن من زيادة نسبة النجاح في المستقبل.
     وإذا أمكن هذا في النعجة ـ وهي من الحيوانات الثديية ـ فهو ممكن في الإنسان ، لأن المرأة لها ثدي ترضع به ولدها.
     وقد أحدث هذا الحدث ( للنعجة دولّي ) ضجة في العالم ، وسبب الضجة هو التخوّف من استخدام نفس الاُسلوب لإنتاج بشر متشابِهِين في الشكل والمظهر (1) حسب الطلب ، وهو الموضوع الذي كان يحلم به هتلر وأشباهه في هذا الزمان. فقد يفاجئنا العلم بإنجاز نسخ للإنسان فتؤخَذ خلية من الإنسان من أي مكان أريد ( بشرط أن لا تكون جنسية ) وتعزل نواتها التي تحمل الصفات الوراثية ، وتزرع تلك النواة في بيضة امرأة بعد أن تسحب من البيضة الصفات الوراثية التي فيها ، ثم
     (1) إنّ الفرق بين النسخة الأصل والتابعة موجود بحكم الفرق الزماني والتطور الثقافي والعلمي ويمكن باختلاف البيئة والتربية ، وهذا الاختلاف يمكن أن يكون بين النسخ المتطابقة في الزمن الواحد ، فإن البيئة إذا اختلفت واختلف التعليم والتربية فسوف يكون اختلاف السلوك واضحاً ، كما نشاهد الاختلاف بين التوأمين اللذَين نشآ في بيت واحد من أب واُم ، ولكنّ التشابه التام يكون في الشكل والمظهر كما قلنا. ثم إنّه لحدّ الآن بالنسبة لاستنساخ الحيوان لا يعلم مقدار عمرُ خلايا النسخة ، ففي النعجة دولّي لا يدرى هل عُمر خلاياها عندما ولدت هي نفس عُمر خلايا صاحبة الخلية ، أم عمرها جديد كعمر الحمل حين يولد في حَمل جنسي ؟ فإن كان الأول فمعنى ذلك أن النسخة ضحية لأعراض شيخوخة مبكرة. ولا يعُلم أيضاً هل ستكون هذه النسخة قادرة على التناسل كغيرها من الحيوانات أم انها ستكون عقيمة لا تلد ؟
(294)
    توضع اللقيحة في رحم المرأة فيتولد جنين طبق الأصل عن صاحب النواة.
     وحينئذ بما أنّ الدين لابدّ له من أن يقول كلمته في كل مورد من الموارد العلمية لقدرته على مواجهة ومسايرة الحياة فحينئذ نسأل عن عدّة اُمور :
     اولا : هل توجد حرمة شرعية لهذا العمل بحدِّ نفسه ؟
     ثانياً : هل هذا الكائن الحي إذا وجد هو ولد شرعي ؟
     ثالثاً : إذا كان ولداً شرعياً فمن هو أبوه ومن هي اُمه ؟
     رابعاً : هل في هذا العمل خطر على البشرية ؟
     وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة لابدّ أن نستبعد أولا ما قيل من أنّ الاستنساخ عبارة عن تغيير لخلق الله تعالى ، وتغيير خلق الله تعالى يحرم بقوله تعالى : ( إن يدعون من دون الله إلاّ إناثاً وإن يدعون إلاّ شيطاناً مريداً. لعنه الله وقال لأتّخذنّ من عبادك نصيباً مفروضاً ولأضِلنّهم ولاُمنّينّهم ولآمرنّهم فليبِّتكنَّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرن خلق الله ... ) (1).
     فتغيير خلق الله تعالى محرّم ; لأنّه ممّـا يأمر به الشيطان ; وهو لا يأمر إلاّ بالفحش والمعاصي (2).
     وواضح أنّ استبعاد هذا الكلام من حيث إنّ الاستنساخ لم يكن تغييراً لخلق الله تعالى ، بل هو كشف سرٍّ من أسرار خلق الله في الحيوان ، قد ينجح في الإنسان ، فإن هذا السِّر لم يكن مكشوفاً فتوصل إليه الإنسان ، فلم يخلق العلماء قانوناً ولم يوجدوا سرِّاً في جسد الإنسان والحيوان ، على أنّ المراد
     (1) النساء : 117 ـ 119.
     (2) ذكر ذلك الإمام محمد مهدي شمس الدين في مجلة الشراع ، وراجع الاستنساخ لمحمد الأشقر : ص16.

(295)
    بتغيير خلق الله في الآية هو الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف ; وذلك بتحريم الحلال وتحليل الحرام ، حيث يقول الله تعالى في مكان آخر من كتابه الشريف : ( فأقم وجهَك للدين حنيفاً فِطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ) (1).
     فإذا أردنا تفسير القرآن بالقرآن ـ والقرآن أطلق خلق الله على حكم الفطرة وهو التديّن بدين ـ فيكون تغيير خلق الله هو الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين والارتباط بالطبيعة من دون خضوع للسماء في نتائج ما تصل إليه العلوم الطبيعية.
     وكذا لابدّ أن نستبعد الحجج غير العلمية للتحريم ، فقد ذكرت الأكاديمية الفرنسية للعلوم الأخلاقية والسياسية عندما أعلنت موقفها ضدّ الإخصاب :
     « إنّ الإخصاب الصناعي جريمة ضد قاعدة الزواج والاُسرة والمجتمع » فإن هذه ليست حجّة علمية ، حيث إنّ الإخصاب قد يكون في زواج واُسرة ولكن يوجد مانع منه بصورة طبيعية فيصار إليه بصورة صناعيّة ، وهذا مما ينمّي الأسرة والزواج ، لا أنّه جريمة ضدهما كما هو الحال في أطفال الأنابيب الذي هو علاج لحالة العُقم.
     وكذا لابدّ أن نستبعد ما يُظن « من أنّ الاستنساخ هو محاولة من البشر أن يخلقوا مثل خلق الله تعالى ، ومحاولة مثل ذلك ظلمٌ ، وأيُ ظلم ؟ ! لإنّها لا تقع إلاّ ممن لا يقدّر الله تعالى حقّ قدره ، فيضل تحت قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « قال الله تعالى : ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا شعيرة ». أخرجه البخاري (2).
     (1) الروم : 30.
     (2) الاستنساخ في ميزان الشريعة الإسلامية ، د. محمد سليمان الأشقر : ص17 و18.

(296)
    وقد رُدّ هذا بالقول : بإنّ الاستنساخ ليس من جنس الخلق الذي تفرّد الله به ( وهو الخلق من العدم ) ، بل الاستنساخ هو من نوع التركيب يوضع بنواة الخلية التي خلقها الله تعالى في بيضة منزوعة النواة ، وسرّ الخلق والحياة موجود في النواة وسيتوبلازم البيضة ، فالاستنساخ هو مخلوق الله تعالى ، وهو أيضاً من ذكر واُنثى ; لأنّ الخلية المأخوذة من الأصل ناشئة في الأصل من تزاوج ذكر واُنثى عندما كان ذلك الأصل خلية واحدة ، ثم تكاثرت خلاياه بالانقسام إلى أن صارت كثيرة وكل منهما يحتوي على ( 46 ) كروموزوم ، نصفها من الذكر ونصفها من الاُنثى.
     وبعد أن استعبدنا هذه الاجابات المحرمة للاستنساخ نعود لنرى رأي علماء الإمامية ( رضوان الله تعالى عليهم ) في عملية الاستنساخ.
     وقد أجاب على مجمل هذه الأسئلة آية الله العظمى الشيخ ميرزا جواد التبريزي ( حفظه الله ) فقال :
     « لا يجوز الاستنساخ البشري ; لأنّ التمايز والاختلاف بين أبناء البشر ضرورة للمجتمعات الانسانية اقتضتها حكمة الله سبحانه ، قال تعالى : ( ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ) وقال : ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ) وذلك لتوقف النظام العام عليه. بينما الاستنساخ البشري ـ إضافة إلى استلزامه محرمات اُخرى كمباشرة غير المماثل والنظر إلى العورة ـ يوجب اختلال النظام وحصول الهرج والفوضى ... ففي النكاح يختلط الأمر بين الزوجة والأجنبية وبين المحَرْم وغيره ، وفي المعاملات كافة لا يمكن تمييز طرفيها فلا يعرف الموجب والقابل. وفي القضاء والشهادات لا يمكن تمييز المدّعي عن المدّعى عليه وهما عن الشهود ، والملاّك عن غيرهم ، وفي المدارس والمشاغل والإدارات والامتحانات حيث يسهل إرسال ( النسخة ) بدل الأصل فتذهب الحقوق ، وفي الأنساب والمواريث حيث لا يتميّز الولد عن الأجنبي ـ إضافة إلى كون ( النسخة ) لا يعدّ ولداً شرعياً لوالده « صاحب الخلية » ـ فتضيع الأنساب والمواريث ...


(297)
    وهذا غيض من فيض ، وعليه فقس سائر الاُمور حيث لا يبقى نظام أو مجتمع ... والله العالم ».
     أقول : إنّ هذه الفتوى المتقدّمة قد نظرت إلى العنوان الثانوي اللازم لنفس العملية ـ وهو اختلال النظام ـ ولم تنظر إلى نفس العملية بعنوانها الأولي ، وهو أمر صحيح إذا طُبّق هذا الاستنساخ بصورة واسعة أدّت إلى اختلال النظام ، أمّا إذا طبق بصورة ضيقة بحيث لا يلزم منه المحاذير التي ذكرت فلم تتعرض الفتوى له.
     ولكنّ الأمر الذي يجب أن نتوقف عنده هو التصريح بعدم عدّ الولد ولداً شرعياً لوالده صاحب الخلية ، حيث إنّ الولد لغة وشرعاً ما تولّد من الشيء ، وقد تولـد هذا الـولد ـ حسـب الفرض ـ من الخـلية والبيضة ، فهـو ولد شرعي وعرفي إذ لا نهي عن لحوقه بأبيه صاحب الخلية ، أو باُمه صاحبة البيضة ، كما ورد النهي في الزاني حيث قال الحديث الشريف : « الولد للفراش وللعاهر الحجر ».
     وقد أجاب آية الله السيد كاظم الحائري على هذه الأسئلة بصورة مفصلة ، فقال :
     « إنّ نفس عملية الاستنساخ البشري بعنوانها الأولي لو نجحت لا بأس بها إن لم تقارن محرماً.
     وأمّا مسألة الاُبوة والاُمومة فمتعينة من باب أنّ الفهم العرفي للأب هو صاحب الخلية (1) ، والأم هي صاحبة البيضة ، لأن الولادة الحقيقية تنصرف البيضة
     (1) فيما إذا كان صاحب الخلية ذكراً. أما إذا كان صاحب الخلية اُنثى فتتصور على نحوين :
     أ ـ صاحب الخلية اُنثى وهي غير صاحبة البيضة.
     ب ـ صاحب الخلية اُنثى وهي نفس صاحبة البيضة.
     ففي هذين النحوين لا يوجد عنصر ذكري ، فالعرف وكذا الشرع لا يقول بوجود أب لهذا الولد. نعم ، له اُم وهي صاحبة البيضة ، أمّا صاحبة الخلية فهل هي اُم ؟ نعم لا يبعد أن تكون اُمّاً لأنّه نشأ منها أيضاً.

(298)
    والخلية اللتين ولدتا الولد.
     ولكن نفهم من الآية الشريفة في قوله تعالى : ( ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم ) أنّ حكمة الله البالغة جرت على اختلاف الألسنة والألوان حفظاً للنظام ، وبما أن هذا الاستنساخ يؤدي حتماً إلى اختلال النظام لو طبق بصورة شاملة وواسعة « لعدم معرفة البائع من المشتري والمدّعي من المدّعى عليه ومن الشهود وعدم معرفة الظالم من المظلوم وامثال هذه الاُمور في العقود والإيقاعات والجنايات وغيرها » فيلزم تحريم هذه العملية في صورتها الواسعة لهذا اللازم الباطل حتماً.
     وهذا الجواب ـ كما هو واضح ـ قد تعرّض بصورة مفصلة لحكم المسألة في عنوانها الأولي والثانوي ، وقد تعرض لمسألة الاُبوة والاُمومة لهذا الكائن لو وجد ، وهو جواب متين ومقبول عرفاً ; لأنّ الولد قد نشأ من الخلية والبيضة ، ولولاهما لما نشأ الولد ، بما أن معنى الولد والتولّد الحقيقي هو تولد الشيء من الشيء ، وقد تولد هذا الولد من طرفين ( خلية + بيضة ) كما هو المفروض ، ونشأ منهما فان العرف ينسب هذا الولد إلى صاحب الطرفين وهما صاحب الخلية وصاحبة البيضة (1). وقد ذكر في مجمع البحرين : أنّ التفسير المفهوم من الوالدية هو أن يتصوّر من بعض أجزائه حيّ آخر من نوعه على سبيل الاستحالة لذلك الجزء. وهذا الولد قد تصوّر وتكوّن من الخلية والبيضة.
     وعلى هذا فلو وضعنا هذه اللقيحة في رحم طرف ثالث ( امرأة أجنبية عن صاحبة البيضة ) فإنّ الاُم تبقى هي صاحبة البيضة والأب هو صاحب الخلية ; لأن
    التولّد غير التغذّي ، فإنَّ هذا الولد قد نشأ ووجد من طرفين ( خلية وبيضة ) فلو وضع في رحم حاضن فهو قد تغذى على طرف ثالث والمغذية ليست هي الاُم
     (1) قد يقال أنَّ الفهم العرفي للأب هو صاحب المني.
(299)
    الحقيقية ( كما أنّ المغذية للطفل بلبنها ـ وهي المرضعة ـ ليست أمّاً حقيقية ، بل هي اُم مرضع ومجازية ).
     نعم ، قد يحكم بمحرمية هذه الاُم الحاضن للطفل للأولوية من الاُم المرضع الذي ترعرع الطفل على لبنها.
     وحتى لو تكوّن النسيخ من خلية المرأة وبيضتها ـ كما في النعجة دولّي حيث كانت الخلية من نعجة حامل ـ فإن الولد ينسب إليها لأنّها هي ولدته.

تحريم ولي الأمر :
     إنّ نفس عملية الاستنساخ البشري بعنوانها الأولي التي قيل بحليتها لو نجحت في الإنسان إن لم تقارن محرماً آخر يمكن لولي الأمر تحريمها بالحكم الولائي ( الحكومي ) ; وذلك إذا أخذنا بنطر الاعتبار أنّ الدول الغربية التي تجري فيها أبحاث الاستنساخ على أقسام :
     فمنها : من منعت أبحاث الاستنساخ البشري.
     ومنها : من حَرَمتها من معونة ميزانية الدولة.
     ومنها من جمّدتها سنوات حتى تبحثها اللجان المتخصصة ثم ينظر في أمرها من جديد ، لهذا فقد يرى ولي الأمر تحريم ذلك لئلاّ يسعى رأس المال الخاصّ وشركات الأدوية إلى تخطّي هذا الخطر بتهيئة الأموال واستمرار الأبحاث في دول العالم الثالث واستغلالها حقلا للتجارب البشرية كما كان ديدنها في كثير من السوابق ، ولكن مع ذلك نقول : إنّ هذا التحريم ليس حكماً شرعياً لا يتبدل ، بل هو حكم ولائي حكومي قد يتبدل في زمان ما أو مكان ما.


(300)
تحفظ من القول بالاباحة بالعنوان الأولي :
     إنّ الفتوى المتقدّمة بحلّية عملية الاستتئام والاستنساخ بالصورة المتقدّمة لابدّ من تقييدها بعدم الضرر ، كما هي مقيّدة في صورة الاستتئام ، ولكن لما كانت بعض المضار لا تظهر قبل مرور وقت طويل فلابدّ من عدم التسرع قبل التثبت والتأكد قدر الاستطاعة من عدم الضرر عند العامل لعملية الاستتئام والاستنساخ البشري ، ولهذا قد نرى الارشاد لإجراء التجارب على الحيوان لاستنساخه أو استتئامه ، فإن سلِم من التبعات والأضرار وتأكّدنا من عدم الإضرار لو طبِّق على الإنسان فنجيز ذلك بصورة لا تؤدّي إلى الإخلال بالنظام « ولا ينبغي أن تنسى الانسانية درسها الكبير بالأمس القريب في مجال انشطار الذرة ، إذ ظهر لها بعد حين من الأضرار الجسيمة ما لم يكن معلوماً ومتوقعاً » إذن لابدّ من أن يستمر ترصد نتائج التجارب النباتية والحيوانية لزمن طويل لنأمن من الاضرار والتبعات ، فإن حصل لنا قطع بعدم الاضرار بتطبيقها على الإنسان فنسمح بذلك بصورة لا تؤدي إلى الاخلال بالنظام ، والله العالم.

هل تنجح عملية الاستنساخ ؟
     إن الله تعالى صرّح في كتابه الكريم بأنّه بدأ خلق الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعل نسله من ماء مهين ( وهي الحيامن الذكرية ) فقال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثمّ جعلناه نطفةً في قرار مكين * ثمّ خلقنا النطفةَ علقةً فخلقنا العلقةَ مضغةً فخلقنا المضغةَ عظاماً فكسونا العظام لحماً ثمّ أنشأناه خلقاً آخرَ فتبارك اللهُ أحسنُ الخالقين ) (1).
     أقول : إذا كان مراد هذه الآية وأمثالها ـ التي هي في صدد خلقة الإنسان
     (1) المؤمنون : 12 ـ 14.

بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس