بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 451 ـ 460
(451)
    وجه الاحتمال ـ موجود فيها ، خصوصاً في المغذّي الذي يصدق عليه أنّه طعام لمن يحتاج إليه (1).
     وقد يقال : إنّ الحكم بمفطرية الأكل والشرب ( أو الطعام والشراب ) يعمّ ما كان حقيقةً وحكماً. كما أنّ الزيادة في الفرض المحرّمة تشمل الزيادة الحقيقية والحكمية ، فلاحظ وتأمل.

9 ـ ما يكون محلّه البطن كادخال المناظير للجوف وأخذ عيّنة من الكبد وغيره :
     أقول : إنّ ادخال الناظور الى داخل البطن للتشخيص أو لإجراء عملية جراحية ، أو أخذ عينة من الكبد أو غيره ممّـا لا يصدق عليه ما تقدّم من المفطرات فلا يكون مضرّاً بالصوم بحدّ ذاته ، لعدم الدليل من القرآن والسُنَّة. ولا يصدق عليه وصول الأكل والشرب الى الجوف المقصود ها هنا وهو الحلق الى المعدة. وإذا حصل الشك في كون ذلك مضرّاً بالصوم فنتمسك بالبراءة من حرمة العمل استناداً الى قبح العقاب بلا بيان ، أو « رفع عن اُمّتي مالا يعلمون ».
     أمّا صحة الصوم فنستصحبها ، وبهذا يتمّ القول بعدم حرمة العمل وعدم كونه مفطّراً.
     ثمّ إنّ إدخال الناظور الى المعدة للتشخيص أو العلاج أيضاً لا يصدق عليه أنّه أكل أو شرب وإن صدق عليه إدخال الناظور الى الجوف. كما لا يصدق على من ضُرب سكيناً في بطنه ووصلت الى معدته أنّه أكل أو شرب ، وحينئذ لا يكون مفطراً.
     (1) إنّ ميزان الاحتياط الوجوبي هو عدم ترجيح احتمال كون المفطر هو ما يدخل الى المعدة ممّا يؤكل أو يشرب على ما يغذّي الجسم وإن لم يدخل الى المعدة مع إمكانه ، ولعلّ الصواب هو عدم تغذية الجسم وصدق الإمساك.
(452)
تنبيه :
     1 ـ إذا كانت هذه العمليات المتقدّمة التي توجب إدخال المناظير أو أخذ العيّنات من الجوف تتمّ بدون مقدمات لها توجب ادخال ماء أو جسم آخر الى المعدة عن طريق الحلق بحيث يصدق عليه الأكل والشرب فالحكم ما تقدم.
     أمّا إذا كانت هذه العمليات توجب إدخال شيء من الماء أو أي شيء آخر بحيث يصدق عليه الأكل والشرب ( أو الطعام والشراب ) فالحكم يختلف ويبطل بذلك الصوم استناداً الى عدم اجتناب ما دلّ الدليل على اجتنابه. أمّا الحرمة فهي مرتبطة بعدم كون هذه الأعمال لازمةً في نهار رمضان.
     2 ـ إنّ ما تقدم يكون صحيحاً إذا كان الإنسان لم يصدق عليه عنوان « المرض الذي يضرّه الصوم » ، أمّا إذا كان مصداقاً لذلك فلا يصح منه الصوم; للأدلّة الدالّة على عدم صحّة صوم المريض الذي يضرّه الصوم.
     3 ـ إنّ ما تقدم يكون صحيحاً إذا كانت العمليات المتقدّمة تتم بدون تخدير تامٍّ للإنسان ، وإلاّ فإنّ من يقول باشتراط الصوم بعدم الإغماء ( إستناداً الى أنّ الجنون لا يصح معه الصوم وقد اُلحق به الاغماء لأنّه يفقد الادراك ) يأتي هنا ، ويكون الصوم باطلا لعدم الأمر به. إلاّ أن الدليل لم يتم ، للفرق بين الجنون والإغماء.

10 ـ ما يجعل في المهبل أو الرحم :
     بما أنّه لا توجد أي علاقة بين المهبل والرحم وبين جوف الأكل والشرب فما يجعل من الدواء في الرحم أو المهبل وما يُدخل من منظار أو لولب الى الرحم لا يكون مفطّراً ، وكذا إدخال الأصبع من قبل الطبيب أو اليد للفحص أو العلاج ، وكذا إدخال التحاميل ، كل ذلك ليس له أي علاقة بموجب الافطار; لعدم وجود أي ارتباط بالجوف الذي هو محلّ الطعام والشراب ، وعدم وجود دليل آخر يدلّ


(453)
    على مفطّرية هذه الاُمور.

11 ـ ما يدخل الدماغ :
     إذا حصلت شجة في الدماغ فما يدخل الدماغ من دواء لا يصل منه شيء الى البلعوم والمعدة ، وبهذا لا تكون مداواة المأمومة من جملة المفطّرات ، كما أن نفس المأمومة لا تكون مفطّرةً; لعدم الدليل على ذلك.
     نعم ، إذا كانت قاعدة الجمجمة قد كُسرت فقد يصل شيء من الدواء أو شيء من « السائل الدماغي الشوكي » الذي يسيل حول النخاع الشوكي الى البلعوم الفمي ومنه الى المريء ، وهذه الحالة تستدعي الافطار ، كما هو واضح; لصدق الأكل والشرب ووصول المواد الى المعدة عن طريق الحلق الذي هو موجب للإفطار.
     ولا بأس بالتنبيه الى عدم وجود إفرازات من الدماغ تصل الى المعدة أو المريء ، فقد اتّفق الأطباء على عدم وجود أي قناة بين الدماغ والمريء ، إلاّ إذا كسرت قاعدة الجمجمة ، وبهذا يتبيّن أنّ الإفرازات التي كان القدماء يظنون أنّها آتيةً من الدماغ ما هي إلاّ افرازات من الجيوب الأنفية ولا علاقة لها بالدماغ.

المفطرات في مجالات الحالات المرضية
الضرر من الصوم رافع لصحّته :
     لقد ذكر فقهاء الإمامية شرطية عدم المرض لصحة الصوم ، وهذا أمر ضروري في الجملة قد نطق به القرآن الكريم ، حيث قال سبحانه وتعالى : ( ومن


(454)
     كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر
) (1) بناءً على ظهور الأمر في الوجوب التعييني. ولا يفرق بين المرض الذي يشتدّ بالصوم أو يطول برؤه ، أو يشتد ألمه أو نحو ذلك.
     وقد خصّص الفقهاء الآية القرآنية بالمرض المضرّ بالصوم; لانصرافها إليه ، ولاستفادة ذلك من الروايات الكثيرة التي أحالت تشخيص المرض الذي يجب على صاحبه الافطار الى المكلف نفسه.
     وقد أجاب الإمام بألسنة مختلفة مثل قوله ( عليه السلام ) في صحيحة محمد بن مسلم : « هو أعلم بنفسه ، إذا قوي فليصم » (2).
     وقوله ( عليه السلام ) في موثّقة سماعة : « هو مؤتمن عليه مفوض إليه ، فإن وجد ضعفاً فليفطر وإن وجد قوّة فليصم كان المرض ما كان » (3).
     وقوله ( عليه السلام ) في صحيحة عمر بن اُذينة : « الإنسان على نفسه بصيرة ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه » (4).
     وعلى ما تقدّم نفهم أنّه ليس كلُّ مرض مانعاً من صحة الصوم ، وإنّما خصوص المرض المضرِّ. أمّا إذا كان المرض لا يضرّه الصوم فيجب الصوم.
     وبهذا نستنتج : أنّ العبرة في الإفطار ليست بالمرض بما هو بل بالضرر الذي يحصل من الصوم ، وإنّما ذكرت الآية المريض لأنّه الفرد الغالب ممّن يضرّه الصوم (5).
     (1) البقرة : 184.
     (2) وسائل الشيعة : ج7 ، ب20 محل يصح منه الصوم ، ح3.
     (3) المصدر السابق : ح4.
     (4) المصدر السابق : ح5.
     (5) هذا وقد ذهب في المغني الى نفس هذا الرأي فقال : « والمرض لا ضابط له ، فإنّ الأمراض تختلف ، منها ما يضرّ صاحبه ومنها ما لا أثر للصوم فيه ... فلم يصلح المرض ضابطاً وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر ، فوجب اعتباره » المغني لابن قدامة : ج3 ، ص86.

(455)
    فإن فرضنا أنّ فرداً يتضرّر من الصوم وهو ليس بمريض فيجب عليه الافطار ، كما ورد الافطار لمن به رمد في عينه أو صداع شديد في رأسه (1).
     والخلاصة : أنّ بين المرض والضرر عموم من وجه ، فقد يكون مريضاً لا يفطر لعدم كون الصوم مضرّاً لمرضه ، وقد يكون الصوم مضراً للمكلف مع عدم كونه مريضاً ، وقد يكون مريضاً ويضره الصوم ، فالافطار يجب في الأخيرين فقط.

ما هو طريق إحراز الضرر ؟
     ذهب الأكثر الى أن طريق إحراز الضرر يكون بالخوف الذي يتحقّق بالاحتمال العقلائي المعتدّ به.
     وذهب آخرون الى اعتبار اليقين أو الظنّ وعدم كفاية الاحتمال.
     والصحيح هو الأول ، وذلك :
     1 ـ لأنّ الغالب عدم إمكان الإحراز.
     2 ـ ولأنّ الخوف طريق عقلائي لإحراز الضرر.
     3 ـ ولصحيحة حريز عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : « الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر » (2).
     فإذا ثبت الاكتفاء بالخوف في الرمَد ـ وهو عضو واحد في الجسد ـ ففي المرض المستوعب لتمام البدن يكون الخوف من الضرر أولى بالافطار.
     ولموثّقة عمار عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف
     (1) وسائل الشيعة : ج7 ، ب20 ممّـا يصحّ عنه الصوم.
     (2) المصدر السابق : ب19 ، ح1.

(456)
    على نفسه ؟ قال ( عليه السلام ) : « يشرب بقدر ما يمسك رمقه ، ولا يشرب حتى يروى » (1).
     ثم إنّ الخوف على نفسه الوارد في الرواية أعمّ من خوف الهلاك فما دونه مثل خوف المرض أو الإغماء ونحوه.

الخوف طريق عقلائي في باب الضرر :
     لقد وردت الروايات التي تقرّر أنّ الخوف هو طريق عقلائي في باب الضرر في مقامات عديدة غير الصوم منها :
     أ ـ إذا لزم طلب الماء والفحص عنه في الفلاة ، فقد ذكروا : أنّه يكفّ عن الفحص إذاخاف من اللصِّ أو السبع.
     ب ـ ورد في باب الغسل : أنّه إذا خاف على نفسه من البرد يتيمّم.
     والخوف هنا أيضاً أعمّ من خوف الهلاك أو المرض أو نحوهما.

هل المرض الفعلي ( الضرر الفعلي ) مانع من صحة الصوم ؟
     لقد ذكر القرآن الكريم والسنة : أن موضوع الإفطار هو المريض ، وظاهره هو المريض الفعلي ( كما في المسافر ) ، فالمحكوم بالافطار هو من كان مريضاً أو مسافراً بالفعل ، وحينئذ هل يوجد دليل على جواز الافطار للصحيح الذي يخاف حدوث المرض لو صام ؟ نقول :
     1 ـ ذكر الإمام الخوئي ( رحمه الله ) : أنّ الأخبار المتقدّمة التي جوّزت الافطار
     (1) المصدر السابق : ب16 ، ح1.
     أقول : المراد بالعطاش هنا الذي يخشى منه على نفسه هو من يصيبه العطش أثناء النهار لأمر عارض كشدة الحرّ ونحوه بحيث يخاف على نفسه فيضطر الى شرب الماء حذراً من الهلاك أو ما في حكمه ، ولذا كان الحكم هو الشرب بقدر الضرورة.

(457)
    للمريض لم تجوزه لمرضه السابق ، ضرورة عدم تأثير المرض فيما مضى ، إذ لا علاقة ولا ارتباط للصوم أو الافطار الفعليين بالاضافة الى المرض السابق ، وإنّما هو من أجل سببية الصوم وإيجابه للمرض بقاءً بحسب الفهم العرفي ، ولا أثر له في رفع السابق كما هو ظاهر ، إذن لا فرق بين الوجود الثاني للمرض والوجود الأول ( حدوث المرض ) لوحدة المناط فيهما (1).
     2 ـ إنّ صحيحة حريز المتقدّمة الواردة في الرمد تدلّ على عدم صحة الصوم للصحيح الذي يخاف حدوث المرض لو صام ، إذ أن الإمام يقول : « إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر » وحينئذ إذا كان الحكم في الرمد كذلك ففي غيره بالأولوية.
     وبما أنّ المرض الذي ذكر في الآية القرآنية لم يكن له خصوصية بما هو مرض ، بل العبرة بالافطار هو الضرر الحاصل من الصوم ـ كما تقدّم ـ فحينئذ إذا أضرَّ الإنسان الصوم أفطر وإن لم يكن مريضاً ، كما إذا كان به صداع شديد ـ مثلا ـ يخاف أن يضرَّه الصوم ، وكذا يُعمَّم الحكم لمن به جرح أو قرح يخاف أن يكون الصوم سبباً لعدم اندماله أو طول برئه.
     اذن العبرة في الافطار بالضرر سواء كان فعلياً أو مستقبلياً كما إذا خاف من الصوم ضعفاً في عينيه يحصل بعد مدّة نتيجة الصوم فلا يصح منه الصوم. وطريق إحراز الضرر هو الخوف.

ما يوجب الإفطار :
     يمكن أن نحصر ما يجب فيه الافطار في اُمور ثلاثة هي :
     (1) راجع مستند العروة الوثقى ، كتاب الصوم : ج1 ، ص457 ، وقد ذكر في المغني لابن قدامة « أنّ الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادته في اباحة الفطر; لأنّ المريض إنما اُبيح له الفطر خوفاً مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله ... » : ج3 ، ص86.
(458)
    1 ـ أن يكون ضرر من الصوم في حالة مرض الإنسان يبلغ حدّ الحرمة الشرعية ، كالإلقاء في التهلكة ، بمعنى أن الصوم يؤدّي الى أن يكون مرضه مهلكاً لو صام ، وحينئذ لا شك في بطلان الصوم حيث يكون الصوم مصداقاً للحرام ، وطبيعي أنَّ الحرام لا يمكن أن يكون واجباً ، ولا يمكن أن يكون المبغوض مقرِّباً.
     2 ـ أن يكون الضرر من الصوم في حالة المرض غير بالغ حدّ الحرمة ، كمن أحرز أنّه لو صام يتضرّر بحمّى يوم أو يومين ، أو يبتلى بصداع في رأسه ، أو ترمد عينه ـ بناءً على أن مطلق الاضرار بالنفس لا يكون محرماً ـ وحينئذ لو صام فالمتسالم عليه عند الإمامية بطلان الصوم أيضاً ، وذلك :
     أ ـ لأنّ الخلوّ من المرض هو شرط في الصحة ، بالاضافة الى الوجوب المستفاد من الآية المباركة ( ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام اُخر ) بناءً على ظهور الأمر في الوجوب التعييني.
     ب ـ وجملة من الأخبار ، كموثّقة سماعة التي يسأل فيها الراوي عن حدّ المرض الذي يجب على صاحبه الافطار ؟ فأجاب « فإن وجد ضعفاً فليفطر ، وإن وجد قوة فليصمه » (1).
     حيث عبّر بالوجوب ، ونحن نعلم أنّ الضعف من الصوم بمعنى عدم القدرة على الصيام ليس مهلكاً بحيث يصل الى حدّ الحرمة.
     3 ـ ويجب الافطار في كل مورد زاحم الصوم محذور آخر غير المرض ، وكان المحذور الآخر أهمّ من الصوم في نظر الشارع المقدّس ، فحينئذ يدخل ما نحن فيه في مورد التزاحم ، وبما أن المفروض أهميّة الواجب الآخر فيقدم على الصوم ، لأنّ الصوم ـ كبقية التكاليف ـ مشروط بالقدرة ، فإذا وجد واجب آخر أهمّ من
     (1) وسائل الشيعة : ج7 ، ب20 ممن يصح منه الصوم ، ح4.
(459)
    الصوم ولم يمكن الجمع بينهما فيتقدّم الأهم ( كما في قاعدة التزاحم ) ومع تقدم الأهميسقط الأمر بالصوم للعجز عنه في هذا الحال.
     ومثاله : كما لو ترتب على ترك الصوم حفظ عرضه أو عرض غيره من تجاوز المتجاوزين.
     وكما لو ترتب على ترك الصوم حفظ مال محترم يجب حفظه كوديعة أو عارية.
     وكما لو ترتب على ترك الصوم حفظ مال كثير جدّاً بحيث علمنا أن الشارع لا يرضى بتلفه ( فإنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه ).
     وكما لو ترتب على ترك الصوم حفظه أو حفظ غيره من الغرق أو الحرق.
     وكما لو ترتب على ترك الصوم إنقاذ جماعة من الحبس أو القتل وامثالهما.
     وكذلك لو هدّده جائر بالقتل لو صام.
     ففي كل هذه الصور لا إشكال في سقوط التكليف بالصوم.

الفرق بين الصور الثلاثة المتقدّمة :
     إذا كان الصوم مضرّاً بالمكلف الى حدّ التهلكة ( الصورة الاُولى ).
     وإذا كان الصوم مضرّاً بالمكلف لا الى حدّ التهلكة فلم يصل الى حدّ الحرمة ( الصورة الثانية ).
     وكان احراز المكلف للأمرين صحيحاً ومطابقاً للواقع ، ومع ذلك فقد خالف وصام فهل يصح صومه ؟
     والجواب : عدم صحة الصوم; وذلك لعدم وجود أمر في هذين الفرضين; لأنّ صحة الصوم مشروطة بعدم إحراز الضرر الذي يشمل إحراز التهلكة فما دونها.
     وأمّا إذا صام مع وجود المزاحم الأهم ( الصورة الثالثة ) فهل يصحّ صومه ؟


(460)
    والجواب : اختلف العلماء في ذلك :
     فقد ذهب بعضهم الى أن عدم ابتلاء الصوم بالمزاحم الأهم هو من شرائط الصحة كعدم المرض والسفر ، ومعنى ذلك إنكار جريان الترتب (1).
     وعلى هذا يحكم ببطلان الصوم لو ترك المكلف الأهم وصام ، لأنّه لا أمر بالصوم فلا يحرز الملاك والمصلحة فيكون الصوم باطلا ، ولا نحتاج الى دعوى اقتضاء الأمر النهي عن ضده.
     ولكن بناءً على التحقيق : ( المختار في الاُصول ) « من صحة الترتب وامكانه بل لزومه ووقوعه وأنّ تصوّره مساوق لتصديقه ... فلا مناص من الحكم بالصحة بمقتضى القاعدة » (2).
     وبناءً على هذا التحقيق فلابدّ من القول بأنّ وجوب الصوم مشروط بعدم المزاحمة للأهم ، وليست الصحة مشروطة بذلك.

ما لا يبيح الإفطار من الأمراض ممّا لا يتأثر بالصوم أو يخفّ به :
     قلنا فيما تقدّم : إنّ النسبة بين الضرر من الصوم والمرض هي عموم من وجه ، فقد يحصل الضرر من الصوم ولا مرض في البين ، كما في الصوم الذي يؤثر على ضعف العين في المستقبل مع عدم اتصاف المكلف بالمرض ، وقد يحصل المرض ولا ضرر في الصوم ، كما في الأمراض التي تحتاج الى إمساك عن الطعام
     (1) الترتّب : قاعدة تقول : إنّ المزاحمة بين خطاب صلِّ وخطاب احفظ الوديعة ـ مثلا ـ إذا لم يكن الجمع بينهما هي بين الاطلاقين لا بين ذاتي الخطابين ، وعليه فلا مانع من تعلق الأمر بأحدهما ( وهو الأهم ) مطلقاً وتعلق الأمر بالآخر ( وهو المهم ) على تقدير عصيان الأمر بالأهم ، وحينئذ يكون الساقط هو اطلاق الأمر بالمهم ( وهو الصوم في مثالنا ) أمّا أصل الأمر بالصوم فهو باق على حاله ، والمعجِّز ليس هو نفس الأمر بالأهم ، بل امتثاله ، فما لم يمتثل الأهم لا يكون عاجزاً عن المهم وحينئذ يكون أمره باقياً.
     (2) راجع المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الصوم : ج1 ، ص462 ـ 463.


بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس