كتاب نظرة عابرة الى الصحاح الستة ص 238 ـ ص 258
كيف كانت بيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه
قال: وانّ أبا بكر رضي الله عنه تفقد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرّم الله وجهه، فبعث اليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا ان يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاَحرقنّها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص انّ فيها فاطمة؟
فقال: وان.
فخرجوا فبايعوا إلاّ عليّاً، فانّه زعم انّه قال: حلفت أن لا اخرج ولا اضع ثوبي على عاتقي حتى اجمع القرآن، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردّوا لنا حقاً.
فأتى عمر أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقال أبو بكر لقنفذ ـ وهو مولى له ـ: اذهب فادع لي علياً.
قال: فذهب إلى علي، فقال له: ما حاجتك؟
فقال: يدعوك خليفة رسول الله.
فقال علي: لسريع ما كذبتم على رسول الله، فرجع فابلغ الرسالة.
قال: فبكى أبو بكر طويلاً، فقال عمر الثانية: ألا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة.
فقال أبو بكر رضي الله عنه لقنفذ: عد إليه فقل له أمير المؤمنين يدعوك لتبايع.
فجاءه قنفذ فأدّى ما اُمر به، فرفع علي صوته فقال: سبحان الله؟ لقد ادّعى ما ليس له.

( 239 )
فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً، ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت باعلى صوتها: يا ابت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.
فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع واكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليّاً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: ان أنا لم افعل فمه.
قالوا: اذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.
قال: اذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله.
قال عمر: أمّا عبدالله فنعم، وأمّا اخو رسوله فلا، وابو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك.
فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه.
فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح ويبكي وينادي: يا ابن اُمّ انّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلوني.
فقال عمر لاَبي بكر (رض): انطلق بنا إلى فاطمة، فانّا قد اغضبناها، فانطلقا جميعاً فاستاذنا على فاطمة فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً فكلماه فادخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها، فلم ترّد عليهما السلام، فتكلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله(1) والله انّ قرابة رسول الله أحبّ إليَّ من قرابتي، وانّك لاَحبّ إليَّ من عائشة ابنتي،
____________
(1) ويروى: يا حبيبة رسول الله اغضبناك في ميراثك منه وفي زوجك، فقال: ما بالك، يرثك أهلك ولا نرث، فقال والله قرابة. الخ.

( 240 )
ولوددت يوم مات أبوك انّي مت ولا ابقى بعده، أفتراني أعرفك، واعرف فضلك وشرفك وامنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلاّ انّي سمعت أباك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث ما تركنا فهو صدقة».
فقالت: أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرفانه وتفعلان به؟
قالا: نعم.
فقالت: نشدتكما الله الم تسمعا رسول الله يقول: «رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد اسخطني».
قالا: نعم، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت: فانّي اُشهد الله وملائكته انكما اسخطتماني وما ارضيتماني، ولئن لقيت النبي لاَشكونكما إليه.
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: والله لاَدعونَّ الله عليك في كلّ صلاة اُصلّيها.
ثم خرج باكياً، فاجتمع إليه الناس فقال لهم: يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي.
قالوا: يا خليفة رسول الله انّ هذا الاَمر لا يستقيم، وانت أعلمنا بذلك، انّه إن كان هذا لم يقم لله دين.
فقال: والله لولا ذلك وما اخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولي في عنق مسلم بيعة بعدما سمعت ورأيت من فاطمة.

( 241 )
قال: فلم يبايع علي كرّم الله وجهه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنهما، ولم تمكث بعد أبيها إلاّ خمساً وسبعين ليلة.
قال: فلمّا توفّيت أرسل علي إلى أبي بكر أن اقبل الينا، فاقبل أبو بكر حتى دخل على علي وعنده بنو هاشم، فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد يا أبا بكر فانّه لم يمنعنا أن نبايعك انكاراً لفضيلتك ولا نفاسة عليك، ولكنّا كنّا نرى انّ لنا في هذا الامر حقاً فاستبددت علينا ثم ذكر علي قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر.
فقال أبو بكر رضي الله عنه : لقرابة رسول الله أحبّ إليَّ ان اصل من قرابتي، واني والله لا ادع أمراً رأيت رسول الله يصنعه إلاّ صنعته ان شاء الله تعالى.
فقال علي: موعدك غداً في المسجد الجامع للبيعة ان شاء الله.
ثم خرج، فأتى المغيرة بن شعبة فقال: الرأي يا أبا بكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذه الامرة نصيباً يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس رضي الله عنه ، فحمد الله أبو بكر واثنى عليه، ثم قال: ان الله بعث محمّداً صلى الله عليه وسلم نبياً وللمؤمنين ولياً، فمنَّ الله تعالى بمقامه بين اظهرنا حتى اختار له الله ما عنده، فخلّى على الناس أمرهم ليختاروا لاَنفسهم في مصلحتهم متفقين غير مختلفين، فاختاروني عليهم واليّاً ولاُمورهم راعياً، وما أخاف بعون الله وهناً ولا حيرة ولا جبناً، وما توفيقي إلاّ بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه انيب، وما أزال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف ما اجتمعت عليه عامّة المسلمين ويتخذكم لجأ، فتكونوا حصنه المنيع، فأمّا دخلتم فيما دخل فيه العامة أو دفعتموهم عمّا مالوا إليه، وقد جئناك ونحن
( 242 )
نريد أن نجعل لك في هذا الاَمر نصيباً يكون لك ولعقبك من بعدك إذ كنت عمّ رسول الله، وان كان الناس قد رأوا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الاَمر عنكم، على رسلكم بني عبد المطلب فانّ رسول الله منّا ومنكم.
ثم قال عمر: اي والله، واخرى انّا لم ناتكم حاجة منّا اليكم، ولكنّا كرهنا ان يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة فيتفاقم الخطب بكم وبهم، فانظروا لاَنفسكم ولعامّتكم.
فتكلم العباس فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: انّ الله بعث محمّداً كما زعمت نبياً وللمؤمنين وليّاً، فمنَّ الله بمقامه بين اظهرنا حتى اختار له ما عنده، فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لاَنفسهم مصيبين للحق لا مائلين عنه بزيغ الهوى، فان كنت برسول الله طلبت فحقّنا اخذت، وان كنت بالمؤمنين طلبت فنحن منهم متقدّمون، وان كان هذا الاَمر انّما يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنّا كارهين، فامّا ما بذلت لنا، فان يكن حقّاً لك فلا حاجة لنا فيه، وان يكن حقاً للمؤمنين فليس لك ان تحكم عليهم، وان كان حقّنا لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض، وامّا قولك: ان رسول الله منّا ومنكم، فانه قد كان من شجرة نحن أغصانها وانتم جيرانها.
والغرض من نقل هذا الكلام هو تجنيب أهل السنة عن الافراط، وتجنيب الشيعة عن التفريط، فإذا قلنا انّ علياً لم يخالف أبا بكر بشيء أبداً. والشيعة ضلّوا بدسائس عبدالله بن سبأ اليهودي، يجيب الشيعة باشنع من هذا، فيقع التناكر والتباغض والتقاتل فيضعف أمر الاُمّة الاسلامية بالتفرقة والتشعب، وإذا قلنا لهم بصدق وحق انّ التشيع نشأ مِن رأي عليّ بأحقيّته بالخلافة، والتسنن من بيعة الناس في سقيفة بني ساعدة لاَبي بكر، واتباع كلّ واحد منهما مأجورون معذورون عند الله، ونحن أخوة مسلمون
( 243 )
ومتبعون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونحترم اجتهاد كبار الصحابة، فيلتئم الصف ويتم الوفاق. وكذا إذا قلنا لهم انّنا لا ننكر متابعتكم لجعفر بن محمّد الصادق ـ كبعض الجهلة منّا ـ بل نقرّبه ونحترم الامام الصادق في أقواله وفتاويه، ونرى مذهبكم حقاً صحيحاً، كما أفتى به السيد محمود شلتوت المرحوم بجواز رجوع المسلمين من مذهبهم إلى مذهب الشيعة الامامية وببراءة ذممهم يوم القيامة بذلك، فهؤلاء ـ بطبيعة الحال ـ يعترفون بمشروعية المذاهب الاَربعة وغيرها، فكلنّا نتفق على ان للمصيب اجرين وللمخطيء أجراً واحداً (وكذلك جعلناكم اُمّة وسطاً) نعم فسحقاً للنصب والغلو، وبعداً للافراط والتفريط.

مبالغة لمعاوية
(467) عن معاوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... ولا تزال هذه الاُمّة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي الله أمره وهم ظاهرون»(1).
يعرف كلّ أحد أنّ قول معاوية مخالف للواقع.

الزبير وثروته
(468) عن عبدالله بن الزبير قال: لما وقف الزبير يوم الجمل... فقال: يا بني انّه لا يقتل اليوم إلاّ ظالم أو مظلوم، وانّي لا أراني إلاّ سأُقتل اليوم مظلوماً... فلمّا مضى أربع سنين قسم بينهم، فكان للزبير أربعة نسوة: ورفع الثلث، فاصاب كلّ امراة 1200000، فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف(2).
(469) عن عمرو بن عوف... قال صلى الله عليه وسلم: «... فوالله لا الفقر أخشى
____________
(1) صحيح البخاري رقم 2948 كتاب الخمس.
(2) صحيح البخاري رقم 2961 كتاب الخمس.

( 244 )
عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم»(1).
والزبير كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فقيراً تقول زوجته أسماء بنت أبي بكر: تزوّجني الزبير وما له في الارض من مال، ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح، وغير فرسه، فكنت اعلف فرسه، واستقي الماء، واخرز غربه (اي اخيط الدلو) واعجن... وكنت انقل النوى من ارض الزبير اقطعه رسول الله على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ... حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم...(2)

علة تحريم لحوم الحمر
(470) عن ابن أبي أوفى: اصابتنا مجاعة ليالي خيبر... نادى مناد رسول الله صلى الله عليه وسلم اكفئوا القدور فلا تطعموا من لحوم الحمر شيئاً.
قال عبدالله: فقلنا انّما نهى النبي صلى الله عليه وسلم لاَنّها لم تخمّس.
قال: وقال آخرون: حرّمها البتة...(3).
وقيل: حرّمها لاَنّها حمولة الناس.
وقيل: حرّمها البتة لاَنّها تأكل العذرة. وقيل غير ذلك(4).

سحر النبي صلى الله عليه وسلم
(471) عن عائشة: انّ النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يخيل إليه انّه صنع شيئاً ولم يصنعه(5).
وفي نقل آخر عنها: سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه انّه يفعل
____________
(1) صحيح البخاري رقم 2988.
(2) صحيح البخاري رقم 4926 كتاب الخمس.
(3) صحيح البخاري رقم 2986 كتاب الخمس.
(4) انظر صحيح البخاري رقم 3983 كتاب المغازي وغيره.
(5) صحيح البخاري رقم 3004 كتاب الجزية.

( 245 )
الشيء وما يفعله، حتى كان ذات يوم دعا ودعا ثم قال: «اشعرت انّ الله أفتاني فيما فيه شفائي، أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟
قال: مطبوب (أي مسحور).
قال: ومن طبه.
قال لبيد بن الاَعصم... (1).
(472) وعنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى انّه يأتي النساء ولا يأتيهن!... (2).
(473) عن ابن شهاب: سئل أعلى من سحر من أهل العهد قتل؟ قال: بلغنا انّ رسول الله قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب (كتاب الجزية).
أقول: سبحان الله من هذه الكذبة المفضحة المطابقة لكذبة الكفار برميهم ايّاه صلى الله عليه وسلم بانّه رجل مسحور، فهذه الاحاديث كأنّها وضعت لتصديق المشركين على خلاف القرآن، ولو قيل بصحّتها لما كان للمسلمين جواب لطعن أعداء الاسلام، ولسقطت حجية قول النبي صلى الله عليه وسلم واخباره عن الله سبحانه وتعالى. فسحقاً للوضاعين والمروّجين.

أذيّة النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه
(474) عن عبدالله: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش من المشركين إذ جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور (أي اللفافة التي يكون فيها الولد في بطن الناقة) فقذفه على ظهر النبي فلم يرفع رأسه حتى
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3095.
(2) صحيح البخاري رقم 5432 كتاب الطب، وانظر صحيح مسلم 14: 174.

( 246 )
جاءت فاطمة عليها السلام فاخذت من ظهره ودعت على من صنع ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللّهم عليك الملاَ من قريش، اللهم عليك أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط واُميّة بن خلف أو اُبي بن خلف» فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر فالقوا في بئر، غير اُميّة أو اُبي فانّه كان رجلاً ضخماً، فلمّا جرّوه تقطّعت أوصاله قبل أن يلقى في البئر(1).

علم الصحابة
(475) عن عمر: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظ ونسي من نسيه(2).
ولكنّه صلى الله عليه وسلم لم يخبر عمر عن موته صلى الله عليه وسلم، وعن الخلافة بعده، وعن وجوب التيمم، وعن اشياء كثيرة جهلها عمر وكثير من الصحابة، فاختلفوا بينهم كما قرأت، وستقرأ قليلاً منها في هذا الكتاب.

اطوار الجنين
(476) عن عبدالله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انّ احدكم يجمع خلقه في بطن اُمّه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكاً فيؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح...»(3).

تجند الاَرواح
(477) عن عائشة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الأَرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف»(4).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3014 كتاب الجزية.
(2) صحيح البخاري رقم 3020 كتاب بدء الخلق.
(3) صحيح البخاري رقم 3036 كتاب بدء الخلق.
(4) صحيح البخاري رقم 3158 كتاب الانبياء.

( 247 )
أقول: هكذا في بعض أحاديث الشيعة، وتحقيق الموضوع محتاج إلى بسط كلام فيه، وليس المقام مقام بحثه.

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله
(478) عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم.
فقلت: بلى، فاهدها لي.
فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت؟ فانّ الله علّمنا كيف نسلم عليكم.
قال: «قولوا اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انّك حميد مجيد، اللّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انّك حميد مجيد»(1).
ورواه في سنن أبي داود باسانيد والفاظ متغايرة(2).
(479) وعن أبي سعيد الخدري: قلنا يا رسول الله هذا التسليم فكيف نصلّي عليك؟
قال: فقولوا: اللّهم صلّ على محمّد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم».
قال أبو صالح عن الليث: «على محمّد وآل محمّد كما باركت على آل إبراهيم»(3).
أقول: سقط عن المتن شيء كما يظهر من الذيل وغيره، كما في
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3190 كتاب الانبياء.
(2) سنن أبي داود 1: 256 ـ 257.
(3) صحيح البخاري رقم 4520 كتاب التفسير.

( 248 )
البخاري وغيره، والصحيح اتحاد الروايتين متناً.
(480) عن أبي مسعود الانصاري... أمرنا الله تعالى أن نصلّي عليك يا رسول الله فكيف نصلّي عليك...» قولوا اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين انّك حميد مجيد، والسلام قد علمتم»(1).

محاجة آدم وموسى عليهما السلام
(481) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجّ آدم وموسى: فقال له موسى: انت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: انت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، ثم تلوموني على أمر قد قدّر عليَّ قبل أن اُخلق؟».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فحجّ آدم موسى مرتين»(2).
أقول: وشبيه هذا المضمون بتفاوت ورد في أحاديث الشيعة الامامية ايضاً، لكن الحديث فهمه محتاج إلى بحث، إذ قد ثبت في محلّه انّ تقديره تعالى في طول تدبير الانسان واختياره لا في عرضه وإلاّ لكان عذراً لكلّ المتخلفين. وتحقيقه في محلّه.

النساء الكاملة
(482) وعن أبي موسى: قال رسول الله: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاّ آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وانّ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»(3).
____________
(1) صحيح مسلم 4: 125.
(2) صحيح البخاري رقم 3228 كتاب الانبياء.
(3) صحيح البخاري رقم 3230 كتاب الانبياء.

( 249 )
أقول: وفي أحاديث الشيعة ـ غير المعتبرة سنداً عندهم ـ زيادة خديجة بنت خويلد وبنتها فاطمة، ويدلّ على الاَخيرة حديث البخاري: «ان فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» وغيره، وعلى الاَول قوله صلى الله عليه وسلم: «خير نسائها خديجة»(1).
وفي صحيح جامع الترمذي عن انس: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية امرأة فرعون»(2).
وأما الذيل فاظنه موضوعاً إذ لا يفضل الثريد على عدّة من الاطعمة كما لا يخفى، وربّما يقال انّه يشعر أو يدلّ على نقصها من وجهين: من جهة سلب الكمال عنها تلويحاً، ومن جهة ضعف فضل الثريد على كثير من الطعام، والله أعلم.

أفضليّة إبراهيم عليه السلام
(483) عن ابن عباس: قال رسول الله: «تحشرون حفاة عراة عزلاً... فأول من يكسى إبراهيم»(3).
أقول: الحديث يشير إلى أفضليّة إبراهيم عليه السلام عن سائر الانبياء عليهم السلام سوى خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، فتأمّل فيه.

عيسى والمهدي
(484) عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ليوشكنَّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً وعدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل
____________
(1) صحيح البخاري رقم 2604 كتاب فضائل الصحابة.
(2) صحيح جامع الترمذي 3: 244.
(3) صحيح البخاري رقم 3263 كتاب الانبياء.

( 250 )
الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال، حتى لا يقبله أحد...»(1).
(485) وعنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم»(2).

البداء لله تعالى
(486) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انّ ثلاثة في بني اسرائيل: ابرص، واقرع، واعمى، بدا لله أن يبتليهم...»(3).
أقول: على فرض صدور الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، يراد بقوله (بدا لله) اراد ان يظهر ما سبق في علمه ـ كما ذكره المعلّق ـ فالبداء في حقّه بمعنى الابداء ضرورة استحالة ظهور أمر أو شيء بعد خفائه عليه تعالى، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين شيعة وسنة سوى شاذ منهم.

عمر محدث
(487) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انّه قد كان في ما مضى قبلكم من الاُمم محدّثون، وانّه ان كان في اُمّتي هذه منهم فانّه عمر بن الخطاب»(4).
أقول: المحدّث ـ كمحمّد ومقدّس ـ من يحدّثه الملك كمريم عليها السلام وغيرها، وعن المعلق: هو الذي يجري الصواب على لسانه أو يخطر بباله الشيء فيكون، بفضل من الله.
أقول: لكنّه لا دليل عليه.
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3264 كتاب الانبياء.
(2) صحيح البخاري رقم 3265.
(3) صحيح البخاري رقم 3277.
(4) صحيح البخاري رقم 3283 ورواه أيضاً بتفاوت برقم 3486 كتاب المناقب.

( 251 )
وعنه أيضاً: «لقد كان فيمن كان قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلَّمون من غير أن يكونوا انبياء، فان يكن من اُمّتي منهم أحد فعمر»(1).
وعن بعض العلماء انّ قوله صلى الله عليه وسلم: «فان يكن...» للتأكيد دون الترديد.
لكنّ ربّما يرد. على رواية أبي هريرة هذه، بانّ ما صدر من عمر من كلمات لايناسب التحديث ـ أي تحديث الملك ايّاه ـ كقوله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما مات رسول الله، وقال: والله ما كان يقع في نفسي إلاّ ذاك، وليبعثنه الله فليقطعن ايدي رجال وارجلهم...(2).
وليس لاَحد أن يعتذر عنه بانّه قاله لذهاب عقله بحزنه لوفاة النبي، فانّه ذهب فور هذه إلى سقيفة بني ساعدة ـ وكان مديرها ـ ثم أخذ بيد أبي بكر فبايعه وبايعه الناس، فقال قائل: قتلتم سعداً، فقال عمر: قتله الله(3).
وجابر بن عبدالله يحلف بالله انّ ابن الصياد الدجال، قلت تحلف بالله؟ قال: اني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي(4) .
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3486 كتاب المناقب، ورواه مسلم في صحيحه بتفاوت عن عائشة 15: 166.
(2) صحيح البخاري رقم 3467 كتاب المناقب.
(3) صحيح البخاري رقم 3467.
(4) صحيح البخاري رقم 6922 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، وانظر روايات كون عمر محدثاً في صحيح مسلم 14: 123، وما ينافيه كحكمه برجم المجنونة حدود سنن أبي داود 4: 138 وغيره، وهو كثير.

( 252 )
أهميّة القانون
(488) عن عائشة... فكلّمه اُسامة (في شان المرأة المخزومية السارقة في اسقاط الحد) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتشفع في حدّ من حدود الله» ثم قام فاختطب ثم قال: «انّما هلك الذين قبلكم، انّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد، وأيم الله لو إنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها»(1).
أقول: أنا في صحّة الجملة الاَخيرة في شك، وعلى فرض صحّتها يدلّ الحديث على أنّ فاطمة اشرف الناس بعد النبي واعزّهم عنده، ولا شكّ فيه.

خصيصة الانبياء
(489) عن انس:... وكذلك الانبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم(2)، لكن أنساً لم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الناس والحكومات
(490) عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ستكون اثرة».
قالوا يا رسول الله: فما تأمرنا؟
قال: تؤدّون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم»(3).
وفي نقل آخر: «انكم سترون بعدي اثرة واموراً تنكرونها» أي اموراً مخالفة للشريعة من السلطة.
قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3288 كتاب الانبياء.
(2) صحيح البخاري رقم 3377 كتاب المناقب.
(3) صحيح البخاري رقم 3408 كتاب المناقب.

( 253 )
قال: «أدّوا اليهم حقّهم، وسلوا الله حقكم»(1).
(491) وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئاً فليصبر، فانّه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية»(2).
والاثرة ـ بتحريك الاَوّلين ـ: الاستبداد بالاَموال التي من حقّها أن تكون مشتركة.
أقول: هنيئاً لكم يا بني اُميّة، فقد جعلتم الشعب المسلم عبيداً لكم بوضع هذه الاَحاديث.

غلمة من قريش
(492) عن أبي هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلاك اُمّتي على يدي غلمة من قريش».
فقال: مروان غلمة؟
قال أبو هريرة: ان شئت أن اسمّيهم بني فلان وبني فلان(3).
لكنّ البخاري ينقل عن مروان ويعتمد عليه.

مقاتلوا علي
(493) عن الخدري: «... يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية...» فاشهد انّي سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشهد انّ علي بن أبي طالب قاتلهم وانا معه...(4).
أقول: فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن حرب الجمل باخباره عائشة بنبح كلاب
____________
(1) صحيح البخاري رقم 6644 كتاب الفتن.
(2) صحيح البخاري رقم 6645 كتاب الفتن، وما بعده من الاحاديث!
(3) صحيح البخاري رقم 3410.
(4) صحيح البخاري رقم 3414 كتاب المناقب.

( 254 )
الحوأب، وعن حرب صفين بقوله لعمار بانّه تقتله الفئة الباغية الداعية إلى النار، وعن حرب الخوارج بهذا الحديث الطويل(1).
(494) وعن زيد بن الجهني: انّه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي ايّها الناس انّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من اُمّتي... يمرقون من الاسلام.. وآية ذلك انّ فيهم رجلاً له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء.. فقال علي رضي الله عنه : التمسوا فيهم المخدج، فالتمسوه فلم يجدوه، فقام علي رضي الله عنه بنفسه حتى اتى ناساً قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخرّوهم، فوجدوه ممّا يلي الارض، فكبّر ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله...(2).
(495) عن عبيد الله بن أبي رافع... فلمّا قتلهم علي بن أبي طالب قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذّبت، مرتين أو ثلاثاً، ثم وجدوه في خربة...(3)
أقول: فيظهر كذب ما اُسند حروبه إلى رايه، واليك نصه:
(496) عن قيس بن عباد: قلت لعلي: اخبرنا عن مسيرك هذا أعهد عهده اليك رسول الله أم رأي رأيته؟
فقال: ما عهد اليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء، ولكنّه رأي رأيته(4).
أقول: مع انّه صلى الله عليه وسلم قال له: قاتلت أنا على تنزيل القرآن، وستقاتل على تأويله. ثم انّ الحديث يدلّ على انّ النبي صلى الله عليه وسلم علّم عليّاً بعض الغيوب
____________
(1) صحيح مسلم 7: 162 و167 و168 كتاب الزكاة.
(2) صحيح مسلم 7: 172 كتاب الزكاة.
(3) صحيح مسلم 7: 173.
(4) سنن أبي داود 4: 216 كتاب السنة.

( 255 )
كما يدعيه الشيعة ولا بأس به، فإنّ الله علمه نبيه صلى الله عليه وسلم (إلاّ من ارتضى من رسول) وعلّمه النبي عليّاً ومن شاء، وانّما المحال أن يعلم انسان الغيب من دون اعلام الله تعالى.
التفاضل بين الصحابة (أو تأثير بني اُميّة)
(497) عن ابن عمر: كنّا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم(1).
(498) وعن محمّد بن الحنفية: قلت لاَبي: أي الناس خير بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
قال: أبو بكر.
قلت: ثم من؟
قال: ثم عمر.
وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم انت؟
قال: ما أنا إلاّ رجل من المسلمين(2).
(499) عن ابن العاص... فقلت أي الناس أحبّ اليك؟
قال صلى الله عليه وسلم:«عائشة».
فقلت: من الرجال.
فقال:«أبوها».
قلت: ثم من؟
قل: «عمر بن الخطاب» فعدّ رجالاً(3).
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3394 كتاب المناقب، وانظر 3455.
(2) صحيح البخاري رقم 3468 كتاب المناقب.
(3) صحيح البخاري رقم 3462 كتاب فضائل الصحابة.

( 256 )
أقول: لا يحتمل ان عالماً يتفوّه بأنّ أحبّ الناس إليه زوجته فضلاً عن خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم، فهذا الحديث ظاهر الوضع.
(500) وعن ابن عمر... (عنه ـ صلى الله عليه وسلم ): وان كان ـ زيد بن حارثة ـ لمن احبّ الناس اليَّ، وانّ هذا ـ اُسامة بن زيد ـ لمن أحبّ الناس اليَّ بعده(1).

جزع عمر في آخر حياته
(501) عن المسور: لما طعن عمر، فقال له ابن عباس وكانّه يجزّعه (بالتشديد أي يزيل جزعه)... وأمّا ما ترى من جزعي فهو من أجلك واجل اصحابك، والله لو انّ لي طلاع الارض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عزّ وجلّ قبل أن أراه(2).
أقول: طلاع الارض: ما يملاَ الارض حتى يطلع ويسيل.

بيعة عثمان
(502) عن ابن ميمون ـ في حديث طويل ـ: فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم.
فقال الزبير: قد جعلت امري إلى علي.
فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان.
وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف.
فقال عبد الرحمن: أيّكما تبرّأ من هذا الاَمر فنجعله (أي تعيين الخليفة) إليه والله عليه والاسلام. لينظرن أفضلهم في نفسه فاسكت الشيخان.
فقال عبد الرحمن أفتجعلونه اليَّ، والله عليّ أن لا أعلو عن أفضلكم.
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3524.
(2) صحيح البخاري رقم 3489 كتاب المناقب.

( 257 )
قالا: نعم.
فأخذ بيد أحدهما، فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الاسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمّرتك لتعدلنَّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنَّ ولتعطينَّ. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلمّا أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه، فبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه(1).
أقول: هذا الذي رواه ابن ميمون ناقص واهمال لكثير ممّا جرى بين علي ومنافسيه الخمسة، فلابدّ من مراجعة سائر الكتب المعتبرة، فان البخاري يرى جواز التصرّف في الاحاديث والروايات بما يشاء، ففي موضع اُخر نقل القصة بشكل آخر كما هو عادته وهي توجب وهن كتابه جداً، وعلى كلّ اليك بعض جملاته: وقد كان عبد الرحمن يخشى من عليٍّ شيئاً... فاجتمع اولئك الرهط ارسل إلى المهاجرين والانصار وارسل إلى امراء الاجناد... فلمّا اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال: أمّا بعد يا علي انّي قد نظرت في أمر الناس فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلنَّ على نفسك سبيلا...(2)
فلاحظ كيف يهدّد عليّاً بالقتل، فلو كان علي راضياً لما احتاج عبد الرحمن إلى تخويفه على نفسه!

الفصل بين عيسى عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم
(503) عن سلمان قال: فترة بين عيسى عليه السلام ومحمّد صلى الله عليه وسلّم ستمائة سنة(3).
أقول: يقول بعض كتّاب الغرب انّه يبدأ التأريخ القمري من غروب
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3497 فضائل الصحابة.
(2) صحيح البخاري رقم 6781 كتاب الاحكام.
(3) صحيح البخاري رقم 3732.

( 258 )
يوم السادس عشر من يولية سنة 622 من الميلاد، وهي زمن هجرة النبي من مكّة، وعلى حسابه الطويل يكون عام 1421 من الهجري في عام 2000 من الميلاد. وهذا ينافي ما نقل عن سلمان.

لا عبرة بأقوال الصحابة
(504) عن جابر: انّهم كانوا يوم الحديبية (1400).
وعن بن أبي أوفى: انّ اصحاب الشجرة (1300).
وعن جابر أيضاً: (1500).
فإذا كان هذا في المحسوسات فكيف بالحدسيات سهواً كان الاختلاف أو عمداً، فلا عبرة بأقوال الصحابة والرواة. وقد اشرنا إلى جملة من موارد اختلافهم فيما سبق وهي كثيرة، وسيأتي أيضاً.

خدمة الفاجر للدين
(505) عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم: «... انّ الله ليؤيّد الدين بالرجل الفاجر»(1).

بريدة وعلي
(506) عن بريدة: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت ابغض عليّاً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلمّا قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: «يا بريدة أتبغض عليّاً؟».
فقلت: نعم.
قال: لا تبغضه فانّ له في الخمس اكثر من ذلك»(2).
أقول: ومن الظاهر عدم تطابق الحكم والعلّة، فبريدة لم ينقل تمام
____________
(1) صحيح البخاري رقم 3967.
(2) صحيح البخاري رقم 4093 كتاب المغازي.